المصباح المضي في كتاب النبي الأمي ورسله إلى ملوك الأرض من عربي وعجمي

وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَالك بن نمط فِي وَفد هَمدَان وأقيال الْيمن

قَالَ ابْن هِشَام وَقدم وَفد هَمدَان على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم مَالك بن نمط وَأَبُو ثَوْر وَهُوَ ذُو المشعار وَمَالك بن أَيفع وضمام بن مَالك السَّلمَانِي بِسُكُون اللَّام وعميرة بن مَالك الخارفي فَلَقوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَلَيْهِم مقطعات الحبرات والعمائم العدنية برحال الميس على المهرية والأرحبية وَمَالك ابْن نمط وَرجل آخر يرتجزان بالقوم يَقُول أَحدهمَا
(هَمدَان خير سوقة وأقيال ... لَيْسَ لَهَا فِي الْعَالمين أَمْثَال)
(محلهَا الهضب وَمِنْهَا الْأَبْطَال ... لَهَا أطابات بهَا وآكال)
وَيَقُول آخر

(2/285)


(إِلَيْك جاوزن سَواد الرِّيف ... فِي هبوات الصَّيف والخريف)
(مخطمات بحبال الليف ... )
فَقَامَ مَالك بن نمط بَين يَدَيْهِ ثمَّ قَالَ يَا رَسُول الله نصية من هَمدَان من كل حَاضر وباد أتوك على قلص نواج مُتَّصِلَة بحبائل الْإِسْلَام لَا تأخذهم فِي الله لومة لائم من مخلاف خارف ويام وشاكر أهل السود والقود أجابوا دَعْوَة الرَّسُول وفارقوا آلهات الأنصاب عَهدهم لَا ينْقض مَا أَقَامَت لعلع وَمَا جرى اليعفور بصلع فَكتب لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتابا فِيهِ
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا كتاب من مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمخلاف خارف وَأهل جناب الهضب وحقاف الرمل مَعَ وافدها ذِي المشعار لمَالِك بن نمط وَلمن أسلم من قومه على أَن لَهُم فراعها ووهاطها مَا أَقَامُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة يَأْكُلُون علافها ويرعون عافيها لَهُم بذلك عهد الله وذمام رَسُوله وشاهدهم الْمُهَاجِرُونَ

(2/286)


وَالْأَنْصَار
فَقَالَ فِي ذَلِك مَالك بن نمط
(ذكرت رَسُول الله فِي فَحْمَة الدجا ... وَنحن بِأَعْلَى رحرحان وصلدد)
(وَهن بناخوص طلائح تغتلي ... بركبانها فِي لاحب متمدد)
(على كل فتلاء الذراعين جسرة ... تمر بِنَا مر الهجيف الخفيدد)
(حَلَفت بِرَبّ الراقصات إِلَى منى ... صوادر بالركبان من هضب قردد)
(بَان رَسُول الله فِينَا مُصدق ... رَسُول أَتَى من عِنْد ذِي الْعَرْش مهتدي)
(فَمَا حملت من نَاقَة فَوق رَحلهَا ... أبر وأوفى ذمَّة من مُحَمَّد)
(وَأعْطى إِذا مَا طَالب الْعرف جَاءَهُ ... وأمضى بِحَدّ المشرفي المهند)
تَفْسِير غَرِيبه

المقطعات ثِيَاب وشى تصنع بِالْيمن والحبرات برود تصنع بِالْيمن أَيْضا والمهرية إبل تنْسب إِلَى مهرَة قَبيلَة بِالْيمن والأرحبية تنْسب إِلَى أرحب قَبيلَة من الْيمن أَيْضا قَوْله فِي الرجز خير سوقة وأقيال الْأَقْيَال الْمُلُوك والسوقة دونهم من النَّاس والهضب الكدية المرتفعة وَقَوله

(2/287)


أطابات أَي أَمْوَال طيبَة وَقَوله وآكال هُوَ مَا يَأْخُذهُ الْملك من رَعيته وَظِيفَة عَلَيْهِم لَهُ وَقَوله فِي الرجز الآخر سَواد الرِّيف السوَاد هُنَا الْقرى الْكَثِيرَة الشّجر وَالنَّخْل والريف الأَرْض الَّتِي تقرب من الْأَنْهَار والمياه الغزيرة والهبوات جمع هبوة وَهِي الغبرة وَقَوله نصية من هَمدَان النصية خِيَار الْقَوْم والقلص الْإِبِل الْفتية ونواج مسرعة والمخلاف الْمَدِينَة لُغَة الْيمن وخارف ويام وشاكر قبائل من الْيمن وَقَالَ الْبكْرِيّ إِن شاكرا اسْم مَوضِع من مخاليف الْيمن لهمدان وَقَوله أهل السود والقود السود هُنَا الْإِبِل والقود الْخَيل وآلهات جمع آلِهَة والأنصاب حِجَارَة كَانُوا يذبحون لَهَا وَلَعَلَّه اسْم مَوضِع وَقيل هُوَ جبل واليعفور ولد الظبية وصلع بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة اسْم مَوضِع وَمن رَوَاهُ بضلع فَمَعْنَاه بِقُوَّة من قَوْلك رجل ضليع أَي قوي وَالرِّوَايَة الأولى هِيَ الْمَشْهُورَة وَقَوله وَأهل جناب الهضب الْجَانِب والجناب وَاحِد والهضب الكدى وَاحِدهَا هضبة والحقاف مَوضِع حقف وَهُوَ الرمل المستدير وَيجمع على أحقاف قَالَ الله تَعَالَى {إِذْ أنذر قومه بالأحقاف} وَقَوله فراعها ووهاطها الفراع

(2/288)


عالي الأَرْض والوهاط المنخفض المطمئن من الأَرْض وَقَوله علافها العلاف والعلف ثَمَر الطلح وَهُوَ شجر وَقَوله عافيها أَي نباتها يُقَال عَفا النَّبَات وَغَيره إِذا كثر
تَفْسِير غَرِيب أَبْيَات ابْن نمط

قَوْله فَحْمَة الدجا الفحمة سَواد اللَّيْل فِي أَوله والدجا الظلمَة ورحرحان جبل بَينه وَبَين الربذَة بريدان وَهُوَ على طَرِيق الْمَدِينَة وَأقرب الْمِيَاه إِلَيْهِ الكديد وصلدد بِفَتْح أَوله وَإِسْكَان ثَانِيه بعده دالان مهملتان الأولى مَفْتُوحَة مَوضِع تِلْقَاء رحرحان قَالَه الْبكْرِيّ فِي مُعْجَمه وَاسْتشْهدَ بِبَيْت ابْن نمط وخوص غائرة الْعُيُون وطلائح مَعِيبَة قَوْله تغتلي أَي تشتد فِي سَيرهَا وهوبالغين الْمُعْجَمَة واللاحب الطَّرِيق الْبَين الْوَاضِح بِالْحَاء الْمُهْملَة قَالَه الْجَوْهَرِي والجسرة النَّاقة القوية على السّير والهجف الذّكر من النعام والخفيدد بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة الْخَفِيف مِنْهُم الراقصات الْإِبِل والرقصان ضرب من الْمَشْي وصوادر رواجع والقردد مَا ارْتَفع من الأَرْض

(2/289)


وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُسَيْلمَة الْكذَّاب لَعنه الله

قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقد كَانَ تكلم فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُسَيْلمَة بن حبيب بِالْيَمَامَةِ فِي بني حنيفَة وَالْأسود بن كَعْب الْعَنسِي بِصَنْعَاء
وَكَانَ مُسَيْلمَة كتب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مُسَيْلمَة رَسُول الله إِلَى مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَلام عَلَيْك أما بعد فَإِنِّي قد أشركت فِي الْأَمر مَعَك وَإِن لنا نصف الأَرْض ولقريش نصف الأَرْض وَلَكِن قُريْشًا قوم يعتدون فَقدم عَلَيْهِ رسولان بِهَذَا الْكتاب وهما ثُمَامَة بن أَثَال وَعبد الله بن النواحة فَقَالَ لَهما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين قَرَأَ كِتَابه فَمَا تقولان أَنْتُمَا قَالَا نقُول كَمَا قَالَ فَقَالَ أما وَالله لَوْلَا أَن الرُّسُل لَا تقتل لضَرَبْت أعناقكما ثمَّ كتب إِلَى مُسَيْلمَة
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من مُحَمَّد رَسُول الله إِلَى مُسَيْلمَة الْكذَّاب السَّلَام على من اتبع الْهدى أما بعد فَإِن الأَرْض لله يُورثهَا من يَشَاء من عباده وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين

(2/290)


وَذَلِكَ فِي آخر سنة عشر
قَالَ ابْن سعد وَكتب إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ العنوه لَعنه الله وَكتب إِلَيْهِ بَلغنِي كتابك الْكَذِب والإفك والافتراء على الله وَبعث بِهِ مَعَ السَّائِب بن الْعَوام أخي الزبير وإياه عَنى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين خطب فَقَالَ رَأَيْت فِي يَدي سِوَارَيْنِ من الذَّهَب فكرهتمهما فنفخت فيهمَا فطَارَا فَأَوَّلْتهمَا كَذَّاب الْيَمَامَة والعنسي صَاحب صنعاء فَأَما مُسَيْلمَة فَقتله وحشى قَاتل حَمْزَة وَكَانَ على الْجَيْش خَالِد بن الْوَلِيد رَضِي الله عَنهُ أفنى قومه قتلا وسبيا فِي خلَافَة أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَأما الْأسود الْعَنسِي كَانَ يُقَال لَهُ ذُو الْحمار ويلقب عبهلة فَقتله فَيْرُوز الديلمي وَقيس بن مكشوح ودادوديه رجل من الْأَبْنَاء رَضِي الله عَنْهُم دخلُوا عَلَيْهِ من سرب صنعت لَهُم امْرَأَة كَانَ غلب عَلَيْهَا من الْأَبْنَاء واغتصبها لِأَنَّهَا كَانَت من أجمل النِّسَاء وَكَانَت مسلمة صَالِحَة اسْمهَا المرزبانة رَضِي الله عَنْهَا وسقته البنج فخبطوه بِأَسْيَافِهِمْ وهم يَقُولُونَ ضل نَبِي مَاتَ وَهُوَ سَكرَان وَأما عبد الله بن النواحة أحد رَسُولي مُسَيْلمَة فَضرب عُنُقه قرظة بن كَعْب بِأَمْر عبد الله بن مَسْعُود وَقَالَ لَهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَوْلَا أَنَّك رَسُول لضَرَبْت عُنُقك وَأَنت السَّاعَة لَيْسَ برَسُول
وَكَانَت آيَاته ومعجزاته لَعنه الله كلهَا منكوسة يَعْنِي مُسَيْلمَة تفل بِئْر قوم سَأَلُوهُ

(2/291)


ذَلِك تبركا فملح مَاؤُهَا وَمسح رَأس صبي فقرع قرعا فَاحِشا ودعا لرجل فِي بَنِينَ لَهُ بِالْبركَةِ فَرجع إِلَى منزله فَوجدَ أَحدهمَا سقط فِي بِئْر وَالْآخر أكله الذِّئْب وَمسح على عَيْني رجل ليستشفى بمسحه فابيضت عَيناهُ وَقتل وَهُوَ ابْن مائَة وَخمسين سنة قَالَه ابْن دحْيَة
وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم معدي كرب بن أَبْرَهَة

قَالَ ابْن سعد وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمعدي كرب ابْن أَبْرَهَة إِن لَهُ مَا أسلم عَلَيْهِ من أَرض خولان

(2/292)


حرف النُّون

وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهشل

قَالَ ابْن سعد وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لنهشل بن مَالك الوائلي من باهلة بِاسْمِك اللَّهُمَّ هَذَا كتاب من مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لنهشل بن مَالك وَمن مَعَه من بني وَائِل لمن أسلم وَأقَام الصَّلَاة وَآتى الزَّكَاة وأطاع الله وَرَسُوله وَأعْطى من الْمغنم خمس الله وَسَهْم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأشْهد على إِسْلَامه وَفَارق الْمُشْركين فَإِنَّهُ آمن بِأَمَان الله وبريء إِلَيْهِ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الظُّلم كُله وَإِن لَهُم أَن لَا يحْشرُوا وَلَا يعشرُوا وعاملهم من أنفسهم وَكتب عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ

(2/293)