الشفا
بتعريف حقوق المصطفى محذوف الأسانيد الفصل التاسع عصمتهم
في الأعمال من الفواحش والموبقات
وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَوَارِحِ مِنَ الْأَعْمَالِ وَلَا يَخْرُجُ
مِنْ جُمْلَتِهَا الْقَوْلُ بِاللِّسَانِ فِيمَا عَدَا الخبر الذي وقع فيه
الكلام، ولا الاعتقاد بالقلب فيما عدا التوحيد بما قَدَّمْنَاهُ مِنْ
مَعَارِفِهِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ.
- فَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ مِنَ
الْفَوَاحِشِ وَالْكَبَائِرِ الْمُوبِقَاتِ.
- وَمُسْتَنَدُ الْجُمْهُورِ فِي ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ
وَهُوَ مَذْهَبُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ «1» .
وَمَنَعَهَا غَيْرُهُ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ مَعَ الْإِجْمَاعِ.. وَهُوَ
قَوْلُ الْكَافَّةِ..
واختاره الأستاذ أبو إسحق «2» .
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «385» رقم «1» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «584» رقم «2» .
(2/327)
- وَكَذَلِكَ لَا خِلَافَ أَنَّهُمْ
مَعْصُومُونَ مِنْ كِتْمَانِ «1» الرِّسَالَةِ وَالتَّقْصِيرِ فِي
التَّبْلِيغِ.
لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي الْعِصْمَةَ مِنْهُ الْمُعْجِزَةُ مَعَ
الْإِجْمَاعِ عَلَى ذلك من الكافة.
والجمهور قائل بِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ
مُعْتَصِمُونَ بِاخْتِيَارِهِمْ وَكَسْبِهِمْ.. إِلَّا حُسَيْنًا «2»
النَّجَّارَ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى الْمَعَاصِي
أَصْلًا.
- وَأَمَّا الصَّغَائِرُ.. فَجَوَّزَهَا جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ
وَغَيْرُهُمْ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي جَعْفَرٍ «3»
الطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ
وَالْمُتَكَلِّمِينَ.
وَسَنُورِدُ بَعْدَ هَذَا مَا احْتَجُّوا بِهِ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ
أُخْرَى إِلَى الْوَقْفِ.. وَقَالُوا: الْعَقْلُ لَا يُحِيلُ وُقُوعَهَا
مِنْهُمْ.. وَلَمْ يَأْتِ فِي الشَّرْعِ قَاطِعٌ بِأَحَدِ الوجهين.
__________
(1) وفي نسخة (عن كتم الرسالة) .
(2) حسين النجار: وفي نسخة «حسن النجار» وهو حسن بن محمد النجار الذي تنسب
له الطائفة النجارية، وهم فرقة من المبتدعة الضالة، وافقوا أهل السنة في
بعض أصولهم ووافقوا القدرية في نفي الرؤية، ووافقوا المعتزلة فى بعض
المسائل ولهم مقالات كفروا بها، والمشهور منهم ثلاث فرق. البرغوثية
والزعفرانية والمستدركة.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «182» رقم «2» .
(2/328)
وذهبت طائفة أخرى من المحققين من الفقهاء
وَالْمُتَكَلِّمِينَ إِلَى عِصْمَتِهِمْ مِنَ الصَّغَائِرِ كَعِصْمَتِهِمْ
مِنَ الْكَبَائِرِ.. قَالُوا: «لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الصَّغَائِرِ
وَتَعْيِينِهَا مِنَ الْكَبَائِرِ وَإِشْكَالِ ذَلِكَ» .
وَقَوْلِ ابْنِ «1» عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ: «إِنَّ كُلَّ مَا عُصِيَ اللَّهُ
بِهِ فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَأَنَّهُ إِنَّمَا سُمِّيَ مِنْهَا الصَّغِيرُ
بِالْإِضَافَةِ «2» إِلَى مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ وَمُخَالَفَةُ الباري
في أي أَمْرٍ كَانَ يَجِبُ كَوْنُهُ كَبِيرَةً.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ «3» عَبْدُ الْوَهَّابِ: «لَا يُمْكِنُ
أَنْ يُقَالَ إِنَّ فِي مَعَاصِي اللَّهِ صَغِيرَةً إِلَّا عَلَى مَعْنَى
أَنَّهَا تُغْتَفَرُ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، وَلَا يَكُونُ لَهَا
حُكْمٌ مَعَ ذَلِكَ. بِخِلَافِ الْكَبَائِرِ إِذَا لَمْ يُتَبْ مِنْهَا
فَلَا يُحْبِطُهَا «4» شَيْءٌ، وَالْمَشِيئَةُ فِي الْعَفْوِ عَنْهَا إِلَى
اللَّهِ تَعَالَى «وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي «5» بَكْرٍ وَجَمَاعَةِ
أَئِمَّةِ الأشعرية وكثير من أئمة الفقهاء.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6» .
(2) وفي نسخة (باضافة) .
(3) القاضي ابو محمد عبد الوهاب: المالكي البغدادي الاديب لعلامة وهو من
شعراء اليتيمة وقصيدته الميمية التي منها:
ولو ان أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظموه في النفوس لعظما
وله تصانيف في مذهبه جليلة كالتلقين والمعونة. وارتحل الى مصر وتوفي بها
ودفن بالقرافة بجانب الشافعي في عام اثنين وأربعمائة رابع عشر صفر.
(4) يحبطها: يمحوها.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «385» رقم «5» .
(2/329)
وقال بعض أئمتنا: «لا يَجِبُ عَلَى
الْقَوْلَيْنِ أَنْ يَخْتَلِفَ أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ عَنْ تَكْرَارِ
الصَّغَائِرِ وَكَثْرَتِهَا، إِذْ يُلْحِقُهَا ذَلِكَ بِالْكَبَائِرِ،
وَلَا فِي صَغِيرَةٍ أَدَّتْ إِلَى إِزَالَةِ الْحِشْمَةِ، وَأَسْقَطَتِ
الْمُرُوءَةَ وَأَوْجَبَتِ الْإِزْرَاءَ وَالْخَسَاسَةَ، فَهَذَا أَيْضًا
مِمَّا يُعْصَمُ عَنْهُ الْأَنْبِيَاءُ إِجْمَاعًا..
لِأَنَّ مثل هذا يحط منصب الْمُتَّسِمَ «1» بِهِ، وَيُزْرِي بِصَاحِبِهِ،
وَيُنَفِّرُ الْقُلُوبَ عَنْهُ.
وَالْأَنْبِيَاءُ مُنَزَّهُونَ عَنْ ذَلِكَ، بَلْ يَلْحَقُ بِهَذَا مَا
كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَاحِ فَأَدَّى إِلَى «2» مِثْلِهِ لِخُرُوجِهِ
بِمَا أَدَّى إِلَيْهِ عَنِ اسْمِ الْمُبَاحِ إِلَى الْحَظْرِ» . وَقَدْ
ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى عِصْمَتِهِمْ مِنْ مُوَاقَعَةِ الْمَكْرُوهِ
قَصْدًا
وَقَدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ عَلَى عِصْمَتِهِمْ مِنَ
الصَّغَائِرِ بِالْمَصِيرِ إِلَى امْتِثَالِ أَفْعَالِهِمْ، وَاتِّبَاعِ
آثَارِهِمْ وَسِيَرِهِمْ مُطْلَقًا، وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى ذَلِكَ
مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ «3» ، وَالشَّافِعِيِّ «4» ، وَأَبِي حَنِيفَةَ «5»
، مِنْ غَيْرِ الْتِزَامِ قَرِينَةٍ.. بَلْ مُطْلَقًا عِنْدَ بَعْضِهِمْ..
وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي حكم ذلك «6» .
__________
(1) المتسم به: أي المتصف به.
(2) من باب سد الذرائع عند الامام مالك، فان عنده ما ادى الى منهي عنه منهي
عنه وان كان مباحا.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «155» رقم «8» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «499» رقم «6» .
(6) فقال الغزالي انه يستحب اتباعه في الامور الجبلية كغيرها، وذهب اليه
كثير من الفقهاء والمحدثين. وقال غيرهم انه مباح احسن من غيره. وفي قول
ضعيف انه واجب
(2/330)
وَحَكَى ابْنُ خُوَيْزَ «1» مِنْدَاذْ
وَأَبُو الْفَرَجِ «2» عَنْ مَالِكٍ «3» .
الْتِزَامَ ذَلِكَ وُجُوبًا.. وَهُوَ قَوْلُ الْأَبْهَرِيِّ «4» وَابْنِ
الْقَصَّارِ «5» وَأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا.. وَقَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ
الْعِرَاقِ، وَابْنِ سُرَيْجٍ «6» وَالْإِصْطَخْرِيِّ «7» ، وَابْنِ
خَيْرَانَ «8» مِنَ الشافعية.
__________
(1) ابن خويز منداذ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ
عبد الله، وقيل: أبو بكر تلميذ الابهري، من أئمة المالكية والاصول، وله
تصانيف في مذهبه وعلم الخلاف الا أن اقواله مرجوحة عندهم، كقوله: ان العبيد
لا يدخلون في الخطاب، وان خبر الواحد موجب العلم. توفي في حدود الاربعمائه.
وهو من أهل البصرة كما في التمهيد لابن عبد البر
(2) ابو الفرج: عمر بن محمد بن عمر الليثي المالكي صاحب كتاب الحاوي في فقه
مالك توفي سنة ثلاثين او احدى وثلاثين وثلثمائة.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «4» .
(4) الابهري: نسبة لبلدة عظيمة بين قزوين وزنجان ولهم اخرى باصبهان،
والابهري من علماء المالكية اثنان: أبو بكر محمد بن عبد الله بن صالح،
والاخر ابو سعيد عبد الرحمن بن يزيد بن عبد السلام فمحمد الابهري من علماء
المالكية من أهل طليطلة ويلقب بأبي تمام وهو المراد هنا.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «141» رقم «1» .
(6) ابن سريج: ابو العباس أحمد بن عمر بن سريج البغدادي الشافعي، حامل لواء
المذهب صاحب التصانيف الجليلة. كانوا يفضلونه على جميع أصحاب الشافعي،
ويلقب بالباز الاشهب، تولى قضاء شيراز، وتوفي في جمادى الاولى سنة ست
وثلاثمائة
(7) الاصطخري: أبو سعيد الحسن بن أحمد بن زيد بن عيسى الامام المشهور عند
الشافعية وكذا تصانيفه، توفي سنة أربع وثمانين وثلاثمائة على أحد الاقوال
وترجمته مفصلة في الطبقات والميزان وغيرهما.
(8) ابن خيران: ابو الحسين بن صالح بن خيران البغدادي الامام الزاهد الجليل
قدره صاحب التصانيف المفيدة في فقه الشافعية. طلبه الوزير ابن الفرات
ليوليه القضاء فلم يجبه فسمر بابه عليه اياما فلم يجب فأفرج عنه ثم قال:
انما فعلت ذلك به ليعلم ان ما في بلدنا مثله. توفي رحمه الله تعالى سنة
عشرين وثلاثمائة.
(2/331)
وأكثر الشافعية على أن ذلك ندب..
وذهبت طَائِفَةٌ إِلَى الْإِبَاحَةِ وَقَيَّدَ بَعْضُهُمُ الِاتِّبَاعَ
فِيمَا كَانَ مِنَ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَعُلِمَ بِهِ مَقْصِدُ
الْقُرْبَةِ.
وَمَنْ قَالَ بِالْإِبَاحَةِ فِي أَفْعَالِهِ لَمْ يُقَيِّدْ.. قَالَ:
«فَلَوْ جَوَّزْنَا عَلَيْهِمُ الصَّغَائِرَ لَمْ يُمْكِنِ الِاقْتِدَاءُ
بِهِمْ فِي أَفْعَالِهِمْ إِذْ لَيْسَ كل فعل من أفعاله يتميز مقصده به
مِنَ الْقُرْبَةِ أَوِ الْإِبَاحَةِ أَوِ الْحَظْرِ أَوِ الْمَعْصِيَةِ،
وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُؤْمَرَ الْمَرْءُ بِامْتِثَالِ أَمْرٍ لَعَلَّهُ
مَعْصِيَةٌ لَا سِيَّمَا عَلَى مَنْ يَرَى مِنَ الْأُصُولِيِّينَ تَقْدِيمَ
الْفِعْلِ عَلَى الْقَوْلِ إذا تعارضا.
ونزيد هَذَا حُجَّةً بِأَنْ نَقُولَ: مَنْ جَوَّزَ الصَّغَائِرَ وَمَنْ
نَفَاهَا عَنْ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُجْمِعُونَ
عَلَى أَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى مُنْكَرٍ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ،
وَأَنَّهُ مَتَى رَأَى شَيْئًا فَسَكَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ دَلَّ عَلَى جَوَازِهِ.. فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا حَالَهُ فِي
حَقِّ غَيْرِهِ ثُمَّ يَجُوزُ وُقُوعُهُ مِنْهُ فِي نَفْسِهِ؟!
- وَعَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ تَجِبُ عصمته من مواقعة المكروه كما قيل..
وإذ الخطر أَوِ النَّدْبُ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِفِعْلِهِ يُنَافِي
الزَّجْرَ وَالنَّهْيَ عَنْ فِعْلِ الْمَكْرُوهِ.
- وَأَيْضًا فَقَدْ عُلِمَ من دين «1» الصحابة قطعا الاقتداء بأفعال
__________
(1) دين: هنا معناها العادة.
(2/332)
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كيف توجهت، وفي كُلِّ فَنٍّ كَالِاقْتِدَاءِ بِأَقْوَالِهِ..
فَقَدْ نَبَذُوا خَوَاتِيمَهُمْ حِينَ نَبَذَ خَاتَمَهُ «1» .. وَخَلَعُوا
نِعَالَهُمْ حِينَ خَلَعَ «2» .. وَاحْتِجَاجُهُمْ «3» بِرُؤْيَةِ ابْنِ
عُمَرَ «4» إِيَّاهُ جَالِسًا لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ
الْمَقْدِسِ.. وَاحْتَجَّ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي غَيْرِ شَيْءٍ «5»
مِمَّا بَابُهُ الْعِبَادَةُ أَوِ الْعَادَةُ بِقَوْلِهِ «6» : «رَأَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ» وَقَالَ
«7» : «هَلَّا خَبَّرْتِيهَا أَنِّي أُقَبِّلُ وَأَنَا صَائِمٌ» ..
وَقَالَتْ عَائِشَةُ «8» مُحْتَجَّةً «9» : «كنت أفعله أنا ورسول صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الَّذِي أُخْبِرَ بمثل هذا عنه فقال «10» : «يحلّ
الله لرسوله ما يشاء» .
__________
(1) وهو اشارة الى حديث رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.
(2) اشارة لحديث رواه احمد وابو داود والحاكم عن أبي سعيد الخدري.
(3) حديث رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما استدلوا به على انه يجوز
استقبال القبلة واستدبارها بالبول والغائط.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «182» رقم «1» .
(5) في غير شيء: أي في اشياء كثيرة.
(6) أي بقول ابن عمر.
(7) اشارة الى حديث في الموطأ عن عطاه بن يسار ان رجلا قبل امرأته وهو صائم
في رمضان فخاف وأرسل امرأته تسأل أمهات المؤمنين فسألت أم سلمة فقالت: أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله فأتته فأخبرته بما قالت فقال لسنا كرسول
الله صلّى الله فأتتها وأخبرتها بما قال زوجها فوجدت عندها رسول الله صلّى
الله عليه وسلم فقال: ما لهذه المرأة فأخبرته أم سلمة فقال لها رسول الله
صلّى الله عليه وسلم ألا أخبرتيها أني أفعل ذلك فقالت أم سلمة قد أخبرتها
فذهبت الى زوجها فأخبرته فزاده ذلك بشرا الى آخره فقال: «اني لاتقاكم لله
وأعلمكم بحدوده» .
(8) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «146» رقم «5» .
(9) لجوازه وعدم افساده الصوم.
(10) أي الصحابي المخبر بذلك.
(2/333)
وَقَالَ: «إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ
وَأَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِهِ» . وَالْآثَارُ في هذا أعظم من أن يحيط بها.
لَكِنَّهُ يُعْلَمُ مِنْ مَجْمُوعِهَا عَلَى الْقَطْعِ اتِّبَاعُهُمْ
أَفْعَالَهُ وَاقْتِدَاؤُهُمْ بِهَا وَلَوْ جَوَّزُوا عَلَيْهِ
الْمُخَالَفَةَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا لَمَا اتَّسَقَ هَذَا، وَلَنُقِلَ
عَنْهُمْ، وَظَهَرَ بَحْثُهُمْ عَنْ ذَلِكَ. وَلَمَا أَنْكَرَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْآخَرِ قَوْلَهُ وَاعْتِذَارُهُ بِمَا
ذَكَرْنَاهُ.
- وَأَمَّا الْمُبَاحَاتُ «1» فَجَائِزٌ وُقُوعُهَا مِنْهُمْ إِذْ لَيْسَ
فِيهَا قَدْحٌ.
بَلْ هِيَ مَأْذُونٌ فِيهَا وَأَيْدِيهِمْ «2» كَأَيْدِي غَيْرِهِمْ
مُسَلَّطَةٌ عَلَيْهَا.
- إِلَّا أَنَّهُمْ بِمَا خُصُّوا بِهِ مِنْ رَفِيعِ المنزلة، وبما شرحت
لَهُ صُدُورُهُمْ مِنْ أَنْوَارِ «3» الْمَعْرِفَةِ، وَاصْطُفُوا بِهِ من
تعلق بالهم بِاللَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ.. لَا يَأْخُذُونَ مِنَ
الْمُبَاحَاتِ إِلَّا الضَّرُورَاتِ مِمَّا يَتَقَوَّوْنَ بِهِ عَلَى
سُلُوكِ طَرِيقِهِمْ وَصَلَاحِ دِينِهِمْ وَضَرُورَةِ دُنْيَاهُمْ.
وَمَا أُخِذَ عَلَى هَذِهِ السَّبِيلِ الْتَحَقَ طَاعَةً وَصَارَ قُرْبَةً
كَمَا بَيَّنَّا مِنْهُ- أَوَّلَ الْكِتَابِ طَرَفًا فِي خِصَالِ
نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَبَانَ لَكَ عَظِيمُ فَضْلِ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَى سَائِرِ
أَنْبِيَائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، بِأَنْ جَعَلَ أَفْعَالَهَمْ
قُرُبَاتٍ وَطَاعَاتٍ بَعِيدَةً عَنْ وَجْهِ الْمُخَالَفَةِ وَرَسْمِ
المعصية.
__________
(1) المباح هو ما يجوز فعله وتركه من غير ترجيح لجانب لتوسعهم فيه مأخوذ من
باحة الدار أي عرصتها.
(2) اليد مجاز عن الكسب والتصرف لانها الة الفعل غالبا لقوله بيده الملك أي
له وبقبضته التصرف فيه.
(3) وفي نسخة (انواع) .
(2/334)
|