الشفا بتعريف حقوق المصطفى محذوف الأسانيد

الفصل الثالث ما رُوِيَ عَنِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مِنْ مَحَبَّتِهِمْ لِلنَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم وشوقهم له
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «1» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رسول الله قَالَ «2» : «مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي.. يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وماله..»
ومثله عن أبي ذر «3» . وتقدم حَدِيثُ عُمَرَ «4» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي» وَمَا تَقَدَّمَ عَنِ الصَّحَابَةِ «5» فِي مِثْلِهِ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «6» رَضِيَ اللَّهُ عنه «ما كان
__________
(1) ابو هريرة تقدمت ترجمته في ج 1 ص «31» رقم «5»
(2) في حديث صحيح رواه مسلم.
(3) ابو ذر الغفاري تقدمت ترجمته في ج 1 ص «285» رقم «1»
(4) عمر بن الخطاب تقدمت ترجمته في ج 1 ص «113» رقم «4»
(5) كثوبان وصفوان وغيرهما.
(6) عمرو بن العاص قرشي من دهاة العرب الأربعة معاوية وعمرو والمغيرة وزياد عبقري في القيادة العسكرية توفي ليلة عيد الفطر سنة «43» للهجرة.

(2/49)


أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» »
وَعَنْ عَبْدَةَ «2» بِنْتِ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ قَالَتْ: مَا كَانَ خَالِدٌ «3» يَأْوِي إلى فراش إلا، هو يَذْكُرُ مِنْ شَوْقِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى أَصْحَابِهِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ يُسَمِّيهِمْ وَيَقُولُ: هُمْ أَصْلِي «4» وَفَصْلِي وَإِلَيْهِمْ يحن قلبي.. طال شوقي إليهم.. فعجل رب اقبضي إِلَيْكَ.. حَتَّى يَغْلِبَهُ النَّوْمُ..»
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ «5» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «6» :
وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَإِسْلَامُ أَبِي طَالِبٍ كَانَ أَقَرَّ «7» لِعَيْنِي مِنْ إسلامه
__________
(1) حديث صحيح رواه مسلم. وفيه أنه بكى عند موته وقال بعد ما ذكر مبايعته لرسول الله صلّى الله عليه وسلم وطلب منه ان يدعو له بمغفرة ما صدر منه، وانه كان أبغض الناس له واحرصهم على قبله وبعد ما بايعه وأسلم قال: مَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ الله. وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ. وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنِي مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ حق لو قيل لي صفه.. ما استطعت أن أصفه. الخ
(2) المعروف عبدة بنت خالد بن صفوان روت عن أبيها ذكرها ابن حبان في ثقاته أما بنت خالد بن معدان قال البرهان الحلبي لا أعرفها.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «336» رقم «2»
(4) الاصل والفصل: قبا، هما النسب واللسان وعن ثعلب قال: الاصل الوالد والفصل الولد.
(5) ابو بكر تقدمت ترجمته في ج 1 ص «156» رقم «6»
(6) لما أسلم والده ابو قحافة كما رواه ابن عساكر في تاريخه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.
(7) أقر: من القر وهو البرد لان دمع السرور بارد ودمع الحزن حار، او من القرار وهو الثبات لان العين إذا رأت ما يسرها سكنت.

(2/50)


- يَعْنِي أَبَاهُ أَبَا قُحَافَةَ «1» - وَذَلِكَ أَنَّ إِسْلَامَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ أَقَرَّ لِعَيْنِكَ.. وَنَحْوَهُ «2» عَنْ عمر «3» بن الخطاب قال للعباس «4» :
أن تسلم أحب إلي أَنْ يُسْلِمَ الْخَطَّابُ لِأَنَّ ذَلِكَ أَحَبُّ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن ابن إسحق «5» أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ «6» قُتِلَ أَبُوهَا وَأَخُوهَا وَزَوْجُهَا يَوْمَ أُحُدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟. قَالُوا: خَيْرًا هُوَ بِحَمْدِ اللَّهِ كَمَا تُحِبِّينَ.. قَالَتْ:
أَرِنِيهِ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ.. فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ: كُلُّ مُصِيبَةٍ بَعْدَكَ «7» جَلَلٌ «8» .
وَسُئِلَ «9» عَلِيُّ بْنُ أَبِي طالب «10» رضي الله عنه.. كيف كان
__________
(1) ابو قحافة: وهو أبو الصديق، عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد ابن تميم.. أسلم يوم الفتح وحسن اسلامه، وبقي بعد وفاة ابنه حتى توفي سنة أربع عشرة. وليس في الصحابة من اسمه ابو قحافة غيره وغير أبي قحافة المزني كما ذكره الذهبي
(2) كما رواه البيهقي والبزار عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.
(3) عمر بن الخطاب تقدمت ترجمته في ج 1 ص «113» رقم «5»
(4) العباس: تقدمت ترجمته في ج 1 ص «181» رقم «1»
(5) ابن اسحق: صاحب السيرة تقدمت ترجمته في ج 1 ص «73» رقم «7»
(6) هي من بني دينار ولكن لم يسمها كما في رواية ابن اسحق.
(7) جلل: أي صغير هين. وكلمة جلل من الاضداد إذ تأتي بمعنى عظيم. وجلل بفتح الجيم واللام الاولى.
(8) رواه ابن اسحق ورواه أيضا البيهقي عن اسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص مرسلا.
(9) لم يذكر من رواه عنه.
(10) علي بن أبى طالب تقدمت ترجمته في ج 1 ص «54» رقم «4»

(2/51)


حُبُّكُمْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟. قَالَ: كَانَ وَاللَّهِ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنْ أَمْوَالِنَا وَأَوْلَادِنَا وَآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا وَمِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ عَلَى الظَّمَإِ..
وَعَنْ «1» زَيْدِ»
بْنِ أَسْلَمَ خَرَجَ عُمَرُ «3» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْلَةً يَحْرُسُ النَّاسَ «4» فَرَأَى مصباحا في بيت عَجُوزٌ «5» تَنْفُشُ صُوفًا وَتَقُولُ «6»
عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَاةُ الْأَبْرَارْ ... صَلَّى عَلَيْهِ الطَّيِّبُونَ الْأَخْيَارْ
قَدْ كُنْتَ قَوَّامًا بُكًا «7» بِالْأَسْحَارْ ... يَا لَيْتَ شِعْرِي «8» وَالْمَنَايَا أَطْوَارْ «9»
هَلْ تَجْمَعُنِي وَحَبِيبِيَ الدَّارْ
!! تَعْنِي- النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَلَسَ عُمَرُ «10» رَضِيَ الله عنه يبكي وفي الحكاية طول «11» ..
__________
(1) رواه عنه ابن المبارك في الزهد.
(2) زيد بن أسلم: الفقيه العمري تابعي جليل روى عن ابن عمر وجابر وعنه مالك وغيره.. أخرج له أصحاب الكتب الستة وله ترجمة في الميزان توفي سنة ست وثلاثين ومئة
(3) عمر بن الخطاب تقدمت ترجمته في ج 1 ص «113» رقم «4»
(4) على عادته..
(5) لم يذكر اسمها
(6) أي تنشد شعرا من بحر «السريع» .
(7) بكا: بضم الموحدة مقصورا منونا لغة في الممدود أي ذو بكاء وأريد به المبالغة كرجل عدل يعني لكثرة بكائه كأنه عين البكاء.
(8) شعري: أي علمي وهو اسم ليت وخبره محذوف تقديره حاصل.
(9) أي له أسباب مختلفة.
(10) عمر بن الخطاب تقدمت ترجمته في ج 1 ص «113» رقم «4»
(11) ومنها: فما زال عمر رضي الله عنه يبكي وطرق عليها الباب فقالت: من هذا؟ فقال: عمر بن الخطاب فقالت: مالي ولعمر في هذه الساعة!! فقال: افتحي يرحمك الله فلا بأس عليك ففتحت له فدخل عليها وقال ردي الكلمات التي قلتيها آنفا فردتها فقال: أدخليني معكما وقولي: (وعمر فاغفر له يا غفار) .

(2/52)


وَرُوِيَ «1» : أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ «2» بْنَ عُمَرَ خَدِرَتْ «3» رِجْلُهُ.. فَقِيلَ لَهُ: اذْكُرْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيْكَ يَزُلْ عَنْكَ.. فَصَاحَ يَا مُحَمَّدَاهْ فَانْتَشَرَتْ «4» .
وَلَمَّا احْتُضِرَ «5» بِلَالٌ «6» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَادَتِ امْرَأَتُهُ «7» :
وَاحُزْنَاهْ.. فَقَالَ: وَاطَرَبَاهْ.. غَدًا أَلْقَى الْأَحِبَّهْ مُحَمَّدًا وَحِزْبَهْ «8» .
وَيُرْوَى «9» أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِعَائِشَةَ «10» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: اكْشِفِي لِي قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. فَكَشَفَتْهُ لَهَا فَبَكَتْ حَتَّى مَاتَتْ..
وَلَمَّا أَخْرَجَ «11» أَهْلُ مَكَّةَ زَيْدَ «12» بن الدّثنّة من الحرم ليقتلوه.
__________
(1) اي في عمل اليوم والليلة لابن السني.
(2) عبد الله بن عمر تقدمت ترجمته في ج 1 ص «182» رقم «1»
(3) خدرت: بفتح معجمة وكسر مهملة أي فترت عن الحركة وضعفت باجتماع عصبها
(4) فانتشرت: أي امتدت لزوال خدرها وهذا يقتضي صحة ما جربوه.. وقد روي انه وقع مثله لابن عباس رضي الله عنهما.. وذكره النووي رحمه الله في أذكاره.. وفيه يقول أبو العتاهية:
وتخدر في بعض الاحايين رجله ... فان لم يقل يا عتب لم يذهب الخدر
(5) احتضر: بالمبني للمجهول أي حضرته الملائكة.
(6) بلال بن أبي رباح سابق الحبشة الى الاسلام. أسلم وهو في رق أمية فكان يعذبه اشتراه أبو بكر وأعتقه. صار مؤذن النبي صلّى الله عليه وسلم. مات في الشام.
(7) وهي صحابية على ما ذكره الذهبي في آخر النساء من التجريد ما لفظه: زوجة بلال أناها رسول الله صلّى الله عليه وسلم فسأل عن بلال: أئمة بلال؟
(8) وفي نسخة (وصحبه) وهذا بيت من مجزوء بحر الوافر وفيه زحف.
(9) وهذا لم يخرجوه.
(10) عائشة رضي الله عنها تقدمت ترجمتها في ج 1 ص «146 رقم «5»
(11) كما رواه البيهقي عن عروة.
(12) زيد بن الدثنة: ابن معاوية بن عبيد بن معاوية بن عامر بن بياضة الخزرجي الصحابي البدوي الاحدي أسر يوم الرجيع مع خبيب وبيعا في مكة.

(2/53)


قال له أبو سفيان «1» ابن حَرْبٍ: أَنْشُدُكَ «2» اللَّهَ يَا زَيْدُ «3» ..
أَتُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا الْآنَ عِنْدَنَا مَكَانَكَ يُضْرَبُ عُنُقُهُ وَأَنَّكَ فِي أَهْلِكَ..
فَقَالَ زَيْدٌ «3» : وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا الْآنَ فِي مَكَانِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ تُصِيبُهُ شَوْكَةٌ وَإِنِّي جَالِسٌ فِي أَهْلِي فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا رَأَيْتُ مِنَ النَّاسِ أَحَدًا يُحِبُّ أَحَدًا كَحُبِّ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا.
وَعَنِ «4» ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَتِ الْمَرْأَةُ «5» إِذَا أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَّفَهَا بِاللَّهِ مَا خَرَجَتْ مِنْ بُغْضِ زَوْجٍ وَلَا رَغْبَةً بِأَرْضٍ عَنْ أَرْضٍ، وَمَا خَرَجَتْ إِلَّا حُبًّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ.
وَوَقَفَ ابْنُ عُمَرَ «6» عَلَى ابْنِ الزبير «7» رضي الله عنهما بعد قتله
__________
(1) أبو سفيان بن حرب: ابن أمية، وهو أبو معاوية، اسلم عام الفتح، وهذا الكلام قبل الاسلام تقدمت ترجمته في ج 1 ص «229» رقم «1»
(2) انشدك: نشد فلانا عرفه وبالله استحلفه وقال له أنشدتك الله أي سألتك بالله.
(3) زيد بن الدثنة تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «12»
(4) رواه ابن جرير والبزار.
(5) أي التي أتت مهاجرة من مكة الى المدينة.
(6) ابن عمر: تقدمت ترجمته في ج 1 ص «182» رقم «1»
(7) ابن الزبير: تقدمت ترجمته في ج 1 ص «157» رقم «4»

(2/54)


فاستغفر له وقال «1» كنت والله فيما «2» علمت- صواما قواما تحب الله ورسوله «3» .
__________
(1) رواه ابن سعد
(2) وفي نسخة (ما علمت) أي مدة علمي بك.
(3) ولقد جذبته هذه المحبة الى عند حبيبه المصطفى صلّى الله عليه وسلم.. فانه لما حاصره الحجاج وقتله سنة ثلاث وسبعين يوم الثلاثاء سابع عشر جمادى الاولى فانه لما أنزلوه عن جذعه الذي صلب عليه غسلته أمه اسماء بنت ابي بكر الصديق رضي الله عنهما بعد أن قطعت مفاصله وحنطته وكفنته وصلت عليه وحملته الى المدينة ودفنته في دار صفية أم المؤمنين رضي الله عنها.. وهذه الدار زيدت في المسجد النبوي على ساكنه افضل الصلاة والسلام.

(2/55)