الشفا بتعريف حقوق المصطفى محذوف الأسانيد

الْبَابُ الرَّابِعُ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالتَّسْلِيمِ وفرض ذلك وفضيلته وفيه عشرة فصول

(2/135)


الفصل الأوّل معنى الصّلاة عليه
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ «1» » الْآيَةَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ «2» مَعْنَاهُ: «إِنَّ اللَّهَ وملائكته يباركون على النبي» فقيل: «إِنَّ اللَّهَ يَتَرَحَّمُ عَلَى النَّبِيِّ، وَمَلَائِكَتَهُ يَدْعُونَ لَهُ» .
قَالَ الْمُبَرِّدُ «3» : «وَأَصْلُ الصَّلَاةِ.. التَّرَحُّمُ.. فَهِيَ مِنَ اللَّهِ رَحْمَةٌ وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ رِقَّةٌ وَاسْتِدْعَاءٌ لِلرَّحْمَةِ مِنَ اللَّهِ» .
وَقَدْ وَرَدَ «4» فِي الْحَدِيثِ «5» صِفَةُ صَلَاةِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى مَنْ جَلَسَ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ» «6» فَهَذَا دعاء.
__________
(1) «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً» الأحزاب آية (56) .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «271» رقم «7» .
(4) وفي نسخة وقد (روي) .
(5) الذي رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه
(6) ولفظ الحديث في مسلم (لا يزال العبد في صلاة ما دام في مصلاه ينتظر الصلاة والملائكة تقول: اللهم اغفر له اللهم ارحمه حتى ينصرف او يحدث.) .

(2/137)


وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ «1» الْقُشَيْرِيُّ: «الصَّلَاةُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِمَنْ دُونَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةٌ، وَلِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشْرِيفٌ وَزِيَادَةُ تَكْرِمَةٍ» .
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ «2» : «صَلَاةُ اللَّهِ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ، وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ الدُّعَاءُ» .
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ «3» : وَقَدْ فَرَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ تعليم الصلاة عليه بَيْنَ لَفْظِ الصَّلَاةِ وَلَفْظِ الْبَرَكَةِ فَدَلَّ أَنَّهُمَا بِمَعْنَيَيْنِ..
وَأَمَّا التَّسْلِيمُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عِبَادَهُ:
فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ «4» بْنُ بُكَيْرٍ: «نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ اللَّهُ أَصْحَابَهُ أَنْ يُسَلِّمُوا عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ بَعْدَهُمْ أُمِرُوا أَنْ يُسَلِّمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ حُضُورِهِمْ قَبْرَهُ وَعِنْدَ ذِكْرِهِ.
وَفِي مَعْنَى السَّلَامِ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ «5» :
أَحَدُهُمَا: السَّلَامَةُ لَكَ ومعك، ويكون السلام مصدرا
__________
(1) وفي نسخة (بكر القشيري) .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «67» رقم «3» .
(3) المصنف القاضي أبو الفضل عياض.
(4) أبو بكر بن بكير بالتصغير هو أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الله بن بكير التميمي المالكي البغدادي الفقيه الثقة صاحب التأليف الجليلة التي منها احكام القرآن، وهو عراقي من أقران بن الجهم، وقيل اسمه أحمد بن محمد بكير وقيل محمد بن بكير لا غير.
(5) وفي نسخة (ثلاثة أوجه) .

(2/138)


كَاللَّذَاذِ وَاللَّذَاذَةِ «1» ..
الثَّانِي: أَيِ السَّلَامُ عَلَى حِفْظِكَ وَرِعَايَتِكَ مُتَوَلٍّ لَهُ وَكَفِيلٌ بِهِ، وَيَكُونُ هُنَا السَّلَامُ اسْمَ اللَّهِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ السَّلَامَ بِمَعْنَى الْمُسَالَمَةِ لَهُ وَالِانْقِيَادِ..
كَمَا قَالَ: «فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً «2» »
***
__________
(1) مصدران بمعنى اللذة ومثله كثير كالملام والملامة والمقال والمقالة.
(2) سورة النساء آية (65) .

(2/139)