الشفا
بتعريف حقوق المصطفى محذوف الأسانيد الفصل الخامس فِي مِيرَاثِ مَنْ قُتِلَ فِي
سَبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغُسْلِهِ
وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مِيرَاثِ مَنْ قُتِلَ بِسَبِّ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَذَهَبَ سُحْنُونٌ «1» إِلَى أَنَّهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ
قِبَلِ أَنَّ شَتْمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفْرٌ
يُشْبِهُ كُفْرَ الزِّنْدِيقِ.
وَقَالَ أَصْبَغُ «2» : مِيرَاثُهُ لِوَرَثَتِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِنْ
كَانَ مُسْتَسِرًّا بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُظْهِرًا لَهُ مُسْتَهِلًّا
بِهِ فَمِيرَاثُهُ لِلْمُسْلِمِينَ، ويقتل على كل حال ولا يستتاب.
قال أَبُو الْحَسَنِ «3» الْقَابِسِيُّ: إِنْ قُتِلَ وَهُوَ مُنْكِرٌ
لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهِ فَالْحُكْمُ فِي مِيرَاثِهِ عَلَى مَا أظهر مِنْ
إِقْرَارِهِ- يَعْنِي لِوَرَثَتِهِ- وَالْقَتْلُ حَدٌّ ثَبَتَ عليه ليس من
الميراث في شيء.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «3» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «5» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «188» رقم «1» .
(2/575)
وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ بِالسَّبِّ
وَأَظْهَرَ التَّوْبَةَ لَقُتِلَ إِذْ هُوَ حَدُّهُ. وَحُكْمُهُ فِي
مِيرَاثِهِ وَسَائِرِ أَحْكَامِهِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ.
وَلَوْ أَقَرَّ بِالسَّبِّ وَتَمَادَى عَلَيْهِ وَأَبَى التَّوْبَةَ مِنْهُ
فَقُتِلَ عَلَى ذَلِكَ، كَانَ كَافِرًا وَمِيرَاثُهُ لِلْمُسْلِمِينَ.
وَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَا يُكَفَّنُ، وَتُسْتَرُ
عَوْرَتُهُ، وَيُوَارَى كَمَا يُفْعَلُ بِالْكُفَّارِ.
وَقَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ- فِي الْمُجَاهِرِ الْمُتَمَادِي-
بَيِّنٌ لَا يُمْكِنُ الْخِلَافُ فِيهِ. لِأَنَّهُ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ
غَيْرُ تَائِبٍ وَلَا مُقْلِعٍ. - وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِ أَصْبَغَ «1» .
وَكَذَلِكَ فِي كِتَابِ ابْنِ سُحْنُونٍ «2» فِي الزِّنْدِيقِ يَتَمَادَى
عَلَى قَوْلِهِ وَمِثْلُهُ لِابْنِ «3» الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ.
وَلِجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ «4» فِي كِتَابِ ابْنِ «5» حَبِيبٍ
فِيمَنْ أَعْلَنَ كُفْرَهُ- مِثْلُهُ- قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وحكمه حكم
المرتد لا ترثه وَرَثَتُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا مِنْ أَهْلِ الدِّينِ
الَّذِي ارْتَدَّ إِلَيْهِ، وَلَا تَجُوزُ وَصَايَاهُ وَلَا عتقه.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «5» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «609» رقم «10» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «3» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «1» .
(2/576)
وَقَالَهُ أَصْبَغُ «1» : «قُتِلَ عَلَى
ذَلِكَ، أَوْ مَاتَ عليه» . وقال أبو محمد «2» ابن أَبِي زَيْدٍ:
«وَإِنَّمَا يُخْتَلَفُ فِي مِيرَاثِ الزِّنْدِيقِ الَّذِي يَسْتَهِلُّ
بِالتَّوْبَةِ فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ. فَأَمَّا الْمُتَمَادِي، فَلَا
خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُورَثُ» .
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ «2» : «فِيمَنْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى ثُمَّ
مَاتَ وَلَمْ تُعَدَّلْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ..، أَوْ لَمْ تُقْبَلْ. إِنَّهُ
يُصَلَّى عَلَيْهِ» .
وَرَوَى أَصْبَغُ «1» عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ «3» فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ
«4» : «فِيمَنْ كَذَّبَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، أو أعلن دِينًا مِمَّا يُفَارِقُ بِهِ الْإِسْلَامَ. أَنَّ
مِيرَاثَهُ للمسلمين» .
وقال يقول مَالِكٍ «5» : إِنَّ مِيرَاثَ الْمُرْتَدِّ لِلْمُسْلِمِينَ،
وَلَا تَرِثُهُ وَرَثَتُهُ، رَبِيعَةُ «6» ، وَالشَّافِعِيُّ «7» ، وَأَبُو
«8» ثَوْرٍ، وَابْنُ أَبِي «9» لَيْلَى.
وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ أَحْمَدَ «10» . وَقَالَ عَلِيُّ بن «11» أبي طالب
رضي
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (153) رقم (5) .
(2) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (479) رقم (5) .
(3) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (153) رقم (6) .
(4) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (153) رقم (1) .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (341) رقم (7) .
(6) ربيعة: بن أبي عبد الرحمن بن فروخ، فقيه المدينة ومحدثها الذي روى عنه
مالك والليث وغيرهما، وأخرج له الستة ووثقه أحمد وغيره، توفي سنة ست
وثلاثين ومائة
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «155» رقم «8» .
(8) أبو ثور: ابراهيم بن خالد الكلبي البغدادي أحد المجتهدين، الثقة
المحدث، روى عنه خلق كثير وأخرج له أصحاب السنن توفي سنة أربعين ومائتين.
(9) ابن أبي ليلى: القاضي أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى
الانصاري أحد أعلام الدين في الفقه والحديث وأخرج عنه أربعة من أصحاب السنن
ووثقوه. وقال بعضهم: انه سيء الحفظ، توفي سنة ثمان وأربعين ومائة وله ترجمة
في الميزان
(10) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «165» رقم «1» .
(11) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «54» رقم «4» .
(2/577)
اللَّهُ عَنْهُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ «1» ،
وَابْنُ الْمُسَيَّبِ «2» ، وَالْحَسَنُ «3» وَالشَّعْبِيُّ «4» ، وَعُمَرُ
بْنُ «5» عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَكَمُ «6» ، وَالْأَوْزَاعِيُّ «7»
والليث «8» ، وإسحق «9» ، وأبو «10» حنيفة: يرثه وَرَثَتُهُ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ
وَقِيلَ: «ذَلِكَ فِيمَا كَسَبَهُ قَبْلَ ارْتِدَادِهِ، وَمَا كَسَبَهُ فِي
الِارْتِدَادِ فَلِلْمُسْلِمِينَ» .
وَتَفْصِيلُ أَبِي الْحَسَنِ «11» فِي بَاقِي جَوَابِهِ حَسَنٌ بَيِّنٌ،
وَهُوَ عَلَى رَأْيِ أَصْبَغَ «12» وَخِلَافُ قَوْلِ سُحْنُونٍ «13» ،
وَاخْتِلَافُهُمَا عَلَى قَوْلَيْ مَالِكٍ «14» فِي مِيرَاثِ الزِّنْدِيقِ،
فَمَرَّةً وَرَّثَهُ وَرَثَتَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَامَتْ
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «214» رقم «2» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «252» رقم «3» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «60» رقم «8» .
(4) الشعبي: معاوية بن حفص الكوفي- نزيل حلب قال أبو حاتم- صدوق ليس به بأس
(وذكره ابن الشيبان الثقات) .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «24» رقم «2» .
(6) الحكم بن عتيبة الكندي فقيه الكوفه، الامام، العابد، الزاهد، توفي سنة
خمس عشر ومائة وأخرج له الستة، ويوافقه في اسمه واسم ابيه دون جده الحكم
قاضي الكوفة وليس من رواة الحديث.
(7) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «111» رقم «6» .
(8) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «102» رقم «5» .
(9) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «474» رقم «9» .
(10) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «499» رقم «6» .
(11) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «188» رقم «1» .
(12) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «5» .
(13) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «3» .
(14) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(2/578)
عليه بَيِّنَةٌ فَأَنْكَرَهَا، أَوِ
اعْتَرَفَ بِذَلِكَ وَأَظْهَرَ التَّوْبَةَ، وَقَالَهُ أَصْبَغُ
وَمُحَمَّدُ بْنُ «1» مَسْلَمَةَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ
لِأَنَّهُ مُظْهِرٌ لِلْإِسْلَامِ بِإِنْكَارِهِ أَوْ تَوْبَتِهِ،
وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَرَوَى ابْنُ «2» نَافِعٍ عَنْهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَكِتَابِ مُحَمَّدٍ
«3» أَنَّ مِيرَاثَهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ مَالَهُ تَبَعٌ
لِدَمِهِ.
وَقَالَ بِهِ أَيْضًا جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَقَالَهُ أَشْهَبُ «4»
، وَالْمُغِيرَةُ «5» وَعَبْدُ «6» الْمَلِكِ، وَمُحَمَّدٌ، وسحنون وذهب
ابن «7» قاسم في العتبة إِلَى أَنَّهُ إِنِ اعْتَرَفَ بِمَا شُهِدَ
عَلَيْهِ بِهِ وَتَابَ فَقُتِلَ فَلَا يُورَثُ، وَإِنْ لَمْ يقرّ حتى مات
أو قتل وُرِّثَ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ أَسَرَّ كُفْرًا فَإِنَّهُمْ يَتَوَارَثُونَ
بِوِرَاثَةِ الْإِسْلَامِ وَسُئِلَ أَبُو «8» الْقَاسِمِ بْنُ الْكَاتِبِ
عَنِ النَّصْرَانِيِّ يَسُبُّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «158» رقم «5» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «211» رقم «5» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (144) رقم (2) .
(4) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (154) رقم (2) .
(5) المغيرة: بن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش توفي سنة ثمان وثمانين
ومائة، وولد سنة أربع وعشرين ومائة.
(6) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (568) رقم (5) .
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (341) رقم (3) .
(8) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (573) رقم (7) .
(2/579)
فَيُقْتَلُ هَلْ يَرِثُهُ أَهْلُ دِينِهِ
أَمِ الْمُسْلِمُونَ؟ فأجاب: إنه لِلْمُسْلِمِينَ لَيْسَ عَلَى جِهَةِ
الْمِيرَاثِ لِأَنَّهُ لَا تَوَارُثَ بَيْنَ أَهْلِ مِلَّتَيْنِ «1» ،
وَلَكِنْ لِأَنَّهُ مِنْ فيئهم لنقضه العهد.. هذا معنى قوله واختصاره.
__________
(1) كما ورد في الحديث الصحيح.
(2/580)
|