الشفا بتعريف حقوق المصطفى محذوف الأسانيد

الفصل الرابع تعظيم السّلف لرواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه
عَنْ «1» عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ «2» قَالَ: «اخْتَلَفْتُ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ «3» سَنَةً فَمَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أَنَّهُ حَدَّثَ يَوْمًا فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ثم عَلَاهُ كَرْبٌ حَتَّى رَأَيْتُ الْعَرَقَ يَتَحَدَّرُ «4» عَنْ جَبْهَتِهِ ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ أو فوق ذَا أَوْ مَا هُوَ قَرِيبٌ مِنْ ذَا» «5» .
وفي رواية فتربد «6» وجهه.
__________
(1) كما في رواية الدارمي..
(2) عمرو بن ميمون: العابد التابعي الأزدي. أدرك زمنه صلّى الله عليه وسلم ولم يلقه وهو ثقة.. حج مئة حجة، وتوفي سنة أربع وسبعين ومئة.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «214» رقم «2»
(4) وفي نسخة «ينحدر» .
(5) وهذا فيه اشارة على عدم جواز الرواية بالمعنى، وفيه خلاف مشهور في كتاب ابن الصلاح.
(6) تربد: تغير لونه لكموده من شدة الكرب.

(2/97)


وفي رواية تغر غرت «1» عَيْنَاهُ وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ «2» .
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ «3» بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرَيْمٍ الْأَنْصَارِيُّ قَاضِي الْمَدِينَةِ:
«مَرَّ مَالِكُ «4» بْنُ أَنَسٍ عَلَى أَبِي حَازِمٍ «5» وَهُوَ يُحَدِّثُ فَجَازَهُ وَقَالَ:
إِنِّي لَمْ أَجِدْ مَوْضِعًا أَجْلِسُ فِيهِ.. فَكَرِهْتُ أَنْ آخُذَ حَدِيثَ رَسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا قَائِمٌ» .
وَقَالَ مَالِكٌ «6» : (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ الْمُسَيَّبِ «7» فَسَأَلَهُ عَنْ حَدِيثٍ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ فَجَلَسَ وَحَدَّثَهُ.. فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: «وَدِدْتُ أَنَّكَ لَمْ تَتَعَنَّ» «8» .. فَقَالَ: «إني كرهت أن أحدثك عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا مضطجع) ..
__________
(1) تغرغرت: تردد الماء فيهما والاصل للماء في الفم ثم نقل للعين مجازا.
(2) أوداجه: جمع ودج بفتحتين وهو عرق غليظ في العنق وينتفخان عند احتقان الدم فيهما.
(3) إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرَيْمٍ الْأَنْصَارِيُّ: ذكر في التهذيب والميزان واخرج له الترمذي فقط في علل جامعة ولم يترجموه. وروى عن مالك..
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «384» رقم «2» .
(5) ابو حازم: هو سلمة بن دينار الاعرج أحد الاعلام يروي عن سهل بن سعد وابن المسيب وعنه: مالك وابو حمزة.. قال ابن خزيمة: «ثقة لم يكن في زمانه مثله» . توفي سنة أربعين ومئة أخرج له الستة.
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «252» رقم «3» .
(8) تتعن: أي تنعب نفسك.

(2/98)


وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ «1» أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ يَضْحَكُ فَإِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَشَعَ.
وَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ «2» : كَانَ مَالِكُ «3» بْنُ أَنَسٍ لَا يُحَدِّثُ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ إِجْلَالًا لَهُ.
وَحَكَى مَالِكٌ «3» ذَلِكَ عَنْ جَعْفَرِ «4» بْنِ مُحَمَّدٍ وَقَالَ مصعب «5» بن عبد الله: «وكان مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ إِذَا حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَتَهَيَّأَ وَلَبِسَ ثِيَابَهُ ثُمَّ يُحَدِّثُ» . قَالَ مُصْعَبٌ «5» : فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: «إِنَّهُ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ..
قَالَ مُطَرِّفٌ «6» : (كَانَ إِذَا أَتَى النَّاسَ مَالِكًا خَرَجَتْ إِلَيْهِمُ الْجَارِيَةُ فَتَقُولُ لَهُمْ: يَقُولُ لَكُمُ الشَّيْخُ: تُرِيدُونَ الْحَدِيثَ أَوِ الْمَسَائِلَ؟
فَإِنْ قَالُوا الْمَسَائِلَ.. خَرَجَ إِلَيْهِمْ وإن قالوا الحديث دخل مغتسله
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «456» رقم «7» .
(2) ابو مصعب: هو أحمد بن أبي بكر بن القاسم بن الحارث بن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف ابو مصعب الزهري العوفي قاضي المدينة وعالمها. سمع مالكا وطائفة. وعنه: جماعة. وهو ثقة حجة ولا عبرة بقول أبي خيثمة لابنه أحمد: لا تكتب عن أبي مصعب واكتب عمن شئت.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «384» رقم «2» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «55» رقم «6» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «93» رقم «5» .
(6) مطرف بن عبد الله بن مطرف بن سليمان بن يسار أبو مصعب اليساري المدني مولى ميمونة الهلالية وهو ابن أخت الامام مالك بن أنس. يروي عن خاله ونافع القاري وعنه: البخاري وأبو زرعة.. توفي سنة عشرين ومئتين. وترجمته في الميزان.

(2/99)


وَاغْتَسَلَ وَتَطَيَّبَ وَلَبِسَ ثِيَابًا جُدُدًا، وَلَبِسَ سَاجَهُ «1» ، وتعمم، ووضع على رأسه رداءه «2» ، وَتُلْقَى لَهُ مِنَصَّةٌ فَيَخْرُجُ فَيَجْلِسُ عَلَيْهَا وَعَلَيْهِ الخشوع.. ولا يزال يتبخر بِالْعُودِ حَتَّى يَفْرَغَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
قَالَ غَيْرُهُ: «وَلَمْ يَكُنْ يَجْلِسُ عَلَى تِلْكَ الْمِنَصَّةِ إِلَّا إِذَا حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
قَالَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ «3» : فَقِيلَ لِمَالِكٍ «4» في ذلك.. فقال: «إني أُحِبُّ أَنْ أُعَظِّمَ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا أُحَدِّثُ بِهِ إِلَّا على طَهَارَةٍ مُتَمَكِّنًا» .
قَالَ: وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُحَدِّثَ فِي الطَّرِيقِ أَوْ وَهُوَ قَائِمٌ أَوْ مُسْتَعْجِلٌ.. وَقَالَ: أُحِبُّ أَنْ أَفْهَمَ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ ضِرَارُ «5» بْنُ مرة: «وكانوا يكرهون أن يحدثوا على غير وضوء» .
__________
(1) ساجه: الساج هو الطيلسان مطلقا أو الاخضر او الاسود منه وهو شيء كالبرنس
(2) على عادة أشراف العرب.
(3) ابن أبي اويس: هو اسماعيل بن عبد الله بن أويس الاصبحي، ابن أخت مالك ابن أنس يروي عن خاله مالك وأبيه وجماعة.. وعنه: الشيخان وعلي البغوي وطائفة. وقال أبو حاتم محله الصدق. وضعفه النسائي لغفلته كما قال أبو حاتم.. وتوفي سنة ست أو سبع وعشرين ومئتين في رجب.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(5) ضرار بن مرة: ابو سنان الشيباني الكوفي يروي عن سعيد بن جبير. وعنه: شعبة ونحوه كان من العباد والثقات. اخرج له أصحاب السنن.

(2/100)


وَنَحْوَهُ عَنْ قَتَادَةَ «1» . وَكَانَ الْأَعْمَشُ «2» إِذَا حَدَّثَ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ تَيَمَّمَ..
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ «3» : (كُنْتُ عِنْدَ مَالِكٍ «4» وَهُوَ يحدثنا فلدغه عَقْرَبٌ سِتَّ عَشْرَةَ مَرَّةً وَهُوَ يَتَغَيَّرُ لَوْنُهُ وَيَصْفَرُّ، وَلَا يَقْطَعُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْمَجْلِسِ وتفرق عنه الناس قلت: «يا أبا عبد الله.. لقد رأيت منك اليوم عجبا» قال:
نعم.. إنما صَبَرْتُ إِجْلَالًا لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ «5» : (مَشَيْتُ يَوْمًا مَعَ مَالِكٍ «4» إِلَى الْعَقِيقِ «6» ..
فَسَأَلْتُهُ عَنْ حَدِيثٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ لِي: «كُنْتَ فِي عَيْنِي أَجَلَّ مِنْ أَنْ تَسْأَلَ عَنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَمْشِي» .
وَسَأَلَهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ «7» الْقَاضِي عَنْ حَدِيثٍ وهو قائم
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص «918» رقم «1» .
(2) تقدمت ترجمته في ص «544» رقم «3» .
(3) عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي التميمي من أئمة الحديث وقد وصف بأنه جمع من أبواب الخير كثيرا ولد سنة ثماني عشرة ومائة وقال ابن سعيد «مات بهيت منصرفا من الغزو سنة إحدى وثمانين ومائة وله ثلاث وستون سنة» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (341) رقم (7)
(5) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (96) رقم (1) .
(6) العقيق: هو اسم لمواضع كثيرة والمراد به هنا واد قرب المدينة. وفي اللغة كل واد شقه السيل فهو عقيق.
(7) جرير بن عبد الحميد القاضي: الضبي الثقة المحدث.. صاحب المصنفات الجليلة روى عنه البخاري وغيره من أصحاب الكتب الستة توفي سنة ثمان وثمانين ومئة.

(2/101)


فَأَمَرَ بِحَبْسِهِ.. فَقِيلَ لَهُ. إِنَّهُ قَاضٍ!!! قَالَ: الْقَاضِي: أَحَقُّ مَنْ أُدِّبَ.. وَذَكَرَ أَنَّ هِشَامَ بْنِ الْغَازِي «1» سَأَلَ مَالِكًا عَنْ حَدِيثٍ وَهُوَ وَاقِفٌ فَضَرَبَهُ عِشْرِينَ «2» سَوْطًا، ثُمَّ أَشْفَقَ عَلَيْهِ فَحَدَّثَهُ عِشْرِينَ حَدِيثًا فَقَالَ هِشَامٌ «1» : «وَدِدْتُ لَوْ زَادَنِي سِيَاطًا وَيَزِيدُنِي حَدِيثًا» .
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ: «3» «كَانَ مَالِكٌ «4» وَاللَّيْثُ «5» لَا يَكْتُبَانِ الْحَدِيثَ إِلَّا وَهُمَا طَاهِرَانِ» ..
وَكَانَ قَتَادَةُ «6» يَسْتَحِبُّ أن لا يَقْرَأَ أَحَادِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا على
__________
(1) هشام بن الغازي: وفي نسخة (الغاز) بلاياء. قال الحلبي: «هذا هشام بن الغاز بن ربيعة الجوشني يروي عن مكحول وعطاء» ، وقد توفي سنة ست وخمسين ومئة فهو معاصر لمالك وقد توفي قبل مالك رحمه الله تعالى.. وانما الحكاية عن هشام بن عمار الدمشقي.. ونقل ذلك عن الحافظ الرشيد العطار. اهـ فأخطأ الدلجي بجزمه بقوله: وصوابه هشام بن عمار خطيب جامع دمشق.. ثم قوله: وأما ابن الغاز فتابعي لم يرو عن مالك لموته قبل مالك.. غير صحيح لما ثبت قبل ذلك انه كان معاصرا لمالك وهو لا ينافي موته قبل مالك.. ثم لا يبعد انه سمع مالكا ولم يرو عنه.
(2) وهذا بناء على أنه يجوز أن يزاد التعزير على عشرة اسواط في غير الحدود كما هو مذهب أبي حنيفة..
(3) عبد الله بن صالح: الظاهر انه أبو صالح الجهني كاتب الليث. روى عنه ابن معين والبخاري.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (341) رقم (7) .
(5) الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهري المصري الفقيه البارع الذي قيل فيه: «أنه كان أفقه من مالك إلا ان اصحابه اضاعوه» . وهو من تبع التابعين توفي سنة خمس وسبعين ومئة.. وحيث قال مالك: «اخبرني من أرضى به من أهل العلم فهو الليث»
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (62) رقم (3) .

(2/102)


وُضُوءٍ وَلَا يُحَدِّثُ إِلَّا عَلَى طَهَارَةٍ.
وَكَانَ الْأَعْمَشُ «1» إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحَدِّثَ وَهُوَ عَلَى غير وضوء تيمم.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (544) رقم (3) .

(2/103)