الشفا بتعريف حقوق المصطفى محذوف الأسانيد

الفصل السّابع إعزاز ماله من صلة بالنبي صلى الله عليه وسلّم من امكنة ومشاهد
وَمِنْ إِعْظَامِهِ وَإِكْبَارِهِ إِعْظَامُ جَمِيعِ أَسْبَابِهِ، وَإِكْرَامُ مَشَاهِدِهِ وَأَمْكِنَتِهِ مِنْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَمَعَاهِدِهِ «1» . وَمَا لَمَسَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عُرِفَ به.
عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ نَجْدَةَ «2» قَالَتْ: كَانَ لِأَبِي مَحْذُورَةَ «3» قُصَّةٌ «4» فِي مُقَدَّمِ رَأْسِهِ إِذَا قَعَدَ وأرسلها أصابت الأرض.. فقيل له:
__________
(1) أي الامكنة التي عهد أنه صلى الله عليه وسلم كان يألفها كالاساطين التي كان يصلي عندها ويجلس اليها.
(2) صفية بنت نجدة: في الحواشي التلمسانية ان هذه المرأة زوجة أبي محذورة وقد روى عنها ايوب بن ثابت، وروت هي عن زوجها أبي محذورة، واختلف في اسم أبيها نجدة فقيل نجدة وقيل نجراه وقيل الصواب بجره.
(3) أبو محذورة بن معير بن لوزان القريشي مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ولم يزل الأذان في عقبه وهو جهمي صحابي توفي سنة تسع وخمسين او سبعين اخرج له مسلم واحمد واصحاب السنن
(4) قصة: هو ما أقبل على الجبهة من شعر الرأس. وهو شعر الناصية. وقصة: بضم القاف وتشديد الصاد المهملة.

(2/126)


أَلَا تَحْلِقُهَا؟! فَقَالَ: لَمْ أَكُنْ بِالَّذِي أَحْلِقُهَا وَقَدْ مَسَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ.
وَكَانَتْ «1» فِي قَلَنْسُوَةِ «2» خَالِدِ بْنِ «3» الْوَلِيدِ شَعَرَاتٌ مِنْ شَعَرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. فَسَقَطَتْ قَلَنْسُوَتُهُ فِي بَعْضِ حُرُوبِهِ «4» فَشَدَّ عَلَيْهَا شَدَّةً أَنْكَرَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثْرَةَ مَنْ قُتِلَ فِيهَا.. فَقَالَ: لَمْ أَفْعَلْهَا بِسَبَبِ الْقَلَنْسُوَةِ، بَلْ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ شَعَرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِئَلَّا أُسْلَبَ «5» بَرَكَتَهَا وَتَقَعَ فِي أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ.
ورؤي ابْنُ «6» عُمَرَ وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى مَقْعَدِ «7» النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمِنْبَرِ ثُمَّ وضعها على وجهه «8» .
__________
(1) في حديث رواه أبو يعلى.
(2) القلنسوة: ما يوضع على الرأس تحت العمامة وقلنسوة بفتح القاف وضمها وضم السين وكسرها ففيه لغات ويقال قلنسوة.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «637» رقم «9» .
(4) قيل هي غزوة اليمامة.
(5) وفي نسخة لئلا (تسلب) .
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «182» رقم «1» .
(7) مقعد: أي مكان قعوده
(8) هذا رواه ابن سعد وسيأتي الكلام على هذا الحديث الذي يدل على جواز التبرك بالانبياء والصالحين وآثارهم وما يتعلق بهم ما لم يؤد الى فتنة او فساد عقيدة فاذا خشي ذلك لقرب عهد بالجاهلية او لانتشار الجهل بالدين سرت الذرائع كما فعل عمر عند ما قطع الشجرة التي وقعت تحتها البيعة لئلا يفتتن بها الناس لقرب عهدهم بالجاهلية. فلا منافاة بينهما ولا عبرة لمن أنكر ذلك من جهلة عصرنا.. وفي معناه أنشدوا من بحر الوافر:
أمر على الديار ديار ليلى ... أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبى ... ولكن حب من سكن الديارا

(2/127)


وَلِهَذَا «1» كَانَ مَالِكٌ «2» رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَرْكَبُ بالمدينة دابة وكان يقول: أستحيي مِنَ اللَّهِ أَنْ أَطَأَ تُرْبَةً فِيهَا رَسُولُ الله صلّى الله عليه وسلم بِحَافِرِ دَابَّةٍ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ وَهَبَ لِلشَّافِعِيِّ «3» كُرَاعًا «4» كَثِيرًا كَانَ عِنْدَهُ.
فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ: أَمْسِكْ مِنْهَا دَابَّةً.. فَأَجَابَهُ بِمِثْلِ هَذَا الْجَوَابِ.
وَقَدْ حَكَى أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ «5» السُّلَمِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ «6» فَضْلَوَيْهِ الزَّاهِدِ وَكَانَ مِنَ الْغُزَاةِ الرُّمَاةِ أَنَّهُ قَالَ:
مَا مَسَسْتُ الْقَوْسَ بِيَدِي إِلَّا عَلَى طَهَارَةٍ مُنْذُ بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الْقَوْسَ بِيَدِهِ.
وَقَدْ أَفْتَى مَالِكٌ «7» : فِيمَنْ قَالَ: تُرْبَةُ الْمَدِينَةِ رديئة.. يُضْرَبُ ثَلَاثِينَ دِرَّةً «8» وَأَمَرَ بِحَبْسِهِ، وَكَانَ لَهُ قَدْرٌ وَقَالَ: مَا أَحْوَجَهُ إِلَى ضَرْبِ عُنُقِهِ.. تربة دفن فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلم يزعم أنها
__________
(1) أي للتبرك باثاره صلّى الله عليه وسلم.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «155» رقم «8» .
(4) كراعا: بوزن غراب وهو جماعة الخيل. وله معان أخر فيطلق على الخيل والسلاح وما استدق من الساق واسم موضع.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «61» رقم «4» .
(6) أحمد بن فضلويه: كان مكثرا من المجاهدة في سبيل الله ومتقنا للرماية بالسهام
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(8) الدرة: بكسر الدال وتشديد الراء مع فتحها آية من جلد غليظ يضرب بها.

(2/128)


غَيْرُ طَيِّبَةٍ «1» !!!.
وَفِي الصَّحِيحِ «2» أَنَّهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَدِينَةِ: «مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا «3» ، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.. لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» .
وَحُكِيَ «4» أَنْ جَهْجَاهًا «5» الْغِفَارِيَّ أَخَذَ قَضِيبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَدِ عُثْمَانَ «6» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَتَنَاوَلَهُ لِيَكْسِرَهُ عَلَى رُكْبَتِهِ «7» ..
فَصَاحَ بِهِ النَّاسُ، فَأَخَذَتْهُ الْآكِلَةُ فِي رُكْبَتِهِ فَقَطَعَهَا وَمَاتَ قَبْلَ الْحَوْلِ.
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «8» : «مَنْ حلف على «9» منبري كاذبا فليتبوأ مقعده
__________
(1) وقال البوصيري رحمه الله:
لا طيب يعدل تربا ضم أعظمه ... طوبى لمستنشق منه وملتثم
(2) في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان عن أنس.
(3) حدثا: أي من فعل فيها أمرا قبيحا ابتدعه فيها كالمظالم.
(4) حكاه ابن عبد البر.
(5) جهجاها: وفي نسخة بلا تنوين هو بن سعد بن حرام. قال الطبري: كذا رواه المحدثون والصواب جهجا بلا هاء.. وقال الذهبي: هو جهجاه بن قيس.. وقيل: ابن سعيد وهو مدني صحابي شهد بيعة الرضوان وبعض الغزوات وتوفي بعد عثمان بسنة.. وقد تقدم.
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «569» رقم «6» .
(7) وذلك في الفتنة لما حصب الناس عثمان وهو على المنبر فلما نزل تقدم جهجاه وأخذ القضيب
(8) في حديث رواه مالك، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، عن أبي هريرة
(9) المراد على المنبر انه عنده ويجوز ابقاؤه على ظاهره بأن يصعد عليه ويحلف وقد نص عليه الشافعية وانه يجوز له أن يؤمر بصعوده ولكن الاصح الاول. وهذا بناء على ان اليمين. تغلظ بالمكان والزمان فيذهب للحلف بالمسجد.. وقد كان في حياته صلّى الله عليه وسلم يحلف عند المنبر ما بينه وبين القبر.

(2/129)


مِنَ النَّارِ. وَحُدِّثْتُ أَنَّ أَبَا الْفَضْلِ «1» الْجَوْهَرِيَّ لَمَّا وَرَدَ الْمَدِينَةَ زَائِرًا وَقَرُبَ مِنْ بُيُوتِهَا تَرَجَّلَ وَمَشَى بَاكِيًا مُنْشِدًا «2» :
وَلَمَّا رَأَيْنَا رَسْمَ «3» مَنْ لَمْ يَدَعْ لَنَا ... فُؤَادًا لِعِرْفَانِ «4» الرُّسُومِ وَلَا لُبَّا «5»
نَزَلْنَا عَنِ الْأَكْوَارِ «6» نَمْشِي كَرَامَةً ... لِمَنْ بَانَ «7» عَنْهُ أَنْ نُلِمَّ «8» بِهِ رَكْبَا «9»
وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُرِيدِينَ «10» أَنَّهُ لَمَّا أَشْرَفَ على مدينة الرسول
__________
(1) ابو الفضل الجوهري: ليس هو عبد الله بن الحسن المصري الواعظ بجامع مصر في حدود السبعين واربعمائة وكان من العلماء الصالحين يتبرك به ويقتدى به في السلوك وانما هو كما في تاريخ الاندلس عبد الله بن الحكيم الرندي الاندلسي ذو الوزارتين، له فضل وحسب وفضل باهر وأدب: عالم بالقرآن والحديث والعربية. وله شعر رائق ونثر فائق، وارتحل للمشرق فأخذ بها عن ابن عساكر واكثر الرواية عنه وله رئاسة في عصره ولكنه خلع ونهبت أمواله وكتبه وقتل شهيدا.
(2) والأبيات لابي الطيب المتنبي من قصيدة له في مدح سيف الدولة ولقد أجاد في تمثله به ونقله لمحل لائق به.
(3) الرسم آثار الديار الدارسة والمراد آثاره صلّى الله عليه وسلم في معاهده ورسالته
(4) عرفان: المعرفة.
(5) اللب: العقل الخالص من الشوائب سمي به لانه خالس ما في الانسان في قواه
(6) الاكوار: جمع كور وهو رحل الناقة بمنزلة السرج.
(7) بان: ظهر.
(8) فلم: ننزل أي لا يليق به اذ أتى النبي صلّى الله عليه وسلم وقد قرب مقامه أن يأتيه راكبا.
(9) ركبا: أي راكبين من أسماء الجمع كرهط أو جمع راكب كصحب صاحب.
(10) المريدين للزيارة.

(2/130)


صلّى الله عليه وسلم أنشأ «1» يَقُولُ مُتَمَثِّلًا «2» :
رُفِعَ الْحِجَابُ لَنَا فَلَاحَ لِنَاظِرٍ ... قَمَرٌ تَقَطَّعَ «3» دُونَهُ «4» الْأَوْهَامُ
وَإِذَا الْمَطِيُّ «5» بِنَا بلغن محمدا ... فظهورهن على الرجال «6» حرام
قربتنا من خير من وطيء الثَّرَى ... فَلَهَا عَلَيْنَا حُرْمَةٌ وَذِمَامُ «7»
وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ: أَنَّهُ حَجَّ مَاشِيًا.. فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ: فَقَالَ: الْعَبْدُ الْآبِقُ «8» يَأْتِي إِلَى بَيْتِ مَوْلَاهُ رَاكِبًا؟!!.
لَوْ قَدَرْتُ أَنْ أَمْشِيَ عَلَى رَأْسِي «9» مَا مَشَيْتُ عَلَى قَدَمَيَّ.
قَالَ القاضي «10» : وجدير بمواطن عمّرت بالوحي والتنزيل
__________
(1) ويروي (أنشد) والشعر من قصيدة لابي نوأس بن هانىء في مدح محمد الامين بن الرشيد وأول القصيد قوله:
يا دار ما فعلت بك الايام ... لم يبق فيك بشاشة فتسام
(2) التمثل: انشاد شعر الغير في مقام يناسبه.
(3) تقطع: بحذف إحدى التامين.
(4) دونه: عنده.
(5) المطي: جمع مطية وهي ما يمطى ظهرها أي يركب أي كناقة او فرس.
(6) وفي نسخة (الرحال) بالحاء المهملة جمع رحل وهو للابل كالسراج للخيل وبرواية الجيم جمع رجل ذكر من بني آدم والمعنى متقارب أي اذا أوصلتهم لمقاصدهم كان لها حرمة تقتضي رعايتها وراحتها فلا يركبها بعد ذلك رجل ولا يوضع على ظهرها رحل بل تترك سارحة منعمة في مرعاها.
(7) الذمام: العهد والامان.
(8) الابق: الفار من سيده. واراد هنا المذنب المقصر.
(9) كناية عن غاية التذلل.
(10) المصنف رحمه الله.

(2/131)


وَتَرَدَّدَ بِهَا «1» جِبْرِيلُ «2» وَمِيكَائِيلُ، وَعَرَجَتْ مِنْهَا الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ، وَضَجَّتْ «3» عَرَصَاتُهَا «4» بِالتَّقْدِيسِ وَالتَّسْبِيحِ وَاشْتَمَلَتْ تُرْبَتُهَا عَلَى جَسَدِ سَيِّدِ الْبَشَرِ، وَانْتَشَرَ عَنْهَا مِنْ دِينِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ مَا انْتَشَرَ، مَدَارِسُ «5» وآيات، وَمَسَاجِدُ وَصَلَوَاتٌ، وَمَشَاهِدُ الْفَضَائِلِ وَالْخَيْرَاتِ، وَمَعَاهِدُ الْبَرَاهِينِ وَالْمُعْجِزَاتِ، وَمَنَاسِكُ الدِّينِ، وَمَشَاعِرُ الْمُسْلِمِينَ، وَمَوَاقِفُ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَمُتَبَوَّأُ «6» خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، حَيْثُ انْفَجَرَتِ النُّبُوَّةُ، وَأَيْنَ «7» فَاضَ عُبَابُهَا «8» ، وَمُوَاطِنُ طُوِيَتْ «9» فِيهَا الرِّسَالَةُ، وأول أرض مسّ جلد المصطفى تراثها «10» ، أَنْ تُعَظَّمَ عَرَصَاتُهَا، وَتُتَنَسَّمَ نَفَحَاتُهَا، وَتُقَبَّلَ رُبُوعُهَا وجدرانها..
__________
(1) وفي نسخة (منها) .
(2) أما تردد جبريل عليه الصلاة والسلام فظاهر وأما ميكائيل عليه الصلاة والسلام فكان ينزل عليه أحيانا.
(3) ضجت: بتشديد الجيم أي صوتت.
(4) عرصاتها: بفتحتين جمع عرصة وهي الارض والساحة المتسعة من غير بناء والمراد هنا الأرض مطلقا.
(5) مدارس: جمع مدرس مفعل من الدرس وهو مكانه أي محال يدرس فيها القرآن
(6) متبوأ: أي مساكن.
(7) اين: اسم يستفهم به عن المكان فجرد عن الاستفهام لمجرد المكان. قيل انها نافية على اصلها. أي هي جواب من سأل وقال: اين فاض عباب النبوة؟ فيقال: هذه الاماكن.
(8) العباب: بضم العين المهملة معظم السيل وارتفاعه وكثرة تموجه.
(9) وفي نسخة (مهبط) بدون أي) مواطن مهبط الرسالة) .
(10) أي بعد الوفاة.

(2/132)


يَا «1» دَارَ خَيْرِ الْمُرْسَلِينَ وَمَنْ بِهِ ... هُدِيَ الْأَنَامُ وَخُصَّ بِالْآيَاتِ
عِنْدِي لِأَجْلِكِ لَوْعَةٌ «2» وَصَبَابَةٌ «3» ... وَتَشَوُّقٌ مُتَوَقِّدُ الْجَمَرَاتِ
وَعَلَيَّ عَهْدٌ إِنْ مَلَأْتُ محاجري «4» ... من تلكم الجدران وَالْعَرَصَاتِ
لَأُعَفِّرَنَّ «5» مَصُونَ شَيْبِيَ بَيْنَهَا ... مِنْ كَثْرَةِ التَّقْبِيلِ وَالرَّشَفَاتِ «6»
لَوْلَا الْعَوَادِي «7» وَالْأَعَادِي زُرْتُهَا ... أَبَدًا وَلَوْ سَحْبًا عَلَى الْوَجَنَاتِ «8»
لَكِنْ سَأُهْدِي مِنْ حفيل «9» تحيتي ... لقطين «10» تلك الدار والحجرات «11»
__________
(1) وهذه الابيات من شعر المصنف عياض رحمه الله.
(2) اللوعة: شدة الحب.
(3) الصبابة: رقة الشوق.
(4) محاجر: جمع محجر وهو جوانب العين.
(5) لاعفرن: التعفير هو التمريغ بالتراب.
(6) الرشفات: جمع رشفة وهو مص الريق ونحوه وفسر هنا بالتقبيل أيضا.
(7) العوادي: جمع عادية وهي الأمور التي تمنع عن زيارتها والعوائق والعوائق والعادية الغائرة الظالمة.
(8) الوجنات: جمع وجنة وهي أعلى الخد.
(9) حفيل: بحاء مهملة وفاء وياء تحتية ساكنة ولام بمعنى كثير نفيس يحتفل به.
(10) قطين: بمعنى المقيم.. ويطلق على الاتباع والخدم.
(11) وكان الشيخ احمد بن الرفاعي رحمه الله يرسل كل عام مع الحجاج سلامه الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلما كتب الله له الزيارة وقف امام القبر الشريف وقال:
في حالة البعد روحي كنت أرسلها ... تقبل الارض عني وهي نائبني
وهذه نوبة الاشباح قد حضرت ... فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي
فقيل ان اليد الشريفة بدت له فقبلها فهنيئا له ثم هنيئا..

(2/133)


أَزْكَى مِنَ الْمِسْكِ الْمُفَتَّقِ «1» نَفْحَةً ... تَغْشَاهُ بِالْآصَالِ وَالْبَكَرَاتِ
وَتَخُصُّهُ بِزَوَاكِي الصَّلَوَاتِ ... وَنَوَامِيَ التَّسْلِيمِ وَالْبَرَكَاتِ «2»
__________
(1) المفتق: ما خلط بغيره ليزداد طيبه كماء الورد.
(2) والبيت فاسد الوزن وصوابه ان يقول:
وتخصه ازكى صلاة دائما ... بنوامي التسليم والبركات
وروي ان المصنف رحمه الله لم يحج ولم يزره صلّى الله عليه وسلم فقال هذه ألابيات متحسرا.

(2/134)