الشفا
بتعريف حقوق المصطفى محذوف الأسانيد الْفَصْلُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ
مَعَارِفُهُ وَعُلُومُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَمِنْ مُعْجِزَاتِهِ الْبَاهِرَةِ مَا جَمَعَهُ اللَّهُ لَهُ مِنَ
الْمَعَارِفِ وَالْعُلُومِ وَخَصَّهُ بِهِ مِنْ الِاطِّلَاعِ عَلَى جَمِيعِ
مَصَالِحِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ، وَمَعْرِفَتِهِ بِأُمُورِ شَرَائِعِهِ
وَقَوَانِينِ دِينِهِ وَسِيَاسَةِ عِبَادِهِ وَمَصَالِحِ أُمَّتِهِ، وَمَا
كَانَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَهُ وَقِصَصِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ
وَالْجَبَابِرَةِ وَالْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَى
زَمَنِهِ، وَحِفْظِ شَرَائِعِهِمْ وَكُتُبِهِمْ وَوَعْيِ سِيَرِهِمْ
وَسَرْدِ أَنْبَائِهِمْ وَأَيَّامِ اللَّهِ فِيهِمْ وَصِفَاتِ
أَعْيَانِهِمْ وَاخْتِلَافِ آرَائِهِمْ، وَالْمَعْرِفَةِ بِمُدَدِهِمْ
وَأَعْمَارِهِمْ وَحِكَمِ حُكَمَائِهِمْ، وَمُحَاجَّةِ كُلِّ أُمَّةٍ مِنَ
الْكَفَرَةِ، وَمُعَارَضَةِ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنَ الْكِتَابِيِّينَ بِمَا
فِي كُتُبِهِمْ..
وَإِعْلَامِهِمْ بِأَسْرَارِهَا وَمُخَبَّآتِ عُلُومِهَا.. وَإِخْبَارِهِمْ
بِمَا كتموه مِنْ ذَلِكَ وَغَيَّرُوهُ.. إِلَى الِاحْتِوَاءِ عَلَى لُغَاتِ
الْعَرَبِ.. وَغَرِيبِ أَلْفَاظِ فِرَقِهَا.. وَالْإِحَاطَةِ بِضُرُوبِ
فَصَاحَتِهَا.. والحفظ
(1/694)
لِأَيَّامِهَا وَأَمْثَالِهَا وَحِكَمِهَا
وَمَعَانِي أَشْعَارِهَا وَالتَّخْصِيصِ بِجَوَامِعِ كَلِمِهَا إِلَى
الْمَعْرِفَةِ بِضَرْبِ الْأَمْثَالِ الصَّحِيحَةِ وَالْحِكَمِ
الْبَيِّنَةِ لِتَقْرِيبِ التَّفْهِيمِ لِلْغَامِضِ وَالتَّبْيِينِ
لِلْمُشْكِلِ.. إِلَى تَمْهِيدِ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ الَّذِي لَا تَنَاقُضَ
فِيهِ.. وَلَا تَخَاذُلَ.. مَعَ اشْتِمَالِ شَرِيعَتِهِ عَلَى مَحَاسِنِ
الْأَخْلَاقِ.. وَمَحَامِدِ الْآدَابِ.. وَكُلِّ شَيْءٍ مُسْتَحْسَنٍ
مُفَضَّلٍ «1» ..
لَمْ يُنْكِرْ مِنْهُ مُلْحِدٌ ذُو عَقْلٍ سَلِيمٍ شَيْئًا إِلَّا مِنْ
جِهَةِ الْخِذْلَانِ.. بَلْ كُلُّ جَاحِدٍ لَهُ وَكَافِرٍ مِنَ
الْجَاهِلِيَّةِ بِهِ إِذَا سمع ما يدعو اليه صوّبه واستحسن دُونَ طَلَبِ
إِقَامَةِ بُرْهَانٍ عَلَيْهِ.. ثُمَّ مَا أَحَلَّ لَهُمْ مِنَ
الطَّيِّبَاتِ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْخَبَائِثِ، وَصَانَ بِهِ
أَنْفُسَهُمْ وَأَعْرَاضَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ مِنَ الْمُعَاقَبَاتِ
وَالْحُدُودِ عَاجِلًا وَالتَّخْوِيفِ بِالنَّارِ آجِلًا مِمَّا لا يعلم
علمه وَلَا يَقُومُ بِهِ وَلَا بِبَعْضِهِ إِلَّا مَنْ مَارَسَ الدَّرْسَ
وَالْعُكُوفَ عَلَى الْكُتُبِ وَمُثَافَنَةِ «2» بَعْضِ هذا إلى الاحتواء
على ضروب العلم وفنون المعارف كالطب والعبارة «3» والفرائض «4» والحساب
__________
(1) وفي نسخة مفصل بالصاد المهملة.
(2) مثافنة: بميم ونون وقاف مثلثة وهو بمعنى الاستخراج كما في القاموس
معطوف على الدروس والمعنى ظاهر وما في بعض النسخ من أنه بالفاء مفاعلة من
النفث وهو الريق من الساحر والراقي ويطلق على لازمه وهو السحر والسحر قد
شاع في الدقة وكأنه المراد أي والدقيق في بعض هذه الأمور.
(3) العبارة: بكسر العين المهملة أي تعبير رؤيا المنام.
(4) الفرائض: علوم المواريث.
(1/695)
وَالنَّسَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ
الْعُلُومِ مِمَّا اتَّخَذَ أهل الْمَعَارِفِ كَلَامَهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا قُدْوَةً وَأُصُولًا فِي عِلْمِهِمْ.
كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» «الرُّؤْيَا لِأَوَّلِ
عَابِرٍ «2» وَهِيَ «3» عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ» «4» وَقَوْلِهِ «5»
«الرُّؤْيَا ثَلَاثٌ: رُؤْيَا حَقٍّ وَرُؤْيَا يُحَدِّثُ بِهَا الرَّجُلَ
نَفْسَهُ وَرُؤْيَا تَحْزِينٍ من الشيطان» .
__________
(1) رواه ابن ماجه عن أنس رضي الله تعالى عنه.
(2) أي معبر ذو رأي ثاقب عالم بالعبارة على وجه الاشارة إذ أصاب وكان يحسن
تعبيرها فإذا اعتبر شروطها وعبرها وقعت وكان ابن سيرين يقول إني اعتبرت
الحديث والمعنى أنه يعبرها به كما يعبرها بالقرآن فيعبر القرآن مثلا بالرجل
الفاسق والمرأة بالضلع أخذا من تسميته صلّى الله تعالى عليه وسلم له فاسقا
وتسميتها ضلعا.
(3) كما رواه أبو داود والترمذي وصححه وأول الحديث: «رؤيا المؤمن جزء من
ستة وأربعين جزءا من النبوة وهي على رجل طائر ما لم تعبر فاذا عبرت وقعت
فلا يحدث بها إلا حبيبا أو لبيبا» .
(4) رجل طائر: بكسر الراء المهملة وسكون الجيم ولام والمعنى أن الرؤيا قدر
جار وقضاء ماض وحكم نافذ من خير أو شر أو نفع أو ضر وقال ابن قتيبة: «أراد
أنها غير مستقرة يقال للشيء إذا لم يستقر هو على رجل طائر وعلى قرن ظبي»
والحاصل أن هذا تمثيل وتصوير لجعل الرؤيا على قدر قدره الله تعالى لصاحبها
بشيء متعلق برجل طائر يسقط بأدنى حركة فاذا عبرها أول عابر فكأنها كانت على
رجله فسقطت وكل حركة جرت من شيء فهو طائر ومنه قوله تعالى في سورة يسن «وكل
إنسان ألزمناه طائره في عنقه» أي حركاته في عبادته ومعاملاته في ذمته غير
منفكة عنه.
(5) كما رواه الشيخان وغيرهما عن بضعة عشر من الصحابة إلا أنه قيل إن الذي
في مسلم عن ابن سيرين عن أبي هريرة «إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن
تكذب وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا ورؤيا المسلم جزء من خمسة وأربعين جزءا من
النبوة والرؤيا ثلاث: رؤيا صالحة بشرى من الله ورؤيا تخزين من الشيطان
ورؤيا يحدث بها المرء نفسه فان رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث بها
الناس» . وقد اختلفوا في ما ذكر من كون الرؤيا ثلاثا إلى آخره فقيل هو مدرج
في الحديث من كلام ابن سيرين وقيل هو موقوف على أبي-
(1/696)
وَقَوْلِهِ «1» : «إِذَا تَقَارَبَ «2»
الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ تَكْذِبُ» وَقَوْلِهِ: «3»
«أَصْلُ كُلِّ دَاءٍ الْبَرَدَةُ «4» .»
وَمَا رُوِيَ «5» عَنْهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «6» رضي الله عنه:
«الْمَعِدَةُ حَوْضُ الْبَدَنِ «7» وَالْعُرُوقُ إِلَيْهَا وَارِدَةٌ»
وَإِنْ كَانَ هَذَا حَدِيثًا لَا نُصَحِّحُهُ لِضَعْفِهِ وَكَوْنِهِ موضوعا
«8» .
__________
- هريره وقيل فيه إنه مرفوع ويؤيده أن ابن حنبل رفعه مسندا والحافظ السيوطي
اعتمده وكذا المصنف رحمه الله تعالى فلا يرد عليه أن ابن الملقن قال في شرح
البخاري أن الصحيح أنه ليس من كلامه صلّى الله عليه وسلم واختلف في قائله
والصحيح أنه ابن سيرين وقول ابن حجر في فتح الباري أنها ليست منحصرة في
الثلاث فان منها رابعا وهو تهويل الشيطان وخامسا وهو ما يهم به المرء في
يقظته وسادسا وهو تلاعب الشيطان وسابعا وهو ما يعتاده الاحسان.
(1) رواه الشيخان عن أبي هريرة مسندا.
(2) المراد اقتراب الساعة وقيل المراد قصر الأيام والليالي على الحقيقة
وقيل تقارب الليل والنهار ومن الاعتدال. لقول العابرين إن أصدق الأزمان
لوقوع العبارة وقت انفتاق الأنوار والأزهار ووقت ادراك الثمار حين يستوي
الليل والنهار وفي بعض الأخبار فيما رواه أحمد والترمذي وابن حبان والبيهقي
عن أبي سعيد «أصدق الرؤيا بالأسحار
(3) كما رواه الدارقطني في العلل عن أنس وضعفه ابن السني وابو نعيم في الطب
عن علي وعن أبي سعيد وعن الزهري مرسلا فلا وجه لما قيل من أنه لا صحة له.
(4) البردة: بموحدة وراء ودال مهملتين مفتوحات أي التخمة وثقل الطعام على
المعدة وسميت بردة لأنها لبرد المعدة حتى تضعف عن طبخه وتصفيه أخلاطه
والمراد بكونه أصلا لذلك أنه منشؤه او مبدؤه في الغالب.
(5) كما رواه الطبراني في الأوسط.
(6) تقدمت ترجمته في ص «30» رقم «5» .
. (7) تشبيه بليغ والحوض مجمع الماء فشبه المعدة به لجمعها الطعام وكجمع
الحوض الماء.
(8) لا يرد على المصنف رحمه الله تعالى أنه كيف ذكر الموضوع وهو كذب عليه
صلى الله عليه وسلم وهو ممتنع لأن ذلك في ذكره مع بيانه، وقد اختلف فيه
فقيل إنه مرفوع قال الطبراني في الأوسط عن الزهري عن أبي هريرة مرفوعا
«المعدة حوض-
(1/697)
تكلم عليه الدارقطني «1» .
وقوله «2» خبر مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ السَّعُوطُ «3» وَاللَّدُودُ «4»
وَالْحِجَامَةُ «5» وَالْمَشِيُّ «6» وَخَيْرُ «7» الْحِجَامَةِ يَوْمَ
سَبْعَ عَشْرَةَ وَتِسْعَ عَشْرَةَ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ «8» .. وَفِي «9»
الْعُودِ الْهِنْدِيِّ سَبْعَةُ أَشْفِيَةٍ منها ذات الجنب
__________
البدن والعروق اليها واردة فاذا صحت المعدة صدرت العروق بالصحة وإذا فسدت
المعدة صدرت العروق بالسقم» ولم يروه عن الزهري إلا زيد بن أبي أنيسة تفرد
به الرهاوي وقوله تكلم الى آخره أي بحث في مسنده وكونه مرفوعا وقال في كتاب
العلل «اختلف فيه عن الزهري فرواه أبو قرة الراوي عنه وقال عن عائشة ولم
يقل عن أبي هريرة وكلا الروايتين عن أبي هريرة لم يصح ولا يعرف من كلام
النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم وإنما هو من كلام عبد الملك بن سعيد بن
أبجر وقيل انه من كلام الحارث بن كلدة وعن ابن منبه ما يقرب منه وذكر ابن
أبي الدنيا أنه اجمعت الاطباء على أن رأس الطب الحمية والحكماء على أن رأس
الحكمة الصمت.
(1) تقدمت ترجمته في ص «158» رقم «1» .
(2) كما رواه الترمذي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
(3) السعوط: بفتح السين وضم العين وواو وطاء مهملات مما يجعل في الانف
ويستنشق به لفتح السدد الدماغية ومنع النزلات.
(4) اللدود: بفتح اللام وضم الدال المهملة وواو ودال مهملة وهو ما يجعل في
أحد شقي الفم ويتغرغر به لدفع ورم به يعتري الصيان غالبا.
(5) الحجامة: بكسر الحاء المهملة وهي مص الدم بآلة معروفة في الرأس وبين
الكتفين وهي في مؤخر الدماغ تورث النسيان وهي دواء للشقيقة في الرأس مع انه
مرض مزمن وورد فيها أحاديث.
(6) المشي: بفتح الميم وكسر الشين المعجمة وتشديد المثناة التحتية وهو
المسهل.
(7) رواه الحاكم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وصححه وأبو داود عن أبي
هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعا.
(8) في رواية أبي داود عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه زيادة (كان شفاء من
كل داء) .
(9) رواه البخاري عن أم قيس.
(1/698)
وَقَوْلِهِ «1» : «مَا مَلَأَ ابْنُ آدَمَ
وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ» .. إِلَى قَوْلِهِ: فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ
فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ..
وَقَوْلِهِ «2» وَقَدْ سُئِلَ عَنْ سَبَإٍ «3» أَرَجُلٌ هُوَ أو امْرَأَةٌ
أَمْ أَرْضٌ فَقَالَ: «رَجُلٌ وَلَدَ عَشْرَةً تيامن «4» منهم ستة وتشأم
«5» أَرْبَعَةٌ» الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.. وَكَذَلِكَ جَوَابُهُ «6» فِي
نَسَبِ قُضَاعَةَ «7» . وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا اضْطُرَّتِ الْعَرَبُ عَلَى
شَغْلِهَا بِالنَّسَبِ إِلَى سُؤَالِهِ عَمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ
ذَلِكَ وَقَوْلِهِ: «8» «حِمْيَرُ «9» رَأْسُ الْعَرَبِ وَنَابُهَا
__________
(1) كما رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والمحاكم عن المقدام بن معد يكرب.
(2) رواه الترمذي وأحمد عن ابن عباس مسندا.
(3) هو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان: من كبار ملوك اليمن في الجاهلية
الاولى. قيل اسمه عبد شمس وقيل عامر. ويظن انه كان في القرن العشرين قبل
الميلاد، ملك صنعاء وما جاورها، ووصفه مؤرخوه بالشجاعة وأولع بالعمران،
فابتنى مدينة مأرب وفيها السد وأعقب نسلا كثيرا.
(4) أي سكنوا اليمن.
(5) أي سكنوا الشام.
(6) رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني عن عمرو بن مرة الجهني أنه صلّى الله
عليه وسلم قال: من كان هنا من معد فليقم فقمت فقال: أقعد فقلت: ممن نحن
قال: أنتم من قضاعة ابن مالك بن حمير.
(7) قضاعة: بضم القاف وضاد معجمة وعين مهملة أبو حي من اليمن لقب به
لانفصاله عن الناس لأن القضاعة ما ينفصل عن أصل الحائط وقيل هي من قضع
بمعنى قهر لقهره بشجاعته من عاداه وقيل القضاعة من أسماء الفهد او كلب
الماء.
(8) رواه البزار وقال العسقلاني أنه منكر.
(9) هو حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان: جد جاهلي قديم، كان ملك
اليمن واليه نسبة الحميريين وكان شجاعا مظفرا حكم بعد أبيه سبأ، وعاصمة
ملكه. صنعاء، وغزا وافتتح حتى بلغ بعض غزاته الصين، ويذكرون من وقائعه
قتاله لقبائل ثمود ويرى بعضهم أن اسمه «العرنجج» وأنه لقب بحمير لكثرة لبسه
الثياب الحمر. لم يصل التنقيب عن الآثار حتى الآن الى التاريخ الصحيح لقيام
الدولة الحميرية والمشتغلون بهذا العلم واقفون عند رأي [إدورد جلازر] بأن
قيامها كان سنة «115» قبل الميلاد.
(1/699)
وَمَذْحِجٌ «1» هَامَتُهَا «2»
وَغَلْصَمَتُهَا «3» وَالْأَزدُ «4» كَاهِلُهَا «5» وَجُمْجُمَتُهَا «6»
وَهَمْدَانُ غَارِبُهَا «7» وَذِرْوَتِهَا» «8» .
وَقَوْلِهِ: «9» «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كهيئة يَوْمَ خَلَقَ
اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ» وَقَوْلِهِ «10» فِي الْحَوْضِ «11» :
«زَوَايَاهُ سَوَاءٌ» «12» .
وَقَوْلِهِ «13» فِي حَدِيثِ الذِّكْرِ: «وإنّ الحسنة بعشر أمثالها فتلك
مئة
__________
(1) هو مذحج (واسمه مالك) بن أدد بن زيد. من كهلان: جد جاهلي يماني قديم.
من القحطانية. قال اليعقوبي: (كانت تلبية مذحج في الجاهلية إذا حجوا: «لبيك
رب الشعرى، ورب اللات والعزى» . وكان صنمهم «يغوث» قاتلهم عليه بنو غطيف
فهربوا به الى نجران.)
(2) هامتها: أي رأسها.
(3) غلصمتها: بفتح الغين المعجمة وسكون اللام وفتح الصاد المهملة وميم وهاء
وهي لحمة بين الرأس والعنق او رأس الحلقوم وهو اشارة الى تمكنهم في الشرف
وعلوهم وأصالتهم وعظمتهم.
(4) الأزد بهمزة مفتوحة وزاي معجمة ساكنة ودال مهملة وهو الأزد بن الغوث
وهو بالسين المهملة أفصح كما في القاموس أبو حي من اليمن منه الأنصار وأطلق
هذا الاسم على قبيلة.
(5) كاهلها: بكسر الهاء وهو ما يلي العنق من أعلى الظهر.
(6) جمجمتها: بضم الجيمين المعجمتين وميمين الاولى ساكنة والثانية مفتوحة
وهي عظام الرأس وتطلق على الرأس نفسها والمراد هنا انهم سادة العرب.
(7) غاربها: بكسر الراء وهو من البعير كالكاهل من الانسان وهو ما بين
السنام والعنق.
(8) ذروتها: بكسر الذال المعجمة وضمها وسكون الراء المهملة أي أعلاها
وسنامها.
(9) رواه الشيخان عن أبي بكرة في خطبة حجة الوداع.
(10) كما رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.
(11) أي حوضه صلّى الله تعالى عليه وسلم يوم القيامة.
(12) أي مربع تربيعا مستويا لا يزيد طوله على عرضه.
(13) رواه أبو داود وابن ماجة عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى
عنهما
(1/700)
وخمسون على اللسان وألف وخمسمئة فِي
الْمِيزَانِ» «1» . وَقَوْلِهِ «2» وَهُوَ بِمَوْضِعٍ: «نِعْمَ مَوْضِعُ
الْحَمَّامِ «3» هَذَا» .. وَقَوْلِهِ: « «4» مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ
وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ «5» » . وَقَوْلِهِ «6» لِعُيَيْنَةَ «7» أَوِ
الْأَقْرَعِ: «8» . «أَنَا أَفْرَسُ «9» بِالْخَيْلِ مِنْكَ» وَقَوْلِهِ
«10» لِكَاتِبِهِ: «ضَعِ الْقَلَمَ عَلَى أذنك فإنه أذكر «11» للمملّ» «12»
..
هَذَا مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَكْتُبُ
وَلَكِنَّهُ أُوتِيَ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ حتى قد
__________
(1) في هذا استدلال على معرفته صلّى الله تعالى عليه وسلم بالحساب.
(2) رواه الطبراني عن أبي رافع بسند قالوا ان فيه ضعفا.
(3) الحمام: بفتح الحاء المهملة وتشديد الميم بيت يعد للغسل يذكر ويؤنث،
ولم يكن في عصره صلّى الله تعالى عليه وسلم حمام ولم يدخله.
(4) رواه الترمذي عن أبي هريرة وصححه.
(5) قال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما «اذا جعلت المغرب عن يمينك والمشرق
عن يسارك فما بينهما قبلة» الشاهد في هذا الحديث انه يدل على علمه صلّى
الله عليه وسلم بعلم الميقات فان معرفة سمت القبلة باب منه تضمنه هذا
الحديث.
(6) هذا الحديث ذكره ابن الاثير في النهاية ولم يخرجه السيوطي لانه لم يقف
عليه
(7) هو عيينة بن حصن الفزاري ويكنى ابا مالك أسلم يوم الفتح وكان من
المؤلفة قلوبهم وكان من جفاة الاعراب، وهو الذي قال عنه صلّى الله عليه
وسلم: «انه الاحمق المطاع» لانه كان سيد قومه وعيينة علم منقول من تصغير
العين.
(8) هو الاقرع بن حابس بن عفان بن محمد بن سفيان بن مجاشع التميمي واسمه
«فراس» ولقب بالاقرع لقرع في رأسه وهو من المؤلفة قلوبهم وكان شجاعا فارسا
شريفا في قومه في الجاهلية والاسلام اسلم وقدم على رسول الله صلّى الله
تعالى عليه وسلم في وفد بني تميم وهو الذي نزل فيه (إن الذين ينادونك من
وراء الحجرات) .
(9) أفرس: أعرف وأبصر ومصدره الفراسة بفتح الفاء والفراسة بالكسر من التفرس
وهو معنى آخر.
(10) رواه الترمذي عن زيد بن ثابت.
(11) أي أكثر تذكرا قال الحلبي: «لأنه يقتضي التؤدة وعدم العجلة» .
(12) للممل: بضم الميم الأولى وكسر الثانية وتشديد اللام اسم فاعل أصله
المملل ويملي وأملى وأمل بمعنى واحد وهو إلقاء ما يكتب على الكاتب.
(1/701)
وَرَدَتْ آثَارٌ بِمَعْرِفَتِهِ حُرُوفَ
الْخَطِّ وَحُسْنِ تَصْوِيرِهَا.
كَقَوْلِهِ «1» : «لَا تَمُدُّوا «2» بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ» رواه ابن شعبان «3» عن طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ «4» وَقَوْلِهِ
«5» فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي يُرْوَى عَنْ مُعَاوِيَةَ «6» أَنَّهُ
كَانَ يَكْتُبُ بَيْنَ يَدَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ
لَهُ: «أَلْقِ الدَّوَاةَ «7» وَحَرِّفِ الْقَلَمَ «8» وَأَقِمِ الْبَاءَ
«9» وَفَرِّقِ السِّينَ «10» وَلَا تُعْوِرِ الْمِيمَ «11» وَحَسِّنِ
اللَّهَ «12» ، ومدّ الرّحمن «13» وجوّد الرّحيم «14»
__________
(1) قال السيوطي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما «لا تمد بسم الله
الرّحمن الرّحيم..» لم أجده وللديلمي من حديث أنس رضي الله تعالى عنه «إذ
كتب أحدكم بسم الله الرّحمن الرّحيم فليمد الرّحمن» . وله من حديث زيد بن
ثابت رضي الله تعالى عنه «إذا كتبت فبين السين في بسم الله الرّحمن
الرّحيم» .
(2) أي لا تجعلوا السين مدة طويلة في نسخة (لا تمد) .
(3) ابن شعبان هو محمد بن القاسم بن شعبان بن اسحق المصري المالكي توفي سنة
خمس وخمسين ومائة وضعفه ابن حزم وله ترجمة في الميزان.
(4) تقدمت ترجمته في ص «52» رقم «6» .
(5) كما في مسند الفردوس للديلمي.
(6) تقدمت ترجمته في ص «359» رقم «2» .
(7) ألق: فعل أمر بفتح الهمزة وكسر اللام والقاف لالتقاء الساكنين يقال لاق
الدواة يليقها ليقة وليقا وألاق ولاق يتعدى ولا يتعدى أي أصلح مدادها من
قولهم لاق به إذا ألصقه ومنه يليق بك كذا.
(8) حرف القلم: بتشديد الراء المكسورة أمر من التحريف أي اجعل طرف شقه
الأيمن أزيد من الطرف الأخر قليلا لأنه أسرع في الكتابة وأبدع في اللطافة.
(9) وأقم الباء: أي اجعلها مستقيمة أو طولها قيلا لأنها عوض عن ألف اسم.
(10) أي اجعل سننها منفصلا بعضها من بعض.
(11) أي لا تجعل دائرتها مطموسة كالعين العوراء (لا تعور) هو بضم المثناة
الفوقية وفتح العين المهملة وكسر الواو المشددة وراء مهملة.
(12) أي كتابته وصورة لفظه تعظيما لمسماه.
(13) أي أكثر حروفه من الحاء والميم والنون أو آخرها وهو الأولى
(14) أي حسن كتابته والتجويد مطلق التحسين.
(1/702)
وَهَذَا وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ الرِّوَايَةُ
أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ
يرزق علم هذا ويمنع الكتابة والقراءة.
وَأَمَّا عِلْمُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلُغَاتِ الْعَرَبِ
وَحِفْظُهُ مَعَانِيَ أَشْعَارِهَا فَأَمْرٌ مَشْهُورٌ.. قَدْ نَبَّهْنَا
عَلَى بَعْضِهِ أَوَّلَ الْكِتَابِ. وَكَذَلِكَ حِفْظُهُ لِكَثِيرٍ مِنْ
لُغَاتِ الْأُمَمِ.
كَقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ «1» سَنَهْ سَنَهْ «2» وَهِيَ «حَسَنَةٌ»
بِالْحَبَشِيَّةِ «3» وَقَوْلِهِ «4» وَيَكْثُرُ «الْهَرْجُ» «5» وَهُوَ
«الْقَتْلُ» بِهَا «6» .
وَقَوْلِهِ «7» فِي حَدِيثِ أبي هريرة «8» «أشكنب دردم «9» » أي
__________
(1) رواه البخاري عن أم خالد.
(2) سنه: بفتح السين وتخفيف النون وتشدد فهاء ساكنة وفي رواية (سناه سناه)
وفي أخرى (سناسنا) بفتح مهمانها وكسرها رواية القابسي وشده نونها وخففها
أبو ذر وغيره قال ابن قرقول: «كلها بفتح السين وتشديد النون إلا عند أبي ذر
فإنه خفف النون وإلا القابسي فإنه كسر السين.»
(3) أي باللغة المنسوبة إلى الحبشة.
(4) رواه الشيخان وغيرهما من طرق في حديث الفتن.
(5) الهرج: بفتح الهاء وسكون الراء المهملة وجيم كثرة القتل.
(6) أي بلغة الحبشة.
(7) رواه ابن ماجه وفي سنده داود بن عليه والكلام فيه معروف قال الذهبي في
في ميزانه روى جماعة عن داود بن علية عن مجاهد عن أبي هريرة أن النبي صلّى
الله عليه وسلم قال: يا أبا هريرة «اشكنب درد» قلت لا. الحديث أخرجه أحمد
في مسند والأصح ما رواه المحاربي عن ليث عن مجاهد مرسلا.
(8) تقدمت ترجمته في ص «30» رقم «5» .
(9) اشكنب دردم: بهمزة مفتوحة وشين معجمة ساكنة وكاف عربية مفتوحة ونون
ساكنة وباء موحدة ساكنة وفسره المصنف رحمه الله تعالى بما يأتي وفي
الفارسية بهمزة مكسورة وقد تفتح ويزاد فيها هاء فيقال شكنبة بكسر الشين
فعربت وغير لفظها-
(1/703)
«وَجَعُ الْبَطْنِ» بِالْفَارِسِيَّةِ
إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.. مُمَا لَا يَعْلَمُ بَعْضَ هَذَا وَلَا يَقُومُ بِهِ
وَلَا بِبَعْضِهِ إِلَّا مَنْ مَارَسَ الدَّرْسَ وَالْعُكُوفَ عَلَى
الْكُتُبِ وَمُثَافَنَةِ «1» أَهْلِهَا عُمُرَهُ.. وَهُوَ رَجُلٌ كَمَا
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
«أُمِّيٌّ» لَمْ يَكْتُبْ وَلَمْ يَقْرَأْ وَلَا عُرِفَ بِصُحْبَةِ مَنْ
هَذِهِ صِفَتُهُ..
وَلَا نَشَأَ بَيْنَ قَوْمٍ لَهُمْ عِلْمٌ وَلَا قِرَاءَةٌ لِشَيْءٍ مِنْ
هَذِهِ الْأُمُورِ.. وَلَا عُرِفَ هُوَ قَبْلُ بِشَيْءٍ مِنْهَا.
قَالَ اللَّهُ تعالى: «وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ
وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ «2» » الْآيَةَ إِنَّمَا كَانَتْ غَايَةُ
مَعَارِفِ الْعَرَبِ النَّسَبُ وَأَخْبَارُ أَوَائِلِهَا وَالشِّعْرُ
وَالْبَيَانُ.. وَإِنَّمَا حَصَلَ ذَلِكَ لهم بعد التفرع لعلم ذلك..
واشتغال بِطَلَبِهِ وَمُبَاحَثَةِ أَهْلِهِ عَنْهُ.. وَهَذَا الْفَنُّ
نُقْطَةٌ مِنْ بَحْرِ عِلْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا سبيل
إلى جحد الملحد بشيء مِمَّا ذَكَرْنَاهُ.. وَلَا وَجَدَ الْكَفَرَةُ
حِيلَةً فِي دفع ما نصصناه إلا قولهم
__________
ومعناها فإن معناها الكرش عند العجم ودرد بدالين مهملتين مفتوحتين بينهما
راء مهملة ساكنة والميم عندهم ضمير المتكلم والصحيح إهمال الدالين وإسقاط
الميم كما رواه ابن ماجة وضبطت به الرواية عنه فإنه قزويني أعلم بلغته وثقة
في الرواية فما قيل ان دال درد الأولى معجمة وهم من راويه كرواية الميم.
(1) مثافنة: بالمثلثة والفاء والنون أي مجالسة أهل العلوم وفي نسخة بالقاف
الموحدة بمعنى المباحثة.
(2) «إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي
صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا
الظَّالِمُونَ» سورة العنكبوت آية رقم 48- 49.
(1/704)
«أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ «1» » «إِنَّما
يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ «2» » فَرَدَّ اللَّهُ قَوْلَهُمْ بِقَوْلِهِ «لِسانُ
الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ
«3» » ثُمَّ مَا قَالُوهُ مُكَابَرَةُ الْعِيَانِ.. فَإِنَّ الَّذِي
نَسَبُوا تَعْلِيمَهُ إِلَيْهِ إِمَّا سَلْمَانُ «4» أَوِ الْعَبْدُ «5»
الرُّومِيُّ..
وَسَلْمَانُ إِنَّمَا عَرَفَهُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَنُزُولِ الْكَثِيرِ
مِنَ الْقُرْآنِ..
وَظُهُورِ مَا لَا يَنْعَدُّ مِنَ الْآيَاتِ وَأَمَّا الرُّومِيُّ فَكَانَ
أَسْلَمَ.. وَكَانَ يَقْرَأُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ وَقِيلَ بَلْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِسُ عِنْدَهُ عِنْدَ المروة
__________
(1) سورة الفرقان آية رقم (5) .
(2) سورة النحل آية رقم (103) .
(3) سورة النحل آية رقم (103) .
(4) هو سلمان الفارسي: صحابي: جليل كان يسمي نفسه سلمان الاسلام. أصله من
مجوس أصبهان. عاش عمرا طويلا، واختلفوا فيما كان يسمى به في بلاده. وقالوا:
نشأ في قرية جيان، ورحل الى الشام، فالموصل، فنصيبين، فعمورية؛ وقرأ كتب
الفرس والروم واليهود وقصد بلاد العرب، فلقيه ركب من بني كلب فاستخدموه ثم
استعبدوه وباعوه؛ فاشتراه رجل من قريظة فجاء به الى المدينة، وعلم سلمان
بخبر الإسلام فقصد النبي صلّى الله عليه وسلم بقباء وسمع كلامه ولازمه
أياما وأبى أن «يتحرر» بالاسلام. فأعانه المسلمون على شراء نفسه من صاحبه.
فأظهر إسلامه، وكان قوي الجسم، صحيح الرأي، عالما بالشرائع وغيرها. وهو
الذي دل المسلمين على حفر الخندق في غزوة الأحزاب، حتى اختلف المهاجرون
والأنصار، كلاهما يقول: سلمان منا، فقال رسول الله: «سلمان منا أهل البيت»
! وجعل أميرا على المدائن، فأقام فيها الى أن توفي، وكان إذا خرج عطاؤه
تصدق به وكان ينسج الخوص ويأكل خبز الشعير من كسب يده.
(5) هو يعيش غلام حويطب بن عبد العزى الرومي وكان ممن قرأ الكتب ثم اسلم
وقد اختلف في اسمه فقيل هو يعيش وقيل: بلعام، وقيل: جبر، وقيل يسار، وجمع
البعض بين اختلاف الاسماء بأنها أسماء لأشخاص معدودين لا لشخص واحد.
(1/705)
وَكِلَاهُمَا أَعْجَمِيُّ اللِّسَانِ..
وَهُمُ الْفُصَحَاءُ اللُّدُّ «1» ، وَالْخُطَبَاءُ اللُّسْنُ «2» قَدْ
عَجَزُوا عَنْ مُعَارَضَةِ مَا أَتَى بِهِ.. وَالْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ
بَلْ عَنْ فَهْمِ وَصْفِهِ وَصُورَةِ تَأْلِيفِهِ وَنَظْمِهِ فَكَيْفَ
بِأَعْجَمِيٍّ أَلْكَنَ «3» نَعَمْ وَقَدْ كَانَ سَلْمَانُ «4» أَوْ
بَلْعَامُ «5» الرُّومِيُّ أَوْ يَعِيشُ «6» أَوْ جَبْرٌ «7» أَوْ يَسَارٌ
«8» عَلَى اخْتِلَافِهِمْ في اسمه بين أظهرهم يكلمونه مَدَى أَعْمَارِهِمْ
فَهَلْ حُكِيَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ مَا كَانَ يَجِيءُ
بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَلْ عُرِفَ وَاحِدٌ
مِنْهُمْ بِمَعْرِفَةِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؟ .. وَمَا منع العدو حينئذ على
كثرة عدده ودؤوب «9» طَلَبِهِ وَقُوَّةِ حَسَدِهِ أَنْ يَجْلِسَ إِلَى
هَذَا فيأخذ عنه أَيْضًا مَا يُعَارِضُ بِهِ.. وَيَتَعَلَّمُ مِنْهُ مَا
يَحْتَجُّ بِهِ عَلَى شِيعَتِهِ كَفِعْلِ النَّضْرِ بْنِ «10» الْحَارِثِ
بِمَا كَانَ يُمَخْرِقُ «11» بِهِ مِنْ أَخْبَارِ
__________
(1) اللد: جمع ألد وهو شديد الخصومة.
(2) اللسن: بضم اللام فسكون السين جمع ألسن وقيل جمع لسن بفتح فكسر وهو
المنطلق اللسان في ميدان النطق والبيان.
(3) ألكن: أفعل للمبالغة من اللكنه بضم اللام وهي عدم افصاح اللسان وبيان
النطق.
(4) تقدمت ترجمته في ص «705» رقم «4» .
(5) تقدمت ترجمته في ص «705» رقم «5» وانه مختلف في اسمه.
(6) تقدمت ترجمته في ص «705» رقم «5» وانه مختلف في اسمه.
(7) تقدمت ترجمته في ص «705» رقم «5» وانه مختلف في اسمه.
(8) تقدمت ترجمته في ص «705» رقم «5» وانه مختلف في اسمه.
(9) دؤوب بضم دال معجمة وهمزه فسكون واو فموحدة أي جده وتعبه في كده.
(10) تقدمت ترجمته في ص «27» رقم «8» .
(11) يمخرق: من المخرقة بالخاء المعجمة وهي لفظة مولدة ومعناها افتعال
الكذب وقد أخذت هذه الكلمة من المخراق وهي خرقة يلعب بها من يرقص وهذه لفظة
عربية ميمها زائدة تصرف فيها المولدون وتوهموا أصالة ميمها كما في قولهم
تمسكن ويمخرق بضم الياء المثناة التحتية وفتح الميم وخاء معجمة ساكنة وراء
مكسورة وقاف.
(1/706)
كُتُبِهِ.. وَلَا غَابَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْمِهِ وَلَا كَثُرَتِ اخْتِلَافَاتُهُ
إِلَى بِلَادِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَيُقَالُ إِنَّهُ اسْتَمَدَّ مِنْهُمْ..
بَلْ لَمْ يَزَلْ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ يَرْعَى فِي صغره وشبابه على عادة
أنبيائهم ثُمَّ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ بِلَادِهِمْ إِلَّا فِي سَفْرَةٍ أَوْ
سَفْرَتَيْنِ «1» لَمْ يَطُلْ فِيهِمَا مُكْثُهُ مُدَّةً يَحْتَمِلُ فِيهَا
تَعْلِيمَ الْقَلِيلِ.. فَكَيْفَ الْكَثِيرُ!!. بَلْ كَانَ فِي سَفَرِهِ
فِي صُحْبَةِ قَوْمِهِ ورفاقة عشيرته لَمْ يَغِبْ عَنْهُمْ.. وَلَا خَالَفَ
حَالُهُ مُدَّةَ مُقَامِهِ بِمَكَّةَ مِنْ تَعْلِيمٍ وَاخْتِلَافٍ إِلَى
حَبْرٍ «2» أَوْ قَسٍّ «3» أَوْ مُنَجِّمٍ أَوْ كَاهِنٍ «4» ..
بَلْ لَوْ كَانَ هَذَا بَعْدُ «5» كُلُّهُ لَكَانَ مَجِيءُ ما أتى به في
مُعْجِزِ الْقُرْآنِ قَاطِعًا لِكُلِّ عُذْرٍ وَمُدْحِضًا لِكُلِّ حجة
ومجلّيا «6» لكل أمر..
__________
(1) مرة مع أبي طالب عمه الى بلاد الشام حين رده بحير الراهب من منتصف
الطريق ومرة في تجارة لأم المؤمنين خديجة رضي الله تعالى عنها مع غلامها
ميسرة.
(2) حبر بكسر الحاء المهملة وفتحها وهو العالم من علماء اليهود.
(3) قس: بفتح القاف كما في القاموس وغيره واشتهر ضمه وهو خطأ ويكسر فسين
مهملة مشددة أي عالم نصراني وكذا القسيس.
(4) كاهن: وهو من يخبر عن المغيبات بواسطة جن ونحوه.
(5) بعد: بضم الدال المهملة وهو ظرف مقطوع عن الاضافة أي مكثه وتصور تعلمه
(6) مجليا: بضم الميم وسكون الجيم وتخفيف اللام وتحتية مخفضة وفي نسخة بضم
الميم وفتح الجيم وكسر اللام المشدة وتحتية مخففة مفتوحة والمعنى كاشفا
موضحا.
(1/707)
|