ألفية
السيرة النبوية - نظم الدرر السنية الزكية ذكر أذى قريش لنبيّ الله وللمستضعفين
وأوذي النّبيّ ما لم يؤذا ... مَنْ قبلَهِ منَ النبيينَ، وَذَا
ممَّا يضاعفُ له الأجورا ... ولو يشاءُ دُمِّروا تَدْميرا
لكنهُمْ إذ أضمَروا الضَّغَائِنا ... ما مُكّنوا، فاستَضْعفوا مَنْ آمنا
عَمَّارًا الطيبَ أمَّه أَبَهْ «1» ... أمَّ بلالٍ «2» وبلالا عذّبَهْ
أميةٌ، ومنهُمُ جَاريةُ ... ومنهُمُ زِنْبَرَةُ الرُّومِيّةُ «3»
كذاكَ أمُّ عَنْبَسٍ «4» وابنتُهَا ... وابنُ فُهَيْرةٍ فذي سبعتها
__________
(1) في هامش (ب) : (أمه هي سمية بنت خباط مولاة أبي حذيفة بن المغيرة
المخزومي) .
(2) في هامش (ب) : (هي حمامة) .
(3) أمية: هو ابن خلف الجمحي. جارية: قيل: اسمها لبيبة، وهي جارية لبني
المؤمل بن حبيب بن تميم. زنبرة- بزاي فنون فباء موحدة-: كذا أثبتها المصنف،
وهي بوزن عنبرة، قال الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (4/ 305) : (كذا وقع في
«الإستيعاب» وتعقبه ابن فتحون) . ورجح الحافظ ابن حجر وغيره أنها بزاي فنون
مشددة مكسورتين فمثناة تحتية ساكنة، (زنّيرة) ، وكذا هي في (ب) ، وهي في
اللغة: الحصاة الصغيرة، وكان أبو جهل وعمر بن الخطاب- قبل إسلامه-
يعذبانها. وانظر «سبل الهدى والرشاد» (2/ 482) .
(4) أم عنبس: كذا بخط المصنف، قال المناوي في «العجالة» (ص 84) : (بفتح
فسكون بضبط الناظم) . وهي عند ابن هشام في «السيرة» (1/ 318) ، وابن سعد في
«الطبقات» (2/ 256) ، وابن حبيب في «المحبر» (ص 184) ، وابن عبد البر في
«الإستيعاب» (4/ 457) ، وابن الأثير في «أسد الغابة» (5/ 601) ، والفاسي في
«العقد الثمين» (8/ 344) وابن حجر في «الإصابة» (4/ 454) كلهم عبيس- تصغير
عبس-، قال الصالحي في «سبل الهدى والرشاد» (2/ 483) : (أم عنيس- بعين مهملة
مضمومة فنون فمثناة تحتية فسين مهملة- ويقال: عبيس بباء موحدة فمثناة
تحتية) والله أعلم.
(1/57)
ابتاعَها الصديقُ ثم أعتَقْ ... جَميعَهُمْ
لله، بَرَّ وصدق
__________
وفي (ب) : (أم عبيس) وأشار إلى صحتها، وفي هامشها: (والظاهر أن شيخنا نظمه
أم عنبس بنون بعد العين، ثم موحدة، ولكن هذا تصحيف فيما أعلم، ويحتمل أن
شيخنا وقف فيه على شيء، والله أعلم، وعلى ما قلته آنفا ينبغي أن يبدل النصف
الأول من البيت فيقول:
أم عبيس وكذاك ابنتها ...
وقد ذكرها ابن الأثير في «أسده» بعد أم عبيد وقبل أم عثمان، ولو كانت كما
قاله شيخنا.. لكانت بعد هذه المرتبة. وكأن الذي غر شيخنا [أن] جعلها ابن
عبد البر بعد أم عمرو، ولكن أبو عمر لم يرتب؛ لأنه جعل أم عمارة قبل أم
عثمان، وجعل أم عياش قبل أم عطاء، وقد جعل بعد أم عبيس أم عجرد) .
(1/58)
ذكرِ انشقاقِ القمرِ
وإذْ بَغَتْ «1» منهُ قريشٌ أن يري ... آيا، أراهُمُ انشقاقَ القَمَرِ
فصارَ فرقتينِ: فرقةٌ عَلَتْ ... وفرقةٌ للطودِ «2» منهُ نزلَتْ
وذاكَ مَرتينِ بالاجماعِ ... والنّصّ والتّواتر السّماعي «3»
زاد الّذين آمنوا إيمَانا ... ولأبي جَهْلٍ بهِ طُغْيانا
وقالَ: ذا سحرٌ، فجاءَ السفْرُ «4» ... كلٌّ بهِ مُصدّقٌ مُقِرُّ «5»
__________
(1) بغت: طلبت.
(2) الطود: الجبل.
(3) قال الحافظ في «فتح الباري» (7/ 183) : (ولا أعرف من جزم من علماء
الحديث بتعدد الانشقاق في زمنه صلى الله عليه وسلم، ولم يتعرض لذلك أحد من
شراح «الصحيحين» ، وتكلم ابن القيم على هذه الرواية فقال: المرات يراد بها
الأفعال تارة والأعيان أخرى، والأول أكثر، ومن الثاني: «انشق القمر مرتين»
، وقد خفي على بعض الناس فادعى أن انشقاق القمر مرتين، وهذا مما يعلم أهل
الحديث والسير أنه غلط، فإنه لم يقع إلا مرة واحدة، وقد قال العماد ابن
كثير: في الرواية التي فيها «مرتين» نظر، ولعل قائلها أراد فرقتين، قلت:
وهذا الذي لا يتجه غيره جمعا بين الروايات، ثم راجعت نظم شيخنا فوجدته
يحتمل التأويل، فيمكن أن يتعلق قوله «بالإجماع» بأصل الانشقاق لا بالتعدد،
مع أن في نقل الإجماع في نفس الانشقاق نظرا سيأتي بيانه) .
(4) السّفر: المسافرون.
(5) في هامش (أ) : (بلغ الشيخ شهاب الدين أحمد بن عثمان بن الكلوتاتي نفع
الله به قراءة عليّ والجماعة سماعا في المجلس الثاني. كتبه مؤلفه) .
(1/59)
ذكر الهجرتين إلى النّجاشيّ وحصر بني هاشم
في الشّعب
لمّا فشَا الإسلامُ، واشتَدَّ على ... مَنْ أسلمَ البَلاءُ.. هاجروا إلى
أَصْحَمَةٍ، في رجَبٍ مِنْ سنةِ ... خمسٍ مَضَتْ لهمْ مِنَ النبوةِ
خَمسٌ من النّساءِ، واثنَا عَشرَا ... مِنَ الرجالِ، كُلُّهُمْ قدْ هَاجَرا
«1»
عثمانُ معْ زوجتِهِ رُقَيَّهْ ... أسْبَقُهُمْ للهجرةِ المَرْضِيّهْ «2»
مُصعبُ، والزبيرُ، وابنُ عَوْفِ ... وحَاطبٌ، فأَمِنوا مِنْ خَوفِ
كذا ابنُ مظعونِ، ابنُ مسعودٍ، أبو ... سَلَمَةٍ، وزوجُهُ تُصَاحِبُ
أبو حُذَيْفةٍ أبوهُ عُتْبَةُ ... وزوجُهُ بنتُ سُهَيْلٍ سَهْلَةُ «3»
وابنُ عميرٍ هاشمٌ «4» ، وعامرُ ... ابنُ ربيعةَ الحَليفُ الناصرُ
__________
(1) في هامش (ب) : (وقيل: أحد عشر وامرأتان، وعن كتاب «الإقتصار على صحاح
الأخبار» : عشرة رجال وأربع نسوة، وأميرهم عثمان بن مظعون، وأنكر ذلك
الزهري فقال: لم يكن لهم أمير) .
(2) في هامش (ب) : (وقيل: إن أول من هاجر إلى أرض الحبشة حاطب بن عمرو بن
عبد شمس أخو سهيل بن عمرو، وقيل: سليط بن عمرو) .
(3) في هامش (ب) : (هي أم سلمة بنت أبي أمية حذيفة المخزومية رضي الله
عنها) .
(4) ابن عمير: هو منصور بن عمير بن هاشم، وقوله: (هاشم) بالرفع؛ أي: هاشم
أبوه، والحذف للضرورة كقول الشاعر:
أنساب سيّد الورى على الرّتب ... هو ابن عبد الله عبد المطّلب
(1/60)
وزوجُهُ ليلى، أبو سَبْرَةَ مَعْ ...
زوجتِهِ- أي: أمِّ كُلْثومٍ- جُمَعْ «1»
وَخَرَجَتْ قريشٌ في الآثارِ ... لم يصِلوا منهُمْ لأخْذِ الثَّارْ
فجاوَرُوهُ في أتمّ حالِ ... ثمَّ أتَوْا مَكةَ في شَوَّالِ
مِنْ عامِهِمْ، إذ قيلَ: أهلُ مكةِ ... قدْ أسلمُوا، ولمْ يكنْ بالثَّبَتِ
«2»
فاسْتَقبلُوهُمْ بالأذى والشدَّةِ ... فرجعوا للهجرة الثّانية
في مئة عَدُّ الرجالُ منهُمُ ... اثنانِ منْ بعدِ الثمانينَ هُمُ
فنزلَوا عندَ النجاشيِ على ... أتَمّ حالٍ، وتغيَّظَ المَلا
على النبيّ، وعلى أصحابِهِ ... وكتبَ البغيضُ في كتابِهِ
على بنِي هاشِمٍ الصحيفَهْ ... وعلّقت بالكعبة الشّريفه
أن لا يناكحوهم ولا ولا «3» ... وحُصِروا في الشّعبِ حتى أقبَلا
أوّل عام سبعة للبعث ... قاسموا به جَهْدًا بشَرّ مُكْثِ
وسُمعتْ أصواتُ صبيانِهِمُ ... فسَاءَ ذاكَ بعضَ أقوامِهِمُ
وأُطلعَ الرسولُ أن الأرَضَهْ ... أكلتِ الصحيفةَ المُبَغَّضهْ
ما كانَ مِن جَوْرٍ وظلمٍ ذَهَبَا ... وبَقِيَ الذكرُ كما قدْ كتبا
__________
(1) ليلى: هي بنت أبي حثمة بن غانم، وأبو سبرة: هو ابن أبي رهم العامري،
وامرأته: هي أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو. وفي تحديد أسماء المهاجرين إلى
الحبشة خلاف بين أهل السير، فانظرها في مظانها.
(2) قوله: (لم يكن بالثبت) أي: إسلام أهل مكة لم يثبت.
(3) قوله: (ولا ولا) أي: ولا ولا يبايعوهم ولا يخالطوهم.
(1/61)
فوجَدوا ذاكَ كمَا قالَ، وَقَدْ ...
شُلَّتْ يدُ البغيض «1» والله الصّمد «2»
فلبسوا السّلاح ثمّ أخرجوا ... مِنْ شَعبهِمْ، وكانَ ذاكَ المَخرجُ «3»
في عامِ عَشْرةٍ بغيرِ مَيْنِ ... وقيلَ: كانَ مُكثُهُمْ عامَينِ
__________
(1) في هامش (ب) : (البغيض: هو بغيض بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد
الدار بن قصي، وفي «سيرة ابن هشام» : أن كاتبها: منصور بن عكرمة، فشلت يده
فيما يزعمون. ويقال: إن كاتبها: هشام بن عمرو بن الحارث العامري، ذكره ابن
سيد الناس أيضا، فتحررت الأقوال في كاتبها ثلاثة أشخاص، والله أعلم، ولعل
الثلاثة كتب كل بعضا، فأطلق عليه أنه كتب، وهشام قد أسلم، وهو من المؤلفة،
وبغيض ومنصور الظاهر هلاكهما على الكفر، والله أعلم، لأني لم أر من ذكرهما
في الصحابة) .
(2) والله الصمد: قسم.
(3) في هامش (ب) : (ساق ابن سيد الناس في «سيرته» عن ابن شهاب، فذكر قصة
دخولهم في الشعب، وفيه: ولم تترك الأرضة في الصحيفة اسما لله عز وجل إلا
لحسته، وبقي ما كان فيها من شرك أو ظلم أو قطيعة رحم، ثم قال: وقال ابن
هشام: وذكر بعض أهل العلم أن رسول الله ص قال لأبي طالب: يا عم؛ إن ربي قد
سلط الأرضة على صحيفة قريش، فلم تدع فيها اسما لله إلا أثبتته فيها، ونفت
منها القطيعة والظلم والبهتان، وهذا الذي نظمه شيخنا وترك الأول والله
أعلم، فيحتمل أنهم كتبوا صحيفيتن، فعلقت الواحدة، والآخرى عندهم، فاتفق
لهذه كذا ولهذه كذا، والله أعلم) .
(1/62)
ذكر وفاة عمّه أبي طالب وزوجته خديجة بنت
خويلد (رضي الله عنها)
بعدَ خروجِهِمْ بِثُلْثَيْ عَامِ ... وثُلُثَيْ شَهرٍ ويوْمٍ طامي «1»
سيق أبو طالب للحمام ... ثمّ تلا ثلاثةَ الأيامِ
موتُ خديجةَ الرضَا فلم يَهُنْ ... على الرّسول فقد ذين وحزن
__________
(1) طامي: زائد.
(1/63)
ذكر وفد الجنّ
«1»
وبعدَ أنْ مَضَتْ له خَمْسونا ... وربعُ عامٍ جَاءَهُ يَسْعَونا
جِنُّ نَصِيْبِيْنَ لهُ، وكانَا ... يَقْرأُ في صلاته قرآنا
بنخلة «2» ، فاستمعوا، وأسلموا ... ورجعوا، فأنذروا قومهم «3»
__________
(1) في هامش (ب) : (وبعد موت أبي طالب وخديجة خرج عليه السلام إلى الطائف،
ولم ينظمه شيخنا، وقد جرى له معهم ما هو مذكور في السير، وفي رجوعه من
الطائف جاءه وفد الجن، والله أعلم) .
(2) نخلة: معروفة الآن بوادي اليمانية، على طريق السيل، قريب الزيمة،
وبجانبها نخلة الشامية، بينها وبين مكة المكرمة نحو (50) كيلومترا.
(3) في هامش (ب) : (كانوا سبعة- وقيل: تسعة- من جن نصيبين الجزيرة، وقد
ذكروا أسماء السبعة) .
(1/64)
ذكر قصة الإسراء
وبعدَ عَامٍ مَعَ نِصفٍ أُسْريا ... بهِ إلى السمَاءِ حتى حَظِيا
مِنْ مَكةَ الغرَّا إلى القُدْسِ على ... ظَهرِ البُراقِ راكبًا، ثمَّ عَلا
إلى السماءِ معَهُ جبريلُ ... فاستَفتَحَ البَابَ لهُ، يقولُ
مُجيبًا اذ قيلَ لَهُ: مَنْ ذا معَكْ؟ ... مُحمدٌ مَعِي فرحَّبَ المَلَكْ
ثمَّ تَلاقى معَ الأنبياءِ ... وكلُّ واحِدٍ لدى سَماءِ
ثمَّ علا لمستَوى قدْ سَمِعا ... صَريفَ الاقلامِ بما قدْ وَقَعَا
ثمَّ دنَا حتى رأى الإلها ... بعينِهِ مخاطبًا شِفَاها
أوحى لهُ سبحانَه ما أوحى ... فلا تَسَلْ عمَّا جرى تَصْريحا
وفَرضَ الصلاةَ خمسينَ على ... أمتِهِ حتَّى لخَمْسٍ نَزَلا
والأجرُ خمسونَ كما قدْ كَانا ... وزادَهُ مِنْ فضلِهِ إحْسانا
فصدَّقَ الصدّيقُ ذُو الوفاءِ ... وكَذَّبَ الكفَّارُ بالإسراءِ
وسأَلُوهُ عنْ صِفاتِ القُدْسِ ... رفعَهُ إليهِ روحُ القُدْسِ
جبريلُ، حتى حَقَّقَ الأوْصافَا ... لهُ، فمَا طَاقوا لهُ خِلافا
لكنَّهُمْ قدْ كذَّبوا وجَحَدُوا ... فأُهْلِكوا، وفي العذاب أخلدوا
(1/65)
ذكر عرض النّبيّ نفسه على القبائل وبيعة
الأنصار له صلّى الله عليه وسلّم
وَعَرَضَ النبيُّ نفسَهُ على ... قبيلةٍ قبيلةٍ ليَحْصُلا
إيواؤه مِنْ بعضِهِمْ؛ يبلِّغُ ... رسالةَ الله، فكلٌّ يَنْزَغُ
إليهِمُ الشَّيطانُ حتَّى يُعْرِضوا ... عَنْ قولِهِ، ويهزؤوا، ويَرْفُضوا
حتَّى أَتَاحَ الله للأنصارِ ... فاستَبَقُوا للخَيرِ باخْتيَارِ
فيُسْلِمُ الواحدُ منهُمْ، يُسْلِمُ ... بهِ جَميعُ أهلِهِ؛ فرُحِمُوا
لَقِيَ ستًّا او ثمانيًا لدَى ... عَقَبَةٍ دعاهُمُ إلى الهُدى
فآمنُوا بالله، ثمَّ رَجَعُوا ... لقومهِمْ يَدْعُونَهُمْ؛ فَسَمِعُوا
حتّى فَشَا الإسلامُ، ثمَّ قَدِمَا ... في قابِلٍ منهم وممَّنْ أسلَمَا
لبيعة ضعف الّذين سلفوا «1» ... كبيْعةِ النساءِ، ثم انصَرَفوا
ثمَّ أتى مِنْ قابِلٍ سَبْعونا «2» ... ونيفٌ، فبايَعُوا يُخْفونا
بَيْعَتَهُم ليلاً، ونِعْمَ البَيْعةُ ... جزاءُ مَنْ بَايَعَ فيهَا
الجَنَّةُ
__________
(1) في هامش (ب) : (يعني اثني عشر) .
(2) في هامش (ب) : (كانوا ثلاثة وسبعين رجلا وامرأتان: نسيبة بنت كعب أم
عمارة، وأسماء بنت عمرو أم منيع، ويقال: كانوا سبعين رجلا، وقال ابن سعد:
يزيدون رجلا أو رجلين، وقال الحاكم: خمسة وسبعون، وهذا موافق للقول الأول)
.
(1/66)
|