الشفا بتعريف حقوق المصطفى محذوف الأسانيد

الفصل الثّاني عادة الصّحابة في تعظيمه وتوقيره وإجلاله صلّى الله عليه وسلّم
عن عمرو بن العاص «1» قَالَ «2» : وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ.. وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنِي «3» مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ.. وَلَوْ سُئِلْتُ «4» أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنِي مِنْهُ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ «5» عَنْ أَنَسٍ «6» : «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ عَلَى أَصْحَابِهِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَهُمْ جُلُوسٌ، فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ.. فَلَا يَرْفَعُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَيْهِ بَصَرَهُ إِلَّا أبو بكر وعمر
__________
(1) تقدمت ترجمة في ج 2 ص «49» رقم «6» .
(2) كما رواه مسلم.
(3) وفي نسخة (عيني) بالتثنية.
(4) وفي نسخة ولو (شئت) .
(5) صاحب السنن لا الحكيم الترمذي.
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «47» رقم «1» .

(2/86)


فَإِنَّهُمَا كَانَا يَنْظُرَانِ إِلَيْهِ وَيَنْظُرُ إِلَيْهِمَا، وَيَتَبَسَّمَانِ إِلَيْهِ وَيَتَبَسَّمُ لَهُمَا «1» .
وَرَوَى أُسَامَةُ «2» بْنُ شَرِيكٍ قَالَ «3» : «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه حوله كأنما على رؤوسهم الطَّيْرُ..
وَفِي حَدِيثِ صِفَتِهِ «4» : إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطَّيْرُ.
وَقَالَ عُرْوَةُ «5» بْنُ مَسْعُودٍ حِينَ «6» وَجَّهَتْهُ قُرَيْشٌ عَامَ الْقَضِيَّةِ «7» إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَأَى مِنْ تَعْظِيمِ أَصْحَابِهِ لَهُ مَا رَأَى، وَأَنَّهُ لَا يَتَوَضَّأُ إِلَّا ابْتَدَرُوا «8» وَضَوْءَهُ وَكَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَيْهِ.. وَلَا يَبْصُقُ بُصَاقًا وَلَا يَتَنَخَّمُ «9» نُخَامَةً إِلَّا تَلَقَّوْهَا بِأَكُفِّهِمْ فدلكوا «10»
__________
(1) قال الحلبي اخرجه الترمذي في مناقب أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وقال: غريب لا نعرفه الا من حديث الحاكم، وقد تكلم بعضهم فيه.
(2) اسامة بن شريك ثعلبي كوفي صحابي، وقد روى عنه أصحاب السنن الأربعة.
(3) صححه الترمذي، ورواه الأربعة.
(4) روي عن هند بنت أبي هالة وفد تقدم في حديث الحلية، وأخرجه الترمذي في الشمائل.
(5) عروة بن مسعود بن معتب الثقفي.
(6) كما رواه البخاري عن مسور بن مجزمة ومروان بن الحكم بن أبي العاص.
(7) عام القضية اي عام الحديبية سنة ست: وليست القضية بمعنى القضاء أي قضاء العمرة كما يسميها اصحاب السير لأنها حدثت عام سبع، وعروة جاء في عام الحديبية. والقضية هنا بمعنى الحادث الذي جرى في عام الحديبية.
(8) ابتدروا: اسرعوا وأخذوا.
(9) نخامة: بضم النون لأن فعالة وضعها لكل قليل الفضل من شيء والتنخيم: خراجة من الفم والفرق بين البصاق والنخامة أن الأول ما يخرج من الفم والثاني ما يخرج من أقصى الحلق.
(10) دلكوا: أي بالغوا في المسح.

(2/87)


بِهَا وُجُوهَهُمْ وَأَجْسَادَهُمْ، وَلَا تَسْقُطُ مِنْهُ شَعْرَةٌ إِلَّا ابْتَدَرُوهَا..
وَإِذَا أَمَرَهُمْ بِأَمْرٍ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ.. وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ «1» إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنِّي جِئْتُ كِسْرَى فِي مُلْكِهِ، وَقَيْصَرَ فِي مُلْكِهِ، وَالنَّجَاشِيَّ فِي مُلْكِهِ.. وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مَلِكًا فِي قَوْمٍ قَطُّ مِثْلَ مُحَمَّدٍ فِي أَصْحَابِهِ..
وَفِي رِوَايَةٍ «2» إِنْ «3» رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ مُحَمَّدًا أَصْحَابُهُ.. وَقَدْ رَأَيْتُ قَوْمًا لَا يُسْلِمُونَهُ أَبَدًا «4» .
وَعَنْ «5» أَنَسٍ «6» : لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والحلاق «7» يحلقه.. وأطاف بِهِ أَصْحَابُهُ، فَمَا يُرِيدُونَ أَنْ تَقَعَ شَعْرَةٌ إِلَّا فِي يَدِ رَجُلٍ.
وَمِنْ هَذَا: لَمَّا أَذِنَتْ قُرَيْشٌ لِعُثْمَانَ فِي الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ حِينَ
__________
(1) يحدون: أي لا ينظرون إليه نظرا حديدا أي قويا أو لا يبلغ نظرهم إليه حده ومنتهاه بل ينظرون إليه من طرف خفي.
(2) اي (اخرى) كما في نسخة.
(3) إن بكسر وتخفيف نافيه بمعنى ما.
(4) من حديث طويل رواه البخاري.
(5) كما رواه مسلم.
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «47» رقم «1» .
(7) واختلف في اسم من حلق رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلم والصحيح المشهور أنه معمر بن عبد العزيز العدوي كما ذكره النووي في شرح مسلم. وفي صحيح البخاري: زعموا انه معمر. وعن ابن عبد البر ان خراشا حلقه يوم الحديبية.. 1 هـ أما في عمرة الجعرانة فقيل حلقه ابو هند. والله اعلم.

(2/88)


وَجَّهَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فِي الْقَضِيَّةِ «1» أَبَى وَقَالَ: «مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ حَتَّى يَطُوفَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» «2» .
وَفِي حَدِيثِ»
طَلْحَةَ «4» : «أَنَّ أَصْحَابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لِأَعْرَابِيٍّ جَاهِلٍ: سَلْهُ عَمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ «5» - وَكَانُوا يَهَابُونَهُ وَيُوَقِّرُونَهُ.
فَسَأَلَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ. إِذْ طَلَعَ طَلْحَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«هَذَا مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ» .
وَفِي حَدِيثِ «6» قَيْلَةَ «7» : «فَلَمَّا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم
__________
(1) وهنا تصريح واضح يبين أن المؤلف يقصد (بالقضية) عام الحديبية كما مر.
(2) رواه الترمذي عن طلحة رضي الله عنه وقال: «انه حسن غريب» .
(3) رواه الترمذي وحسنه.
(4) طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن كعب بن سعد التيمي احد العشرة المبشرين بالجنة. وفي الصحابة طلحة تيمي غيره وهو الذي نزل فيه قوله تَعَالَى: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ الله) . وروى ابو نعيم انه صلّى الله عليه وسلم تلا هذه الاية على المنبر فسأله رجل: من هؤلاء؟ فأقبل طلحة بن عبيد الله فقال: هذا منهم.. وفي تفسير ابن أبي حاتم ان عمارا منهم. وفي تفسير يحيى بن سلام: هم حمزة واصحابه.. وطلحة هذا ملقب بطلحة الخير والفياض وانما قال عنه صلّى الله عليه وسلم ذلك لأنه غاب عن بدر فقال: لئن حضرت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم مشهدا آخر ليرين الله ما أصنع: فلما كان يوم احد ابلى بلاء حسنا ووقى رسول الله صلّى الله عليه وسلم يومئذ بنفسه واتقى النبل عنه بيده حتى شلت اصابعه وحمل رسول الله صلّى الله عليه وسلم على ظهره حتى استعلى الصخرة.
(5) أي في قوله تعالى: (رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ.. وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) سورة الاحزاب آية (23) .
(6) رواه ابو داوود والترمذي
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «146» رقم «4»

(2/89)


جَالِسًا الْقُرْفُصَاءَ «1» أَرْعَدْتُ «2» مِنَ الْفَرَقِ «3» وَذَلِكَ هَيْبَةً لَهُ وَتَعْظِيمًا»
وَفِي حَدِيثِ «4» الْمُغِيرَةِ «5» : «كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَعُونَ بابه بالأظافير «6» .»
وَقَالَ «7» الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ «8» : «لَقَدْ كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْأَمْرِ فَأُؤَخِّرُ «9» سِنِينَ «10» مِنْ هَيْبَتِهِ» .
***
__________
(1) القرفصاء: بضم القاف والواء المهملة هو نوع من الجلوس.. يجلس على إليتيه ويلصق فخذيه ببطنه ويحتبي بيديه ويضعهما على ساقيه.
(2) أرعدت: أي حصل لي رعدة واضطراب.
(3) الفرق: بفتحتين هو الحوف.
(4) رواه الحاكم في علوم الحديث والبيهقي في المدخل.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «285» رقم «4»
(6) أظافير: جمع ظفر على غير قياس وفي نسخة «بالاظفار» . واختلفوا في في هذا الحديث هل هو مرفوع ام موقوف وقال الحافظ العراقي في الفتية.
ولكن حديث كان باب المصطفى ... يقرع بالاظفار مما. وقفا
حكما لدى الحاكم والخطيب ... والرفع عند الشيخ ذو تصويب
والمراد «بالشيخ» ابن الصلاح رحمه الله.
(7) رواه ابو يعلى وصححه.
(8) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «146» رقم «4»
(9) وفي نسخة «فأؤخره»
(10) وفي نسخة «سنتين» .

(2/90)