المصباح
المضي في كتاب النبي الأمي ورسله إلى ملوك الأرض من عربي وعجمي بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَهُوَ
حسبي وَنعم الْوَكِيل
الْقسم الثَّانِي فِي ذكر رسله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمرسل إِلَيْهِم
من الْمُلُوك وَغَيرهم يَدعُوهُم إِلَى الْإِسْلَام
روى مُحَمَّد بن سعد فِي الطَّبَقَات أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لما رَجَعَ من الْحُدَيْبِيَة فِي ذِي الْحجَّة سنة سِتّ أرسل
الرُّسُل إِلَى الْمُلُوك يَدعُوهُم إِلَى الْإِسْلَام وَكتب إِلَيْهِم
كتبا فَقيل يَا رَسُول الله إِن الْمُلُوك لَا يقرؤون كتابا إِلَّا
مَخْتُومًا فَاتخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ خَاتمًا
من فضَّة
(1/193)
فصه مِنْهُ ونقشه ثَلَاثَة أسطر مُحَمَّد
رَسُول الله وَختم بِهِ الْكتب فَخرج سِتَّة نفر فِي يَوْم وَاحِد وَذَلِكَ
فِي الْمحرم سنة سبع وَأصْبح كل رجل مِنْهُم يتَكَلَّم بِلِسَان الْقَوْم
الَّذين بعث إِلَيْهِم
وَكَانَ أَوَّلهمْ عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي رَضِي الله عَنْهُم
ذكرهم حسان فِي شعر لَهُ يَأْتِي فِي كتَابنَا هَذَا إِن شَاءَ الله
تَعَالَى ثمَّ أرسل غَيرهم كَمَا ستراه مُبينًا على الْحُرُوف إِن شَاءَ
الله تَعَالَى وَبِه الْحول وَالْقُوَّة وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد
وَآله وَسلم
1 - الْأَقْرَع بن عبد الله الْحِمْيَرِي
قَالَ ابْن عبد الْبر بَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ذِي
مران وَطَائِفَة من الْيمن
وَقَالَ سيف بن عمر التَّمِيمِي فِي كتاب الرِّدَّة لَهُ عَن ابْن عَبَّاس
رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَاتل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مُسَيْلمَة وَالْأسود وطليحة بالرسل وَلم يشْغلهُ مَا كَانَ فِيهِ من الوجع
عَن أَمر الله تَعَالَى فَبعث الْأَقْرَع بن عبد الله إِلَى ذِي زود سعيد
بن العاقب وعامر بن شهر وَذي
(1/194)
يناق شهر وعد آخَرين نذكرهم فِي بابهم إِن
شَاءَ الله تَعَالَى
2 - و 3 أبي وعنبسة
قَالَ مُحَمَّد بن سعد فَذكر أسانيده إِلَى ابْن عَبَّاس والْعَلَاء بن
الْحَضْرَمِيّ وَعَمْرو بن أُميَّة الضمرِي دخل حَدِيث بَعضهم فِي بعض
قَالُوا وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى سعد هذيم من
قضاعة وَإِلَى جذام كتابا وَاحِدًا يعلمهُمْ فِيهِ فَرَائض الصَّدَقَة
وَيَأْمُرهُمْ أَن يدفعوا الصَّدَقَة إِلَى رسوليه أبي وعنبسة أَو من
أَرْسلَاهُ
قَالَ وَلم ينسبا لنا هَكَذَا قَالَ ابْن سعد فِي الطَّبَقَات فَلَا
أَدْرِي أبي هَذَا هُوَ أبي بن كَعْب أَو غَيره وَذكر ابْن عبد الْبر فِي
بَاب أبي ثَلَاثَة نفر غير أبي بن كَعْب وَالله أعلم أَيهمْ هُوَ فَإِنَّهُ
لم يذكر فِي ترجمتهم شَيْئا يدل على أَنهم أرْسلُوا وَالله سُبْحَانَهُ
أعلم
4 - جرير بن عبد الله البَجلِيّ
قَالَ ابْن عبد الْبر جرير بن عبد الله بن جَابر هُوَ الشليل بن
(1/195)
مَالك بن نضر بن ثَعْلَبَة بن جشم بن عَوْف
بن خُزَيْمَة بن حَرْب بن عَليّ بن مَالك بن سعد ابْن نَذِير بن قسر بن
عبقر بن أَنْمَار بن إراش بن عَمْرو بن الْغَوْث البَجلِيّ
يكنى أَبَا عَمْرو وَقيل أَبَا عبد الله
وبجيلة أمّهم نسبوا إِلَيْهَا وَهِي بجيلة بنت صَعب بن عَليّ بن سعد
الْعَشِيرَة
كَانَ سيد قبيلته وَكَانَ إِسْلَامه فِي الْعَام الَّذِي توفّي فِيهِ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل مَوته بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا
وَرُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ مَا حجبني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مُنْذُ أسلمت وَلَا رَآنِي قطّ إِلَّا تَبَسم وَضحك
وَقَالَ فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين أقبل وافدا
(عَلَيْهِ يطلع عَلَيْكُم خير ذِي يمن كَأَن على وَجهه مسحة ملك) فطلع جرير
قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي المعارف كَانَ جرير يقل فِي ذرْوَة الْبَعِير من
طوله وَكَانَت نَعله ذِرَاعا
وَبَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ذِي كلاع وَذي رعين
بِالْيمن
وَقَالَ فِيهِ إِذا أَتَاكُم كريم قوم فأكرموه
وَفِيه قَالَ الشَّاعِر
(لَوْلَا جرير هَلَكت بجيلة ... نعم الْفَتى وبئست الْقَبِيلَة)
(1/196)
فَقَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ
مَا مدح من هجا قومه وَكَانَ عمر يَقُول جرير بن عبد الله يُوسُف هَذِه
الْأمة يَعْنِي فِي حسنه وَهُوَ الَّذِي قَالَ لعمر حِين وجد فِي مَجْلِسه
رَائِحَة من بعض جُلَسَائِهِ فَقَالَ عمر عزمت على صَاحب هَذِه الرَّائِحَة
إِلَّا قَامَ فَتَوَضَّأ
فَقَالَ جرير علينا كلنا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فاعزم قَالَ عَلَيْكُم
كلكُمْ عزمت ثمَّ قَالَ يَا جرير مَا زلت سيدا فِي الْجَاهِلِيَّة
وَالْإِسْلَام
وَرُوِيَ بِسَنَدِهِ عَن جرير قَالَ قَالَ لي رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم (أَلا تكفيني ذَا الخلصة) فَقلت يَا رَسُول الله إِنِّي رجل
لَا أثبت على الْخَيل فصك فِي صَدْرِي فَقَالَ اللَّهُمَّ ثبته واجعله
هاديا مهديا) فَخرجت فِي خمسين من قومِي فأتيناها وأحرقناها
وروينا فِي صَحِيح البُخَارِيّ رَحمَه الله عَن جرير بن عبد الله قَالَ
كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة بَيت يُقَال لَهُ ذُو الخلصة وَكَانَ يُقَال لَهُ
الْكَعْبَة اليمانية والكعبة الشامية فَقَالَ لي رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم (هَل أَنْت مريحي من ذِي الخلصة) قَالَ فنفرت إِلَيْهِ فِي
خمسين وَمِائَة فَارس من أحمس قَالَ فكسرنا وقتلنا من وجدنَا عِنْده
فأتيناه فَأَخْبَرنَاهُ فَدَعَا لنا ولأحمس
قَالَ القَاضِي أَبُو الْفضل عِيَاض رَحمَه الله تَعَالَى فِي مشارقه الحمس
بِضَم الْحَاء وَسُكُون الْمِيم وَآخره سين مُهْملَة فسره فِي مُسلم
قُرَيْش وَمَا ولدت من غَيرهَا وَقيل
(1/197)
قُرَيْش وَمن ولدت وأحلافها وَقَالَ
الْحَرْبِيّ سموا بذلك من أجل الْكَعْبَة لِأَنَّهَا حمساء فِي لَوْنهَا
وَهُوَ بَيَاض يضْرب إِلَى سَواد وهم أَهلهَا وَقيل سموا بذلك فِي
الْجَاهِلِيَّة لتحمسهم فِي دينهم أَي تشددهم والحماسة والتحمس الشدَّة
وَقيل لشجاعتهم
وَقَالَ الْجَوْهَرِي الأحمس الْمَكَان الصلب قَالَ العجاج
(وَكم قَطعنَا من قفاف حميس ... )
والأحمس أَيْضا الشَّديد الصلب فِي الدّين والقتال وَقد حمس بِالْكَسْرِ
فَهُوَ حمس وأحمس بَين الحمس والحماسة الشجَاعَة والأحمس الشجاع وَإِنَّمَا
سميت قُرَيْش وكنانة حمسا لتشددهم فِي دينهم لأَنهم كَانُوا لَا
يَسْتَظِلُّونَ أَيَّام منى وَلَا يدْخلُونَ الْبيُوت من أَبْوَابهَا وَلَا
يسلأون السّمن وَلَا يلقطون الجلة وعام أحمس شَدِيد وأرضون أحامس جدبة
والتحمس التشدد يُقَال تحمس الرجل إِذا تعاصى وحماس اسْم رجل وَقد تقدم
الْكَلَام على هَذِه اللَّفْظَة فِي الْكتاب أَيْضا
وروينا فِي البُخَارِيّ أَيْضا عَن جرير رَضِي الله عَنهُ قَالَ مَا حجبني
(1/198)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مُنْذُ أسلمت وَلَا رَآنِي إِلَّا ضحك وَلمُسلم وَلَا رَآنِي إِلَّا تَبَسم
فِي وَجْهي
قَالَ ابْن عبد الْبر وَبَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى
ذِي كلاع وَذي ظليم بِالْيمن
وَمِمَّا ذكر من فَصَاحَته وبلاغته قَالَ قدم جرير على عمر بن الْخطاب
رَضِي الله عَنهُ من عِنْد سعد بن أبي وَقاص فَقَالَ لَهُ كَيفَ تركت
سَعْدا فِي ولَايَته فَقَالَ تركته أكْرم النَّاس مقدرَة وَأَحْسَنهمْ
معذرة هُوَ لَهُم كالأم الْبرة يجمع لَهُم كَمَا تجمع الذّرة مَعَ أَنه
مَيْمُون الْأَثر مَرْزُوق الظفر أَشد النَّاس عِنْد الْبَأْس وَأحب
قُرَيْش إِلَى النَّاس قَالَ فَأَخْبرنِي عَن النَّاس قَالَ هم كسهام
الجعبة مِنْهَا الْقَائِم الرائش وَمِنْهَا العصل الطائش وَابْن أبي وَقاص
ثقافها يغمز عصلها وَيُقِيم ميلها وَالله أعلم بالسرائر يَا عمر قَالَ
أَخْبرنِي عَن إسْلَامهمْ قَالَ يُقِيمُونَ الصَّلَاة لأوقاتها وَيُؤْتونَ
الطَّاعَة ولاتها فَقَالَ
(1/199)
عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ الْحَمد
لله إِذا كَانَت الصَّلَاة أُوتيت الزَّكَاة وَإِذا كَانَت الطَّاعَة
كَانَت الْجَمَاعَة
وَجَرِير الْقَائِل الخرس خير من الخلابة والبكم خير من الْبذاء الخلابة
الخديعة وَالْبذَاء يُقَال بذيء اللِّسَان كثير الْعَيْب قَالَه ابْن فَارس
وَكَانَ جرير رَسُول عَليّ إِلَى مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنْهُم فحبسه
مُدَّة طَوِيلَة ثمَّ رده برق مطبوع غير مَكْتُوب وَبعث مَعَه من يُخبرهُ
بمنابذته لَهُ فِي خبر طَوِيل
روى عَنهُ بنوه عبيد الله وَالْمُنْذر وَإِبْرَاهِيم
نزل جرير الْكُوفَة وسكنها ثمَّ تحول إِلَى قرقيسياء وَمَات بهَا سنة أَربع
وَخمسين وَقيل غير ذَلِك
تَفْسِير غَرِيبه
قَالَ الْجَوْهَرِي فِي قَوْله مِنْهَا العصل الطائش يُقَال للرجل المعوج
السَّاق أعصل وشجرة عصلة عوجاء وسهام عصل معوجة والمعصل بِالتَّشْدِيدِ
السهْم الَّذِي يلتوي إِذا رمي بِهِ وَهُوَ المُرَاد هُنَا
(1/200)
قَوْله ثقافها بالثاء الْمُثَلَّثَة رُوِيَ
بِكَسْر الثَّاء وَفتحهَا مَعَ تَشْدِيد الْقَاف والمثاقفة والثقاف مَا
تسوى بِهِ الرماح وَمِنْه قَول عَمْرو بن كُلْثُوم
(إِذا عض الثقاف بهَا اشمأزت ... تشح قفا المثقف والجبينا) وتثقيفها
تسويتها وَهَذَا مثل ضربه يثنى بذلك على سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله عَنهُ
فِي إحكامه وَحسن سيرته مَعَ رَعيته إِذْ هُوَ من عُمَّال عمر
وَقَوله الخرس خير من الخلابة الخلابة الخديعة بِاللِّسَانِ تَقول مِنْهُ
خلبه يخلبه بِالضَّمِّ وَفِي الْمثل إِذا لم تغلب فاخلب أَي فاخدع وَرجل
خلاب وخلبوب أَي خداع كَذَّاب قَالَ الشَّاعِر
(وَشر الرِّجَال الغادر الخلبوب ... )
فالبرق الخلب الَّذِي لَا غيث فِيهِ كَأَنَّهُ خَادع وَكَذَلِكَ السَّحَاب
الَّذِي لَا مطر فِيهِ
قَوْله والبكم خير من الْبذاء قَالَ القَاضِي أَبُو الْفضل
(1/201)
عِيَاض رَحمَه الله هُوَ الْفُحْش فِي
القَوْل بذو يبذو بِضَم ثَانِيهمَا مثل كرم يكرم والمصدر بذاء بفتحهما
مَمْدُود كَذَا قَيده القيني وَقيل بذاء بِالْكَسْرِ ومباذأة وبذاءة وَكله
مَهْمُوز وَرجل بذيء مَهْمُوز فَاحش القَوْل وَيَقُول فِيهِ بِذِي أَيْضا
مشدد غير مَهْمُوز وَكَذَلِكَ أَيْضا فِي الرث الْهَيْئَة وَهِي البذاذة
أَيْضا
5 - جبر مولى أبي رهم
قَالَ ابْن عبد الْبر جبر بن عبد الله القبطي مولى أبي بصرة الْغِفَارِيّ
هُوَ الَّذِي أَتَى من عِنْد الْمُقَوْقس بمارية الْقبْطِيَّة مَعَ حَاطِب
بن أبي بلتعة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ السُّهيْلي مولى أبي رهم
6 - حَاطِب بن أبي بلتعة اللَّخْمِيّ
قَالَ الْجَوْهَرِي المتبلتع الَّذِي يتظرف ويتكيس
وَقَالَ أَبُو الدقيش الْأَعرَابِي هُوَ الَّذِي يتبلتع فِي كَلَامه أَي
يتحذلق ويتظرف وَلَيْسَ عِنْده شَيْء
قَالَ هدبة بن الخشرم
(1/202)
(وَلَا تنكحي إِن فرق الدَّهْر بَيْننَا
... أغم الْقَفَا وَالْوَجْه لَيْسَ بأنزعا)
(ولاقرزلا وسط الرِّجَال جنادفا ... إِذا مَا مَشى أَو قَالَ قولا تبلتعا)
والقرزل اللَّئِيم من الرِّجَال والجنادف بِالضَّمِّ الْقصير الغليظ
الْخلقَة
قَالَ ابْن عبد الْبر حَاطِب بن أبي بلتعة من ولد لخم بن عدي يكنى أَبَا
عبد الله وَقيل أَبَا مُحَمَّد
وَاسم أبي بلتعة عَمْرو بن رَاشد بن معَاذ اللَّخْمِيّ حَلِيف قُرَيْش
وَيُقَال إِنَّه من مذْحج وَقيل هُوَ حَلِيف الزبير بن الْعَوام وَقيل بل
كَانَ عبدا لِعبيد الله بن حميد بن زُهَيْر بن الْحَارِث بن أَسد بن عبد
الْعزي بن قصي فكاتبه يَوْم الْفَتْح وَهُوَ من أهل الْيمن
وَالْأَكْثَر أَنه حَلِيف لبني أَسد بن عبد الْعُزَّى
شهد بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَة
وَمَات سنة ثَلَاثِينَ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ ابْن خمس
(1/203)
وَسِتِّينَ سنة وَصلى عَلَيْهِ عُثْمَان
رَضِي الله عَنهُ
وَقد شهد الله لحاطب بِالْإِيمَان فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا
لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء} الْآيَة
وَذَلِكَ أَن حَاطِبًا كتب إِلَى أهل مَكَّة قبل حَرَكَة رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهَا عَام الْفَتْح يُخْبِرهُمْ بِبَعْض مَا
يُرِيد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بهم من الْغَزْو إِلَيْهِم
وَبعث كِتَابه مَعَ امْرَأَة فَنزل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بذلك على
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِي طلب الْمَرْأَة إِلَى رَوْضَة خَاخ فَأخذ الْكتاب مِنْهَا وأتى
بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاعْتَذر حَاطِب وَقَالَ مَا فعلته
رَغْبَة عَن ديني فَنزلت فِيهِ آيَات من صدر سُورَة الممتحنة
فَأَرَادَ عمر قَتله فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِنَّه قد شهد
بَدْرًا) الحَدِيث قَالَه ابْن عبد الْبر ورويناه فِي صَحِيح البُخَارِيّ
بِتَمَامِهِ
قَالَ السُّهيْلي الْمَرْأَة الَّتِي بعث مَعهَا الْكتاب اسْمهَا سارة
مولاة لقريش
قَالَ وَقيل إِنَّه كَانَ فِي كتاب حَاطِب إِلَى أهل مَكَّة إِن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد توجه إِلَيْكُم بِجَيْش كالليل يسير
كالسيل وَأقسم بِاللَّه لَو
(1/204)
سَار إِلَيْكُم وَحده لنصره الله عَلَيْكُم
فَإِنَّهُ منجز لَهُ مَا وعده فِيكُم فَإِن الله وليه وناصره
قَالَ وَفِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على قتل الجاسوس الْمُسلم فَإِن عمر
رَضِي الله عَنهُ أَرَادَ قَتله فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم (إِنَّه شهد بَدْرًا) فعلق حكم الْمَنْع من قَتله بِشُهُود بدر
فَدلَّ على أَن من فعل مثل فعله وَلَيْسَ ببدري أَنه يقتل
وروى ابْن عبد الْبر عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ جَاءَ
غُلَام لحاطب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَا يدْخل
حَاطِب الْجنَّة وَكَانَ شَدِيدا على الرَّقِيق فَقَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم (كذبت لَا يدْخل النَّار أحد شهد بَدْرًا
وَالْحُدَيْبِيَة)
وأرسله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مصر وَهُوَ أحد
السِّتَّة الَّذين ذكرهم حسان فِي شعره
وأرسله أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فِي خِلَافَته أَيْضا وَيَأْتِي ذكر من
ذَلِك فِي بَابه إِن شَاءَ الله تَعَالَى
7 - حَيَّان بن مِلَّة
قَالَ عبد الْكَرِيم الْحلَبِي فِي تَرْجَمَة دحْيَة وَذكر ابْن الْأَثِير
عَن ابْن إِسْحَاق ان حَيَّان بن مِلَّة أَخُو أنيف الْيَمَانِيّ من أهل
فلسطين لَهُ صُحْبَة وَصَحب دحْيَة بن خَليفَة إِلَى قَيْصر لما بَعثه
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِ
(1/205)
لم يذكرهُ ابْن عبد الْبر فِي بَابه فَالله
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم
8 - الْحَارِث بن عُمَيْر الْأَزْدِيّ
أحد بني لَهب بَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بكتابه إِلَى
الشَّام إِلَى ملك الرّوم وَقيل إِلَى صَاحب بصرى فَعرض لَهُ شُرَحْبِيل بن
عَمْرو الغساني فأوثقه رِبَاطًا ثمَّ قدم فَضربت عُنُقه صبرا وَلم يقتل
لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَسُول غَيره
فَلَمَّا اتَّصل برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَبره بعث إِلَى
مُؤْتَة زيد ابْن حَارِثَة فِي نَحْو ثَلَاثَة آلَاف فلقيتهم الرّوم فِي
نَحْو من مائَة ألف قَالَه ابْن عبد الْبر
وَذكره ابْن سيد النَّاس فتح الدّين فِي عُيُون الْأَثر وَزَاد فَاشْتَدَّ
ذَلِك عَلَيْهِ حِين بلغه الْخَبَر
وَكَانَ ذَلِك سَبَب غَزْوَة مُؤْتَة وَهِي بِأَدْنَى البلقاء من أَرض
الشَّام فِي جُمَادَى الأول سنة ثَمَان وَيَأْتِي ذكر مِنْهَا فِي حرف
الْخَاء من الرُّسُل
9 - حُرَيْث بن زيد الْخَيل
ذكره ابْن سعد فِي رسله إِلَى يحنة بن رؤبة الإيلي يَأْتِي
(1/206)
ذكره فِي تَرْجَمته صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
قَالَ ابْن عبد الْبر اسْمه حُرَيْث زيد بن الْخَيل وسمى أَبَاهُ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين أسلم زيد الْخَيْر بن مهلهل بن زيد بن
منْهب الطَّائِي أسلم هُوَ وَأَبوهُ وَأَخُوهُ مكنف وَشهد قتال الرِّدَّة
مَعَ خَالِد بن الْوَلِيد
قَالَ وَذكره الدَّارَقُطْنِيّ
10 - حَرْمَلَة
ذكره ابْن سعد أَيْضا مَعَ حُرَيْث رَسُولا إِلَى يحنة الإيلي وَلم ينْسبهُ
وَذكر ابْن عبد الْبر جمَاعَة اسمهم حَرْمَلَة فَلم أعلم أَيهمْ هُوَ
11 - خَالِد بن الْوَلِيد
ذكرنَا طرفا من خَبره ورفعنا نسبه عِنْد ذكر كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
وَيَأْتِي خبر إِسْلَامه مَعَ عَمْرو بن العَاصِي فِي تَرْجَمَة
النَّجَاشِيّ رَضِي الله عَنْهُم
شهد غَزْوَة مُؤْتَة بِنَاحِيَة كرك الشوبك من بِلَاد الشَّام وَكَانَ لَهُ
فِيهَا
(1/207)
آثَار جميلَة
قَالَ ابْن إِسْحَاق وَكَانَ بهَا من الرّوم ونصارى الْعَرَب مائَة ألف
وَأَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة آلَاف وَكَانَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْطى الرَّايَة زيد ابْن حَارِثَة فَقتل
ثمَّ أَخذهَا جَعْفَر فَقتل ثمَّ أَخذهَا عبد الله بن رَوَاحَة فَقتل قَالَ
الْحَاكِم فِي الإكليل فَأخذ الرَّايَة ثَابت بن أقرم أَخُو بني العجلان
وَقَالَ يَا معشر الْمُسلمين اصْطَلحُوا على رجل مِنْكُم
قَالُوا أَنْت قَالَ لَا وَرفع الرَّايَة فَاصْطَلَحُوا على خَالِد بن
الْوَلِيد فَدفع الرَّايَة لَهُ وَقَالَ أَنْت أعلم بِالْقِتَالِ مني
فَلَمَّا أصبح خَالِد جعل مُقَدّمَة الْجَيْش ساقته وساقته مقدمته وميمنته
ميسرته وميسرته ميمنته فَأنْكر الْمُشْركُونَ مَا كَانُوا يعْرفُونَ من
راياتهم وهيأتهم وَقَالُوا قد جَاءَهُم مدد فرعبوا وانكشفوا منهزمين
وَقتلُوا مقتلة لم يَقْتُلهَا قوم وَأُصِيب نَاس من الْمُسلمين وغنموا بعض
أَمْتعَة الْمُشْركين فَكَانَ مِمَّا غنموا خَاتمًا جَاءَ بِهِ رجل إِلَى
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قتلت صَاحبه فنفله لَهُ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وروى عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ قَالَ كَانَ لي رَفِيق من أهل الْيمن
فلقينا جموع الرّوم بمؤتة وَفِيهِمْ رجل على فرس لَهُ أشقر عَلَيْهِ سرج
مَذْهَب وَسلَاح مَذْهَب فَجعل الرُّومِي يغري بِالْمُسْلِمين وَقعد لَهُ
الْيَمَانِيّ خلف صَخْرَة فَمر بِهِ الرُّومِي فعرقب فرسه فَخر وعلاه
(1/208)
فَقتله وَحَازَ سلبه وسلاحه
فَلَمَّا فتح الله للْمُسلمين بعث إِلَيْهِ خَالِد فَأخذ مِنْهُ السَّلب
قَالَ عَوْف فَأَتَيْته فَقلت يَا خَالِد أما علمت أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قضى بالسلب للْقَاتِل قَالَ بلَى وَلَكِنِّي استكثرته
فَقلت لتردنه إِلَيْهِ أَو لأعرفنكها عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَأبى أَن يرد عَلَيْهِ
قَالَ عَوْف واجتمعنا عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقصصت
عَلَيْهِ قصَّة الْيَمَانِيّ وَمَا فعل خَالِد فَقَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم (يَا خَالِد مَا حملك على مَا صنعت) فَقَالَ يَا
رَسُول الله استكثرته فَقَالَ (رد عَلَيْهِ مَا أخذت مِنْهُ) قَالَ عَوْف
فَقلت دُونك يَا خَالِد ألم أُفٍّ لَك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم (وَمَا ذَاك) قَالَ فَأَخْبَرته قَالَ فَغَضب وَقَالَ (يَا
خَالِد لَا ترد عَلَيْهِ هَل أَنْتُم تاركون لي امرائي لكم لكم صفوة أَمرهم
وَعَلَيْهِم كدره) وَهَذَا الحَدِيث فِيهِ نظر كَأَنَّهُ وَالله أعلم
مَنْسُوخ بِمَا وَقع لأبي قَتَادَة فِي غَزْوَة حنين فَإِنَّهَا
مُتَأَخِّرَة عَن مُؤْتَة
قَالَ ابْن عَائِذ ثمَّ إِن خَالِدا لما أَخذ الرَّايَة قَاتلهم قتالا
شَدِيدا ثمَّ انحاز الْفَرِيقَانِ عَن غير هزيمَة وَرفعت الأَرْض لرَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى نظر إِلَى معترك الْقَوْم وَلما أَخذ
خَالِد اللِّوَاء قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ
بِالْمَدِينَةِ (الْآن حمي الْوَطِيس) وَرُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ (ثمَّ أَخذ الرَّايَة خَالِد بن الْوَلِيد نعم عبد الله وأخو
الْعَشِيرَة وَسيف من سيوف الله)
(1/209)
وَعَن خَالِد قَالَ لقد انْقَطع فِي يَدي
يَوْمئِذٍ تِسْعَة أسياف حَتَّى وَقعت فِي يَدي صفيحة يَمَانِية فَصَبَرت
وَصلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ظهر ذَلِك الْيَوْم وَأخْبر
الْمُسلمين بخبرهم
ووفد يعلى بن مُنَبّه على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخَبَر أهل
مُؤْتَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن شِئْت أَخْبَرتك
بخبرهم) قَالَ أَخْبرنِي فَأخْبرهُ خبرهم كُله فَقَالَ وَالَّذِي بَعثك
بِالْحَقِّ مَا تركت من حَدِيثهمْ حرفا وَاحِدًا فَقَالَ (إِن الله رفع لي
الأَرْض حَتَّى رَأَيْت معتركهم وهم بِالشَّام ورأيتهم فِي الْجنَّة على
سرر من ذهب وَإِن الله تَعَالَى أبدل جعفرا بيدَيْهِ جناحين يطير بهما فِي
الْجنَّة) وَكَانَ رَضِي الله عَنهُ أَخذ اللِّوَاء وَنزل عَن فرس لَهُ
شقراء فعرقبها فَكَانَت أول فرس عرقبت فِي الْإِسْلَام فقاتل حَتَّى قطعت
يَمِينه فَأخذ اللِّوَاء بيساره فَقطعت فاحتضن اللِّوَاء فَقتل وَهُوَ
كَذَلِك ضربه رجل من الرّوم فَقَطعه نِصْفَيْنِ فَوجدَ فِي أحد نصفيه بضعَة
وَثَمَانُونَ جرحا ووجدوا فِيمَا أقبل من بدنه اثْنَتَيْنِ وَسبعين ضَرْبَة
بِسيف وطعنه بِرُمْح
قَالَ الْبَغَوِيّ أنزل الله تَعَالَى فِي الْوَلِيد بن الْمُغيرَة
{ذَرْنِي وَمن خلقت وحيدا وَجعلت لَهُ مَالا ممدودا وبنين شُهُودًا}
(1/210)
وَكَانُوا سَبْعَة وهم الْوَلِيد بن
الْوَلِيد وخَالِد وَعمارَة وَهِشَام وَالْعَاص وَقيس وَعبد شمس أسلم
مِنْهُم ثَلَاثَة خَالِد وَهِشَام والوليد
وَكَانَ الْوَلِيد شَدِيد الْعَدَاوَة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَمَات على كفره
12 - دحْيَة بن خَليفَة الْكَلْبِيّ
قَالَ ابْن عبد الْبر دحْيَة بن خَليفَة بن فَرْوَة بن فضَالة بن زيد بن
امْرِئ الْقَيْس بن الْخَزْرَج والخزرج الْعَظِيم هُوَ زيد مَنَاة بن عَامر
بن بكر ابْن عَامر الْأَكْبَر بن عَوْف بن بكر بن عَوْف بن عذرة ابْن زيد
اللات بن رفيدة بن ثَوْر بن كلب
كَانَ من كبار الصَّحَابَة أسلم قَدِيما لم يشْهد بَدْرًا وَشهد أحدا وَمَا
بعْدهَا
وَسكن دمشق بقرية المزة
وَبَقِي إِلَى خلَافَة مُعَاوِيَة
وَبَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى قَيْصر فِي الْهُدْنَة
سنة سِتّ من الْهِجْرَة
وَهُوَ أحد الرُّسُل السِّتَّة
وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُشبههُ بِجِبْرِيل عَلَيْهِ
السَّلَام
(1/211)
قَالَ عبد الْكَرِيم الْحلَبِي دحْيَة فِي
لُغَة أهل الْيمن الرئيس
قَالَ المطرزي الدحو الْبسط لِأَن الرئيس يبسط أَصْحَابه
قَالَ يَعْقُوب بِكَسْر الدَّال لَا غير وَقَالَ أَبُو حَاتِم بِالْفَتْح
لَا غير
ابْن امْرِئ الْقَيْس بن الْخَزْرَج بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة
وَإِسْكَان الزَّاي وَفتح الرَّاء وَكسرهَا بَعضهم وَهُوَ فِي اللُّغَة
الْعَظِيم
وصحفه ابْن قُتَيْبَة فَقَالَ الْخَزْرَج
كَانَ جِبْرِيل ينزل على صُورَة دحْيَة وَكَانَ من أجمل النَّاس
رُوِيَ أَنه كَانَ إِذا قدم من الشَّام لم تبْق معصر إِلَّا خرجت تنظر
إِلَيْهِ قَالَ الْجَوْهَرِي المعصر الْجَارِيَة أول من أدْركْت وحاضت
قَالَ دحْيَة لما قدمت من الشَّام أهديت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَاكِهَة يابسة فستق ولوز وكعك وجبة صوف وخفين ساذجين فلبسهما حَتَّى
(1/212)
تخرقا
وَأَعْطَانِي قبطية وَقَالَ (أعْط صَاحبَتك مِنْهَا تَجْعَلهُ خمارا ومرها
تجْعَل تَحْتَهُ شَيْئا لِئَلَّا يصف)
قَالَ الْجَوْهَرِي الْقبْطِيَّة ثِيَاب بيض رقاق من كتَّان تتَّخذ بِمصْر
قَالَ أَبُو الْخطاب ابْن دحْيَة ذُو النسبين توفّي دحْيَة بقرية تيم على
مَقْبرَة من ناصرة فِي خلَافَة مُعَاوِيَة وقبره فِي أَعلَى الْجَبَل بعد
أَن دَعَا على نَفسه أَن يقبضهُ الله لما رأى من رَغْبَة النَّاس عَن هدي
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهدي أَصْحَابه
قَالَ وَلَا خلاف بَين أهل النّسَب أَن دحْيَة أعقب وَولده مدفون على مقربة
من قرافة مصر مستجاب فِيهِ الدُّعَاء وَهُوَ الْأَمِير أَبُو النَّجْم بدر
بن خَليفَة رَضِي الله عَنهُ
13 - رِفَاعَة بن زيد الجذامي
قَالَ ابْن عبد الْبر رِفَاعَة بن زيد بن وهب الضبيبي من بني الضبيب هَذَا
قَول أهل الحَدِيث
وَقَالَ أهل النّسَب الضبيني بالنُّون قبل الْيَاء الْأَخِيرَة من بني
ضبينة من جذام
قدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هدنة الْحُدَيْبِيَة فِي
جمَاعَة من قومه فأسلموا وَعقد لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لِوَاء وَأهْدى إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غُلَاما وَكتب
لَهُ كتابا إِلَى قومه فأسلموا
يُقَال إِنَّه أهْدى إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْغُلَام
الْأسود الْمُسَمّى مدعما الْمَقْتُول بِخَيْبَر
وَذكره ابْن إِسْحَاق أَيْضا فِي السِّيرَة بِنَحْوِ من هَذَا
(1/213)
14 - زِيَاد بن حَنْظَلَة
التَّمِيمِي ثمَّ الْعمريّ
قَالَ ابْن عبد الْبر لَهُ صُحْبَة وَلَا أعلم لَهُ رِوَايَة وَهُوَ
الَّذِي بَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى قيس بن عَاصِم
والزبرقان بن بدر ليتعاونوا على مُسَيْلمَة وطليحة وَالْأسود وَقد عمل
لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ مُنْقَطِعًا إِلَى عَليّ
رَضِي الله عَنهُ وَشهد مَعَه مشاهده كلهَا
وَذكره سيف بن عمر فِي كتاب الرِّدَّة
15 - سليط بن عَمْرو
ابْن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مَالك بن حسل بن عَامر بن لؤَي الْقرشِي
العامري أَخُو السَّكْرَان وَسُهيْل ابْني عَمْرو وَكَانَ من الْمُهَاجِرين
الْأَوَّلين هَاجر الهجرتين وَشهد بَدْرًا
وَبَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى هَوْذَة وَإِلَى
ثُمَامَة بن أَثَال الْحَنَفِيّ كَمَا سَيَأْتِي فِي تَرْجَمَة الْمُلُوك
إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَالَه ابْن عبد الْبر
وَقَالَ الطَّبَرِيّ قتل بِالْيَمَامَةِ سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَقيل سنة
أَربع عشرَة وَهُوَ أحد السِّتَّة أَيْضا
(1/214)
16 - السَّائِب بن الْعَوام
ابْن خويلد بن أَسد الْقرشِي الْأَسدي أَخُو الزبير أمهما صَفِيَّة بنت عبد
الْمطلب
شهد أحدا وَالْخَنْدَق والمشاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَقتل يَوْم الْيَمَامَة شَهِيدا قَالَه ابْن عبد الْبر
قَالَ عبد الْكَرِيم وَبَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى
مُسَيْلمَة بِكِتَاب آخر بعد عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي
17 - شُجَاع بن أبي وهب
وَيُقَال ابْن وهبان بن ربيعَة بن أَسد ابْن صُهَيْب بن مَالك بن كثير بن
غنم بن دودان بن أَسد بن خُزَيْمَة الْأَسدي حَلِيف لبني عبد شمس يكنى
أَبَا وهب
أسلم قَدِيما وَشهد هُوَ وَأَخُوهُ عقبَة بن أبي وهب بَدْرًا والمشاهد
كلهَا
وَهُوَ من مهاجرة الْحَبَشَة الْهِجْرَة الثَّانِيَة وَقدم مِنْهَا حِين
بَلغهُمْ إِسْلَام أهل مَكَّة وَبَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِلَى الْحَارِث بن أبي شمر الغساني وَإِلَى جبلة بن الْأَيْهَم
وَاسْتشْهدَ يَوْم الْيَمَامَة وَهُوَ ابْن بضع وَأَرْبَعين سنة قَالَه
ابْن عبد الْبر
(1/215)
يَقُول مُؤَلفه عَفا الله عَنهُ وَلَعَلَّ
عقبَة الَّذِي ذكره ابْن سعد فِي الْكتاب وَلم يذكر لَهُ نسبا أَن يكون
هُوَ عقبَة بن وهب أَخُو شُجَاع هَذَا فَالله أعلم
وَقَالَ ابْن عَسَاكِر إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث شجاعا إِلَى
هِرقل مَعَ دحْيَة بن خَليفَة
وَذكر عبد الْكَرِيم الْحلَبِي أَنه هَاجر إِلَى الْحَبَشَة الْهِجْرَة
الثَّانِيَة وَعَاد إِلَى مَكَّة ثمَّ هَاجر إِلَى الْمَدِينَة
وَبَعثه سَرِيَّة فِي شهر ربيع الأول سنة ثَمَان وَهُوَ أحد السِّتَّة
الَّذين بعثوا
18 - شُرَحْبِيل
ذكر ابْن سعد فِي رسله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى يحنة بن رؤبة صَاحب
أَيْلَة شُرَحْبِيل كَمَا سَيَأْتِي فِي حرف الْيَاء عِنْد ذكر الْمُلُوك
وَلم يرفع لَهُ نسبا وَلَا ذكر لَهُ أَبَا يعرف بِهِ وَذكر ابْن عبد الْبر
فِي بَاب شُرَحْبِيل سِتَّة نفر وَذكر مِنْهُم شُرَحْبِيل بن غيلَان بن
سَلمَة الثَّقَفِيّ قَالَ وَكَانَ أحد الْخَمْسَة الَّذِي بعثتهم ثَقِيف
بِإِسْلَامِهِمْ مَعَ عبد ياليل فَلَا أعلم هُوَ هَذَا أَو شُرَحْبِيل بن
حَسَنَة الْكَاتِب أَو غَيرهمَا وَالله أعلم
(1/216)
19 - صلصل بن شُرَحْبِيل
قَالَ ابْن عبد الْبر لَا أَقف عَن نسبه لَهُ صُحْبَة وَلَا أعلم لَهُ
رِوَايَة وَخَبره مَشْهُور فِي إرْسَال رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم إِلَى صَفْوَان بن أُميَّة وسبرة الْعَنْبَري ووكيع الدَّارمِيّ
وَعَمْرو بن المحجوب العامري وَعَمْرو بن الخفاجي من بني عَامر وَهُوَ أحد
رسله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَذكره سيف فِي كتاب الرِّدَّة
20 - ضرار بن الْأَزْوَر الْأَسدي
قَالَ ابْن عبد الْبر ضرار بن الْأَزْوَر بن مرداس بن حبيب بن عَمْرو بن
كثير بن عَمْرو بن شَيبَان الْأَسدي يكنى أَبَا الْأَزْوَر وَيُقَال أَبُو
بِلَال
كَانَ فَارِسًا شجاعا شَاعِرًا مطبوعا اسْتشْهد يَوْم الْيَمَامَة
وَلما قدم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ
(تركت الْخُمُور وَضرب القداح ... وَاللَّهْو تعللة وانتهالا)
(فيا رب لَا تغبن صفقتي ... فقد بِعْت أَهلِي وَمَالِي بدالا)
(1/217)
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مَا غبنت صفقتك يَا ضرار وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بَعثه إِلَى بني الصيداء وَبَعض بني الدئل
وَقَالَ مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب قتل ضرار بن الْأَزْوَر يَوْم
أجنادين فِي خلَافَة أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ
وَقَالَ غَيره توفّي ضرار بن الْأَزْوَر فِي خلَافَة عمر بِالْكُوفَةِ
وَذكر الْوَاقِدِيّ قَالَ قَاتل ضرار بن الْأَزْوَر يَوْم الْيَمَامَة
قتالا شَدِيدا حَتَّى قطعت ساقاه جَمِيعًا فَجعل يحبو على رُكْبَتَيْهِ
وَيُقَاتل وتطؤه الْخَيل حَتَّى غَلبه الْمَوْت
وَقد قيل مكث ضرار بن الْأَزْوَر بِالْيَمَامَةِ مجروحا ثمَّ مَاتَ قبل أَن
يرتحل خَالِد بِيَوْم
قَالَ وَهَذَا أثبت عِنْدِي من غَيره انْتهى مَا قَالَه ابْن عبد الْبر
مُخْتَصرا
وَذكره سيف بن عمر التَّمِيمِي فَقَالَ فِي محاربة النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أهل الرِّدَّة قَالَ حاربهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم بالرسل والكتب
قَالَ قَالَ ابْن عَبَّاس قَاتل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأسود
ومسيلمة وطليحة وأشياعهم بالرسل وَلم يشْغلهُ مَا كَانَ فِيهِ من وجع عَن
أَمر الله عز وَجل والذب عَن دينه فَبعث وبر بن يحنس إِلَى فَيْرُوز وجشيش
الديلمي فِي جمَاعَة ذكرته وَذكرت كلا مِنْهُم فِي بَابه من حُرُوف المعجم
فِي الرُّسُل
ثمَّ قَالَ يَعْنِي سيف بن عمر وَبعث ضرار بن الْأَزْوَر الْأَسدي إِلَى
عَوْف الزّرْقَانِيّ من بني الصيداء وَسنَان الْأَسدي ثمَّ الغنمي وقضاعي
الديلمي
يَقُول مُؤَلفه عَفا الله عَنهُ وَقد ذكره الْوَاقِدِيّ فِي
(1/218)
فتوح الشَّام وَذكر مواقفه فِي حروب
كَثِيرَة مِنْهَا بَيت لهيا وهم على حِصَار دمشق وأمير الْجَيْش خَالِد بن
الْوَلِيد رَضِي الله عَنهُ وَأَنه برز لِلْقِتَالِ وَهُوَ عَار بسراويله
على فرس عَرَبِيّ
وَذكر أسره وخلاصه على يَدي رَافع بن عميرَة الطَّائِي
وَذكر أَيْضا أَن أَبَا عُبَيْدَة رَضِي الله عَنهُ بَعثه على جَيش بعد فتح
حلب وَأَن جبلة بن الْأَيْهَم أسره أَيْضا وَمَعَهُ مِائَتَيْنِ من
الصَّحَابَة وَأَنه دخل بِهِ إِلَى أنطاكية إِلَى الْملك هِرقل وَأَنه
أَرَادَ قَتله فَمَنعه من ذَلِك يوقنا صَاحب حلب وَكَانَ يوقنا إِذْ ذَاك
مُسلما يكتم إِسْلَامه من الرّوم لينصب عَلَيْهِم وَأنْشد ضرار أبياتا
يُخَاطب فِيهَا يوقنا وَابْن عَمه مِنْهَا
(أَلا أَيهَا الشخصان بِاللَّه بلغا ... سلامي إِلَى أطلال مَكَّة
وَالْحجر)
(فلقيتما مَا عشتما ألف نعْمَة ... بعز وإقبال يَدُوم مَعَ النَّصْر)
وَهِي نَحْو الثَّلَاثِينَ بَيْتا يتشوق فِيهَا إِلَى أَهله وَأُخْته
خَوْلَة وَكَانَت من المترجلات البازلات ذكر مواقفها مَعَ أَخِيهَا ضرار
أَيْضا فِي فتوح الشَّام
وَذكره أَيْضا فِي فتوح مصر وَأَن القبط أسروه هُوَ وَأُخْته من
(1/219)
سَاحل الشَّام وَأتوا بهما إِلَى
الْإسْكَنْدَريَّة فِي مراكب الْبَحْر وَأَن خَالِدا خلصهما عِنْد توجههما
مَعَ جَيش من القبط إِلَى دير الزّجاج
وَالْمَشْهُور فِي زَمَاننَا هَذَا أَن قَبره بِظَاهِر دمشق فَالله أعلم
أَي ذَلِك كَانَ
21 - ظبْيَان بن مرْثَد السدُوسِي
أرْسلهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بكر ابْن وَائِل ذكره
ابْن سعد فِي الطَّبَقَات وَلم يذكرهُ ابْن عبد الْبر فِي بَابه
22 - عبد الله بن حذافة السَّهْمِي
قَالَ عبد الْكَرِيم الْحلَبِي رَحمَه الله وَهَذَا أحد السِّتَّة الَّذين
بَعثهمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمُلُوك الَّذين
ذكرهم ابْن سعد وَهُوَ عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم بن
عَمْرو بن هصيص بن كَعْب بن لؤَي الْقرشِي أَبُو حذافة
أسلم قَدِيما وَهَاجَر إِلَى الْحَبَشَة الْهِجْرَة الثَّانِيَة مَعَ
أَخِيه خُنَيْس زوج حَفْصَة بنت عمر بن الْخطاب قبل النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم
ذكر ابْن يُونُس فِي تَارِيخه أَنه شهد بَدْرًا وَأَنه من أهل مصر
وَرَوَاهُ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَلم يذكر ذَلِك غَيره
وَبَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى كسْرَى كَمَا سَيَأْتِي
إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَهُوَ الْقَائِل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين قَالَ سلوني
عَمَّا شِئْتُم قَالَ من أبي يَا رَسُول الله قَالَ أَبوك حذافة بن قيس
فَقَالَت لَهُ أمه مَا سَمِعت بِابْن أعق مِنْك
(1/220)
أمنت أَن تكون أمك قارفت مَا تقارف نسَاء
الْجَاهِلِيَّة فتفضحها على أعين النَّاس فَقَالَ وَالله لَو ألحقني
بِعَبْد أسود للحقت بِهِ
وَكَانَت فِيهِ دعابة مَعْرُوفَة
وَعَن اللَّيْث بن سعد قَالَ بَلغنِي أَنه حل حزَام رَاحِلَة رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض أَسْفَاره حَتَّى كَاد رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يَقع
قَالَ ابْن وهب فَقلت لليث ليضحكه قَالَ نعم كَانَت فِيهِ دعابة
قَالَ عبد الْكَرِيم وأسرته الرّوم فَقَالَ لَهُ الطاغية تنصر وَإِلَّا
ألقيتك فِي بقرة نُحَاس فَقَالَ لَا أفعل فَدَعَا بالبقرة فملئت زيتا
وأغليت ودعا بِرَجُل من أُسَارَى الْمُسلمين فَعرض عَلَيْهِ
النَّصْرَانِيَّة فَأبى فَأَلْقَاهُ فِي الْبَقَرَة فَإِذا عِظَامه تلوح
فَقَالَ لعبد الله تنصر وَإِلَّا ألقيتك فِيهَا قَالَ لَا أفعل فَقرب
إِلَيْهَا فَبكى فَقَالُوا جزع فَقَالَ مَا بَكَيْت جزعا مِمَّا يصنع بِي
وَلَكِنِّي بَكَيْت حَيْثُ مَا لي إِلَّا نفس وَاحِدَة يفعل بهَا هَذَا فِي
الله كنت أحب أَن يكون لي من الْأَنْفس عدد كل شَعْرَة فِي ثمَّ يفعل بِي
هَذَا فأعجب بِهِ وَأحب أَن يُطلقهُ فَقَالَ تنصر وأزوجك ابْنَتي وأقاسمك
ملكي قَالَ مَا أفعل قَالَ قبل رَأْسِي
(1/221)
وأطلقك وَأطلق مَعَك ثَمَانِينَ أَسِيرًا
من الْمُسلمين قَالَ أما هَذِه فَنعم فَقبل رَأسه وَأطْلقهُ وَأطلق مَعَه
ثَمَانِينَ أَسِيرًا
فَلَمَّا قدمُوا على عمر قَامَ إِلَيْهِ عمر فَقبل رَأسه فَكَانَ أَصْحَاب
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمازحون عبد الله وَيَقُولُونَ قبلت
رَأس العلج فَيَقُول أطلق الله بِتِلْكَ التقبيلة ثَمَانِينَ رجلا من
الْمُسلمين
وَمن دعابته أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره على سَرِيَّة
فَأَمرهمْ أَن يجمعوا حطبا ويوقدوا نَارا فَلَمَّا أوقدوها أَمرهم بالتقحم
فِيهَا فَأَبَوا فَقَالَ لَهُم ألم يَأْمُركُمْ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بطاعتي وَقَالَ من أطَاع أَمِيري فقد أَطَاعَنِي فَقَالُوا
مَا آمنا بِاللَّه وأطعنا رَسُوله إِلَّا لننجو من النَّار فصوب رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعلهم وَقَالَ (لَا طَاعَة لمخلوق فِي
مَعْصِيّة الْخَالِق وَهُوَ // حَدِيث صَحِيح // روى البُخَارِيّ مَعْنَاهُ
توفّي عبد الله فِي خلَافَة عُثْمَان بِمصْر وَشهد فتحهَا وَدفن بمقبرتها
وَعَن أبي هُرَيْرَة أَن عبد الله بن حذافة صلى فَجهز بِصَلَاتِهِ فَقَالَ
لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَاجٍ رَبك بِقِرَاءَتِك يَا
ابْن حذافة وَلَا تسمعني وأسمع رَبك
قَالَ عبد الْكَرِيم وَقيل إِنَّمَا سيره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم إِلَى كسْرَى لِأَنَّهُ كَانَ يتَرَدَّد إِلَيْهِم كثيرا
(1/222)
23 - أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ
واسْمه عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بن حَرْب بن عَامر ابْن عُمَيْر
وَقيل هنزة وَقيل عنزة بن بكر بن عَامر بن عذر بن وَائِل بن نَاجِية بن
الْجمَاهِر ابْن الْأَشْعر وَهُوَ نبت بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن
كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب ابْن قحطان وَفِي نسبه بعض الِاخْتِلَاف
وَأمه طيبَة وهب بن عك كَانَت قد أسلمت وَمَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ قَالَه
ابْن عبد الْبر
وَقَالَ ذكر الْوَاقِدِيّ أَنه قدم مَكَّة مَعَ إخْوَته فِي جمَاعَة من
الْأَشْعَرِيين فحالف سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة أَبَا أحيحة ثمَّ أسلم
وَهَاجَر إِلَى أَرض الْحَبَشَة
وَقيل إِنَّه رَجَعَ بعد قدومه مَكَّة ومحالفته من حَالف من بني عبد شمس
إِلَى بِلَاد قومه حَتَّى قدم مَعَ الْأَشْعَرِيين نَحْو خمسين رجلا فِي
سفينة فألقتهم الرّيح إِلَى النَّجَاشِيّ بِأَرْض الْحَبَشَة فَوَافَقُوا
خُرُوج جَعْفَر وَأَصْحَابه مِنْهَا فَأتوا مَعَهم وقدمت السفينتان مَعًا
سفينة
(1/223)
الْأَشْعَرِيين وسفينة جَعْفَر وَأَصْحَابه
على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين فتح خَيْبَر فَلهَذَا ذكره ابْن
إِسْحَاق فِيمَن هَاجر إِلَى الْحَبَشَة
ولاه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مخاليف الْيمن زبيد وذواتها
إِلَى السَّاحِل وولاه عمر الْبَصْرَة فَلم يزل عَلَيْهَا إِلَى صدر من
خلَافَة عُثْمَان ثمَّ كَانَ من أمره يَوْم الْحكمَيْنِ مَا كَانَ
وَمَات بِالْكُوفَةِ وَقيل بِمَكَّة سنة أَربع وَأَرْبَعين وَقيل سنة خمسين
وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ وَقيل غير ذَلِك
وَكَانَ من أحسن النَّاس صَوتا بِالْقُرْآنِ قَالَ فِيهِ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم (لقد أُوتِيَ أَبُو مُوسَى مِزْمَارًا من مَزَامِير آل
دَاوُد)
قَالَ عبد الْكَرِيم قَالَ أَبُو عُثْمَان النَّهْدِيّ لقد أدْركْت
الْجَاهِلِيَّة فَمَا سَمِعت صَوت صنج وَلَا بربط وَلَا مزمار أحسن من صَوت
أبي مُوسَى
تَفْسِير
المخلاف لأهل الْيمن وَاحِد المخاليف وَهِي كورها وَلكُل مخلاف مِنْهَا
اسْم يعرف بِهِ قَالَه الْجَوْهَرِي
قَوْله مِزْمَارًا من مَزَامِير آل دَاوُد قَالَ القَاضِي عِيَاض أَصله
الصَّوْت الْحسن وَالزمر الْغناء وَمِنْه لقد أُوتى مِزْمَارًا الحَدِيث
أَي صَوتا
(1/224)
حسنا
قَوْله صَوت صنج قَالَ الْجَوْهَرِي الصنج الَّذِي تعرفه الْعَرَب هُوَ
الَّذِي يتَّخذ من صفر يضْرب بِالْآخرِ وَأما الصنج ذُو الأوتار فتختص بِهِ
الْعَجم وهما معربان وَقَالَ
(قل لسوار إِذا مَا ... جِئْته وَابْن علاثة)
(زَاد فِي الصنج عبيد ... الله أوتارا ثَلَاثَة)
فصل
ولنذكر طرفا من أَخْبَار أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ إِمَام أهل السّنة فِي
الِاعْتِقَاد رَحمَه الله وَهُوَ من ذُرِّيَّة أبي مُوسَى رَضِي الله عَنهُ
الْعَالم الْكَبِير قامع أهل الْبدع
قَالَ أَبُو بكر بن ثَابت خطيب بَغْدَاد رَحمَه الله هُوَ عَليّ بن
إِسْمَاعِيل بن أبي بشر واسْمه إِسْحَاق بن سَالم بن إِسْمَاعِيل ا 4 بن
عبد الله بن مُوسَى بن بِلَال بن أبي بردة بن أبي مُوسَى أَبُو الْحسن
الْأَشْعَرِيّ الْمُتَكَلّم صَاحب الْكتب والتصانيف فِي الرَّد على الملحدة
وَغَيرهم من الْمُعْتَزلَة والرافضة والجهمية والخوارج وَسَائِر أَصْنَاف
المبتدعة
وَهُوَ بَصرِي سكن بَغْدَاد وَتُوفِّي بهَا
ولد أَبُو الْحسن سنة سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَمَات سنة نَيف وَثَلَاثِينَ
وثلاثمائة
وَله
(1/225)
خَمْسَة وَخَمْسُونَ تصنيفا
وَكَانَ يَأْكُل من غلَّة ضَيْعَة وَقفهَا جده بِلَال بن أبي بردة على عقبه
وَكَانَت نَفَقَته فِي كل سنة سَبْعَة عشر درهما
قَالَ أَبُو بكر الصَّيْرَفِي كَانَت الْمُعْتَزلَة قد رفعوا رُؤْسهمْ
حَتَّى أظهر الله أَبَا الْحسن الْأَشْعَرِيّ فجحرهم فِي أقماع السمسم
قَالَ مُحَمَّد الشهرستاني فِي الْملَل والنحل وَذكر أَبَا الْحسن
الْأَشْعَرِيّ قَالَ وَمن عَجِيب الاتفاقات أَن أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ
يَعْنِي جده كَانَ يُقرر مَا قَرَّرَهُ أَبُو الْحسن بِعَيْنِه فِي مذْهبه
وَقد جرى مناظرة بَين عَمْرو بن الْعَاصِ وَبَينه فَقَالَ عَمْرو إِن أجد
أحدا أخاصم إِلَيْهِ رَبِّي عز وَجل فَقَالَ أَبُو مُوسَى أَنا ذَلِك
المتحاكم إِلَيْهِ قَالَ عَمْرو أيقدر عَليّ شَيْئا ثمَّ يُعَذِّبنِي
عَلَيْهِ قَالَ نعم قَالَ عَمْرو لم قَالَ لِأَنَّهُ لَا يظلمك فَسكت
عَمْرو وَلم يحر جَوَابا
ثمَّ بَين لَهُ فِي كَلَام يطول ذكره
وَمِمَّا ذكر من مدحه وَهِي لأبي الْقَاسِم الْجَزرِي
(1/226)
(خُذ مَا بدا لَك أَو فدع ... كثرت مقالات
الْبدع)
(إِن النَّبِي الْمُصْطَفى ... دينا حَنِيفا قد شرع)
(وَرَضي بِهِ لِعِبَادِهِ ... رب تَعَالَى فارتفع)
(قد كَانَ دينا وَاحِدًا ... حَتَّى تصرم مَا اجْتمع)
(قوم أضلهم الْهوى ... وَالْآخرُونَ لَهُم تبع)
(الله أيد شَيخنَا ... وَبِه الْبَريَّة قد شفع)
(الْأَشْعَرِيّ إمامنا ... شيخ الدّيانَة والورع)
(بسط الْمقَالة بِالْهدى ... وقطيع حجَّته انْقَطع)
(حَتَّى استضيء بنوره ... وَالله أتقن مَا صنع)
(من قَالَ غير مقاله ... أخطى الطَّرِيقَة وابتدع)
(لَا ينكرن كَلَامه ... إِلَّا أَخُو جهل لكع)
(أهل الْعُقُول تيقظوا ... فالفجر فِي الْأُفق انصدع)
(نسبوا إِلَى رب العلى ... مَا قَوْله مِنْهُ منع)
(زَعَمُوا بِأَن كَلَامه ... مثل الْكَلَام المستمع)
(فبرئت مِنْهُم إِنَّهُم ... ركبُوا قبيحات الشنع)
قَالَ ابْن سعد فِي الْوُفُود قدم الأشعريون على رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وهم خَمْسُونَ رجلا فيهم أَبُو مُوسَى فِي سفن وَخَرجُوا
بجدة فَلَمَّا دنوا من الْمَدِينَة جعلُوا يَقُولُونَ غَدا نلقى
الْأَحِبَّة مُحَمَّدًا وَحزبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَضي عَنْهُم
ثمَّ قدمُوا فوجدوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَفَره
بِخَيْبَر
(1/227)
فأسلموا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم (الأشعريون فِي النَّاس كصرة فِيهَا مسك
24 - عبد الله بن عَوْسَجَة العرني
ذكره ابْن سعد وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه بِكِتَاب
إِلَى سمْعَان الراقع يَأْتِي ذكره فِي حرف السِّين من المكاتبات إِلَى
الْمُلُوك وَلم يذكرهُ ابْن عبد الْبر فِي بَابه
25 - عبد الله ابْن بديل
ابْن وَرْقَاء الْخُزَاعِيّ يَأْتِي ذكره مَعَ أخيع عبد الرَّحْمَن
26 - عبيد الله بن عبد الْخَالِق
قَالَ عبد الْكَرِيم فِي شرح السِّيرَة لعبد الْغَنِيّ وَذكره أَبُو
إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن يحيى ابْن الْأمين الطليطلي فِي كتاب
(1/228)
الِاسْتِدْرَاك على أبي عمر ابْن عبد الْبر
فِي أَسمَاء الصَّحَابَة من حَدِيث أَيُّوب بن نهيك عَن عَطاء قَالَ سَمِعت
ابْن عمر قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَقُول من
يذهب بكتابي هَذَا إِلَى طاغية الرّوم) فَعرض ذَلِك ثَلَاث مَرَّات فَقَالَ
عِنْد ذَلِك (من يذهب بِهِ فَلهُ الْجنَّة) فَقَامَ رجل من الْأَنْصَار
يدعى عبيد الله بن عبد الْخَالِق فَقَالَ أَنا أذهب بِهِ ولي الْجنَّة
وَإِن هَلَكت دون ذَلِك فَقَالَ (لَك الْجنَّة إِن بلغت وَإِن قتلت وَإِن
هَلَكت فقد أوجب الله لَك الْجنَّة) فَانْطَلق بِكِتَاب رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى بلغ بَاب الطاغي فَقَالَ أَنا رَسُول رَسُول رب
الْعَالمين فَأذن لَهُ فَدخل عَلَيْهِ فَعرف طاغية الرّوم أَنه جَاءَ
بِالْحَقِّ من عِنْد نَبِي مُرْسل ثمَّ عرض كتاب النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَجمع الرّوم عِنْده ثمَّ عرض عَلَيْهِم فكرهوا مَا جَاءَ
بِهِ فَآمن بِهِ رجل مِنْهُم فَقتل عِنْد إيمَانه
ثمَّ إِن الرجل رَجَعَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ
بِالَّذِي كَانَ مِنْهُ وَمَا كَانَ من قتل الرجل فَقَالَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك الرجل يبْعَث أمة وَحده لذَلِك الْمَقْتُول
(1/229)
27 - الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ
رفعنَا نسبه فِي ذكر كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ كَاتب
وَرَسُول
وَنَذْكُر الْآن شَيْئا من كراماته ووفاته قَالَ عبد الْكَرِيم الْحلَبِي
ذكر الْخلال فِي كرامات الْأَوْلِيَاء عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ
قَالَ لما بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَلَاء بن
الْحَضْرَمِيّ إِلَى الْبَحْرين رَأَيْت مِنْهُ ثَلَاث خِصَال إنتهينا
إِلَى شاطئ الْبَحْر فَقَالَ سموا الله تَعَالَى واقتحموا فسمينا واقتحمنا
فعبرنا فَمَا بل المَاء أَسْفَل أخفافنا وضربنا بفلاة من الأَرْض وَلَيْسَ
مَعنا مَاء فشكونا إِلَيْهِ فصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ دَعَا الله تَعَالَى
فَإِذا سَحَابَة مثل الترس فسقتنا وَاسْتَقَيْنَا وَمَات فدفناه فِي الرمل
فَلَمَّا سرنا غير بعيد قُلْنَا يَجِيء سبع يَأْكُلهُ فرجعنا لم نره
وَكَانَ عبوره فِي الْبَحْر إِلَى أهل دارين وَله فِي قتال الرِّدَّة أثر
عَظِيم
توفّي سنة أَربع عشرَة وَقيل سنة إِحْدَى وَعشْرين قبل أَن يصل إِلَى
الْبَصْرَة بِمَاء لبني تَمِيم يُقَال لَهُ يماس
(1/230)
بَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِلَى الْمُنْذر بن سَاوَى ملك الْبَحْرين كَمَا يَأْتِي مُبينًا فِي
مَوْضِعه من كتَابنَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى
28 - عَمْرو بن الْعَاصِ
بَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ملكي عمان جَيْفَر وَعبد
ابْني جلندى الأزديين كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعه وَهُوَ كَاتب وَرَسُول
وَيَأْتِي أَيْضا خبر إِسْلَامه ووفاته عِنْد ذكر النَّجَاشِيّ
29 - عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي
ابْن خويلد بن عبد الله ابْن إِيَاس بن عبيد بن نَاشِرَة بن كَعْب بن جدي
بِضَم الْجِيم وَفتح الدَّال بن ضَمرَة بن بكر بن عبد مَنَاة بن عَليّ بن
كنَانَة
يكنى أَبَا أُميَّة قَالَه ابْن عبد الْبر قَالَ وَشهد بَدْرًا وأحدا مَعَ
الْمُشْركين وَأسلم حِين انْصَرف الْمُشْركُونَ من أحد
وَقَالَ ابْن سعد أسلم قَدِيما وَهَاجَر إِلَى الْحَبَشَة ثمَّ هَاجر إِلَى
(1/231)
الْمَدِينَة
وَأول مُشَاهدَة بِئْر مَعُونَة وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَبْعَثهُ فِي أُمُوره لنجدته وجرأته أسرته بَنو عَامر فَقَالَ لَهُ
عَامر بن الطُّفَيْل إِنَّه كَانَ على أُمِّي نسمَة فَاذْهَبْ فَأَنت حر
عَنْهَا وجز ناصيته وَبَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى
النَّجَاشِيّ وَإِلَى أبي سُفْيَان بن حَرْب وَهُوَ مَعْدُود فِي أهل
الْحجاز
وَأول رسله السِّتَّة الَّذين ذكرهم حسان كَمَا سَيَأْتِي
قَالَ ابْن عبد الْبر روى عَنهُ ابناه جَعْفَر وَعبد الله وَابْن أَخِيه
الزبْرِقَان بن عبد الله بن أُميَّة
مَاتَ بِالْمَدِينَةِ فِي خلَافَة مُعَاوِيَة
قَالَ الْحَافِظ شرف الدّين عبد الْمُؤمن بن خلف الدمياطي فِي السِّيرَة
الشَّرِيفَة وَذكر سَرِيَّة عَمْرو بن أُميَّة وَسَلَمَة بن أسلم بن حريش
إِلَى أبي سُفْيَان بِمَكَّة وَذَلِكَ أَن أَبَا سُفْيَان ابْن حَرْب قَالَ
لنفر من قُرَيْش أَلا أحد يغر مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَإِنَّهُ يمشي فِي الْأَسْوَاق فَأَتَاهُ رجل من الْأَعْرَاب فَقَالَ قد
وجدت أجمع الرِّجَال قلبا وأشدهم بطشا وأسرعهم شدا فَإِن أَنْت قويتني خرجت
إِلَيْهِ حَتَّى أغتاله وَمَعِي خنجر مثل خافية النسْر فأشوره ثمَّ أَخذ
فِي عير فأسبق الْقَوْم
(1/232)
عدوا فَإِنِّي هاد بِالطَّرِيقِ خريت
قَالَ أَنْت صاحبنا فَأعْطَاهُ بَعِيرًا وَنَفَقَة وَقَالَ اطو أَمرك فَخرج
لَيْلًا فَسَار على رَاحِلَته خمْسا وصبح ظهراء الْحرَّة صبح سادسة
ثمَّ أقبل يسْأَل عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى دلّ
عَلَيْهِ فعقل رَاحِلَته ثمَّ أقبل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَهُوَ فِي مَسْجِد بني عبد الْأَشْهَل فَلَمَّا رَآهُ قَالَ إِن
هَذَا ليريد غدرا فَذهب ليجني على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَجَذَبَهُ أسيد ابْن الْحضير بداخلة إزَاره فَإِذا بالخنجر فأسقط فِي يَده
وَقَالَ دمي دمي وَأخذ أسيد بلبته فدغته فَقَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أصدقني مَا أَنْت قَالَ وَأَنا آمن قَالَ نعم فَأخْبرهُ
بِخَبَرِهِ وَمَا جعل بِهِ أَبُو سُفْيَان فخلى عَنهُ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَبعث عَمْرو بن أُميَّة وَسَلَمَة بن أسلم إِلَى أبي
سُفْيَان وَقَالَ إِن أصبْتُمَا مِنْهُ غرَّة فاقتلاه فدخلا مَكَّة وَمضى
عَمْرو يطوف بِالْبَيْتِ لَيْلًا فَرَآهُ مُعَاوِيَة ابْن أبي سُفْيَان
فَعرفهُ فَأخْبر قُريْشًا بمكانه فخافوه وطلبوه وَكَانَ فاتكا فِي
الْجَاهِلِيَّة وَقَالُوا لم يَأْتِ عَمْرو لخير فحشد لَهُ أهل مَكَّة
وتجمعوا فهرب عَمْرو وَسَلَمَة فلقي عَمْرو عبيد الله بن مَالك التَّيْمِيّ
فَقتله وَقتل آخر من بني الدئل سَمعه يتغني وَيَقُول
(وَلست بِمُسلم مَا دمت حَيا ... وَلست أدين دين المسلمينا)
وَلَقي رسولين لقريش بعثتهما يتجسسان الْخَبَر فَقتل أَحدهمَا وَأسر الآخر
فَقدم بِهِ الْمَدِينَة
فَجعل عَمْرو يخبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَسُول الله
(1/233)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يضْحك
وَله رَضِي الله عَنهُ أَخْبَار عَجِيبَة فِي تجسسه وتبليغه المراسلات
ودخوله فِي عَسْكَر الْعَدو وَالْخُرُوج مِنْهُ وَلَا يعلم بِهِ كَمَا هُوَ
مَذْكُور فِي فتوح الشَّام وفتوح مصر وَغير ذَلِك
وَكَانَ يُسمى ساعي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَضي الله عَنهُ
قَالَه الْمُؤلف عَفا الله عَنهُ
30 - عَمْرو بن حزم
قَالَ مُحَمَّد بن سعد فِي الطَّبَقَات وَكتب رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لعَمْرو بن حزم حِين بَعثه إِلَى الْيمن عهدا يُعلمهُ فِيهِ
شرائع الْإِسْلَام وفرائضه وحدوده وَكتب أبي
قَالَ ابْن عبد الْبر عَمْرو ابْن حزم بن زيد بن لوذان الخزرجي من بني
مَالك بن النجار وَذكر فِي نسبه خلافًا
يكنى أَبَا الضَّحَّاك وَلم يشْهد بَدْرًا وَأول مُشَاهدَة الخَنْدَق
وَاسْتَعْملهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نَجْرَان وهم
بلحارث بن كَعْب وَهُوَ ابْن سبع عشرَة سنة ليفقههم فِي الدّين وَيُعلمهُم
الْقُرْآن وَيَأْخُذ صَدَقَاتهمْ وَذَلِكَ سنة عشر بعد أَن بعث إِلَيْهِم
خَالِد بن الْوَلِيد فأسلموا وَكتب لَهُ كتابا فِيهِ الْفَرَائِض وَالسّنَن
(1/234)
وَالصَّدقَات والديات
وَمَات بِالْمَدِينَةِ سنة إِحْدَى وَخمسين وَقيل إِن عَمْرو بن حزم توفّي
فِي خلَافَة عمر رَضِي الله عَنهُ وَفِي ذَلِك خلاف ذكره ابْن عبد الْبر
وَقَالَ روى عَنهُ ابْنه مُحَمَّد وَالنضْر بن عبد الله السّلمِيّ وَزِيَاد
بن نعيم الْحَضْرَمِيّ
31 - عقبَة بن نمر
قَالَ ابْن عبد الْبر وَفد على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وَفد
هَمدَان
وَلم يرفع لَهُ نسبا
وَذكر ابْن إِسْحَاق فِي الْوُفُود فَقَالَ إِن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أما بعد فَإِن رَسُول الله مُحَمَّدًا النَّبِي أرسل
إِلَى زرْعَة ذِي يزن أَن إِذا أَتَاكُم رُسُلِي فأوصيكم بهم خيرا معَاذ بن
جبل وَعبد الله بن زيد وَمَالك بن عبَادَة وَعقبَة بن نمر وَمَالك بن مرّة
وأصحابهم وَأَن اجْمَعُوا مَا عنْدكُمْ من الصَّدَقَة والجزية وأبلغوها
رُسُلِي وَأَن أَمِيرهمْ معَاذ بن جبل فَلَا يَنْقَلِبْنَ إِلَّا رَاضِيا
(1/235)
32 - أَبُو هُرَيْرَة عبد الرَّحْمَن
الدوسي
وَكَانَ من حَقه أَن يقدم تلو العبادلة
قَالَ ابْن عبد الْبر أَبُو هُرَيْرَة هُوَ عُمَيْر بن عَامر بن عبد ذِي
الشرى بن طريف بن عتاب بن أبي صَعب ابْن مُنَبّه بن سعد بن ثَعْلَبَة بن
سليم بن فهم بن غنم بن دوس
ذكر ابْن عبد الْبر فِي اسْمه وَاسم أَبِيه اخْتِلَافا كثيرا حَاصله أَنه
كَانَ اسْمه فِي الْجَاهِلِيَّة عبد شمس وَفِي الْإِسْلَام عبد الله أَو
عبد الرَّحْمَن وغلبت عَلَيْهِ كنيته فَعرف بهَا
رُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ كنت أحمل هرة فِي كمي فرآني النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لي مَا هَذَا فَقلت هرة فَقَالَ يَا أَبَا
هُرَيْرَة
أسلم رَضِي الله عَنهُ عَام خَيْبَر وشهدها مَعَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ يَدُور مَعَه حَيْثُ دَار وَكَانَ من أحفظ
الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم
وَشهد لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَنَّهُ حَرِيص على
الْعلم والْحَدِيث
وَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي سَمِعت مِنْك حَدِيثا كثيرا وَإِنِّي
أخْشَى أَن أنسى فَقَالَ ابْسُطْ رداءك قَالَ فبسطته فغرف بِيَدِهِ فِيهِ
ثمَّ
(1/236)
قَالَ ضمه فَمَا نسيت شَيْئا بعد
قَالَ البُخَارِيّ روى عَنهُ أَكثر من ثَمَانمِائَة مَا بَين صَاحب وتابع
اسْتَعْملهُ عمر على الْبَحْرين ثمَّ عَزله ثمَّ أَرَادَهُ على الْعَمَل
فَأبى وَلم يزل بِالْمَدِينَةِ حَتَّى توفّي بهَا سنة سبع وَخمسين وَهُوَ
ابْن ثَمَان وَسبعين سنة
وَقيل مَاتَ بالعقيق وَصلى عَلَيْهِ الْوَلِيد بن عتبَة بن أبي سُفْيَان
وَكَانَ أَمِير الْمَدِينَة ومروان مَعْزُول
قَالَ ابْن سعد كتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مجوس هجر
يعرض عَلَيْهِم الْإِسْلَام فَإِن أَبَوا أخذت مِنْهُم الْجِزْيَة وَبعث
أَبَا هُرَيْرَة مَعَ الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ وأوصاه بِهِ خيرا
قَالَ صَاحب زبد الفكرة روى أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسَة آلَاف حَدِيث وثلاثمائة وَأَرْبَعَة
وَسبعين حَدِيثا وَإِنَّمَا صَحبه أَربع سِنِين
وَكَانَ مَرْوَان يستخلفه على الْمَدِينَة إِذا حج وَإِذا غَابَ فَكَانَ
يركب الْحمار ورسنه من لِيف ويحتطب عَلَيْهِ ويعبر فِي السُّوق وَهُوَ
أَمِير الْمَدِينَة
وَكَانَ لَهُ ولد اسْمه بِلَال روى عَن أَبِيه وَشهد صفّين مَعَ مُعَاوِيَة
وعاش إِلَى زمن سُلَيْمَان بن عبد الْملك
(1/237)
رُوِيَ عَنهُ أَنه كَانَ يُصَلِّي خلف
عَليّ وَيَأْكُل على سماط مُعَاوِيَة فَإِذا وَقع الْقِتَال قعد على الكوم
فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ الصَّلَاة خلف عَليّ أتم وسماط مُعَاوِيَة
أدسم والقعاد على الكوم أسلم
روى الْحميدِي فِي إِفْرَاد البُخَارِيّ رَحمَه الله عَن أبي هُرَيْرَة
رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يَقُول وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ
إِن كنت لأعتمد بكبدي على الأَرْض من الْجُوع وَإِن كنت لأشد الْحجر على
بَطْني من الْجُوع وَلَقَد قعدت يَوْمًا على طريقهم الَّذِي يخرجُون مِنْهُ
فَمر أَبُو بكر فَسَأَلته عَن آيَة من كتاب الله مَا سَأَلته إِلَّا
ليشبعني فَمر فَلم يفعل ثمَّ مر بِي عمر فَسَأَلته عَن آيَة من كتاب الله
مَا سَأَلته إِلَّا ليشبعني فَمر فَلم يفعل ثمَّ مر بِي أَبُو الْقَاسِم
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَبَسَّمَ حِين رَآنِي وَعرف مَا فِي نَفسِي
وَمَا فِي وَجْهي ثمَّ قَالَ أَبَا هر قلت لبيْك يَا رَسُول الله قَالَ
الْحق وَمضى فاتبعته فَدخل فَاسْتَأْذن فَأذن لي فَدخل فَوجدَ لَبَنًا فِي
قدح فَقَالَ من أَيْن هَذَا اللَّبن قَالُوا أهداه لَك فلَان أَو فُلَانَة
قَالَ أباهر
(1/238)
قلت لبيْك رَسُول الله قَالَ الْحق إِلَى
أهل الصّفة فادعهم لي قَالَ وَأهل الصّفة أضياف الْإِسْلَام لَا يأوون على
أهل وَلَا مَال وَلَا على أحد إِذا أَتَتْهُ صَدَقَة بعث بهَا إِلَيْهِم
وَلم يتَنَاوَل مِنْهَا شَيْئا وَإِذا أَتَتْهُ هَدِيَّة أرسل إِلَيْهِم
وَأصَاب مِنْهَا وأشركهم فِيهَا فساءني ذَلِك فَقلت وَمَا هَذَا اللَّبن
فِي أهل الصّفة كنت أَحَق أَن أُصِيب من هَذَا اللَّبن شربة أتقوى بهَا
فَإِذا جاؤوا أَمرنِي فَكنت أَنا أعطيهم وَمَا عَسى أَن يبلغنِي من هَذَا
اللَّبن وَلم يكن من طَاعَة الله وَطَاعَة رَسُوله بُد فأتيتهم فدعوتهم
فَأَقْبَلُوا وَاسْتَأْذَنُوا فَأذن لَهُم وَأخذُوا مجَالِسهمْ من الْبَيْت
قَالَ يَا أَبَا هر قلت لبيْك يَا رَسُول الله قَالَ خُذ فأعطهم قَالَ
فَأخذت الْقدح فَجعلت أعْطِيه الرجل فيشرب حَتَّى يروي ثمَّ يرد عَليّ
الْقدح فَأعْطِيه الآخر فيشرب حَتَّى يروي ثمَّ يرد عَليّ الْقدح حَتَّى
انْتَهَيْت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد روى الْقَوْم كلهم
فَأخذ الْقدح فَوَضعه على يَده فَنظر إِلَيّ فَتَبَسَّمَ فَقَالَ أَبَا هر
قلت لبيْك يَا رَسُول الله قَالَ بقيت أَنْت وَأَنا قلت صدقت يَا رَسُول
الله قَالَ اقعد فَاشْرَبْ فَقَعَدت فَشَرِبت فَقَالَ اشرب فَشَرِبت فَمَا
زَالَ يَقُول اشرب حَتَّى قلت لَا وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَا أجد لَهُ
مسلكا قَالَ فأرني فأعطيته الْقدح فَحَمدَ الله وسمى وَشرب الفضلة
ورويناه فِي كتاب الرقَاق فِي البُخَارِيّ ورويناه فِي صَحِيح مُسلم فِي
(1/239)
حَدِيث أبي قَتَادَة الْأنْصَارِيّ
الطَّوِيل وَزَاد فِيهِ فَقلت لَا أشْرب حَتَّى تشرب يَا رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن ساقي الْقَوْم آخِرهم وَفِي حَدِيث
التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه آخِرهم شربا
وروينا فِي جَامع التِّرْمِذِيّ عَن عبد الله بن رَافع قَالَ قلت لأبي
هُرَيْرَة لم كنيت أَبَا هُرَيْرَة قَالَ أما تفرق مني قلت بلَى وَالله
إِنِّي لأهابك قَالَ كنت راعي غنم أَهلِي وَكَانَت لي هُرَيْرَة صَغِيرَة
فَكنت أضعها بِاللَّيْلِ فِي شَجَرَة فَإِذا كَانَ النَّهَار ذهبت بهَا معي
فلعبت بهَا فكنوني أَبَا هُرَيْرَة قَالَ التِّرْمِذِيّ // حَدِيث غَرِيب
//
وروينا فِيهِ عَنهُ قَالَ لَيْسَ أحد أَكثر حَدِيثا عَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم مني إِلَّا عبد الله بن عَمْرو فَإِنَّهُ كَانَ يكْتب
وَكنت لَا أكتب
33 - عبد الرَّحْمَن ابْن وَرْقَاء الْخُزَاعِيّ
قَالَ ابْن عبد الْبر عبد الرَّحْمَن بن بديل بن وَرْقَاء الْخُزَاعِيّ
قَالَ الْكَلْبِيّ هُوَ وَأَخُوهُ عبد الله رَسُولا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن وشهدا
(1/240)
صفّين جَمِيعًا
وَقتل عبد الله بصفين وَكَانَ سيد خُزَاعَة أسلم مَعَ أَبِيه قبل الْفَتْح
وَشهد حنينا والطائف وتبوك
وَكَانَ لَهُ قدر وجلالة وَكَانَ عَلَيْهِ فِي صفّين دِرْعَانِ وسيفان
وَكَانَ لَهُ بهَا موقف عَظِيم
وَقتل هُوَ وَأَخُوهُ عبد الرَّحْمَن بهَا
34 - عَيَّاش بن أبي ربيعَة
وَاسم أبي ربيعَة عَمْرو بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم
يكنى أَبَا عبد الرَّحْمَن وَقيل أَبَا عبد الله
هُوَ أَخُو أبي جهل بن هِشَام لأمه أمهما أم الْجلاس وَاسْمهَا أَسمَاء بنت
مخربة ابْن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم وَهُوَ أَخُو عبد الله بن أبي
ربيعَة لِأَبِيهِ وَأمه
كَانَ إِسْلَامه قَدِيما قبل أَن يدْخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم دَار الأرقم وَهَاجَر إِلَى أَرض الْحَبَشَة مَعَ امْرَأَته
(1/241)
أَسمَاء ابْنة سَلمَة بن مخربة ولدت لَهُ
بهَا ابْنه عبد الله
ثمَّ هَاجر إِلَى الْمَدِينَة فَجمع الهجرتين
قَالَ ابْن إِسْحَاق فِي حَدِيث الْهِجْرَة ثمَّ خرج عمر بن الْخطاب
وَعَيَّاش بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي حَتَّى قدما الْمَدِينَة قَالَ عمر
اتَّعَدْت لما أردنَا الْهِجْرَة أَنا وَعَيَّاش وَهِشَام ابْن الْعَاصِ بن
وَائِل السَّهْمِي التَّنَاضِب من أضاة بني غفار وَقُلْنَا أَيّنَا لم يصبح
عِنْدهَا فقد حبس فليمض صَاحِبَاه قَالَ فَأَصْبَحت أَنا وَعَيَّاش بن أبي
ربيعَة عِنْد التَّنَاضِب وَحبس عَنَّا هِشَام قَالَ السُّهيْلي
التَّنَاضِب بِكَسْر الضَّاد كَأَنَّهُ جمع تنضب وَهُوَ ضرب من الشّجر
تألفه الحرباء تتَّخذ مِنْهُ القسي ودخانه أَبيض
قَالَ وأضاة بني غفار على عشرَة أَمْيَال من مَكَّة والأضاة الغدير
كَأَنَّهَا مقلوب من وضأة على وزن فعلة واشتقاقه من الْوَضَاءَة بِالْمدِّ
وَهِي النَّظَافَة لِأَن المَاء ينظف وَجمعه إضاء قَالَ النَّابِغَة
(1/242)
(وَهن إضاء صافيات الغلائل ... )
قَالَ عمر فَلَمَّا قدمنَا الْمَدِينَة نزلنَا فِي بني عَمْرو ابْن عَوْف
بقباء وَخرج أَبُو جهل بن هِشَام والْحَارث أَخُوهُ إِلَى عَيَّاش وَكَانَ
ابْن عَمهمَا وأخاهما لِأُمِّهِمَا حَتَّى قدما علينا الْمَدِينَة وَرَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة فَكَلمَاهُ فَقَالَا لَهُ إِن أمك
قد نذرت أَن لَا يمس رَأسهَا مشط حَتَّى تراك وَلَا تستظل من شمس حَتَّى
تراك فرق لَهَا فَقلت لَهُ يَا عَيَّاش إِنَّه وَالله إِن يُرِيدُكَ
الْقَوْم إِلَّا ليفتنوك عَن دينك فَاحْذَرْهُمْ فوَاللَّه لَو قد آذَى أمك
الْقمل لامتشطت وَلَو قد اشْتَدَّ عَلَيْهَا حر مَكَّة لاستظلت قَالَ
فَقَالَ أبر قسم أُمِّي ولي هُنَاكَ مَال فَآخذهُ قَالَ فَقلت وَالله
إِنَّك لتعلم أَنِّي لمن أَكثر قُرَيْش مَالا فلك نصف مَالِي وَلَا تذْهب
مَعَهُمَا قَالَ فَأبى عَليّ إِلَّا أَن يخرج مَعَهُمَا فَلَمَّا أَبى
إِلَّا ذَلِك قَالَ قلت أما إِذْ قد فعلت مَا فعلت فَخذ نَاقَتي هَذِه
فَإِنَّهَا نَاقَة نجيبة ذَلُول فَالْزَمْ ظهرهَا فَإِن رَابَك من الْقَوْم
ريب فَانْجُ عَلَيْهَا
فَخرج عَلَيْهَا مَعَهُمَا حَتَّى إِذا كَانُوا بِبَعْض الطَّرِيق قَالَ
لَهُ أَبُو جهل يَا أخي وَالله لقد استغلظت بَعِيري هَذَا أَفلا تعقبني على
نَاقَتك هَذِه قَالَ
(1/243)
بلَى قَالَ فَأَنَاخَ وأناخا لِيَتَحَوَّل
عَلَيْهَا فَلَمَّا اسْتَووا بِالْأَرْضِ عدوا عَلَيْهِ فَأَوْثَقَاهُ
رِبَاطًا ثمَّ دخلا بِهِ مَكَّة وفتناه فَافْتتنَ ودخلا بِهِ نَهَارا
موثقًا ثمَّ قَالَا يَا أهل مَكَّة هَكَذَا فافعلوا بسفهائكم كَمَا فعلنَا
بسفيهنا هَذَا
قَالَ عمر فَكُنَّا نقُول مَا الله بقابل مِمَّن افْتتن صرفا وَلَا عدلا
وَلَا تَوْبَة
قوم عرفُوا الله ثمَّ رجعُوا إِلَى الْكفْر لبلاء أَصَابَهُم
قَالَ وَكَانُوا يَقُولُونَ ذَلِك لأَنْفُسِهِمْ
فَلَمَّا قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة أنزل الله
عز وَجل فيهم وَفِي قَوْلنَا وَقَوْلهمْ لأَنْفُسِهِمْ يعبادي الَّذين
أَسْرفُوا على أنفسهم لَا تقنطوا من رَحْمَة الله إِن الله يغْفر الذُّنُوب
جَمِيعًا إِلَى قَوْله وَأَنْتُم لَا تشعرون قَالَ عمر فكتبتها بيَدي فِي
صحيفَة وَبعث بهَا إِلَى هِشَام بن الْعَاصِ
فَقَالَ هِشَام لما أَتَتْنِي جعلت أقرأها بِذِي طوى أصعد بهَا فِيهِ وأصوب
وَلَا أفهمها حَتَّى قلت اللَّهُمَّ فهمنيها قَالَ فَألْقى الله فِي قلبِي
أَنَّهَا إِنَّمَا أنزلت فِينَا وَفِيمَا كُنَّا نقُول فِي أَنْفُسنَا
وَيُقَال فِينَا
قَالَ فَرَجَعت إِلَى بَعِيري فَجَلَست عَلَيْهِ فلحقت برَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ
وَأما عَيَّاش بن أبي ربيعَة فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ من لي بعياش وَهِشَام فَقَالَ الْوَلِيد
(1/244)
ابْن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة أَنا لَك
بهما يَا رَسُول الله فَخرج إِلَى مَكَّة فَقَدمهَا مستخفيا فلقي امْرَأَة
تحمل طَعَاما فَقَالَ لَهَا أَيْن تريدين يَا أمة الله قَالَت أُرِيد
هذَيْن المحبوسين تعنيهما فتبعها حَتَّى عرف موضعهما وَكَانَا محبوسين فِي
بَيت لَا سقف لَهُ فَلَمَّا أَمْسَى تسور عَلَيْهِمَا ثمَّ أَخذ مروة
فوضعها تَحت قيديهما ثمَّ ضربهما بِسَيْفِهِ فقطعهما فَكَانَ يُقَال لسيفه
ذُو الْمَرْوَة لذَلِك ثمَّ حملهما على بعير وسَاق بهما فعثر فدميت
أُصْبُعه فَقَالَ
(هَل أَنْت إِلَّا أصْبع دميت ... وَفِي سَبِيل الله مَا لقِيت)
ثمَّ قدم بهما على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة
وَكَانَ ذَلِك فِي الْمحرم من أول سني الْهِجْرَة
قَالَ ابْن عبد الْبر قنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شهرا
يَدْعُو للمستضعفين بِمَكَّة ويسمي مِنْهُم الْوَلِيد ابْن الْوَلِيد
وَسَلَمَة بن هِشَام وَعَيَّاش بن أبي ربيعَة وَالْخَبَر بذلك من أصح
أَخْبَار الْآحَاد
قتل يَوْم اليرموك وَقيل مَاتَ بِمَكَّة
وَالله أعلم
ذكر ابْن سعد فِي الطَّبَقَات عَيَّاش بن أبي ربيعَة فِي رسله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم
(1/245)
إِلَى الْحَارِث ومسروح ونعيم بن عبد كلال
من حمير كَمَا سَيَأْتِي مُبينًا عِنْد ذكر الْمُلُوك إِن شَاءَ الله
تَعَالَى
35 - فرات بن حَيَّان
ابْن ثَعْلَبَة الْعجلِيّ من بني عجل من بكر بن وَائِل ابْن قاسط حَلِيف
لبني سهم هَاجر إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
رُوِيَ عَنهُ حَارِثَة بن مضرب وحَنْظَلَة بن الرّبيع قَالَه ابْن عبد
الْبر
وَرُوِيَ عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه إِلَى
ثُمَامَة بن أَثَال فِي قتل مُسَيْلمَة وقتاله
وَذكر سيف بن عمر فِي كتاب الرِّدَّة قَالَ خرج فرات والرحال وَأَبُو
هُرَيْرَة من عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لضرس
أحدهم فِي النَّار أعظم من أحد وَأَن مَعَه لِوَاء غادر قَالَ فرات
فَبَلغنَا ذَلِك فَمَا أمنا حَتَّى صنع الرّحال مَا صنع ثمَّ قتل يَعْنِي
مَعَ الْمُرْتَدين فِي خلَافَة أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ قَالَ
فَخر أَبُو هُرَيْرَة وفرات ساجدين لله عز وَجل
36 - قدامَة بن مَظْعُون
قَالَ ابْن عبد الْبر قدامَة بن مَظْعُون بن حبيب بن وهب بن
(1/246)
حذافة بن جمح الْقرشِي الجُمَحِي يكنى
أَبَا عمر وَقيل أَبَا عَمْرو وَالْأول أشهر
أمه امْرَأَة من بني جمح وَهُوَ خَال عبد الله وَحَفْصَة ابْني عمر بن
الْخطاب رَضِي الله عَنْهُم
وَكَانَ تَحْتَهُ صَفِيَّة بنت الْخطاب أُخْت عمر هَاجر إِلَى أَرض
الْحَبَشَة مَعَ أَخَوَيْهِ عُثْمَان وَعبد الله
وَشهد بَدْرًا وَسَائِر الْمشَاهد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
اسْتَعْملهُ عمر على الْبَحْرين ثمَّ عَزله وَجلده على الْخمر لسَبَب يطول
ذكره ابْن عبد الْبر وغاضب عمر ثمَّ صَالحه لرؤيا رَآهَا عمر لما قفل من
الْحَج وَنزل بالسقيا نَام فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ قَالَ عجلوا عَليّ
بِقُدَامَةَ فوَاللَّه لقد أَتَانِي آتٍ فِي مَنَامِي فَقَالَ سَالم قدامَة
فَإِنَّهُ أَخُوك فعجلوا عَليّ بِهِ فَلَمَّا أَتَوْهُ أَبى أَن يَأْتِي
ثمَّ جَاءَ فَكَلمهُ عمر واستغفر لَهُ
قَالَ ابْن عبد الْبر وَلم يحد فِي الْخمر أحد من أهل بدر إِلَّا قدامَة بن
مَظْعُون رَضِي الله عَنهُ
توفّي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَهُوَ ابْن ثَمَان وَسِتِّينَ سنة ذكره ابْن
سعد فِي رسله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمُنْذر بن سَاوَى هُوَ
وَأَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنْهُمَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابه إِن
شَاءَ الله تَعَالَى
37 - قيس بن نمط الأرحبي
قَالَ عبد الْكَرِيم الْحلَبِي أرحب بطن من هَمدَان باسكان الْمِيم
(1/247)
وَالدَّال الْمُهْملَة وَهِي الْقَبِيلَة
قَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ
(وَلَو كنت بوابا على بَاب جنَّة ... لَقلت لهمدان ادخلي بِسَلام)
قَالَ عبد الْكَرِيم فِي الْوُفُود
وَذكر الرشاطي أَن قيس ابْن نمط بن قيس بن مَالك وَقيل قيس بن مَالك بن نمط
الأرحبي خرج حَاجا فِي الْجَاهِلِيَّة فَوَافَقَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يَدْعُو إِلَى الْإِسْلَام فَأسلم فَقَالَ هَل عِنْد
قَوْمك من مَنْعَة قَالَ نَحن أمنع الْعَرَب وَقد خلفت فِي الْحَيّ
فَارِسًا مُطَاعًا يكنى أَبَا زيد قيس بن عَمْرو وَقيل أَبُو زيد عَمْرو بن
مَالك فَاكْتُبْ إِلَيْهِ حَتَّى أوافيك بِهِ فَكتب إِلَيْهِ
فَأتى قيس بن نمط أَبَا زيد بِكِتَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَأسلم وَأسلم بعض أرحب وأقبلا فِي جمَاعَة إِلَى مَكَّة ليقبلا برَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن وَذَلِكَ بعد عَاميْنِ أَو
ثَلَاثَة وَأَقْبَلت الْأَنْصَار فِي تِلْكَ الْمدَّة فعاقدوا رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخرج إِلَيْهِم فَمضى قيس بن نمط وَخلف أَصْحَابه
بِمَكَّة فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
وَفِي الرجل وَأخْبر بقَوْمه) فَقَالَ (سأكتب لَك كتابا وأجعلك على قَوْمك)
فَكتب لَهُ فِي قِطْعَة أَدِيم وَأسلم جَمِيع هَمدَان وَقدمُوا على رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مقدمه من تَبُوك وَهُوَ مائَة وَعِشْرُونَ
رَاكِبًا
وَقَالَ ابْن سعد قدم وَفد هَمدَان على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم عَلَيْهِم مقطعات الْحبرَة مكففة بالديباج فَقَالَ رَسُول
(1/248)
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (نعم الْحَيّ
هَمدَان مَا أسرعها إِلَى النَّصْر وأصبرها على الْجهد وَمِنْهُم أبدال
وَفِيهِمْ أوتاد الْإِسْلَام)
وَلم يذكر ابْن عبد الْبر قيسا فِي بَابه يَعْنِي قيس بن نمط
38 - معَاذ بن جبل
ابْن عَمْرو بن أَوْس قَالَ الْجَوْهَرِي الْأَوْس الْعَطاء والأوس
الذِّئْب وَبِه سمي الرجل وَأَوْس أَبُو قَبيلَة من الْيمن وَهُوَ أَوْس بن
قيلة أَخُو الْخَزْرَج مِنْهُم الْأَنْصَار وقيلة أمهما نسبا إِلَيْهَا
وهما ابْنا حَارِثَة ابْن ثَعْلَبَة من الْيمن والخزرج الرّيح الْجنُوب غير
مجراة بن عَائِذ ابْن عدي ابْن كَعْب بن عَمْرو بن أُدي بن سعد بن عَليّ بن
أَسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الْخَزْرَج الْأنْصَارِيّ الخزرجي
الْجُشَمِي يكنى أَبَا عبد الرَّحْمَن
وَنسبه بَعضهم فِي بني سَلمَة بن سعد بن عَليّ
قَالَ ابْن إِسْحَاق هُوَ من بني جشم بن الْخَزْرَج وَإِنَّمَا ادَّعَتْهُ
بَنو سَلمَة لِأَنَّهُ كَانَ أَخا سهل بن مُحَمَّد بن الْجد بن قيس لأمه
وَذكر الزبير عَن ابْن الْكَلْبِيّ عَن أَبِيه قَالَ رَهْط معَاذ بَنو أدّى
بن سعد بن الْخَزْرَج قَالَ وَلم يبْق من بني أُدي أحد
(1/249)
وعدادهم فِي بني سَلمَة وَكَانَ آخر من
بَقِي مِنْهُم عبد الرَّحْمَن بن معَاذ بن جبل مَاتَ بِالشَّام فِي
الطَّاعُون فانقرضوا
شهد الْعقبَة وبدرا والمشاهد كلهَا وَكَانَ عمره لما أسلم ثَمَانِي عشرَة
سنة
بَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى جملَة الْيمن دَاعيا
إِلَى الْإِسْلَام فَأسلم عَامَّة أهل الْيمن مُلُوكهمْ وعامتهم طَوْعًا من
غير قتال
وَذكر ابْن الْحذاء فِي التَّعْرِيف أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم بعث معَاذًا إِلَى الْيمن فِي شهر ربيع الأول سنة عشر وَقدم فِي
خلَافَة أبي بكر فِي الْحجَّة الَّتِي حج فِيهَا عمر
قَالَ الْحَاكِم فِي الإكليل بَعثه وَأَبا مُوسَى إِلَى الْيمن عِنْد
انْصِرَافه من تَبُوك سنة تسع
وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ بَاب بعث أبي مُوسَى ومعاذ إِلَى الْيمن قبل
حجَّة الْوَدَاع
قَالَ ابْن عبد الْبر وَقَالَ ابْن إِسْحَاق إِن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بعث معَاذًا إِلَى الْجند من الْيمن يعلم النَّاس الْقُرْآن
وَشَرَائِع الْإِسْلَام وَيَقْضِي بَينهم وَجعل إِلَيْهِ قبض الصَّدقَات من
الْعمَّال الَّذين بِالْيمن وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قد قسم الْيمن على خَمْسَة رجال خَالِد بن سعيد على صنعاء وَالْمُهَاجِر بن
أبي أُميَّة على كِنْدَة وَزِيَاد بن لبيد على
(1/250)
حَضرمَوْت ومعاذ بن جبل على الْجند وَأبي
مُوسَى الْأَشْعَرِيّ على زبيد وَزَمعَة وعدن والساحل وَقَالَ لِمعَاذ بن
جبل حِين وَجهه بِمَا تقضي قَالَ بِمَا فِي كتاب الله تَعَالَى قَالَ فَإِن
لم تَجِد قَالَ بِمَا فِي سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
فَإِن لم تَجِد قَالَ أجتهد رَأْيِي فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم الْحَمد لله الَّذِي وفْق رَسُول رَسُول الله لما يحب رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم الْجند مَفْتُوح الْحُرُوف مَوضِع
بِالْيمن قَالَ الراجز
(تنقلا من بلد إِلَى بلد ... يَوْمًا بِصَنْعَاء وَيَوْما بالجند)
وجند بِضَم أَوله وَإِسْكَان ثَانِيه وبالدال الْمُهْملَة جبل بِالْيمن
أَيْضا
قَالَ وَزَمعَة بِفَتْح أَوله وَإِسْكَان ثَانِيه وَعين مُهْملَة من
منَازِل حمير بِالْيمن وَذكره
قَالَ الْحَاكِم وَرُوِيَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شيع
معَاذًا فِي جمَاعَة من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار إِلَى أَن ركب معَاذ
وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمشي ويوصيه
وَكَانَ أحد الْأَنْصَار الثَّلَاثَة الَّذين كَانُوا يفتون على عهد رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(1/251)
وهم أبي بن كَعْب ومعاذ بن جبل وَزيد بن
ثَابت وَثَلَاثَة من الْمُهَاجِرين عَمْرو عُثْمَان وَعلي رَضِي الله
عَنْهُم
وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعلمهم بالحلال وَالْحرَام
معَاذ بن جبل
يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة أَمَام الْعلمَاء برتوة أَو رتوتين بِالتَّاءِ
الْمُثَنَّاة من فَوق أَي برمية سهم وَقيل بميل وَقيل بمدى الْبَصَر
قَالَ ابْن عبد الْبر وَكَانَ شَابًّا جميلا من أفضل شباب قومه سَمحا لَا
يمسك
قَالَ الْمَدَائِنِي مَاتَ معَاذ بِنَاحِيَة الْأُرْدُن فِي طاعون عمواس
سنة ثَمَان عشرَة وَهُوَ ابْن ثَمَان وَثَلَاثِينَ سنة قَالَ وَلم يُولد
لَهُ قطّ كَمَا قَالَ الْوَاقِدِيّ
وَذكر أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ أَنه مَاتَ وَهُوَ ابْن ثَمَان وَعشْرين سنة
وَعند سعيد بن الْمسيب قَالَ قبض معَاذ وَهُوَ ابْن ثَلَاث أَو أَربع
وَثَلَاثِينَ سنة
قَالَ زرْعَة قَالَ لي أَحْمد بن حَنْبَل كَانَ طاعون عمواس سنة ثَمَان
عشرَة وَفِيه مَاتَ معَاذ وَأَبُو عُبَيْدَة
قَالَ وَكَانَ الطَّاعُون سنة سبع عشرَة وثمان عشرَة وَفِي سنة سبع عشرَة
رَجَعَ عمر من سرغ بِجَيْش الْمُسلمين لِئَلَّا يقدمهم على الطَّاعُون
عمواس قَرْيَة بَين الرملة وَبَيت الْمُقَدّس بِفَتْح أَوله وثانية وَبعده
وَاو
(1/252)
وَألف وسين مُهْملَة قَالَ وَذكر
الْأَصْمَعِي أَنه إِنَّمَا سمي الطَّاعُون بذلك لقَولهم عَم وآسى وَمَات
فِيهِ نَحْو خَمْسَة وَعشْرين ألفا قَالَه الْبكْرِيّ
وَقَالَ سرغ بِفَتْح أَوله وَإِسْكَان ثَانِيه بعده غين مُعْجمَة مَدِينَة
بِالشَّام افتتحها أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح
وَذكر ابْن عبد الْبر عَن الزُّهْرِيّ قَالَ أصَاب النَّاس طاعون بالجابية
فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ تفَرقُوا عَنهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَة النَّار
فَقَامَ معَاذ بن جبل فَقَالَ لقد كنت فِينَا ولأنت أضلّ من حمَار أهلك
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول هُوَ رَحْمَة لهَذِهِ
الْأمة اللَّهُمَّ فاذكرمعاذا وَآل معَاذ فِيمَن تذكره بِهَذِهِ الرَّحْمَة
روى عَنهُ من الصَّحَابَة عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي وَعبد الله بن
عمر وَعبد الله بن عَبَّاس وَعبد الله بن أبي أوفى وَأنس بن مَالك وَأَبُو
أُمَامَة الْبَاهِلِيّ فِي جمَاعَة رَضِي الله عَنْهُم
كَانَ عبد الله بن عمر يَقُول حَدثنَا عَن العاقلين الْعَالمين قيل من هما
قَالَ معَاذ وَأَبُو الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنْهُمَا
وَعَن فَرْوَة الْأَشْجَعِيّ قَالَ كنت جَالِسا مَعَ ابْن مَسْعُود رَضِي
الله
(1/253)
عَنهُ فَقَالَ إِن معادا كَانَ أمة
قَانِتًا لله حَنِيفا وَلم يَك من الْمُشْركين فَقلت يَا أَبَا عبد
الرَّحْمَن إِنَّمَا قَالَ الله إِن إِبْرَهِيمُ كَانَ أمة قَانِتًا لله
حَنِيفا فَأَعَادَ قَوْله إِن معَاذًا فَلَمَّا رَأَيْته أعَاد عرفت أَنه
تعمد الْأَمر فَسكت فَقَالَ أَتَدْرِي مَا الْأمة وَمَا القانت قلت الله
أعلم قَالَ الْأمة الَّذِي يعلم الْخَيْر ويؤتم بِهِ ويقتدى وَالْقَانِت
الْمُطِيع لله وَكَذَلِكَ كَانَ معَاذ بن جبل معلما للخير مُطيعًا لله
وَلِرَسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُول مُؤَلفه أَبُو عبد الله مُحَمَّد عَفا الله عَنهُ زرت قبر معَاذ
رَضِي الله عَنهُ وقبر وَلَده عبد الرَّحْمَن إِلَى جَانِبه بِنَاحِيَة
بيسان الْغَوْر على شاطئ الشَّرِيعَة وَهِي نهر الْأُرْدُن على يمنة
الطَّرِيق المصعد فِي ذيل عقبَة الْقصير قصير الْغَوْر سنة ثَمَان
وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وزرت أَيْضا قبر أبي عُبَيْدَة رَضِي الله عَنهُ
أَسْفَل مِنْهُ وَأَنت منحدر مَعَ نهر الشَّرِيعَة من شرقيها أَيْضا إِلَى
جَانب قَرْيَة تسمى عمتا تصعد مِنْهَا إِلَى مَدِينَة عجلون ونهر اليرموك
مَنْصُوب إِلَى الشَّرِيعَة من أَرض اليرموك بَين قبريهما والمدى بَينهمَا
غير بعيد رَضِي الله عَنْهُمَا
(1/254)
39 - مَالك بن مرَارَة
قَالَ ابْن عبد الْبر وَيُقَال مَالك بن فَزَارَة وَالصَّحِيح ابْن مرَارَة
وَقَالَ بَعضهم الرهاوي
وروى عَطاء بن ميسرَة عَن الثِّقَة عِنْده عَن مَالك بن مرَارَة قَالَ
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (لَا يدْخل الْجنَّة من
كَانَ فِي قلبه مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل من كبر)
وَقَالَ مُحَمَّد بن سعد وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى
أهل الْيمن كتابا يُخْبِرهُمْ فِيهِ بشرائع الْإِسْلَام وفرائض الصَّدَقَة
فِي الْمَوَاشِي وَالْأَمْوَال ويوصيهم بِأَصْحَابِهِ وَرُسُله خيرا
وَكَانَ رَسُوله إِلَيْهِم معَاذ بن جبل وَمَالك بن مرَارَة ويخبرهم بوصول
رسولهم إِلَيْهِ وَمَا بلغ عَنْهُم
قَالَ ابْن عبد الْبر وَلَيْسَ مَالك بن مرَارَة مَشْهُورا فِي الصَّحَابَة
قَالَ ابْن سعد وَكَانَ مَالك بن مرَارَة رَسُول أهل الْيمن إِلَى النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِسْلَامِهِمْ وطاعتهم وَكتب إِلَيْهِم رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن مَالك بن مرَارَة قد بلغ الْخَبَر وَحفظ
الْغَيْب
(1/255)
40 - مَالك بن عقبَة
قَالَ ابْن عبد الْبر مَالك بن عقبَة أَو عقبَة بن مَالك هَكَذَا جرى ذكره
على الشَّك هُوَ مَذْكُور فِي الصَّحَابَة روى عَنهُ بشر بن عَاصِم
ذكره ابْن عبد الْبر وَلم يرفع لَهُ نسبا
وَذكره ابْن إِسْحَاق فِي الْوُفُود مَعَ معَاذ بن جبل وَعبد الله بن زيد
وَمَالك ابْن عبَادَة وَعقبَة بن نمر وَقد ذكرت إرسالهم فِي تَرْجَمته فِي
حرف الْعين
41 - مَالك بن عبَادَة
قَالَ ابْن عبد الْبر مَالك بن عبَادَة الغافقي وغافق هُوَ ابْن الْعَاصِ
بن عَمْرو بن مَازِن بن الأزد بن الْغَوْث أَبُو مُوسَى مصري وَيُقَال
شَامي لَهُ صُحْبَة مَاتَ سنة ثَمَان وَخمسين
وَذكره ابْن إِسْحَاق مَعَ رسله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْوُفُود
أَيْضا كَمَا تقدم
42 - المُهَاجر بن أبي أُميَّة المَخْزُومِي
وَاسم أبي أُميَّة حُذَيْفَة وَقيل سهل وَقيل هَاشم وَالْمَشْهُور
حُذَيْفَة بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عمر ابْن مَخْزُوم الْقرشِي
هُوَ أَخُو أم
(1/256)
سَلمَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم شقيقها كَانَ اسْمه الْوَلِيد فَلَمَّا قدم قَالَت أخي الْوَلِيد قدم
مُهَاجرا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ المُهَاجر
فَعرفت أم سَلمَة مَا أَرَادَ من تَحْويل اسْمه وَأَنه كره فَقَالَت هُوَ
المُهَاجر يَا رَسُول الله فِي خبر فِيهِ طول وَفِيه عيب اسْم الْوَلِيد
وَبَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْحَارِث بن عبد كلال
الْحِمْيَرِي أحد مقاولة الْيمن وَاسْتَعْملهُ على صدقَات كِنْدَة والصدف
فَتوفي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يسر إِلَيْهَا قَالَه
ابْن عبد الْبر
وَقَالَ عبد الْكَرِيم فَبَعثه أَبُو بكر إِلَى قتال أهل الرِّدَّة
بِالْيمن وَله فِيهَا أثر كَبِير وافتتح حصن النُّجَيْر بِضَم النُّون
وَفتح الْجِيم ثمَّ يَاء مثناة من تَحت وَرَاء حصن لَجأ إِلَيْهِ أهل
الرِّدَّة فِي أَيَّام أبي بكر وَهُوَ بحضرموت وَكَانَ مَعَه زِيَاد بن
لبيد الْأنْصَارِيّ فبعثا بالأشعث بن قيس أَسِيرًا فَمن عَلَيْهِ أَبُو بكر
وحقن دَمه
43 - نمير بن خَرشَة
قَالَ ابْن عبد الْبر نمير بن خَرشَة بن ربيعَة الثَّقَفِيّ حَلِيف لَهُم
من بني الْحَارِث بن كَعْب
كَانَ أحد الَّذين قدمُوا مَعَ عبد يَا ليل بِإِسْلَام ثَقِيف
(1/257)
قَالَ ابْن سعد فِي الطَّبَقَات وَكتب
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لثقيف كتابا أَن لَهُم ذمَّة الله
وَذمَّة مُحَمَّد بن عبد الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مَا كتب لَهُم
وَكتب خَالِد بن سعيد وَشهد الْحسن وَالْحُسَيْن وَدفع الْكتاب إِلَى نمير
بن خَرشَة
44 - نعيم بن مَسْعُود الْأَشْجَعِيّ
قَالَ ابْن عبد الْبر جده عَامر هَاجر إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم إِلَى الخَنْدَق وَهُوَ الَّذِي خذل الْمُشْركين وَبني قُرَيْظَة
حَتَّى صرف الله الْمُشْركين بعد أَن أرسل الله عَلَيْهِم ريحًا وجنودا لم
يروها وَخَبره فِي تخذيل بني قُرَيْظَة وَالْمُشْرِكين فِي السّير خبر
عَجِيب وَنزلت فِيهِ {الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس} كني عَنهُ وَحده
بِالنَّاسِ
سكن نعيم الْمَدِينَة وَمَات فِي خلَافَة عُثْمَان وَقيل قتل فِي الْجمل
قبل قدوم عَليّ رَضِي الله عَنهُ
وَذكر سيف بن عمر فِي كتاب الرِّدَّة أَنه كَانَ رَسُول رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ابْن ذِي اللِّحْيَة وَابْن مشيمصة الجبيري
(1/258)
45 - وَاثِلَة بن الْأَسْقَع
ابْن عبد الْعُزَّى بن عبد يَا ليل بن ناشب بن غيرَة بن سعد ابْن لَيْث بن
بكر بن عبد مَنَاة بن عَليّ بن كنَانَة اللَّيْثِيّ
أسلم وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتجهز إِلَى تَبُوك
وَيُقَال إِنَّه خدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث سِنِين
وَكَانَ من أهل الصّفة
نزل الْبَصْرَة ثمَّ سكن الشَّام وَشهد الْمَغَازِي بِدِمَشْق وحمص ثمَّ
تحول إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَمَات بهَا وَقيل بِدِمَشْق فِي آخر خلَافَة
عبد الْملك سنة خمس أَو سِتّ وَثَمَانِينَ وَهُوَ ابْن ثَمَان وَتِسْعين
سنة وَقيل مائَة سنة
يكنى أَبَا الْأَسْقَع وَقيل أَبَا مُحَمَّد وَقَالَ ابْن معِين أَبَا
قرصافة
روى عَنهُ من الشاميين مَكْحُول وَغَيره قَالَه ابْن عبد الْبر
قَالَ عبد الْكَرِيم الْحلَبِي فِي الْوُفُود وَفد وَاثِلَة بن الْأَسْقَع
على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يتجهز إِلَى تَبُوك فَأسلم
وَبَايع وَرجع إِلَى أَهله فَأخْبرهُم فَقَالَ لَهُ أَبوهُ لَا أُكَلِّمك
كلمة أبدا وَسمعت أُخْته كَلَامه فَأسْلمت وجهزته فَرجع إِلَى رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوَجَدَهُ قد سَار إِلَى تَبُوك فَقَالَ من
يحملني عقبه وَله سهمي فَحَمله كَعْب بن عجْرَة حَتَّى لحق برَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَشهد مَعَه تَبُوك
وَبَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ خَالِد بن الْوَلِيد
إِلَى أكيدر فغنم فجَاء بسهمه إِلَى كَعْب بن عجْرَة فَأبى أَن يقبله
وَقَالَ إِنَّمَا حَملتك لله
(1/259)
46 - الْوَلِيد بن بَحر الجرهمي
بَعثه إِلَى الْأَقْيَال من أهل حَضرمَوْت قَالَه القَاضِي أَبُو عبد الله
مُحَمَّد بن سَلامَة الْقُضَاعِي فِي عُيُون المعارف وفنون أَخْبَار
الخلائف وَلم يذكرهُ ابْن عبد الْبر فِي بَابه
47 - وبرة
وَقيل وبر بن يحنس
قَالَ ابْن عبد الْبر وَيُقَال ابْن مُحصن الْخُزَاعِيّ لَهُ صُحْبَة
وَهُوَ الَّذِي بَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى داذويه
وفيروز الديلمي وجشيش الديلمي بِالْيمن ليقتلوا الْأسود الْكذَّاب
الْعَنسِي الَّذِي ادّعى النُّبُوَّة
روى سيف بن عمر فِي كتاب الرِّدَّة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
قَالَ قَاتل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُسَيْلمَة وَالْأسود وطليحة
بالرسل وَلم يشْغلهُ مَا كَانَ فِيهِ من الوجع عَن أَمر الله تَعَالَى
فَبعث وبر بن يحنس الْأَزْدِيّ إِلَى فَيْرُوز وجشيش الديلميين وداذويه
الْإِصْطَخْرِي وَكَانَت هَذِه الْحِكَايَة فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(1/260)
48 - يزِيد بن شهَاب يَعْفُور
وَله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَسُول عَجِيب ذكرته لما فِيهِ من المعجزة
الغريبة وَهُوَ يزِيد بن شهَاب يَعْفُور حِمَاره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ عبد الْكَرِيم فِي شرح السِّيرَة لعبد الْغَنِيّ وَذكر أَبُو
الْقَاسِم بن عَسَاكِر فِي تَارِيخه يسْندهُ إِلَى أبي مَنْظُور قَالَ لما
فتح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْبَر أصَاب حمارا أسود قَالَ
فَكلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحمار فَكَلمهُ الْحمار
فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَا اسْمك) قَالَ اسْمِي
يزِيد بن شهَاب قَالَ السُّهيْلي زِيَاد أخرج الله من نسل جدي سِتِّينَ
حمارا كلهم لم يركبهم إِلَّا نَبِي قد كنت أتوقعك لتركبني لم يبْق من نسل
جدي غَيْرِي وَلَا من الْأَنْبِيَاء غَيْرك قد كنت قبلك لرجل يَهُودِيّ
وَكنت أتعثر بِهِ عمدا وَكَانَ يجيع بَطْني وَيضْرب ظَهْري فَقَالَ لَهُ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فَأَنت يَعْفُور يَا يَعْفُور تشْتَهي
الْإِنَاث) قَالَ لَا
فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يركبه فِي حَاجته فَإِذا نزل
عَنهُ بعث بِهِ إِلَى بَاب الرجل فَيَأْتِي الْبَاب فيقرعه بِرَأْسِهِ
فَإِذا خرج إِلَيْهِ صَاحب الدَّار أَوْمَأ إِلَيْهِ فَيعلم أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرْسلهُ إِلَيْهِ فَيَأْتِي النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم
فَلَمَّا قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَ إِلَى بِئْر
كَانَت لأبي الْهَيْثَم بن التيهَان فتردى فِيهَا جزعا على رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَصَارَت قَبره
وَقَالَ هَذَا // حَدِيث غَرِيب // وَفِي إِسْنَاده غير وَاحِد من
المجهولين
وَذكر السُّهيْلي أَن ابْن فورك ذكر فِي كتاب الْفُصُول أَنه كَانَ من
غَنَائِم خَيْبَر وَأَنه طرح نَفسه فِي بِئْر يَوْم مَاتَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم
(1/261)
قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ هَذَا // حَدِيث
مَوْضُوع //
وَقَالَ قَالَ ابْن حبَان لَا أصل لَهُ وَإِسْنَاده لَيْسَ بِشَيْء وَذكر
من وَضعه
وَقَالَ الْوَاقِدِيّ وَمُحَمّد بن جرير الطَّبَرِيّ نفق يَعْفُور منصرف
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حجَّة الْوَدَاع
وَقَالَ ابْن عَبدُوس يَعْفُور كَانَ أَخْضَر مَأْخُوذ من العفرة وَهُوَ
لون التُّرَاب وَقيل سمي بِهِ تَشْبِيها فِي عدوه باليعفور وَهُوَ الظبي
وَقيل الخشف وَقيل ولد الْبَقَرَة الوحشية
والعفر من الظباء الَّتِي تعلو بياضها حمرَة
يَقُول مُؤَلفه عَفا الله عَنهُ وَهَذَا علم من أَعْلَام نبوته صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فليتني كنت شَعْرَة فِي جلد هَذَا الْحمار الْمُبَارك
الَّذِي كَانَ فِي كل وَقت يلامس جلده جلد سيد الْبشر وَيسمع لَهُ ويطيعه
ويخاطبه وَيفهم عَنهُ وناهيك بِهِ معْجزَة من بعض معجزاته صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم
سُؤال
مَا الْحِكْمَة فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا يَعْفُور تشْتَهي
الْإِنَاث قَالَ لَا وترديه فِي الْبِئْر يَوْم قبض صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَكَانَ لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَوَاب غَيره لم يفعل ذَلِك
وَاحِد مِنْهُم بل الدلْدل وَهِي بغلته الْبَيْضَاء بقيت إِلَى خلَافَة
مُعَاوِيَة وركبها عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي صفّين
(1/262)
فَالْجَوَاب عَن ذَلِك
وَالْحكمَة فِيهِ وَالله أعلم أَن يَعْفُور قَالَ أخرج الله من نسل جدي
سِتِّينَ حمارا لم يركبهم إِلَّا نَبِي ثمَّ قَالَ وَلم يبْق من نسل جدي
غَيْرِي وَلَا من الْأَنْبِيَاء غَيْرك وتردى فِي الْبِئْر وَلم يشته
الْإِنَاث حَتَّى لَا يبْقى لَهُ نسل فَإِنَّهُ آخِرهم كَمَا أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آخر الْأَنْبِيَاء كَمَا قَالَ لِئَلَّا يركبه أحد
بعده إِذْ هُوَ مركوب الْأَنْبِيَاء وَأَيْضًا جزعا عَلَيْهِ وتحزنا ويحق
لَهُ أَن يجزع ويحزن عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَهَذَا مَا بلغ إِلَيْهِ علمي من رسله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ولنختم بوفود السبَاع إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإرسالهم إِلَيْهِ
ورده عَلَيْهِم
فصل
قَالَ عبد الْكَرِيم فِي شرح السِّيرَة إِن السبَاع وفدت عَلَيْهِ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم تسأله أَن يفْرض لَهَا مَا تَأْكُله
قَالَ ابْن سعد عَن الْمطلب بن عبد الله بن حنْطَب قَالَ بَينا رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالس بِالْمَدِينَةِ فِي أَصْحَابه أقبل ذِئْب
فَوقف بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعوى فَقَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا وَافد السبَاع إِلَيْكُم فَإِن
أَحْبَبْتُم أَن تفرضوا لَهُ شَيْئا لَا يعدوه
(1/263)
إِلَى غَيره وَإِن أَحْبَبْتُم
تَرَكْتُمُوهُ وتحرزتم مِنْهُ فَمَا أَخذ فَهُوَ رزقه فَقَالُوا يَا رَسُول
الله مَا تطيب أَنْفُسنَا لَهُ بِشَيْء فَأَوْمأ إِلَيْهِ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بأصابعه أَي خالسهم فولى وَله عسلان
قَالَ الْجَوْهَرِي العسلان الخبب يُقَال عسل الذِّئْب عسلانا إِذا أعنق
وأسرع قَالَ النَّابِغَة الْجَعْدِي
(عسلان الذِّئْب أَمْسَى قاربا ... برد اللَّيْل عَلَيْهِ فنسل)
وروى الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ جَاءَ ذِئْب
إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ جعل يبصبص بِذَنبِهِ
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا وَافد الذئاب جَاءَ
يسألكم أَن تجْعَلُوا لَهُ شَيْئا من أَمْوَالكُم فَقَالُوا
(1/264)
(إِذا الْمَرْء لم يتْرك طَعَاما يُحِبهُ
... وَلم ينْه قلبا غاويا حَيْثُ يمما)
(قضى وطرا مِنْهُ وغادر سبة ... إِذا كرت أَمْثَالهَا تملا الفما)
قَالَ السُّهيْلي وَزَاد فِي هَذَا الْخَبَر قَالَ وَإِن عمَارَة بن
الْوَلِيد هُوَ الَّذِي قَالَت قُرَيْش لأبي طَالب هَذَا عمَارَة أنهد فَتى
فِي قُرَيْش وأجمله فَخذه مَكَان ابْن أَخِيك مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وبدلا مِنْهُ وادفعه إِلَيْنَا حَتَّى نَقْتُلهُ فَإِنَّهُ سفه
آلِهَتنَا وَبدل ديننَا فَقَالَ لَهُم أَبُو طَالب أَرَأَيْتُم نَاقَة تحن
إِلَى غير فصيلها وترأمه قَالَ الْجَوْهَرِي رئمت النَّاقة وَلَدهَا إِذا
أحبته والرؤوم من الشَّاء الَّتِي تلحس ثِيَاب من مر بهَا وكل من أحب
شَيْئا وألفه فقد رئمه لَا أُعْطِيكُم ابْني تَقْتُلُونَهُ أبدا وآخذ ابنكم
أكفله وأغذوه قلت وَعمارَة هُوَ أَخُو خَالِد بن الْوَلِيد رَضِي الله
عَنهُ
قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ وَقد كَانَ عمَارَة اخبر عمرا أَن زَوْجَة
النَّجَاشِيّ علقته وأدخلته بَيتهَا فَلَمَّا أيس عَمْرو من أَمر
الْمُهَاجِرين عِنْد النَّجَاشِيّ نكل بعمارة عِنْده وَأخْبرهُ خَبره وَخبر
زوجه فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيّ ائْتِنِي
(2/53)
الْمِصْبَاح المضيء 2
(2/1)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
بَاب فِي مكاتباته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومراسلاته إِلَى مُلُوك الأَرْض
من الْعَرَب والعجم وَغَيرهم دَاعيا لَهُم إِلَى الْإِسْلَام وأجوبتهم لَهُ
وَمن أسلم مِنْهُم أَو أقرّ بالرسالة وَلم يسلم وَمن أسلم ثمَّ ارْتَدَّ
وَمن أقرّ بنبوته قبل مولده وآمن بِهِ وَلم يُدْرِكهُ أَو بشر بِهِ وَمَا
يتَعَلَّق بذلك من نادرة تقع أَو غَرِيب لُغَة وَغير ذَلِك من الْفَوَائِد
ولنبدأ بِأول كتاب كتبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين هَاجر من مَكَّة
إِلَى الْمَدِينَة وَالْكَلَام عَلَيْهِ ثمَّ نذْكر الْمُلُوك على
مَرَاتِبهمْ إِن شَاءَ الله تَعَالَى
فصل
فِي كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار
وموادعة الْيَهُود حِين
(2/3)
هَاجر إِلَى الْمَدِينَة وَأول خطْبَة
خطبهَا وَهُوَ أول كتاب كتبه لما قدم الْمَدِينَة فِيمَا علمت
قَالَ ابْن إِسْحَاق أَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بِالْمَدِينَةِ إِذْ قدمهَا شهر ربيع الأول إِلَى صفر من السّنة
الدَّاخِلَة حَتَّى بنى لَهُ فِيهَا مَسْجده ومساكنه فَاسْتَجْمَعَ لَهُ
إِسْلَام هَذَا الْحَيّ من الْأَنْصَار فَلم يبْق دَار من دور الْأَنْصَار
إِلَّا أسلم أَهلهَا إِلَّا قَلِيل من الْأَوْس وَكَانَت أول خطْبَة خطبهَا
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَامَ فيهم فَحَمدَ الله وَأثْنى
عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهله ثمَّ قَالَ أما بعد أَيهَا النَّاس فقدموا
لأنفسكم تعلمن وَالله ليصعقن أحدكُم ثمَّ لَيَدَعَن غنمه لَيْسَ لَهَا رَاع
ثمَّ ليَقُولن لَهُ ربه لَيْسَ لَهُ ترجمان وَلَا حَاجِب يَحْجُبهُ دونه
ألم يأتك رَسُولي فبلغك وآتيتك مَالا وأفضلت عَلَيْك فَمَا قدمت لنَفسك
فلينظرن يَمِينا وَشمَالًا فَلَا يرى شَيْئا ثمَّ لينظرن قدامه فَلَا يرى
شَيْئا غير جَهَنَّم فَمن اسْتَطَاعَ أَن يقي وَجهه من النَّار وَلَو بشق
تَمْرَة فَلْيفْعَل وَمن لم يجد فبكلمة طيبَة فَإِن بهَا تجزى
(2/4)
الْحَسَنَة عشر أَمْثَالهَا إِلَى
سَبْعمِائة ضعف وَالسَّلَام على رَسُول الله
ذكر الْكتاب
قَالَ وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتابا بَين الْمُهَاجِرين
وَالْأَنْصَار وادع فِيهِ يهود وعاهدهم وأقرهم على دينهم وَأَمْوَالهمْ
وَاشْترط عَلَيْهِم وَشرط لَهُم
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
هَذَا كتاب من مُحَمَّد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين
الْمُؤمنِينَ وَالْمُسْلِمين من قُرَيْش ويثرب وَمن تَبِعَهُمْ فلحق بهم
وجاهد مَعَهم أَنهم أمة وَاحِدَة من دون النَّاس الْمُهَاجِرُونَ من
قُرَيْش على ربعتهم يتعاقلون بَينهم وهم يفدون عانيهم بِالْمَعْرُوفِ
والقسط بَين الْمُؤمنِينَ وَبَنُو عَوْف عل
(2/5)
ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل
طَائِفَة تفدي عانيها بِالْمَعْرُوفِ والقسط بَين الْمُؤمنِينَ وَبَنُو
سَاعِدَة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طَائِفَة تفدي عانيها
بِالْمَعْرُوفِ والقسط بَين الْمُؤمنِينَ وَبَنُو سَاعِدَة على ربعتهم
يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طَائِفَة تفدى عانيها بِالْمَعْرُوفِ والقسط
بَين الْمُؤمنِينَ وَبَنُو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل
طَائِفَة مِنْهُم تفدي عانيها بِالْمَعْرُوفِ والقسط بَين الْمُؤمنِينَ
وَبَنُو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طَائِفَة مِنْهُم
تفدي عانيها بِالْمَعْرُوفِ والقسط بَين الْمُؤمنِينَ وَبَنُو عَمْرو بن
عَوْف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طَائِفَة تفدي عانيها
بِالْمَعْرُوفِ والقسط بَين الْمُؤمنِينَ وَبَنُو النبيت على ربعتهم
يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طَائِفَة تفدي عانيها بِالْمَعْرُوفِ والقسط
بَين الْمُؤمنِينَ وَبَنُو الْأَوْس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى
وكل طَائِفَة تفدي عانيها بِالْمَعْرُوفِ والقسط بَين الْمُؤمنِينَ وَأَن
الْمُؤمنِينَ لَا يتركون مفرحا بَينهم أَن يعطوه بِالْمَعْرُوفِ فِي فدَاء
أَو عقل وَلَا يحالف مُؤمن مولى مُؤمن دونه وَأَن الْمُؤمنِينَ
الْمُتَّقِينَ على من بغي مِنْهُم أَو ابْتغى دسيعة ظلم أَو إِثْم أَو
عدوان أَو فَسَاد بَين الْمُؤمنِينَ وَأَن أَيْديهم عَلَيْهِ جَمِيعًا
وَلَو كَانَ ولد أحدهم وَلَا يقتل مُؤمن مُؤمنا فِي كَافِر وَلَا ينصر
كَافِر
(2/6)
على مُؤمن وَأَن ذمَّة الله عز وَجل
وَاحِدَة يجير عَلَيْهِم أَدْنَاهُم وَأَن الْمُؤمنِينَ بَعضهم موَالِي بعض
دون النَّاس وَأَنه من تبعنا من يهود فَإِن لَهُ النَّصْر والأسوة غير
مظلومين وَلَا متناصر عَلَيْهِم وَأَن سلم الْمُؤمنِينَ وَاحِدَة لَا يسالم
مُؤمن من دون مُؤمن فِي قتال فِي سَبِيل الله إِلَّا عَن سَوَاء وَعدل
بَينهم وَأَن كل غَازِيَة غزت مَعنا يعقب بَعْضهَا بَعْضًا وَأَن
الْمُؤمنِينَ يبئ بَعضهم عَن بعض بِمَا نَالَ دِمَاءَهُمْ فِي سَبِيل الله
وَأَن الْمُؤمنِينَ الْمُتَّقِينَ على أحسن هدى وأقومه وَأَنه لَا يجير
مُشْرك مَالا لقريش وَلَا نفسا وَلَا يحول دونه على مُؤمن وَأَنه من اعتبط
مُؤمنا قتلا عَن بَيِّنَة فَإِنَّهُ قَود بِهِ إِلَّا أَن يرضى ولي
الْمَقْتُول وَأَن الْمُؤمنِينَ عَلَيْهِ كَافَّة وَلَا يحل لَهُم إِلَّا
قيام عَلَيْهِ وَأَنه لَا يحل لمُؤْمِن أقرّ بِمَا فِي هَذِه الصَّحِيفَة
وآمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن ينصر مُحدثا وَلَا يؤويه وَأَنه من
نَصره أَو آواه فَإِن عَلَيْهِ لعنة الله وغضبه يَوْم الْقيمَة وَلَا
يُؤْخَذ مِنْهُ صرف وَلَا عدل وأنكم مهما اختلفتم فِيهِ من شَيْء فَإِن
مرده إِلَى الله وَإِلَى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(2/7)
وَأَن الْيَهُود يُنْفقُونَ مَعَ
الْمُؤمنِينَ مَا داموا محاربين وَأَن يهود بني عَوْف أمة مَعَ
الْمُؤمنِينَ للْيَهُود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إِلَّا من
ظلم وأثم فَإِنَّهُ لَا يوتغ إِلَّا نَفسه وَأهل بَيته وَأَن ليهود بني
النجار مثل مَا ليهود بني عَوْف وَأَن ليهود بني الْحَارِث مثل مَا ليهود
بني عَوْف وَأَن ليهود بني سَاعِدَة مثل مَا ليهود بني عَوْف وَأَن ليهود
بني جشم مثل مَا ليهود بني عَوْف وَأَن ليهود بني الْأَوْس مثل مَا ليهود
بني عَوْف وَأَن ليهود بني ثَعْلَبَة مثل مَا ليهود بني عَوْف إِلَّا من
ظلم وأثم فَإِنَّهُ لَا يوتغ إِلَّا نَفسه وَأهل بَيته وَأَن جَفْنَة بطن
من ثَعْلَبَة كأنفسهم وَأَن لبني الشطبة مثل مَا ليهود بني عَوْف وَأَن
الْبر دون الْإِثْم وَأَن موَالِي ثَعْلَبَة كأنفسهم وَأَن بطانة يهود
كأنفسهم وَأَنه لَا يخرج مِنْهُم أحد إِلَّا بِإِذن مُحَمَّد صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَأَنه لَا ينحجز على ثأر جرح وَأَنه من فتك فبنفسه إِلَّا
من ظلم وَأَن الله على أبر هَذَا وَأَن على الْيَهُود نَفَقَتهم وعَلى
الْمُسلمين نَفَقَتهم وَأَن بَينهم النَّصْر على من حَارب أهل هَذِه
الصَّحِيفَة وَأَن بَينهم النصح والنصيحة وَالْبر دون الْإِثْم وَأَنه لم
يَأْثَم امْرُؤ بحليفه وَأَن النَّصْر للمظلوم وَأَن الْيَهُود
(2/8)
يُنْفقُونَ مَعَ الْمُؤمنِينَ مَا داموا
محاربين وَأَن يثرب حرَام جوفها لأهل هَذِه الصَّحِيفَة وَأَن الْجَار
كالنفس غير مضار وَلَا آثم وَأَنه لَا تجار حرمه إِلَّا بِإِذن أَهلهَا
وَأَنه مَا كَانَ بَين أهل هَذِه الصَّحِيفَة من حدث أَو اشتجار يخَاف
فَسَاده فَإِن مرده إِلَى الله عز وَجل وَإِلَى مُحَمَّد رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَن الله على أتقى مَا فِي هَذَا الصَّحِيفَة وأبره
وَأَنه لَا تجار قُرَيْش وَلَا من نصرها وَأَن بَينهم النَّصْر على من دهم
يثرب وَإِذا دعوا إِلَى صلح يصالحونه ويلبسونه فَإِنَّهُم يصالحونه
ويلبسونه وَأَنَّهُمْ إِذا دعوا إِلَى مثل ذَلِك فَإِنَّهُ لَهُم على
الْمُؤمنِينَ إِلَّا من حَارب فِي الدّين على كل أنَاس حصتهم من جانبهم
الَّذِي قبلهم وَأَن يهود الْأَوْس مواليهم وأنفسهم على مثل مَا لأهل هَذِه
الصَّحِيفَة من الْبر الْمَحْض من أهل هَذِه الصَّحِيفَة قَالَ ابْن هِشَام
وَيُقَال مَعَ الْبر المحسن من أهل هَذِه الصَّحِيفَة قَالَ ابْن إِسْحَاق
وَأَن الْبر دون الْإِثْم لَا يكْسب كاسب إِلَّا على نَفسه وَأَن الله عز
وَجل على أصدق مَا فِي هَذِه الصَّحِيفَة وأبره وَأَنه لَا يحول هَذَا
الْكتاب دون ظَالِم أَو آثم وَأَنه
(2/9)
من خرج آمن وَمن قعد آمن بِالْمَدِينَةِ
إِلَّا من ظلم أَو أَثم وَأَن الله جَار لمن بر وَاتَّقَى وَمُحَمّد رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
تَفْسِير غَرِيب مَا فِي هَذَا الْكتاب
قَالَ السُّهيْلي قَوْله على ربعتهم الربعة والرباعة الْحَال الَّتِي جَاءَ
الْإِسْلَام وهم عَلَيْهَا يُقَال فلَان على رباعة قومه إِذا كَانَ قيمهم
ووافدهم قَالَ وَكسر الرَّاء فِيهِ هُوَ الْقيَاس على هَذَا الْمَعْنى
لِأَنَّهَا ولَايَة وَإِن جعلت الرباعة مصدرا فَالْقِيَاس فتح الرَّاء على
شَأْنهمْ وعادتهم من أَحْكَام الدِّيات والدماء يتعاقلون معاقلهم الأولى
جمع معقلة ومعقلة من الْعقل وَهُوَ الدِّيَة
وَقَوله مفرح قَالَ ابْن هِشَام المفرح المخذول المثقل من الدّين والعيال
قَالَ الشَّاعِر
(2/10)
(إِذا أَنْت لم تَبْرَح تُؤدِّي أَمَانَة
... وَتحمل أُخْرَى أفرحتك الودائع)
وَقَالَ السُّهيْلي يجوز أَن يكون من أَفعَال السَّلب أَي سلبتك الْفَرح
كَمَا قيل أقسط الرجل إِذا عدل أَي أَزَال الْقسْط وَهُوَ الأعوجاج وَيجوز
أَن تكون الْفَاء مبدلة من بَاء فَيكون من البرح وَهُوَ الشدَّة يُقَال
لقِيت من فلَان برحا أَي شدَّة وَذكر رِوَايَة أُخْرَى مفرج بِالْجِيم
وَذكر فِي مَعْنَاهُ أقوالا مِنْهَا أَنه الَّذِي لَا ديوَان لَهُ
وَمِنْهَا أَنه الْقَتِيل بَين القريتين لَا يدْرِي من قَتله وَمِنْهَا
أَنه فِي معنى المفرح بِالْحَاء وَهُوَ الَّذِي لَا شَيْء لَهُ وَقد أثقله
الدّين فَيقْضى عَنهُ من بَيت المَال
وَقَوله العاني وَهُوَ الْأَسير والمخذول الَّذِي تَركه قومه وَلم يؤاسوه
وَقَوله الدسيعة وَهِي الْعَطِيَّة وَهُوَ مَا يخرج من حلق الْبَعِير إِذا
رغا فاستعاره هُنَا للعطية وَأَرَادَ بِهِ هَهُنَا مَا ينَال مِنْهُم من
ظلم
وَقَوله يبئ بَعضهم على بعض يمْنَع ويكف قَالَه أَبُو ذَر قَالَ السُّهيْلي
هُوَ من البواء أَي الْمُسَاوَاة وَمِنْه قَول مهلهل حِين قتل
(2/11)
ابْنا لِلْحَارِثِ بن عباد بؤبشسع نعل
كُلَيْب
قَوْله وَمن اعتبط مُؤمنا اعتبطه إِذا قَتله عَن غير شَيْء يُوجب قَتله
قَالَه أَبُو ذَر
قَوْله فَإِنَّهُ لَا يوتغ إِلَّا نَفسه أَي لَا يوبق وَلَا يهْلك يُقَال
وتغ الرجل وأوتغه غَيره أهلكه قَالَه السُّهيْلي
قَوْله وَأَن بطانة يهود بطانة الرجل خاصته وَأهل سره قَالَه أَبُو ذَر
وَقَالَ الفتك الْقَتْل والاشتجار الِاخْتِلَاف يُقَال اشتجر الْقَوْم إِذا
اخْتلفُوا
وَقَوله من دهم يُرِيد من فاجأهم يُقَال دهمتهم الْخَيل تدهمهم
قَالَ السُّهيْلي وَقَوله أَن الْبر دون الْإِثْم أَي أَن الْبر
وَالْوَفَاء يَنْبَغِي أَن يكون حاجزا عَن الْإِثْم
وَقَوله أَن الله على أتقى مَا فِي هَذِه الصَّحِيفَة وأبره أَي أَن الله
(2/12)
وَحزبه الْمُؤمنِينَ على الرضى بِهِ
ثمَّ قَالَ يَعْنِي السُّهيْلي هَذَا كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِيمَا بَينه وَبَين الْيَهُود حِين قدم الْمَدِينَة شَرط لَهُم
فِيهِ وَشرط عَلَيْهِم وأمنهم فِيهِ على أنفسهم وأهليهم وَأَمْوَالهمْ
وَكَانَت أَرض يثرب لَهُم قبل نزُول الْأَنْصَار فَلَمَّا كَانَ سيل العرم
وَتَفَرَّقَتْ سبا نزلت الْأَوْس والخزرج بِأَمْر طريفة الكاهنة وَأمر
عمرَان بن عَامر فَإِنَّهُ كَانَ كَاهِنًا وَبِمَا سجعت بِهِ لكل قَبيلَة
من سبا فسجعت لبني حَارِثَة بن ثَعْلَبَة وهم الْأَوْس والخزرج أَن ينزلُوا
يثرب ذَات النّخل فنزلوها على يهود وحالفوهم وَأَقَامُوا مَعَهم وَكَانَت
الدَّار وَاحِدَة وَالسَّبَب فِي كَون الْيَهُود بِالْمَدِينَةِ وَهِي وسط
أَرض الْعَرَب مَعَ أَن الْيَهُود أصلهم من أَرض كنعان أَن بني إِسْرَائِيل
كَانَت تغير عَلَيْهِم العماليق من أَرض الْحجاز وَكَانَت مَنَازِلهمْ يثرب
والجحفة إِلَى مَكَّة فشكت بَنو إِسْرَائِيل ذَلِك إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ
السَّلَام فَوجه إِلَيْهِم جَيْشًا وَأمرهمْ أَن يقتلوهم وَلَا يبقوا
مِنْهُم أحدا فَفَعَلُوا وَتركُوا مِنْهُم ابْن ملك لَهُم كَانَ غُلَاما
حسنا فرقوا لَهُ وَيُقَال للْملك الأرقم بن الأرقم فِيمَا ذكر الزبير
(2/13)
ثمَّ رجعُوا إِلَى الشَّام ومُوسَى
عَلَيْهِ السَّلَام قد مَاتَ فَقَالَت بَنو إِسْرَائِيل لَهُم قد عصيتم
وخالفتم فَلَا نؤويكم فَقَالُوا نرْجِع إِلَى الْبِلَاد الَّتِي غلبنا
عَلَيْهَا فنكون بهَا فَرَجَعُوا إِلَى يثرب فاستوطنوها وتناسلوا بهَا
إِلَى أَن نزلت عَلَيْهِم الْأَوْس والخزرج بعد سيل العرم
وَقيل إِن طَائِفَة من بني إِسْرَائِيل لحقت بِأَرْض الْحجاز حِين دوخ بخت
نصر البابلي بِلَادهمْ وجاس خلال دِيَارهمْ لحق من لحق مِنْهُم بالحجاز
كقريظة وَالنضير وَسَكنُوا خَيْبَر وَالْمَدينَة وَالله سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى أعلم
وَأما يثرب فاسم رجل من العماليق نزل بهَا فَعرفت باسمه وَهُوَ يثرب بن
قاين بن عبيل وَبَنُو عبيل هم الَّذين سكنوا الْجحْفَة فأحجفت بهم
السُّيُول وَبِذَلِك سميت الْجحْفَة فَلَمَّا احتلها رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كره لَهَا هَذَا الِاسْم لما فِيهِ من لفظ التثريب وسماها
طيبَة وطابة وَالْمَدينَة
(2/14)
وروى عَن كَعْب وَغَيره أَن لَهَا فِي
التَّوْرَاة أحد عشر اسْما ذكرهَا السُّهيْلي قَالَ وروى فِي معنى قَوْله
تَعَالَى {وَقل رب أدخلني مدْخل صدق} أَنَّهَا الْمَدِينَة {وأخرجني مخرج
صدق} أَنَّهَا أَنَّهَا مَكَّة و {سُلْطَانا نَصِيرًا} الْأَنْصَار رَضِي
الله عَنْهُم
قَالَ أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام إِنَّمَا كتب رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم هَذَا الْكتاب قبل أَن تفرض الْجِزْيَة وَإِذا كَانَ
الْإِسْلَام ضَعِيفا وَكَانَ للْيَهُود إِذْ ذَاك نصيب من الْمغنم إِذا
قَاتلُوا مَعَ الْمُسلمين كَمَا شَرط عَلَيْهِم فِي هَذَا الْكتاب
النَّفَقَة مَعَهم فِي الحروب
قَالَ السُّهيْلي ثمَّ آخى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين
أَصْحَابه حِين نزلُوا الْمَدِينَة ليذْهب عَنْهُم وَحْشَة الغربة ويؤنسهم
من مُفَارقَة الْأَهْل وَالْعشيرَة ويشد أزر بَعضهم بِبَعْض فَلَمَّا عز
الْإِسْلَام وَاجْتمعَ الشمل وَذَهَبت الوحشة أنزل الله سُبْحَانَهُ
وَأولُوا الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض فِي كتب الله يَعْنِي الْمِيرَاث
ثمَّ جعل الْمُؤمنِينَ كلهم إخْوَة فَقَالَ {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ
إخْوَة} يَعْنِي فِي التواد وشمول الدعْوَة
(2/15)
بَاب فِي ذكر النَّجَاشِيّ ملك الْحَبَشَة
وَخبر إِسْلَامه ومكاتباته لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا يتَعَلَّق
بذلك
روينَا عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
كتب إِلَى كسْرَى وَقَيْصَر وَإِلَى النَّجَاشِيّ وَإِلَى كل جَبَّار
يَدعُوهُم إِلَى الله تَعَالَى فَدلَّ على أَن هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة
الَّذين عينهم أكبر مُلُوك الأَرْض وَبَقِيَّة الْمُلُوك تبع لَهُم فِي
زَمَانه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلذَلِك كَانُوا يدعونَ كسْرَى شاهان شاه
يَعْنِي ملك الْمُلُوك وَقد كره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن
يتسمى الرجل بِهَذَا الِاسْم وَمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ
(2/17)
فَبَدَأت بالنجاشي رَحمَه الله لسرعة
إجَابَته لدَعْوَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإسلامه وتواضعه
وَعدم توقفه عِنْد سَماع التَّنْزِيل واتباعه الْحق وَلم يَأْخُذهُ فِي
الله لومة لائم ولكونه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى عَلَيْهِ
بِالْمَدِينَةِ وَظُهُور المعجزة فِي ذَلِك وتتبعت جَمِيع مَا رُوِيَ فِي
ذَلِك حسب الِاسْتِطَاعَة فَأَقُول قَالَ ابْن دحْيَة فِي فضل الْأَيَّام
والشهور النَّجَاشِيّ بِفَتْح النُّون وَكسرهَا واسْمه أَصْحَمَة قَالَ
ابْن زبر فِي وفياته وروى مصحمة بِالْمِيم بدل الْهمزَة بن أبجر وَمن كتاب
نَوَادِر التَّفْسِير لمقاتل بن سُلَيْمَان الْبَلْخِي قَالَ اسْم
النَّجَاشِيّ مَكْحُول بن صصه وكل من ملك الْحَبَشَة يُقَال لَهُ
النَّجَاشِيّ وَهُوَ من النجش وَهُوَ كشفك عَن الشَّيْء وبحثك عَنهُ قَالَ
الرشاطي الْحَبَشَة من ولد حبش بن كوش ابْن حام وَهُوَ أكبر مُلُوك
السودَان وَجَمِيع ممالك السودَان يُعْطون الطَّاعَة للحبشة
أسلم النَّجَاشِيّ وَحسن إِسْلَامه روينَا عَن عبد الْملك بن هِشَام
(2/18)
عَن زِيَاد البكائي عَن مُحَمَّد بن
إِسْحَاق أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما رأى مَا يُصِيب
أَصْحَابه من الْبلَاء من أهل مَكَّة وتعذيبهم عِنْد مَا أظهرُوا
الْإِسْلَام قَالَ لَهُم لَو خَرجْتُمْ إِلَى أَرض الْحَبَشَة فَإِن بهَا
ملكا عَظِيما لَا يظلم عِنْده أحد وَهِي أَرض صدق حَتَّى يَجْعَل الله لكم
فرجا مِمَّا أَنْتُم فِيهِ فَخرج قوم وَستر الْبَاقُونَ إسْلَامهمْ
وَكَانَت أَرض الْحَبَشَة متجرا لقريش فَخرج عِنْد ذَلِك أَصْحَاب رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَرض الْحَبَشَة مَخَافَة الْفِتْنَة
وفرارا إِلَى الله بدينهم فَكَانَت أول هِجْرَة فِي الْإِسْلَام وَكَانُوا
أحد عشر نَفرا وَأَرْبع نسْوَة متسللين سرا فصادف وصولهم إِلَى الْبَحْر
سفينتين للتجار فحملوهم فيهمَا إِلَى أَرض الْحَبَشَة وَكَانَ مخرجهم فِي
رَجَب من السّنة الْخَامِسَة من النُّبُوَّة وَخرجت قُرَيْش فِي آثَارهم
فقاتلوهم
وَكَانَ أول من خرج عُثْمَان بن عَفَّان مَعَه امْرَأَته رقية بنت رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالزُّبَيْر بن الْعَوام وَعبد الرَّحْمَن
بن عَوْف وجعفر بن أبي طَالب وَأَبُو سَلمَة وَامْرَأَته أم سَلمَة
وَاسْمهَا هِنْد بنت أبي أُميَّة وَعبد الله بن مَسْعُود فِيمَن خرج مَعَهم
رَضِي الله عَنْهُم فأقاموا عِنْد النَّجَاشِيّ شعْبَان ورمضان وَقدمُوا
فِي شَوَّال وَلم يدْخل أحدهم مَكَّة فآذوهم عَشَائِرهمْ فَأذن لَهُم
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْخُرُوج مرّة أُخْرَى فَخَرجُوا
فِي جمَاعَة من رجال وَنسَاء وَكَانَ جَمِيع من لحق بِأَرْض
(2/19)
الْحَبَشَة سوى من ولد بهَا
وَأَبْنَائِهِمْ الَّذين خَرجُوا بهم صغَارًا نيفا وَثَمَانِينَ رجلا
وَإِحْدَى عشرَة امْرَأَة وَلما سمعُوا بمهاجرة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم إِلَى الْمَدِينَة رَجَعَ مِنْهُم ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ رجلا وثمان
نسْوَة فَمَاتَ مِنْهُم رجل بِمَكَّة وَحبس سَبْعَة وَشهد بَدْرًا مِنْهُم
أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ
وَرُوِيَ عَن أم سَلمَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت لما
نزلنَا أَرض الْحَبَشَة جاورنا بهَا خير جَار النَّجَاشِيّ أمنا أمنا على
ديننَا وعبدنا الله لَا نؤذى وَلَا نسْمع شَيْئا نكرهه فَلَمَّا بلغ ذَلِك
قُريْشًا ائْتَمرُوا بَينهم أَن يبعثوا إِلَى النَّجَاشِيّ فِينَا رجلَيْنِ
جلدين وَأَن يهدوا لَهُ هَدَايَا مِمَّا يستطرف من مَتَاع مَكَّة وَكَانَ
من أعجب مَا يَأْتِيهِ مِنْهَا الْأدم فَجمعُوا لَهُ أدما كثيرا وَلم
يتْركُوا من بطارقته بطريقا إِلَّا أهدوا لَهُ هَدِيَّة ثمَّ بعثوا بذلك
عبد الله بن أبي ربيعَة وَعَمْرو بن الْعَاصِ وأمروهما بأمرهم وَقَالُوا
لَهما ادفعا إِلَى كل بطرِيق هديته قبل أَن تكلما النَّجَاشِيّ فيهم ثمَّ
قدما إِلَى النَّجَاشِيّ هداياه ثمَّ سلاه أَن يسلمهم إلَيْكُمَا قبل أَن
يكلمهم
قَالَت أم سَلمَة فَخَرَجَا حَتَّى قدما على النَّجَاشِيّ وَنحن عِنْدهم
بِخَير دَار عِنْد خير جَار فَلم يبْق من بطارقته بطرِيق إِلَّا دفعا
إِلَيْهِ هديته
(2/20)
قبل أَن يكلما النَّجَاشِيّ وَقَالا لكل
بطرِيق مِنْهُم إِنَّه قد ضوى إِلَى بِلَاد الْملك يَعْنِي أَوَى وانضم
إِلَيْهِ قَالَه الْجَوْهَرِي منا غلْمَان سُفَهَاء فارقوا دين قَومهمْ
وَلم يدخلُوا فِي دينكُمْ وَجَاءُوا بدين مُبْتَدع لَا نعرفه نَحن وَلَا
أَنْتُم وَقد بعثنَا إِلَى الْملك فيهم أَشْرَاف قَومهمْ ليردهم إِلَيْهِم
فَإِذا كلمنا الْملك فيهم فأشيروا عَلَيْهِ بِأَن يسلمهم إِلَيْنَا وَلَا
يكلمهم فَإِن قَومهمْ أَعلَى بهم عينا وَأعلم بِمَا كَانُوا عابوا
عَلَيْهِم فَقَالُوا لَهما نعم
ثمَّ إنَّهُمَا قربا هداياهما إِلَى النَّجَاشِيّ قبلهَا مِنْهُمَا ثمَّ
كلماه فَقَالَا لَهُ أَيهَا الْملك إِنَّه قد ضوى إِلَى بلدك منا غلْمَان
سُفَهَاء فارقوا دين قَومهمْ وَلم يدخلُوا فِي دينك وَجَاءُوا بدين ابتدعوه
لَا نعرفه نَحن وَلَا أَنْت وَقد بعثنَا إِلَيْك فيهم أَشْرَاف قَومهمْ من
آبَائِهِم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم عَلَيْهِم فهم أَعلَى بهم عينا وَأعلم
بِمَا عابوا عَلَيْهِم وعاتبوهم فِيهِ قَالَت وَلم يكن شَيْء أبْغض إِلَى
عبد الله بن أبي ربيعَة وَعَمْرو بن الْعَاصِ من أَن يسمع كَلَامهم
النَّجَاشِيّ قَالَت فَقَالَت بطارقته حوله صدقا أَيهَا الْملك قَومهمْ
أَعلَى بهم عينا وَأعلم بِمَا
(2/21)
عابوا عَلَيْهِم فأسلمهم إِلَيْهِمَا
فليرداهم إِلَى بِلَادهمْ وقومهم قَالَت فَغَضب النَّجَاشِيّ ثمَّ قَالَ
لَا هَا الله إِذا لَا أسلمهم إِلَيْهِمَا وَلَا يكَاد قوم جاوروني ونزلوا
بلادي واختاروني على من سواي حَتَّى أدعوهم فأسألهم عَمَّا يَقُول هَذَانِ
فِي أَمرهم فَإِن كَانُوا كَمَا يَقُولَانِ أسلمتهم إِلَيْهِمَا ورددتهم
إِلَى قَومهمْ وَإِن كَانُوا على غير ذَلِك منعتهم مِنْهُم وأحسنت جوارهم
مَا جاوروني
قَالَت ثمَّ أرسل إِلَى أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَدَعَاهُمْ فَلَمَّا جَاءَهُم رَسُوله اجْتَمعُوا ثمَّ قَالَ بَعضهم لبَعض
مَا تَقولُونَ للرجل إِذا جئتموه قَالُوا نقُول وَالله مَا علمنَا وَمَا
أمرنَا بِهِ نَبينَا كَائِنا فِي ذَلِك مَا هُوَ كَائِن
فَلَمَّا جَاءُوا وَقد دَعَا النَّجَاشِيّ أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله
سَأَلَهُمْ فَقَالَ لَهُم مَا هَذَا الَّذين الَّذِي فارقتم فِيهِ قومكم
وَلم تدْخلُوا فِي ديني وَلَا فِي دين أحد من هَذِه الْملَل قَالَت فَكَانَ
الَّذِي كَلمه جَعْفَر بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ لَهُ أَيهَا
الْملك كُنَّا قوما أهل جَاهِلِيَّة نعْبد الْأَصْنَام وَنَأْكُل الْميتَة
ونأتي الْفَوَاحِش ونقطع الْأَرْحَام ونسيء الْجوَار وَيَأْكُل الْقوي
الضَّعِيف فَكُنَّا على ذَلِك حَتَّى
(2/22)
بعث الله سُبْحَانَهُ إِلَيْنَا رَسُولا
منا نَعْرِف نسبه وَصدقه وأمانته وعفافه فَدَعَانَا إِلَى الله لنوحده
ونعبده ونخلع مَا كُنَّا نعْبد نَحن وآباؤنا من دونه من الْحِجَارَة
والأوثان وأمرنا بِصدق الحَدِيث وَأَدَاء الْأَمَانَة وصلَة الرَّحِم وَحسن
الْجوَار والكف عَن الْمَحَارِم والدماء ونهانا عَن الْفَوَاحِش وَقَول
الزُّور وَأكل مَال الْيَتِيم وَقذف الْمُحْصنَات وأمرنا أَن نعْبد الله
لَا نشْرك بِهِ شَيْئا وأمرنا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَالصِّيَام قَالَت
فعدد عَلَيْهِ أُمُور الْإِسْلَام فصدقنا وآمنا بِهِ واتبعناه على مَا
جَاءَ بِهِ من الله فعبدنا الله وَحده وَلم نشْرك بِهِ شَيْئا وحرمنا مَا
حرم علينا وأحللنا مَا أحل لنا فَعدا علينا قَومنَا فعذبونا وفتنونا عَن
ديننَا ليردونا إِلَى عبَادَة الْأَوْثَان من عبَادَة الله وَأَن نستحل مَا
كُنَّا نستحل من الْخَبَائِث فَلَمَّا قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا
بَيْننَا وَبَين ديننَا خرجنَا إِلَى بلادك واخترناك على من سواك ورغبنا
فِي جوارك ورجونا أَن لَا نظلم عنْدك أَيهَا الْملك قَالَت فَقَالَ
النَّجَاشِيّ هَل مَعَك مِمَّا جَاءَ بِهِ عَن الله من شَيْء قَالَت
فَقَالَ لَهُ جَعْفَر نعم فَقَالَ النَّجَاشِيّ فاقرأه عَليّ قَالَت
فَقَرَأَ عَلَيْهِ صَدرا من {كهيعص} قَالَت فَبكى وَالله النَّجَاشِيّ
حَتَّى اخضلت لحيته وبكت أساقفته حَتَّى أخضلوا مصاحفهم
(2/23)
حِين سمعُوا مَا تَلا عَلَيْهِم قَالَ
الْجَوْهَرِي اخضل مَعْنَاهُ بل ثمَّ قَالَ النَّجَاشِيّ إِن هَذَا
وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى ليخرج من مشكاة وَاحِدَة قَالَ الواحدي
الْمشكاة كوَّة غير نَافِذَة انْطَلقَا فوَاللَّه لَا أسلمهم إلَيْكُمَا
وَلَا نكاد
قَالَت فَلَمَّا خرجا من عِنْده قَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ وَالله لَآتِيَنه
غَدا عَنْهُم بِمَا أستأصل بِهِ خضراءهم قَالَ الْجَوْهَرِي خضراءهم
يَعْنِي سوادهم ومعظمهم وَأنْكرهُ الْأَصْمَعِي وَقَالَ إِنَّمَا يُقَال
غضراءهم أَي خَيرهمْ وغضارتهم قَالَت فَقَالَ عبد الله بن أبي ربيعَة
وَكَانَ أبقى الرجلَيْن فِينَا لَا تفعل فَإِن لَهُم أرحاما وَإِن كَانُوا
قد خالفونا قَالَ وَالله لأخبرنه أَنهم يَزْعمُونَ أَن عِيسَى بن مَرْيَم
عبد قَالَت ثمَّ غَدا عَلَيْهِ من الْغَد فَقَالَ أَيهَا الْملك إِنَّهُم
يَقُولُونَ فِي عِيسَى بن مَرْيَم قولا عَظِيما فَأرْسل إِلَيْهِم فسلهم
عَمَّا
(2/24)
يَقُولُونَ فِيهِ قَالَت فَأرْسل إِلَيْهِم
ليسألهم عَنهُ قَالَت وَلم ينزل بِنَا مثلهَا قطّ فَاجْتمع الْقَوْم ثمَّ
قَالَ بَعضهم لبَعض مَاذَا تَقولُونَ فِي عِيسَى بن مَرْيَم قَالَت فَقَالَ
جَعْفَر بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ نقُول فِيهِ الَّذِي جَاءَنَا بِهِ
نَبينَا كَائِنا فِي ذَلِك مَا هُوَ كَائِن
قَالَت فَلَمَّا دخلُوا عَلَيْهِ قَالَ لَهُم مَا تَقولُونَ فِي عِيسَى بن
مَرْيَم قَالَت فَقَالَ جَعْفَر بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ نقُول فِيهِ
الَّذِي جَاءَنَا بِهِ نَبينَا نقُول هُوَ عبد الله وَرَسُوله وروحه وكلمته
أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم الْعَذْرَاء البتول قَالَ الْجَوْهَرِي
الْعَذْرَاء الْبكر والبتول المنقطعة من الزواج وَقيل المنقطعة إِلَى الله
تَعَالَى عَن الدُّنْيَا قَالَت فَضرب النَّجَاشِيّ بِيَدِهِ إِلَى الأَرْض
فَأخذ مِنْهَا عودا ثمَّ قَالَ مَا عدا عِيسَى بن مَرْيَم مِمَّا قلت هَذَا
الْعود قَالَت فتناخرت بطارقته حوله حِين قَالَ مَا قَالَ فَقَالَ وَإِن
نخرتم وَالله اذْهَبُوا فَأنْتم شيوم بأرضي والشيوم الآمنون من سبكم غرم
ثمَّ
(2/25)
قَالَ من سبكم غرم مَا أحب أَن لي دبرا من
ذهب قَالَ ابْن هِشَام وَيُقَال ديرا وَيُقَال فَأنْتم سيوم وَأَنِّي آذيت
رجلا مِنْكُم والدبر بِلِسَان الْحَبَشَة الْجَبَل ردوا عَلَيْهِمَا
هداياهما فَلَا حَاجَة لي بهَا فوَاللَّه مَا أَخذ الله مني الرِّشْوَة
حِين رد عَليّ ملكي فآخذ الرِّشْوَة فِيهِ وَمَا أطَاع النَّاس فِي فأطيعهم
فِيهِ
قَالَت فَخَرَجَا من عِنْده مقبوحين مردودا عَلَيْهِمَا مَا جَاءَا بِهِ
وأقمنا عِنْده بِخَير دَار مَعَ خير جَار قَالَت فوَاللَّه إِنَّا لعلى
ذَلِك إِذْ نزل بِهِ رجل من الْحَبَشَة ينازعه فِي ملكه قَالَت فوَاللَّه
مَا علمتنا حزنا قطّ كَانَ أَشد من حزن حزناه عِنْد ذَلِك تخوفا أَن يظْهر
ذَلِك الرجل على النَّجَاشِيّ فَيَأْتِي رجل لَا يعرف من حَقنا مَا كَانَ
النَّجَاشِيّ يعرف مِنْهُ قَالَت وَسَار إِلَيْهِ النَّجَاشِيّ وَبَينهمَا
عرض النّيل قَالَت فَقَالَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
من رجل يخرج حَتَّى يحضر وقيعة الْقَوْم ثمَّ يأتينا بالْخبر قَالَت
فَقَالَ الزبير بن الْعَوام أَنا قَالُوا فَأَنت وَكَانَ من أحدث الْقَوْم
سنا قَالَت فنفخوا لَهُ قربَة فَجَعلهَا فِي صَدره ثمَّ سبح عَلَيْهَا
حَتَّى خرج إِلَى نَاحيَة النّيل الَّتِي بهَا ملتقى الْقَوْم ثمَّ انْطلق
حَتَّى حضرهم قَالَت ودعونا الله للنجاشي بالظهور على عدوه
(2/26)
والتمكين لَهُ فِي بِلَاده قَالَت
فوَاللَّه إِنَّا لعلى ذَلِك متوقعون لَهُ مَا هُوَ كَائِن إِذْ طلع الزبير
بن الْعَوام يسْعَى فلمع بِثَوْبِهِ أَلا فأبشروا فقد ظفر النَّجَاشِيّ
وَأهْلك الله عدوه قَالَت فوَاللَّه مَا علمتنا فرحنا فرحة قطّ مثلهَا
قَالَت وَرجع النَّجَاشِيّ وَقد أهلك الله عدوه وَمكن لَهُ فِي بِلَاده
واستوسق عَلَيْهِ أَمر الْحَبَشَة فَكُنَّا عِنْده فِي خير منزل حَتَّى
قدمنَا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة
قَالَ وَأما قَول النَّجَاشِيّ مَا أَخذ الله مني الرِّشْوَة حِين رد عَليّ
ملكي فآخذ الرِّشْوَة فِيهِ فَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا إِن
أَبَاهُ ملك قومه وَلم يكن لَهُ ولد إِلَّا النَّجَاشِيّ وَكَانَ للنجاشي
عَم لَهُ من صلبه اثْنَا عشر ولدا وَكَانُوا أهل بَيت مملكة الْحَبَشَة
فَقَالَت الْحَبَشَة بَينهَا لَو أَنا قتلنَا أَبَا النَّجَاشِيّ وملكنا
أَخَاهُ فَإِنَّهُ لَا ولد لَهُ غير هَذَا الْغُلَام وَإِن لِأَخِيهِ من
صلبه اثْنَي عشر رجلا فتوارثوا الْملك من بعده بقيت الْحَبَشَة بعده دهرا
فعدوا على أبي النَّجَاشِيّ فَقَتَلُوهُ وملكوا أَخَاهُ فَمَكَثُوا على
ذَلِك حينا وَنَشَأ النَّجَاشِيّ مَعَ عَمه وَكَانَ لبيبا حازما فغلب على
أَمر عَمه وَنزل مِنْهُ كل منزلَة فَلَمَّا رَأَتْ الْحَبَشَة مَكَانَهُ
مِنْهُ قَالَت بَينهَا وَالله لقد غلب هَذَا الْفَتى على أَمر عَمه
وَإِنَّا لنتخوف أَن يملكهُ علينا فَإِن ملكه علينا ليقتلنا أَجْمَعِينَ
وَلَقَد عرف أَنا نَحن
(2/27)
قتلنَا أَبَاهُ فَمَشَوْا إِلَى عَمه
فَقَالُوا إِمَّا أَن تقتل هَذَا الْفَتى وَإِمَّا أَن نخرجهُ من بَين
أظهرنَا فَإنَّا قد خفناه على أَنْفُسنَا قَالَ وَيْلكُمْ قتلت أَبَاهُ
بالْأَمْس وأقتله الْيَوْم بل أخرجه عَنْكُم قَالَت فَخَرجُوا بِهِ إِلَى
السُّوق فباعوه من رجل من التُّجَّار بستمائة دِرْهَم فقذفه فِي سفينته
فَانْطَلق بِهِ
حَتَّى إِذا كَانَ الْعشي من ذَلِك الْيَوْم هَاجَتْ سَحَابَة من سحائب
الخريف فَخرج عَمه يستمطر تحتهَا فأصابته صَاعِقَة فَقتلته قَالَت فَفَزِعت
الْحَبَشَة إِلَى وَلَده فَإِذا هُوَ محمق لَيْسَ فِي وَلَده خير فمرج على
الْحَبَشَة أَمرهم يَعْنِي اخْتَلَط واضطرب قَالَه الْجَوْهَرِي قَالَ
وَهُوَ بِكَسْر الرَّاء وَبِفَتْحِهَا عَكسه وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {مرج
الْبَحْرين} أَي خلاهما لَا يلتبسان قَالَت فَلَمَّا ضَاقَ عَلَيْهِم مَا
هم فِيهِ من ذَلِك قَالَ بَعضهم لبَعض تعلمُوا وَالله إِن ملككم الَّذِي
لَا يُقيم أَمركُم غَيره للَّذي بعتموه غدْوَة فَإِن كَانَ لكم بِأَمْر
الْحَبَشَة حَاجَة فأدركوه قَالَت فَخَرجُوا فِي طلبه وَطلب الرجل الَّذِي
باعوه مِنْهُ حَتَّى أدركوه فَأَخَذُوهُ مِنْهُ ثمَّ جَاءُوا بِهِ فعقدوا
عَلَيْهِ التَّاج وأقعدوه على سَرِير الْملك فملكوه فَجَاءَهُمْ التَّاجِر
الَّذِي كَانُوا باعوه مِنْهُ فَقَالَ إِمَّا أَن تعطوني مَالِي وَإِمَّا
أَن ُأكَلِّمهُ فِي ذَلِك فَقَالُوا لَا نعطيك شَيْئا
(2/28)
قَالَ إِذا وَالله ُأكَلِّمهُ قَالُوا
فدونك قَالَ فجَاء فَجَلَسَ بَين يَدَيْهِ وَقَالَ أَيهَا الْملك ابتعت
غُلَاما من قوم بِالسوقِ بستمائة دِرْهَم فأسلموا إِلَيّ غلامي وَأخذُوا
دراهمي حَتَّى إِذا سرت بغلامي أدركوني فَأخذُوا غلامي ومنعوني دراهمي
قَالَت فَقَالَ لَهُم النَّجَاشِيّ لتعطنه دَرَاهِمه أَو ليضعن يَد غُلَامه
فِي يَده فليذهبن بِهِ حَيْثُ شَاءَ قَالُوا بل نُعْطِيه دَرَاهِمه قَالَت
فَلذَلِك قَالَ مَا أَخذ الله مني الرِّشْوَة حِين رد عَليّ ملكي فآخذ
الرِّشْوَة فِيهِ قَالَت وَكَانَ ذَلِك أول مَا خبر من صلابته فِي دينه
وعدله فِي حكمه
قَالَ السُّهيْلي وَظَاهر الحَدِيث يدل على أَنهم أَخَذُوهُ مِنْهُ قبل أَن
يَأْتِي بِهِ بِلَاده لقَوْله خَرجُوا فِي طلبه فأدركوه وَقد بَين فِي
حَدِيث آخر أَن سَيّده كَانَ من الْعَرَب وَأَنه استعبده طَويلا وَهُوَ
الَّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْله فَلَمَّا مرج على الْحَبَشَة أَمرهم وضاق
عَلَيْهِم مَا هم فِيهِ وَهَذَا يدل على طول الْمدَّة فِي مغيبه عَنْهُم
وَقد رُوِيَ أَن وقْعَة بدر حِين انْتهى خَبَرهَا إِلَى النَّجَاشِيّ
رَحمَه الله علم بهَا قبل من عِنْده من الْمُسلمين فَأرْسل إِلَيْهِم
فَلَمَّا دخلُوا عَلَيْهِ إِذا هُوَ قد
(2/29)
لبس مسحا وَقعد على التُّرَاب والرماد
فَقَالُوا لَهُ مَا هَذَا أَيهَا الْملك فَقَالَ إِنَّا نجد فِي
الْإِنْجِيل أَن الله سُبْحَانَهُ إِذا أحدث بِعَبْدِهِ نعْمَة وَجب على
العَبْد أَن يحدث لله تواضعا وَأَن الله قد أحدث إِلَيْنَا وإليكم نعْمَة
عَظِيمَة وَهِي أَن النَّبِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَلغنِي
أَنه التقى هُوَ وأعداؤه بواد يُقَال لَهُ بدر كثير الْأَرَاك كنت أرعى
فِيهِ الْغنم على سَيِّدي وَهُوَ من بني ضَمرَة وَأَن الله تَعَالَى قد هزم
أعداءه فِيهِ وَنصر دينه فَدلَّ هَذَا الْخَبَر على طول مكثه فِي بِلَاد
الْعَرَب فَمن هُنَا وَالله أعلم تعلم من لِسَان الْعَرَب مَا فهم بِهِ
سُورَة مَرْيَم حِين تليت عَلَيْهِ حَتَّى بَكَى واخضلت لحيته
وَذكر أَن جعفرا رَضِي الله عَنهُ ولد لَهُ بِأَرْض الْحَبَشَة ثَلَاثَة
أَوْلَاد مُحَمَّد وَعون وَعبد الله وَكَانَ النَّجَاشِيّ قد ولد لَهُ
مَوْلُود يَوْم ولد عبد الله فَأرْسل إِلَى جَعْفَر يسْأَله كَيفَ أسميت
ابْنك فَقَالَ عبد الله فَسمى النَّجَاشِيّ ابْنه عبد الله وأرضعته أَسمَاء
بنت عُمَيْس امْرَأَة جَعْفَر مَعَ ابْنهَا عبد الله فَكَانَا يتواصلان
بِتِلْكَ الْأُخوة
قَالَ السُّهيْلي وَمن رِوَايَة يُونُس عَن ابْن إِسْحَاق أَن أَبَا نيزر
مولى عَليّ بن أبي طَالب عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ ابْنا للنجاشي نَفسه
(2/30)
وَأَن عليا عَلَيْهِ السَّلَام وجده عِنْد
تَاجر بِمَكَّة فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ وَأعْتقهُ مُكَافَأَة لما صنع أَبوهُ
مَعَ الْمُسلمين
وَذكر أَن الْحَبَشَة مرج عَلَيْهَا أمرهَا بعد موت النَّجَاشِيّ رَحمَه
الله وَأَنَّهُمْ أرْسلُوا وَفْدًا مِنْهُم إِلَى أبي نيزر وَهُوَ مَعَ
عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام ليملكوه ويتوجوه وَلم يَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ
فَأبى وَقَالَ مَا كنت لأطلب الْملك بعد أَن من الله عَليّ بِالْإِسْلَامِ
قَالَ وَكَانَ أَبُو نيزر من أطول النَّاس قامة وَأَحْسَنهمْ وَجها قَالَ
وَلم يكن لَونه كلون الْحَبَشَة وَلَكِن إِذا رَأَيْته قلت رجل من الْعَرَب
وَعَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه قَالَ اجْتمعت الْحَبَشَة فَقَالُوا
للنجاشي إِنَّك فَارَقت ديننَا وَخَرجُوا عَلَيْهِ قَالَ فَأرْسل إِلَى
جَعْفَر بن أبي طَالب وَأَصْحَابه فَهَيَّأَ لَهُم سفنا وَقَالَ اركبوا
فِيهَا وَكُونُوا كَمَا أَنْتُم فَإِن هزمت فامضوا حَتَّى تلحقوا بِحَيْثُ
شِئْتُم وَإِن ظَفرت فاثبتوا
ثمَّ عمد إِلَى كتاب فِيهِ هُوَ يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن
مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَيشْهد أَن عِيسَى بن مَرْيَم عبد الله
وَرَسُوله وروحه وكلمته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم ثمَّ جعله فِي قبائه
عِنْد الْمنْكب الْأَيْمن وَخرج إِلَى الْحَبَشَة وَقد صفوا لَهُ فَقَالَ
يَا معشر الْحَبَشَة أَلَسْت
(2/31)
أَحَق النَّاس بكم قَالُوا بلَى قَالَ
فَكيف رَأَيْتُمْ سيرتي فِيكُم قَالُوا خير سيرة قَالَ فمالكم قَالُوا
فَارَقت ديننَا وَزَعَمت أَن عِيسَى ابْن مَرْيَم عبد قَالَ فَمَا
تَقولُونَ أَنْتُم فِي عِيسَى قَالُوا نقُول ابْن الله فَقَالَ
النَّجَاشِيّ وَوضع يَده على قبائه وَهُوَ يشْهد أَن عِيسَى بن مَرْيَم لم
يزدْ على هَذَا شَيْئا وَإِنَّمَا يَعْنِي مَا كتب فرضوا وَانْصَرفُوا
فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا مَاتَ صلى عَلَيْهِ
واستغفر لَهُ
وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ نعى لنا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم النَّجَاشِيّ فِي الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَخرج إِلَى
الْمصلى فَصف أَصْحَابه خَلفه فَكبر عَلَيْهِ أَرْبعا وَتُوفِّي رَحمَه
الله فِي رَجَب سنة تسع من الْهِجْرَة وَفِي رِوَايَة صلى عَلَيْهِ
بِالبَقِيعِ رفع إِلَيْهِ سَرِيره بِالْحَبَشَةِ حَتَّى رَآهُ وَهُوَ
بِالْمَدِينَةِ فصلى عَلَيْهِ وَتكلم المُنَافِقُونَ فَقَالُوا يُصَلِّي
على هَذَا العلج فَأنْزل الله تَعَالَى وَإِن من أهل الْكتب لمن يُؤمن
بِاللَّه وَمَا أنزل إِلَيْكُم وَمَا أنزل إِلَيْهِم خشعين لله لَا
يشْتَرونَ بايت الله ثمنا قَلِيلا أُولَئِكَ لَهُم أجرهم عِنْد رَبهم قلت
وَهُوَ من الَّذين يُؤْتونَ أجرهم مرَّتَيْنِ كَمَا ورد فِي الصَّحِيح رجل
من أهل الْكتاب آمن بِمَا جِئْت بِهِ وَصدق الْمُرْسلين قَالَت عَائِشَة
رَضِي الله عَنْهَا وَكَانَ يتحدث أَنه
(2/32)
لَا يزَال يرى على قَبره نور يَعْنِي النَّجَاشِيّ رَحمَه الله روينَاهُ
عَن ابْن إِسْحَاق |