الشفا بتعريف حقوق المصطفى محذوف الأسانيد

الفصل السّابع دراسته أَحَادِيثَ أُخْرَى
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا وَجْهُ حَدِيثِهِ
عن أبي هريرة «1» قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «2» :
«اللَّهُمَّ إِنَّمَا مُحَمَّدٌ بَشَرٌ، يَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ وَإِنِّي قَدِ اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لن نخلفنيه.. فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ آذَيْتُهُ.. أَوْ سَبَبْتُهُ، أَوْ جَلَدْتُهُ فاجعلها له كفارة وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.»
وَفِي رِوَايَةٍ «3» : «فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ دَعْوَةً»
وَفِي رِوَايَةٍ: «لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ» .
وَفِي رِوَايَةٍ: «فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سَبَبْتُهُ أَوْ لَعَنْتُهُ أَوْ جلدته فاجعلها له زكاة وصلاة» . وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَلْعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ اللَّعْنَ!!، وَيَسُبُّ من لا يستحق «4» السبّ!! ويجلد
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (31) رقم (5) .
(2) رواه مسلم.
(3) عن أنس وليست عن أبي هريرة.
(4) لقوله في رواية (ليس لها بأهل) .

(2/438)


مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْجَلْدَ!! أَوْ يَفْعَلُ مِثْلَ ذلك عند الغضب وهو معصوم من هَذَا كُلِّهِ!!.
فَاعْلَمْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَكَ.. أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلًا «لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ» أَيْ عِنْدَكَ يَا رَبِّ فِي بَاطِنِ أَمْرِهِ فَإِنَّ حُكْمَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الظَّاهِرِ كَمَا قَالَ.
وَلِلْحِكْمَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَحَكَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَلْدِهِ أَوْ أَدَّبَهُ بِسَبِّهِ أَوْ لَعْنِهِ بِمَا اقْتَضَاهُ عنده حال ظاهره، ثم دعا له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِشَفَقَتِهِ عَلَى أُمَّتِهِ وَرَأْفَتِهِ، وَرَحْمَتِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ الَّتِي وَصَفَهُ اللَّهُ بِهَا، وَحَذَّرَهُ أَنْ يَتَقَبَّلَ اللَّهُ فِيمَنْ دَعَا عَلَيْهِ دعوته أن يجعل دعاءه وفعله له رحمة وهو مَعْنَى قَوْلِهِ «لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ» .. لَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْمِلُهُ الْغَضَبُ وَيَسْتَفِزُّهُ الضَّجَرُ لِأَنْ يَفْعَلَ مِثْلَ هَذَا بِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ مُسْلِمٍ.
وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ. وَلَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: «أَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ» أَنَّ الْغَضَبَ حَمَلَهُ عَلَى مَا لَا يَجِبُ.. بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَذَا أَنَّ الغضب لله حمله على ما لا يجب.. بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَذَا أَنَّ الْغَضَبَ لِلَّهِ حَمَلَهُ عَلَى مُعَاقَبَتِهِ بِلَعْنِهِ أَوْ سَبِّهِ وَأَنَّهُ مِمَّا كَانَ يَحْتَمِلُ، وَيَجُوزُ عَفْوُهُ عَنْهُ أَوْ كَانَ مِمَّا خُيِّرَ بَيْنَ الْمُعَاقَبَةِ فِيهِ وَالْعَفْوِ عَنْهُ.
- وَقَدْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْإِشْفَاقِ وَتَعْلِيمِ أُمَّتِهِ الْخَوْفَ وَالْحَذَرَ مِنْ تَعَدِّي حُدُودِ اللَّهِ.

(2/439)


- وَقَدْ يُحْمَلُ مَا وَرَدَ مِنْ دُعَائِهِ هُنَا، وَمِنْ دَعَوَاتِهِ عَلَى غَيْرِ وَاحِدٍ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ، عَلَى غَيْرِ الْعَقْدِ وَالْقَصْدِ، بَلْ بِمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْعَرَبِ «1» .. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا الْإِجَابَةَ كَقَوْلِهِ «2» : «تَرِبَتْ «3» يَمِينُكَ» «وَلَا أَشْبَعَ اللَّهُ بطنك «4» » و «5» عقرى «6» حَلْقَى «7» » وَغَيْرِهَا مِنْ دَعَوَاتِهِ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي صِفَتِهِ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ «8» أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم لم يكن فحاشا.
__________
(1) أي بما جرت به عادة العرب في محاوراتهم يدعون على مخاطبهم بنحو قاتله الله وويل أمه ولا أب له لمن قصد مدحه وتحسين فعله وهو مشهور في غير لسان العرب أيضا
(2) في حديث رواه الشيخان.
(3) قال في النهاية: «ترب الرجل اذا افتقر كأنه التصق بالتراب وأترب اذا استغنى اما على همزة السلب او على معنى صار ماله كالتراب كثرة» .
(4) قاله صلّى الله عليه وسلم لمعاوية رضي الله عنه فيما رواه مسلم عن ابن عباس ولفظه: «كنت مع الصبيان فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم فتواريت خلف الباب فقال اذهب فادع لي معاوية قال: فجئته وقلت هو يأكل فقال ثانيا اذهب فادعه فجئته وقلت هو يأكل فأمرني فجئنه وقلت هو يأكل فقال صلّى الله عليه وسلم: «لا أشبع الله بطنه» قال البيهقي في الدلائل: «فما شبع بطنه أبدا» .
(5) وهذا قاله صلّى الله عليه وسلم لصفية بنت حيي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها فى حجة الوداع وهو في البخاري بسنده عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم للحج فلما كانت ليلة النفر حاضت صفية فقال صلّى الله عليه وسلم ما أراها ألا حاسبتكم: الخ» .
(6) عترى: دعاء عليها من العقر وهو عرقبة الدواب وألفه للتأنيث كسكرى. أو من العقرة وهو رفع الصوت.
(7) خالقى: دعاء عليها وهو وجع في حلقها. وقيل معناه دعاء الاستئصال كما يستأصل الحالق الشعر.
(8) وبعضها في صحيح البخاري.

(2/440)


وَقَالَ «1» أَنَسٌ «2» : «لَمْ يَكُنْ سَبَّابًا وَلَا فَاحِشًا وَلَا لَعَّانًا» ..
وَكَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ الْمَعْتَبَةِ «3» : «مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ «4» » فَيَكُونُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى ثُمَّ أَشْفَقَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُوَافَقَةِ أَمْثَالِهَا إِجَابَةً فَعَاهَدَ رَبَّهُ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ أَنْ يَجْعَلَ ذلك للمقول له زَكَاةً وَرَحْمَةً وَقُرْبَةً.
- وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ إِشْفَاقًا على المدعو عليه وتأنيا لَهُ لِئَلَّا يَلْحَقَهُ مِنَ اسْتِشْعَارِ الْخَوْفِ وَالْحَذَرِ مِنْ لَعْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَبُّلِ دُعَائِهِ مَا يَحْمِلُهُ عَلَى الْيَأْسِ وَالْقُنُوطِ.
- وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ سُؤَالًا مِنْهُ لِرَبِّهِ لِمَنْ جَلَدَهُ أَوْ سَبَّهُ عَلَى حَقٍّ وَبِوَجْهٍ صَحِيحٍ أن يجعل ذلك كَفَّارَةً لِمَا أَصَابَهُ وَتَمْحِيَةً لِمَا اجْتَرَمَ، وَأَنْ تَكُونَ عُقُوبَتُهُ لَهُ فِي الدُّنْيَا سَبَبَ الْعَفْوِ وَالْغُفْرَانِ.
كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «5» . «وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ لَهُ كَفَّارَةٌ» ..
فَإِنْ قُلْتَ: «فَمَا مَعْنَى حَدِيثِ «6» الزُّبَيْرِ «7» وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم
__________
(1) فيما رواه البخاري.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «؟؟ 4» رقم «1»
(3) المعتبة: مصدر ميمي من العتاب وهو بالتاء المثناة من فوق مفتوحة ومكسورة من عتب عليه عند الغضب اذا لامه.
(4) وفي نسخة (يمينه) .
(5) الذي رواه الشيخان عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
(6) الحديث رواه البخاري.
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «591» رقم «5» .

(2/441)


له حِينَ تَخَاصُمِهِ مَعَ الْأَنْصَارِيِّ فِي شِرَاجِ «1» الْحَرَّةِ «2» اسق يا زبير حتى يبلغ الماء الكعبين فقال له الأنصاري: أن كان يا رسول الله ابن عمتك! فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: «اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسْ حَتَّى يَبْلُغَ الْجَدْرَ «3» » الْحَدِيثَ..
فَالْجَوَابُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَزَّهٌ أَنْ يَقَعَ بِنَفْسِ مُسْلِمٍ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَمْرٌ يُرِيبُ.. وَلَكِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَدَبَ الزُّبَيْرَ أَوَّلًا إِلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى بَعْضِ حَقِّهِ عَلَى طَرِيقِ التَّوَسُّطِ وَالصُّلْحِ، فَلَمَّا لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ الْآخَرُ، وَلَجَّ، وَقَالَ مَا لَا يَجِبُ، اسْتَوْفَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ.
وَلِهَذَا تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ «4» عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ: بَابٌ إِذَا أَشَارَ الْإِمَامُ بِالصُّلْحِ فَأَبَى حَكَمَ عَلَيْهِ بِالْحُكْمِ وَذَكَرَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فَاسْتَوْعَى «5» رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ.
وَقَدْ جَعَلَ الْمُسْلِمُونَ هَذَا الحديث أصلا في قضيته وفيه الاقتداء
__________
(1) شراج: بكسر الشين المعجمة وراء مهملة وألف بعدها جيم مسيل صغير في السهل كالقناة جمع شرجة أو شرج.
(2) الحرة: بفتح الحاء وتشديد الراء المهملتين أرض صلبة تعلوها حجارة سود وهي مكان معروف بطيبة كان فيها وقعة يزيد المشهورة.
(3) الجدر: بفتح الجيم وسكون الدال وبالراء المهملتين بمعنى الجدار وروي بضم الجيم جمع جدار وروي بفتح الجيم وكسرها وذال معجمة من جذر الحساب وجذر كل شيء أصله والمراد به الحائط.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «158» رقم «3» .
(5) استوعى: استكمل.

(2/442)


بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ مَا فَعَلَهُ فِي حَالِ غَضَبِهِ وَرِضَاهُ، وَأَنَّهُ وَإِنْ نَهَى أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ، فَإِنَّهُ فِي حُكْمِهِ فِي حَالِ الْغَضَبِ وَالرِّضَى سَوَاءٌ لِكَوْنِهِ فِيهِمَا مَعْصُومًا.
وَغَضَبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا إِنَّمَا كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى لَا لِنَفْسِهِ كَمَا جَاءَ فِي الحديث الصحيح.
وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ «1» فِي إِقَادَتِهِ «2» عُكَاشَةَ «3» مِنْ نَفْسِهِ لم يكن لتعمّد حَمَلَهُ الْغَضَبُ عَلَيْهِ.. بَلْ وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ نَفْسِهِ أَنَّ عُكَاشَةَ قَالَ لَهُ: «وَضَرَبْتَنِي بِالْقَضِيبِ فَلَا أَدْرِي أَعَمْدًا أَمْ أَرَدْتَ ضَرْبَ النَّاقَةِ» فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُعِيذُكَ بِاللَّهِ يَا عُكَاشَةُ أَنْ يَتَعَمَّدَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم»
وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِهِ «4» الْآخَرِ مَعَ الْأَعْرَابِيِّ حِينَ طَلَبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الِاقْتِصَاصَ مِنْهُ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: «قَدْ عَفَوْتُ عَنْكَ» وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ضَرَبَهُ بِالسَّوْطِ لِتَعَلُّقِهِ بِزِمَامِ نَاقَتِهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَاهُ وَيَقُولُ لَهُ: «تُدْرِكُ حَاجَتَكَ» وَهُوَ يَأْبَى.. فَضَرَبَهُ بَعْدَ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ.
وَهَذَا مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ لَمْ يقف عند نهيه صواب، وموضع أدب،
__________
(1) الذي رواه ابو نعيم في الحلية. ولم يقل انه موضوع. بينما ذكره ابن الجوزي في الموضوعات.
(2) اقادته: الافادة في الاصل سوق الدابة ثم استعمل في الاقتصاص بالنفس وغيرها لان الجاني يقاد ليستوفى منه غالبا فأريد به لازم معناه فصار حقيقة فيه.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «64» رقم «5» .
(4) هذا الحديث لا يعرف من رواه، ويحتمل انه حديث عكاشة نفسه.

(2/443)


لكنه عليه السَّلَامُ أَشْفَقَ إِذْ كَانَ حَقَّ نَفْسِهِ مِنَ الْأَمْرِ حَتَّى عَفَا عَنْهُ
وَأَمَّا حَدِيثُ سَوَادِ «1» بْنِ عَمْرٍو أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وأنا متخلق «2» فقال: وَرْسٌ «3» وَرْسٌ حُطَّ «4» حُطَّ وَغَشِيَنِي «5» بِقَضِيبٍ فِي يَدِهِ فِي بَطْنِي فَأَوْجَعَنِي.. قُلْتُ: الْقَصَاصُ يَا رسول الله.. فكشف لي عن بطنه، إنما ضَرَبَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُنْكَرٍ رَآهُ بِهِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يُرِدْ بِضَرْبِهِ بِالْقَضِيبِ إِلَّا تَنْبِيهَهُ، فَلَمَّا كَانَ مِنْهُ إِيجَاعٌ لَمْ يَقْصِدْهُ طلب التحلل منه على ما قدمناه.
__________
(1) سواد بن عمرو: انصاري صحابي، وليس هو سواد بن غزية الا انه وقع نقل مثل هذه القصة عنه وأنه صلّى الله عليه وسلم طعنه بالعصا في خاصرته لكن لا على هذا الوجه كما يأتي اذ ان سواد بن غزية حدث معه ذلك قبل معركة بدر. وقال ابن الملقن في شرح البخاري بعد ما نقل ما في الشفاء: هذا لم يدرك النبي صلّى الله عليه وسلم فانه صاحب ابن وهب.. فان ثبت هذا فلعله صحابي آخر وافق اسمه واسم أبيه. لكن القصة معروفة بسواد بن عمرو.. وذكر ابن عبد البر رحمه الله تعالى انه سوادة بزيادة الهاء
(2) متخلق: متضمخ بالخلوق وهو نوع من الطيب يخلط بالزعفران. ولونه بين الحمرة والصفرة، وهو منهي عنه في بعض الاحاديث للرجال.
(3) ورس: الورس نبت أصفر باليمن يصبغ به ويتعطر وهو منهي عنه كالخلوق نهي تحريم.
(4) حط: كرد فأصله احطط كاردود.
(5) غشيني: بمعنى ضربني.

(2/444)