الشفا
بتعريف حقوق المصطفى محذوف الأسانيد الفصل الرابع عشر
حالة الانبياء في خوفهم واستغفارهم
فَإِنْ قُلْتَ: فَإِذَا نَفَيْتَ عَنْهُمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ
الذُّنُوبَ وَالْمَعَاصِي بِمَا ذَكَرْتَهُ مِنَ اخْتِلَافِ
الْمُفَسِّرِينَ وَتَأْوِيلِ الْمُحَقِّقِينَ.. فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ
تَعَالَى: «وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى «1» » وَمَا تَكَرَّرَ فِي
الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مِنَ اعْتِرَافِ الْأَنْبِيَاءِ
بِذُنُوبِهِمْ، وَتَوْبَتِهِمْ، وَاسْتِغْفَارِهِمْ، وَبُكَائِهِمْ عَلَى
مَا سَلَفَ مِنْهُمْ، وَإِشْفَاقِهِمْ؟؟!!
وَهَلْ يُشْفَقُ وَيُتَابُ وَيُسْتَغْفَرُ مِنْ لَا شَيْءَ؟!!
فَاعْلَمْ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ أَنَّ دَرَجَةَ الْأَنْبِيَاءِ
فِي الرِّفْعَةِ وَالْعُلُوِّ، وَالْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ وَسُنَّتِهِ فِي
عِبَادِهِ، وَعِظَمِ سُلْطَانِهِ وَقُوَّةِ بَطْشِهِ، مِمَّا يَحْمِلُهُمْ
عَلَى الْخَوْفِ مِنْهُ جَلَّ جَلَالُهُ، وَالْإِشْفَاقِ مِنَ
الْمُؤَاخَذَةِ بِمَا لَا يُؤَاخَذُ بِهِ غَيْرُهُمْ، وَأَنَّهُمْ فِي
تَصَرُّفِهِمْ بِأُمُورٍ لَمْ يُنْهَوْا عَنْهَا، ولا
__________
(1) سورة طه آية «121» .
(2/385)
أُمِرُوا بِهَا، ثُمَّ وُوخِذُوا «1»
عَلَيْهَا، وَعُوتِبُوا بِسَبَبِهَا، وَحُذِّرُوا «2» مِنَ الْمُؤَاخَذَةِ
بِهَا.. وَأَتَوْهَا عَلَى وَجْهِ التَّأْوِيلِ، أَوِ السَّهْوِ، أَوْ
تَزَيُّدٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا الْمُبَاحَةِ، خَائِفُونَ وَجِلُونَ.
وَهِيَ ذُنُوبٌ بِالْإِضَافَةِ إِلَى عَلِيِّ مَنْصِبِهِمْ. وَمَعَاصٍ
بِالنِّسْبَةِ إِلَى كَمَالِ طَاعَتِهِمْ.
لَا أَنَّهَا كَذُنُوبِ غَيْرِهِمْ وَمَعَاصِيهِمْ. فَإِنَّ الذنب مأخوذ
«3» من الشيء الدنيء الرَّذْلِ «4» ، وَمِنْهُ «ذَنَبُ «5» كُلِّ شَيْءٍ»
أَيْ آخِرُهُ وأذناب الناس رذّا لهم «6» فَكَأَنَّ «7» هَذِهِ أَدْنَى
أَفْعَالِهِمْ وَأَسْوَأُ مَا يَجْرِي مِنْ أَحْوَالِهِمْ،
لِتَطْهِيرِهِمْ، وَتَنْزِيهِهِمْ، وَعِمَارَةِ بَوَاطِنِهِمْ
وَظَوَاهِرِهِمْ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالْكَلِمِ الطَّيِّبِ،
وَالذِّكْرِ الظَّاهِرِ وَالْخَفِيِّ، وَالْخَشْيَةِ لِلَّهِ وَإِعْظَامِهِ
فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ..
وَغَيْرُهُمْ يَتَلَوَّثُ مِنَ الْكَبَائِرِ وَالْقَبَائِحِ وَالْفَوَاحِشِ
مَا تَكُونُ
__________
(1) وفي نسخة «أو خذوا» أي لامهم الله عليها مع أنها مباحة جائزة.
(2) وفي نسخة «أحذروا» بتشديد الذال المعجمة على بناء المجهول أي خوفوا
(3) الأخذ هنا هو الاشتقاق البعيد وهو معنى قولهم دائرة الأخذ أوسع من
دائرة الاشتقاق.
(4) الرذل: بفتح الراء المهملة وسكون الذال المعجمة أي المذموم الرديء.
(5) ذنب: بفتحتين وهو الذنب المعروف.
(6) رذلهم: بضم أوله وتخفيف ثانيه جمع رذل وهو جمع على فعال جاء في كلمات
معدودات أي أرذلهم.
(7) وفي نسخة (فكانت) . وفي نسخة (فكأن) بتشديد النون.
(2/386)
بالإضافة إلى «1» هَذِهِ الْهَنَاتِ «2»
فِي حَقِّهِ كَالْحَسَنَاتِ.
كَمَا قِيلَ «3» : «حَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ، سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ» .
أَيْ يَرَوْنَهَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى عَلِيِّ أَحْوَالِهِمْ
كَالسَّيِّئَاتِ وَكَذَلِكَ «الْعِصْيَانُ» التَّرْكُ وَالْمُخَالَفَةُ،
فَعَلَى مُقْتَضَى اللَّفْظَةِ كَيْفَمَا كَانَتْ مِنْ سَهْوٍ، أَوْ
تَأْوِيلٍ، فَهِيَ مُخَالَفَةٌ وَتَرْكٌ. وَقَوْلُهُ: «غوى» أي أَنَّ
تِلْكَ الشَّجَرَةَ هِيَ الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا.. «وَالْغَيُّ» الْجَهْلُ
وَقِيلَ:
أَخْطَأَ مَا طَلَبَ مِنَ الْخُلُودِ إِذْ أَكَلَهَا.. وَخَابَتْ
أُمْنِيَّتُهُ «4» .
وَهَذَا يُوسُفُ عليه السلام قد ووخذ «5» بِقَوْلِهِ لِأَحَدِ صَاحِبَيِ
السِّجْنِ «6» : «اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ، فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ
ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ «7» » .
قِيلَ: «أُنْسِيَ يُوسُفُ ذِكْرَ اللَّهِ» .
وَقِيلَ: «أُنْسِيَ صاحبه أن يذكره لسيده الملك» .
__________
(1) وفي نسخة (إليه) .
(2) الهنات: جمع هنة وهي خصلة السوء. قال لبيد:
«أكرمت عرضي أن ينال بنحوه ... إن البريء من الهنات سعيد»
وما في بعض النسخ من الهيئات جمع هيئة باء ساكنة وهمزة تحريف من الناسخ
(3) وهو من كلام أبي سعيد الخراز من كبار مشايخ الصوفية.
(4) أمنيته: بضم الهمزة وكسر النون وتشديد الياء وهي ما يتمنى وجمعها أماني
بالتشديد والتخفيف.
(5) وفي نسخة «أوخذ» .
(6) وفي نسخة «بقوله لصاحب السجن» .
(7) سورة يوسف آية 42
(2/387)
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ «1» : «لَوْلَا كَلِمَةُ يُوسُفَ مَا لَبِثَ فِي السِّجْنِ مَا
لَبِثَ» قَالَ ابْنُ دِينَارٍ «2» : لَمَّا قَالَ ذَلِكَ يُوسُفُ قِيلَ
لَهُ: اتَّخَذْتَ «3» مِنْ دُونِي وَكِيلًا!! .. لَأُطِيلَنَّ حَبْسَكَ..
فَقَالَ: يَا رَبِّ أَنْسَى قَلْبِي كَثْرَةُ «4» الْبَلْوَى.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «يُؤَاخَذُ الْأَنْبِيَاءُ بِمَثَاقِيلِ «5» الذَّرِّ
«6» لِمَكَانَتِهِمْ عِنْدَهُ وَيُجَاوِزُ عَنْ سَائِرِ الْخَلْقِ
لِقِلَّةِ مُبَالَاتِهِ «7» بِهِمْ فِي أَضْعَافِ مَا أَتَوْا به
__________
(1) في حديث رواه ابن جرير والطبراني عن ابن عباس. وابن مردويه عن أبي
هريرة.. وأبو الشيخ عن أبي الحسن مرسلا. وكذا عن عكرمه. فهو حديث صحيح
(2) ابن دينار: مالك، أبو يحيي البصري، أحد الأعلام، الزاهد الثقة، أخرج له
الأربعة وعلق له البخاري، وتوفي سنة مائة واثنين وثلاثين، واسمه محمد بن
ابراهيم، وله ترجمة في الميزان، وهذا رواه الامام البغوي عنه في تفسيره،
وأخرجه ابن أبي حاتم عن أنس مرفوعا.
(3) بهمزة الاستفهام الانكاري مقررا أو مقدرا.
(4) أي كثرة المصائب وهي تبدأ من حين ألقي في الجب إلى أن دخل السجن، فهذا
ذنب عد عليه وعوقب به مع أنه ليس بمعصية شرعية لكن على مقامه يقتضي أن لا
يذكر في الشدة غير الله ولا يعول على مخلوق وقد قال الخليل لجبريل عليهما
السلام حين ألقي في النار وقال له ألك حاجة قال أما إليك فلا، حسبي من
سؤالي علمه بحالي.
(5) المثاقيل: جمع مثقال وهو في العرف الدينار وليس بمراد هنا. بل هو وزن
كل شيء ومقداره.
(6) الذر: جمع ذرة وهي أصغر النمل ويقال للهباء الذي يرى في شعاع الشمس ولا
زنة له أصلا.
(7) مبالاته: قال ابن فارس: اشتبه علي اشتقاق (لا أبالي) حتى رأيت قول ليلى
الاخيلية:
تبالي رواياهم وهبالة بعد ما ... وردن وحول الماء بالحم يرتمى
وقد قالوا فيه التبالي المبادرة للاستقاء عند قلة الماء فيستقي أحدهم
وينتظره غيره فمعنى (لا أبالي) لا أبادر له ولا أنتظره لعدم اعتدادي به..
اهـ.
(2/388)
مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ. وَقَدْ قَالَ
الْمُحْتَجُّ لِلْفِرْقَةِ «1» الْأُولَى. عَلَى سِيَاقِ مَا قُلْنَاهُ..
إِذَا كَانَ الْأَنْبِيَاءُ يُؤَاخَذُونَ بِهَذَا مِمَّا لَا يُؤَاخَذُ
بِهِ غَيْرُهُمْ مِنَ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا ذَكَرْتَهُ
وَحَالُهُمْ أرفع فحالهم «2» إذن فِي هَذَا أَسْوَأُ «3» حَالًا مِنْ
غَيْرِهِمْ.
فَاعْلَمْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ: أَنَّا لَا نُثْبِتُ لَكَ الْمُؤَاخَذَةَ
فِي هَذَا عَلَى حَدِّ مُؤَاخَذَةِ غَيْرِهِمْ.. بَلْ نَقُولُ: «إِنَّهُمْ
يُؤَاخَذُونَ بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا لِيَكُونَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي
دَرَجَاتِهِمْ، وَيُبْتَلُونَ بِذَلِكَ لِيَكُونَ اسْتِشْعَارُهُمْ «4»
لَهُ سَبَبًا لِمَنْمَاةِ «5» رُتَبِهِمْ كَمَا قَالَ: «ثُمَّ اجْتَباهُ
رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى «6» » .
وقال لداود: «فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ «7» » الْآيَةَ وَقَالَ بَعْدَ قَوْلِ
مُوسَى: «تُبْتُ إِلَيْكَ «8» » «إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ «9»
» .
وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِ فِتْنَةِ سُلَيْمَانَ وَإِنَابَتِهِ: «فَسَخَّرْنا
لَهُ الرِّيحَ. إلى
__________
(1) القائلين بأن الأنبياء معصومون من جميع الذنوب، وأن السهو والنسيان لا
يؤاخذون به كغيرهم.
(2) وفي بعض النسخ (وحالهم) .
(3) وفي نسخة (أشق) .
(4) الاستشعار: طلب الشعور، والمراد به مقاساته.. أو هو من الشعار وهو
اللباس الملاصق للبدن. وفي نسخة (استغفارهم) .
(5) منماه: مصدر ميمي يعني النمو وهو الزيادة.
(6) آية: 122 سورة طه.
(7) آية: 25 سورة ص.
(8) آية: 143 سورة الأعراف.
(9) آية: 144 سورة الأعراف.
(2/389)
وَحُسْنُ مَآبٍ «1» » وَقَالَ بَعْضُ
الْمُتَكَلِّمِينَ: «زَلَّاتُ الْأَنْبِيَاءِ فِي الظَّاهِرِ زَلَّاتٌ
وَفِي الْحَقِيقَةِ كَرَامَاتٌ وَزُلَفٌ «2» . وَأَشَارَ إِلَى نَحْوٍ
مِمَّا قَدَّمْنَاهُ.
وَأَيْضًا فَلْيُنَبَّهْ غَيْرُهُمْ مِنَ البشر منهم، أو ممن ليس من
دَرَجَتِهِمْ بِمُؤَاخَذَتِهِمْ بِذَلِكَ فَيَسْتَشْعِرُوا الْحَذَرَ
وَيَعْتَقِدُوا الْمُحَاسَبَةَ لِيَلْتَزِمُوا الشُّكْرَ عَلَى النِّعَمِ،
وَيُعِدُّوا الصَّبْرَ عَلَى الْمِحَنِ «3» بِمُلَاحَظَةِ مَا وَقَعَ
بِأَهْلِ هَذَا النِّصَابِ «4» الرَّفِيعِ الْمَعْصُومِ. فَكَيْفَ بِمَنْ
سِوَاهُمْ.
وَلِهَذَا قَالَ صَالِحٌ «5» الْمُرِّيُّ: «ذِكْرُ دَاوُدَ بَسْطَةٌ «6»
لِلتَّوَّابِينَ» .
قَالَ ابْنُ عَطَاءٍ «7» : «لَمْ يَكُنْ مَا نَصَّ اللَّهُ تعالى من قصة
صاحب «8»
__________
(1) آية: 40 سورة ص.
(2) زلف: بضم الزاي وفتح اللام جمع زلفة أي قرب من الله تعالى بإعلاء
مقاماتهم عنده.
(3) المحن: جمع محنة وهي البلية التي يمتحن الله تعالى بها صبره ورضاه كما
قيل:
لله در النائبات فإنها ... صدأ اللئام وصيقل الأحرار
والمحنة كالفتنة بتصفية المعادن من غشها فنقلت لما ذكر وصارت فيه حقيقة
(4) النصاب: المقام.
(5) صالح المري: نسبة الى مرة قبيلة وهو ابن بشير الواعظ الزاهد توفي سنة
اثنين وسبعين ومائة كما قال ابن ماكولا.
(6) بسطة: أي توسعة لمن يتوب ويكثر التوبة والاستغفار.
(7) إبن عطاء: أبو العباس محمد بن سهل بن عطاء الاربلي شيخ الصوفيه، وله في
فهم القرآن لسان اختص به.. توفي سنة تسع أو إحدى عشرة وثلاثمائة. تقدمت
ترجمته في ج 1 ص «63» رقم «3» .
(8) يونس ابن متى نبي الله صلّى الله عليه وسلم.
(2/390)
الْحُوتِ نَقْصًا «1» لَهُ، وَلَكِنِ
اسْتِزَادَةً «2» مِنْ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَأَيْضًا.
فَيُقَالُ لَهُمْ: فَإِنَّكُمْ وَمَنْ وَافَقَكُمْ تَقُولُونَ بِغُفْرَانِ
الصَّغَائِرِ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، وَلَا خِلَافَ فِي عِصْمَةِ
الْأَنْبِيَاءِ مِنَ الْكَبَائِرِ..
فَمَا جَوَّزْتُمْ مِنْ وُقُوعِ الصَّغَائِرِ عَلَيْهِمْ هِيَ مَغْفُورَةٌ
عَلَى هَذَا، فَمَا مَعْنَى الْمُؤَاخَذَةِ بها إذن عِنْدَكُمْ!! ..
وَخَوْفِ الْأَنْبِيَاءِ وَتَوْبَتِهِمْ مِنْهَا وَهِيَ مَغْفُورَةٌ لَوْ
كَانَتْ!! ..
فَمَا أَجَابُوا بِهِ فَهُوَ جَوَابُنَا عن المؤاخذة بأفعال السَّهْوِ
وَالتَّأْوِيلِ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ كَثْرَةَ اسْتِغْفَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوْبَتِهِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى
وَجْهِ مُلَازِمَةِ الْخُضُوعِ وَالْعُبُودِيَّةِ وَالِاعْتِرَافِ
بِالتَّقْصِيرِ شُكْرًا لِلَّهِ عَلَى نِعَمِهِ.
كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» وَقَدْ أَمِنَ من
المؤاخذة بما تقدم وما تأخر «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا..» !!
وَقَالَ «4» : «إِنِّي أَخْشَاكُمْ لله وأعلمكم بما أتقي» .
__________
(1) أي تضيعا له بكونه ولى مغاضبا ولم يصبر حتى يأذن الله تعالى فيما أراد.
(2) أي طلب منه أن يزيد صبره على قومه وقيل المراد انه زيادة في علمه بما
جرى للأنبياء عليهم الصلاة والسلام طلبها من ربه والصحيح الأول لأنه
المناسب لقوله تعالى: «ولا تكن كصاحب الحوت» أي في ضجره وفراق قومه حتى كان
ما ذكره الله تعالى في قصته.
(3) والحديث قد تقدم. والمذكور في الصحيحين عن المغيرة بن شعبة.
(4) في الحديث الذي رواه البخاري كما تقدم.
(2/391)
قَالَ الْحَارِثُ بْنُ أَسَدٍ «1» :
«خَوْفُ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ خَوْفُ إِعْظَامٍ وَتَعَبُّدٍ
لِلَّهِ لِأَنَّهُمْ آمِنُونَ» .
وَقِيلَ «2» : فَعَلُوا ذَلِكَ لِيُقْتَدَى بِهِمْ وَتَسْتَنَّ بِهِمْ
أُمَمُهُمْ.
كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا
أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» وَأَيْضًا
فَإِنَّ فِي التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ مَعْنًى آخَرَ لَطِيفًا أَشَارَ
إِلَيْهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ اسْتِدْعَاءُ مَحَبَّةِ اللَّهِ «4»
.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ
الْمُتَطَهِّرِينَ «5» » .
فَإِحْدَاثُ «6» الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ الِاسْتِغْفَارَ وَالتَّوْبَةَ
وَالْإِنَابَةَ وَالْأَوْبَةَ فِي كُلِّ حِينٍ اسْتِدْعَاءٌ لِمَحَبَّةِ
اللَّهِ وَالِاسْتِغْفَارُ فِيهِ مَعْنَى التَّوْبَةِ.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صلّى الله عليه وسلم بَعْدَ أَنْ غَفَرَ
لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ: «لَقَدْ تابَ اللَّهُ
عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ «7» .»
الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى: «فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ
إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً «8» » .
__________
(1) الحارث بن أسد: المشهور بالمحاسبي لكثرة ما كان يحاسب نفسه ولزهده. وهو
العالم الرباني الذي فاق أهل عصره في علم الظاهر والباطن.. وقد مات أبوه
وخلف له مالا عظيما لم يأخذ منه شيئا مع احتياجه لأن أباه كان قدريا..
وقال: لا يتوارث أهل ملتين، ترجمته مفصلة في الميزان.. توفي سنة ثلاثة
وأربعين ومائتين.
(2) وفي نسخة (وقد) .
(3) رواه أحمد والشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أنس وروى الحاكم عن
أبي ذر وزاد: «لما ساغ لكم الطعام والشراب» . ورواه الطبراني والحاكم
والبيهقي عن أبي الدرداء. وزاد «لخرجتم الى الصعدات- بضمتين الطرفات-
تجأرون الى الله تعالى لا تدرون تنجون أو لا تنجون» .
(4) لما في الحديث: «إن الله يفرح بتوبة عنده المؤمن» ، والفرح في حقه
بمعنى الرضا عنه.
(5) آية 222 سورة البقرة.
(6) أحداث: تجديد.
(7) آية: 117 سورة التوبة.
(8) آية 3 سورة النصر.
(2/392)
|