الشفا بتعريف حقوق المصطفى وحاشية الشمني

الباب الثاني في تكميل الله تعالى له المحاسن خلقا وخلقا وقرانه جميع الفضائل الدينية والدنيوية فيه نسقا

اعلم أيها المحب لهذا النبي الكريم الباحث عن تفاصيل جمل قدره العظيم أن خصال الجمال والكمال في البشر نوعان: ضروري دنيوى اقتضته الجبلة وضرورة الحياة الدنيا، ومكتسب دينى وهو ما يحمد فاعله ويقرب إلى الله تعالى زلفى، ثم هي على فنين أيضا منها ما يتخلص لأحد الوصفين ومنها ما يتمازج ويتداخل فأما الضرورى المحض فما ليس للمرء فيه اختيار ولا اكتساب مثل ما كان في حملته من كمال خلقته وجمال صورته وقوة عقله وصحة فهمه وفصاحة لسانه وقوة حواسه وأعظائه واعتدال حركاته وشرف نسبه وعزة قومه وكرم أرضه ويلحق به ما تدعوه ضرورة حياته إليه من غذائه ونومه
__________
(قوله خلقا وخلقا) الأول بفتح المعجمة وسكون اللام والثانى بضمها أو بضم المعجمة وسكون اللام (قوله الجبلة) بكسر الجيم والموحدة وتشديد اللام المفتوحة: الخلقة، ومنه قوله تعالى والجبلة الأولين (قوله من غذائه) بكسر المخعجمة وبالذال المعجمة: ما يغتذى به من الطعام.
(*)

(1/54)


وملبسه ومسكنه ومنكحه وماله وجاهه، وقد تلحق هذه الخصال الآخرة بالأخروية إذا قصد بها التقوى ومعونة البدن على سلوك طريقها وكانت على حدود الضرورة وقواعد الشريعة، وأما المكتسبة الأخروية فسائر الأخلاق العلمية والآداب الشرعية من الدين والعلم والحلم والصبر والشكر والعدل والزهد والتواضع والعفو والعفة والجود والشجاعة والحياء والمروءة والصمت والتؤدة والوقار والرحمة وحسن الأدب والمعاشرة وأخواتها وهى التى جماعها: حسن الخلق.
وقد يكون من هذه الأخلاق ما هو في الغريزة وأصل الجبلة لبعض الناس وبعضهم لا نكون فيه فيكتسبها ولكنه لا بد أن يكون فيه من أصولها في أصل الجبلة شعبة كما سنبينه إن شاء الله تعالى وتكون هذه الأخلاق دنيوية إذا لم يرد بها وجه الله والدار الآخرة ولكنها كلها محاسن وفضائل باتفاق أصحاب العقول السليمة وإن اختلفوا في موجب حسنها وتفضيلها.
(فصل)
قال القاضى إذا كانت خصال الكمال والجلال ما ذكرناه ورأينا الواحد منا يتشرف بواحدة منها أو اثنتين إن اتفقت له في كل عصر إما من نسب أو جمال أو قوة أو علم أو حلم أو شجاعة
__________
(قوله جماعها) في الصحاح جماع الشئ بالكسر جمعه يقال جماع الخبا الأخبية (قوله في الغريزة) بفتح الغين المعجمة وكسر الراء بعدها مثناة تحتية فزاى: أي الطبيعة (قوله شعبة) بضم الشين المعجمة وسكون العين المهملة: أي فرقة وقطعة.
(*)

(1/55)


أو سماحة حتى يعظم قدره ويضرب باسمه الأمثال ويتقرر له بالوصف بذلك في القلوب أثرة وعظمة وهو منذ عصور خوال رمم بوال فما ظنك بعظيم قدر من اجتمعت فيه كل هذه الخصال إلى ما لا يأخذه عد ولا يعبر عنه مقال ولا ينال بكسب ولا حيلة إلا بتخصيص الكبير المتعال من فضيلة النبوة والرسالة والخلة والمحبة والاصطفاء والإسراء والرؤية والقرب والدنو والوحى والشفاعة والوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة والمقام المحمود والبراق والمعراج والبعث إلى الأحمر والأسود والصلاة بالأنبياء والشهادة بين الأنبياء والأمم وسيادة ولد آدم ولواء الحمد والبشارة والنذارة والمكانة عند ذى العرش والطاعة ثم والأمانة والهداية ورحمة للعالمين وإعطاء الرضى والسؤل والكوثر وسماع القول وإتمام النعمة والعفو عما تقدم وما تأخر وشرح الصدر ووضع الإصر ورفع الذكر وعزة النصر ونزول السكينة والتأييد بالملائكة وإيناء الكتاب والحكمة والسبع
__________
(قوله رمم) الرمم: جمع رمة وهى العظام البالية (قوله والوسيلة) هي في الأصل ما يتوصل به إلى الشئ، قيل هي هنا الشفاعة وقيل منزلة من منازل الجنة (قوله والمقام المحمود) قيل الشفاعة العظمى في إراحة الناس من الموقف إلى الحساب، وقيل إعطاؤه لواء الحمد، وقيل إخراجه طائفة من النار، وقيل أن يكون أقرب من جبريل (قوله ووضع الإصر) في الصحاح: الإصر: العهد والذنب والثقل، والأغلال أي المواثيق اللازمة لزوم الغل للعنق (قوله ونزول السكينة هي فعيلة من السكون قيل في قوله عليه السلام ونزلت عليهم السكينة وهى الرحمة وقيل الطمأنينة والوقار وقيل ما يسكن به = (*)

(1/56)


المثانى والقرآن العظيم وتزكية الأمة والدعاء إلى الله وصلاة الله تعالى والملائكة والحكم بين الناس بما أراه الله ووضع الإصر والأغلال عنهم والقسم باسمه وإجابة دعوته وتكليم الجمادات والعجم وإحياء الموتى وإسماع الصم ونبع الماء من بين أصابعه وتكثير القليل وانشقاق
القمر ورد الشمس وقلب الأعيان والنصر بالرعب والاطلاع على الغيب وظل الغمام وتسبيح الحصى وإبراء الآلام والعصمة من الناس إلى مالا بحويه محتفل ولا يحيط بعلمه إلا ما نحه ذلك ومفضله به لا إله غيره إلى ما أعد له في الدار الآخرة من منازل الكرامة ودرجات القدس ومراتب السعادة والحسنى والزيادة التى تقف دونها العقول ويحار دون إدراكها الوهم.
(فصل)
إن قلت أكرمك الله لا خفاء على القطع بالجملة أنه صلى الله عليه وسلم أعلى الناس قدرا وأعظمهم محلا وأكملهم محاسن
__________
= الإنسان، وفى أنوار التنزيل في قوله تعالى (فيه سكينة من ربكم) أي ما تسكنون إليه وهو التوراة وقيل صورة من زبرجد أو ياقوت لها رأس وذنب كرأس الهرة وذنبها وجناحان بأن تنزف الياقوت أي تسرع نحو العدو وهم يتبعونه فإذا ثبت ثبتوا وحصل النصر وقيل صور الأنبياء من آدم إلى محمد عليه السلام، وقيل التابوت القلب والسكينة ما فيه من العلوم والإخلاص، وإيتائه مصر قلبهم مقر العلم بعد أن لم يكن، وفى الكشاف وعن على رضى الله عنه كان لها وجه كوجه الإنسان وفيها ريح هفافة (قوله الجمادات) جمع جماد وهو ما ليس بحيوان، واعجم بضم العين المهملة جمع أعجم وهو من لا يقدر على الكلام أصلا.
(*)

(1/57)


وفضلا وقد ذهبت في تفاصيل خصال الكمال مذهبا جميلا شوقني إلى أن أقف عليها من أوصافه صلى الله عليه وسلم تفصيلا * فاعلم نور الله قلبى وقلبك وضاعف في هذا النبي الكريم حبى وحبك أنك إذا نظرت إلى خصال الكمال التى هي غير مكتسبة وفى جبلة الخلقة وجدته صلى الله عليه وسلم حائزا لجميعها محيطا بشتات محاسنها دون خلاف بين نقلة الأخبار لذلك بل قد بلغ بعضها مبلغ القطع، أما الصورة وجمالها تناسب أعضائه في حسنها فقد جاءت الآثار الصحيحة
والمشهورة الكثيرة بذلك من حديث على وأنس بن مالك وأبى هريرة والبراء بن عازب وعائشة أم المؤمنين وابن أبى هالة
__________
(قوله وأبى هريرة) اسمه عبد الرحمن بن صخر على الأصح وفى اسمه نحو من ثلاثين قولا، فإن قيل هريرة في أبى هريرة العلم غير منصرف وليس فيه إلا التأنيث وهو مشروط بكون مدخوله علما وهريرة ليس بعلم وإنما العلم أبو هريرة: أجيب بأن الجزء الأخير من العلم الإضافى ينزل منزلة كلمة ويجرى عليه أحكام الأعلام فهريرة في أبى هريرة العلم غير منصرف وإن كان في غيره منصرفا (قوله وابن أبى هالة) هو هند ولد أم المؤمنين خديجة، قال السهيلي: كانت خديجة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أبى هالة وهو هند بن زرارة وكانت قبل أبى هالة عند عتيق بن عائد ولدت له عبد مناف بن عتيق كذا قال ابن أبى خيثمة وقال الزبير ولدت لعتيق جارية اسمها هند، وولدت لأبى هالة ابنا اسمه هند أيضا مات بالطاعون - طاعون البصرة - وقد مات في ذلك اليوم نحو من سبعين ألفا فشغل الناس جنائزهم عن جنازته فلم يوجد من يحملها فصاحت نادبته واهند بن هنداه واربيب رسول الله فلم يبق جنازة إلا تركت وحملت جنازته على أطراف الأصابع، ذكره الدولابى.
ولخديجة من أبى هالة ابنان آخران أحدهما الطاهر والآخر هالة.
(*)

(1/58)


وأبى جحيفة وجابر بن سمرة وأم معبد وابن عباس ومعرض بن معيقيب وأبى الطفيل والعداء بن خالد وخريم بن فاتك وحكيم بن حزام وغيرهم رضى الله عنهم من أنه صلى الله عليه وسلم كان أزهر اللون أدعج أبحل أشكل أهدب الأشفار أبلج أزج أقنى أفلج مدور الوجه واسع
__________
(قوله وأبى جحيفة) بضم الجيم وفتح الحاء المهملة (قوله وأم معبد) اسمها عاتكة وهى التى نزل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هاجر إلى المدينة (قوله ومعرض بن معيقيب) معرض بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد الراء المكسورة
وبالضاد المعجمة، ومعيقيب بباء موحدة في آخره كذا بخط الذهبي (قوله وأبى الطفيل) اسمه عامر بن واثلة آخر من مات من الصحابة في الدنيا (قوله والعداء) بفتح العين وتشديد الدال المهملتين وبالمد (قوله وخريم بن فاتك) خريم بضم المعجمة ثم براء مفتوحة ثم مثناة تحتية ساكنة، وفانك بالفاء والمثناة الفوقية المكسورة والكاف (قوله وحكيم بن حزام) حكيم بفتح المهملة وكسر الكاف وحزام بكسر المهملة وبالزاى، ولدا في الكعبة على الأشهر، وفى مستدرك الحاكم أن على بن أبى طالب ولد أيضا في داخل الكعبة (قوله أزهر اللون) قيل نيره وقيل حسنه ومنه (زهرة الحياة الدنيا) وهو زينتها وهذا كما جاء في الحديث الآخر ليس بالأبيض الأمهق ولا بالآدم والأمهق: الناصع البياض، والآدم الأسمر (قوله أدعج) الدعج شدة سواد الحدقة (قوله أنجل) بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الجيم أي ذو نجل بفتحتين وهو سعة شق العين (قوله أشكل) بفتح الهمزة وسكون المعجمة من الشكلة بضم المعجمة وسكون الكاف وهى حمرة في بياض العين كالشهلة في سوادها (قوله أهدب الأشفار) في الصحاح الأهدب الرجل الكبير أشفار العين وهى حروف الأجفان التى ينبت عليها الشعر وهو الهدب (قوله أبلج) بالهمزة المفتوحة والموحدة الساكنة واللام المفتوحة والجيم أي مشرق وفى الصحاح عن أبى عبيدة في حديث أم سعيد أبلج الوجه أي مشرقه ولم ترد بلج الحاجب لأنها وصفته بالقرن (قوله أزج) أي مقوس الحاجب مع طول وامتداد (قوله أقى) أي محدوب الأنف (قوله أفلج) من الفلج بفتحتين وهو تباعد ما بين الثنايا.
(*)

(1/59)


الجبين كث اللحية تملأ صدره سواء البطن والصدر واسع الصدر عظيم المنكبين ضخم العظام عبل العضدين والذراعين والأسافل رحب الكفين والقدمين سائل الأطراف أنور المتجرد دقيق المسربة ربعة القد ليس بالطويل البائن ولا القصير المتردد ومع ذلك فلم يكن
يماشيه أحد ينسب إلى الطول إلا طاله صلى الله عليه وسلم رجل الشعر إذا افتر ضاحكا افتر عن مثل سنا البرق وعن مثل حب الغمام، إذا تكلم رئ كالنور يخرج من ثناياه، أحسن الناس عنقا ليس بمطهم ولا مكلثم متماسك البدن ضرب اللحم، قال البراء ما رأيت
__________
(قوله سواء البطن) السواء بفتح المهملة والمد: المستوى (قوله عبل العضدين) العبل بفتح المهملة وسكون الموحدة: الضخم (قوله والأسافل) أي الفخذين والساقين (قوله رحب الكفين) بفتح الراء وسكون المهملة أي واسعها (قوله سائل الأطراف) أي طويل الأصابع (قوله أنور المتجرد) بالجيم والراء المشددة المتفوحتين أي ما تجرد عند الثياب من البدن (قوله المسربة) بفتح الميم وسكون المهملة وضم الراء وفتح الموحدة: خيط الشعر الذى بين الصدر والسره (قوله رجل الشعر) بفتح الراء وكسر الجيم وفتحها، في الصحاح شعر رجل إذا لم يكن شديد الجعود ولا سبطا (قوله إذا افتر ضاحكا) أي إذا بدا أسنانه حالة أنه ضاحك (قوله حب الغمام) هو البرد (قوله ليس بمطهم) هو بضم الميم وبالظاء المهملة والهاء المشددة المفتوحتين المنتفخ الوجه وقيل الفاحش السمن (قوله ولا بمكلثم) هو بالمثلثة المفتوحة: القصير الحنك الدائى الجبهة المستدبر الوجه، أراد أنه كان أسيل الوجه ولم يكن مستديره قاله ابن الأثير (قوله متماسك البدن) أي يمسك بعضه بعضا (قوله ضرب اللحم) بفتح الضاد المعجمة وسكون الراء، قال الخليل الضرب من الرجال: القليل اللحم.
(*)

(1/60)


من ذى لمة في حلة حمراء أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو هريرة رضى الله عنه ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن الشمس تجرى في وجهه وإذا ضحك يتلألأ في الجدر وقال جابر بن سمرة وقال له رجل: كان وجهه صلى الله عليه وسلم مثل
السيف ؟ فقال لا بل مثل الشمس والقمر وكان مستديرا وقالت أم معبد في بعض ما وصفته به: أجمل الناس من بعيد وأحلاه وأحسنه من قريب وفى حديث ابن ابى هالة يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر وقال على رضى الله عنه في آخر وصفه له: من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبه يقول ناعته لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم، والأحاديث في بسط صفته مشهورة كثيرة فلا نطول بسردها وقد اختصرنا في وصفه نكت ما جاء فيها وجملة مما فيه كفاية في القصد إلى المطلوب وختمنا هذه الفصول بحديث جامع لذلك نقف عليه هناك إن شاء الله تعالى.
(فصل) وأما نظافة جسمه وطيب ريحه وعرقه ونزاهته عن الأقذار وعورات الجسد فكان قد خصه الله تعالى في ذلك بخصائص لم توجد في غيره ثم تممها بنظافة الشرع وخصال الفطرة العشر وقال
__________
(قوله من ذى لمة) اللمة بكسر واللام: هي شعر الرأس دون الجمة وسميت به لأنها تلم بالمنكبين (قوله في حلة حمراء) الحلة ثوبان غير لفيفين إزار ورداء (قوله في الجدر) بضم الجيم والدال: جمع جدار وهو الحائط، (*)

(1/61)


بنى الدين على النظافة * حدثنا سفيان بن العاصى وغير واحد قالوا حدثنا أحمد بن عمر قال حدثنا أبو العباس الرازي قال حدثنا أبو أحمد الجلودى قال حدثنا ابن سفيان قال حدثنا مسلم قال حدثنا قتيبة حدثنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال ما شممت عنبرا قط ولا مسكا ولا شيئا أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم * وعن جابر بن سمرة أنه صلى الله عليه وسلم مسح خده قال فوجدت ليده بردا
وريحا كأنما أخرجها من جؤنة عطار قال غيره مسها بطيب أم لم يمسها يصافح المصافح فيظل يومه يجد ريحها ويضع يده على رأس الصبى فيعرف من بين الصبيان بريحها ونام رسول الله صلى الله عليه
__________
(قوله بنى الدين على النظافة) قال الحافظ زين الدين العراقى لم أجده هكذا بل في الضعفاء لابن حبان من حديث عائشة تنظفوا فإن الإسلام نظيف، وللطبراني في الأوسط بسند ضعيف من حديث ابن مسعود: النظافة تدعو إلى الإسلام (قوله سفيان بن العاصى) بن أحمد بن العاصى بن سفيان بن عيسى الأسدى أبو بحر أصله من بلنسية ثم سكن تلمسان ثم رجع إلى قرطبة فرأس بها (قوله الجلودى) هو بضم الجيم بلا خلاف قال أبو سعيد السمعائى منسوب إلى الجلود جمع جلد وقال أبو عمرو بن الصلاح إلى سكة الجلود من نيسابور (قوله ما شممت) هو بكسر الميم في الماضي على الأفصح وفتحها في المضارع، لا بفتحها في الماضي وضمها في المضارع (قوله من جؤنة عطار) الجؤنة بضم الجيم وسكون الهمزة وقد تسهل سقط مغشى بجلد يجعل فيه العطار طيبه (قوله فيظل) ظللت أفعل كذا بكسر اللام أظل بفتحها، ونقل حركتها إلى الظاء إذا فعلته نهارا وقد تكون ظل بمعنى دام.

(1/62)


وسلم في دار أنس فعرق فجاءت أمه بقارورة تجمع فيها عرقة فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقالت نجعله في طيبنا وهو من أطيب الطيب وذكر البخاري في تاريخه الكبير عن جابر لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يمر في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه سلكه من طيبه وذكر إسحاق بن راهويه إن تلك كانت رائحته بلا طيب صلى الله عليه وسلم وروى المزني والحربي عن جابر أردفني النبي صلى الله عليه وسلم خلفه فالتقمت خاتم النبوة بفمى فكان ينم على مسكا وقد
حكى بعض المعتنين بأخباره وشمائله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أراد أن يتغوط انشقت الأرض فابتلعت غائطه وبوله وفاحت لذلك رائحة طيبة صلى الله عليه وسلم وأسند محمد بن سعد كاتب الواقدي في هذا خبرا عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت للنبى صلى الله عليه وسلم إنك تأتى الخلاء فلا نرى منك شيئا من الأذى فقال يا عائشة أو ما علمت أن الأرض تبتلع ما يخرج من الأنبياء فلا يرى منه شئ ؟ وهذا
__________
(قوله فجاءت أمه) أي أم أنس وهى أم سليم واسمها سهلة وقيل رميلة وقيل أنيسة وقيل بليلة وقيل الرميصا وقيل الغميصا وأم سليم هذه وأخنها أم ملحان خالتا النبي صلى الله عليه وسلم من جهة الرضاع (قوله بقارورة) إناء من زجاج (قوله عن جابر أردفني النبي صلى الله عليه وسلم) عد بعضهم من أردفه النبي صلى الله عليه وسلم على فرس أو غيره فبلغ بهم نيفا وأربعين (قوله فكان ينم) هو بكسر النون يقال نمت الريح إذا جلبت الرائحة، وفى بعض النسخ يثج بالمثلثة المكسورة والجيم أي يسيل.
(*)

(1/63)


الخبر وإن لم يكن مشهورا فقد قال قوم من أهل العلم بطهارة هذين الحدثين منه صلى الله عليه وسلم وهو قول بعض أصحاب الشافعي حكاه الإمام أبو نصر بن الصباغ في شامله وقد حكى القولين عن العلماء في ذلك أبو بكر بن سابق المالكى في كتابه البديع في فروع المالكية وتخريج ما لم يقع لهم منها على مذهبهم من تفاريع الشافعية وشاهد هذا أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن منه شئ يكره ولا غير طيب * ومنه حديث على رضى الله عنه غسلت النبي صلى الله عليه وسلم فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أجد شيئا فقلت طبت حيا وميتا قال وسطعت منه ريح طيبة لم نجد مثلها قط ومثله قال أبو بكر رضى الله عنه حين قبل النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته * ومنه شرب مالك بن سنان دمه يوم أحد ومصه إياه وتسويغه صلى الله
عليه وسلم ذلك له وقوله له لن تصيبه النار، ومثله شرب عبد الله بن الزبير دم حجامته فقال عليه السلام ويل لك من الناس وويل لهم منك
__________
(قوله وسطعت) أي ارتفعت (قوله قط) هو توكيد لنفى الماضي وفيه لغات فتح القاف وضمها مع تشديد الطاء المضمومة، وفتح القاف وتشديد الطاء المكسورة، وفتح القاف وإسكان الطاء وفتح القاف وكسر الطاء المخففة (قوله ومنه شرب مالك بن سنان) هو أبو سعيد الخدرى ومثله شرب عبد الله بن الزبير دم حجامته رواه الحاكم والبزاز والبيهقي والطبراني والدارقطني وقد شرب أيضا دمه عليه السلام أبو طيبة واسمه دينار وقيل نافع عاش مائة وأربعين سنة وسالم بن الحجاج فقال له عليه السلام لا تعده فإن الدم كله حرام وسفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البيهقى وعلى ابن أبى طالب ذكره الرافعى في الشرح الكبير قال ابن الملقن ولم أجده في كتب الحديث.
(*)

(1/64)


ولم ينكر عليه وقد روى نحو من هذا عنه في امرأة شربت بوله فقال لها لن تشتكى وجع بطنك أبدا، ولم يأمر واحدا منهم بغسل فم ولا نهاه عن عودة.
وحديث هذه المراة التى شربت بوله صحيح ألزم الدارقطني مسلما والبخاري إخراجه في الصحيح، واسم هذه المرأة بركة واختلف في نسبها وقيل هي أم أيمن وكانت تخدم النبي صلى الله عليه وسلم، قالت وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان يوضع تحت سريره يبول فيه من الليل فبال فيه ليلة ثم افتقده فلم يجد فيه شيئا فسأل بركة عنه فقالت قمت وأنا عطشانة فشربته وأنا لا أعلم، روى حديثها ابن جريج وغيره وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد ولد مختونا
__________
(قوله في امرأة شربت بوله) هذه المرأة بركة حاضنته صلى الله عليه وسلم وهى حبشية أعتقها عليه السلام حين تزوج خديجة وزوجها عبيد الحبشى فولدت له أيمن
وكتبت به ثم بعد النبوة تزوجها زيد بن حارثة فأولدها أسامة قال الواقدي كانت أم أيمن عسرة اللسان فكانت إذا دخلت قالت (سلام لا عليكم) فرخص لها رسول الله صلى الله عليه وسلم سلام عليكم والسلام عليكم (قوله وأنا عطشانة) كذا وقع وصوابه عطشى لأنه مؤنث عطشان (قوله قدح من عيدان) العيدان بفتح المهملة وسكون المثناة التحتية وبالدال المهملة جمع عيدانة وهى النخلة الطويلة قال الأصمعى إذا صار للنخلة جذع يتناول منه فتلك العظيد، فإذا أنابت الأيدى فهى الجنازة فإذا ارتفعت فهى الرفلة وعند أهل نجد عيدانة (قوله قد ولد مختونا) وقيل ختن يوم شق قلبه الملائكة عند ظئره حليمة وقيل ختنه جده يوم سابعه وصنع له مأدبة وسماه محمدا وقد ذكر الحاكم في المستدرك ما لفظه: وقد تواترت الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد مسرورا مختونا وتعقبه الذهبي فقال ما أعلم صحة ذلك فكيف يكون متواترا ؟ وذكر ابن الجوزى عن كعب الأحبار أن ثلاثة عشر من الأنبياء خلقوا مختونين آدم وشيث وإدريس ونوح = (*)

(1/65)


مقطوع السرة وروى عن أمه آمنة أنها قالت ولدته نظيفا ما به قذر، وعن عائشة رضى الله عنها ما رأيت فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قط، وعن على رضى الله عنه أوصاني النبي صلى الله عليه وسلم لا يغسله غيرى فإنه لا يرى أحد عورتى إلا طمست عيناه، وفى حديث عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم نام حتى سمع له غطيط فقام فصلى ولم يتوظأ قال عكرمة لأنه صلى الله عليه وسلم كان محفوظا.
(فصل) وأما وفور عقله وذكاء لبه وقوة حواسه وفصاحة لسانه واعتدال حركاته وحسن شمائله فلا مرية أنه كان أعقل الناس وأذكاهم، ومن تأمل تدبيره أمر بواطن الخلق وظواهرهم وسياسة العامة والخاصة
__________
= وسام ولوط ويوسف وموسى وشعيب وسليمان ويحيى وعيسى والنبى صلى الله عليه وسلم وقال محمد بن حبيب الهاشمي هم أربعة عشر: آدم وشيث ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب ويوسف وموسى وسليمان وزكريا وعيسى وحنظلة بن صفوان نبى أصحاب الرأس ومحمد صلى الله عليه وسلم (قوله وروى عن أمه آمنة) توفيت أمه وهو عليه السلام ابن ست سنين بالأبواء بين مكة والمدينة وهى راجعة من المدينة وكان معها أم أيمن فرجعت به عليه السلام إلى مكة ولما مر بالأبواء في عمرة الحديبية زار قبرها وقيل ابن سبع سنين وقيل ابن ثمان سنين وقيل ابن تسع وقيل ابن ثنتى عشرة سنة (قوله غطيط) هو بالعين المعجمة المفتوحة والطاء المهملة المكسورة وبالمثناة التحتية الساكنة فالطاء المهملة، صوت يخرج من نفس النائم (قوله فلا مرية) المرية بكسر الميم وقد تضم: الشك وقرئ بهما في قوله تعالى (فلا تك في مرية).
(5 - 1) (*)

(1/66)


مع عجب شمائله وبديع سيره فضلا عما أفاضه من العلم وقرره من الشرع دون تعلم سبق ولا ممارسة تقدمت ولا مطالعة للكتب منه: لم يمتر في رجحان عقله وثقوب فهمه لأول بديهة، وهذا مما لا يحتاج إلى تقريره لتحققه وقد قال وهب بن منبه قرأت في أحد وسبعين كتابا فوجدت في جميعها أن النبي صلى الله عليه وسلم أرجح الناس عقلا وأفضلهم رأيا وفى رواية أخرى فوجدت في جميعها أن الله تعالى لم يعط جميع الناس من بدء الدنيا إلى انقضائها من العقل في جنب عقله صلى الله عليه وسلم إلا كحبة رمل من بين رمال الدنيا، وقال مجاهد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام في الصلاة يرى من خلفه كما يرى من بين يديه وبه فسر قوله تعالى (وتقلبك في الساجدين) وفى
الموطإ عنه عليه السلام (إنى لأراكم من وراء ظهرى) ونحوه عن أنس في الصحيحين، وعن عائشة رضى الله عنها مثله قالت زيادة زاده الله
__________
(قوله ابن منبه) بضم الميم وفتح النون وتشديد الموحدة: ابن سيج بمهملة مفتوحة وقيل مكسورة فمثناة تحتية ساكنة فجيم: تابعي جليل مشهور بمعرفة الكتب الماضية (قوله يرى من خلفه) ذكر مختار بن محمود الحنفي شارح القدورى ومصنف القبية في رسالته الناصرية أنه عليه السلام كان بين كتفيه عينان مثل سم الخياط يبصر منهما ولا تحجبهما الثياب وذكر النووي شرح مسلم في قوله عليه السلام إنى والله لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يدى، قال العلماء إن الله خلق له صلى الله عليه وسلم إدراكا في قفاه يبصر به من ورائه وقد انخرقت العادة له صلى الله عليه وسلم بأكثر من هذا، وقال القاضى عياض قال أحمد بن حنبل وجمهور العلماء إن هذه الرؤية رؤية عين حقيقة (*)

(1/67)


إياها في حجته وفى بعض الروايات إنى لأنظر من ورائي كما أنظر من بين يدى وفى أخرى إنى لأبصر من قفاى كما أبصر من بين يدى وحكى بقى بن مخلد عن عائشة رضى الله عنها كان النبي صلى الله عليه وسلم يرى في الظلمة كما يرى في الضوء.
والأخبار كثيرة صحيحة في رؤيته صلى الله عليه وسلم الملائكة والشياطين، ورفع النجاشي له حتى صلى عليه وبيت المقدس حين وصفه لقريش والكعبة حين بنى مسجده.
وقد حكى عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يرى في الثريا أحد عشر نجما وهذه كلها محمولة على رؤية العين وهو قول أحمد بن حنبل وغيره وذهب بعضهم إلى ردها إلى العلم، والظواهر تخالفه ولا إحالة في ذلك وهى من خواص الأنبياء وخصالهم كما أخبرنا أبو محمد عبد الله ابن أحمد العدل من كتابه حدثنا أبو الحسن المقرى الفرغانى حدثتنا
أم القاسم بنت أبى بكر عن أبها حدثنا الشريف أبو الحسن على بن محمد الحسنى حدثنا محمد بن محمد بن سعيد حدثنا محمد بن أحمد بن
__________
(قوله النجاشي) بفتح النون وكسرها وفى آخره ياء: الصواب تخفيفها، قال الطبري لقب لمن ملك الحبشة وكان اسم هذا الملك أصحمة كما في صحيح البخاري (قوله أنه كان يرى في الثريا أحد عشر نجما) قال السهيلي في كتابه التعريف والأعلام: الثريا اثنا عشر كوكبا وكان صلى الله عليه وسلم يراها كلها، جاء ذلك في حديث ثابت من طريق العباس، وقال القرطبى في كتاب أسماء النبي وصفاته: إنها لا تزيد على تسعة فيما تذكرونه في كثير من النسخ.
(*)

(1/68)


محمد بن سليمان حدثنا محمد بن مرزوق حدثنا همام حدثنا الحسن عن قتادة عن يحيى بن وثاب عن أبى هرير رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لما تجلى الله عز وجل لموسى عليه السلام كان يبصر النملة على الصفا في الليلة الظلماء مسيرة عشرة فراسخ) ولا يبعد على هذا أن يختص نبينا صلى الله عليه وسلم بما ذكرناه من هذا الباب بعد الإسراء والحظوة بما رأى من آيات ربه الكبرى * وقد جاءت الأخبار بأنه صرع ركانة أشد أهل وقته وكان دعاه إلى الإسلام وصارع أبا ركانة في الجاهلية وكان شديدا وعاوده ثلاث مرات كل ذلك يصرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو هريرة رضى الله عنه ما رأيت أحدا أسرع من رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشيه كأنما الأرض تطوى له، إنا لنجهد أنفسنا وهو غير مكترث.
__________
(قوله حدثنا همام) كذا في كثير من النسخ وصوابه هانئ وهو هانئ بن يحيى السلمى أخذ عن الحسن بن أبى جعفر الجعفري أحد الضعفاء قال الطبراني لم يروه عن قتادة
إلا الحسن بن أبى جعفر تفرد به هانئ بن يحيى (قوله عشرة فراسخ) في الصحاح الفرسخ فارسي معرب وهو ثلاثة أميال والميل منتهى مد البصر عن ابن السكيت انتهى، وقيل الميل أربعة آلاف خطوة والخطوة ثلاثة أقدام بوضع قدم أمام قدم ويلصق به والبريد أربعة فراسخ (قوله بأنه صرع ركانة) هو بضم الراء وتخفيف الكاف، أسلم يوم الفتح وتوفى بالمدينة سنة أربعين (قوله وصارع أبا ركانة) قيل إنه صارعه عليه السلام جماعة: ركانة وهو أمثلها وأبو ركانة كما ذكر القاضى هنا وأبو جهل ولا يصح وأبو الأسد الجمحى قاله السهيلي ويزيد بن ركانة أو ركانة بن يزيد على الشك رواه البيهقى وأبو داود في مراسيله (قوله غير مكترث) أي غير مبال.
(*)

(1/69)


وفى صفته عليه السلام أن ضحكه كان تبسما إذا التفت التفت معا وإذا مشى مشى تقلعا كأنما ينحط من صبب.
(فصل) وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول فقد كان صلى الله عليه وسلم من ذلك بالمحل الأفضل والموضع الذى لا يحهل سلاسة طبع وبراعة منزع وإيجاز مقطع ونصاعة لفظ وجزالة قول وصحة معان وقلة تكلف أوتى جوامع الكلم وخص ببدائع الحكم وعلم ألسنة العرب فكان يخاطب كل أمة منها بلسانها ويحاورها بلغتها ويباريها في منزع بلاغتها حتى كان كثير من أصحابه يسألونه في غير موطن عن شرح كلامه وتفسير قوله.
من تأمل حديثه وسيره علم ذلك وتحققه وليس كلامه مع قريش والأنصار وأهل الحجاز ونجد ككلامه مع ذى المشعار
__________
(قوله تقلعا) التقلع رفع الرجل بقوة (قوله من صبب) بفتح المهملة وبالوحدتين الأولى مفتوحة: هو الموضع المرتفع (قوله سلاسة) بفتح السين المهملة أي سهولة (قوله وبراعة منزع) البراعة مصدر برع الرجل بضم الراء وفتحها أي فاق أقرائه في العلم وغيره،
والمنزع المأخذ (قوله مقطع) أي تمام كلام (قوله ونصاعة) النصاعة بفتح النون والصاد والعين المهملتين بينهما ألف: الخلوص (قوله وجزالة) بفتح الجيم والزاى خلاف الركانة (قوله جوامع الكلم) هو جمع جامعة (قوله وتحاورها) بالحاء المهملة أي تجاوبها (قوله ويباريها) يقال فلان يبارى فلانا أي يعارضه (قوله وسير) بكسر السين المهملة وفتح المثناة التحتية جمع سيرة بسكون المثناة (قوله المشعار) بكسر الميم وسكون الشين المعجمة ثم عين مهملة وقيل معجمة بعدها ألف وراء، والهمداني بسكون الميم وبالدال نسبة إلى همدان قبيلة من اليمن.
(*)

(1/70)


الهمداني وطهفة النهدي، وقطن بن حارثة العليمى والأشعث بن قيس ووائل بن حجر الكندى وغيرهم من أقيال حضرموت وملوك اليمن، وانظر كتابه إلى همدان: (إن لكم فراعها ووهاطها وعزازها.
تأكلون علافها، وترعون عفاءها، لنا من دفئهم وصرامهم ما سلموا بالميثاق والأمانة.
ولهم من الصدقة الثلب
__________
(قوله وطهفه) بكسر المهملة وسكون الهاء، والنهدى بفتح النون (قوله قطن) بالقاف والمهملة المفتوحتين بعدهما نون، وحارثة بالحاء المهملة والمثلثة، والعليمي بضم العين المهملة وفتح اللام من بنى عليم (قوله من حجر) بضم الحاء المهملة وسكون الجيم (قوله من أقيال حضرموت) الأقيال بفتح الهمزة وفتح المثناة من تحت ثم ألف ولام: جمع قيل بفتح القاف وسكون المثناة، وهو الملك من ملوك حمير، وحضرموت اسم لبلد باليمن ولقبيلة (قوله فراعها) هو بفاء مكسورة وراء وعين مهملة: ما علا من الأرض (قوله ووهاطها) بكسر الواو بالطاء المهملة جمع وهط بفتح الواو وسكون الهاء وهو المطمئن من الأرض (قوله عزازها) بفتح العين المهملة وبزائين مخففتين قال الهروي هو ما اشتد من الأرض وصلب
وخشن (قوله علافها) بكسر العين المهملة وتخفيف اللام والفاء قال الهروي هو جمع علف يقال علف وعلاف كجمل وجمال (قوله عفاءها) بفتح العين المهملة وتخفيف الفاء والمد قال الهروي هو ما ليس فيه ملك (قوله من دفئهم وصرامهم) الدف ء بكسر المهملة وبالفاء الساكنة وبالهمز، والصرام بكسر المهملة وتخفيف الراء قال الهروي معناه من إبلهم وغنمهم وقيل سماها دفئا لأنها يتخذ من أوبارها وأصوافها ما يتدفؤن به (قوله الثلب) بكسر المثلثة وسكون اللام بعدها موحدة قال الهروي هو من الذكور الذى هرم وتكسرت أسنانه.
(*)

(1/71)


والناب والفصيل والفارض الداجن والكبش الحوارى وعليهم فيها الصالغ والقارح وقوله لنهد: (اللهم بارك لهم في محضها ومخضها ومذقها وابعث راعيها في الدثر وافجر له الثمد وبارك لهم في المال والولد، من أقام الصلاة كان مسلما، ومن آتى الزكاة كان محسنا، ومن شهد أن لا إله إلا الله كان مخلصا، لكم يا بنى نهد ودائع
__________
(قوله والناب) بالنون والموحدة في آخره.
قال الهروي قال أبو بكر هي الناقة الهرمة التى طال نابها وذلك من أمارات هرمها، والفارض الداجن فالفارض بالفاء والراء والضاد المعجمة المسن من الإبل، والداجن بالدال المهملة والجيم المكسورة: الدابة التى تألف البيت (قوله الحوارى) بحاء مهملة وواو مفتوحتين وراء مكسورة وياء نسبة، قال ابن الأثير منسوب إلى الحور وهى جلود تتخذ من جلود الضأن وقيل هو ما دبغ من الجلود بغير قرظ وهو أحد ما جاء على أصله ولم يعل، كتاب، قال الكاشغرى في كتابه مجمع الغريب: الحورى المكوى منسوب إلى الحورا وهى كية يقال حوره إذا كواه هذا الكية (قوله الصالغ) بالصاد المهملة واللام المكسورة والغين المعجمة قال ابن الأثير هو من البقر والغنم الذى كمن وانتهى سنه في السنة السادسة ويقال بالسين انتهى (قوله والقارح) بالقاف والراء والحاء المهملة قال ابن الأثير:
الفرس القارح وفى القاموس: القارح من ذوى الحافر بمنزلة البازل من الإبل (قوله لنهد) بفتح النون وسكون الهاء وبالدال المهملة: قبيلة من اليمن (قوله في محضها ومخضها) الأول بالحاء المهملة والضاد المعجمة: اللبن الخالص، والثانى بالمعجمتين وهو ما مخض من اللبن وأخذ زبده (قوله مذقها) هو بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وبالقاف: المزج والخلط والمراد هنا اللبن المخلوط بالماء (قوله في الدثر) بفتح الدال المهملة وسكون المثلثة وبالراء: المال الكثير يقع على الواحد والاثنين والجماعة، قاله ابن الأثير (قوله الثمد) بفتح المثلثة والميم وبالدال المهملة المال القليل (قوله ودائع الشرك) أي عهوده ومواثيقه أعطيته وديعا أي عهدا وقيل ما كانوا استودعوه (*)

(1/72)


الشرك ووضائع الملك، لا نلطط في الزكاة ولا تلحد في الحياة ولا تتثاقل عن الصلاة، وكتب لهم، في الوظيفة الفريضة ولكم الفارض والقريش وذو العنان الركوب والفلو الضبيس، لا يمنع سرحكم
__________
من أموال الكفار الذين لم يدخلوا في الإسلام، أراد أنها حلال لهم لأنها مال كافر قدر عليه من غير عهد ولا شرط ويدل عليه قوله في الحديث: ما لم يكن عهد (قوله ووضائع) بفتح الواو والضاد المعجمة وفى آخره عين مهملة جمع وضيعة وهى الوضيفة على الملك وما يلزم الناس في أموالهم من الصدقة والزكاة يعنى لا يتجاوزها معكم ولا يزيد فيها وقيل معناه لا يأخذ منكم ما كان ملوككم وضعوه عليكم بل هو لكم والأول يناسبه الملك بكسر الميم والثانى بضمها (قوله تلطط) بضم المثناة الفوقية وسكون اللام وكسر الطاء المهملة بعدها أخرى يقال لط الغريم وألط إذا منع الحق (قوله ولا تلحد) بضم المثناة الفوقية وسكون اللام وكسر الحاء وبالدال المهملتين قال ابن الأثير أي لا يحصل منكم ميل عن الحق ما دمتم أحياء (قوله الفريضة) قال ابن الأثير: الفريضة المسنة الهرمة يعنى هي لكم لا يؤخذ منكم في الزكاة ويروى عليكم
في الوظيفة الفريضة أي في كل نصاب ما فرض فيه انتهى (قوله الفارض) بالفاء وهى المسنة، وفى بعض النسخ بالعين المهملة وهى الناقة التى يصيبها كسر أو مرض فتخر، والقريش بالفاء والراء المكسورة والمثناة التحتية الساكنة والشين المعجمة قال الهروي قال العتيبى هي التى وضعت حديثا كالنفساء من النساء وقال الأصمعى فرس قريش إذا حمل عليها النتاج لسبع (قوله وذو العنان الركون) العنان بكسر العين المهملة سير اللجام قال ابن الأثير يريد الفرس الذلول لأنه يلجم ويركب (قوله والفلو) بفتح الفاء وضم اللام وتشديد الواو: المهر، قال أبو بريد إذا فتحت الفاء شددت الواو وإذا كسرتها خففت فقلت فهو مثل جرو، والضبيس بفتح الضاد المعجمة وكسر الموحدة بعدها مثناة تحتية ثم سين مهملة قال الهروي هو العسر الصعب (قوله سرحكم) بفتح السين المهملة وإسكان الراء وبالحاء المهملة أي ماشيتكم.
(*)

(1/73)


ولا يعضد طلحكم ولا يحبس دركم ما لم تضمروا الرماق وتأكلوا الرباق، من أقر فله الوفاء بالعهد والذمة ومن أبى فعليه الربوة) * ومن كتابه لوائل بن حجر: (إلى الأقيال العباهلة والأوراع المشابيب،
__________
(قوله يعضد) بضم المثناة التحتية وسكون العين المهملة وفتح الضاد المعجمة بعدها دال مهملة أي يقطع، والطلح شجر عظام من شجر العظاه وأما قوله تعالى (وطلح منضود) فقال المفسرون هو شجر الموز وقيل الطلع (قوله ولا يحبس دركم) أي ذوات الدر أراد أن الماشية لا تحشر إلى المصدق وهو الذى يأخذ صدقات الماشية ولا يحبس عن المرعى إلى أن يجتمع ثم بعد لما في ذلك من الإضرار بها قاله ابن الأثير (قوله ما لم تضمروا الرماق) بكسر الراء بعدها ميم مخففة فقاف بعد الألف أي النفاق يقال رامقه رماقا وهو أن ينظر إليه شزرا نظر العداوة يعنى ما لم تضق قلوبكم عن الحق يقال عيشه رماق أي ضيق وعيش رمق أي يمسك الرمق وهو بقية الروح وآخر
النفس قاله ابن الأثير (قوله وتأكلون الرباق) بكسر الراء وبالموحدة وألف فقاف جمع ربق بكسر الراء وهو الحبل فيه عدة عرى يشد به البهم، الواحدة من العرى ربقة وفى الحديث خلع ربقة الإسلام من عنقه كذا في الصحاح، قال ابن الأثير شبه ما يلزم الأعناق من العهد بالرباق واستعار الأكل لبقض العهد فإن البهيمة إذا أكلت الربق خلصت من الشدة (قوله والذمة) هي بمعنى العهد (قوله فعليه الربوة) بكسر الراء وفتحها أي من تقاعد عن أداء الزكاة فعليه الزيادة في الفريضة الواجبة عقوبة عليه (قوله العباهلة) بفتح العين المهملة فالوحدة بعدها ألف فهاء مكسورة فلام، في المصباح عباهلة اليمن ملوكهم الذين أقروا على ملكهم لا يزولون عنه (قوله والأرواع) بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الواو بعدها ألف فعين مهملة قال الهروي هي الحسان الوجوه يقال رائع وأرواع (قوله المشابيب) بفتح الميم والشين المعجمة الخفيفة بعدها ألف فموحدة فمثناة تحتية فموحدة قال الهروي أراد الرؤس السادة الزهر الألوان، زاد ابن الأثير: واحدهم مشبوب كأنما أوقدت ألوانهم بالنار.
(*)

(1/74)


وفيه: في التيعة شاة لا مقورة الألياط ولا ضناك وأنطوا الشبجة وفى السيوب الخمس ومن زنى مم بكر فاصقعوه مائة
__________
(قوله في التيعة) بكسر المثناة الفوقية فسكون المثناة التحتية فعين مهملة قال الهروي قال أبو عبيدة هي الأربعون من الغنم وقال أبو سعيد أدنى ما تجب من الصدقة كالأربعين من الغنم فيها شاة وخمس الإبل فيها شاة وأصله من التيع وهو الفئ يقال أتاع فيه فتاع (قوله لا مقورة الألياط) المقورة بضم الميم وفتح القاف وتشديد الواو بعدها راء: والألياط بفتح الهمزة وسكون اللام وتخفيف المثناة التحتية وفى آخره طاء مهملة قال الهروي يعنى لا مسترخية الجلود لهزالها من الانوار وهو الاسترخاء في الجلود والهزال، والألياط جمع ليط وهو الشعر اللائط بالعود يعنى اللازق به (قوله
ولا ضناك) بكسر المعجمة وبالنون المخففة والكاف، قال الهروي: الضناك الكثير اللحم (قوله وأنطوا) بفتح الهمزة وسكون النون لغة يمانية في أعطوا، والثبجة: بالمثلثة فالموحدة فالجيم المفتوحات قال الهروي يعنى أعطوا الوسط في الصدقة ولا تعطوا من خيار المال ولا من رذالته وحشوه انتهى (قوله وفى السيوب) بالسين المهملة والمثناة التحتية المضمومتين والوحدة بعد الواو قال الهروي قال أبو عبيد: السيوب الركاز ولا أراه أخذ إلا من السيب وهو العطية قال ابن الأثير وقيل السيوب عروق من الذهب والفضة تسيب في المعادن أي يتلون فيها ويظهر (قوله مم بكر) قال ابن الأثير لغة أهل اليمن يبدلون لام التعريف ميما فعلى هذا تكون راء بكر مكسورة من غير تنوين لأن أصله (من البكر) فلما أبدل اللام ميما بقيت الحركة بحالها كقولهم بالحرث في بنى الحرث ويكون استعمل البكر موضع الأبكار والأشبه أن يكون نكرة منونة وقد أبدلت نون (من) ميما لأن النون الساكنة إذا كان بعدها باء قلبت في اللفظ ميما نحو منبر وعنبر فيكون التقدير من زنا من بكر انتهى ملخصا.
فإن قيل ما ذكره من الأشبه لا يتأتى في قوله بعد ذلك مم ثيب ؟ أجيب بأن القلب في مم ثيب على هذه المناسبة مم بكر لوقوع الباء الموحدة بعد النون والعرب كثيرا ما يخرجون الكلام عن الأصل إلى غيره للمناسبة كقولهم ما قدم وحدث بضم الدال من حدث لمناسبة قدم والأصل حدث بفتح الدال (قوله فاصقعوه) بهمزة وصل وصاد مهملة وقاف مفتوحة وعين مهملة مضمومة.
(*)

(1/75)


واستوفضون عاما ومن زنى مم ثيب فضرجوه بالأضاميم ولا توصيم في الدين ولا عمه في فرائض الله وكل مسكر حرام) ووائل بن حجر يترفل على الأقيال.
أين هذا من كتابه لأنس في الصدقة المشهور لما كان كلام هؤلاء على هذا الحد وبلاغتهم على هذا النمط وأكثر استعمالهم هذه الألفاظ ؟ استعملها معهم ليبين للناس ما نزل إليهم وليحدث الناس
بما يعلمون، وكقوله في حديث عطية السعدى: (فإن اليد العليا هي المنطية
__________
قال ابن الأثير أي اضربوه وأصل الصقع الضرب على الرأس وقيل الضرب ببطن الكف (قوله واستوفضون) بهمزة وصل وسين مهملة ومثناة فوقية مفتوحة وواو ساكنة وفاء مكسورة وضاد معجمة قال الهروي أي غربوه وانفواه واطردوه وأصله من استوفضت الإبل إذا تفرقت في رعيها (قوله فضرجوه) بالضاد المعجمة المفتوحة والراء المشددة المكسورة والجيم قال الهروي التضريج التدمية وقال ابن الأثير ضرجوه بالأضاجيم أي دموه بالضرب (قوله بالأضاميم) بفتح الهمزة وتخفيف الضاد المعجمة وميمين بينهما مثناة من تحت قال الهروي يعنى جماهير الحجاز يرد الرجم واحدتهما إضمامة لأن بعضها ضم إلى بعض وكذلك في جماعات الناس الكتب (قوله ولا توصيم) بفتح المثناة الفوقية وسكون الواو وكسر الصاد المهملة قال الهروي يقول لا تفتروا في إقامة الحد ولا تحابوا فيه والوصم الكسل والتوانى (قوله ولا غمة) بضم الغين المعجمة وتشديد الميم قال ابن الأثير لا تستر ولا تخفى فرائصه (قوله يترفل) بتشديد الفاء المفتوحة قال ابن الأثير أي يتسود ويترأس استعارة من ترفيل الثوب وهو إسباغه وإسباله (قوله أين هذا من كتابه لأنس) قيل لم يكتب صلى الله عليه وسلم إلى أنس وإنما أبو بكر هو الذى كتب إليه وأجيب بأن الدارقطني ذكر بإسناد صحيح رواية أنس لهذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر أبو داود عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب كتاب الصدقة ولم يخرجه فعمل به أبو بكر وعمر (قوله فإن اليد العليا هي المنطية) في الصحيحين عن (*)

(1/76)


واليد السفلى هي المنطاة قال فكلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغتنا.
وقوله في حديث العامري حين سأله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (سل عنك) أي سل عما شئت وهى لغة بنى عامر وأما كلامه المعتاد
وفصاحته المعلومة وجوامع كلمه وحكمه المأثورة فقد ألف الناس فيها الدواوين وجمعت في ألفاظها ومعانيها الكتب، ومنها مالا يوازى فصاحة ولا يبارى بلاغة كقوله: (المسلمون تتكافؤ دماؤهم ويسعى
__________
ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو على المنبر وذكر الصدقة والتعفف عن المسألة (اليد العليا خير من اليد السفلى) والعليا هي المنفقة والسفلى هي السائلة ورواه مالك وأبو داود والنسائي قال أبو داود وقد اختلف على أيوب عن نافع في هذا الحديث فقال عبد الوارث، اليد العليا المتعففة وقال أكثرهم عن حماد بن زيد عن أيوب: المنفقة، وقال واقد عن حماد المتعففة قال الخطابى رواية المتعففة أشبه وأصح في المعنى لأن ابن عمر ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الكلام وهو يذكر الصدقة والتعفف عنها، فعطف الكلام على سببه الذى خرج عليه وعلى ما يطابقه في معناه أولى وقد يتوهم كثير من الناس أن معنى العليا أن يد المعطى مستعلية فوق يد الآخذ يجعلونه من علو الشئ إلى فوق وليس ذلك عندي بالوجه وإنما هو من علا المجد والكرم يريد التعفف عن المسألة والرفع عنها انتهى كلامه (قوله الدواوين) هو جمع ديوان بكسر الدال المهملة وقد تفتح فارسي معرب وفى الصحاح أصله دووان فعوض عن إحدى الواوين ياء، وسبب تسميته ديوانا وجهان أحدهما أن كسرى اطلع يوما على كتاب ديوانه فرآهم يحسبون مع أنفسهم فقال دوانت أي مجانين ثم حذفت التاء لكثرة الاستعمال والثانى أن الديوان بالفارسية اسم للشياطين فسمى الكتاب باسمهم لحذقهم بالأمور ووقوفهم على الجلى والخفى (قوله يوازى) بضم المثناة التحتية وبالراء المفتوحة أي يماثل ويقابل (قوله تكافؤ) أي تتكافؤ فحذف إحدى التائين والمعنى يتساوى ويتماثل في القصاص والديات.
(*)

(1/77)


بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم) * وقوله (الناس كأسنان المشط
والمرء مع من أحب ولا خير في صحبة من لا يرى لك ما ترى له والناس معادن وما هلك امرؤ عرف قدره والمستشار مؤتمن وهو بالخيار ما لم يتكلم ورحم الله عبدا قال خيرا فغنم أو سكت فسلم) * وقوله (أسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن أحبكم إلى وأقربكم منى مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا الموطؤن أكنافا الذين يألفون ويؤلفون) وقوله (لعله كان يتكلم بمالا يعنيه ويبخل بما لا يغنيه) وقوله (ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيها ونهيه عن قبل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ومنع وهات وعقوق الأمهات
__________
(قوله وهم يد) أي جماعة (قوله كأسنان المشط) هو بضم الميم وكسرها وسكون الشين المعجمة (قوله أحاسنكم) جمع حسن (قوله الموطؤن) بضم الميم وفتح الواو والطاء المشددة المهملة وبالهمزة المضمومة اسم مفعول من التوطئة والتمهيد (قوله والأكناف) بالنون بعد الكاف الجوانب، أراد الذين جوانبهم وطيئة يتمكن من صاحبها ولا يتأذى (قوله نهيه عن قيل وقال) أي ما يتحدث به المتجالسون من قولهم قيل كذا وقال كذا، ويجوز بناؤهما على أنهما فعلان ما ضيان مستتر في كل منهما ضمير، وإعرابهما على إجرائهما مجرى الأسماء ولا ضمير فيهما، وقال أبو عبيد هما مصدران يقال قلت قولا وقالا وقيلا وقيل المراد النهى عن كثرة الكلام ابتداء وجوابا، وقيل المراد حكاية أقوال الناس والتحدث عما لا يجدى، قال ذلك كله ابن الأثير (قوله وكثرة السؤال) قيل أراد مسألة الناس أموالهم وقيل كثرة البحث عن أخبار الناس ومالا يعنى وقيل كثرة سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عما لم ينزل ولم يؤذن به (قوله وإضاعة المال) هو إنفاقه فيما حرم الله وقيل ترك القيام عليه وإهماله وقيل دفع مال السفيه إليه (قوله ومتع وهات) أي منع ما عليه إعطاؤه وطلب ما ليس له (قوله وعقوق الأمهات) يقال عق والده يعقه عقوقا إذا آداه (*)

(1/78)


ووأد البنات وقوله (اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن وخير الأمور أوساطها) وقوله (أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما) وقوله (الظلم ظلمات يوم القيامة) وقوله في بعض دعائه (اللهم إنى أسألك رحمة من عندك تهدى بها قلبى وتجمع بها أمرى وتلم بها شعثى وتصلح بها غائبي وترفع بها شاهدى وتزكى بها عملي وتلهمني بها رشدي وترد بها الفتى وتعصمني بها من كل سوء اللهم إنى أسألك الفوز عند القضاء ونزل الشهداء وعيش السعداء والنصر على الأعداء) إلى ما روته الكافة عن الكافة من مقاماته ومحاضراته وخطبه وأدعيته ومخاطباته وعهوده مما لا خلاف أنه نزل من ذلك مرتبة لا يقاس بها غيره وحاز فيها سبقا لا يقدر قدره وقد جمعت من كلماته التى لم يسبق
__________
وعصاه وأصله الشق والقطع وإنما خص الأمهات لأن عقوقهن أقبح من عقوق الآباء (قوله ووأد البنات) هو بهمزة ساكنة بعد واو مفتوحة دفنهن حيات غيرة وأنقة وتخفيفا لمؤنتهن (قوله هونا ما) أي حبا قليلا، والهون في الأصل السكينة ومصدر هان بمعنى خف (قوله أسألك رحمة من عندك) قيل الأشياء كلها من عند الله فما معنى التقييد بقوله من عندك ؟ وأجيب بأن معناه رحمة لا في مقابلة عمل عملته (قوله تلم) بفتح المثناة الفوقية وضم اللام، وشعثى بفتح الشين المعجمة والعين المهملة وكسر المثلثة أي تجمع ما تفرق من أمرى (قوله نزل الشهداء) النزل بضم النون والزى ما يهيأ للضيف (قوله الكافة عن الكافة) في الصحاح الكافة جمع من الناس، يقال لقيتهم كافة أي جميعهم انتهى، وعن سيبوبه إن التعريف في كافة لا يجوز وإنما استعمل منكرا منصوبا على الحال كقاطبة (قوله سبقا) بفتح السين المهملة (*)

(1/79)


إليها ولا قدر أحد أن يفرغ في قالبه عليها كقوله، حمى الوطيس، ومات
حتف أنفه، لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين والسعيد من وعظ بغيره) في أخواتها ما يدرك الناظر العجب في مضمنها ويذهب به الفكر في أداني حكمها وقد قال له أصحابه ما رأينا الذى هو أفصح منك فقال، وما يمنعنى وإنما أنزل القرآن بلساني لسان عربي مبين وقال مرة أخرى) أنا أفصح العرب بيد أنى من قريش ونشأت في بنى سعد، فجمع له بذلك صلى الله عليه وسلم قوة عارضة البادية وجزالتها ونصاعة ألفاظ الحاضرة ورونق كلامها إلى التأييد الإلهى الذى مدده الوحى الذى لا يحيط بعلمه بشرى.
وقالت أم معبد في وصفها له
__________
وسكون الموحدة مصدر سبق يسبق وبفتحها المال الذى يؤخذ رهنا على المسابقة (قوله في قالبه) بفتح اللام وكسرها والفتح أكثر (قوله الوطيس) بواو مفتوحة وطاء مهملة مكسورة ومثناة تحتية ساكنة وسين مهملة اسم لشئ يشبه التنور وقيل الضراب في الحرب، وقيل الوطوس الذى يطس الناس أي يدقهم وقال الأصمعى حجارة مدورة إذا حميت لم يقدر أحد يطؤها (قوله ومات حتف أنفه) أي من غير قتل ولا ضرب قيل كيف يكون هذا من الألفاظ التى لم يسبق بها صلى الله عليه وسلم وقد قال السموءل من قصيدة لامية اختارها أبو تمام في حماسته.
وما مات منا سيد حتف أنفه * ولا طل منا حيث كان قتيل وأجيب بأن القصيدة المذكورة اختلف في قائلها فقيل السموءل وقيل عبد الملك الحارثى وهو إسلامى (قوله بيد) بالموحدة والمثناة التحتية الساكنة والدال المهملة قال ابن مالك وغيره بمعنى غير على حد قوله.
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم * بهن فلول من قراع الكتائب (*)

(1/80)


حلو المنطق فصل لا نزر ولا هذر كأن منطقة خرزات نظمن وكان جهير الصوت حسن النغمة صلى الله عليه وسلم.
(فصل) وأما شرف نسبه وكرم بلده ومنشئه فما لا يحتاج إلى إقامة دليل عليه ولا بيان مشكل ولا خفى منه فإنه نخبة بنى هاشم وسلالة قريش وصميمها وأشرف العرب وأعزهم نفرا من قبل أبيه وأمه ومن أهل مكة من أكرم بلاد الله على الله وعلى عباده، حدثنا قاضى القضاة حسين بن محمد الصدفى رحمه الله قال حدثنا القاضى أبو الوليد سليمان بن خلف قال حدثنا أبو ذر عبد بن أحمد حدثنا أبو محمد السرخسى وأبو إسحق وأبو الهيثم قالوا حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا محمد بن اسماعيل قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن عمرو عن سعيد المقبرى عن
__________
وقال ابن هشام في المغنى هي هنا بمعنى من أجل (قوله فصل) بالفاء المفتوحة والصاد الساكنة المهملة (قوله لا نزر) بفتح النون وسكون الزاى بعدها راء أي لا قليل، فيدل على عدم القدرة على الكلام (قوله ولا هذر) باسكان الذال المعجمة وبعدها راء مصدر هذر إذا كثر كلامه (قوله نخبة) النخبة بضم النون وسكون الخاء المعجمة بعدها موحدة: الخيار (قوله حلالة قريش) سلالة الشئ ما استل منه (قوله السرخسى) هو الحموى وقد تقدم (قوله وأبو إسحق) هو إبراهيم بن أحمد المستملى (قوله وأبو الهيثم) هو محمد بن مكى من زارع (قوله عن عمرو وهو ابن أبى عمرو مولى المطلب يروى عن أنس وعكرمة (قوله عن سعيد المقبرى) هو سعيد ابن أبى سعيد المقبرى واسم أبى سعيد كيسان وكنية (6 - 1) (*)

(1/81)


أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (بعثت من خير قرون بنى آدم قرنا فقرنا حتى كنت من القرن الذى كنت منه)
وعن العباس رضى الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله خلق الخلق فجعلني من خيرهم من خير قرنهم ثم تخير القبائل فجعلني من خير قبيلة ثم تخير البيوت فجعلني من خير بيوتهم فأنا خيرهم نفسا وخيرهما بيتا، وعن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى من ولد إسماعيل بنى كنانة واصطفى من بنى كنانة قريشا واصطفى من قريش بنى هاشم واصطفانى من بنى هاشم) قال الترمذي وهذا حديث صحيح، وفى حديث عن ابن عمر رضى الله عنهما رواه الطبري أنه صلى الله عليه وسلم قال (إن الله عز وجل اختار خلقه فاختار منهم بنى آدم ثم اختار بنى آدم فاختار منهم العرب ثم اختار العرب فاختار منهم قريشا ثم اختار قريشا فاختار منهم بنى هاشم ثم اختار بنى هاشم فاختارني منهم فلم أزل خيارا من خيار ألا من أحب العرب فبحبي أحبهم ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم) وعن ابن
__________
سعيد أبو سعيد، روى عن أبى هريرة وعائشة وخلق، وروى عنه الليث ومالك وخلق (قوله من خير قرون بنى آدم) القرن أهل كل زمان وقيل أربعون سنة وقيل ستون وقيل سبعون وقيل ثمانون وقيل مائة وقيل مائة وعشرون (قوله وعن واثلة) بمثلثة مكسورة (ابن الأسقع) بسين مهملة وقاف مفتوحة وعين مهملة (قوله رواه الطبري (هو الحافظ محمد بن جرير: أحد الأعلام توفى سنة عشر وثلاثمائة.
(*)

(1/82)


عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت روحه نورا بين يدى الله تعالى قبل أن يخلق آدم بألفى عام يسبح ذلك النور وتسبح الملائكة بتسبيحه فلما خلق الله آدم ألقى ذلك النور في صلبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأهبطني الله إلى الأرض في صلب آدم وجعلني في صلب نوح وقذف بى في صلب إبراهيم ثم لم يزل الله تعالى ينقلني من الأصلاب الكريمة والأرحام الطاهرة حتى أخرجنى من أبوى لم يلتقيا على سفاح قط، ويشهد بصحة هذا الخير شعر العباس المشهور في مديح النبي صلى الله عليه وسلم.
(فصل) وأما ما تدعو ضرورة الحياة إليه مما فصلناه فعلى ثلاثة أضرب: ضرب الفضل في قلته وضرب الفضل في كثرته وضرب تختلف الأحوال فيه، فأما ما التمدح والكمال بقلته اتفاقا وعلى كل حال عادة وشريعة كالغذاء والنوم، ولم تزل العرب والحكماء تتمادح بقلتهما وتذم بكثرتهما لأن كثرة الأكل والشرب دليل على النهم والحرص والشره وغلبة الشهوة، مسبب لمضار الدنيا والآخرة جالب لأدواء
__________
(قوله شعر العباس) هو: من قبلها طبت في الظلال وفى مستودع حيث يخصف الورق، وسيأتى تمامه في كلام المصنف إن شاء الله تعالى (قوله كالغذاء) بكسر الغين وبالذال المعجمتين: ما يتغذى به من الطعام والشراب، وأما الغداء بفتح الغين المعجمة وبالدال المهملة هو الطعام بعينه وهو خلاف العشاء (قوله النهم بفتح النون والهاء: هو إفراط الشهوة في الطعام (قوله والشره) بفتح الشين المعجمة والراء.
هو غلبة الحرس (قوله مسبب) بكسر الموحدة الأولى.
(*)

(1/83)


الجسد وخثارة النفس وامتلاء الدماغ، وقلته دليل على القناعة وملك النفس، وقمع الشهوة مسبب للصحة وصفاء الخاطر وحدة الذهن، كما أن كثرة النوم دليل على الفسولة والضعف، وعدم الذكاء والفطنة مسبب للكسل وعادة العجز وتضييع العمر في غير نفع وقساوة القلب وغفلته
وموته، والشاهد على هذا ما يعلم ضرورة ويوجد مشاهدة وينقل متواترا من كلام الأمم المتقدمة والحكماء السالفين وأشعار العرب وأخبارها وصحيح الحديث وآثار من سلف وخلف مما لا يحتاج إلى الاستشهاد عليه وإنما تركنا ذكره هنا اختصارا واقتصارا على اشتهار العلم به، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذ من هذين الفنين بالأقل، هذا ما لا يدفع من سيرته وهو الذى أمر به وحض عليه لا سيما بارتباط أحدهما بالآخر: حدثنا أبو على الصدفى الحافظ بقراءتي عليه قال حدثنا أبو الفضل الأصفهاني قال حدثنا أبو نعيم الحافظ قال حدثنا
__________
(قوله وخثارة النفس) بخاء معجمة وثاء مثلثة مخففة وراء، في الصحاح خثرت نفسه بالفتح أي اختلطت وقوم خثرى الأنفس خثراء الأنفس أي مختلطون وقال ابن الأثير في حديث (أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم خائر النفس) أي ثقيل النفس غير طيب ولا نشط (قوله وملك النفس) بكسر الميم (قوله على الفسولة) بضم الفاء والسين المهملة يقال فسل بالضم فسالة وفسولة فهو فسل أي رزل (قوله أبو الفضل الأصبهاني) هو ابن حبرون وقد تقدم قال القاضى عياض قال أبو عبيد: إصبهان بكسر الهمزة وقال بعضهم بفتحها وأهل خراسان يقولون بالفاء مكان الباء وقال الكاشغرى في كتاب (مجمع الغرائب) كسر الهمزة هو الصحيح بالباء كان أو بالفاء، قال المزى.
المعروف فتح الهمزة والباء مفتوحة لا غير وقد تبدل بالفاء.
(*)

(1/84)


سليمان بن أحمد قال حدثنا أبو بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح حدثنى معاوية بن صالح أن يحيى بن جابر حدثه عن المقدام ابن معد يكرب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان
لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه)، ولأن كثرة النوم من كثرة الأكل والشرب قال سفيان الثوري بقلة الطعام يملك سهر الليل، وقال بعض السلف: لا تأكلوا كثيرا فتشربوا كثيرا فترقدوا كثيرا فتخسروا كثيرا، وقد روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان أحب الطعام إليه ما كان على ضفف (أي كثرة الأيدى) وعن عائشة رضى الله عنها: لم يمتلئ جوف النبي صلى الله عليه وسلم شبعا قط، وأنه كان في أهله لا يسألهم طعاما ولا يتشهاه إن أطعموه أكل وما أطعموه قبل وما سقوه شرب، ولا يعترض على هذا بحديث بريرة وقوله (ألم أر البرمة فيها لحم) إذ لعل سبب سؤاله ظنه صلى الله عليه وسلم اعتقادهم أنه لا يحل له فأراد بيان سنته، إذ رآهم لم يقدموه إليه
__________
(قوله أكلات) بضم الهمزة والكاف وفتح اللام جمع أكلة بضم الهمزة وسكون الكاف وهى اللقمة، وأما الأكلة بفتح الهمزة وسكون الكاف فالمرة من الأكل (قوله على ضفف) بضاد معجمة وفاء مفتوحتين بعدهما فاء أخرى فسره القاضى بكثرة الأيدى وهو قول الخليل وفسره أبو يزيد بالضيق والشدة قال الأسمعي أن تكون الأكلة أكثر من الطعام (قوله بريرة) بفتح الموحدة وكسر الراء الأولى هي مولاة عائشة وهى بنت صفوان، كذا نسبها النووي، قال بعضهم قبطية وقال الذهى حبشية.
(*)

(1/85)


مع علمه أنهم لا يستأثرون عليه به فصدق عليهم ظنه وبين لهم ما جهلوه من أمره بقوله (هو لها صدقة ولنا هدية) وفى حكمة لقمان: يا بنى إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الأعضاء عن العبادة، وقال سحنون: لا يصلح العلم لمن يأكل حتى يشبع، وفى صحيح الحديث قوله صلى الله عليه وسلم (أما أنا فلا
آكل متكئا) والاتكاء هو التمكن للأكل والتقعدد في الجلوس له كالمتربع وشبهه من تمكن الجلسات التى يعتمد فيها الجالس على ما تحته والجالس على هذه الهيئة يستدعى الأكل ويستكثر منه، والنبى صلى الله عليه وسلم إنما كان جلوسه للأكل جلوس المستوفز مقعيا ويقول (إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد) وليس معنى الحديث في الاتكاء الميل على شق عند المحققين.
وكذلك نومه صلى الله عليه وسلم كان قليلا شهدت بذلك الآثار الصحيحة، ومع ذلك فقد قال صلى الله عليه وسلم (إن عينى تنامان ولا ينام قلبى) وكان نومه على جانبه الأيمن استظهارا على قلة النوم لأنه على الجانب الأيسر أهنا لهدو القلب وما يتعلق به من الأعضاء الباطنة
__________
(قوله لقمان) قال الثعلبي في تفسيره كان لقمان مملوكا وكان أهون مملوكي سيده عليه، وروى أنه كان عبدا حبشيا نجارا واسم أبيه أنعم وقيل ما ثان وقيل مكشورا (قوله المعدة) بكسر العين المهملة مع فتح الميم وبإسكان العين المهملة مع فتح الميم وكسرها وبكسرهما (قوله مقعيا) قال الهروي قال ابن شميل الإقعاء أن يجلس على وركيه وهو الاحتفاز والاستنضار.
(*)

(1/86)


حينئذ لميلها إلى الجانب الأيسر فيستدعى ذلك الاستثقال فيه والطول، وإذا نام النائم على الأيمن تعلق القلب وقلق فأسرع الافافة ولم يغمره الاستغراق.
(فصل) والضرب الثاني ما يتفق التمدح بكثرته والفخر بوفوره كالنكاح والجاه.
أما النكاح فمتفق فيه شرعا وعادة فإنه دليل الكمال وصحة
الذكورية ولم يزل التفاخر بكثرته عادة معروفة والتمادح به سيرة ماضية، وأما في الشرع فسنة مأثورة، وقد قال ابن عباس: أفضل هذه الأمة أكثرها نساء، مشيرا إليه صلى الله عليه وسلم وقد قال صلى الله عليه وسلم (تناكحوا تناسلوا فإنى مباه بكم الأمم) ونهى عن التبتل مع ما فيه من قمع الشهوة وغض البصر اللذين نبه عليهما صلى الله عليه وسلم بقوله (من كان ذا طول فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج) حتى لم يره العلماء مما يقدح في الزهد، قال سهل ابن عبد الله: قد حببن إلى سيد المرسلين فكيف يزهد فيهن ؟ ونحوه
__________
(قوله لم يغمره) بالغين المعجمة وسكون الراء من غمره الماء إذا علاه (قوله فإنى مباه) الذى في سنن أبى داود والنسائي وابن ماجه (فإنى مكاثر بكم الأمم) (قوله عن التبتل) هو الانقطاع عن النساء وترك النكاح، وامرأة بتول منقطعة عن الرجال، وبه سميت أم عيسى عليه السلام وسميت فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم لانقطاعها عن النساء، فضلا ودينا وحسبا وقيل لانقطاعها عن الدنيا (قوله من كان ذا طول) الطول بفتح الطاء المهملة وإسكان الواو: الفضل والمقدرة.
(*)

(1/87)


لابن عيينة، وقد كان زهاد الصحابة رضى الله عنهم كثيرى الزوجات والسرارى كثيرى النكاح، وحكى في ذلك عن على والحسن وابن عمر وغيرهم غير شئ، وقد كره غير واحد أن يلقى الله عزبا.
فإن قيل كيف يكون النكاح وكثرته من الفضائل وهذا يحيى بن زكريا عليه السلام قد أثنى الله تعالى عليه أنه كان حصورا، فكيف يثنى الله عليه بالعجز عما تعده فضيلة وهذا عيسى ابن مريم عليه السلام تبتل من النساء ولو كان كما قررته لنكح ؟ فاعلم أن ثناء الله تعالى على يحيى بأنه حصور ليس كما قال بعضهم إنه كان هيوبا أو لا ذكر له بل قد أنكر هذا حذاق المفسرين ونقاد العلماء وقالوا هذه نقيصة وعيب ولا يليق بالأنبياء عليهم السلام وإنما معناه أنه
معصوم من الذنوب أي لا يأتيها كأنه حصر عنها، وقيل مانعا نفسه من الشهوات، وقيل ليست له شهوة في النساء.
فقد بان لك من هذا أن عدم القدرة على النكاح نقص وإنما الفضل في كونها موجودة ثم قمعها إما بمجاهدة كعيسى عليه السلام أو بكفاية من الله تعالى كيحيى
__________
(قوله عزبا) بفتح المهملة والزاى: من لا أهل له، كذا في القاموس (قوله يحيى بن زكريا) هو من ذرية سليمان بن داود صلوات الله عليهم أجمعين (قوله إنه كان هيوبا) الهيوب بفتح الهاء وضم المثناة التحتية الذى يهاب الفعل المعروف، في الصحاح وفى الحديث (الإيمان هيوب) أي صاحبه يهاب المعاصي (قوله حصور) الحصور الذى يحبس نفسه عما يكون من الرجال مع النساء، وقيل شهوات الدنيا كلها (فعول) بمعنى مفعول كما يقال ناقة حلوب.
(*)

(1/88)


عليه السلام فضيلة زائدة لكونها مشغلة في كثير من الأوقات حاطة إلى الدنيا، ثم هي في حق من أقدر عليها وملكها وقام بالواجب فيها ولم يشغله عن ربه درجة علياء وهى درجة نبينا صلى الله عليه وسلم الذى لم تشغله كثرتهن عن عبادة ربه بل زاده ذلك عبادة لتحصينهن وقيامه بحقوقهن واكتسابه لهن وهدايته إياهن بل صرح أنها ليست من حظوظ دنياه هو وإن كانت من حظوظ دنيا غيره فقال عليه السلام (حبب إلى من دنياكم) فدل أن حبه لما ذكر من النساء والطيب اللذين هما من أمر دنيا غيره واستعماله لذلك ليس لدنياه بل لآخرته، للفوائد التى ذكرناها في التزويج وللقاء الملائكة في الطيب ولأنه أيضا مما يحض على الجماع ويعين عليه ويحرك أسبابه، وكان حبه لهاتين الخصلتين لأجل غيره وقمع شهوته وكان حبه الحقيقي المختص بذاته في مشاهدة جبروت مولاه ومناجاته ولذلك ميز بين الحبين
وفصل بين الحالين فقال (وجعلت قرة عينى في الصلاة) فقد ساوى يحيى وعيسى في كفاية فتنتهن وزاد فضيلة بالقيام بهن، وكان صلى الله عليه وسلم ممن أقدر على القوة في هذا وأعطى الكثير منه ولهذا أبيح له من عدد الحرائر ما لم يبح لغيره، وقد روينا عن أنس أنه صلى الله عليه
__________
(قوله حاطة) بالحاء والطاء المشددة المهملتين (قوله أقدر) بضم الهمزة وكسر الدال (قوله ولم يشغله) بفتح المثناة التحتية في أوله (قوله وقد روينا) قال المزى يقال روينا بفتح الراء والواو وروينا بضم الراء وكسر الواو المشددة.
(*)

(1/89)


وسلم كان بدور على نسائه في الساعة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة، قال أنس وكنا نتحدث أنه اعطى قوة ثلاثين رجلا خرجه النسائي، وروى نحوه عن أبى رافع، وعن طاووس أعطى عليه السلام قوة أربعين رجلا في الجماع، ومثله عن صفوان بن سليم، وقالت سلمى مولاته: طاف النبي صلى الله عليه وسلم ليلة على نسائه التسع
__________
(قوله وهن إحدى عشرة) هكذا في صحيح البخاري عن أنس وفيه أيضا عنه تسع نسوة وجمع بينهما بأن أزواجه كن تسعا في هذا الوقت وسريتاه مارية وريحانة على رواية من روى أن ريحانة كانت أمة وروى بعضهم أنها كانت زوجة وقال ابن حيان حكى أنس هذا الفعل منه في أول قدومه المدينة حيث كانت تحته تسع نسوة ولا نعلم أنه تزوج نساءه كلهن في وقت واحد ولا يستقيم هذا إلا في آخر أمره حيث اجتمع عنده تسع نسوة وجاريتان ولا نعلم أنه اجتمع عنده إحدى عشرة امرأة بالتزويج فإنه تزوج بإحدى عشر أولهن خديجة ولم يتزوج عليها حتى ماتت (قوله قال أنس) وكنا نتحدث أنه أعطى قوة ثلاثين) في الحلية لأبى نعيم عن مجاهد أعطى قوة أربعين رجلا كل رجل من رجال أهل الجنة انتهى، وروى الترمذي أن رجال أهل الجنة قوة كل رجل منهم بقوة سبعين رجلا وصححه وروى بقوة مائة رجل وقال صحيح غريب (قوله وروى نحوه عن أبى رافع) هو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل اسمه إبراهيم
وقيل أسلم وقيل ثابت وقيل هرمز وقيل صالح كان قبطيا، والذى رواه أبو رافع أخرجه الترمذي في الطهارة والنسائي في عشرة النساء أنه عليه السلام طاف على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه: الحديث (قوله وعن طاووس) هو ابن كيسان اليماني، وقيل اسمه ذكوان فلقب بطاووس، قال ابن معين لأنه كان طاووس القراء (قوله صفوان ابن سليم (بضم السين المهملة وفتح اللام إمام جليل (قوله سلمى) بفتح السين المهملة بلا خلاف هي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل مولاة صفية وهى زوج أبى رافع وداية فاطمة الزهراء.
(*)

(1/90)


وتطهر من كل واحدة قبل أن يأتي الأخرى وقال (هذا أطيب واطهر)، وقد قال سليمان عليه السلام لأطوفن الليلة على مائة امرأة أو تسع وتسعين، وإنه فعل ذلك، قال ابن عباس: كان في ظهر سليمان ماء مائة رجل وكان له ثلاثمائة امرأة وثلاثمائة سرية، وحكى النقاش وغيره سبعمائة امرأة وثلاثمائة سرية، وقد كان لداود عليه السلام على زهده وأكله من عمل يده تسع وتسعون امرأة وتمت بزوج أو رياء مائة، و قد نبه على ذلك في الكتاب العزيز بقوله تعالى (إن هذا أخى له تسع وتسعون نعجة) وفى حديث أنس عنه عليه السلام) فضلت على الناس بأربع: بالسخاء والشجاعة وكثرة الجماع وقوة البطش) * وأما الجاه فمحمود عند العقلاء عادة وبقدر جاهه عظمه في القلوب وقد قال الله تعالى في صفة عيسى عليه السلام (وجيها في الدنيا والآخرة) لكن آفاته كثيرة فهو مضر لبعض الناس لعقبى الآخرة: فلذلك ذمه من ذمه
__________
(قوله سليمان) كان أبوه داود عليه السلام يشاوره في أمور مع صغر سنه، قال أهل التاريخ: كان عمر سليمان ثلاثا وخمسين سنة وملك وهو ابن ثلاث عشر سنة وابتدأ بناء بيت المقدس بعد ابتداء ملكه بأربع سنين يعنى ابتدأ تجديده لأن يعقوب هو الذى بناه، وبهذا - أعنى بكون يعقوب هو الذى بناه - يتبين ما في الصحيحين من حديث أبى ذر قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول مسجد وضع في الأرض قال
(المسجد الحرام) قلت ثم أي ؟ قال (المسجد الأقصى) قلت كم بينهما ؟ قال (أربعون عاما) (قوله وثلاثمائة سرية) في المستدرك للحاكم في ترجمة عيسى ابن مريم أن سليمان عليه السلام كان له تسعمائة سرية (قوله أو رياء) بهمزة مضمومة وواو ساكنة وراء مكسورة ومثناة تحتية ومدة.
(*)

(1/91)


ومدح ضده وورد في الشرع مدح الخمول وذم العلو في الأرض، وكان صلى الله عليه وسلم قد رزق من الحشمة والمكانة في القلوب والعظمة قبل النبوة عند الجاهلية وبعدها وهم يكذبونه ويؤذون أصحابه ويقصدون أذاه في نفسه خفية حتى إذا واجههم أعظموا أمره وقضوا حاجته.
وأخباره في ذلك معروفة سيأتي بعضها، وقد كان يبهت ويفرق لرؤيته من لم يره كما روى عن قيلة أنها لما رأته أرعدت من الفرق فقال (يا مسكينة عليك السكينة)، وفى حديث أبى مسعود أن رجلا قام بين يديه فأرعد فقال له (هون عليك فإنى لست بملك) الحديث * فأما عظيم قدره * بالنبوة وشريف منزلته بالرسالة وإنافة رتبته بالاصطفاء والكرامة في الدنيا فأمر هو مبلغ النهاية، ثم هو في الآخرة سيد ولد آدم.
وعلى معنى هذا الفصل نظمنا هذا القسم بأسره.
(فصل) وأما الضرب الثالث فهو ما تختلف الحالات في التمدح
__________
(قوله عند الجاهلية) هي ما قبل مبعثه عليه السلام، سموا بذلك لكثرة جهالاتهم، كذا قال النووي (قوله يفرق) بفتح المثناة التحتية وسكون الفاء وفتح الراء أي يفزع (قوله قيلة) بفتح القاف وسكون المثناة التحتية وهى قيلة بنت محرمة العنبرية في الشمائل للترمذي أنها رأته عليه السلام وهو قاعد القرفصاء قالت فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرعدت من الفرق وفى الصحابيات اثنتان آخرتان كل واحدة منهما قيلة:
الأولى قيلة أم بنى أنمار ويقال أخت بنى أنمار والثانية قيلة الخزاعية أم سباع (قوله فأرعد) بضم الهمزة وكسر العين أي أخذته الرعدة (قوله وإنافة رتبته) الإنافة بكسر الهمزة مصدر أناف على الشئ أشرف عليه وأنافت الدراهم على المائة زادت (*)

(1/92)


به والتفاخر بسببه والتفضيل لأجله ككثرة المال فصاحبه على الجملة معظم عند العامة لاعتقادها توصله به إلى حاجاته وتمكن أعراضه بسببه وإلا فليس فضيلة في نفسه، فمتى كان المال بهذه الصورة وصاحبه منفقا له في مهماته ومهمات من اعتراه وأمله وتصريفه في مواضعه مشتريا به المعالى والثناء الحسن والمنزلة من القلوب كان فضيلة في صاحبه عند أهل الدنيا، وإذا صرفه في وجوه البر وأنفقه في سبل الخير وقصد بذلك الله والدار الآخرة كان فضيلة عند الكل بكل حال، ومتى كان صاحبه ممسكا له غير موجهه وجوهه حريصا على جمعه عاد كثره كالعدم وكان منقصة في صاحبه ولم يقف به على جدد السلامة بل أوقعه في هوة رذيلة البخل ومذمة النذالة، فإذا التمدح بالمال وفضيلته عند مفضله ليس لنفسه وإنما هو للتوصل به إلى غيره وتصريفه في متصرفاته، فجامعه إذا لم يضعه مواضعه ولا وجه وجوهه غير ملئ بالحقيقة ولا غنى بالمعنى ولا ممتدح
__________
(قوله توصله) بفتح أوله وثانيه وتشديد الضاد المهملة المضمومة (قوله من اعتراء يقال عراء هذا الأمر واعتراه أي عشيه (قوله عاد كثره) الكثر بضم الكاف: المال الكثير يقال ماله قل ولا كثر (قوله وكان منقصة) بفتح القاف وكسرها (قوله على جدد السلامة) الجدد بفتح الجيم وبدالين مهملتين أولهما مفتوحة: الأرض الصلبة، وفى البيان: الجدد المستوى من الأرض (قوله في هوة) الهوة بضم الهاء وتشديد الواو المفتوحة: الوهدة العميقة (قوله غير ملئ) بالهمزة في آخره،
في الصحاح يقال ملؤ الرجل صار مليا أي ثقة فهو غنى ملى بين الملاء والملاءة ممدودان (*)

(1/93)


عند أحد من العقلاء بل هو فقير أبدا غير واصل إلى غرض من أغراضه، إذ ما بيده من المال الموصل لها لم يسلط عليه، فأشبه خازن مال غيره ولا مال له فكأنه ليس في يده منه شئ، والمنفق ملى غنى بتحصيله فوائد المال وإن لم يبق في يده من المال شئ.
فانظر سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم وخلقه في المال تجده قد أوتى خزائن الأرض ومفاتيح البلاد وأحلت له الغنائم ولم تحل لنبى قبله وفتح عليه في حياته صلى الله عليه وسلم بلاد الحجاز واليمن وجميع جزيرة العرب وما دابى ذلك من الشام والعراق وجلبت إليه من أخماسها وجزيتها وصدقاتها ما لا يجبى للملوك إلا بعضه، وهادته جماعة من ملوك الأقاليم فما استأثر بشئ منه ولا أمسك منه درهما بل صرفه مصارفه وأغنى به غيره وقوى به المسلمين وقال (ما يسرنى أن لى أحدا ذهبا يبيت عندي منه دينار إلا دينار أرصده لدين) وأتته دنانير مرة فقسمها وبقيت
__________
(قوله وجميع جزيرة العرب) قال الأصمعى هو ما بين أقصى عدن إلى ريف العراق في الطول ومن جدة وما والاها إلى أطراف الشام في العرض، وقال أبو عبيدة هو ما بين حفر أبى موسى الأشعري إلى أقصى اليمن في الطول وما بين رمل سر من رأى إلى منقطع السماوة في العرض (قوله من الشأم) بهمزة ساكنة وقد تخفف وتذكر وتؤنث ويقال أيضا شآم بفتح الأول والثانى على وزن فعال والمشهور أن حده من العريش إلى الفرات طولا وقيل إلى نابلس ومن جبل طيئ من نحو القبلة إلى نحو الروم وما يسامت ذلك من البلاد.
قال ابن عساكر في تاريخه دخول الشام عشرة آلاف عين رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله لو أن لى أحد) بضم همزة والمهملة جبل معروف بالمدينة.
(*)

(1/94)


منها ستة فدفعها لبعض نسائه فلم يأخذه نوم حتى قام وقسمها وقال: (الآن استرحت) ومات ودرعه مرهونة في نفقة عياله واقتصر من نفقته وملبسه ومسكنه على ما تدعوه ضرورته إليه وزهد فيما سواه، فكان يلبس ما وجده فيلبس في الغالب الشملة والكساء الخشن والبرد الغليظ ويقسم على من حضره أقبية الديباج المخوصة بالذهب ويرفع لمن لم يحضر، إذ المباهاة في الملابس والتزين بها ليست من خصال الشرف والجلالة وهى من سمات النساء، والمحمود منها نقاوة الثوب والتوسط في جنسه وكونه لبس مثله غير مسقط لمروءة جنسه مما لا يؤدى إلى الشهرة في الطرفين وقد ذم الشرع ذلك، وغاية الفخر فيه في العادة عند الناس إنما يعود إلى الفخر بكثرة الموجود ووفور الحال وكذلك التباهي بجودة المسكن وسعة المنزل وتكثير آلاته وخدمه
__________
(قوله ودرعه مرهونة) الدرع بكسر الدال المهملة وسكون الراء: الزردية، مؤنثة، والجمع القليل أدرع وأدراع، فإذا كثرت فهى الدروع وتصغيرها دريع على غير قياسه لأن قياسه بالهاء، وحكى أبو عبيد أن الدرع يذكر ويؤنث، وأما درع المرأة - وهو قميصها - فمذكر والجمع أدراع، وكان له صلى الله عليه وسلم سبع أدراع: ذات الفضول سميت بذلك لطولها أرسلها إليه سعد بن عبادة حين سار إلى بدر، وفى الهدى لابن قيم الجوزية إنها التى رهنها صلى الله عليه وسلم وذات الوشاح وذات الحواشى والسعدية والفضة أصابها من بنى قينقاع، ويقال السعدية كانت درع داود التى لبسها لقتال جالوت البتراء والجونق (قوله المخوصة) بضم الميم فمعجمة مفتوحة فواو مشددة مفتوحة: أي المنسوجة بالذهب كخوص النخل قاله ابن الأثير (قوله نقاوة الثوب) النقاوة - بفتح النون - النظافة، وبضمها.
الخيار (قوله وسعة المنزل) بفتح السين المهملة (*)

(1/95)


ومركوباته، ومن ملك الأرض وجبى إليه ما فيها وترك ذلك زهدا وتنزها فهو حائز لفضيلة المالية ومالك للفخر بهذا الخصلة إن كانت فضيلة زائد عليها في الفخر ومعرق في المدح بإضرابه عنها وزهده في فانيها وبذلها في مظانها.
(فصل) وأما الخصال المكتسبة من الأخلاق الحميدة والآداب الشريفة التى اتفق جميع العقلاء على تفضيل صاحبها وتعظيم المتصف بالخلق الواحد منها فضلا عما فوقه وأثنى الشرع على جميعها وأمر بها ووعد السعادة الدائمة للمتخلق بها ووصف بعضها بأنه من أجزاء النبوة وهى المسماة بحسن الخلق وهو الاعتدال في قوى النفس وأوصافها والتوسط فيها دون الميل إلى منحرف أطرافها، فجميعها قد كانت خلق نبينا صلى الله عليه وسلم على الانتهاء في كمالها والاعتدال إلى غايتها حتى أثنى الله عليه بذلك فقال تعالى (وإنك لعلى خلق عظيم) قالت عائشة رضى الله عنها: كان خلقه القرآن يرضى برضاه ويسخط بسخطه، وقال صلى الله عليه وسلم (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، قال أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا، وعن على بن
__________
(قوله ومعرق بضم الميم وسكون العين المهملة وكسر الراء، في الصحاح أعرق الرجل صار عريقا وهو الذى له عرق في الكرم (قوله بإضرابه) بكسر الهمزة مصدر اضرب أي أعرض (قوله يرضى برضاه) أي يرضى برضاء القرآن ويسخط بسخط القرآن، يعنى أن رضاه لم يكن إلا لأوامر الله، وسخطه لم يكن إلا لنواهيه، (*)

(1/96)


ابى طالب رضى الله عنه مثله، وكان فيما ذكره المحققون مجبولا عليها في أصل خلقته وأول فطرته لم تحصل له باكتساب ولا رياضة إلا بجود إلهى وخصوصية ربانية، وهكذا لسائر الأنبياء، ومن طالع
سيرهم منذ صباهم إلى مبعثهم حقق ذلك كما عرف من حال عيسى وموسى ويحيى وسليمان وغيرهم عليهم السلام بل غرزت فيهم هذه الأخلاق في الجبلة وأودعوا العلم والحكمة في الفطرة قال الله تعالى (وآتيناه الحكم صبيا) قال المفسرون: أعطى الله يحيى العلم بكتاب الله تعالى في حال صباه، وقال معمر: كان ابن سنتين أو ثلاث فقال له الصبيان لم لا تلعب ؟ فقال (أللعب خلقت) ؟ وقيل في قوله تعالى (مصدقا بكلمة من الله) صدق يحيى بعيسى وهو ابن ثلاث سنين فشهد له أنه كلمة الله وروحه، وقيل صدقه وهو في بطن أمه فكانت أم يحيى تقول لمريم إنى أجد ما في بطني يسجد لما في بطنك تحية له، وقد نص الله تعالى على كلام عيسى لأمه عند ولادتها إياه بقوله لها (لا تحزني) على قراءة من قرأ (من تحتها) وعلى قول من قال إن المنادى عيسى ونص على كلامه في مهده فقال (إنى عبد الله
__________
(قوله في الفطرة) أي الخلقة (قوله على قراءة من قرأ من تحتها) بفتح الميم والتاء قال البغوي: قرأ أبو جعفر ونافع وحمزة والكسائي وحفص بكسر الميم والتاء، والمعنى نادى جبرئيل مريم من تحتها بأن كانت مريم على أكمة وكان جبريل تحت الأكمة، وقرأ الاخرون بفتح الميم والتاء والمراد جبريل عند ابن عباس والسدى وقتادة والضحاك، وعند مجاهد والحسن: المراد عيسى لما خرج من بطن أمه (*)

(1/97)


آتانى الكتاب وجعلني نبيا) وقال تعالى (ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما) وقد ذكر من حكم سليمان وهو صبى يلعب في قضية المرجومة وفى قصة الصبى ما اقتدى به داود أبوه، وقال الطبري إن عمره حين أوتى الملك اثنا عشر عاما، وكذلك قصة
موسى مع فرعون وأخذه بلحيته وهو طفل.
وقال المفسرون في قوله تعالى (ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل) أي هديناه صغيرا، قاله مجاهد وغيره، وقال ابن عطاء: اصطفاه قبل إبداء خلقه، وقال بعضهم: لما ولد إبراهيم عليه السلام بعث الله تعالى إليه ملكا يأمره عن الله أن يعرفه بقلبه ويذكره بلسانه فقال: قد فعلت ولم يقل أفعل
__________
(قوله في قصة المرجومة وفى قصة الصبى) أما قصة المرجومة فروى أن رجلا راود امرأة في زمن داود عليه السلام فامتنع فأقام أربعة شهود زور، وشهدوا بزناها، فهم داود برجمها، فبلغ ذلك سليمان فدعا الشهود متفرقين فاختلفوا، فبلغ ذلك داود فدعاهم متفرقين فاختلفوا، فدرأ الحد عنها.
وأما قصة الصبى فهى ما روى البخاري وغيره أن امرأتين كبرى وصغرى لكل منهما ابن ذهب الذئب بابن إحداهما فاختصما في الابن الآخر إلى داود فقضى به للكبرى، فلما مر على سليمان فقال شقه بينهما فقالت الصغرى: هو ابنها فقضى به للصغرى، قال النووي: يحتمل أن داود قضى به للكبرى لشبه بينهما أو لأن في شريعته الترجيح بالكبرى أو باليد وكان في يدها، وأما سليمان فتوصل بملاطفته إلى باطل القضية، ولعله استقرر الكبرى فأقرت بعد ذلك به للصغرى، فحكم به لها بإقرار صاحبتها لا بمجرد الشفقة، فإن قيل المجتهد لا ينقض حكم المجتهد، فالجواب أن سليمان فعل ذلك توسلا إلى إظهار الحق فلما أقرت به الكبرى عمل بإقرارها، أو ليل في شرعهم ما يجوز للمجتهد نقض حكم المجتهد (قوله مع فرعون) هو عدو الله الوليد بن مصعب بن الريان، كان من القبط العماليق، وعمر أكثر من أربعمائة سنة (*)

(1/98)


فذلك رشده، وقيل إن إلقاء إبراهيم عليه السلام في النار ومحنته كانت وهو ابن ست عشرة سنة وإن ابتلاء إسحاق بالذبح كان وهو ابن سبع سنين، وإن استدلال إبراهيم بالكوكب والقمر
__________
(قوله وإن ابتلاء إسحاق بالذبح) في أنوار التنزيل للبيضاوي: والأظهر بيا بنى إنى أرى في المنام أنى أذبحك (اسمعيل) لأنه الذى ذهب به أثر الهجرة أي هجرته مع لوط وسارة إلى الشام، وقيل إلى حران: وهى بتشديد الراء ونون في الآخر، وللنسبة إليها حرنى بنون بعد الراء الساكنة على غير قياس، كما قالوا منائى في النسبة إلى منان والقياس ما نوى وجرانوى والعامة عليها، وهى في الإقليم الرابع، مدينة عظيمة بين الموصل الشام والروم بينها وبين الرها يوم وبين الرقة يومان، قال المفسرون في قوله تعالى (إنى مهاجر إلى ربى) إن التى هاجر إلهيا حران.
وفى قوله تعالى (ونجيناه ولوطا إلى الأرض التى باركنا فيها للعالمين) هي حران، فتحت في أيام عمر بن الخطاب على يد عياض بن غنم صلحا مثل ما صالحه عليه أهل الرها، ولأن البشارة بإسحاق معطوفة على البشارة بهذا الغلام، ولقوله عليه السلام (أنا ابن الذبيحين) فأحدهما جده إسمعيل، والآخر أبوه عبد الله فداه أبوه بمائة من الإبل ولذلك سنت الدية مائة ولأن ذلك كان بمكة وكان قرنا الكبش معلقين بالكعبة، احترقا معها في أيام ابن الزبير، ولم يكن اسحاق ثمة، ولأن البشارة بإسحاق كانت مقرونة بولادة يعقوب منه فلا يناسبها الأمر بذبحه مراهقا.
وفى تفسير القرطبى وهو قول أبى هريرة وأبى الطفيل عامر بن واثلة، وروى عن ابن عمر وابن عباس وسعيد ابن المسيب والشعبى ويوسف بن مهران ومجاهد، وقيل المخاطب به إسحاق وهو قول الأكثرين، وممن قال بذلك: العباس وعمر وجابر في أربعة آخرين من اصحابة وجماعة من التابعين وهو قول أهل الكتابين، قال سعد بن جبير سار بن مسية شهر في غداة واحدة حتى أتى به المنحر بمنى، فلما صرف الله عنه الذبح سار به مسيرة شهر في غداة واحدة.
وفى الهدى لابن قيم الجوزية: واسماعيل هو الذبيح على القول الصواب عند علماء الصحابة والتابعين بعدهم، وأما القول بأنه إسحاق فمردود بأكثر من عشرين وجها (*)

(1/99)


والشمس كان وهو ابن خمسة عشر شهرا، وقيل أوحى الله تعالى إلى
يوسف وهو صبى عند ما هم إخوته بإلقائه في الجب يقول الله تعالى (وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا) الآية إلى غير ذلك مما ذكر من أخبارهم.
وقد حكى أهل السير أكن آمنة بنت وهب أخبرت أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم ولد حين ولد باسطا يديه إلى الأرض رافعا رأسه إلى السماء، وقال في حديثه صلى الله عليه وسلم (لما نشأت بغضت إلى الأوثان وبغض إلى الشعر ولم أهم بشئ مما كانت الجاهلية تفعله إلا مرتين فعصمني الله منهما ثم لم أعد) ثم يتمكن الأمر لهم وتترادف نفحات الله تعالى علهيم وتشرق أنوار المعارف في قلوبهم حتى يصلوا إلى الغاية ويبلغوا باصطفاء الله تعالى لهم بالنبوة في تحصيل هذه الخصال الشريفة النهاية دون ممارسة ولا رياضة قال الله تعالى (ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما) وقد
__________
(قوله إلى يوسف) قال الثعلبي: كان يوسف عليه السلام أبيض اللون حسن الوجه جعد الشعر ضخم العين مستوى الخلق غليظ الساعدين والعضدين خميص البطن أقنى الأنف بخده الأيمن خال أسود وبين عينيه، توفى وهو ابن مائة وعشرين سنة ودفن بمصر بالنيل ثم حمله عليه السلام إلى الشام حين خرجت بنو إسرائيل من مصر (قوله الأوثان) بالمثلثة جمع وثن وهو الجثة من أجزاء الأرض أو الخشب تعبد، وفى حديث عدى بن حاتم: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وفى عنقي صليب من ذهب فقال (ألق عنك هذا الوثن) وفى الصحاح الوثن: الصنم.
والصنم، واحد الأصنام ويقال إنه معرب (ممن) وهو الوثن (قوله أهم) بفتح الهمزة وضم الهاء (قوله ثم يتمكن الأمر) عطف على قوله قبل هذا (وهكذا لسائر الأنبياء) (*)

(1/100)


نجد غيرهم يطبع على بعض هذه الأخلاق دون جميعها ويولد عليها فيسهل
عليه اكتساب تمامها عناية من الله تعالى كما نشاهد من خلقه بعض الصبيان على حسن السمت أو الشهامة أو صدق اللسان أو السماحة وكما نجد بعضهم على ضدها، فبالاكتساب يكمل ناقصها وبالرياضة والمجاهدة يستجلب معدومها ويعتدل منحرفها، وباختلاف هذين الحالين يتفاوت الناس فيها، وكل ميسر لما خلق له، ولهذا ما قد اختلف السلف فيها: هل هذا الخلق جبلة أو مكتسبة ؟ وحكى الطبري عن بعض السلف أن الخلق الحسن جبلة وغريزة في العبد، وحكاه عن عبد الله بن مسعود والحسن وبه قال هو، والصحيح ما أصلناه.
وقد روى سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (كل الخلال يطبع عليها المؤمن إلا الخيانة والكذب) وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه في حديثه: والجرأة والجبن غرائز يضعهما الله حيث يشاء.
وهذه الأخلاق المحمودة والخصال الجميلة الشريفة كثيرة ولكننا نذكر أصولها ونشير إلى جميعها ونحقق وصفه صلى الله عليه وسلم بها إن شاء الله.
__________
(قوله على حسن السمت) أي الطريقة وهيئة أهل الخير (قوله والشهامة) بفتح الشين المعجمة مصدر شهم الرجل بضم الهاء فهو شهم: أي جلد ذكى الفؤاد (قوله ولهذا ما قد اختلف) هكذا وقع في كثير من النسخ بزيادة (ما) للتأكيد (قوله والجرأة) هي الشجاعة على وزن الجرعة ويقال الجرة بفتح الراء وحذف الهمزة (*)

(1/101)


(فصل) أما أصل فروعها وعنصر ينابيعها ونقطة دائرتها فالعقل الذى منه ينبعث العلم والمعرفة ويتفرع من هذا ثقوب الرأى وجودة الفطنة والإصابة وصدق الظن والنظر للعواقب ومصالح النفس ومجاهدة الشهوة وحسن السياسة والتدبير واقتناء الفضائل
وتجنب الرذائل، وقد أشرنا إلى مكانه منه صلى الله عليه وسلم وبلوغه منه ومن العلم الغاية القصوى التى لم يبلغها بشر سواه وإذ جلالة محله من ذلك ومما تفرع منه متحققة عند من تتبع مجارى أحواله واطراد سيره وطالع جوامع كلامه وحسن شمائله وبدائع سيره وحكم حديثه وعلمه بما في التوراة والإنجيل والكتب المنزلة وحكم الحكماء وسير الأمم الخالية وأيامها وضرب الأمثال وسياسات الأنام وتقرير الشرائع وتأصيل الآداب النفيسة والشيم الحميدة إلى فنون العلوم التى اتخذ أهلها كلامه صلى الله عليه وسلم فيها قدوة وإشاراته حجة كالعبارة والطب والحساب والفرائض والنسب وغير ذلك مما سنبينه في معجزاته إن شاء الله تعالى دون تعليم ولا مدارسة ولا مطالعة كتب من تقدم ولا الجلوس إلى علمائهم بل نبى أمي
__________
(قوله ونقطة دائرتها) أي مركز دائرتها وهى النقطة التى في وسط الدائرة يقوم فيها إحدى عشر قوائم البركار وجميع الخطوط الخارجة منها إلى الدائرة متساوية (قوله وحكم) بكسر الحاء المهملة (قوله كالعبارة) يقال عبرت الرؤيا أعبرها عبارة (قوله والطب) هو مثلث الطاء (*)

(1/102)


لم يعرف بشئ من ذلك حتى شرح الله صدره وأبان أمره وعلمه وأقرأه، يعلم ذلك بالمطالعة والبحث عن حاله ضرورة وبالبرهان القاطع على نبوته نظرا فلا نطول بسرد الأقاصيص وآحاد القضايا، إذ مجموعها ما لا يأخذه حصر ولا يحيط به حفظ جامع، وبحسب عقله كانت معارفه صلى الله عليه وسلم إلى سائر ما علمه الله تعالى وأطلعه عليه من علم ما يكون وما كان وعجائب قدرته وعظيم
ملكوته قال الله تعالى (وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما) حارت العقول في تقدير فضله عليه وخرست الألسن دون وصف يحيط بذلك أو ينتهى إليه
(فصل) وأما الحلم والاحتمال والعفو مع المقدرة والصبر على ما يكره وبين هذه الألقاب فرق فإن الحلم حالة توقر وثبات عند الأسباب المحركات، والاحتمال حبس النفس عند الآلام والمؤذيات ومثلها الصبر ومعانيها متقاربة، وأما العفو فهو ترك المؤاخذة وهذا كله مما أدب الله تعالى به نبيه صلى الله عليه وسلم فقال تعالى (خذ العفو وأمر بالعرف)
__________
(قوله خرست) بكسر الراء (قوله مع المقدرة) بضم الدال وفتحها أي القدرة (قوله جبريل) قيل جبريل وميكائيل اسمان أضيفا إلى إيل أو إلى إل، وإيل وإل اسمان لله تعالى، وجبروميك معناه بالسريانية عبد، ورده أبو على الفارسى بأن إيل وإل لا يعرفان من أسماء الله تعالى وبأنه لو كان كذلك لم ينصرف آخر الاسم في وجوه العربية ولكان آخره مجرورا أبدا كعبد الله، قال النووي: وهذا الذى قاله هو الصواب (*)

(1/103)


الآية، روى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم نزلت عليه هذه الآية سأل جبريل عليه السلام عن تأويلها فقال له حتى أسال العالم ثم ذهب فأتاه فقال يا محمد إن الله يأمرك أن تصل من قطعك وتعطى من حرمك وتعفو عمن ظلمك وقال له (واصبر على ما أصابك) الآية وقال تعالى (فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل) وقال (وليعفوا وليصفحوا) الآية وقال تعالى (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور) ولا خفاء بما يؤثر من حلمه واحتماله، وأن كل حليم قد عرفت منه زلة وحفظت عنه هفوة وهو
صلى الله عليه وسلم لا يزيد مع كثرة الأذى إلا صبرا وعلى إسراف الجاهل إلا حلما * حدثنا القاضى أبو عبد الله محمد بن على التغلبي وغيره قالوا حدثنا محمد بن عتاب حدثنا أبو بكر بن واقد القاضى وغيره حدثنا أبو عيسى حدثنا عبيد الله حدثنا يحيى بن يحيى حدثنا مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضى الله عنها قالت
__________
(قوله أولو العزم) أي الجد والثبات وفى أنوار التنزيل في قوله تعالى (فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل) من للتبيين وقيل للتبعيض، وأولو العزم أصحاب الشرائع اجتهدوا في تأسيسها وتقريرها وصبرا على تحمل مشاقها ومعاداة الطاعنين فيها، ومشاهيرهم نوح وابراهيم وموسى وعيسى، وقيل الصابرون على بلاء الله كنوح صبر على أذى قومه وكانوا يضربونه حتى يغشى عليه، وابراهيم صبر على النار وذبح ولده، والذبيح على الذبح، ويعقوب على فقد الولد والبصر، ويوسف على الجب والسجن، وأيوب على الضر، وموسى قال له قومه (إنا لمدركون قال كلا إن معى ربى سيهدين) وداود بكى على خطيئته أربعين سنة، وعيسى لم يضع لبنة على لبنة انتهى (*)

(1/104)


(ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرين قط إلا اختار ايسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله تعالى فينتقم لله بها.
وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كسرت رباعيته وشج وجهه يوم أحد شق ذلك على أصحابه شقا شديدا وقالوا لو دعوت عليهم فقال (إنى لم أبعث لعانا ولكني بعثت داعيا ورحمة، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون) وروى عن عمر رضى الله عنه أنه قال في بعض
__________
(قوله ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما) قال النووي قال القاضى: يحتمل أن
يكون تخييره من الله فيخيره فيما فيه عقوبتان أو فيما بينه وبين الكفار من القتال وأخذ الجزية أو في حق أمته في المجاهدة في العبادة والاقتصاد فكان يختار الأيسر في هذا كله، قال وأما قولها: ما لم يكن إثما، فيتصور إذا خيره الكفار أو المنافقون، فأما إذا كان التخيير من الله أو من المسلمين فيكون الاستثناء منقطعا (قوله لما كسرت رباعيته وشج وجهه) الرباعية السن التى بين الثنية والناب وهى بفتح الراء وتخفيف الموحدة وكسر العين المهملة وتخفيف المثناة التحتية، وفى سيرة ابن هشام: أن عتبة بن أبى وقاص أخو سعد بن أبى وقاص رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فكسر رباعيته اليمنى السفلى وجرح شفته السفلى وأن عبد الله بن شهاب الزهري شجه في وجهه وأن ابن قميئة جرح وجنته فدخلت حلقتان من المغفر في وجنته، وقد اختلف في إسلام عتبة، والصحيح أنه لم يسلم، قال السهيلي ولم يولد من نسله ولد، فبلغ الحلم إلا وهو أبخر واهم، يعرف ذلك في عقبه، وأما عبد الله بن شهاب فأسلم، وهو جد شيخ مالك محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب، وقد قيل لابن شهاب شيخ مالك: أكان جدك عبد الله بن شهاب ممن شهد بدرا ؟ فقال نعم، ولكن من ذلك الجانب يعنى مع الكفار، وأما ابن قميئة واسمه عبد الله فنطحه تيس فتردى من شاهق، وفى مستدرك الحاكم: أنه لما فعل عتبة ما فعل جاء حاطب بن = = أبى بلتعة فقال يا رسول الله من فعل هذا بك ؟ فأشار إلى عتبة، فتبعه حاطب حتى قتله وجاء بفرسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (*)

(1/105)


كلامه: بأبى أنت وأمى يا رسول الله لقد دعا نوح على قومه فقال (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) ولو دعوت علينا مثلها لهلكنا من عند آخرنا فلقد وطئ ظهرك وأدمى وجهك وكسرت رباعيتك فأتبى أن تقول إلا خيرا فقلت اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، قال القاضى أبو الفضل وفقه الله: انظر ما في هذا القول من جماع
الفضل ودرجات الإحسان وحسن الخلق وكرم النفس وغاية الصبر والحلم، إذ لم يقتصر صلى الله عليه وسلم على السكوت عنهم حتى عفا عنهم ثم أشفق عليهم ورحمهم ودعا وشفع لهم فقال اغفر أو اهد، ثم أظهر سبب الشفقة والرحمة بقوله لقومي، ثم اعتذر عنهم بجهلهم فقال فإنهم لا يعلمون، ولما قال له الرجل اعدل فإن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله: لم يزده في جوابه أن بين له ما جهله ووعظ نفسه وذكرها بما قال له فقال ويحك (فمن يعدل إن لم أعدل ؟ خبت وخسرت إن لم أعدل) ونهى من أراد من أصحابه قتله، ولما تصدى
__________
(قوله بأبى أنت وأمى) أي بأبى أنت مفدى وبأمى أي بأبى فديتك أنت وبأمى (قوله ولما قال له الرجل اعدل) هو ذو الخويصرة التميمي قتل في الخوارج يوم النهروان ويقال حرقوص، كذا في تجريد الذهبي (قوله خبت وخسرت) بضم التاء الفوقية فيهما، كذا عن المزى حال القراءة عليه لأنه معلق بعدم العدل الذى هو معصوم منه صلى الله عليه وسلم وليلائم قول القاضى وعظ نفسه وذكرها (قوله ونهى من أراد من أصحابه قتله) هو خالد بن الوليد، وقيل عمر (قوله ولما تصدى له غورث) هو بغين معجمة = = مفتوحة وقد تضم فواو ساكنة فراء مفتوحة فثاء مثلثة: أسلم وصحب النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك (*)

(1/106)


له غورث بن الحارث ليفتك به ورسول الله صلى الله عليه وسلم منتبذ تحت شجرة وحده قائلا والناس قائلون في غزاة فلم ينتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو قائم والسيف صلتا في يده فقال من يمنعك منى ؟ فقال: الله، فسقط السيف من يده: فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وقال من يمنعك منى ؟ قال كن خير آخذ، فتركه وعفا عنه، فجاء إلى قومه فقال جئتكم من عند خير الناس * ومن عظيم خبره في العفو عفوه عن اليهودية التى سمته في الشاة بعد اعترافها على الصحيح من الرواية، وأنه لم يؤاخذ لبيد بن الأعصم إذ سحره وقد أعلم به واوحى إليه لشرح أمره، ولا عتب عليه فضلا عن معاقبته
__________
= مفتوحة وقد تضم فواو ساكنة مفتوحة فثاء مثلثة: أسلم وصحب النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك (قوله ليفتك به) الفتك أن يأتي الرجل إلى آخر ليقتله وهو غافل (قوله منتبذ) بضم الميم وسكون النون وفتح المثناة الفوقية وكسر الباء الموحدة بعدها ذال معجمة أي جالس في ناحية (قوله قائلا) من القيلولة (قوله في غزاة ذات الرقاع (قوله صلتا) بفتح الصاد المهملة وضمها وفى آخره مثناة فوقية أي مسلولا (قوله عن اليهودية التى سمته) في مغازى موسى بن عقبة والدلائل للبيهقي أن اسمها زينب بنت الحارث بن سلام، وقال ابن قيم الجوزية هي امرأة سلام بن مشكم، واختلف فيها فروى ابن اسحاق أنه صفح عنها، وروى أبو داود أنه قتلها وصلبها، وجمع بين هاتين الروايتين بأنه صفح عنها، فلما مات بشر بن البراء بن معرور من الأكلة التى أكلها مع النبي صلى الله عليه وسلم من الشاة قتلها به قصاصا، وذلك أن بشرا لم يزل معتلا من تلك الأكلة حتى مات منها بعد حول، ويقال إنه مات في الحال.
وفى جامع معمر عن الأزهري أنه قال أسلمت فتركها، قال معمر والناس يقولون قتلها وأنها لم تسلم (قوله لبيد بن الأعصم) جاء التصريح بأنه يهودى في الصحيحين وقد هلك = = على يهوديته (*)

(1/107)


وكذلك لم يؤاخذ عبد الله بن أبى وأشباهه من المنافقين بعظيم ما نقل عنهم في جهته قولا وفعلا بل قال لمن أشار بقتل بعضهم (لا، لئلا يتحدث أن محمدا يقتل أصحابه) وعن أنس رضى الله عنه كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم وعليه برد غليظ الحاشية فجبذه أعرابي بردائه جبذة شديدة حتى أثرت حاشية البرد في صفحة عاتقه ثم قال يا محمد احمل لى على بعيرى هذين من مال الله الذى عندك فإنك لا تحمل لى من مالك ولا من مال أبيك، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال (المال مال الله وأنا عبده - ثم قال ويقاد منك يا أعرابي ما فعلت
بى) قال لا، قال (لم ؟) قال لأنك لا نكافي بالسيئة السيئة فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم أمر أن يحمل له على بعير شعير وعلى الآخر تمر، قالت عائشة رضى الله عنها ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منتصرا من مظلمة ظلمها قط ما لم تكن حرمة من محارم الله وما ضرب بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله وما ضرب خادما ولا امرأة، وجئ إليه برجل فقيل هذا أراد أن يقتلك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (لن تراع لن تراع ولو أردت ذلك لم تسلط على) وجاءه
__________
(قوله عبد الله بن أبى) هو عبد الله بن أبى ابن سلول بتنوين أبى وكتابة ألف بعدها لأن سلول أم عبد الله وزوجة أبى فلو لم يفعل ذلك لنوهم إن سلول أم أبى وليس كذلك (قوله وأشباهه من المنافقين) قال ابن عباس كان المنافقون من الرجال ثلاثمائة ومن النساء مائة وسبعين (قوله لا يكافئ) بهمزة في آخره (قوله لن تراع) أي لا خوف عليك (قوله وجاءه زيد بن سعنة هو بسين (*)

(1/108)


زيد بن سعنة قبل إسلامه يتقاضاه دينا عليه فجبذ ثوبه عن منكبه وأخذ بمجامع نيابه وأغلظ له ثم قال: إنكم يا بنى عبد المطلب مطل فانتهره عمر وشدد له في القول والنبى صلى الله عليه وسلم بتبسم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأنا وهو كنا إلى غير هذا منك أحوج يا عمر: تأمرني بحسن القضاء وتأمره بحسن التقاضى، ثم قال لقد بقى من أجله ثلاث، وأمر عمر يقضيه ماله ويزيده عشرين صاعا لما روعه فكان سبب إسلامه، وذلك أنه كان يقول ما بقى من علامات النبوة شئ إلا وقد عرفتها في وجه محمد إلا اثنتين لم أخبرهما: يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهل إلا حلما، فأخبرته بهذا فوجدته كما وصف، والحديث عن
حلمه صلى الله عليه وسلم وصبر وعفوه عند المقدرة أكثر من أن تأتى عليه، وحسبك ما ذكرناه مما في الصحيح والمصنفات الثابتة إلى ما بلغ متواترا مبلغ اليقين من صبره على مقاساة قريش وأذى الجاهلية ومصابرة الشدائد الصعبة معهم إلى أن أظفره الله عليهم وحكمه فيهم
__________
مفتوحة مهملة وعين ساكنة مهملة ونون مفتوحة: قال ابن ماكولا في إكماله: هو حبر يهودى له ذكر في حديث لعبد الله بن سلام وقال النووي في تهذيبه: هو من أحبار اليهود الذى أسلم وحسن إسلامه وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مشاهد كثيرة وتوفى في غزوة تبوك مقبلا إلى المدينة، وأما أسيد بن سعية: أسيد بفتح الهمزة وكسر السين المهملة، وسعية والده بفتح السين وسكون العين المهملتين بعدهما مثناة تحتية، قال الذهبي في التجريد زيد بن سعنة بالنون أصح وأسيد بن سعية بالياء أصح (قوله مطل) بضم الميم والطاء المهملة جمع مطول على وزن فعول بمعنى فاعل كغفور (*)

(1/109)


وهم لا يشكون في استئصال شأفتهم وإبادة خضرائهم فما زاد على أن عنا وصفح، وقال (ما تقولون إنى فاعل بكم ؟ قالوا خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم، فقال أقول كما قال أخى يوسف: لا تثريب عليكم الآية، اذهبوا فأنتم الطلقاء) وقال أنس هبط ثمانون رجلا من التنعيم صلاة الصبح ليقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذوا فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فانزل الله تعالى (وهو الذى كف أيديهم عنكم) الآية وقال لأبى سفيان وقد سيق إليه بعد أن جلب إليه الأحزاب وقتل عمه وأصحابه ومثل بهم فعفا عنه ولا طفه في القول: (ويحك يا أبا سفيان ألم يئن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله ؟ فقال بأبى أنت وأمى ما أحلمك وأوصلك وأكرمك) وكان رسول الله صلى الله
عليه وسلم أبعد الناس غضبا وأسرعهم رضى، صلى الله عليه وسلم.
__________
وغفر من المطل وهى اللى بالدين (قوله شأفتهم) بشين معجمة وهمزة ساكنة وفاء مخففة وتاء فوقية، في الصحاح: الشأفة قرحة تخرج في أسفل القدم فتكوى فتذهب يقال في المثل استأصل الله شأفته أي أذهبه الله كما أذهب تلك القرحة بالكى (قوله خضرائهم) بفتح الخاء وإسكان الضاد المعجمتين بعدها راء فهمزة ممدودة أي جماعتهم وأشخاصهم (قوله تثريب) قيل معناه لا تغيير وقيل لا تأنيب وقيل لا تبغيض وقيل لا أنا في قبول عذركم (قوله الطلقاء) بضم الطاء المهملة وفتح اللام جمع طليق وهو الأسير إذا أطلق وخلى سبيله (قوله من التنعيم) هو من مكة على ثلاثة أميال من جهة المدينة سمى بذلك لأن عن يمينه جبلا يقال له نعيم وعن شماله جبلا يقال له ناعم وبه واد يقال له نعمان (قوله الأحزاب) هم أهل الخندق وكانوا ثلاثة عساكر وعدتهم عشرة آلاف، قال ابن اسحاق وكان في شوال سنة خمس (قوله ومثل بهم) (*)

(1/110)


(فصل) وأما الجود والكرم والسخاء والسماحة ومعانيها متقاربة وقد فرق بعضهم بينها بفروق فجعلوا الكرم الإنفاق بطيب النفس فيما يعظم خطره ونفعه وسموه أيضا جرأة وهو ضد النذالة، والسماحة التجا في عما يستحقه المرء عند غيره بطيب نفس وهو ضد الشكاسة، والسخاء سهولة الإنفاق وتجنب اكتساب مالا يحمد وهو الجود وهو ضد التقتير، فكان صلى الله عليه وسلم لا يوازى في هذه الأخلاق الكريمة ولا يبارى بهذا، وصفه كل من عرفه.
حدثنا القاضى الشهيد أبو على الصدفى رحمه الله حدثنا القاضى أبو الوليد الباجى حدثنا أبو ذر الهروي حدثنا أبو الهيثم الكشميهنى وأبو محمد السرخسى وأبو إسحاق البلخى قالوا حدثنا أبو عبد الله الفربرى حدثنا البخاري حدثنا محمد بن كثير حدثنا
سفيان عن ابن المنكدر سمعت جابر بن عبد الله يقول: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شئ فقال لا.
وعن أنس رضى الله عنه وسهل ابن سعد رضى الله عنه مثله، وقال ابن عباس رضى الله عنهما: كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وأجود ما كان في شهر رمضان
__________
يقال مثل يالعبد يمثل كقتل يقتل إذا قطع أطرافه أو أنفه أو أذنه أو مذاكيره، وأما مثل بالتشديد فللمبالغة (قوله خطره) بالخاء المعجمة والطاء أي قدره (قوله ضد الشكاسة) هو بفتح الشين المعجمة وتخفيف الكاف وبعدها ألف وسين مهملة، يقال رجل شكس بكسر أوله وسكون ثانيه أي صعب الخلق وقوم شكس بضمهما مثل رجل صدق وقوم صدق (قوله لا يوازى) قال ابن الأثير: الموازاة المقابلة والمواجهة: وفى الصحاح آزيته أي حاذيته ولا تقل وازيته (قوله ابن كثير) بفتح (*)

(1/111)


وكان إذا لقيه جبريل عليه السلام أجود بالخير من الريح المرسلة، وعن أنس أن رجلا سأله فأعطاه غنما بين جبلين فرجع إلى قومه وقال أسلموا فإن محمدا يعطى عطاء من لا يخشى فاقة، وأعطى غير واحد مائة من الإبل، وأعطى صفوان مائة ثم مائة ثم مائة، وهذه كانت خلقه صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث وقد قال له ورقة بن نوفل: إنك تحمل الكل وتكسب المعدوم.
ورد على هوازن سباياها
__________
الكاف وكسر المثلثة بعدها مثناة تحتية (قوله أن رجلا سأله) هو صفوان بن أمية (قوله وقد قال له ورقة بن نوفل) بن أسد بن عبد العزى قال الحافظ زين الدين العراقى: ينبغى أن يقال أول من أسلم من الرجال ورقة، لما في الصحيحين من حديث عائشة في قصة بدء الوحى، فإن فيه (أن الوحى تتابع في حياة ورقة وإنه آمن به) وقد ذكر ابن منده: ورقة في الصحابة واختلف في إسلامه انتهى، ونقل الذهبي كلام ابن
منده ثم قال: والأظهر أنه مات قبل الرسالة وبعد نبوة (قوله نحمل الكل) الذى في الصحيحين أن خديجة هي التى قالت ذلك، والكل بفتح الكاف وتشديد اللام: الشئ الثقيل، والمراد هنا نحو اليتيم والضعيف ومن لا قدرة له (قوله وتكسب المعدوم) بفتح أوله قال ابن قرقور: هي أكثر الروايات وأصحها ومعناه تكسبه لنفسه وقيل تكسبه غيرك وتعطيه إياه يقال كسبت مالا وكسبته غيرى، لازم ومتعد، وروى بضم أوله ومعناه تكسب غيرك المال المعدوم أي تعطيه فحذف أحد المفعولين، وقيل تعطى الناس مالا يجدونه عند غيرك من مكارم الأخلاق وقيل المعدوم الرجل العاجز سماه معدوما لكونه كالميت، وفى النهاية يقال كسبت مالا وكسبت زيدا وأكسبت زيدا مالا أي أعنته على كسبه أو جعلته يكسبه، فإن كان من الأول فتريد خديجة: إنك تصل إلى كل معدوم وتناله فلا يتعذر لبعده عليك وإن جعلته متعديا إلى اثنين فتريد أنك تعطى الناس الشئ المعدوم عندهم وتوصله إليهم وهذا أولى القولين لأنه أشبه بما قبله في باب التفضل والإنعام إذ لا إنعام في أن يكسب هو لنفسه ما كان معدوما عنده وإنما الإنعام أن يوليه غيره وباب الحظ والسعادة في الاكتساب غير باب التفضل والإنعام اه.
(قوله ورد على هوازن سباياها) وكانت ستة آلاف من الآدميين، وأما الإبل فكانت نحو أربعة وعشرين ألفا، والغنم كانت فوق أربعين ألفا، والورق فأربعة آلاف أوقية من الفضة (*)

(1/112)


وكانت ستة آلاف وأعطى العباس من الذهب ما لم يطق حمله وحمل إليه تسعون ألف درهم فوضعت على حصير ثم قام إليها فقسمها فما رد سائلا حتى فرغ منها وجاءه رجل فسأله فقال ما عندي شئ ولكن ابتع على فإذا جاءنا شئ قضيناه فقال له عمر ما كلفك الله مالا تقدر عليه فكره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقال رجل من الأنصار
يا رسول الله أنفق ولا تخش من ذى العرش إقلالا فتبسم صلى الله عليه وسلم وعرف البشر في وجهه وقال بهذا أمرت.
ذكره الترمذي.
وذكر عن معوذ بن عفراء قال أتيت النبي صلى الله عليه
__________
(قوله ولكن ابتع) هو بموحدة ثم تاء فوقية (قوله وذكر عن معوذ) قال المزى: هذا الحديث روى عن الربيع بنت معوذ بن عفراء، وأما معوذ فإنه استشهد يوم بدر، ولم يعرف له رواية.
وقوله وذكر: يعنى الترمذي ذكر في كتاب الشمائل عن الربيع بنت معوذ، قالت: بعثنى معاذ بن عفراء بقناع من رطب وعليه أجر من قثاء زغب، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب القثاء فأتيته بها وعنده خلية قدمت إليه من البحرين فملأ يدى منها فأعطانيه.
وفى رواية قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بقناع من رطب وعليه أجر زغب فأعطاني مل ء كفه حليا أو قالت ذهبا، والربيع بضم الراء وفتح الموحدة وتشديد المثناة التحتية المكسورة ومعوذ بضم الميم وفتح العين المهملة وكسر الواو المشددة.
وحكى ابن قرقول فتحها وذال معجمة وعفراء بفتح العين المهملة وسكون الفاء، والمد، والقناع بكسر القاف وتخفيف النون بعدها ألف وعين مهملة، وأجر بضم الهمزة وسكون الجيم بعدها راء جمع جرو، وفى الصحاح والجرو والجروة الصغير من القثاء، وفى الحديث أتى النبي صلى الله [ 8 - 1 ] (*)

(1/113)


وسلم بقناع من رطب يريد طبقا وأجر زغب يريد قثاء فأعطاني مل ء كفه حليا وذهبا، قال أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخر شيئا لغد.
والخبر بجوده صلى الله عليه وسلم كرمه كثير.
وعن أبى هريرة: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم يسأله فاستلف له رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف وسق فجاء الرجل يتقاضاه فأعطاه وسقا وقال (نصفه قضاء ونصفه نائل).
(فصل) وأما الشجاعة والنجدة: فالشجاعة فضيلة قوة الغضب وانقيادها للعقل، والنجدة ثقة النفس عند استرسالها إلى الموت حيث يحمد فعلها دون خوف، وكان صلى الله عليه وسلم منهما بالمكان الذى لا يجهل قد حضر المواقف الصعبة وفر الكماة والأبطال عنه غير مرة وهو ثابت لا يبرح ومقبل لا يدبر ولا يتزحزح، وما شجاع إلا وقد أحصيت له فرة وحفظت عنه جولة سواه.
حدثنا أبو علي
__________
عليه وسلم بأجر زغب، وكذلك جرو الحنظل والرمان انتهى وقال ابن قرقول أجرا جمع أجر وأجر جمع جرو.
والزغب بزاى مضمومة وغين معجمة ساكنة وباء موحدة التى عليها زغبها أي شئ يشبه الزغب وهو شعيرات صفر على ريش الفرخ، والقثاء بكسر القاف وضمها فالمثلثة فالمد (قوله نصف وسق) الوسق بكسر الواو وفتحها ستون صاعا (قوله ونصفه نائل) أي عطفا (قوله والنجدة) بفتح النون في اللغة الشجاعة وفى الحقيقة ما ذكره القاضى رحمه الله تعالى (قوله الكماة) بضم الكاف جمع كمى بفتحها وكسر الميم وتشديد الياء وهو الشجاع المتكمى في سلاحه أي المستتر فيه كأنه جمع كام كقاض وقضاة.
(*)

(1/114)


الجيانى فيما كتب لى حدثنا القاضى سراج حدثنا أبو محمد الأصيلي حدثنا أبو زيد الفقيه حدثنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا ابن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن أبى إسحاق سمع البراء وسأله رجل: أفررتم يوم حنين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر ثم قال لقد رأيته على بغلته البيضاء وأبو سفيان آخذ بلجامها والنبى صلى الله عليه وسلم يقول: أنا النبي لا كذب، وزاد غيره: أنا ابن عبد المطلب، قيل فما روى يومئذ أحد
كان أشد منه، وقال غيره نزل النبي صلى الله عليه وسلم عن بغلته، وذكر مسلم عن العباس قال فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته نحو الكفار وأنا آخذ بلجامها أكفها إرادة أن لا تسرع وأبو سفيان آخذ بركابه
__________
(قوله جولة) بفتح الجيم وسكون الواو أي نفور وزوال عن الموقف (قوله غندر) بغين معجمة مضمومة ونون ساكنة ودال مهملة بضم وبفتح (قوله على بغلته البيضاء) في مسلم أنه عليه السلام كان على بغلته التى أهداها له فروة بن نغائة وفى شرح مسلم أن اسمها الدلدل وأن العلماء لا تعرف له بغلة سواها انتهى.
وقال المحب الطبري الدلدل أهداها له المقوقس وذكر أنها كبرت وبقيت إلى زمان معاوية، وفى سيرة مغلطاى: كان له صلى الله عليه وسلم من البغال دلدل وفضة والتى أهداها له ابن العلماء والأبلية وبغلة أهداها له كسرى وأخرى من دومة الجندل وأخرى من عند النجاشي انتهى (قوله وأبو سفيان آخذ بلجامها) هو أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب واسمه مغيرة وقيل اسمه كنيته كان رضيع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان آلف الناس به قبل النبوة، أسلم يوم الفتح بطريق مكة بالأبواء، ومات بالمدينة سنة عشرين (*)

(1/115)


ثم نادى يا للمسلمين - الحديث - وقيل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غضب ولا يغضب إلا لله - لم يقم لغضبه شئ، وقال ابن عمر ما رأيت أشجع ولا أنجد ولا أجود ولا أرضى من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال على رضى الله عنه إنا كنا إذا حمى البأس ويروى اشتد البأس واحمرت الحدق اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه ولقد رأيتنى يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو كان من أشد الناس يومئذ بأسا
وقيل كان الشجاع هو الذى يقرب منه صلى الله عليه وسلم إذا دنا العدو لقربه منه، وعن أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس لقد فزع أهل المدينة ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا قد سبقهم إلى الصوت وقد استبرأ الخبر على فرس لأبى طلحة عرى والسيف في عنقه وهو يقول لن تراعوا، وقال عمران بن حصين ما لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتيبة إلا كان أول من يضرب ولما رآه أبى بن خلف يوم أحد وهو يقول أين محمد لا نجوت إن نجا وقد كان يقول للنبى صلى الله عليه وسلم حين افتدى يوم بدر عندي فرس أعلفها كل يوم فرقا من
__________
(قوله على فرس لأبى طلحة) هذا الفرس اسمه مندوب جاء ذلك في الصحيح (قوله حين افتدى) بالفاء أي أعطى الجزية (قوله عندي فرس) جاء في بعض الروايات أن اسمه العود بفتح العين المهملة وسكون الواو بعدها دال مهملة (قوله فرقا) (*)

(1/116)


ذرة أقتلك عليها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أنا أقتلك إن شاء الله فلما رآه يوم أحد شد أبى على فرسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعترضه رجال من المسلمين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هكذا أي خلوا طريقه وتناول الحربة من الحارث بن الصمة فانتفض بها انتفاضة تطايروا عنه تطاير الشعراء عن ظهر البعير إذا انتفض ثم استقبله النبي صلى الله عليه وسلم فطعنه في عنقه طعنة تدأدأ منها عن فرسه مرارا وقيل بل كسر ضلعا من أضلاعه فرجع إلى قريش يقول قتلني محمد وهم يقولون لا بأس عليك فقال لو كان ما بى بجميع الناس لقتلهم
__________
بفتح الفاء والراء ويجوز إسكانها قال ابن الأثير في النهاية: الفرق بالتحريك يسع ستة عشر رطلا وهى اثنا عشر مدا أو ثلاثة آصع عند أهل الحجار وأما الفرق بالسكون فمائة
وعشرين رطلا (قوله تطائر الشعراء) بفتح الشين المعجمة وسكون العين المهملة بعدها راء وهمزة ممدودة قال صاحب الصحاح والشعراء ذبابة يقال هي التى لها إبرة وقال الهروي وفى الحديث تطاير الناس عنه تطاير الشعر عن البعير قال الصبيبى الشعر جمع شعراء وهى ذباب حمر يقع على الإبل والحمير فتؤذيهما، وفى النهاية أنه صلى الله عليه وسلم لما أراد قتل أبى ابن خلف تطاير الناس عنه تطاير الشعر عن البعير: الشعر بضم الشين وسكون العين جمع شعراء وهو ذباب حمروقيل روق يقع على الإبل والحمير فتؤذيهما إيذاء شديدا وقيل هو ذباب كثير الشعر وفى رواية أن كعب بن مالك ناوله الحرية فلما أخذها انتفض بها انتفاضة تطايرنا عنها تطاير الشعر يرى مثل الشعر وقياس واحده شعرور وقيل هي ما تجتمع على دبرة البعير من الذباب فإذا هيجت تطايرت عنها (قوله تدأدأ) بفتح المثناة الفوقية والدال المهملة بعدها همزة ساكنة ثم دال أخرى ثم همزة أي تدحرج (قوله ضلعا) بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام وقد تسكن (*)

(1/117)


أليس قد قال أنا أقتلك والله لو بصق على لقتلني فمات بسرف في قولهم إلى مكة.
(فصل) وأما الحياء والإغضاء: فالحياء رقة تعترى وجه الإنسان عند فعل ما يتوقع كراهيته أو ما يكون تركه خيرا من فعله والإغضاء التغافل عما يكره الإنسان بطبيعته وكان النبي صلى الله عليه وسلم أشد الناس حياء وأكثرهم عن العورات إغضاء قال الله تعالى (إن ذلكم كان يؤذى النبي فيستحيى منكم) الآية * حدثنا أبو محمد بن عتاب بقراءتي عليه حدثنا أبو القاسم حاتم بن محمد حدثنا أبو الحسن القابسى حدثنا أبو زيد المروزى حدثنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا عبدان حدثنا عبد الله أخبرنا شعبة عن قتادة سمعت عبد الله مولى أنس يحدث عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خذرها، وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه وكان صلى الله عليه وسلم لطيف البشرة رقيق الظاهر لا يشافه أحدا بما يكرهه حياء وكرم نفس، وعن عائشة رضى الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن أحد ما يكرهه لم يقل ما بال
__________
(قوله بسرف) بفتح المهملة وكسر الراء بعدها فاء: اسم لموضع على ستة أميال من مكة وقيل سبعة وقيل تسعة (قوله في قفولهم) أي رجوعهم: قفل يقفل إذا عاد من سفره وقد يقال للسفر قفول في الذهاب والمجئ وأكثر ما يستعمل في الرجوع، كذا في النهاية وقال بعضهم إنما قيل للذاهبين قافلة تفاؤلا برجوعهم (قوله العذراء) بالعين المهملة والذال المعجمة والمد: البكر، والخذر بالخاء المعجمة والذال المعجمة: الستر.
(*)

(1/118)


فلان يقول كذا ولكن يقول ما بال أقوام يصنعون أو يقولون كذا ينهى عنه ولا يسمى فاعله.
وروى أنس أنه دخل عليه رجل به أثر صفرة فلم يقل له شيئا وكان لا يواجه أحدا بما يكره فلما خرج قال لو قلتم له يغسل هذا، ويروى ينزعها: قالت عائشة رضى الله عنها في الصحيح: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فحاشا ولا متفحشا ولا سخابا في الأسواق ولا يجزى بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح، وقد حكى مثل هذا الكلام عن التوراة من رواية ابن سلام وعبد الله بن عمرو بن العاص، وروى عنه أنه كان من حيائه لا يثبت بصره في وجه أحد وأنه كان يكنى عما اضطره الكلام إليه مما يكره، وعن عائشة رضى الله عنها ما رأيت فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قط.
(فصل) وأما حسن عشرته وأدبه وبسط خلقه صلى الله عليه وسلم مع أصناف الخلق فبحيث انتشرت به الأخبار الصحيحة قال على رضى الله عنه في وصفه عليه الصلاة والسلام: كان أوسع الناس صدرا وأصدق الناس لهجة والينهم عريكة وأكرمهم عشرة * حدثنا
أبو الحسن على بن مشرف الأنماطي فيما أجازنيه وقرأته على غيره قال حدثنا أبو إسحاق الحبال حدثنا أبو محمد بن النحاس حدثنا ابن الأعرابي
__________
(قوله فاحشا ولا متفحشا) قال الهروي وابن الأثير: الفاحش الذى في كلامه فحش والمتفحش الذى يتكلف ذلك ويتعمده (قوله لهجة) في الصحاح اللهجة: اللسان، وقد تحرك، يقال فلان فصيح اللهجة واللهجة (قوله عريكة) أي طبيعة.
(*)

(1/119)


حدثنا أبو داود حدثنا هشام بن مروان ومحمد بن المثنى قالا حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي سمعت يحيى بن أبى كثير يقول حدثنى محمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة عن قيس بن سعد قال زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر قصة في آخرها فلما أراد الانصراف قرب له سعد حمارا وطأ عليه بقطيفة فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال سعد يا قيس اصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قيس فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم اركب فأبيت فقال إما أن تركب وإما أن تنصرف فانصرفت وفى رواية أخرى اركب أمامى فصاحب الدابة أولى بمقدمها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤلفهم ولا ينفرهم ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوى عن أحد منهم بشره ولا خلقه، يتعهد أصحابه ويعطى كل جلسائه نصيبه، لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، من جالسه أو قاربه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول قد وسع الناس بسطه وخلقه فصار لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء، بهذا وصفه ابن أبى هالة، قال وكان دائم البشر سهل الخلق لين
الجانب ليس بفظ ولا غليظ ولا سحاب ولا فحاش ولا عياب ولا مداح يتغافل عما لا يشتهى ولا يؤيس منه، وقال الله تعالى (فبما رحمة
__________
(قوله ابن المثنى) بضم الميم وفتح المثلثة بعدها نون مشددة.
(*)

(1/120)


من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك) وقال تعالى (ادفع بالتى هي أحسن) الآية، وكان يجيب من دعاه ويقبل الهدية ولو كانت كراعا ويكافئ عليها.
قال أنس رضى الله عنه خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لى أف قط وما قال لشئ صنعته لم صنعته ولا لشئ تركته لم تركته، وعن عائشة رضى الله عنها ما كان أحد أحسن خلقا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما دعاه أحد من أصحابه ولا أهل بيته إلا قال لبيك، وقال جرير بن عبد الله ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم قط منذ أسلمت ولا رأني إلا تبسم وكان يمازح أصحابه ويخالطهم ويحادثهم ويداعب صبيانهم ويجلسهم في حجرة ويجيب دعوة الحر والعبد والأمة والمسكين ويعود المرضى في أقصى المدينة ويقبل عذر المعتذر، قال أنس ما التقم أحد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فينحى رأسه حتى يكون الرجل هو الذي ينحى
__________
(قوله ولو كانت كراعا) الكراع بضم الكاف وتخفيف الراء في الغنم والبقر بمنزلة الوطيف في الفرس والبعير، وهو مستدق الساق، يذكر ويؤنث، والجمع أكراع، ثم أكارع (قوله ويكافئ) بهمزة في آخره أي يجازى (قوله فما قال لى أف قط) يقال: أف له أي قذرا له وقيل احتقارا له وقيل استقلالا وفيه ست لغات حكاهن الأخفش وهى ضم الهمزة مع تثليث الفاء بلا تنوين وضمها مع تثلثيث الفاء بالتنوين وحكى المصنف وغيره زيادة على ذلك ضم الهمزة وسكون الفاء وكسر الهمزة وفتح الفاء وأفى وأفه بضم همزتيهما (قوله ما التقم أحد أذن النبي) أي ما حدثه أحد عند أذنه، استعار وضع اللقمة في الفم لوضع الفم عند الأذن.
(*)

(1/121)


رأسه وما أخذ أحد بيده فيرسل يده حتى يرسلها الآخذ ولم ير مقدما ركبتيه بين يدى جليس له وكان يبدأ من لقيه بالسلام ويبدأ أصحابه بالمصافحة لم ير قط مادا رجليه بين أصحابه حتى يضيق بهما على أحد، يكرم من يدخل عليه وربما بسط له ثوبه ويؤثره بالوسادة التى تحته ويعزم عليه في الجلوس عليها إن أبى ويكنى أصحابه ويدعوهم بأحب أسمائهم تكرمة لهم ولا يقطع على أحد حديثه حتى يتجوز فيقطعه بنهي أو قيام ويروى بانتهاء أو قيام وروى أنه كان لا يجلس إليه أحد وهو يصلى إلا خفف صلاته وسأله عن حاجته فإذا فرغ عاد إلى صلاته، وكان أكثر الناس تبسما وأطيبهم نفسا ما لم ينزل عليه قرآن أو يعظ أو يخطب، وقال عبد الله بن الحارث ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن أنس كان خدم المدينة يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الغداة بآنيتهم فيها الماء فما يؤتى بآنية إلا غمس يده فيها وربما كان ذلك في الغداة الباردة يريدون به التبرك.
(فصل) وأما الشفقة والرأفة والرحمة لجميع الخلق فقد قال الله تعالى فيه (عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم) وقال تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) قال بعضهم من فضله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى أعطاه اسمين من أسمائه فقال (بالمؤمنين رؤف رحيم) وحكى نحوه الإمام أبو بكر بن فورك حدثنا

(1/122)


الفقيه أبو محمد عبد الله بن محمد الخشنى بقراءتي عليه حدثنا إمام الحرمين أبو على الطبري حدثنا عبد الغافر الفارسى حدثنا أبو أحمد الجلودى
حدثنا إبراهيم بن سفيان حدثنا مسلم بن الحجاج حدثنا أبو الطاهر أنبأنا ابن وهب أنبأنا يونس عن ابن شهاب قال غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة وذكر حنينا قال فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوان بن أمية مائة من النعم ثم مائة ثم مائة قال ابن شهاب حدثنا سعيد ابن المسيب أن صفوان قال والله لقد أعطاني ما أعطاني وإنه لأبغض الخلق إلى فما زال يعطينى حتى إنه لأحب الخلق إلى.
وروى أن أعرابيا جاءه يطلب منه شيئا فأعطاه ثم قال احسنت إليك، قال الأعرابي لا ولا أجملت، فغضب المسلمون وقاموا إليه فأشار إليهم أن كفوا ثم قام ودخل منزله وأرسل إليه صلى الله عليه وسلم وزاده شيئا
__________
(قوله الخشنى) بضم الخاء وفتح الشين المعجمتين (قوله وذكر حنينا بضم الحاء المهملة وفتح النون اسم موضع بين الطائف ومكة - كذا في القاموس - وقال صاحب الصحاح: يذكر ويؤنث فان قصدت به البلد والموضع ذكرته وصرفته كقوله تعالى (ويوم حنين) وإن قصدت به البقعة والبلدة أنثته ولم تصرفه كما قال الشاعر: نصروا نبيهم وشدوا أزره * بحنين يوم تواكل الأبطال وفى التعريف والأعلام: حنين اسم علم بموضع بأوطاس، سمى بحنين بن قانة بن مهلايل انتهى.
وكانت هذه الغزوة في شوال سنة ثمان من الهجرة (قوله ابن المسيب) هو بفتح المثناة التحتية عن العراقيين وهو المشهور، وبكسرها عن المدنيين قال ابن قرقول قال الصيد في وذكر لنا أن سعيدا كان يكره الفتح لياء من اسم أبيه وأما غير والد سعيد فتفتح الياء بلا خلاف.
(*)

(1/123)


ثم قال: آحسنت إليك قال: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إنك قلت ما قلت وفى نفس
أصحابي من ذلك شئ فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدى حتى يذهب ما في صدورهم عليك، قال: نعم.
فلما كان الغد أو العشى جاء فقال صلى الله عليه وسلم إن هذا الأعرابي قال ما قال فزدناه فزعم أنه رضى أكذلك ؟ قال: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مثلى ومثل هذا مثل رجل له ناقة شردت عليه فاتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفورا فناداهم صاحبها خلوا بينى وبين ناقتي فإنى أرفق بها منكم وأعلم فتوجه لها بين يديها فأخذ لها من قمام الأرض فردها حتى جاءت واستناخت وشد عليها رحلها واستوى عليها وإنى لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار) وروى عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا يبلغني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئا فإنى أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر) ومن شفقته على أمته صلى الله عليه وسلم تخفيفه وتسهيله عليهم.
وكراهته أشياء مخافة أن تفرض عليهم كقوله عليه الصلاة والسلام: لولا أن أشق على أمتى لأمرتهم بالسواك
__________
(قوله من قمام الأرض) بضم القاف وتخفيف الميم، في الصحاح: القمامة الكناسة والجمع قمام (قوله واستناخت) بنون قبل الألف وخاء معجمة بعدها، يقال أنخت الجمل فاستناخ: أي أبركته فبرك.
(*)

(1/124)


مع كل وضوء وخبر صلاة الليل ونهيهم عن الوصال، وكراهته دخول الكعبة لئلا تتعنت أمته، ورغبته لربه أن يجعل سبه ولعنه لهم رحمة بهم، وأنه كان يسمع بكاء الصبى فيتجوز في صلاته * ومن شفقته صلى الله عليه وسلم أن دعا ربه وعاهده فقال أيما رجل سببته أو لعنته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة وصلاة وطهورا وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة، ولما كذبه قومه أتاه جبريل عليه السلام فقال له إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد
أمر ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداه ملك الجبال وسلم عليه وقال مرنى بما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين قال النبي صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا، وروى ابن المنكدر أن جبريل عليه السلام قال للنبى صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى أمر السماء والأرض والجبال أن تطيعك فقال أؤخر عن أمتى لعل الله أن يتوب عليهم، قالت عائشة رضى الله عنها ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما، قال ابن مسعود رضى الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا،
__________
(قوله الأخشبين) بهمزة مفتوحة وخاء وشين معجمتين: جبلا مكة (قوله يتخولنا) بالخاء المعجمة، قال ابن الأثير أي يتعهدنا، وقال ابن الصلاح الصواب بالحاء المهملة أي يطلب الحال التى يبسطون فيها للموعظة وكان الأصمعى يرويه يتخوننا بالنون (*)

(1/125)


وعن عائشة أنها ركبت بعيرا وفيه صعوبة فجعلت تردده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليك بالرفق.
(فصل) وأما خلقه صلى الله عليه وسلم في الوفاء وحسن العهد وصلة الرحم فحدثنا القاضى أبو عامر محمد بن إسماعيل بقراءتي عليه قال حدثنا أبو بكر محمد بن محمد حدثنا أبو إسحق الحبال حدثنا أبو محمد بن النحاس حدثنا ابن الأعرابي حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن يحيى حدثنا محمد بن سنان حدثنا إبراهيم بن طهمان عن بديل عن عبد الكريم ابن عبد الله بن شقيق عن أبيه عن عبد الله عن أبى الحمساء قال بايعت النبي صلى الله عليه وسلم ببيع قبل أن يبعث وبقيت له
بقية فوعدته أن آتيه بها في مكانه فنسيت ثم ذكرت بعد ثلاث فجئت فإذا هو في مكانه فقال يا فتى لقد شققت على أنا ههنا منذ ثلاث أنتظرك * وعن أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى بهدية قال اذهبوا بها إلى بيت فلانة فإنها كانت صديقة لخديجة إنها كانت تحب خديجة، وعن عائشة رضى الله عنها قالت ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة لما كنت أسمعه يذكرها وإن كان ليذبح الشاة فيهديها
__________
والمعجمة أي يتعهدنا (قوله ابن طهمان) بفتح الطاء المهملة وسكون الهاء (قوله بديل) بضم الموحدة وفتح الدال وتسكين المثناة من تحت (قوله الحمساء) بحاء مهملة مفتوحة وميم ساكنة وسين مهملة وهمزة ممدودة، وفى بعض النسخ بالخاء المعجمة والنون وهو تصحيف، وفى بعضها عن أبى الحمساء وأبو الحمساء لا إسلام له ولا روايه (*)

(1/126)


إلى خلائلها واستأذنت عليه أختها فارتاح إليها، ودخلت عليه امرأة فهش لها وأحسن السؤال عنها فلما خرجت قال (إنها كانت تأتينا أيام خديجة وإن حسن العهد من الإيمان)، ووصفه بعضهم فقال كان يصل ذوى رحمه من غير أن يؤثرهم على من هو أفضل منهم.
وقال صلى الله عليه وسلم (إن آل بنى فلان ليسوا لى بأولياء، غير أن لهم رحما سأبلها ببلالها) * وقد صلى عليه الصلاة والسلام بأمامة ابنة ابنته زينب يحملها على عاتقه فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها، وعن أبى قتادة وفد وفد للنجاشي فقام النبي صلى الله عليه وسلم يخدمهم فقال له أصحابه نكفيك فقال (إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين وإنى أحب
__________
(قوله أختها) أي أخت خديجة، وهى هالة بنت خويلد، ذكرها في الصحابة ابن منده وأبو نعيم وهى أم أبى العاص بن الربيع بتشديد الراء المفتوحة وكسر الموحدة (قوله إن
آل بنى فلان) قال ابن قرقول المشهور أن آل أبى ليسوا بأوليائى بفتح الهمزة يعنى من أبى قال وبعده بياض في الأصول، كأنهم تركوا الاسم تورعا عن الفتنة، وعند ابن السكن أن آل أبى فلان كنى عنه بفلان انتهى، والمراد الحكم بن أبى العاص (قوله بلالها) البلال بكسر الموحدة، وقد تفتح قال في الصحاح كل ما يبل به الحلق من الماء واللبن فهو بلال، ومنه قولهم انصحوا الرحم ببلالها، أي صلوها بصلتها وندوها.
(قوله بأمامة) هي ابنة ابنته زينب من أبى العاص بن الربيع، تزوجها على رضى الله عنه بعد موت فاطمة بوصية فاطمة رضى الله عنها بذلك، وتزوجها بعد على المغيرة بن نوفل فماتت عنده، واسم أبى العاص بن الربيع لقيط وأمه هالة بنت خويلد أخت خديجة، أسر يوم بدر فمن عليه بلا فداء إكراما لرسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب زينب، وأسلم قبيل الفتح وحسن إسلامه، وأعاد له رسول الله صلى الله عليه وسلمن زينب بنكاح جديد، وقيل بالنكاح الأول.
(*)

(1/127)


أن أكافئهم) * ولما جئ بأخته من الرضاعة الشيماء في سبايا هوازن وتعرفت له بسط لها رداءه وقال لها إن أحببت أقمت عندي مكرمة محببة أو متعتك ورجعت إلى قومك، فاختارت قومها فمتعها، وقال أبو الطفيل رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا غلام إذ أقبلت امرأة حتى دنت منه فبسط لها رداءه فجلست عليه فقلت من هذه قالوا أمه التى أرضعته، وعن عمرو بن السائب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا يوما فأقبل أبوه من الرضاعة فوضع له بعض ثوبه فقعد
__________
(قوله أن أكافئهم) بهمزة بعد الفاء (قوله بأخته من الرضاعة الشيماء بشين معجمة مفتوحة ومثناة تحتية ساكنة وميم ومد.
قال المحب الطبري، ويقال لها الشماء بغير ياء، أبوها الحرث أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، أدرك الإسلام وأسلم
بمكة، والشيماء كانت تربى النبي صلى الله عليه وسلم مع أمها حليمة، أسلمت، وذكرها ابن الأثير في الصحابة واسمها جدامة بالجيم والدال المهملة بعدها ألف فميم، وقيل حذافة بالحاء المهملة والذال المعجمة بعدها ألف ففاء، وقيل خذامة بالخاء المعجمة المكسورة والذال المعجمة بعدها ألف وميم (قوله أبو الطفيل) بضم الطاء وفتح الفاء واسمه عامر بن واثلة بالمثلثة أدرك النبي صلى الله عليه وسلم صغيرا وهو آخر من مات من الصحابة (قوله قالوا أمه التى أرضعته) في الاستيعاب لابن عبد البر: روى زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار جاءت حليمة بنت عبد الله أم النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة يوم حنين فقام لها وبسط لها رداءه، وفى التجريد للذهبي يجوز أن يكون هذه ثويبة ورد بنقل مغلطاى عن ابن سعد أن ثويبة توفيت سنة سبع وبنقل السهيلي أنه عليه الصلاة والسلام لما فتح مكة سئل عن ثويبة وعن ابنها مسروخ فأخبر أنهما ماتا، وقال الحافظ الدمياطي لا نعرف لها صحبة ولا إسلاما ثم ذكر حديث بسط الرداء وقال هذه أخته الشيماء لا أمها حليمة وفى سيرة مغلطاى وصحح ابن حبان وغيره حديثا دل على إسلامهما (قوله عمرو بن السائب) هو ابن السائب بن راشد البصري مولى بنى زهرة، تابعي ذكره الحافظ (*)

(1/128)


عليه ثم أقبلت أمه فوضع لها شق ثوبه من جانبه الآخر فجلست عليه، ثم أقبل أخوه من الرضاعة فقام صلى الله عليه وسلم فأجلسه بين يديه.
وكان يبعث إلى ثويبة مولاة أبى لهب مرضعته بصلة وكسوة، فلما ماتت سأل: من بقى من قرابتها ؟ فقيل لا أحد، وفى حديث خديجة رضى الله عنها أنها قالت له صلى الله عليه وسلم: أبشر فو الله لا يحزنك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق.
(فصل) وأما تواضعه صلى الله عليه وسلم على علو منصبه ورفعة
__________
عبد الغنى المقدسي في إكماله فيمن اسمه عمرو ووهمه المزى، وقال اسمه عمر (قوله ثم أقبلت أمه) من الرضاع، الظاهر أنها حليمة.
قيل أرضعته صلى الله عليه وسلم ثمان نسوة: ثويبة وكان لها ابن فرضع يقال له مسروح وحليمة.
وخولة بنت المنذر ذكرها أبو الفتح اليعمرى عن أبى إسحاق.
وأم أيمن ذكرها أبو الفتح عن بعضهم والمعروف أنها من الحواضن.
وامرأة صعدية غير حليمة ذكرها ابن القيم في الهدى، وثلاث نسوة اسم كل واحدة منهن عاتكة نقله السهيلي عن بعضهم في قوله صلى الله عليه وسلم (أنا ابن العواتك من سليم) (قوله وكان يبعث إلى ثويبة) قال السهيلي: كان يبعث إليها من المدينة فلما افتتح مكة سأل عنها وعن ابنها مسروح فأخبر أنهما ماتا.
وثويبة بضم المثلثة وفتح الواو بعدها مثناة تحتية ساكنة فموحدة مولاة لأبى لهب عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم.
(قوله لا يحزنك) قال ابن قرقول في الحاء والزاء لا يحزنك الله أبدا كذا رواه معمر عن الزهري، ورواه عنه معقل ويونس من الخزى والفضيحة وهو أصوب انتهى.
وإذا روى بالحاء المهملة ففى المثناة التحتية الفتح والضم، لأنه يقال حزنه وأحزنه، وإذا روى بالمعجمة فليس فيها إلا الضم (قوله وتكسب المعدوم) تقدم بما فيه (قوله وتقري) بفتح المثناة وسكون القاف (9 - 1) (*)

(1/129)


رتبته فكان أشد الناس تواضعا وأعدمهم كبرا، وحسبك أنه خير بين أن يكون نبيا ملكا أو نبيا عبدا فاختار أن يكون نبيا عبدا، فقال له إسرافيل عند ذلك: فإن الله قد أعطاك بما تواضعت له أنك سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من تنشق الأرض عنه وأول شافع * حدثنا أبو الوليد بن العواد الفقيه رحمه الله بقراءتي عليه في منزله بقرطبة سنة سبع وخمسمائة قال: حدثنا أبو على الحافظ حدثنا أبو عمر
حدثنا ابن عبد المؤمن حدثنا ابن داسة حدثنا أبو داود حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة حدثنا عبد الله بن نمير عن مسعر عن أبى العنبس عن أبى العدبس عن أبى مرزوق عن أبى غالب عن أبى أمامة رضى الله عنه، قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(قوله وأقلهم كبرا) القلة هنا مراد بها النفى، لأنها تستعمل بمعناه، نحو: أقل رجل يقول ذلك: أي ما رجل يقوله، ولذلك لا يدخل نواسخ الابتداء على أقل كما لا يدخل على ما النافية، ومن استعمال القلة بمعنى النفى الحديث الذى رواه النسائي عن عبد الله بن أبى أوفى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الذكر ويقل اللغو، قال ابن الأثير في النهاية: أي لا يلغو شيئا، وهذه اللفظة قد تستعمل في نفى أصل الشئ كقوله تعالى (فقليلا ما يؤمنون) (قوله عن مسعر) بميم مكسورة وسين مهملة ساكنة وعين مهملة مفتوحة (قوله عن أبى العنبس) بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الموحدة وبعدها سين مهملة، اسمه الحرث بن عبيد بن كعب العدوى الكوفى (قوله العدبس) بفتح العين والذال المهملتين، وتشديد الموحدة، بعدها سين مهملة: هو تبيع، بضم المثناة الفوقية، وفتح الموحدة، وسكون المثناة التحتية بعدها عين مهملة، ذكره ابن ماكولا في الإكمال.
(*)

(1/130)


متوكئا على عصا فقمنا له فقال (لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضا) وقال (إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد) وكان صلى الله عليه وسلم يركب الحمار ويردف خلفه ويعود المساكين ويجالس الفقراء ويجيب دعوة العبد ويجلس بين أصحابه مختلطا بهم حيثما انتهى به المجلس جلس.
وفى حديث عمر عنه صلى الله عليه وسلم (لا تطرونى كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا
عبد فقولوا عبد الله ورسوله) وعن أنس رضى الله عنه أن امرأة كان في عقلها شئ جاءته فقالت: إن لى إليك حاجة، قال: اجلسي يا أم فلان في أي طرق المدينة شئت أجلس إليك حتى أقضى حاجتك، قال فجلست فجلس النبي صلى الله عليه وسلم إليها حتى فرغت من حاجتها.
قال أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركب الحمار ويجيب دعوة العبد وكان يوم بنى قريظة على حمار مخطوم بحبل من ليف عليه إكاف.
قال: وكان يدعى إلى خبز الشعير والإهالة السنخة فيجيب قال: وحج صلى الله عليه وسلم على رحل رث وعليه قطيفة ما تساوى
__________
(قوله لا تطرونى) الإطراء مجاوزة الحد في المدح والكذب فيه (قوله أن امرأة كان في عقلها شئ) قيل هي أم زفر ماشطة خديجة بنت خويلد (قوله عليه إكاف) هو بكسر الهمزة وضمها وبالواو بدلها: البرذعة، وقيل ما تشد فوق البرذعة من ورائها (قوله والإهالة السنخة) الإهالة بكسر الهمزة وتخفيف الهاء كل ما يؤدم به من الأدهان، والسنخة بفتح السين المهملة وكسر النون بعدها خاء معجمة المتغير الرائحة، يقال سنخ وزنخ (قوله وعليه قطيفة) القطيفة الكساء الذى له خمل (*)

(1/131)


أربعة دراهم فقال (اللهم إجعله حجا مبرورا لا رياء فيه ولا سمعة.
هذا وقد فتحت عليه الأرض وأهدى في حجته ذلك مائة بدنة ولما فتحت عليه مكة ودخلها بجيوش المسلمين طأطأ على رحله رأسه حتى كاد يمس قادمته تواضعا لله تعالى * ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم قوله (لا تفضلوني على يونس - بن متى - ولا تفضلوا بين الأنبياء ولا تخيرونى على موسى ونحن أحق بالشك من إبراهيم، ولو لبثت ما لبث يوسف في السجن لأجبت الداعي) وقال للذى قال له: يا خير البرية (ذاك إبراهيم)
وسيأتى الكلام على هذه الأحاديث بعد هذا إن شاء الله تعالى * وعن عائشة والحسن وأبى سعيد وغيرهم في صفته وبعضهم يزيد على بعض.
كان في بيته في مهنة أهله يفلى ثوبه ويحلب شاته ويرقع ثوبه ويخصف نعله ويخدم نفسه ويقم البيت ويعقل البعير ويعلف
__________
(قوله يونس بن متى) قال ابن الأثير متى أمه ولم يشهر نبى بأمه غير عيسى ويونس، فإن قيل قد ورد في الصحيح، لا تفضلوني على يونس بن متى، ونسبه إلى أبيه وهو يقتضى أن متى أبوه أجيب بأن متى مدرج في الحديث من كلام الصحابي لبيان يونس بما اشتهر به، لا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ولما كان ذلك موهما أن الصحابي سمع هذه النسبة من النبي صلى الله عليه وسلم دفع الصحابي ذلك بقوله: ونسبه إلى أبيه، أي لا كما فعلت أنا من نسبته إلى أمه (قوله في مهنة أهله) في الصحاح المهنة بالفتح الخدمة، وحكى أبو زيد والكسائي المهنة بالكسر، وأنكره الأصمعى انتهى.
وعن المزى: كسر الميم أحسن ليكون على وزن خدمة كما هو بمعناه (قوله يفلى ثوبه) قيل إنه عليه السلام، لم يقع عليه ذباب قط، ولم يكن القمل يؤذيه تعظيما له وتكريما (قوله ويخصف نعله) بالخاء المعجمة والصاد المهملة: أي يخرزها (قوله ويقم) بضم القاف: أي كنس (*)

(1/132)


ناضحة ويأكل مع الخادم ويعجن معها ويحمل بضاعته من السوق * وعن أنس رضى الله عنه إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت حتى تقضى حاجتها.
ودخل عليه رجل فأصابته من هيبته رعدة فقال له (هون عليك فإنى لسته بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد) وعن أبى هريرة رضى الله عنه دخلت السوق مع النبي صلى الله عليه وسلم فاشترى سراويل وقال للوزان (زن وأرجح) وذكر القصة، قال:فوثب إلى يد النبي صلى الله عليه وسلم يقبلها فجذب يده وقال (هذا تفعله الأعاجم بملوكها ولست بملك إنما أنا رجل منكم) ثم أخذ السراويل فذهبت لأحمله فقال (صاحب الشئ أحق بشيئه أن يحمله)
(فصل) وأما عدله صلى الله عليه وسلم وأمانته وعفته وصدق لهجته، فكان صلى الله عليه وسلم آمن الناس وأعدل الناس وأعف الناس أصدقهم لهجة منذ كان اعترف له بذلك محادوه وعداه وكان يسمى
__________
(قوله ناضحه الناضح بالضاد المعجمة والحاء المهملة: الجمل الذى يستقى عليه الماء (قوله سراويل) قالوا لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم لبس السروايل، ولكنه اشتراها ولم يلبسها، وفى الهدى لابن قيم الجوزية أنه لبسها.
قالوا وهو سبق قلم، واشتراها عليه السلام بأربعة دراهم، وفى الإحياء أنه اشتراها بثلاثة دراهم (قوله آمن) بمد الهمزة وفتح الميم (قوله محادوه) بالحاء والدال المشددة المهملتين.
أي: مخالفوه، ومنه قوله تعالى (ومن يحادد الله ورسوله) (قوله وعداه) بكسر العين المهملة والقصر أي أعداؤه (*)

(1/133)


قبل نبوته: الأمين، قال ابن اسحاق كان يسمى الأمين بما جمع الله فيه من الأخلاق الصالحة.
وقال تعالى (مطاع ثم أمين) أكثر المفسرين على أنه محمد صلى الله عليه وسلم، ولما اختلفت قريش وتحازبت عند بناء الكعبة فيمن يضع الحجر حكموا أول داخل عليهم فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم داخل وذلك قبل نبوته فقالوا: هذا محمد ؟ هذا الأمين قد رضينا به.
وعن الربيع بن خثيم: كان يتحاكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية قبل الإسلام.
وقال صلى الله عليه وسلم (والله إنى لأمين في السماء أمين في الأرض) حدثنا أبو على الصدفى الحافظ بقراءتي عليه حدثنا أبو الفضل
ابن خيرون حدثنا أبو يعلى بن زوج الحرة حدثنا أبو على السنجى حدثنا محمد بن محبوب المروزى حدثنا أبو عيسى الحافظ حدثنا أبو كريب حدثنا معاوية بن هشام عن سفيان عن أبى إسحاق عن ناجية بن كعب عن على رضى الله عنه، أن أبا جهل قال للنبى صلى الله عليه وسلم: إنا لا نكذبك ولكن نكذب بما جئت به، فأنزل الله تعالى (فإنهم لا يكذبونك) الآية وروى غيره.
لا نكذبك وما أنت فينا بمكذب.
وقيل إن الأخنس بن شريق
__________
(قوله وتحازبت) بالحاء المهملة والزاى، أي صارت أحزابا (قوله وعن الربيع بن خثيم) الربيع بفتح الراء وكسر الموحدة المخففة، وخثيم بضم الخاء المعجمة بعدها مثلثة مفتوحة (قوله أبو كريب) بضم الكاف وفتح الراء (قوله عن ناجية) بالنون والجيم المكسورة والمثناة التحتية المخففة (قوله أن الأخنس بن شريق) الأخنس بفتح الهمزة وسكون المعجمة، وشريق بفتح الشين المعجمة، وكسر الراء بعدها تحتية ساكنة فقاف (قوله يوم بدر) كان يوم الجمعة (*)

(1/134)


لقى أبا جهل يوم بدر فقال له: يا أبا الحكم ليس هنا غيرى وغيرك يسمع كلامنا، تخبرني عن محمد صادق هو أم كاذب ؟ فقال أبو جهل: والله إن محمدا لصادق وما كذب محمد قط.
وسأل هرقل عنه أبا سفيان فقال: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قال: لا، وقال النضر بن الحارث لقريش: قد كان محمد فيكم غلاما حدثا أرضاكم فيكم وأصدقكم حديثا وأعظمكم أمانة حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب وجاءكم بما جاءكم به قلتم ساحر، لا والله ما هو بساحر.
وفى الحديث عنه: ما لمست يده يد امرأة قط لا يملك رقها.
وفى حديث على في وصفه صلى الله عليه وسلم: أصدق الناس لهجة، وقال في الصحيح (ويحك فمن يعدل إن
لم أعدل ؟ خبت وخسرت إن لم أعدل، قالت عائشة رضى الله عنها: ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما
__________
صبيحة تسع عشرة من رمضان سنة اثنتين من الهجرة (قوله هرقل) بكسر الهاء وفتح الراء، في الصحاح هرقل ملك الروم على وزن دمشق، ويقال أيضا هرقل، على وزن خندق انتهى، يعنى أن هرقل علم لملك من الروم مخصوص، وهو الذى كان في زمانه عليه السلام، وأما لقب من ملك الروم فقيصر (قوله وقال النضر بن الحارث) النضر بالضاد المعجمة قتل كافرا صبرا بالصفراء بعد أن انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من وقعة بدر، ورثته أخته أو ابنته قتيلة على اختلاف القولين بالأبيات التى أولها: يا راكبا إن الأثيل مظنة * من صبح خامسة وأنت موفق قال الذهبي لم يذكر ابن الأثير شيئا يدل على إسلامها، وفى الاستيعاب قال الزبير: وسمعت بعض أهل العلم يغمز أبياتها، ويذكر أنها مصنوعة (*)

(1/135)


فإن كان إثما كان أبعد الناس منه (قال أبو العباس المبرد: قسم كسرى أيامه فقال يصلح يوم الريح للنوم ويوم الغيم للصيد ويوم المطر للشرب واللهو ويوم الشمس للحوائج.
قال ابن خالويه ما كان أعرفهم بسياسة دنياهم (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون) ولكن نبينا صلى الله عليه وسلم جزأ نهاره ثلاثة أجزاء: جزءا لله وجزءا لأهله وجزءا لنفسه، ثم جزأ جزأه بينه وبين الناس فكان يستعين بالخاصة على العامة ويقول (أبلغوا حاجة من لا يستطيع إبلاغى فإنه من أبلغ حاجة من لا يستطيع إبلاغها آمنه الله يوم الفزع الأكبر) وعن الحسن: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأخذ أحدا بقرف أحد ولا يصدق
أحدا على أحد، وذكر أبو جعفر الطبري عن على رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (ما هممت بشئ مما كان أهل الجاهلية يعملون به غير مرتين كل ذلك يحول الله بينى وبين ما أريد من ذلك، ثم ما هممت بسوء حتى أكرمنى الله برسالته، قلت ليلة لغلام كان يرعى معى: لو أبصرت لى غنمي حتى أدخل مكة فأسمر بها كما يسمر الشباب، فخرجت لذلك حتى جئت أول دار من مكة سمعت عزفا بالدفوف والمزامير لعرس
__________
(قوله كسرى) بكسر الكاف وفتحها لقب لكل من ملك الفرس (قوله بقرف) بفتح القاف وسكون الراء يقال قرفت الرجل أي عبته وهو يقرف بكذا: أي يرمى به ويتهم (قوله عزفا) بفتح العين المهملة سكون الزاى، أي لعبا بالمعازف، وهى الدفوف وغيرها مما يضرب به، وقيل كل لعب عزف.
(*)

(1/136)


بعضهم فجلست أنظر، فضرب على أذنى فنمت فما أيقظني إلا مس الشمس فرجعت ولم أقض شيئا، ثم عرانى مرة أخرى مثل ذلك ثم لم أهم بعد ذلك بسوء)
(فصل) وأما وقاره صلى الله عليه وسلم وصمته وتؤدته ومروؤته وحسن هديه فحدثنا أبو على الجيانى الحافظ إجازة وعارضت بكتابه قال: حدثنا أبو العباس الدلائى أخبرنا أبو ذر الهروي أخبرنا أبو عبد الله الوراق حدثنا اللؤلؤي حدثنا أبو داود حدثنا عبد الرحمن بن سلام حدثنا الحجاج بن محمد عن عبد الرحمن بن أبى الزناد عن عمر بن عبد العزيز ابن وهب سمعت خارجة بن زيد يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم أوقر الناس في مجلسه لا يكاد يخرج شيئا من أطرافه.
وروى أبو سعيد الخدرى: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في المجلس احتبى بيديه وكذلك كان أكثر جلوسه صلى الله عليه وسلم محتبيا.
وعن جابر بن سمرة: أنه تربع وربما جلس القرفصاء وهو
__________
(قوله ثم عرانى) بفتح العين المهملة وتخفيف الراء، أي: غشيني (قوله لم أهم).
بضم الهاء (قوله هديه) أي سيرته (قوله الدلائى * بكسر الدال المهملة وتخفيف اللام الممدودة وبعدها همزة وياء مشددة (قوله عبد الرحمن) بن سلام بتشديد اللام وهو جد عبد الرحمن، نسب إليه والد عبد الرحمن اسمه محمد (قوله عن عمر بن عبد العزيز) بن وهيب الأنصاري، هو مولى زيد بن ثابت (قوله خارجة بن زيد) ابن ثابت أحد الفقهاء السبعة، يروى عن أبيه وأسامة بن زيد، وهذا الحديث في مراسيل أبى داود (قوله القرفصاء) بضم القاف والفاء، قال ابن قرقول: يمد ويقصر ويقال (*)

(1/137)


في حديث قيلة.
وكان كثير السكوت لا يتكلم في غير حاجة، تعرض عمن نكلم بغير جميل، وكان ضحكه تبسما وكلامه فصلا لا فضول ولا تقصير، وكان ضحك أصحابه عنده التبسم توقيرا له واقتداء به.
مجلسه مجلس حلم وحياء وخير وأمانة لا ترفع فيه الأصوات ولا تؤبن فيه الحرم، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤسهم الطير.
وفي صفته: يخطو تكفؤا ويمشى هونا كأنما ينحط من صبب: وفى الحديث الآخر: إذا مشى مشى مجتمعا يعرف في مشيته أنه غير غرض ولا وكل أي
__________
بكسر القاف والفاء، وقال الفراء إذا ضممت مددت وإذا كسرت قصرت وفي الصحاح وهو أن يجلس الرجل على أليتيه ويلصق فخذيه ببطنه ويحتبى بيديه يضعهما على ساقيه كما يحتبى بالثوب تكون يداه مكان الثوب، عن أبى عبيد، وقال أبو المهدى هو أن يجلس على ركبتيه متكئا ويلصق بطنه بفخذيه ويتأبط كفيه وهى جلسة الأعراب انتهى (قوله قلية) بفتح القاف وسكون المثناة التحية، هي بنت محرمة العدوية وقيل العنبرية وهو
الصحيح (قوله وتؤبن) بمثناة فوقية مضمومة وهمزة ساكنة وموحدة مفتوحة مخففة، وفي الصحاح فلان يؤبن بكذا أي يذكر بقبيح، وفى ذكر مجلسه صلى الله عليه وسلم لا تؤبن فيه الحرم أي لا يذكر بسوء انتهى (قوله كأنما على رؤوسهم الطير) قال الهروي يعنى ليس فيهم طيش ولا خفة، لأن الطير لا يكاد يقع إلى على ساكن (قوله يكفى) قال ابن الأثير: يتكفى تكفيا أي تمايل إلى قدام هكذا روى غير مهموز والأصل الهمز ويرويه بعضهم مهموزا لأن مصدر يفعل من الصحيح الفعل.
كتقدم تقدما والهمز حرف صحيح، فأما إذا اعتل انكسرت عين المستقبل منه، نحو يحفى تحفيا فإذا خففت الهمزة التحق بالمعتل وصار تكفئا انتهى (قوله من صبب) أي منحدر (قوله غرض) بفتح الغين المعجمة وكسر الراء بعدها ضاد معجمة من الغرض بفتحتين وهو الضجر والملالة (قوله ولا وكل) بفتح الواو والكاف، أي: عاجز يكل أمره إلى غيره، ويتكل عليه.
(*)

(1/138)


غير ضجر ولا كسلان وقال عبد الله بن مسعود: إن أحسن الهدى هدى محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وعن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما: كان في كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ترتيل أو ترسيل.
قال ابن أبى هالة: كان سكوته على أربع: على الحلم والحذر والتقدير والتفكر: قالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث حديثا لو عده العاد أحصاه، وكان صلى الله عليه وسلم يحب الطيب والرائحة الحسنة ويستعملهما كثيرا ويحض عليهما ويقول (حبب إلى من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عينى في الصلاة، ومن مروءته صلى الله عليه وسلم نهيه عن النفخ في الطعام والشراب، والأمر بالأكل مما يلى، والأمر بالسواك وإنقاء البراجم والرواجب واستعمال خصال الفطرة.
(فصل) وأما زهده في الدنيا فقد تقدم من الأخبار أثناء هذه
__________
(قوله حبب من دنياكم) في بعض النسخ زيادة ثلاث وهى ليست في الحديث والحديث في النسائي ومستدرك الحاكم وفى الكشاف بعد ما ذكر الحديث بزيادة كلمة ثلاث وطوى ذكر الثلاث قال التفتازانى (يعنى أنا وقرة عينى في الصلاة) كلام مبتدا قصد به الإعراض عن ذكر الدنيا وما يجب فيها وليست عطفا على الطيب والنساء كما يسبق إلى الفهم لأنها ليست من الدنيا (قوله وإنقاء البراجم) الإنقاء بالنون والقاف التنظيف والبراجم بفتح الموحدة وتخفيف الراء بعدها ألف وجيم مكسورة وميم جمع برجمة بضم الموحدة والجيم وهى مفاصل الأصابع التى بين الأشاجع والرواجب، وهى رؤوس السلاميات من ظهر الكف إذا قبض القابض كفه نشرت وارتفعت، والرواجب: بكسر الجيم وبعدها موحدة جمع راجبة وهى مفاصل الأصابع التى تلى الأنامل، ثم تليها الأشاجع اللاتى تلين الكف، والسلاميات جمع سلامى وهى عظام الأصابع.
(*)

(1/139)


السيرة ما يكفى، وحسبك من تقلله منها وإعراضه عن زهرتها، وقد سيقت إليه بحذافيرها وترادفت عليه فتوحها إلى أن توفى صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودى في نفقة عياله وهو يدعو ويقول (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا) * حدثنا سفيان بن العاصى والحسين بن محمد الحافظ والقاضى أبو عبد الله التميمي قالوا: حدثنا أحمد ابن عمر قال: حدثنا أبو العباس الرازي قال: حدثنا أبو أحمد الجلودى حدثنا ابن سفيان حدثنا أبو الحسين مسلم بن الحجاج حدثنا أبو بكر ابن أبى شيبة حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضى الله عنها قالت: ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام تباعا من خبز حتى مضى لسبيله، وفى رواية أخرى من
خبز شعير يومين متواليين ولو شاء لأعطاه الله ما لا يخطر ببال، وفى رواية أخرى: ما شبع آل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز بر حتى لقى الله عز وجل، وقالت عائشة رضى الله عنها: ما ترك رسول الله
__________
(قوله بحذافيرها) حذافير الشئ أعاليه ونواحيه، ويقال أعطاه الدنيا بحذافيرها أي بأسرها جمع حذفار وحذفور (قوله رزق آل محمد قوتا) القوت بالضم ما يقوت بدن الإنسان من الطعام (قوله أبو معاوية) هو محمد بن خازم بالمعجمة والزاى الحافظ الضرير أحد الأعلام (قوله عن ابراهيم) هو ابن يزيد بن قيس بن الأسود بن عمرو ابن ربيعة النخعي الكوفى الفقيه الإمام (قوله تخصر) بكسر الصاد المهملة، أي يحدث، ويجوز ضمها أي تمر (*)

(1/140)


صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا، وفى حديث عمرو بن الحارث ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سلاحه وبغلته وأرضا جعلها صدقة، قالت عائشة رضى الله عنها ولقد مات وما في بيتى شئ يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لى وقال لى (إنى عرض على أن يجعل لى بطحاء مكة ذهبا فقلت لا يا رب أجوع يوما وأشبع يوما فأما اليوم الذى أجوع فيه فأتضرع إليك وأدعوك وأما اليوم الذى أشبع فيه فأحمدك وأثنى عليك) وفى حديث آخر إن جبريل نزل عليه فقال له: إن الله تعالى يقرئك السلام ويقول لك (أتحب أن أجعل هذه الجبال ذهبا وتكون معك حيثما كنت ؟) فأطرق ساعة ثم قال (يا جبريل إن الدنيا دار من لا دار له ومال من لا مال له قد يجمعها من لا عقل له) فقال له جبريل ثبتك الله يا محمد بالقول الثابت، وعن عائشة رضى الله عنها قالت: إن كنا آل محمد لنمكث شهرا ما نستوقد نارا إن هو إلا التمر والماء، وعن عبد الرحمن بن عوف هلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولم يشبع هو وأهل بيته من خبز الشعير، وعن عائشة وأبى أمامة وابن عباس نحوه قال ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(قوله وفى حديث عمرو بن الحارث) هو ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخو جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار المصطلقى الخزاعى، له ولأبيه صحبة (قوله إلا شطر شعير) قال الترمذي أي شئ من شعير، وقال ابن الأثير قيل نصف مكوك، وقيل نصف وسق، ويقال شطر وشطير، مثل نصف ونصيف انتهى، وتمام الحديث فأكلت منه حتى طال على فكلته ففنى وهو متفق عليه (قوله في رف) بالراء المفتوحة والفاء، وفى الصحاح الرف شبه الطاق (قوله وأبى أمامة) هو صدى بن عجلان الباهلى (*)

(1/141)


يبيت هو وأهله الليالى المتتابعة طاويا لا يجدون عشاء، وعن أنس رضى الله عنه قال: ما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خوان ولا في سكرجة ولا خبز له مرقق ولا رأى شاة سميطا قط، وعن عائشة رضى الله عنها: إنما كان فراشه صلى الله عليه وسلم الذى ينام عليه أدما حشوه ليف، وعن حفصة رضى الله عنها قالت: كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته مسحا نثنيه ثنتين فينام عليه فثنيناه له ليلة بأربع فلما أصبح قال: ما فرشتموا لى الليلة فذكرنا ذلك له فقال ردوه بحاله فإن وطأته منعتني الليلة صلاتي وكان ينام أحيانا على سرير مزمول بشريط حتى يؤثر في جنبه.
وعن عائشة رضى الله عنها قالت: لم يمتلى جوف النبي صلى الله عليه وسلم شبعا قط ولم يبث شكوى إلى أحد وكانت الفاقة
__________
(قوله على خوان) بكسر الخاء المعجمة وضمها قال ابن قرقول ويقال أيضا إخوان وهى المائدة (قوله ولا في سكرجة) قال ابن قرقول هي بضم السين والكاف والراء، وقال ابن مكى صوابه بفتح الراء وهى قصاع صغار يؤكل فيها وليست
بعربية، ومعنى ذلك أن العجم كانت تستعملها في الكواميخ وما أشبهها من الجوارشات على الموائد حول الأطعمة للتشهي والهضم، فأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأكل على هذه الصفة قط، وقال الداودى هي قصعة صغيرة مدهونة (قوله شاة سميطا) في الصحاح سمطت الجدى: أسمطه وأسمطه سمطا، إذا نظفته عن الشعر بالماء الحار لتشويه فهو سميط ومسموط (قوله مسحا) بكسر الميم وسكون السين وبالحاء المهملتين أي بلاسا (قوله مزمول بشريط) في الصحاح يقال زمل سريره وأزمله إذا زمل شريطا أو غيره فجعله ظهرا له، والشريط حبط يفتل منخوص (قوله شبعا) بكسر الشين المعجمة وفتح الموحدة نقيض الجوع والشبع، بسكون الموحدة اسم ما أشبعك من شئ (قوله ولم يبث) بفتح المثناة التحتية وضم الموحدة بعدها مثلثة.
(*)

(1/142)


أحب إليه من الغنى وإن كان ليظل جائعا ليلتوى طول ليلته من الجوع فلا يمنعه صيام يومه ولو شاء سأل ربه جميع كنور الأرض وثمارها ورغد عيشها ولقد كنت أبكى له رحمة مما أرى به وأمسح بيدى على بطنه مما به من الجوع وأقول نفسي لك الفداء لو تبلغت من الدنيا بما يقوتك فيقول (يا عائشة مالى وللدنيا ؟ إخوانى من أولى العزم من الرسل صبروا على ما هو أشد من هذا فمضوا على حالهم فقدموا على ربهم فأكرم مآبهم وأجزل ثوابهم فأجدني أستحيى إن ترفهت في معيشتي أن يقصر بى غدا دونهم وما من شئ هو أحب إلى من اللحوق بإخوانى وأخلائي، قالت فما أقام بعد إلا شهرا حتى توفى صلى الله عليه وسلم.
(فصل) وأما خوفه ربه وطاعته له وشدة عبادته فعلى قدر علمه بربه ولذلك قال فيما حدثا أبو محمد بن عتاب قراءة منى عليه قال حدثنا أبو القاسم الطرابلسي حدثنا أبو الحسن القابسى حدثنا أبو زيد
المروزى حدثنا أبو عبد الله الفربرى حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا يحيى ابن بكير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب
__________
(قوله عن الليث) هو ابن سعد، قال أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس في تاريخ مصر: الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفقيه يكنى أبا الحارث يقال إنه مولى بنى فهم، ثم لآل خالد بن ناشر بن طاعن الفهمى، ثم من بنى كنانة بن عمر بن القيس، وكان اسمه في ديوان مصر في موالى بنى كنانة من فهم وأهل بيته يقولون: نحن من الفرس من أهل أصبهان، قال ابن يونس وليس لما قالوه من ذلك عندنا صحة وأخرج ابن يونس من طريق عمرو بن أبى الظاهر بن السرح، قال: سمعت يحيى بن بكير يقول سعد والد (*)

(1/143)


أن أبا هريرة رضى الله عنه كان يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا)، زاد في روايتنا
__________
الليث كان من موالى قريش، ثم افترض في بنى فهم فنسب إليهم، وقال يعقوب ابن سفيان في تاريخه قال يحيى بن بكير سمعت شعيب بن الليث يقول: كان الليث يقول لنا قال لى بعض أهلى إنى ولدت سنة اثنين وتسعين، والذى أوقن أنى ولدت سنة أربع وتسعين، وقال أبو صالح كاتب الليث، سمعت الليث يقول: مات عمر بن عبد العزيز ولى سبع سنين، وكانت وفاة عمر سنة إحدى ومائة، وقال أبو نعيم في الحلية: أدرك الليث نيفا وخمسين رجلا من التابعين وأسند أبو نعيم عن محمد بن رمح قال: كان دخل الليث في كل سنة ثمانين ألف دينار ما أوجب الله عليه قط بزكاة ووصل ابن لهيعة لما احترقت داره بألف دينار وحج فأهدى إليه مالك طبقا فيه رطب فرد إليه على الطبق ألف دينار وأخرج أبو نعيم عن لؤلؤ خادم الرشيد قال جرى بين هارون الرشيد وبين بنت عمه زبيدة بنت جعفر كلام فقال هارون أنت طالق إن لم أكن من أهل الجنة، ثم ندم فجمع الفقهاء فاختلفوا ثم كتب إلى البلدان فاستحضر علماءها إليه، فلما اجتمعوا جلس
لهم فسألهم فاختلفوا وبقى شيخ لم يتكلم وكان في آخر المجلس، قال فسأله فقال إذا خلا أمير المؤمنين في مجلسه كلمته فصرفهم فقال: يدنينى أمير المؤمنين فأدناه فقال: أتكلم على الأمان فقال نعم، فأمر بإحضار مصحف، فأحضره، فقال: تصفحه يا أمير المؤمنين حتى تصل إلى سورة الرحمن فاقرأها ففعل، فلما انتهى إلى قوله تعالى: ولمن خاف مقام ربه جنتان، قال أمسك يا أمير المؤمنين، قل والله، قال فاشتد ذلك على هارون، فقال يا أمير المؤمنين الشرط أملك فقال والله حتى فرغا من اليمين، قال: قل إنى أخاف مقام ربى فقال ذلك، فقال يا أمير المؤمنين هي جنتان، وليس بجنة واحدة، قال فسمعت التصفيق والفرح من وراء الستر، فقال له الرشيد: أحسنت والله، وأمر له بالجوائز والخلع وأمر له بإقطاع ولا ينصرف أحد بمصر إلا بأمره وصرفه مكرما، قال خليفة بن حياط ومحمد بن سعد والبخاري وغير واحد، مات الليث سنة خمس وسبعين ومائة زاد ابن سعد يوم الجمعة لأربع عشرة بقيت من شعبان (قوله عن عقيل) بضم المهملة وفتح القاف: ابن خالد الأيلي (*)

(1/144)


عن أبى عيسى الترمذي رفعه إلى أبى ذر رضى الله عنه (إنى أرى مالا ترون وأسمع ما لا تسمعون أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله) لوددت أنى شجرة تعضد، روى هذا الكلام: وددت أنى شجرة تعضد، من قول أبى ذر نفسه وهو أصح وفى حديث المغيرة: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتفخت قدماه، وفى رواية: كان يصلى حتى ترم قدماه، فقيل له: أتكلف هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا.
ونحوه عن أبى
سلمة وأبى هريرة وقالت عائشة رضى الله عنها: كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسم ديمة، وأيكم يطيق.
وقالت: كان يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم * ونحوه عن ابن عباس وأم سلمة وأنس وقال: كنت لا تشاء أن تراه في الليل مصليا إلا رأيته مصليا
__________
(قوله أطت) بهمزة مفتوحة وطاء مهملة مشددة بعدها مثناة فوقية للتأنيث، قال ابن الأثير: الأطيط صوت الأقباب، وأطيط الإبل: أصواتها وحنينها، أي ما فيها من الملائكة قد أثقلها حتى أطت، وهذا مثل وإيذان بكثرة الملائكة وإن لم يكن ثم أطيط، وإنما هو كلامه للتقريب أريد به تعريف عظمة الله انتهى (قوله إلى الصعدات) أي الطرقات، جمع صعد بضمتين جمع صعيد، كطريق وطرق وطرقات، وقيل جمع صعدة كظلمة وهى فناء الباب وممر الناس بين يديه (قوله تجأرون) الجؤار: رفع الصوت (قوله أتكلف) أي أتتكلف فحذف إحدى التاءين (قوله وأم سلمة) اسمها هند على الصحيح، وقيل رملة بنت أبى أمية بن حذيفة.
(*)

(1/145)


ولا نائما إلا رأيته نائما.
وقال عوف بن مالك: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستاك ثم توضأ ثم قام يصلى، فقمت معه فبدأ فاستفتح البقرة، فلا يمر بآية رحمة إلا وقف فسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف فتعوذ، ثم ركع فمكث بقدر قيامه يقول: سبحان ذى الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، ثم سجد وقال مثل ذلك ثم قرأ آل عمران، ثم سورة سورة، يفعل مثل ذلك.
وعن حذيفة مثله وقال: سجد نحوا من قيامه، وجلس بين السجدتين نحوا منه وقام حتى قرأ البقرة وآل عمران والنساء والمائدة * وعن عائشة قالت: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بآية من القرآن ليلة.
وعن عبد الله بن الشخير:
أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى ولجوفه أزيز كأزيز المرجل.
قال ابن أبى هالة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان دائم الفكرة ليست له راحة.
وقال صلى الله عليه وسلم: (إنى لأستغفر الله في اليوم مائة مرة) وروى (سبعين مرة) * وعن على رضى الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سنته فقال (المعرفة رأس مالى والعقل أصل دينى والحب أساسى والشوق مركبي
__________
(قوله بآية من القرآن ليلة) هي قوله تعالى (إن تعذبهم فإنهم عبادك، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) (قوله ابن الشخير) بكسر الشين والخاء المعجمتين، صحابي نزل البصرة (قوله أزيز) بفتح الهمزة وبعدها زاى فمثناة تحتية ساكنة فزاى: أي صوت من البكاء، وقيل أن يجيش جوفه فيغلى بالبكاء كغليان المرجل، بكسر الميم وسكون الراء، وهو القدر.
وفى الصحاح الأزيز: صوت الرعد وغليان القدر (*)

(1/146)


وذكر الله أنيسى والثقة كنزى والحزن رفيقي والعلم سلاحي والصبر ردائي والرضاء غنيمتي والعجز فخري والزهد حرفتي واليقين قوتي والصدق شفيعي والطاعة حسبى والجهاد خلقي وقرة عينى في الصلاة) وفى حديث آخر: وثمرة فؤادى في ذكره وغمى لأجل أمتى.
وشوقي إلى ربى عز وجل.
(فصل) اعلم وفقنا الله وإياك أن صفات جميع الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم من كمال الخلق حسن الصورة وشرف النسب وحسن الخلق وجميع المحاسن هي هذه الصفة لأنها صفات الكمال والكمال والتمام البشرى والفضل الجميع لهم صلوات اللهم عليهم إذ رتبتهم أشرف الرتب ودرجاتهم أرفع الدرجات ولكن فضل الله بعضهم على بعض قال الله تعالى (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض) وقال (ولقد اخترناهم على علم على العالمين) وقد قال صلى الله عليه وسلم إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر ثم قال آخر الحديث على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم عليه السلام طوله ستون ذراعا في السماء وفى حديث أبى هريرة رأيت موسى فإذا
__________
(قوله والرضا غنيمتي) في الصحاح رضيت عنه رضى مقصور مصدر محض والاسم الرضاء ممدود عن الأخفش (قوله على خلق رجل واحد) روى بضم الخاء وفتحها (*)

(1/147)


هو رجل ضرب رجل أقنى كأنه من رجال شنوءة ورأيت عيسى فإذا هو رجل ربعة كثير خيلان الوجه أحمر كأنما خرج من ديماس وفى حديث آخر مبطن مثل السيف قال وأنا أشبه ولد إبراهيم به وقال في حديث آخر في صفة موسى كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال * وفى حديث آخر في صفة موسى كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال * وفى حديث أبى هريرة رضى الله عنه، عنه صلى الله عليه وسلم ما بعث الله تعالى من بعد لوط نبيا إلا في ذروة من قومه ويروى في ثروة أي كثرة ومنعة وحكى الترمذي عن قتادة ورواه الدارقطني من حديث قتادة عن أنس ما بعث الله تعالى نبيا إلا حسن الوجه حسن الصوت وكان نبيكم
__________
(قوله ضرب) بفتح المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة هو الجسم بين جسمين ليس بناحل ولا مطهم.
وقال الخليل هو القليل اللحم (قوله رجل) بفتح الراء وسكون الجيم أي منكسر الشعر قليلا ليس بسيطه ولا بجعده (قوله أقنى) بفتح الهمزة وسكون القاف القنا بفتح القاف والقصر طول الأنف ودقة أرنبته، ويقال رجل أقنى
وامرأة قنواء (قوله من رجال شنوءة) في الصحاح أزد شنوءة حى من اليمن والنسب إليهم شنائى قال ابن السكيت وربما قالوا شنوة بالتشديد غير مهموز (قوله ربعة) بفتح الراء وسكون الموحدة وفتحها قال ابن قرقول هو الرجل بين رجلين (قوله كثير خيلان الوجه) الخيلان بكسر المعجمة بعدها مثناة تحتية ساكنة الشامات (قوله من ديماس) قال الهروي: هو بفتح الدال وكسرها، وجاء في الحديث تفسيره بالحمام وقيل هو السرب وقيل الكن (قوله مبطن) بضم الميم وفتح الموحدة، قال الهروي المبطن الضامر البطن (قوله من أدم الرجال) بضم الهمزة وسكون الدال المهملة أي سمر الرجال قال ابن الأثير الأدمة في الإبل البياض مع سواد المقلتين، وفى الناس السمرة الشديدة واستدل بعضهم على كون موسى اسمر بقوله تعالى: (وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء) (*)

(1/148)


أحصنهم وجها وأحسنهم صوتا صلى الله عليه وسلم * وفى حديث هرقل وسألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب وكذلك الرسل تبعث في أنساب قومها وقال تعالى في أيوب (إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب) وقال تعالى (يا يحيى خذ الكتاب بقوة) إلى قوله (ويوم يبعث حيا) وقال (إن الله يبشرك بيحيى - إلى - الصالحين) وقال (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران) الآيتين وقال في نوح (إنه كان عبدا شكورا) وقال (إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح - إلى - الصالحين) وقال (إنى عبد الله آتانى الكتاب - إلى - مادمت حيا) وقال (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى) الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم: كان موسى رجلا حييا ستيرا ما يرى من جسده شئ استحياء الحديث وقال تعالى عنه (فوهب
لى ربى حكما) الآية وقال في وصف جماعة منهم (إنى لكم رسول أمين) وقال (إن خير من استأجرت القوى الأمين) وقال (فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل) وقال (ووهبنا له إسحق ويعقوب كلا هدينا) إلى قوله (فبهداهم اقتده) فوصفهم بأوصاف جمة من الصلاح والهدى والاجتباء والحكم والنبوة وقال (فبشرناه بغلام عليم - إلى - وحليم) وقال (ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم
__________
(قوله في أيوب) كان أيوب عليه السلام ببلاد حوران ققبره مشهور عندهم.
(قوله ستيرا) بكسر المهملة وتشديد المثناة الفوقية أي كثير الستر (*)

(1/149)


رسول كريم - إلى - أمين) وقال (ستجدني إن شاء الله من الصابرين) وقال في إسماعيل (إنه كان صادق الوعد) الآيتين وفى موسى (إنه كان مخلصا) وفى سليمان (نعم العبد إنه أواب) وقال (واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولى الأيدى والأبصار - إلى - الأخيار) وفى داود (إنه أواب) ثم قال (وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب) وقال عن يوسف (اجعلني على خزائن الأرض إنى حفيظ عليم) وفى موسى (ستجدني إن شاء الله صابرا) وقال تعالى عن شعيب (ستجدني إن شاء الله من الصحالين) وقال (ما أريد إن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت) وقال (ولوطا آتيناه حكما وعلما) وقال (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات) الآية قال سفيان هو الحزن الدائم في آى كثيرة ذكر فيها من خصالهم ومحاسن أخلاقهم الدالة على كمالهم وجاء من ذلك في الأحاديث كثير كقوله صلى الله عليه وسلم: إنما الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن اسحق بن إبراهيم نبى ابن نبى ابن نبى ابن نبى.
وفى حديث أنس وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم وروى أن سليمان كان مع ما أعطى من الملك لا يرفع بصره إلى السماء تخشعا وتواضعا لله تعالى وكان يطعم الناس لذائذ الأطعمة ويأكل خبز الشعير وأوحى إليه يا رأس العابدين وابن محجة الزاهدين وكانت العجوز تعترضه وهو على الريح في جنوده

(1/150)


فيأمر الريح فتقف فينظر في حاجتها ويمضى وقيل ليوسف مالك تجوع وأنت على خزائن الأرض قال أخاف أن أشبع فأنسى الجائع وروى أبو هريرة رضى الله عنه، عنه صلى الله عليه وسلم: خفف على داود القرآن فكان يأمر بدابته فتسرج فيقرأ القرآن قبل أن تسرج ولا يأكل إلا من عمل يده قال الله تعالى (وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر في السرد) وكان سأل ربه أن يرزقه عملا بيده يعنيه عن بيت المال وقال صلى الله عليه وسلم أحب الصلاة إلى الله صلاة داود وأحب الصيام إلى الله صيام داود وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ويصوم يوما ويفطر يوما وكان يلبس الصوف ويفترش الشعر ويأكل خبز الشعير بالملح والرماد ويمزج شرابه بالدموع ولم ير ضاحكا بعد الخطيئة ولا شاخصا ببصره إلى السماء حياء من ربه عز وجل ولم يزل باكيا حياته كلها وقيل بكى حتى نبته العشب من دموعه وحتى اتخذت الدموع في خده أخددا وقيل كان يخرج متنكرا يتعرف سيرته فيسمع الثناء عليه فيزداد تواضعا، وقيل لعيسى عليه السلام لو اتخذت حمارا قال أنا أكرم على الله تعالى من أن يشغلني بحمار وكان يلبس
الشعر ويأكل الشجر ولم يكن له بيت أينما أدركه النوم نام وكان أحب
__________
(قوله خفف على داود القرآن) أي الزبور لأنه مقروء (قوله أخدودا) هو في الأصل اسم للشق المستطيل في الأرض.
(*)

(1/151)


الأسامى إليه أن يقال له مسكين وقيل إن موسى عليه السلام لما ورد ماء مدين كانت ترى خضرة البقل في بطنه من الهزال وقال صلى الله عليه وسلم لقد كان الأنبياء قبلى يبتلى أحدهم بالفقر والقمل وكان أحب إليهم من العطاء إليكم وقال عيسى عليه السلام لخنزير لقيه (اذهب بسلام) فقيل له في ذلك فقال أكره أن أعود لساني المنطبق بسوء وقال مجاهد كان طعام يحيى العشب وكان يبكى من خشية الله حتى اتخذ الدمع مجرى في خده وكان يأكل مع الوحش لئلا يخالط الناس وحكى الطبري عن وهب أن موسى عليه السلام كان يستظل بعريش وكان يأكل في نقرة من حجر ويكرع فيها إذا أراد أن يشرب كما تكرع الدابة تواضعا لله بما أكرمه الله به من كلامه وأخبارهم في هذا كله مسطورة وصفاتهم في الكمال وجميل الأخلاق وحسن الصور والشمائل معروفة مشهورة فلا نطول بها ولا تلتفت إلى ما تجده في كتب بعض جهلة المؤرخين والمفسرين مما يخالف هذا.
(فصل) قد أتيناك أكرمك الله من ذكر الأخلاق الحميدة والفضائل المجيدة وخصال الكمال العديدة وأريناك صحتها له صلى الله عليه وسلم وجلبنا من الآثار ما فيه مقنع والأمر أوسع فمجال هذا
__________
(قوله بعريش) هو ما يستظل به (قوله كما تكرع الدابة) الكرع الشرب من الماء بالفم من غير أن يشرب بكف أو إناء وقال ابن دريد لا يكون الكرع إلا إذا خاض الماء بقدميه فشرب منه (قوله مقنع) بفتح الميم وسكون القاف وفتح النون في الصحاح المقنع بالفتح العدل من الشهود، ويقال فلان شاهد مقنع أي رضى يقنع به (*)

(1/152)


الباب في حقه صلى الله عليه وسلم ممتد ينقطع دون نفاده الأدلاء وبحر علم خصائصه زاخر لا تكدره الدلاء ولكنا أتينا فيه بالمعروف مما أكثره في الصحيح والمشهور من المصنفات واقتصرنا في ذلك بقل من كل وغيض من فيض ورأينا أن نختم هذه الفصول بذكر حديث الحسن عن ابن أبى هالة لجمعه من شمائله وأوصافه كثيرا وإدماجه جملة كافية من سيرة وفضائله ونصله بتنبيه لطيف على غريبه ومشكله حدثنا القاضى أبو على الحسين بن محمد الحافظ رحمه الله بقراءتي عليه سنة ثمان وخمسمائة قال حدثنا الإمام أبو القاسم عبد الله بن طاهر التميمي فيما قرأت عليه أخبركم الفقيه الأديب أبو بكر محمد بن عبد الله بن الحسن النيسابوري والشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد بن أحمد بن الحسن المحمدى والقاضى أبو على الحسن بن على بن جعفر الوخشى قالوا حدثنا أبو القاسم على ابن أحمد بن محمد بن الحسن الخزاعى أخبرنا أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاشى
__________
(قوله نفاده الأدلاء) النفاد بالنون المفتوحة والفاء والدال المهملة، يقال نفد الشئ بالكسر نفادا فنى والأدلاء بكسر الدال المهملة وتشديد اللام جمع أدلة وهى جمع دليل (قوله قل) بضم القاف وتشديد اللام، في الصحاح القل والمقلة مثل الذل والذلة، وفى الحديث الربا وإن كثر فهو إلى قل (قوله وغيض من فيض) الغيض بالغين والضاد المعجمتين، والفيض بالفاء والضاد المعجمة في الصحاح، ويقال غاض الكرام، أي قلوا وفاض اللئام أي كثروا، وقولهم أعطاه غيضا من فيض أي قليلا من كثير (قوله الوخشى) بواو مفتوحة وخاء ساكنة وشين معجمتين (قوله الشاشى) بمعجمتين (*)

(1/153)


أخبرنا أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الحافظ قال حدثنا سفيان بن وكيع
حدثنا جميع بن عمر بن عبد الرحمن العجلى إملاء من كتابه قال حدثنى رجل من بنى تميم من ولد أبى هالة زوج خديجة أم المؤمنين رضى الله عنها يكنى أبا عبد الله عن ابن لأبى هالة عن الحسن بن على ابن أبى طالب رضى الله عنه قال سألت خالي هند بن أبى هالة قال القاضى أبو على رحمه الله وقرأت على الشيخ أبى طاهر أحمد بن الحسن ابن أحمد بن خذادادا الكرجى الباقلانى قال وأجاز لنا الشيخ الأجل أبو الفضل أحمد بن الحسن ابن خيرون قالا حدثنا أبو على الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن الحسن ابن محمد بن شاذان بن حرب بن مهران الفارسى قراءة عليه فأقر به قال أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد الله بن الحسين بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب المعروف بابن أخى طاهر العلوى قال حدثنا
__________
(قوله جميع) بضم الجيم وفتح الميم وسكون المثناة التحتية بعدها عين مهملة (قوله خذاداد) الكرجى خذاداد بخاء فذال معجمتين فألف فمهملتين بينهما ألف أو معجمتين بينهما ألف ومعناه بالفارسية عطاء الله والكرجي بالكاف المتفوحة والجيم كذا ضبط في النسخ المعتبرة (قوله ابن شاذان) بشين وذال معجمتين (قوله ابن مهران) بكسر الميم (قوله واللفظ لهذا السند) بالنون أي الإسناد (قوله فخما مفخما) الفخم بفتح الفاء وسكون الخاء المعجمة العظيم والمفخم بضم الميم وفتح الفاء والخاء المعجمة وتشديدها المعظم (قوله المشذب) بميم مضمومة وشين وذال مفتوحتين معجمتين وباء موحدة (*)

(1/154)


اسماعيل بن محمد بن إسحاق بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب قال حدثنى على بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين
عن أخيه موسى بن جعفر عن جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن على عن على بن الحسين قال قال الحسن بن على واللفظ لهذا السند سألت خالي هند بن أبى هالة عن حلية رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان وصافا وأنا أرجو أن يصف لى منها شيئا أتعلق به قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخما مفخما يتلألأ وجهه تلأل ء القمر ليلة البدر أطول من المربوع وأنصر من المشذب عظيم الهامة رجل الشعر إن انفرقت عقيقته فرق وإلا فلا يحاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره أزهر اللون واسع الجبين أزج الحواجب سوابغ من غير قرن بينهما عرق يدره الغضب أقنى العرنين له نور يعلوه ويحسبه من لم يتأمله أشم كث اللحية أدعج سهل الخدين ضليع الفم
__________
(قوله وفر) قال المزى المعروف وفره بزيادة هاء مع تشديد الفاء، وفى الصحاح الوفرة الشعر إلى شحمة الأذن (قوله أزهر اللون) أخرج أبو حاتم عن عائشة رضى الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان أبيض اللون وأخرج أيضا عن على رضى الله عنه أنه كان أبيض مشربا بحمرة وفى حديث أنس رضى الله عنه أنه عليه السلام كان أسمر قال المحب الطبري ويرد هذا الأخير ما في الصحيح من حديث أنس أنه عليه السلام لم يكن بالأبيض ولا بالآدم (قوله ضليع الفم) الضليع بفتح الضاد الممعجمة وكسر (*)

(1/155)


أشنب مفلج الأسنان دقيق المسربة كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة معتدل الخلق بادنا متماسكا سواء البطن والصدر مشيخ الصدر بعيد ما بين المنكبين ضخم الكراديس أنور المتجرد موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجرى كالخط عارى الثديين ما سوى ذلك أشعر الذراعين والمنكبين وأعالى الصدر طويل الزندين رحب الراحة
شثن الكفين والقدمين سائل الأطراف أو قال سائن الأطراف وسائر الأطراف سبط العصب خمصان الأخمصين مسيح القدمين ينبو
__________
اللام بعدها مثناة تحتية وعين مهملة (قوله المسربة) بفتح الميم وسكون السين المهملة (قوله جيد دمية) الجيد بكسر الجيم وسكون المثناة التحتية بعدها دال مهملة العنق والدمية بضم الدال المهملة وسكون الميم بعدها مثناة تحتية الصورة من العاج (قوله مشيح) بضم الميم وكسر الشين المعجمة بعدها مثناة تحتية فحاء مهملة (قوله اللبه) بفتح اللام وتشديد الموحدة أي المنحر.
والجمع اللبات وكذلك اللبب وهو موضع القلادة من الصدر من كل شئ (قوله الزندين) بفتح الزاى (قوله شئن) بفتح الشين المعجمة وسكون المثلثة، قال ابن الأثير شئن الكفين والقدمين أي يميلان إلى الغلظ والقصر، وقيل هو الذى في أنامله غلط بلا قصر ويحمد ذلك في الرجال (قوله سبط العصب) بالعين والصاد المهملتين، كذا في الأصول، قال ابن القطاع الجسم سبط بسكون الباء والشعر سبط بكسرها وللفاراني معناه وفى الصحاح العصب والأعصاب أطناب المفاصل وقال ابن الأثير في صفته عليه السلام سبط العصب والسبط بسكون الباء وكسرها المتد الذى ليس فيه تعقد ولا نتو، والعصب يريد بها ساعديه وساقيه، وقال الهروي في قصب بالقاف والصاد المهملة والباء الموحدة، وفى صفته عليه السلام سبط القصب، قال وكل عظم عريض لوح وكل أجوف فيه مخ قصب وجمعها قضب انتهى (قوله خمصان) بضم الخاء المعجمة (قوله مسيح بفتح) (*)

(1/156)


عنهما الماء إذا زال زال تقلعا ويخطو تكفؤا ويمشى هونا ذريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من صبب وإذا التفت التفت جميعا خافض الطرف نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء جل نظره الملاحظة يسوق أصحابه ويبدأ من لقيه بالسلام قلت صف لى منطقه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان دائم الفكرة
ليست له راحة ولا يتكلم في غير حاجة طويل السكوت يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه ويتكلم بجوامع الكلم فضلا لا فضول فيه ولا تقصير دمثا ليس بالجنا في ولا المهين يعضم النعمة وإن دقت لا يذم شئيا لم يكن يذم ذواقا ولا يمدحه ولا يقام لغضبه إذا تعرض
__________
الميم وكسر السين المهملة بعدها مثناة تحتية وحاء مهملة (قوله متواصل الأحزان) قال ابن قيم الجوزية حديث هند بن أبى هالة في صفته عليه السلام أنه كان متواصل الأحزان لا يثبت وفي أسناد من لا يعرف وكيف يكون متواصل الأحزان، وقد صانه الله تعالى عن الحزن في الدنيا وأسبابها ونهاه عن الحزن على الكفار وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فمن أين يأتيه الحزن بل كان عليه السلام دائم البشر ضحوك السن استعاذ من الهم والحزن.
والفرق بينهما أن المكروه الذى يرد على القلب إن كان لما يستقبل فهوا لهم، وإن كان لما مضى فهو الحزن: وقال أبو العباس بن تيمية ليس المراد بالحزن، في حديث هند بن أبي هالة الألم على فوت مطلوب أو حصول مكره، فإن ذلك منهى عنه، ولم يكن من حاله وإنما المراد به الاهتمام والتيقظ، ولما يستقبله من الأمور (قوله فصلا) بفتح الفاء وسكون الصاد المهملة (قوله دمثا) بفتح الدال المهملة وكسر الميم وبالمثلثة من الدماثة وهى سهولة الخلق (قوله ولا المهين) بفتح الميم وضمها قال ابن الأثير، فالضم من الإهانة، أي لا يهين أحدا من الناس والفتح من (*)

(1/157)


للحق بشئ حتى ينتصر له ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها إذا أشار أشار بكفه كلها وإذا تعجب قلبها وإذا تحدث اتصل بها فضرب بإبهامه اليمنى راحته اليسرى وإذا غضب أعرض وأشاح وإذا فرح غض طرفه جل ضحكه التبسم ويفتر عن مثل حب الغمام قال الحسن فكتمتها عن الحسين بن على زمانا ثم حدثته فوجدته قد سبقني
إليه فسأل أباه عن مدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومخرجه ومجلسه وشكله فلم يدع منه شيئا قال الحسين سألت أبى عن دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذلك فكان إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء جزءا لله وجزئا لأهله وجزءا لنفسه ثم جزأ جزأه بينه وبين الناس فيرد ذلك على العامة بالخاصة ولا يدخر عنهم شيئا فكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه وقسمته على قدر فضلهم في الدين منهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين ومنهم ذو الحوائج فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما
__________
المهانة أي الحقارة (قوله وأشاح) بالشين المعجمة والحاء المهملة (قوله إذا أشار أشار بكفه كلها) قال ابن الأثير أراد أن إشارته مختلفة فما كان منها في ذكر التوحيد والتشهد كان بالمسبحة وحدها وما كان في غير ذلك كان بكفه كلها ليكون بين الإشارتين فرق (قوله بفتر) في الصحاح افتر فلان ضاحكا أي أبدى أسنانه (قوله فيرد ذلك) على العامة بالخاصة قال ابن الأثير أراد أن العامة كانت لا تصل إليه في هذا الوقت فكانت الخاصة تخبر العامة بما سمعت منه، فكأنه أوصل الفوائد إلى العامة بالخاصة وقيل إن الباء بمعنى عن أي يجعل وقت العامة بعد وقت الخاصة وبدلا منهم (*)

(1/158)


يصلحهم والأمة من مسألته عنهم وأخبارهم بالذى ينبغى لهم ويقول ليبلغ الشاهد منكم الغائب وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغى حاجته فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثبت الله قدميه يوم القيامة لا يذكر عنده إلا ذلك ولا يقبل من أحد غيره قال في حديث سفيان بن وكيع: يدخلون روادا ولا يتفرقون إلا عن ذواق ويخرجون أدلة يعنى فقهاء قلت فأخبرني عن مخرجه كيف كان يصنع فيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخزن لسانه إلا مما يعنيهم
ويؤلفهم ولا يفرقهم يكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوى عن أحد بشره وخلقه ويتفقد أصحابه ويسأل الناس عما في الناس ويحسن الحسن ويصوبه ويقبح القبيح ويوهنه معتدل الأمر غير مختلف لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا لكل حال عنده عتاد لا يقصر عن الحق ولا يجاوزه إلى غيره الذين يلونه من الناس خيارهم وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة وموازرة فسألته عن مجلسه عما كان يصنع فيه فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر ولا يوطن الأماكن وينهى عن إيطانها وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهى به المجلس ويأمر بذلك ويعطى كل جلسائه نصيبه
__________
(قوله يخزن) بسكون الخاء المعجمة وضم الزاى (قوله عتاد) بفتح العين المهملة وتخفيف المثناة الفوقية، وفى آخره دال مهملة.
(*)

(1/159)


حتى لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه من جالسه أو قاومه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه من سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول قد وسع الناس بسطه وخلقه فصار لهم أبا وصاروا عنده في الحق متقاربين متفاضلين فيه بالتقوى وفى الرواية الأخرى صاروا عنده في الحق سواء مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة لا ترفع فيه الأصوات ولا تؤبن فيه الحرم، ولا تنشى فلتاته وهذه الكلمة من غير الروايتين يتعاطفون بالتقوى متواضعين يوقرون فيه الكبير ويرحمون الصغير ويرفدون ذا الحاجة ويرحمون الغريب فسألته عن سيرته صلى الله عليه وسلم في جلسائه فقال كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مداح يتغافل عما لا يشتهى ولا يؤيس منه قد ترك نفسه من ثلاث: الرياء، والإكثار، وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدا، ولا يعيره ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤسهم الطير وإذا سكت تكلموا لا يتنازعون عنده الحديث من تكلم عنده انصتوا له حتى يفرغ، حديثهم حديث أولهم يضحك مما يضحكون منه ويتعجب مما يتعجبون منه ويصبر للغريب
__________
(قوله تنثى) بضم المثناة الفوقية وسكون النون بعدها مثلثة أي لا نشاع يقال نثوت الحديث أنثوة نثوا أي أشعته (قوله وترفدت) يقال رفده يرفده بكسر الفاء في المستقبل إذ أعطاه وأرفده إرفادا إذا أعانه (*)

(1/160)


على الجفوة في المنطق ويقول إذا رأيتم صاحب الحاجة يطلبها فأرفدوه ولا يطلب الثناء إلا من مكافئ ولا يقطع على أحد حديثه حتى يتجوزه فيقطعه بانتهاء أو قيام، هنا انتهى حديث سفيان بن وكيع، وزاد الآخر قلت كيف كان سكوته صلى الله عليه وسلم ؟ قال: كان سكوته على أربع: على الحلم، والحذر، والتقدير، والتفكر * فأما تقديره ففى تسوية النظير والاستماع بين الناس * وأما تفكره ففيما يبقى ويفنى وجمع له الحلم صلى الله عليه وسلم في الصبر فكان لا يغضبه شئ يسنفزه وجميع له في الحذر أربع: أخذه بالحسن ليقتدى به وتركه القبيح لينتهى عنه واجتهاد الرأى بما أصلح أمته والقيام لهم بما جمع لهم أمر الدنيا والآخرة.
انتهى الوصف بحمد الله وعونه.
(فصل في تفسير غريب هذا الحديث ومشكله) قوله المشذب أي البائن الطول في نحافة وهو مثل قوله في الحديث الآخر ليس بالطويل الممغط، والشعر الرجل الذى كأنه مشط فتكسر قليلا ليس بسبط ولا جعد، والعقيقة شعر الرأس أراد إن انفرقته من ذات نفسها فرقها وإلا تركها معقوصة ويروى عقيصته، وأزهر اللون نيره وقيل أزهر حسن ومنه زهرة الحياة الدنيا أي زينتها وهذا كما قال في الحديث
__________
(قوله يستفزه) بالفاء والزاى (قوله الممغط) قال الهروي قال أبو زيد يقال أمغط النهار أي امتد، ومغطت الحبل فانمغط وامغط، وقال أبو تراب في كتاب الاعتقاب ممغط وممعط بالمعجمة والمهملة انتهى (11 - 1) (*)

(1/161)


الآخر ليس بالأبيض الأمهق ولا بالآدم، والأمهق: هو الناصع البياض والآدم الأسمر اللون، ومثله في الحديث الآخر: أببض مشرب أي فيه حمرة، والحاجب الأزج المقوس الطويل الوافر الشعر، والأقنى: السائل الأنف المرتفع وسطه، والأشم: الطويل قصبة الأنف، والقرن: اتصال شعر الحاجبين، وضده البلج ووقع في حديث أم معبد وصفه بالقرن، والأدعج: الشديد سواد الحدقة.
وفى الحديث الآخر: أشكل العين، وأسجر العين، وهو الذى في بياضها حمرة، والضليع: الواسع والشنب: رونق الأسنان وماؤها، وقيل: رقتها وتحزيز فيها كما يوجد في أسنان الشباب، والفلج فرق بين الثنايا، ودقيق المسربة خيط الشعر الذى بين الصدر والسرة، بادن ذو لحم ومتماسك معتدل الخلق يمسك.
بعضه بعضا مثل قوله في الحديث الآخر لم يكن بالمطهم ولا بالمكلثم
أي ليس بمسترخى اللحم.
والمكلثم القصير الذقن، وسواء البطن والصدر أي مستويهما مشيح الصدر إن صحت هذه اللفظة فتكون من الإقبال وهو أحد معاني أشاح أي أنه كان بادى الصدر ولم يكن في صدره قعس وهو تطامن فيه وبه يتضح قوله قبل سواء البطن والصدر أي ليس بمتقاعس الصدر، ولا مفاض البطن، ولمل اللفظ مسيح: بالسين وفتح الميم بمعنى عريض كما وقع في الرواية الأخرى، وحكاه ابن دريد والكراديس رؤس العظام، وهو مثل قوله في الحديث الآخر جليل

(1/162)


المشاش والكتد والمشاش: رؤس المناكب، والكتد: مجتمع الكنفين وشثن الكفين والقدمين لحيمهما، والزندان: عظما الذراعين، وسائل الأطراف أي طويل الأصابع، وذكر ابن الأنباري أنه روى سائل الأطراف أو قال سائن بالنون قال وهما بمعنى تبدل اللام من النون إن صحت الرواية بها وأما على الرواية الأخرى وسائر الأطراف فإشارة إلى فخامة جوارحه كما وقعت مفصلة في الحديث ورحب الراحة أي واسعها وقيل كنى به عن سعة العطاء والجود، وخمصان الأخمصين أي متجا في أخمص القدم وهو الموضع الذى لا تناله الأرض من وسط القدم، ومسيح القدمين أي أملسهما ولهذا قال ينبو عنهما الماء وفى حديث أبى هريرة خلاف هذا قال فيه إذا وطئ بقدمه وطئ بكلها ليس له أخمص وهذا يوافق معنى قوله مسيح القدمين وبه قالوا سمى المسيح ابن مريم أي لم يكن له أخمص وقيل مسيح لا لحم عليهما وهذا أيضا يخالف قوله شئن القدمين والتقلع رفع الرجل بقوة، والتكفؤ: الميل إلى سنن الممشى وقصده، والهون: الرفق والوقار، والذريع: الواسع الخطو أي أن مشيه كان يرفع فيه رجليه بسرعة ويمد خطوه خلاف مشية المختال ويقصد سمته.
وكل ذلك برفق وتثبت دون عجلة كما قال كأنما ينحط من صبب، وقوله يفتتح الكلام ويختمه باشداقه أي لسعة فمه، والعرب تتمادح بهذا، وتذم بصغر الفم، وأشاح: مال وانقبض، وحب الغمام: البرد، وقوله: فيرد ذلك بالخاصة على العامة
__________
(قوله والكتد) قال أبو على: الفتح أفصح.
(*)

(1/163)


أي جعل من جزء نفسه ما يوصل الخاصة إليه فتوصل عنه للعامة، وقيل يجعل منه للخاصة ثم يبدلها في جزء آخر بالعامة: ويدخلون روادا أي محتاجين إليه وطالبين لما عنده ولا ينصرفون إلا عن ذواق، قيل: عن علم يتعلمونه: ويشبه أن يكون على ظاهره أي في الغالب والأكثر، والعتاد العدة والشئ الحاضر المعد، والموازرة المعاونة وقوله لا يوطن الأماكن أي لا يتخذ لمصلاه موضعا معلوما، وقد ورد نهيه عن هذا مفسرا في غير هذا الحديث، وصابره أي حبس نفسه على ما يريد صاحبه ولا نؤبن فيه الحرم أي لا يذكرن فيه بسوء ولا تنثى فلتاته أي لا يتحدث بها أي لم تكن فيه فلتة وإن كانت من أحد سترت، ويرفدون: يعينون، والسخاب: الكثير الصياح، وقوله ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ، قيل مقتصد في ثنائه ومدحه، وقيل إلا من مسلم، وقيل: إلا من مكافئ على يد سبقت من النبي صلى الله عليه وسلم له، ويستفزه: يستخفه، وفى حديث آخر في وصفه صلى الله عليه وسلم منهوس العقب أي قليل لحمها، وأهدب الأشفار: أي طويل شعرها
__________
(قوله ولا يقبل الثناء) بتقديم المثلثة على النون والمد يطلق في الخير ويقيد في الشر ومنه مروا بجنازة فأثنوا عليها شرا وأما النثا بتقديم النون على المثلثة فمقصور ويستعمل
في الخير والشر جميعا (قوله وأهدب الأشفار) أهدب بسكون الهاء وفتح الدال المهملة بعدها موحدة، والأشفار بالشين المعجمة والفاء جمع شفر وهو حرف الجفن الذى ينبت عليه الشعر وهو الهدب.
(*)

(1/164)