الشفا بتعريف حقوق المصطفى محذوف الأسانيد

الفصل الثامن الِاخْتِلَافِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ
قَالَ الْقَاضِي وَفَّقَهُ اللَّهُ: عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ متفقون «1» على جواز الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
وَرُوِيَ «2» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «3» : أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَرُوِيَ «4» عَنْهُ لَا تَنْبَغِي الصَّلَاةُ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا النَّبِيِّينَ..
وَقَالَ سُفْيَانُ «5» يُكْرَهُ أَنْ يصلّى إلا على نبي «6» .
__________
(1) دعواه بالاتفاق مطلقا غير مسلم به. وقد قال النووي في الاذكار: على سائر الانبياء والملائكة استقلالا وعلى غيرهم ابتداء الجمهور على منعه، فقال بعض أصحابنا أنه حرام والاكثر على انه مكروه كراهة تنزيه، وذهب كثير الى انه خلاف الأولى وليس مكروها. والصحيح الذي عليه الأكثر كراهة تنزيها.
(2) رواه البيهقي في شعب الايمان، وسعيد بن منصور في سننه، والطبراني وابن أبي شيبة وعبد الرزاق.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6» .
(4) رواه القاضي اسماعيل في كتاب فضل الصلاة.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «186» رقم «2» .
(6) وهذه الرواية احدى روايتين عن سفيان رواها عبد الرزاق والبيهقي، والآخرى تفرد بها البيهقي (يكره ان يصلّى على غير النبي صلّى الله عليه وسلم) .

(2/186)


وَوَجَدْتُ بِخَطِّ بَعْضِ شُيُوخِي: مَذْهَبُ مَالِكٍ «1» أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلَّى عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ سِوَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَهَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ مِنْ مَذْهَبِهِ.
وَقَدْ قَالَ مالك «1» في المبسوط «2» ليحيى «3» بن اسحق: أَكْرَهُ الصَّلَاةَ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ. وَمَا يَنْبَغِي لنا أن نتعدى ما أمرنا به.
قال يَحْيَى «4» بْنُ يَحْيَى: لَسْتُ آخُذُ بِقَوْلِهِ «5» .. وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ وَعَلَى غَيْرِهِمْ.. واحتج بحديث ابن «6» عمر «7» وبما جاء من حَدِيثِ تَعْلِيمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ- وَفِيهِ- وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَعَلَى آلِهِ «8» . وقد وجدت «9» معلقا «10» عن أبي
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(2) المبسوط: اسم كتاب له كالمدونة. وفي نسخة صحيحة (المبسوطة) .
(3) يحيى بن اسحق عالم وراوي المبسوط عن مالك رحمه الله. وهو يحيى بن اسحق بن عبد الله بن اسحق بن المهلب بن جعفر ويكنى أبا بكر وله نسب شريف بقرطبة.
(4) يحيى بن يحيى الليثي عالم الاندلس وراوى الموطأ عن مالك رحمه الله.
(5) أي بقول الامام مالك
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «182» رقم «1» .
(7) حديث ابن عمر الاتي أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وعلى أبي بكر وعمر تباعا.
(8) وهذا يدل على ان الصلاة على غير الانبياء جائزة، الا ان هذا بطريق التبعية. والخلاف في الصلاة على غيره استقلالا وحينئذ ما ذكر لا ينافي ما قاله يحيى بن يحيى.
(9) الضمير في وجدت عائد الى يحيى بن يحيى. وكلمة وجدت في اصطلاح المحدثين في الاجازة أن يجد حديثا بخط من يعرفه سواء عاصره ام لا مسندا فيرويه عنه.
(10) معلقا: بمعنى (مكتوبا) أو بمعنى الاصطلاح عند أهل الحديث من ذكر حديث طوي سنده.

(2/187)


عِمْرَانَ «1» الْفَاسِيِّ رَوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَرَاهَةَ الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: وَبِهِ نَقُولُ «3» . وَلَمْ يَكُنْ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا مَضَى.
وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ «4» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «5» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «6» : «صَلُّوا عَلَى أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ..
فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَهُمْ كَمَا بَعَثَنِي..»
قَالُوا: وَالْأَسَانِيدُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «7» لَيِّنَةٌ «8» .
«وَالصَّلَاةُ» فِي لِسَانِ الْعَرَبِ بِمَعْنَى التَّرَحُّمِ وَالدُّعَاءِ.. وَذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ حَتَّى يَمْنَعَ مِنْهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَوْ إِجْمَاعٌ..
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: «هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ «9» ..» الاية»
__________
(1) أبو عمران الفاسي وفي نسخة (القابسي) وهو موسى بن عيسى الغثجوسي نسبة لقبيلة من البربر، والفاسي نسبة لفاس مدينة بالمغرب، وهو فقية المغرب توفي سنة ثلاثين واربعمائة في ثالث عشر شهر رمضان.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6» .
(3) وفي نسخة وبه (أقول) .
(4) عبد الرزاق هو امام الحديث ابو بكر بن همام بن نافع الحمري وله تصانيف جليلة توفي سنة احد عشر ومائتين.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «31» رقم «5» .
(6) رواه احمد الطبراني، والقاضي اسماعيل بسند ضعيف والتميمي في الترغيب وعبد الرزاق في جامعه وغيرهم بسند صحيح.
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6» .
(8) أي التي وردت في منع الصلاة على غيره صلّى الله عليه وسلم واللين ليس ضعفا في اصطلاح المحدثين بل نوع من الحديث لا يصلج الاحتجاج به.
(9) الاحزاب آية «43»

(2/188)


وقال تعالى: «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ «1» ..» الْآيَةَ.
وَقَالَ: «أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ «2» ..»
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» : «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى «4» .»
وَكَانَ إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى فُلَانٍ.
وَفِي حَدِيثِ الصَّلَاةِ «5» : «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى محمد وعلى أزواجه وذريته» .
وفي آخَرَ «6» : «وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ» .. قِيلَ: أَتْبَاعُهُ وَقِيلَ أمته.
وقيل: آل بيته.. وَقِيلَ الْأَتْبَاعُ وَالرَّهْطُ»
وَالْعَشِيرَةُ..
وَقِيلَ: آلُ الرَّجُلِ وَلَدُهُ، وَقِيلَ: قَوْمُهُ، وَقِيلَ: أَهْلُهُ الَّذِينَ حَرُمَتْ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ.
وَفِي رِوَايَةِ «8» أَنَسٍ «9» سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ آلُ مُحَمَّدٍ؟ قال:
كل تقي..
__________
(1) التوبة آية «103» .
(2) البقرة آية «157» .
(3) في حديث رواه الشيخان عن عبد الله بن أبي أوفى.
(4) ابو أوفى علقمة بن خالد بن الحارث الاسلمي الصحابي، وهو آخر من مات من الصحابة بالكوفة سنة سبع وثمانين، وابنه صحابي أيضا شهد مع ابيه بيعة الرضوان. وهذا الحديث من أقوى ما استدل به على جواز الصلاة على غير الأنبياء استقلالا.
(5) وقد تقدم بيانه.
(6) روي في صلاة التشهد.
(7) الرهط: في الاصل ما دون العشرة ثم عم.
(8) حديث صحيح روي من طرق، رواه الطبراني والديلمي وشيبان وابن مردويه وغيرهم.
(9) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «47» رقم «1» .

(2/189)


وَيَجِيءُ عَلَى مَذْهَبِ الْحَسَنِ «1» أَنَّ الْمُرَادَ بِآلِ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدٌ نَفْسُهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي صلاته عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ- يُرِيدُ نفسه. لأنه كان لا يخل بالفرض الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ هُوَ الصَّلَاةُ عَلَى مُحَمَّدٍ نَفْسِهِ.
وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» : لَقَدْ أُوتِيَ مِزْمَارًا مِنْ مزامير آل داوود- يُرِيدُ مِنْ مَزَامِيرِ دَاوُدَ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ «3» السَّاعِدِيِّ فِي الصَّلَاةِ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ، وَذُرِّيَّتِهِ «4» .
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «5» أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ «6» وَعُمَرَ «7» ذَكَرَهُ مالك «8» في الموطأ من رواية يحيى «9»
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «60» رقم «8» .
(2) لما سمع أبا موسى الاشعري يقرأ القرآن.. والحديث رواه الشيخان.
(3) أبو حميد الساعدي: ابو عبد الرحمن بن عمرو بن سعد الخزرجي كما تقدم.
(4) هذا الحديث يدل عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم ولكن بالتبعية.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «180» رقم «1» .
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «156» رقم «6» .
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «113» رقم «4» .
(8) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(9) يحيى الاندلسي: قيده بالاندلسي احترازا عن يحيى بن يحيى النيسابوري. ولأن الموطأ رواه عن مالك اثنان كل واحد اسمه يحيى بن يحيى. احدهما يحيى بن يحيى بن كثير الاندلسي الليثي مات سنة اربع وثلاثين ومائتين، والاخر ابو بكر يحيى بن يحيى ابن بكر بن عبد الرحمن التميمي النيسابوري توفي سنة ست وعشرين ومائتين وله رواية في الصحيحين كما قاله السيوطي في مناقب مالك.

(2/190)


الْأَنْدَلُسِيِّ وَالصَّحِيحُ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِهِ وَيَدْعُو لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.
وَرَوَى «1» ابْنُ «2» وَهْبٍ عَنْ أَنَسِ «3» بْنِ مَالِكٍ كُنَّا نَدْعُو لِأَصْحَابِنَا بِالْغَيْبِ فَنَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ مِنْكَ عَلَى فُلَانٍ صَلَوَاتِ قَوْمٍ أَبْرَارٍ، الَّذِينَ يَقُومُونَ بِاللَّيْلِ وَيَصُومُونَ بِالنَّهَارِ.
قَالَ الْقَاضِي: وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ وَأَمِيلُ إِلَيْهِ مَا قَالَهُ مَالِكٌ «4» وَسُفْيَانُ «5» رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ «6» عَبَّاسٍ وَاخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ عِنْدَ ذِكْرِهِمْ «7» .. بَلْ هُوَ شَيْءٌ يَخْتَصُّ به الأنبياء توقيرا وَتَعْزِيزًا، كَمَا يُخَصُّ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ ذِكْرِهِ بِالتَّنْزِيهِ وَالتَّقْدِيسِ وَالتَّعْظِيمِ وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ.
كَذَلِكَ يَجِبُ تَخْصِيصُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وسائر الأنبياء بالصلاة والتسليم، ولا يشارك «8» فِيهِ سِوَاهُمْ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ بِقَوْلِهِ: «صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً» «9» .. وَيُذْكَرُ مَنْ سِوَاهُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِمْ بِالْغُفْرَانِ والرضى.
__________
(1) لم يخرجه السيوطي.
(2) ابن وهب: المصري العلم.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «47» رقم «1» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «186» رقم «3» .
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6» .
(7) اي افرادا ويجوز اتباعا.
(8) وفي نسخة (ولا يشاركهم) .
(9) الاية سورة الاحزاب آية «56» .

(2/191)


كَمَا قَالَ تَعَالَى: «يَقُولُونَ: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ» «1» .
وَقَالَ: «وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ» «2» .
وَأَيْضًا فَهُوَ أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ كَمَا قَالَ أَبُو عِمْرَانَ، «3» وَإِنَّمَا أَحْدَثَهُ الرَّافِضَةُ «4» وَالْمُتَشَيِّعَةُ فِي بَعْضِ الْأَئِمَّةِ فَشَارَكُوهُمْ عِنْدَ الذِّكْرِ لَهُمْ بِالصَّلَاةِ، وَسَاوَوْهُمْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، وَأَيْضًا فَإِنَّ التشبه بِأَهْلِ الْبِدَعِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَتَجِبُ مُخَالَفَتُهُمْ فِيمَا التزموه من ذلك، ذَلِكَ، وَذِكْرُ الصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ وَالْأَزْوَاجِ مَعَ النبي صلّى الله عليه وسلم بحكم التبع وَالْإِضَافَةِ إِلَيْهِ لَا عَلَى التَّخْصِيصِ.
قَالُوا: وَصَلَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ مَجْرَاهَا مَجْرَى الدُّعَاءِ وَالْمُوَاجَهَةُ.. لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى التَّعْظِيمِ وَالتَّوْقِيرِ.
قَالُوا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: «لَا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ
__________
(1) الاية سورة الحشر آية «10» .
(2) الاية سورة التوبة آية «100» .
(3) ابو عمران: موسى بن عيسى الفاسي. فقيه القيروان.
(4) الرافضة: طائفة من اهل البدع والاهواء المخالفين لاهل السنن. وسموا رافضة من الرفض وهو الترك لانهم رفضوا زين العابدين بن علي بن الحسين لما طلبوا منه أن يتبرأ من الشيخين فأبى. وتقدم الحديث عنهم في ج 1 ص «665» رقم «8» .

(2/192)


بَعْضِكُمْ بَعْضاً «1» » .. فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ لَهُ مُخَالِفًا لِدُعَاءِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ.
وَهَذَا اخْتِيَارُ الْإِمَامِ أَبِي الْمُظَفَّرِ «2» الْإِسْفَرَائِينِيِّ مِنْ شُيُوخِنَا وَبِهِ قَالَ أبو عمر «3» بن عبد البر «4» ..
__________
(1) الاية سورة النور آية «63» .
(2) أبو المظفر الاسفرائيني: من كبار علماء أهل السنة. واسفرائن بلدة يخراسان معروفة. وابو المظفر كنية طاهر بن احمد، وهو الملقب بشاه.
(3) ابو عمر بن عبد البر: حافظ المغربي.
(4) واعلم أن التصليه والتسليم على نبينا صلّى الله عليه وسلم مطلوبة امرنا بالتعبد بها فهي واجبة على اختلاف محل الوجوب- كما تقدم- والصلاة على غيره من الانبياء عليهم الصلاة والسلام استقلالا مستحبة، وما نقل عن مالك انها منهي عنها مخالف للقول الصحيح. فقال القرطبي انه مجمع عليه. والصلاة على غير الانبياء تبعا لنبينا صلّى الله عليه وسلم مستحبة أيضا كما في التشهد فلا عبرة لمن خالف فيه ايضا.. فلم يبق محل الخلاف غير الصلاة على غير الانبياء بانفرادهم- فالصحيح- انه مكروه. وأن كرامته كراهة تنزيه لا تحريم لانه اختص به صلّى الله عليه وسلم كما اختص عز وجل بالله تعالى فلا يقال: محمد عز وجل وان كان عزيزا جليلا.. هذا هو الصحيح وقد قيل ان السلام مثل الصلاة مخصوص بالانبياء أيضا فلا يقال على غيره (عليه السلام) كما صرح به الفقهاء، فهو مكروه تنزيها» اهـ كلام الخفاجي.

(2/193)