المصباح المضي في كتاب النبي الأمي ورسله إلى ملوك الأرض من عربي وعجمي

فصل فِي بعث أبي بكر رَضِي الله عَنهُ إِلَى هِرقل

قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ قلت وَقد بعث أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى قَيْصر ثَانِيًا حَدثنَا سعد الْخَيْر بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ عَن مُوسَى بن عقبَة أَن هِشَام بن الْعَاصِ ونعيم بن عبد الله ورجلا آخر قد

(2/97)


سَمَّاهُ بعثوا إِلَى ملك الرّوم فِي زمن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ قَالَ فَدَخَلْنَا على جبلة بن الْأَيْهَم وَهُوَ بالغوطة وَإِذا عَلَيْهِ ثِيَاب سود وَإِذا كل شَيْء حوله أسود فَقَالَ لبست هَذِه نذرا فَلَا أَنْزعهَا حَتَّى أخرجكم من الشَّام كلهَا قُلْنَا فاتئد حَتَّى تمنع مجلسك وَالله لنأخذنه مِنْك وَملك الْملك الْأَعْظَم إِن شَاءَ الله أخبرنَا بذلك نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عِيَاض قَالَ صَاحب الْعين التؤدة التأني والرزانة يُقَال اتئد وتوأد التَّاء مبدلة من الْوَاو والتوأد من التؤدة قَالَ يَعْنِي جبلة فَأنْتم إِذا السمراء قُلْنَا نَحن السمراء قَالَ الْجَوْهَرِي الأسمران المَاء وَالْبر وَيُقَال المَاء وَالرِّيح والسمراء الْحِنْطَة والسمار بِالْفَتْح اللَّبن الرَّقِيق وتسمير اللَّبن ترقيقه بِالْمَاءِ والسمر المسامرة وَهُوَ الحَدِيث بِاللَّيْلِ فنسبة جبلة لَهُم من هَذِه الْمَادَّة وتسميتهم بِهِ وَالله أعلم ثمَّ قَالَ يَعْنِي جبلة لَسْتُم بهم قُلْنَا وَمن هم قَالَ هم الَّذين يَصُومُونَ النَّهَار

(2/98)


ويقومون اللَّيْل قُلْنَا نَحن وَالله هم قَالَ فَكيف صومكم فوصفنا لَهُ صومنا قَالَ فَكيف صَلَاتكُمْ فوصفنا لَهُ صَلَاتنَا قَالَ فَالله يعلم لقد غشيه سَواد حَتَّى صَار وَجهه كَأَنَّهُ قِطْعَة طابق قَالَ الْجَوْهَرِي هُوَ الْآجر الْكَبِير فَارسي مُعرب وَقَالَ يَعْنِي جبلة قومُوا فَأمر بِنَا إِلَى الْملك فَانْطَلَقْنَا فلقينا الرَّسُول بِبَاب الْمَدِينَة فَقَالَ إِن شِئْتُم أتيتم ببغال وَإِن شِئْتُم أتيتم ببراذين فَقُلْنَا لَا وَالله لَا ندخل عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا نَحن قَالَ فَأرْسل إِلَيْهِ أَنهم يأبون قَالَ فَأرْسل أَن خل سبيلهم فَدَخَلْنَا معتمين متقلدين السيوف على الرَّوَاحِل
فَلَمَّا كُنَّا بِبَاب الْملك إِذا هُوَ فِي غرفَة لَهُ عالية فَنظر إِلَيْنَا فرفعنا رؤوسنا وَقُلْنَا لَا إِلَه إِلَّا الله فَالله يعلم لنفضت الغرفة كلهَا حَتَّى كَأَنَّهَا عذق نفضته الرّيح قَالَ الْجَوْهَرِي العذق بِالْفَتْح النَّخْلَة بحملها وَمِنْه قَول الْحباب بن الْمُنْذر فِي يَوْم السَّقِيفَة أَنا عذيقها المرجب والنفض بِالْفَاءِ التحريك يُقَال نفضت الشّجر إِذا حركته لينتفض ويشدد للْمُبَالَغَة والإنقاض بِالْقَافِ صويت مثل النقر وأنقض الْحمل ظَهره أَي أثقله وَأَصله الصَّوْت والنقيض صَوت المحامل والرحال قَالَ فَأرْسل إِلَيْنَا الْملك أَن هَذَا لَيْسَ لكم أَن تَجْهَرُوا بدينكم

(2/99)


عَليّ وَأرْسل أَن ادخُلُوا فَدَخَلْنَا فاذا هُوَ على فرَاش إِلَى السّقف وَإِذا عَلَيْهِ ثِيَاب حمر وَإِذا كل شَيْء عِنْده أَحْمَر وَإِذا عِنْده بطارقة الرّوم وَإِذا هُوَ يُرِيد يُكَلِّمنَا برَسُول فَقُلْنَا لَا وَالله لَا نكلمه برَسُول وَإِنَّمَا بعثنَا إِلَى الْملك فان كنت تحب أَن نكلمك فَأذن لنا نكلمك فَلَمَّا دَخَلنَا عَلَيْهِ ضحك وَإِذا هُوَ رجل فصيح يحسن الْعَرَبيَّة فَقُلْنَا لَا إِلَه إِلَّا الله فَالله يعلم لقد نقض السّقف حَتَّى رفع رَأسه هُوَ وَأَصْحَابه فَقَالَ مَا أعظم كلامكم عنْدكُمْ قُلْنَا هَذِه الْكَلِمَة قَالَ الَّتِي قُلْتُمُوهَا قبل قُلْنَا نعم قَالَ فاذا قُلْتُمُوهَا فِي بِلَاد عَدوكُمْ نقضت سقوفهم قُلْنَا لَا قَالَ فاذا قُلْتُمُوهَا فِي بِلَادكُمْ نقضت سقوفكم قُلْنَا لَا وَمَا رأيناها فعلت هَذَا وَإِنَّمَا هُوَ شَيْء عبرت بِهِ فَقَالَ مَا أحسن الصدْق فَمَا تَقولُونَ إِذا افتتحتم الْمَدَائِن قُلْنَا نقُول لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر قَالَ تَقولُونَ لَا إِلَه إِلَّا الله لَيْسَ مَعَه شَيْء وَالله أكبر أكبر من كل شَيْء قُلْنَا نعم قَالَ فَمَا منعكم أَن تحيوني بِتَحِيَّة نَبِيكُم قُلْنَا إِن تَحِيَّة نَبينَا لَا تحل لَك وتحيتك لَا تحل لنا فنحييك بهَا قَالَ وَمَا تحيتكم قُلْنَا تَحِيَّة أهل الْجنَّة قَالَ وَبهَا كُنْتُم تحيون نَبِيكُم قُلْنَا نعم قَالَ وَبهَا يُحْيِيكُمْ قُلْنَا نعم فَمن كَانَ يُورث مِنْكُم قُلْنَا من كَانَ أقرب قرَابَة قَالَ وَكَذَلِكَ ملوككم قُلْنَا نعم
قَالَ فَأمر لنا بِنزل كثير ومنزل حسن فَمَكثْنَا ثَلَاثًا ثمَّ أرسل إِلَيْنَا لَيْلًا فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ وَلَيْسَ عِنْده أحد فاستعادنا كلامنا فأعدنا عَلَيْهِ فاذا عِنْده شبه الربعة الْعَظِيمَة مذهبَة قَالَ الْجَوْهَرِي الربعة جونة الْعَطَّار

(2/100)


فاذا فِيهَا أَبْوَاب صغَار فَفتح مِنْهَا بَابا فاستخرج مِنْهُ خرقَة حَرِير سَوْدَاء فِيهَا صُورَة بَيْضَاء فاذا رجل طوال أَكثر النَّاس شعرًا فَقَالَ أتعرفون هَذَا قُلْنَا لَا قَالَ هَذَا آدم ثمَّ أَعَادَهَا وَفتح بَابا آخر فاستخرج حريرة سَوْدَاء فِيهَا صُورَة فاذا رجل ضخم الرَّأْس عَظِيم لَهُ شعر كشعر القبط أعظم النَّاس أليتين أَحْمَر الْعَينَيْنِ فَقَالَ أتعرفون هَذَا قُلْنَا لَا قَالَ هَذَا نوح ثمَّ أَعَادَهُ وَفتح بَابا آخر فاستخرج خرقَة سَوْدَاء فِيهَا صُورَة بَيْضَاء فَقُلْنَا هَذَا النَّبِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَالله هَذَا مُحَمَّد رَسُول الله قَالَ فَالله يعلم أَنه قَامَ ثمَّ قعد قَالَ آللَّهُ بدينكم أَنه نَبِيكُم قُلْنَا الله بديننا أَنه نَبينَا كَأَنَّمَا نَنْظُر إِلَيْهِ حَيا ثمَّ قَالَ أما إِنَّه كَانَ آخر الْأَبْوَاب وَلَكِنِّي عجلته لأنظر مَا عنْدكُمْ ثمَّ أَعَادَهُ وَفتح بَابا آخر فاستخرج خرقَة سَوْدَاء فِيهَا صُورَة بَيْضَاء فاذا رجل مقلص الشفتين غائر الْعَينَيْنِ متراكم الْأَسْنَان كثيف اللِّحْيَة عَابس فَقَالَ أتعرفون هَذَا قُلْنَا لَا قَالَ هَذَا مُوسَى وَإِلَى جنبه رجل يُشبههُ غير أَن فِي عَيْنَيْهِ ميلًا وَفِي رَأسه استدارة فَقَالَ هَذَا هَارُون ثمَّ رفعهما وَفتح بَابا آخر فاستخرج مِنْهُ خرقَة سَوْدَاء فِيهَا صُورَة بَيْضَاء أَو حَمْرَاء فاذا هُوَ رجل مَرْبُوع فَقَالَ أتعرفون هَذَا قُلْنَا لَا قَالَ هَذَا دَاوُد ثمَّ أَعَادَهُ وَفتح بَابا آخر واستخرج مِنْهُ حريرة أَو خرقَة سَوْدَاء

(2/101)


فاذا فِيهَا صُورَة بَيْضَاء ووإذا رجل رَاكب على فرس طَوِيل الرجلَيْن كل شَيْء مِنْهُ جنَاح تحفه الرّيح قَالَ أتعرفون هَذَا قُلْنَا لَا قَالَ هَذَا دانيال ثمَّ أَعَادَهُ وَفتح بَابا آخر فاستخرج مِنْهُ حريرة أَو خرقَة سَوْدَاء وفيهَا صُورَة بَيْضَاء فاذا صُورَة شَاب تعلوه صفرَة حسن اللِّحْيَة قَالَ أتعرفون هَذَا قُلْنَا لَا قَالَ هَذَا عِيسَى بن مَرْيَم ثمَّ أَعَادَهُ وَأمر بالربعة فَرفعت فَقُلْنَا هَذِه صُورَة نَبينَا قد عرفناها فانا قد رَأَيْنَاهُ فَهَذِهِ الصُّورَة الَّتِي لم نرها كَيفَ نَعْرِف أَنَّهَا هِيَ فَقَالَ إِن آدم عَلَيْهِ السَّلَام سَأَلَ ربه أَن يرِيه صُورَة نَبِي نَبِي فَأخْرج إِلَيْهِ صورهم فِي خرق الْحَرِير من الْجنَّة فأصابها ذُو القرنين فِي خزانَة آدم فِي مغرب الشَّمْس فَلَمَّا كَانَ دانيال صور هَذِه الصُّور وَهِي بِأَعْيَانِهَا فوَاللَّه لَو تطيب نَفسِي فِي الْخُرُوج عَن ملكي مَا باليت أَن أكون عبدا لأميركم ملكه وَلَكِن عَسى أَن تطيب نَفسِي قَالَ فَأحْسن جائزتنا وأخرجنا وَفِي رِوَايَة وَذكر فِي الْأَنْبِيَاء لوطا وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَإِسْمَاعِيل ويوسف فَلَمَّا قدمنَا على أبي بكر حدّثنَاهُ فَبكى أَبُو بكر وَقَالَ مِسْكين لَو أَرَادَ الله بِهِ خيرا لفعل ثمَّ قَالَ أخبرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنهم وَالْيَهُود يَجدونَ نعت مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الله

(2/102)


تَعَالَى {يجدونه مَكْتُوبًا عِنْدهم فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل}
فصل فِي رِوَايَات مُخْتَلفَة جَاءَت فِي كتبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى قَيْصر

ذكر أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام فِي كتاب الْأَمْوَال عَن عبد الله بن شَدَّاد قَالَ كتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى هِرقل من مُحَمَّد رَسُول الله إِلَى صَاحب الرّوم إِنِّي أَدْعُوك إِلَى الْإِسْلَام فان أسلمت فلك مَا للْمُسلمين وَعَلَيْك مَا عَلَيْهِم وَإِن لم تدخل فِي الْإِسْلَام فأعط الْجِزْيَة فان الله تبَارك وَتَعَالَى يَقُول قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه وَلَا بِالْيَوْمِ الآخر وَلَا يحرمُونَ مَا حرم الله وَرَسُوله وَلَا يدينون دين الْحق من الَّذين اوتوا الْكتب حَتَّى يُعْطوا الْجِزْيَة عَن يَد وهم صاغرون وَإِلَّا فَلَا تحل بَين الفلاحين وَبَين الْإِسْلَام أَن يدخلُوا فِيهِ أَو يُعْطوا الْجِزْيَة
وَقَالَ قَوْله الفلاحين لم يرد الفلاحين خَاصَّة وَلكنه أَرَادَ أهل مَمْلَكَته جَمِيعًا وَذَلِكَ أَن الْعَجم عِنْد الْعَرَب فلاحون لأَنهم أهل زرع وحرث

(2/103)


وَفِي رِوَايَة عَنهُ قَالَ كتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى كسْرَى وَقَيْصَر قَالَ وَأما قَيْصر فَلَمَّا قَرَأَ الْكتاب طواه ثمَّ وَضعه فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أما هَؤُلَاءِ فستكون لَهُم بَقِيَّة
وَفِي رِوَايَة عَنهُ عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ كتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى كسْرَى وَقَيْصَر وَالنَّجَاشِي كتابا وَاحِدًا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى كسْرَى وَقَيْصَر وَالنَّجَاشِي أما بعد تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم إِلَى قَوْله بانا مُسلمُونَ فَأَما كسْرَى فمزق كِتَابه وَلم ينظر فِيهِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مزق ومزقت أمته وَأما قَيْصر فَقَالَ إِن هَذَا الْكتاب لم أره بعد سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَأرْسل إِلَى أبي سُفْيَان وَإِلَى الْمُغيرَة وَكَانَا تاجرين بِالشَّام فَسَأَلَهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ بِأبي لَو كنت عِنْده لغسلت قَدَمَيْهِ ليملكن مَا تَحت قدمي فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لَهُ مُدَّة
يَقُول مُؤَلفه عَفا الله عَنهُ وَهَذَا القَوْل مِنْهُ وَمَا أشبهه

(2/104)


مِمَّا تقدم من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لَهُ مُدَّة وَإِن لَهُم بَقِيَّة وَقَوله فِي تَرْجَمَة دحْيَة ثَبت وَثَبت ملكه من إِعْلَامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالمغيبات وَمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لِأَن ملك النَّصَارَى قَائِم ثَابت فِي مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا من زَمَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهلم جرا إِلَى زمننا هَذَا نَحوا من سَبْعمِائة وَسبعين سنة كل ذَلِك ببركة إقرارهم لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من آمن مِنْهُم وَمن لم يُؤمن وَيبقى ملكهم إِلَى نزُول عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَمَا أخبر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَاءَت بِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة ذكرهَا الْعلمَاء الثِّقَات فِي تواليفهم رَضِي الله عَنْهُم وَفِي قصَّة أهل نَجْرَان وَحَدِيث المباهلة مَا يدلك على أَنهم لَو لَاعِنُوا لمسخوا قردة وَخَنَازِير ولاضطرم عَلَيْهِم الْوَادي نَارا وَلما حَال الْحول على النَّصَارَى كلهم حَتَّى هَلَكُوا كَمَا أخبر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَأْتِي فِي كتَابنَا هَذَا عِنْد ذكر كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أهل نَجْرَان فَتَأَمّله هُنَاكَ ترى عجبا انْتهى
وَذكر ابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر والإسكندرية أَن هِرقل أَرَادَ التَّوَجُّه بجيوشه فِي الْبَحْر إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة ليمنعها من عَمْرو بن الْعَاصِ وَالصَّحَابَة فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ إعظاما لَهَا وَأمر أَن لَا يتَخَلَّف عَنهُ أحد من الرّوم وَقَالَ مَا بَقَاء الرّوم بعد الْإسْكَنْدَريَّة فرصعه الله وَمَات فِي سنة تسع عشرَة وَقيل فِي سنة عشْرين

(2/105)


بَاب فِي مكاتباته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمُقَوْقس ملك مصر والإسكندرية وإرساله إِلَيْهِ وَمَا يتَعَلَّق بذلك من الْفَوَائِد

روينَا فِي كتاب فتوح مصر وَالْمغْرب وأخبار أَهلهَا لأبي الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عبد الحكم الْقرشِي الْمصْرِيّ صَاحب الشَّافِعِي رَحمَه الله قَالَ لما كَانَت سنة سِتّ من مهَاجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرجع من الْحُدَيْبِيَة بعث إِلَى الْمُلُوك فَقَامَ ذَات يَوْم على الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَتشهد ثمَّ قَالَ أما بعد فَإِنِّي أُرِيد أَن

(2/107)


أبْعث بَعْضكُم إِلَى مُلُوك الْعَجم فَلَا تختلفوا عَليّ كَمَا اخْتلفت بَنو إِسْرَائِيل على عِيسَى ابْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى أوحى إِلَى عِيسَى أَن ابْعَثْ إِلَى مُلُوك الأَرْض فَبعث الحواريين فَأَما الْقَرِيب مَكَانا فَرضِي وَأما الْبعيد مَكَانا فكره وَقَالَ لَا أحسن كَلَام من تبعثني إِلَيْهِ فَقَالَ عِيسَى اللَّهُمَّ أمرت الحواريين بالذين أَمرتنِي فَاخْتَلَفُوا عَليّ فَأوحى الله إِلَيْهِ أَنِّي سأكفيك فَأصْبح كل إِنْسَان يتَكَلَّم بِلِسَان الَّذِي وَجه إِلَيْهِم فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ يَا رَسُول الله وَالله لَا نَخْتَلِف عَلَيْك أبدا فِي شَيْء فمرنا وابعثنا فَبعث حَاطِب بن أبي بلتعة إِلَى الْمُقَوْقس صَاحب الْإسْكَنْدَريَّة
فَمضى حَاطِب بِكِتَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا انْتهى إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وجد الْمُقَوْقس فِي مجْلِس مشرف على الْبَحْر فَركب الْبَحْر فَلَمَّا حَاذَى مَجْلِسه أَشَارَ بِكِتَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين إصبعيه فَلَمَّا رَآهُ أَمر بِالْكتاب فَقبض وَأمر بِهِ فاوصل إِلَيْهِ فَلَمَّا قَرَأَ الْكتاب قَالَ مَا مَنعه إِن كَانَ نَبيا أَن يَدْعُو عَليّ فيسلط عَليّ فَقَالَ لَهُ حَاطِب مَا منع عِيسَى ابْن مَرْيَم أَن يَدْعُو على من أَبى عَلَيْهِ أَن يفعل بِهِ وَيفْعل فَوَجَمَ سَاعَة

(2/108)


ثمَّ استعادها فَأَعَادَهَا عَلَيْهِ حَاطِب فَسكت فَقَالَ لَهُ حَاطِب إِنَّه كَانَ قبلك رجل يزْعم أَنه الرب الْأَعْلَى زَاد غَيره فَأَخذه الله نكال الْآخِرَة وَالْأولَى فانتقم الله بِهِ ثمَّ انتقم مِنْهُ فأعتبر بغيرك وَلَا يعْتَبر غَيْرك بك فَقَالَ إِن لنا دينا لن ندعه إِلَّا لما هُوَ خير مِنْهُ فَقَالَ حَاطِب ندعوك إِلَى دين الله وَهُوَ الْإِسْلَام الْكَافِي بِهِ الله فقد مَا سواهُ إِن هَذَا النَّبِي دَعَا النَّاس فَكَانَ أَشَّدهم عَلَيْهِ قُرَيْش وأعداهم لَهُ يهود وأقربهم مِنْهُ النَّصَارَى ولعمري مَا بِشَارَة مُوسَى بِعِيسَى إِلَّا كبشارة عِيسَى بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا دعاءنا إياك إِلَى الْقُرْآن إِلَّا كدعائك أهل التَّوْرَاة إِلَى الْإِنْجِيل وكل نَبِي أدْرك قوما فهم من أمته فَالْحق عَلَيْهِم أَن يطيعوه فَأَنت مِمَّن أدْركهُ هَذَا النَّبِي ولسنا ننهاك عَن دين الْمَسِيح وَلَكنَّا نأمرك بِهِ فَقَالَ الْمُقَوْقس

(2/109)


إِنِّي قد نظرت فِي أَمر هَذَا النَّبِي فَوَجَدته لَا يَأْمر بمزهود فِيهِ وَلَا يُنْهِي إِلَّا عَن مَرْغُوب عَنهُ وَلم أَجِدهُ بالساحر الضال وَلَا الكاهن الْكَاذِب وَوجدت مَعَه آلَة النُّبُوَّة باخراج الخبء والإخبار بالنجوى وسأنظر
زَاد السُّهيْلي وَأهْدى لَهُ مَارِيَة بنت شَمْعُون وَأُخْتهَا سِيرِين أم عبد الرَّحْمَن بن حسان بن ثَابت وَغُلَامًا اسْمه مابور وَالْبَغْلَة وَكِسْوَة وَقَدحًا من قَوَارِير كَانَ يشرب فِيهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكاتبه
قَالَ ابْن عبد الحكم ثمَّ قَرَأَ الْكتاب فاذا فِيهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي رِوَايَة عبد الله وَرَسُوله إِلَى الْمُقَوْقس عَظِيم القبط سَلام على من اتبع الْهدى أما بعد فَإِنِّي أَدْعُوك بِدِعَايَةِ الْإِسْلَام فَأسلم تسلم وَأسلم يؤتك الله أجرك مرَّتَيْنِ وَفِي رِوَايَة فان توليت فَعَلَيْك إِثْم القبط يآهل الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم أَن لَا نعْبد إِلَّا الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا وَلَا يتَّخذ بَعْضنَا بَعْضًا أَرْبَابًا من دون الله فان توَلّوا فَقولُوا اشْهَدُوا بِأَنا مُسلمُونَ ثمَّ أَخذه وَجعله فِي حق من عاج وَختم عَلَيْهِ وَدفعه إِلَى جَارِيَة لَهُ

(2/110)


وَفِي رِوَايَة عَنهُ قَالَ أرسل الْمُقَوْقس إِلَى حَاطِب لَيْلَة وَلَيْسَ عِنْده أحد إِلَّا ترجمان لَهُ فَقَالَ أَلا تُخبرنِي عَن أُمُور أَسأَلك عَنْهَا فَإِنِّي أعلم أَن صَاحبك قد تخيرك حِين بَعثك قَالَ لَا تَسْأَلنِي عَن شَيْء إِلَّا صدقتك قَالَ إِلَى مَا يَدْعُو مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِلَى أَن نعْبد الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا ونخلع مَا سواهُ ويأمرنا بِالصَّلَاةِ قَالَ فكم تصلونَ قَالَ خمس صلوَات فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة وَصِيَام شهر رَمَضَان وَحج الْبَيْت وَالْوَفَاء بالعهد وَينْهى عَن أكل الْميتَة وَالدَّم قَالَ من أَتْبَاعه قَالَ الفتيان من قومه وَغَيرهم قَالَ فَهَل يُقَاتل قومه قَالَ نعم قَالَ صفه لي قَالَ فوصفته بِصفة من صفته لم آتٍ عَلَيْهَا قَالَ قد بقيت أَشْيَاء لم أرك ذكرتها فِي عَيْنَيْهِ حمرَة قل مَا تُفَارِقهُ وَبَين كَتفيهِ خَاتم النُّبُوَّة يركب الْحمار ويلبس الشملة ويجتزئ بالتمرات وَالْكَسْر لَا يُبَالِي من لَاقَى من عَم وَلَا ابْن عَم قلت هَذِه صفته قَالَ قد كنت أعلم أَن نَبيا قد بَقِي وَقد كنت أَظن أَن مخرجه الشَّام وَهُنَاكَ كَانَت تخرج الْأَنْبِيَاء من قبله فَأرَاهُ قد

(2/111)


خرج فِي الْعَرَب فِي أَرض جهد وبؤس والقبط لَا تطاوعني فِي اتِّبَاعه وَلَا أحب أَن يعلم بمحاورتي إياك وسيظهر على الْبِلَاد وَينزل أَصْحَابه من بعده بساحتنا هَذِه حَتَّى يظهروا على مَا هَهُنَا وَأَنا لَا أذكر للقبط من هَذَا حرفا فَارْجِع إِلَى صَاحبك ثمَّ دَعَا كَاتبا يكْتب بِالْعَرَبِيَّةِ فَكتب إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمُحَمد بن عبد الله وَزَاد غَيره بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من الْمُقَوْقس عَظِيم القبط سَلام عَلَيْك أما بعد فقد قَرَأت كتابك وفهمت مَا ذكرت فِيهِ وَمَا تَدْعُو إِلَيْهِ وَقد علمت أَن نَبيا قد بَقِي وَقد كنت أَظن أَنه يخرج بِالشَّام وَقد أكرمت رَسُولك وَبعثت إِلَيْك بجاريتين لَهما مَكَان فِي القبظ الْعَظِيم وبكسوة وَأهْديت إِلَيْك بغلة لتركبها وَالسَّلَام عَلَيْك
وَلم يزدْ على هَذَا وَلم يسلم والجاريتان مَارِيَة وَسِيرِين وَالْبَغْلَة دُلْدُل بقيت إِلَى زمن مُعَاوِيَة
وَفِي رِوَايَة عَنهُ قَالَ إِن الْمُقَوْقس لما أَتَاهُ كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضمه

(2/112)


إِلَى صَدره وَقَالَ هَذَا زمَان يخرج فِيهِ النَّبِي الَّذِي نجد نَعته وَصفته فِي كتاب الله وَإِنَّا لنجد صفته أَنه لَا يجمع بَين أُخْتَيْنِ فِي ملك يَمِين وَلَا نِكَاح وَأَنه يقبل الْهَدِيَّة وَلَا يقبل الصَّدَقَة وَأَن جلساءه الْمَسَاكِين وَأَن خَاتم النُّبُوَّة بَين كَتفيهِ ثمَّ دَعَا رجلا عَاقِلا ثمَّ لم يدع بِمصْر أحسن وَلَا أجمل من مَارِيَة وَأُخْتهَا وهما من أهل حفن من كورة أنصنا فَبعث بهما إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأهْدى لَهُ بغلة شهباء وَحِمَارًا أَشهب وثيابا من قَبَاطِي مصر وَعَسَلًا من عسل بنها وَبعث إِلَيْهِ بِمَال صَدَقَة وَأمر رَسُوله أَن ينظر من جُلَسَاؤُهُ وَينظر إِلَى ظَهره هَل يرى شامة كَبِيرَة ذَات شعر فَفعل ذَلِك الرَّسُول
فَلَمَّا قدم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قدم إِلَيْهِ الْأُخْتَيْنِ والدابتين وَالْعَسَل وَالثيَاب وأعلمه أَن ذَلِك كُله هَدِيَّة فَقبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْهَدِيَّة وَكَانَ لَا يردهَا من أحد من النَّاس قَالَ فَلَمَّا نظر إِلَى مَارِيَة وَأُخْتهَا أعجبتاه وَكره أَن يجمع بَينهمَا وَكَانَت إِحْدَاهمَا تشبه الْأُخْرَى فَقَالَ اللَّهُمَّ اختر لنبيك فَاخْتَارَ الله لَهُ مَارِيَة وَذَلِكَ أَنه قَالَ لَهما قولا نشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله فبدرت مَارِيَة فتشهدت وَآمَنت

(2/113)


قبل أُخْتهَا وَمَكَثت أُخْتهَا سَاعَة ثمَّ تشهدت وَآمَنت فوهب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُخْتهَا لمُحَمد بن مسلمة الْأنْصَارِيّ وَقَالَ بَعضهم بل وَهبهَا لدحية بن خَليفَة الْكَلْبِيّ
وَرُوِيَ يَعْنِي ابْن عبد الحكم عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أم إِبْرَاهِيم أم وَلَده الْقبْطِيَّة فَوجدَ عِنْدهَا نسيبا كَانَ لَهَا قدم مَعهَا من مصر وَكَانَ كثيرا مَا يدْخل عَلَيْهَا فَوَقع فِي نَفسه شَيْء فَرجع فَلَقِيَهُ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَعرف ذَلِك فِي وَجهه فَسَأَلَهُ فَأخْبرهُ فَأخذ عمر السَّيْف ثمَّ دخل على مَارِيَة وقريبها عِنْدهَا فَأَهوى عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ فَلَمَّا رأى ذَلِك كشف عَن نَفسه وَكَانَ مجبوبا لَيْسَ بَين رجلَيْهِ شَيْء فَلَمَّا رَآهُ عمر رَجَعَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ فَقَالَ إِن جِبْرِيل أَتَانِي فَأَخْبرنِي أَن الله تَعَالَى قد برأها وقريبها وَأَن فِي بَطنهَا غُلَاما مني وانه أشبه الْخلق بِي وَأَمرَنِي أَن أُسَمِّيهِ إِبْرَاهِيم وَكَنَّانِي بِأبي إِبْرَاهِيم وَيُقَال إِن الْمُقَوْقس بعث مَعهَا بخصى فَكَانَ يأوى إِلَيْهَا
وَرُوِيَ أَيْضا عَن يحيى بن عبد الرَّحْمَن بن حَاطِب عَن أَبِيه عَن جده حَاطِب قَالَ بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمُقَوْقس فأنزلني فِي منزل فأقمت عِنْده ليَالِي ثمَّ بعث إِلَيّ وَقد جمع بطارقته فَقَالَ إِنِّي

(2/114)


أُكَلِّمك بِكَلَام وَأحب أَن تفهمه عني قَالَ قلت هَلُمَّ قَالَ أَخْبرنِي عَن صَاحبك أَلَيْسَ هُوَ نَبِي قَالَ قلت بلَى هُوَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَمَا لَهُ حَيْثُ كَانَ هَكَذَا لم يدع على قومه حَيْثُ أَخْرجُوهُ من بَلَده إِلَى غَيرهَا قَالَ قلت لَهُ فعيسى ابْن مَرْيَم تشهد أَنه رَسُول الله فَمَا لَهُ حَيْثُ أَخذه قومه فأرادوا أَن يصلبوه أَلا يكون دَعَا عَلَيْهِم بِأَن يُهْلِكهُمْ الله حَتَّى رَفعه الله إِلَيْهِ فِي السَّمَاء الدُّنْيَا فَقَالَ أَنْت حَكِيم جَاءَ من عِنْد حَكِيم هَذِه هَدَايَا أبْعث بهَا مَعَك إِلَى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأرْسل مَعَك مبذرقة يبذرقونك إِلَى مأمنك قَالَ فأهدى لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث جوَار مِنْهُنَّ أم إِبْرَاهِيم وَوَاحِدَة وَهبهَا رَسُول الله لأبي جهم ابْن حُذَيْفَة الْعَبدَرِي وَوَاحِدَة وَهبهَا لحسان بن ثَابت وَأرْسل إِلَيْهِ بِثِيَاب مَعَ طرف من طرفهم فَولدت مَارِيَة إِبْرَاهِيم فَكَانَ من أحب النَّاس إِلَيْهِ حَتَّى مَاتَ فَوجدَ بِهِ
وَرُوِيَ عَن يزِيد بن أبي حبيب قَالَ وَكَانَت البغلة وَالْحمار أحب دوابه إِلَيْهِ وَأَعْجَبهُ الْعَسَل فَدَعَا فِي عسل بنها بِالْبركَةِ وَبقيت تِلْكَ الثِّيَاب حَتَّى كفن فِي بَعْضهَا

(2/115)


وَرُوِيَ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى على ابْنه إِبْرَاهِيم ورش المَاء على قَبره
وَعَن جَابر قَالَ أَخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بيد عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَانْطَلق بِهِ إِلَى النّخل الَّذِي فِيهِ ابْنه إِبْرَاهِيم فَوَجَدَهُ يجود بِنَفسِهِ فَأَخذه فَوَضعه فِي حجره ثمَّ بَكَى فَقَالَ أَبُو بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنْت أَحَق من علم لله عز وَجل حَقه قَالَ تَدْمَع الْعين وَقَالَ عبد الرَّحْمَن تبْكي أولم تكن نهيت عَن الْبكاء قَالَ لَا وَلَكِنِّي نهيت عَن صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فاجرين صَوت عِنْد مُصِيبَة خَمش وُجُوه وشق جُيُوب وَرَنَّة شَيْطَان وَصَوت عِنْد نَغمَة لَهو وَمَزَامِير شَيْطَان وَهَذِه رَحْمَة وَمن لَا يرحم لَا يرحم وَلَوْلَا أَنه أَمر حق ووعد صدق وَأَنَّهَا سَبِيل مأتية لحزنا عَلَيْك حزنا هُوَ أَشد من هَذَا وَإِنَّا بك يَا إِبْرَاهِيم لَمَحْزُونُونَ يحزن الْقلب وتدمع الْعين وَلَا نقُول مَا يسْخط الرب
وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ لما ولدت مَارِيَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْتقهَا وَلَدهَا وَكَانَ سنه يَوْم مَاتَ سِتَّة عشر شهرا

(2/116)


فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لَهُ ظِئْرًا فِي الْجنَّة يتم رضاعه وَكَانَ اسْم أُخْت مَارِيَة قيصرا وَقيل سِيرِين
وروى ابْن عبد الحكم أَيْضا أَن الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا كلم مُعَاوِيَة فِي أَن يضع الْخراج عَن جَمِيع قَرْيَة أم إِبْرَاهِيم فَفعل لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو بَقِي إِبْرَاهِيم مَا تركت قبطيا إِلَّا وضعت عَنهُ الْجِزْيَة وَكَانَ أهل الْقرْيَة من أَهلهَا وأقربائها فانقطعوا إِلَّا بَيْتا وَاحِدًا قد بَقِي مِنْهُم أنَاس
وَاسم الْقرْيَة حفن من كورة أنصنا بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْفَاء قَالَه السُّهيْلي
وَكَانَت وفاتها فِي الْمحرم سنة خمس عشرَة ودفنت بِالبَقِيعِ وَصلى عَلَيْهَا عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ
فصل

قَالَ ابْن عبد الحكم ثمَّ إِن أَبَا بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ

(2/117)


بعد وَفَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث حَاطِب بن أبي بلتعة أَيْضا إِلَى الْمُقَوْقس فَصَالحهُمْ فَمر على نَاحيَة قرى الشرقية فهادنهم وَأَعْطوهُ فَلم يزَالُوا على ذَلِك حَتَّى دَخلهَا عَمْرو بن الْعَاصِ فقاتلوه فَانْتقضَ ذَلِك الْعَهْد وَالصُّلْح قَالَ وَهِي أول هدنة كَانَت بِمصْر وَذَلِكَ سنة عشْرين فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ وَاسم أبي بلتعة عَمْرو ابْن حَاطِب لخمي وَفِي ذَلِك يَقُول حسان بن ثَابت فِي أَبْيَات ذكر فِيهَا رسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمُلُوك
(قل لرسل النَّبِي صَاح إِلَى النَّاس ... شُجَاع ودحية بن خليفه)
(ولعمرو وحاطب وسليط ... ولعمرو وَذَاكَ رَأس الصحيفه)
الأول عَمْرو بن الْعَاصِ وَالثَّانِي عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي لِأَنَّهُ كَانَ أول رسله كَمَا تقدم عِنْد ذكر النَّجَاشِيّ فَلذَلِك وَالله أعلم قَالَ حسان وَذَاكَ رَأس الصَّحِيفَة
وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه الوفا أَنه لما وصل كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمُقَوْقس مَعَ حَاطِب وَكتب فِي جَوَابه قد كنت علمت أَن نَبيا قد بَقِي وَقد أكرمت رَسُولك وَأهْدى أليه أَربع جوَار مِنْهَا مَارِيَة وَحِمَارًا يُقَال لَهُ عفير وَبغلة يُقَال لَهُ الدلْدل وَلم يسلم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضن الْخَبيث بِملكه وَلَا بَقَاء لملك فَقبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هديته وَاصْطفى مَارِيَة لنَفسِهِ فَأَتَت بإبراهيم ونفق الْحمار مُنْصَرفه من

(2/118)


حجَّة الْوَدَاع وَبقيت البغلة إِلَى زمَان مُعَاوِيَة وَكَانَت بَيْضَاء وَلم يكن يَوْمئِذٍ فِي الْعَرَب غَيرهَا يَقُول مُؤَلفه عَفا الله عَنهُ تَأمل رَحِمك الله قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا بَقَاء لملك بِخِلَاف مَا قَالَ لهرقل ثَبت ملكه وَإِن لَهُ مُدَّة فَلذَلِك لم يقم للقبط ملك بعد الْمُقَوْقس وَإِلَى زَمَاننَا هَذَا إِلَّا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا لَهُم وَأوصى عَلَيْهِم كَمَا يَأْتِي ذكره فِي هَذَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَمن غَرِيب مَا أرويه فِي هَذَا الْمَعْنى وشاهدته عيَانًا أَنه توزر فِي أَيَّام السُّلْطَان حسن بن مُحَمَّد بن قلاوون إِنْسَان من القبط يُسمى بِابْن زنبور وَكَانَ قد تمكن تمَكنا عَظِيما فِي مملكة مصر فرأيته يَوْمًا وَقد ركب فِي الْمحمل وَهُوَ فِي هَيْئَة ضخمة على هَيْئَة ركُوب الْمُلُوك ومناد يُنَادي بَين يَدَيْهِ شاباش يَا ملك الْعَصْر وَالزَّمَان فَمَا مر إِلَّا أَيَّام قَلَائِل حَتَّى أَخذ وَنكل بِهِ أعظم النكال إِلَى أَن مَاتَ فَعمِلت أَن ذَلِك من معنى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا بَقَاء لملك يَعْنِي فِي القبط كَمَا أَن الْفرس لَا يكون فيهم ملك كَمَا أخبر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَمَا ينْطق عَن الْهوى}
قَوْله شاباش هَذِه لَفْظَة تقال أَمَام مُلُوك مصر فِي زمننا عِنْد

(2/119)


ركوبهم وَلها اشتقاق من اللُّغَة قَالَ الْجَوْهَرِي أشبيت الرجل رفعته وأكرمته وأشبت الشَّجَرَة ارْتَفَعت وأشبى الرجل أَي ولد لَهُ ولد ذكي وأشبى فلَانا وَلَده أَي أشبهوه فَكَأَن الْقَائِل أَرَادَ رفْعَة الْملك وإكرامه
فصل فِي خبر الْمُغيرَة بن شُعْبَة مَعَ الْمُقَوْقس وَسبب إِسْلَامه

روى ابْن الْجَوْزِيّ أَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة خرج إِلَى الْمُقَوْقس قبل إِسْلَامه مَعَ بني مَالك وَأَنَّهُمْ لما دخلُوا على الْمُقَوْقس قَالَ لَهُم كَيفَ خلصتم إِلَيّ وَمُحَمّد وَأَصْحَابه بيني وَبَيْنكُم قَالُوا لصقنا بالبحر قَالَ فَكيف صَنَعْتُم فِيمَا دعَاكُمْ إِلَيْهِ قَالُوا مَا تبعه منا رجل وَاحِد قَالَ وَلم قَالُوا جَاءَ بدين مُجَدد لَا يدين بِهِ الْآبَاء وَلَا يدين بِهِ الْملك وَنحن على مَا كَانَ عَلَيْهِ آبَاؤُنَا قَالَ فَكيف صنع قومه قَالُوا تبعه أحداثهم وَقد لاقاه من خَالفه من قومه وَغَيرهم من الْعَرَب فِي مَوَاطِن كَثِيرَة تكون عَلَيْهِم الدائرة وَمرَّة تكون لَهُم قَالَ أَلا

(2/120)


تخبروني وتصدقوني إِلَى مَاذَا يَدْعُو قَالُوا يَدْعُو إِلَى أَن نعْبد الله وَحده لَا شريك لَهُ ونخلع مَا كَانَ يعبد آبَاؤُنَا وَيَدْعُو إِلَى الصَّلَاة وَالزَّكَاة قَالَ وَمَا الصَّلَاة وَالزَّكَاة ألهما وَقت يعرف وَعدد يَنْتَهِي إِلَيْهِ قَالَ يصلونَ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة خمس صلوَات كلهَا لمواقيت وَعدد قد سموهُ ويؤدون من كل مَا بلغ عشْرين مِثْقَالا ثمَّ أخبرهُ بِصَدقَة الْأَمْوَال قَالَ فَإِذا أَخذهَا أَيْن يَضَعهَا قَالُوا يردهَا إِلَى فقرائهم وَيَأْمُر بصلَة الرَّحِم ووفاء الْعَهْد وَتَحْرِيم الرِّبَا وَالزِّنَا وَالْخمر وَلَا يَأْكُل مَا ذبح لغير الله قَالَ هُوَ نَبِي مُرْسل إِلَى النَّاس كَافَّة وَلَو أصَاب القبط وَالروم تبعوه وَقد أَمرهم بذلك عِيسَى ابْن مَرْيَم وَهَذَا الَّذِي تصفون مِنْهُ بعثت لَهُ الْأَنْبِيَاء من قبله وستكون لَهُ الْعَاقِبَة حَتَّى لَا ينازعه أحد وَيظْهر دينه إِلَى مُنْتَهى الْخُف والحافر ومنقطع الْبَحْر ويوشك قومه أَن يدافعوا بِهِ الرِّيَاح فَقُلْنَا لَو دخل النَّاس كلهم مَعَه مَا دَخَلنَا فأنغض رَأسه وَقَالَ أَنْتُم فِي اللّعب ثمَّ قَالَ كَيفَ نسبه فِي قومه قُلْنَا هُوَ وَسطهمْ نسبا قَالَ كَذَلِك الْمَسِيح والأنبياء عَلَيْهِم السَّلَام تبْعَث فِي نسب من قَومهَا قَالَ فَكيف صدق حَدِيثه قَالَ قُلْنَا مَا يُسمى إِلَّا الْأمين من صدقه قَالَ انْظُرُوا فِي

(2/121)


أَمركُم أترونه يصدق فِيمَا بَيْنكُم وَبَينه ويكذب على الله قَالَ فَمن اتبعهُ قُلْنَا الْأَحْدَاث قَالَ هم والمسيح أَتبَاع الْأَنْبِيَاء قبله قَالَ فَمَا فعلت يهود يثرب فهم أهل التَّوْرَاة قُلْنَا خالفوه فأوقع بهم فَقَتلهُمْ وسباهم وَتَفَرَّقُوا فِي كل وَجه قَالَ هم قوم حسد حسدوه أما إِنَّهُم يعْرفُونَ من أمره مثل مَا نَعْرِف
قَالَ الْمُغيرَة فقمنا من عِنْده وَقد سمعنَا كلَاما ذللنا لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وخضعنا وَقُلْنَا مُلُوك الْعَجم يصدقونه ويخافونه فِي بعد أرحامهم مِنْهُ وَنحن أقرباؤه وجيرانه لم ندخل مَعَه وَقد جَاءَنَا دَاعيا إِلَى مَنَازلنَا
وَذكر صَاحب الْهدى إِن الْمُغيرَة بن شُعْبَة لما كَانَ فِي صلح الْحُدَيْبِيَة قَائِما على رَأس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد أَن أسلم وَمَعَهُ السَّيْف وَجعل عُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ يهوي بِيَدِهِ إِلَى لحية رَسُول الله فَضرب يَده بنعل السَّيْف وَقَالَ أخر يدك عَن لحية رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرفع عُرْوَة رَأسه وَقَالَ من ذَا فَقَالُوا الْمُغيرَة بن شُعْبَة فَقَالَ أَي غدر أَو لست أسعى فِي غدرتك

(2/122)


فَلَمَّا قدم وَفد ثَقِيف على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِيهِمْ عُرْوَة بن مَسْعُود مُسلمين قَالَ الْمُغيرَة يَا رَسُول الله أنزل قومِي عَليّ فأكرمهم فَإِنِّي حَدِيث الْجرْح فيهم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا أمنعك أَن تكرم قَوْمك وَكَانَ من جرح الْمُغيرَة فِي قومه أَنه كَانَ أَجِيرا لثقيف وَأَنَّهُمْ أَقبلُوا من مصر حَتَّى إِذا كَانُوا بِبَعْض الطَّرِيق عدا عَلَيْهِم وهم نيام فَقَتلهُمْ ثمَّ أقبل بِأَمْوَالِهِمْ حَتَّى أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأسلم فَقَالَ أما الْإِسْلَام فَأقبل وَأما المَال فلست مِنْهُ فِي شَيْء وأبى أَن يُخَمّس مَا مَعَه فَكَانَ ذَلِك سَبَب إِسْلَام الْمُغيرَة بن شُعْبَة رَضِي الله عَنهُ
فصل

وروى الْوَاقِدِيّ بِسَنَدِهِ عَن حميد الطَّوِيل يرفعهُ إِلَى ابْن إِسْحَاق قَالَ لما هَاجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة كتب إِلَى مُلُوك الأَرْض وَفِي جملَة من كتب إِلَى الْمُقَوْقس ملك مصر والإسكندرية وَكَانَ الَّذِي كتبه أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ ونسخته

(2/123)


بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من مُحَمَّد رَسُول الله إِلَى صَاحب مصر أما بعد فَإِن الله أَرْسلنِي رَسُولا وَأنزل عَليّ قُرْآنًا وَأَمرَنِي بالإعذار والإنذار ومقاتلة الْكفَّار حَتَّى يدينوا بديني وَيدخل النَّاس فِي ملتي وَقد دعوتك إِلَى الْإِقْرَار بوحدانيته فَإِن فعلت سعدت وَإِن أَنْت أَبيت شقيت وَالسَّلَام
ثمَّ طوى الْكتاب وختمه بِخَاتمِهِ ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس أَيّكُم ينْطَلق بكتابي هَذَا إِلَى صَاحب مصر وأجره على الله قَالَ فَوَثَبَ إِلَيْهِ حَاطِب بن أبي بلتعة الْقرشِي وَقَالَ أَنا يَا رَسُول الله قَالَ بَارك الله فِيك يَا حَاطِب
قَالَ فَأخذت الْكتاب وودعته وسرت إِلَى منزلي وشددت على رَاحِلَتي وودعت أَهلِي واستقمت على طَرِيق جادة مصر

(2/124)


فَلَمَّا بَعدت عَن الْمَدِينَة بِثَلَاثَة أَيَّام أشرفت على مَاء لبني بدر فَأَرَدْت أَن أورد نَاقَتي المَاء وَإِذا أَنا برجلَيْن راكبين على ناقتين ومعهما رجل على جواد أدهم فَلَمَّا رَأَيْتهمْ وقفت وَإِذا بالفارس قد لَحِقَنِي وَقَالَ لي من أَيْن أَقبلت وَإِلَى أَيْن تُرِيدُ فَقلت يَا هَذَا لَا تسْأَل عَمَّا لَا يَعْنِيك فَتَقَع فِيمَا يخزيك ويرديك أَنا عَابِر سَبِيل وسالك طَرِيق قَالَ مَا إياك أردنَا وَلَا نَحْوك قصدنا نَحن قوم لنا دم وثأر عِنْد مُحَمَّد بن عبد الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد جِئْت أَنا وَهَذَانِ الرّجلَانِ وَقد تحالفنا أَن لَا نَبْرَح حَتَّى نأتيه على غَفلَة فَلَعَلَّنَا نجد مِنْهُ غرَّة فنقتله قَالَ حَاطِب فِي نَفسه وَالله لَئِن مكنني الله مِنْهُم لأجعلن جهادي فيهم وَلَيْسَ لي إِلَّا الخديعة وَقد سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الْحَرْب خدعة فَبَيْنَمَا

(2/125)


أَنا أخاطبه وَإِذا بالراكبين على الناقتين قد قصداني وَقَالا لي بفظاظة وغلاظة لَعَلَّك من أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت لَهما لقد كَادَت تضل بكما الطَّرِيق عَن سَبِيل التَّحْقِيق وَإِنِّي رجل مثلكما أطلب مَا تطلبان وَإِنِّي قَاصد يثرب وَقد عولت على صحبتكم لأَكُون مَعكُمْ وَلَكِن قد سَمِعت فِي طريقي هَذِه مِمَّن أَثِق بِهِ أَن مُحَمَّدًا وَجه رجلا من أَصْحَابه إِلَى مصر بِكِتَاب وَلَعَلَّه فِي هَذَا الْوَادي مكمنا أَشرت إِلَى وَاد بالبعد مني يُقَال لَهُ وَادي الْأَرَاك وَكَثِيرًا مَا كنت فِيهِ وَلَكِن أرْسلُوا معي أثبتكم جنَانًا وأحدكم سِنَانًا حَتَّى نكشف هَذَا الْوَادي فَإِن وقعنا بِهِ قَتَلْنَاهُ قَالَ لي صَاحب الْفرس أَنا أَسِير مَعَك ثمَّ تقدم أَمَامِي وَترك صَاحِبيهِ واقفين قَالَ حَاطِب فَلَمَّا بَعدت بِهِ عَن صَاحِبيهِ وغبنا عَنْهُمَا الْتفت إِلَيْهِ وَقلت لَهُ مَا اسْمك قَالَ اسْمِي سلاب بن عَاصِم

(2/126)


الْهَمدَانِي فَقلت لَهُ يَا سلاب أعلم أَنه لَا يقدر يدْخل يثرب إِلَّا من لَهُ حَال وَعزة وقلب لِأَن بهَا سَادَات الأَرْض من أبطال الْعَرَب مثل عمر وعَلى وَفُلَان وَفُلَان وَلَكِن كَيفَ سَيْفك قَالَ سيف مَاض قلت أَرِنِي إِيَّاه قَالَ فاستله من غمده وَسلمهُ إِلَى فَأخذت السَّيْف من يَده وهززته وَقلت لَهُ هَذَا سيف مَاض وَلَكِن
(سيوف حداد يَا لؤَي بن غَالب ... مَوَاطِن وَلَكِن أَيْن بِالسَّيْفِ ضَارب) قَالَ مَا معنى هَذَا الْكَلَام فَقلت لَهُ يَا بن عَاصِم إِن سَيْفك هَذَا من ضرب قوم عَاد من ولد شَدَّاد وَمَا ملكت الْعَرَب مثله وَلَكِن وَجب عَليّ إكرامك وَأُرِيد التَّقَرُّب إِلَيْك بحيلة أعلمك إِيَّاهَا فَتقْتل

(2/127)


بهَا عَدوك قَالَ بِذِمَّة الْعَرَب أَلا فعلت قَالَ حَاطِب إِذا كنت فِي مقَام الْحَرْب والقتال وخصمك بَين يَديك وتريد قَتله اهزز هَذَا السَّيْف حَتَّى يَهْتَز وتنتبه مضاربه وَاضْرِبْ بِهِ عَدوك على حرف فَإِنَّهُ أسْرع للْقطع ثمَّ ملت بِالسَّيْفِ على عُنُقه وَإِذا بِرَأْسِهِ طَائِر فَنزلت إِلَيْهِ وَأَمْسَكت جَوَاده لِئَلَّا ينفر فينذر عَليّ فتركته مربوطا إِلَى شَجَرَة ثمَّ أسرعت إِلَى صَاحِبيهِ وَإِذا هما ينتظراني فَلَمَّا رأياني أقبل أَحدهمَا وَقَالَ وَمَا وَرَاءَك وَأَيْنَ سلاب فَقلت أبشر بِأخذ الثار وكشف الْعَار من أَعْدَائِنَا وجدنَا رجلَيْنِ من أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهما نائمان وَقد وجهني صاحبكما إلَيْكُمَا ليسير معي أَحَدكُمَا حَتَّى نتمكن مِنْهُمَا وَيبقى أَحَدكُمَا

(2/128)


ديدبانا فَإِن هَذَا الْوَادي لَا يَخْلُو سَاعَة من أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَا نعم الرَّأْي وَسَار معي الثَّانِي فَلَمَّا غيبته عَن صَاحبه قلت لَهُ مَا أسمك قَالَ اسْمِي عبد اللات بن غويلم قلت لَهُ كن رجلا وَإِيَّاك وَالْخَوْف وَإِذا رَأَيْتنَا قد هجمنا على هذَيْن الرجلَيْن فأيقظ خاطرك وَنبهَ سَيْفك ثمَّ نظرت يَمِينا وَشمَالًا فَقَالَ مَا بك فَقلت إِنِّي أرى غبرة وَلَا شكّ أَن تحتهَا قوما من الصباة إِلَى دين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ حَاطِب فَجعل يتَأَمَّل كالواله الحيران فعاجلته بضربة على غَفلَة فألقيت بِرَأْسِهِ إِلَى الأَرْض ثمَّ عدت إِلَى الثَّالِث فَلَمَّا رَآنِي وحيدا أَيقَن بِالشَّرِّ فقارعني وقارعته وصادمني وصادمته إِلَّا أَن الله تَعَالَى أعانني عَلَيْهِ فَقتلته وَأخذت الراحلتين وَالْفرس وَتركت الْكل عِنْد رجل من آل عبد شمس كَانَ خدنا لي من زمَان الْجَاهِلِيَّة
ثمَّ تَوَجَّهت أُرِيد مصر وَلم أزل حَتَّى أتيت مصر فَلَمَّا رَآنِي

(2/129)


القبط قَالُوا من أَيْن جِئْت فَقلت أَنا رَسُول لصاحبكم قَالُوا مِمَّن قلت من عِنْد رَسُول الله مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا سمعُوا ذَلِك مني أحاطوا بِي من كل مَكَان وَأتوا بِي إِلَى قصر الشمع ووقفوني على بَاب قصر الْملك وَاسْتَأْذَنُوا على الْمُقَوْقس فَأمر بإحضاري بَين يَدَيْهِ قَالَ فَنزلت عَن الرَّاحِلَة وسارت الْحجاب بَين يَدي إِلَى أَن وجدت الْملك فِي قبَّة قد ترجرج الْجَوْهَر فِي حافاتها ولمع الْيَاقُوت من أَرْكَانهَا والحجاب بَين يَدَيْهِ فأومأت بِتَحِيَّة الْإِسْلَام وَجَلَست حَيْثُ أَخَذَنِي الْمَكَان فَقَالَ صَاحبه يَا أَخا الْعَرَب أَيْن كتاب صَاحبك قَالَ فَسلمت الْكتاب إِلَى الْملك من يَدي إِلَى يَده فَأَخذه مني بِقبُول وباسه وَمر بِهِ على عَيْنَيْهِ وَقَالَ مرْحَبًا بِكِتَاب النَّبِي الْعَرَبِيّ ثمَّ سلمه إِلَى وزيره الياحيش وَقَالَ اقرأه

(2/130)


عَليّ فَإِنَّهُ من عِنْد رجل كريم فقرأه عَلَيْهِ الْوَزير إِلَى أَن أَتَى على آخِره فَقَالَ الْملك لِخَادِمِهِ الْكَبِير هَات السفط الَّذِي سلمته إِلَيْك فَأتى بِهِ الْخَادِم فَأَخذه الْملك وفتحه بَين يَدَيْهِ فَإِذا فِي النمط صفة آدم والأنبياء عَلَيْهِم السَّلَام وَفِي آخِرهم صفة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْملك لوزيره قل لهَذَا البدوي يصف لنا صَاحبه حَتَّى كَأَنِّي أرَاهُ فَقَالَ الْوَزير إِن الْملك يَقُول كَذَا وَكَذَا قَالَ حَاطِب من يقدر يصف عضوا من أَعْضَائِهِ فَقَالَ لَا بُد لَك أَن تجيب سُؤال الْملك قَالَ حَاطِب فَقُمْت قَائِما على قدمي وَقلت إِن صَاحِبي وسيم قسيم صَادِق اللهجة وَاضح الْجَبْهَة معتدل الْقَامَة بعيد من الذمامة بَين مَنْكِبَيْه شامة هِيَ لَهُ عَلامَة كَالْقَمَرِ إِذا بدر صَاحب خشوع وديانة وعفة وصيانة أَشمّ الْعرنِين وَاضح الجبين

(2/131)


سهل الْخَدين رَقِيق الشفتين براق الثنايا بِعَيْنيهِ دعجٌ وبحاجبيه زجج وبأسنانه فلج وأنف غير ذِي عوج وَصدر يترجرج وبطن كطي الثَّوْب المدبج ولسن فصيح وَخلق مليح فَلَمَّا سمع الْملك ذَلِك قَالَ صدقت وَالله يَا عَرَبِيّ هَكَذَا صفته فَبينا هُوَ يخاطبني إِذْ نصبت الموائد وَجِيء بِالطَّعَامِ فَأمرنِي الْملك أَن أتقدم فامتنعت من ذَلِك فَتَبَسَّمَ وَقَالَ قد علمت مَا أحل لكم وَمَا حرم عَلَيْكُم وَلم أقدم لَك إِلَّا من لحم الطير فَقلت إِنِّي لَا آكل فِي هَذِه الصحاف الذَّهَب وَالْفِضَّة فَإِن الله قد وعدنا أَن نَأْكُل فِيهَا فِي الْجنَّة قَالَ فبدل طَعَامي بِطَعَام فِي صحاف الفخار فَأَقْبَلت آكل فَقَالَ أَي الطَّعَام أحب إِلَى صَاحبك فَقلت الدُّبَّاء أَعنِي القرع فَإِذا كَانَ عندنَا مِنْهُ شَيْء آثرناه بِهِ قَالَ الْملك يَا عَرَبِيّ فِي أَي شَيْء كَانَ يشرب المَاء قلت فِي قَعْب من خشب قَالَ أَيُحِبُّ الْهَدِيَّة قلت نعم وَقد قَالَ لَو دعيت إِلَى كرَاع لَأَجَبْت وَلَو أهدي

(2/132)


إِلَى ذِرَاع لقبلت قَالَ أفيأكل الصَّدَقَة قلت لَا فَقَالَ الْمُقَوْقس أيكتحل قلت نعم كَانَ كحله بالإثمد وَينظر فِي الْمرْآة ويرجل شعره وَلَا يُفَارق خمْسا فِي سفر كَانَ أَو حضر وَهِي الْمرْآة والمكحلة والمشط والمدرى والسواك قَالَ القَاضِي عِيَاض فِي مشارقه وَقَوله مدري يحك بهَا رَأسه ويروي يرجل هِيَ مثل الْمشْط وَقَالَ الْجَوْهَرِي المدري الْقرن وَكَذَلِكَ المدراة وَرُبمَا تصلح بهَا الماشطة قُرُون النِّسَاء وَهِي شَيْء كالمسلة يكون مَعهَا يُقَال تدرت الْمَرْأَة أَي سرحت شعرهَا
قَالَ حَاطِب وَلَقَد رَأَيْته يتجمل لأَصْحَابه فضلا عَن تجمله لأَهله وَلَقَد قَالَ ذَات يَوْم لعَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَقد نظرت إِلَيْهِ وَهُوَ ينظر فِي ركوة فِيهَا مَاء وَهُوَ يُسَوِّي شعره فَقَالَت بِأبي وَأمي يَا رَسُول الله تنظر فِي الركوة وتسوي شعرك وَأَنت رَسُول الله وَخير خلقه فَقَالَ يَا عَائِشَة إِن الله تَعَالَى يحب من عَبده إِذا خرج لإخوانه أَن يتزين لَهُم ويتجمل فَقَالَ الْمُقَوْقس إِذا ركب فِي جَيش الْعَرَب مَا الَّذِي يحمل على رَأسه قَالَ راية سَوْدَاء ولواء أَبيض على اللِّوَاء مَكْتُوب

(2/133)


لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله وزادت عَائِشَة أَن الرَّايَة الَّتِي كَانَت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت مِرْطًا مرجلا تسمى الْعقَاب وَفِي رِوَايَة سماك بن حَرْب كَانَت راية رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تسمى الْعقَاب وَهِي مرط لعَائِشَة
فَقَالَ الْمُقَوْقس أَله عرش يجلس عَلَيْهِ قلت نعم رَأَيْت لَهُ كرسيا خيل إِلَيّ أَن قوائمه من حَدِيد وقبة من أَدَم تسع نَحوا من أَرْبَعِينَ رجلا قَالَ مَا الَّذِي يحب من الْخَيل قلت الْأَشْقَر الأرثم الأقرح المحجل فِي السَّبق وَقد تركت عِنْده فرسا يُقَال لَهُ المرتجز قَالَ فَلَمَّا سمع قَوْله انتخب لَهُ فرسا من خيل مصر الموصوفة وَأمر بِهِ فأسرج وألجم وأعده هَدِيَّة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فرسه الميمون وَحِمَارًا يُقَال لَهُ يَعْفُور وَبغلة يُقَال لَهَا

(2/134)


الدلْدل وَجَارِيَة سَوْدَاء اسْمهَا بَرِيرَة وَجَارِيَة بَيْضَاء من أجمل بَنَات القبط اسْمهَا مَارِيَة وَغُلَامًا اسْمه مَحْبُوب وطيبا وعودا وندى ومسكا وعمائم وقباطي وَأمر وزيره أَن يكْتب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكتب بِاسْمِك اللَّهُمَّ من الْمُقَوْقس إِلَى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما بعد فقد بَلغنِي كتابك وفهمته وَأَنت تَقول إِن الله أرسلك رَسُولا وفضلك تَفْضِيلًا وَأنزل عَلَيْك قُرْآنًا مُبينًا فشكفنا عَن خبرك فوجدناك أقرب دَاع دَعَا إِلَى الْحق وأصدق من تكلم بِالصّدقِ وَلَوْلَا أَنِّي ملكت ملكا عَظِيما لَكُنْت أول من آمن بك لعلمي أَنَّك خَاتم النَّبِيين وَإِمَام الْمُرْسلين وَالسَّلَام عَلَيْك مني إِلَى يَوْم الدّين

(2/135)


قَالَ حَاطِب وَسلم إِلَيّ الْكتاب والهدية وَقبل بَين عَيْني وَقَالَ يَا هَذَا بِاللَّه قبل بَين عَيْني مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عني وَبعث معي جَيْشًا وَلم تزل تسير إِلَى أَن دخلت إِلَى جَزِيرَة الْعَرَب وَوجدنَا قافلة من الشَّام تُرِيدُ الْمَدِينَة فَرددت أَصْحَاب الْملك وأتيت الْمَدِينَة قَالَ الْجَوْهَرِي وَأما جَزِيرَة الْعَرَب فَإِن أَبَا عُبَيْدَة يَقُول مَا بَين حفر أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ إِلَى أقْصَى الْيمن فِي الطول وَفِي الْعرض مَا بَين رمل يبرين إِلَى مُنْقَطع السماوة قَالَ الْبكْرِيّ يبرين وَيُقَال يبرون رمل مَعْرُوف فِي ديار بني سعد بن تَمِيم قَالَ وحفر أبي مُوسَى بَين فلج وفليج على خمس مراحل من الْبَصْرَة وفلج بِفَتْح أَوله وَإِسْكَان ثَانِيه بعده جِيم وفليج تَصْغِير فلج مَوضِع دَان مِنْهُ
قَالَ حَاطِب وقصدت الْمَسْجِد وأنخت النَّاقة وَدخلت وسلمت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وانشأت أَقُول

(2/136)


(أنعم صباحا يَا وَسِيلَة أمة ... ترجو النجَاة غَدَاة يَوْم الْموقف)
(إِنِّي مضيت إِلَى الَّذِي أرسلتني ... أطوى المهامه كالمجد المعنف)
(حَتَّى أتيت بِمصْر صَاحب ملكهم ... فَبَدَا إِلَيّ بِمثل قَول الْمنصف)
(فَقَرَأَ كتابك حِين فك ختامه ... فاهتز مِنْهُ كاهتزاز المرهف)
(قَالَ البطارقة الَّذين تجمعُوا ... مَاذَا أراعك من كتاب المشرف)
(قَالَ اسْكُتُوا يَا وَيْلكُمْ وتثبتوا ... هَذَا كتاب نَبِي دين الْمُصحف)

(2/137)


(قَالُوا وهمت فَقَالَ لست بواهم ... بل قد قَرَأت بَيَان خطّ الأحرف)
(فِي كل سطر من كتاب مُحَمَّد ... نور يلوح لناظر مُتَوَقف)
(هَذَا الْكتاب كِتَابه لَك خاضعا ... يَا خير مَوْلُود بحقك نكتفي)
قَالَ حَاطِب وسلمت الْكتاب إِلَيْهِ فَقَالَ لعَلي اقرأه علينا فَلَمَّا قَرَأَهُ عَلَيْهِ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَارك الله للقبط فِي دنياهم فقد عرفُوا الصَّوَاب وأوضحوا الْخطاب ثمَّ قَالَ كل ذِي روح خَاصَّة فَهُوَ لي فاختص بمارية وَجعل مهرهَا عتق رقبَتهَا فأولدها إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام عَاشَ سنتَيْن أَو أقل فَلَمَّا مَاتَ كسفت الشَّمْس فَقَالَ الْمُسلمُونَ يَا رَسُول الله إِنَّمَا كسفت الشَّمْس لمَوْت ولدك

(2/138)


إِبْرَاهِيم فَقَالَ إِن الشَّمْس وَالْقَمَر آيتان من آيَات الله لَا يكسفان لمَوْت أحد وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك فافزعوا إِلَى الصَّلَاة ثمَّ أَخذ الْغُلَام وَالْجَارِيَة وَالْفرس وَالْحمار ثمَّ قسم بَاقِي الْهَدِيَّة على أَصْحَابه بِالسَّوِيَّةِ
قَالَ ابْن عبد الْبر وَقد ذكر الْمُقَوْقس ثمَّ أَمر بِالضَّرْبِ عَلَيْهِ وَقَالَ الْأَغْلَب عِنْدِي أَنه لم يسلم بل هُوَ الصَّحِيح إِن شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ قَالَ وَذكر الْوَاقِدِيّ أَن فِي سنة سبع من الْهِجْرَة كتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمُقَوْقس عَظِيم القبط يَدعُوهُ إِلَى الْإِسْلَام فَأسلم
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ الْمُقَوْقس الَّذِي كَانَ على خراج مصر وحربها حَتَّى افتتحها الْمُسلمُونَ اسْمه جريج بن ميناء
وروى الْوَاقِدِيّ عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان رَضِي الله عَنهُ أَن الْمُقَوْقس كَانَ إِذا قدم شهر رَمَضَان لَا يخرج إِلَى رَعيته وَلَا يظْهر لأحد من أَرْبَاب دولته وَلَا يدْرِي مَا كَانَ يصنع وَأَن ابْنه أرسطوليس خشِي أَن يسلم أَبوهُ الْملك إِلَى أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما توجهوا لقتاله بِمصْر مَعَ عَمْرو بن الْعَاصِ وَيسلم فضمن للساقي مَالا وَأمره بقتل أَبِيه فَجعل

(2/139)


سما فِي شراب الْملك وسقاه فَمَاتَ فَالله أعلم أَي ذَلِك كَانَ وَكَانَ للمقوقس أَخ من أَبِيه اسْمه أرجانوس إِذا غَابَ أَخُوهُ فِي شهر رَمَضَان يسير هُوَ إِلَى منف والعزيزية يُقيم هُنَاكَ حَتَّى يخرج أَخُوهُ من خلوته فَلَمَّا انْقَضى رَمَضَان رَجَعَ إِلَى أَخِيه وَعلم أَن ابْنه قَتله أَتَى إِلَى قصر أَخِيه وَمنع ابْن أَخِيه من الدُّخُول إِلَى الْقصر إِلَى أَن جَاءَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَصَالحهُمْ على مَا فِي قصر أَخِيه وَأسلم وَأسلم مَعَه جمَاعَة من قبط مصر
وروينا عَن السُّهيْلي أَن جبرا مولى أبي رهم الْغِفَارِيّ كَانَ رَسُولا مَعَ حَاطِب إِلَى الْمُقَوْقس وَأَنه قَارب الْإِسْلَام وَأهْدى مَعَهُمَا بغلة يُقَال لَهَا الدلْدل والدلدل فِي اللُّغَة الْقُنْفُذ الْعَظِيم ومارية بنت شَمْعُون والمارية بتَخْفِيف الْيَاء الْبَقَرَة الْفتية ذكره الْمُطَرز وَأما المارية بتَشْديد الْيَاء القطاة الملساء يُقَال قطاة مَارِيَة أَي ملساء قَالَه أَبُو عبيد فِي الْغَرِيب وَيُقَال إِن هِرقل عزل الْمُقَوْقس لما رأى ميله إِلَى الْإِسْلَام وَمعنى الْمُقَوْقس المطول للْبِنَاء والقوس الصومعة الْعَالِيَة قَالَ الْجَوْهَرِي صومعة الراهب قَالَ السُّهيْلي يُقَال

(2/140)


فِي الْمثل أَنا بِالْقَوْسِ وَأَنت بالقرقوس فَمَتَى نَجْتَمِع قَالَ ابْن فَارس القرقوس قاع أملس
فصل فِي فضل مصر وَأَهْلهَا وَمَا خصها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ

روينَا فِي صَحِيح مُسلم من كتاب الْفَضَائِل قَالَ بَاب فِي ذكر مصر وَأَهْلهَا عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّكُم ستفتحون مصر وَهِي أَرض يُسمى فِيهَا القيراط فَإِذا فتحتموها فَأحْسنُوا إِلَى أَهلهَا فَإِن لَهُم ذمَّة ورحما أَو قَالَ ذمَّة وصهرا فَإِذا رَأَيْت رجلَيْنِ يختصمان فِيهَا فِي مَوضِع لبنة فَاخْرُج مِنْهَا قَالَ فَرَأَيْت عبد الرَّحْمَن بن شُرَحْبِيل بن حَسَنَة وأخاه ربيعَة يختصمان فِي مَوضِع لبنة فَخرجت مِنْهَا هَذَا لفظ مُسلم قَالَ شرَّاح مُسلم فِي هَذَا الحَدِيث ثَلَاثَة أَعْلَام من أَعْلَام نبوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد وجدت جَمِيعهَا أَحدهَا فتح مصر وَالثَّانِي إِعْطَاء أَهلهَا الْعَهْد ودخولهم فِي الذِّمَّة فَإِنَّهَا فتحت

(2/141)


صلحا فِي أَيَّام عمر رَضِي الله عَنهُ وَالثَّالِث قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا رَأَيْت رجلَيْنِ يختصمان فِي مَوضِع لبنة فَاخْرُج مِنْهَا فَكَانَ ذَلِك وَأما الصهر فَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ عِنْد ذكر مَارِيَة رَضِي الله عَنْهَا وَأما الرَّحِم فروينا فِي السِّيرَة النَّبَوِيَّة عَن ابْن هِشَام بِسَنَدِهِ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا افتتحتم مصر فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خيرا فَإِن لَهُم ذمَّة ورحما قَالَ ابْن إِسْحَاق فَقلت لمُحَمد بن مُسلم الزُّهْرِيّ مَا الرَّحِم الَّتِي ذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُم قَالَ كَانَت هَاجر أم إِسْمَاعِيل مِنْهُم قَالَ ابْن هِشَام فالعرب كلهَا من ولد إِسْمَاعِيل وقحطان وَتقول الْعَرَب هَاجر وآجر كَمَا قَالُوا هراق المَاء وأراقه وَهَاجَر من أهل مصر من أم الْعَرَب قَرْيَة أَمَام الفرما وروينا فِي فتوح مصر لِابْنِ عبد الحكم ان قَرْيَة هَاجر ياق الَّتِي عِنْد أم دنين ودفنت هَاجر فِي الْحجر يَعْنِي حجر إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ وصاهر إِلَى القبط من الْأَنْبِيَاء صلوَات الله عَلَيْهِم ثَلَاثَة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام تسرر هَاجر ويوسف عَلَيْهِ السَّلَام تزوج بنت صَاحب عين شمس

(2/142)


الَّتِي تسمى فِي وقتنا هَذَا المطرية وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تسرر مَارِيَة قَالَ وَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرض فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ثمَّ أَفَاق فَقَالَ اسْتَوْصُوا بِالْأدمِ الْجَعْد ثمَّ أُغمي عَلَيْهِ الثَّانِيَة ثمَّ أَفَاق فَقَالَ مثل ذَلِك قَالَ ثمَّ أُغمي عَلَيْهِ الثَّالِثَة فَقَالَ مثل ذَلِك فَقَالَ الْقَوْم لَو سَأَلنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْأدم الْجَعْد فأفاق فَسَأَلُوهُ فَقَالَ قبط مصر فَإِنَّهُم أخوال وأصهار وهم أعوانكم على عَدوكُمْ وأعوانكم على دينكُمْ قَالُوا كَيفَ يكونُونَ أعواننا على ديننَا يَا رَسُول الله قَالَ يكفونكم أَعمال الدُّنْيَا وتتفرغون لِلْعِبَادَةِ فالراضي بِمَا يُؤْتى إِلَيْهِم كالفاعل والكاره بِمَا يُؤْتى إِلَيْهِم من الظُّلم كالمتنزه عَنْهُم
وَعنهُ قَالَ قبط مصر أكْرم الْأَعَاجِم كلهَا وأسمحهم يدا وأفضلهم عنصرا وأقربهم رحما بالعرب عَامَّة وبقريش خَاصَّة وَمن أَرَادَ أَن ينظر الفردوس أَن ينظر إِلَى مثلهَا فِي الدُّنْيَا فَلْينْظر إِلَى أَرض مصر حِين تخضر زروعها وتنور ثمارها قَالَ وَعَن كَعْب الْأَحْبَار قَالَ من أَرَادَ أَن ينظر إِلَى شبه الْجنَّة فَلْينْظر إِلَى أَرض مصر إِذا

(2/143)


أخرفت أَو إِذا أزهرت قَالَ وَكَانَ مِنْهُم السَّحَرَة آمنُوا جَمِيعًا فِي سَاعَة وَاحِدَة وَلَا نعلم جمَاعَة أَسْلمُوا فِي سَاعَة وَاحِدَة أَكثر من جمَاعَة القبط قَالَ وَكَانُوا اثْنَي عشر ساحرا رُؤَسَاء وَتَحْت يَدي كل سَاحر مِنْهُم عشرُون عريفا تَحت يَدي كل عريف ألف من السَّحَرَة فَكَانَ جَمِيع السَّحَرَة مِائَتي ألف وَأَرْبَعين ألفا وَمِائَتَيْنِ واثنين وَخمسين إنْسَانا بالرؤساء والعرفاء فَلَمَّا عاينوا مَا عاينوا أيقنوا أَن ذَلِك من السَّمَاء وَأَن السحر لَا يقوم لأمر الله فَخر الرؤساء الاثْنَي عشر عِنْد ذَلِك سجدا فاتبعهم العرفاء وَاتبع العرفاء من بَقِي وَقَالُوا آمنا بِرَبّ الْعَالمين رب مُوسَى وَهَارُون وَلم يفتتن مِنْهُم أحد مَعَ من افْتتن من بني إِسْرَائِيل فِي عبَادَة الْعجل قَالَ وَمَا آمن جمَاعَة قطّ فِي سَاعَة وَاحِدَة مثل جمَاعَة القبط قَالَ يَعْنِي ابْن عبد الحكم وَعَن كَعْب الْأَحْبَار مثل قبط مصر كَمثل الغيضة كلما قطعت نَبتَت حَتَّى يخرب الله بهم وبصناعتهم جزائر الرّوم قَالَ وَكَانَ المَاء يجْرِي تَحت منَازِل مصر وأقنيتها فيحبسونه كَيفَ شاؤا ويرسلونه كَيفَ شاؤا فَذَلِك قَوْله تَعَالَى فِيمَا حكى من قَول فِرْعَوْن {أَلَيْسَ لي ملك مصر وَهَذِه الْأَنْهَار تجْرِي من تحتي أَفلا تبصرون} وَلم يكن فِي

(2/144)


الأَرْض يَوْمئِذٍ ملك أعظم من ملك مصر وَكَانَت الجنات بحافتي النّيل من أَوله إِلَى آخِره مَا بَين أسوان إِلَى رشيد وَكَانَ بهَا ألف مِنْبَر
قَالَ أَبُو الْخطاب ابْن ذِي النسبين فِي كتاب مرج الْبَحْرين إِن فِرْعَوْن بالقبطية هُوَ التمساح وَهُوَ فِي اللُّغَة الْكثير الْأكل والكذاب والمسرف والمرتاب فَجمعت هَذِه المثالب فِي فِرْعَوْن وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ مَا كَانَ طول فِرْعَوْن إِلَّا ذِرَاعا وَكَانَت لحيته أطول من قامته وروى ابْن عبد الحكم قَالَ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن سعيد البلوي قَالَ لما فتح عَمْرو بن الْعَاصِ الْإسْكَنْدَريَّة كتب إِلَى عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أما بعد فَإِنِّي فتحت مَدِينَة لَا أصف مَا فِيهَا غير أَنِّي أصبت فِيهَا أَرْبَعَة آلَاف منية بأَرْبعَة آلَاف حمام وَأَرْبَعين ألف يَهُودِيّ عَلَيْهِم الْجِزْيَة واثني عشر ألف بقال يبيعون البقل الْأَخْضَر ومائتي ألف من الرّوم سوى النِّسَاء وَالصبيان وَعدد

(2/145)


المأسورين من الرِّجَال سِتّمائَة ألف سوى النِّسَاء وَالصبيان فَأَرَادَ الْمُسلمُونَ قسمتهم فَبعث عَمْرو بن الْعَاصِ إِلَى عمر يُعلمهُ بِمَا أَرَادَ الْمُسلمُونَ فَكتب إِلَيْهِ لَا تقسمهم وذرهم يكون خراجهم فَيْئا للْمُسلمين وَقُوَّة لَهُم على جِهَاد عدوهم فأقرها عَمْرو وأحصى أَهلهَا يَعْنِي الْإسْكَنْدَريَّة وَفرض عَلَيْهِم الْخراج والجزية فَكَانَت مصر كلهَا صلحا إِلَّا الْإسْكَنْدَريَّة فَإِنَّهُم كَانُوا يؤدون الْخراج والجزية لِأَنَّهَا فتحت عنْوَة
وَذكر الْحَافِظ السلَفِي فِي كتاب فَضَائِل مصر قَالَ فضل الله مصر على سَائِر الْبلدَانِ وَأَبَان فَضلهَا بآي من الْقُرْآن شهد لَهُ بذلك وَمَا خصها بِهِ من الْفضل وَالْخصب وَمَا أنزل فِيهَا من البركات وَمَا أخرج مِنْهَا من الْأَنْبِيَاء وَالْعُلَمَاء وَالْخُلَفَاء والحكماء والخواص والملوك والعجائب مِمَّا لم يخص بِهِ بَلَدا غَيرهَا وَلَا أَرضًا سواهَا قَالَ فَإِن اعْترض معترض بالحرمين الشريفين ففضلهما لَا

(2/146)


يدْفع وَمَا خصهما الله بِهِ مِمَّا لَا يُنكر وَلَيْسَ مَا فضلهما الله بِهِ بباخس فضل مصر وَأَن مَنَافِعهَا فِي الْحَرَمَيْنِ لبينة لِأَنَّهَا تميرهما بطعامها وكسوتها وَسَائِر مرافقها فلهَا بذلك فضل كَبِير وَمَعَ ذَلِك أَنَّهَا تطعم أهل الدُّنْيَا مِمَّن يرد إِلَيْهَا من الْحَاج طول مقامهم يَأْكُلُون ويتزودون من طعامها من أقْصَى جنوب الأَرْض وشمالها فِيمَا بَين بِلَاد الْهِنْد والأندلس لَا يُنكر هَذَا مُنكر وَلَا يَدْفَعهُ مدافع وَكفى بذلك فضلا وبركة فِي دين وَدُنْيا فَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى {وأوحينا إِلَى مُوسَى وأخيه أَن تبوآ لقومكما بِمصْر بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتكُمْ قبْلَة} {وَقَالَ ادخُلُوا مصر إِن شَاءَ الله آمِنين} قَالَ وَجَعَلنَا ابْن مَرْيَم وَأمه آيَة وآوينهما إِلَى ربوة ذَات قَرَار ومعين قَالَ بعض الْمُفَسّرين هِيَ مصر وَقيل دمشق وَقَالَ بعض عُلَمَاء مصر هِيَ البهنسا وقبط مصر مجمعون على أَن الْمَسِيح وَأمه عَلَيْهِمَا السَّلَام كَانَا بالبهنسا وانتقلا عَنْهَا إِلَى الْقُدس وافتخر فِرْعَوْن بقوله {أَلَيْسَ لي ملك مصر} على سَائِر الْمُلُوك وَقَوله عز وَجل فاخرجنهم من جنت وعيون الْآيَة فَهَل يعلم أَن بَلَدا من الْبِلَاد أثنى عَلَيْهِ الْكتاب الْعَزِيز بِمثل هَذَا الثَّنَاء أَو وَصفه بِمثل هَذَا الْوَصْف أَو شهد

(2/147)


بِالْكَرمِ غير مصر وَقد تقدم مَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من فَضلهَا ودعائه لَهُم
وروى عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ دَعَا نوح ربه لولد وَلَده مصر بن بيصر بن حام وَبِه سميت مصر وَهُوَ أَبُو القبط فَقَالَ اللَّهُمَّ بَارك فِيهِ وَفِي ذُريَّته وَأَسْكَنَهُ الأَرْض الْمُبَارَكَة الَّتِي هِيَ أم الْبِلَاد وغوث الْعباد الَّتِي نهرها أفضل أَنهَار الدُّنْيَا وَاجعَل فِيهَا أفضل البركات وسخر لَهُ ولولده الأَرْض وذللها لَهُم وَرُوِيَ أَن الْبَيْت الْحَرَام هدم فِي الْجَاهِلِيَّة فَوَلَّتْ قُرَيْش بناءه رجلا من القبط يُقَال لَهُ ياقوم وأدركه الْإِسْلَام وَهُوَ على ذَلِك الْبناء وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مصر أطيب الْأَرْضين تُرَابا وعجمها أكْرم الْعَجم أنسابا وَقَالَ بعض أهل الْعلم لم يبْق من الْعَجم أمة إِلَّا وَقد اخْتلطت بغَيْرهَا إِلَّا قبط مصر وَأما مَا اخْتصّت بِهِ وأوثرت على غَيرهَا فروى أَبُو بصرة الْغِفَارِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ مصر خزانَة الأَرْض كلهَا قَالَ الله تَعَالَى {اجْعَلنِي على خَزَائِن الأَرْض إِنِّي حفيظ عليم} وَلم تكن تِلْكَ الخزائن بِغَيْر مصر فَذكرهَا سُبْحَانَهُ بخزائن الأَرْض فأغاث الله بِمصْر وخزائنها كل حَاضر وباد فِي جَمِيع الْأَرْضين وَجعلهَا وسط الدُّنْيَا وَهِي فِي الإقليم الثَّالِث وَالرَّابِع

(2/148)


فَسلمت من حر الإقليم الأول وَالثَّانِي وَمن برد الإقليم السَّادِس وَالْخَامِس فطاب هَواهَا وَضعف حرهَا وخف بردهَا فَسلم أَهلهَا من مشاتي الْجبَال ومصائف عمان وصواعق تهَامَة ودماميل الجزيرة وجرب الْيمن وطواعين الشَّام وَغَلَاء الْعرَاق وطحلب الْبَحْرين وأمنوا من غارات التّرْك وجيوش الرّوم وقحط الأمطار
قَالَ سعيد بن أبي هِلَال وَذكر أَن مصر مصورة فِي كتب الْأَوَائِل وَسَائِر المدن مَادَّة أيديها إِلَيْهَا تستطعمها وَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ ولَايَة مصر جَامِعَة تعدل الْخلَافَة وَأجْمع أهل الْعلم والمعرفة أَن أهل الدُّنْيَا مضطرون إِلَى مصر يسافرون إِلَيْهَا وَيطْلبُونَ الرزق مِنْهَا وَذكر أهل الْعلم أَنه مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة بلد مصر خزانَة الله فَمن أرادها قصمه الله
قَالَ وَمِمَّا ذكر من عجائب مصر أَن مَدِينَة الفرما كَانَ مِنْهَا طَرِيق إِلَى جَزِيرَة قبرص فِي الْبر فغلب عَلَيْهِ الْبَحْر وَكَانَ فِيمَا غلب عَلَيْهِ الْبَحْر مقطع الرخام الْأَبْيَض والأبلق وَكَانَ بَينهَا وَبَين الْبَحْر قريب من يَوْم فعلا الْبَحْر إِلَى أَن قرب مِنْهَا وَوجه بعض الْعمَّال أَن يقْلع من بَابهَا الشَّرْقِي حِجَارَة يعْمل مِنْهَا جيرا فَخرج أهل الفرما فمنعوه من ذَلِك وَقَالُوا هَذِه الْأَبْوَاب الَّتِي قَالَ الله عز وَجل على لِسَان يَعْقُوب {وَقَالَ يَا بني لَا تدْخلُوا من بَاب وَاحِد وادخلوا من أَبْوَاب مُتَفَرِّقَة}

(2/149)


وَبهَا النّخل العجيب الَّذِي يُثمر حِين يَنْقَطِع الْبُسْر وَالرّطب من سَائِر الأَرْض وَيكون طول البسرة مِنْهُ قريب فتر وَفِي هَذَا كِفَايَة لِئَلَّا يخرجنا عَن مَقْصُود الْكتاب وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق

(2/150)


بَاب فِي كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى كسْرَى أبرويز ملك الْفرس وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْفَوَائِد

روينَا فِي السِّيرَة الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق قَالَ بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله بن حذافة بن قيس إِلَى كسْرَى ابْن هُرْمُز ملك فَارس
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه الوفا عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله بن حذافة بكتابه إِلَى عَظِيم الْبَحْرين يَدْفَعهُ إِلَى كسْرَى فَلَمَّا قَرَأَهُ خرقه فَدَعَا عَلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يمزقوا كل ممزق
قَالَ السُّهيْلي أما كسْرَى فاسمه أبرويز بن هُرْمُز بن أنوشروان وَمعنى أبرويز المظفر وَهُوَ الَّذِي كَانَ غلب الرّوم فَأنْزل الله تَعَالَى

(2/151)


فِي قصتهم {الم غلبت الرّوم فِي أدنى الأَرْض} وَأدنى الأَرْض هِيَ بصرى وفلسطين وَأَذْرعَات من أَرض الشَّام قَالَ فَلَمَّا قدم عبد الله على كسْرَى قَالَ يَا معشر الْفرس إِنَّكُم عشتم بأحلامكم لعدة أيامكم بِغَيْر نَبِي وَلَا كتاب ثمَّ قَالَ مُخَاطبا للْملك وَلَا تملك من الأَرْض إِلَّا مَا فِي يَديك وَمَا لَا تملك مِنْهَا أَكثر وَقد ملك الأَرْض قبلك مُلُوك أهل دنيا وَأهل آخِرَة فَأخذ أهل الْآخِرَة بحظهم من الدُّنْيَا وضيع أهل الدُّنْيَا حظهم من الْآخِرَة فَاخْتَلَفُوا فِي سعي الدُّنْيَا واستووا فِي عدل الْآخِرَة وَقد صغر هَذَا الْأَمر عنْدك إِنَّا أَتَيْنَاك بِهِ وَقد وَالله جَاءَك من حَيْثُ خفت وَمَا تصغيرك إِيَّاه بِالَّذِي يَدْفَعهُ عَنْك وَلَا تكذيبك بِهِ بِالَّذِي يخْرجك مِنْهُ وَفِي وقْعَة ذِي قار على ذَلِك دَلِيل فَأخذ الْكتاب فمزقه ثمَّ قَالَ لي ملك هنيء لَا أخْشَى أَن أغلب عَلَيْهِ وَلَا أشارك فِيهِ وَقد ملك فِرْعَوْن بني إِسْرَائِيل ولستم بِخَير مِنْهُم فَمَا يَمْنعنِي أَن أملككم وَأَنا خير مِنْهُ فَأَما هَذَا الْملك فقد علمنَا أَنه يصير إِلَى الْكلاب وَأَنْتُم أُولَئِكَ تشبع بطونكم وتأبى عيونكم فَأَما وقْعَة ذِي قار فَهِيَ بوقعة الشَّام فَانْصَرف عَنهُ عبد الله
قَوْله ذِي قار قَالَ الْجَوْهَرِي القارة الْقَبِيلَة سموا قارة لِاجْتِمَاعِهِمْ والتفافهم والقار الْإِبِل إِذا اجْتمعت وَكَانَ ذَلِك يَوْم ذِي قار يَوْم لبني شَيبَان وَكَانَ أبرويز أغزاهم جَيْشًا فظفرت بَنو

(2/152)


شَيبَان وَهُوَ أول يَوْم انتصرت فِيهِ الْعَرَب من الْعَجم قَالَ الطَّبَرِيّ كَانَ شعارهم يَا مُحَمَّد فنصروا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبِي نصروا
قَالَ وَإِنَّمَا خص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله بن حذافة بارساله إِلَى كسْرَى لِأَنَّهُ كَانَ يتَرَدَّد عَلَيْهِم كثيرا وَيخْتَلف إِلَى بِلَادهمْ
وَمن شعر عبد الله بن حذافة فِي رسَالَته إِلَى كسْرَى وقدومه عَلَيْهِ
(أَبى الله إِلَّا أَن كسْرَى فريسة ... لأوّل دَاع بالعراق مُحَمَّدًا)
(تقاذف فِي فحش الْجَواب مُصَغرًا ... لأمر العريب الخائضين لَهُ الردى)
(فَقلت لَهُ أرود فَإنَّك دَاخل ... من الْيَوْم فِي الْبلوى ومنتهب غَدا)
(فَأقبل وَأدبر حَيْثُ شِئْت فإننا ... لنا الْملك فابسط للمسالمة اليدا)
(وَإِلَّا فَأمْسك قارعا نادم ... أقرّ بذلك الخرج أَو مت موحدا)
(سفهت بتمزيق الْكتاب وَهَذِه ... بتمزيق ملك الْفرس يَكْفِي مبددا)
قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ وَكَانَ الْكتاب
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من مُحَمَّد رَسُول الله إِلَى كسْرَى

(2/153)


عَظِيم فَارس سَلام على من اتبع الْهدى وآمن بِاللَّه وَرَسُوله وأدعوك بِدِعَايَةِ الله عز وَجل فَإِنِّي رَسُول الله إِلَى النَّاس كَافَّة لأنذر من كَانَ حَيا ويحق القَوْل على الْكَافرين وَأسلم تسلم فَإِن أَبيت فَإِن إِثْم الْمَجُوس عَلَيْك
فَلَمَّا قَرَأَ كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شققه وَقَالَ يكْتب إِلَيّ بِهَذَا الْكتاب وَهُوَ عَبدِي فبلغني أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مزق ملكه ثمَّ كتب كسْرَى إِلَى باذان وَهُوَ على الْيمن أَن ابْعَثْ إِلَى هَذَا الرجل الَّذِي بالحجاز رجلَيْنِ جدرين فليأتياني بِهِ فَبعث باذان قهرمانه وَهُوَ بابويه وَكَانَ كَاتبا حاسبا وَبعث مَعَه بِرَجُل من الْفرس وَكتب مَعَهُمَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمُرهُ أَن ينْصَرف مَعَهُمَا إِلَى كسْرَى وَقَالَ لبابويه وَيلك انْظُر مَا الرجل وَكَلمه وائتني بِخَبَرِهِ
فَخَرَجَا حَتَّى قدما الطَّائِف فسألا عَنهُ فَقيل لَهما هُوَ بِالْمَدِينَةِ واستبشر الْمُشْركُونَ وَقَالُوا لقد نصب لَهُ كسْرَى وكفاكم الرجل

(2/154)


فَتوجه الرسولان إِلَى الْمَدِينَة وَلما قدما على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَلمه بابويه وَقَالَ إِن شاهان شاه ملك الْمُلُوك كسْرَى كتب إِلَى الْملك باذان يَأْمُرهُ أَن يبْعَث إِلَيْك من يَأْتِيهِ بك وَقد بَعَثَنِي إِلَيْك لتنطلق معي فَإِن فعلت كتب فِيك إِلَى ملك الْمُلُوك كتابا ينفعك ويكف عَنْك وَإِن أَبيت فَهُوَ من قد علمت وَهُوَ مهلكك ومهلك قَوْمك وَيخرب بلادك وَكَانَا قد دخلا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحلقا لحاهما وأعفيا شواربهما فكره النّظر إِلَيْهِمَا وَقَالَ ويلكما من أمركما بِهَذَا قَالَا رَبنَا أمرنَا بِهَذَا يعنيان كسْرَى فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَكِن رَبِّي أَمرنِي باعفاء لحيتي وقص شاربي ثمَّ قَالَ لَهما ارْجِعَا حَتَّى تأتياني غَدا وأتى جِبْرِيل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاخبره أَن الله سلط على كسْرَى ابْنه شيرويه فَقتله فِي شهر كَذَا وَكَذَا لكذا وَكَذَا من اللَّيْل
فَلَمَّا أَتَيَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهما إِن رَبِّي قتل رَبكُمَا لَيْلَة كَذَا وَكَذَا من شهر كَذَا وَكَذَا بعد مَا مضى من اللَّيْل سلط عَلَيْهِ شيرويه فَقتله فَقَالَا هَل تَدْرِي مَا تَقول إِنَّا قد نقمنا مِنْك مَا هُوَ أيسر من هَذَا

(2/155)


أفنكتب بهَا عَنْك ونخبر الْملك قَالَ نعم أخبراه ذَلِك عني وقولا لَهُ إِن ديني وسلطاني سيبلغ مَا بلغ ملك كسْرَى وَيَنْتَهِي إِلَى مُنْتَهى الْخُف والحافر وقولا لَهُ إِنَّك إِن أسلمت أَعطيتك مَا تَحت يَديك وملكتك على قَوْمك من الْأَبْنَاء ثمَّ أعطاهما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منْطقَة فِيهَا ذهب وَفِضة كَانَ أهداها لَهُ بعض الْمُلُوك
فَخَرَجَا من عِنْده حَتَّى قدما على باذان وأخبراه الْخَبَر فَقَالَ وَالله مَا هَذَا بِكَلَام ملك وَإِنِّي لأرى الرجل نَبيا كَمَا يَقُول ولننظرن مَا قد قَالَ فَإِن كَانَ حَقًا فَإِنَّهُ لنَبِيّ مُرْسل وَإِن لم يكن فسنرى فِيهِ رَأينَا فَلم يلبث باذان أَن قدم عَلَيْهِ كتاب شيرويه أما بعد فَإِنِّي قد قتلت أبي كسْرَى وَلم أَقتلهُ إِلَّا غَضبا لفارس لما كَانَ اسْتحلَّ من قتل أَشْرَافهم وتجهيزهم فِي بعوثهم فَإِذا جَاءَك كتابي هَذَا فَخذ لي الطَّاعَة مِمَّن قبلك وَانْظُر الرجل الَّذِي كَانَ كسْرَى كتب إِلَيْك فِيهِ فَلَا تهجه حَتَّى يَأْتِيك أَمْرِي فِيهِ
فَلَمَّا انْتهى كتاب شيرويه إِلَى باذان قَالَ إِن هَذَا الرجل لرَسُول الله فَأسلم وَأسْلمت الْأَبْنَاء من فَارس مِمَّن كَانَ مِنْهُم بِالْيمن قَالَ السُّهيْلي رَحمَه الله كَانَ قتل كسْرَى لَيْلَة الثُّلَاثَاء لعشر من جُمَادَى الأولى سنة سبع من الْهِجْرَة وَأسلم باذان سنة عشر

(2/156)


وَعَن المَقْبُري قَالَ جَاءَ فَيْرُوز الديلمي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِن كسْرَى كتب إِلَى باذان بَلغنِي أَن فِي أَرْضك رجلا تنبأ فاربطه وَابعث بِهِ إِلَيّ فَقَالَ إِن رَبِّي غضب على رَبك فَقتله فدمه سخن السَّاعَة فَخرج من عِنْده فَسمع الْخَبَر فَأسلم وَحسن إِسْلَامه
قَالَ ابْن عبد الْبر فَيْرُوز الديلمي يكنى بِأبي عبد الله وَيُقَال لَهُ الْحِمْيَرِي لنزوله بحمير وهم من أَبنَاء فَارس من فرس صنعاء الْيمن وَقيل إِن الْأَبْنَاء ينسبون فِي بني ضبة وفيروز قَاتل الْأسود الْعَنسِي الْكذَّاب الَّذِي ادّعى النُّبُوَّة قَتله بِصَنْعَاء فَأتى الْخَبَر من السَّمَاء إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَرضه الَّذِي توفّي فِيهِ فَخرج يبشر النَّاس فَقَالَ قتل الْأسود البارحة قَتله رجل مبارك من أهل بَيت مباركين قيل من هم يَا رَسُول الله قَالَ فَيْرُوز الديلمي وَذَلِكَ سنة إِحْدَى عشرَة من الْهِجْرَة وَتُوفِّي فَيْرُوز رَضِي الله عَنهُ فِي خلَافَة عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ
وروى الثعالبي فِي تَفْسِير سُورَة الْأَنْعَام عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أهْدى كسْرَى بغلة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فركبها بِحَبل من شعر

(2/157)


وأردفه خَلفه قَالَ عبد الْكَرِيم قَالَ الدمياطي وَهَذَا بعيد لِأَنَّهُ مزق الْكتاب يَقُول مُؤَلفه عَفا الله عَنهُ وَأَن صَحَّ هَذَا لِأَن الْبَغَوِيّ ذكره أَيْضا فِي سُورَة الْأَنْعَام فَيحْتَمل أَن يكون الَّذِي أرسل البغلة شيرويه وَلَده أَو ابْن عَمه كسْرَى بن قباذ بن هُرْمُز أَو أزدشير بن شيرويه أَو جرهان هَؤُلَاءِ كلهم ملكوا بعد قتل أبرويز ثمَّ ملك بعدهمْ بوران بنت كسْرَى وَبلغ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرهَا فَقَالَ لن يفلح قوم أسندوا أَمرهم إِلَى امْرَأَة قَالَه ابْن قُتَيْبَة فِي المعارف وَالله أعلم أَي ذَلِك كَانَ