المصباح
المضي في كتاب النبي الأمي ورسله إلى ملوك الأرض من عربي وعجمي حرف الْيَاء
وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحنة بن رؤبة من أَيْلَة
ويهود مقنا وهم بِقرب أَيْلَة
قَالَ ابْن سعد فِي الطَّبَقَات وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِلَى يحنة بن رؤبة وسروات أهل أَيْلَة سلم أَنْتُم فَإِنِّي أَحْمد
إِلَيْكُم الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فَإِنِّي لم أكن لأقاتلكم
حَتَّى أكتب إِلَيْكُم فَأسلم أَو أعْط الْجِزْيَة وأطع الله وَرَسُوله
ورسل رَسُوله وَأكْرمهمْ واكسهم كسْوَة حَسَنَة غير كسْوَة الغزاء واكس
زيدا كسْوَة حَسَنَة فمهما رضيت رُسُلِي فَإِنِّي قد رضيت وَقد علم
الْجِزْيَة فَإِن أردتم أَن يَأْمَن الْبَحْر وَالْبر فأطع الله وَرَسُوله
وَيمْنَع عَنْكُم كل حق كَانَ للْعَرَب والعجم إِلَّا حق الله وَحقّ
رَسُوله وَإنَّك إِن رددتم وَلم ترضهم لَا آخذ مِنْكُم شَيْئا
(2/316)
حَتَّى أقاتلكم فأسبى الصَّغِير وأقتل
الْكَبِير فَإِنِّي رَسُول الله بِالْحَقِّ أُؤْمِن بِاللَّه وَكتبه
وَرُسُله وبالمسيح ابْن مَرْيَم أَنه كلمة الله وَإِنِّي أُؤْمِن بِهِ أَنه
رَسُول الله وائت قبل أَن يمسكم الشَّرّ فَإِنِّي قد أوصيت رُسُلِي بكم
وَأعْطِ حَرْمَلَة ثَلَاثَة أوسق شعير وَإِن حَرْمَلَة شفع لكم وَإِنِّي
لَوْلَا الله وَذَلِكَ لم أراسلكم شَيْئا حَتَّى ترى الْجَيْش وَإِنَّكُمْ
إِن أطعتم رُسُلِي فَإِن الله لكم جَار وَمُحَمّد وَمن يكون مِنْهُ وَإِن
رُسُلِي شُرَحْبِيل وَأبي وحرملة وحريث بن زيد الطَّائِي فَإِنَّهُم مهما
قاضوك عَلَيْهِ فقد رضيته وَإِن لكم ذمَّة الله وَذمَّة مُحَمَّد رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالسَّلَام عَلَيْكُم إِن أطعتم وجهزوا أهل
مقنا إِلَى أَرضهم
قَالَ وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بني جنبة وهم يهود
بمقنا وَإِلَى أهل مقنا ومقنا قريب من أَيْلَة أما بعد فقد نزل عَليّ آيتكم
رَاجِعين إِلَى قريتكم فَإِذا جَاءَكُم كتابي هَذَا فَإِنَّكُم آمنون
(2/317)
لكم ذمَّة الله وَذمَّة رَسُوله وَإِن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَافِر لكم سَيِّئَاتكُمْ وكل ذنوبكم
وَإِن لكم ذمَّة الله وَذمَّة رَسُوله لَا ظلم عَلَيْكُم وَلَا عدى وَإِن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جاركم مِمَّا منع مِنْهُ نَفسه فَإِن
لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بزكم وكل رَقِيق فِيكُم والكراع
وَالْحَلقَة إِلَّا مَا عَفا عَنهُ رَسُول الله أَو رَسُول رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن عَلَيْكُم بعد ذَلِك ربع مَا أخرجت نخلكم وَربع
مَا صادت عروككم وَربع مَا اغتزل نِسَاؤُكُمْ وَإِنَّكُمْ برئتم بعد من كل
جِزْيَة أَو سخرة فَإِن سَمِعْتُمْ وأطعتم فَإِن على رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَن يكرم كريمكم وَيَعْفُو عَن مسيئكم أما بعد فَإلَى
الْمُؤمنِينَ وَالْمُسْلِمين من أطلع أهل مقنا بِخَير فَهُوَ خير لَهُ وَمن
أطلعهم بشر فَهُوَ شَرّ لَهُ وَأَن لَيْسَ عَلَيْكُم أَمِير إِلَّا من
أَنفسكُم أَو من أهل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
تَفْسِير
أما قَوْله آيتكم يَعْنِي رسلهم ولرسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بزكم
يَعْنِي
(2/318)
بزهم الَّذِي يصالحون عَلَيْهَا فِي صلحهم
قَالَ الْجَوْهَرِي بزه يبزه بزا سلبه وَفِي الْمثل من عزبز أَي من غلب
أَخذ السَّلب وابتززت الشَّيْء أَي استلبته والبز من الثِّيَاب أَمْتعَة
الْبَزَّاز والبز السِّلَاح أَيْضا وَالْبزَّة ورقيقهم قَالَ الْجَوْهَرِي
الرّقّ بِالْكَسْرِ من الْملك والعبودية وَالشَّيْء الرَّقِيق أَيْضا
وَيُقَال للْأَرْض اللينة رق وَالْحَلقَة مَا جمعت الدَّار من سلَاح أَو
مَال وَأما عروككم فالعروك خشب يلقى فِي الْبَحْر يركبون عَلَيْهَا فيلقون
شباكهم يصيدون السّمك قَالَ الْجَوْهَرِي والعرك الصيادون
وروى ابْن سعد بِسَنَدِهِ عَن عبد الله بن جَابر عَن أَبِيه قَالَ رَأَيْت
على يحنة بن رؤبة يَوْم أَتَى إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
صليبا من ذهب وَهُوَ مقعود الناصية فَلَمَّا رأى رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كفر وَأَوْمَأَ بِرَأْسِهِ فَأَوْمأ إِلَيْهِ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ارْفَعْ رَأسك وَصَالَحَهُ يَوْمئِذٍ وكساه رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم برد يمنة وَأمر بانزاله عِنْد بِلَال قَالَ
وَرَأَيْت أكيدر حِين قدم بِهِ خَالِد بن الْوَلِيد وَعَلِيهِ صَلِيب من
ذهب وَعَلِيهِ الديباج ظَاهرا
قَالَ مُحَمَّد بن عمر وَنسخت كتاب أهل أذرح فَإِذا فِيهِ بِسم
(2/319)
الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا كتاب من
مُحَمَّد النَّبِي لأهل أذرح إِنَّهُم آمنون بِأَمَان الله وأمان مُحَمَّد
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن عَلَيْهِم مائَة دِينَار فِي كل رَجَب وافية
طيبَة وَالله كَفِيل عَلَيْهِم بالنصح وَالْإِحْسَان للْمُسلمين وَمن لَجأ
إِلَيْهِم من الْمُسلمين من المخافة والتعزيز إِذا خَشوا على الْمُسلمين
وهم آمنون حَتَّى يحدث إِلَيْهِم مُحَمَّد قبل خُرُوجه يَعْنِي إِذا
أَرَادَ الْخُرُوج قَالَ وَوضع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْجِزْيَة على أهل أَيْلَة ثَلَاثمِائَة دِينَار كل سنة وَكَانُوا
ثَلَاثمِائَة رجل
وَكتب لأهل جربا أَيْضا
وَكتب لأهل مقنا إِن عَلَيْهِم ربع غزولهم وَربع مثمارهم قَالَ وَأهل مقنا
وجربا وأذرح يهود على سَاحل الْبَحْر
تَفْسِير
قَالَ الْبكْرِيّ أَيْلَة على وزن فعلة مَدِينَة على شاطئ الْبَحْر فِي
منصف مَا بَين مَكَّة ومصر وَسميت أَيْلَة ببنت مَدين بن إِبْرَاهِيم
عَلَيْهِ السَّلَام وَرُوِيَ أَنَّهَا الْقرْيَة الَّتِي كَانَت حَاضِرَة
الْبَحْر وأذرح بذال مُعْجمَة وحاء مُهْملَة مَدِينَة تِلْقَاء السراة من
أدانى الشَّام قَالَ ابْن
(2/320)
وضاح أذرح بفلسطين وَبهَا بَايع الْحسن بن
عَليّ مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان رَضِي الله عَنْهُم وَأَعْطَاهُ
مُعَاوِيَة مائَة ألف دِينَار وافتتحت أذرح صلحا على عهد رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَت تُؤدِّي إِلَيْهِ الْجِزْيَة وَكَذَلِكَ دومة
الجندل والنجران وهجر روى البُخَارِيّ وَمُسلم عَن ابْن عمر رَضِي الله
عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أمامكم حوضى كَمَا
بَين جرباء وأذرح قَالَ عبيد الله فَسَأَلت ابْن عمر فَقَالَ هما
قَرْيَتَانِ بِالشَّام بَينهمَا مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام جرباء وَقع فِي
البُخَارِيّ ممدودا وَالْمَشْهُور فِيهِ الْقصر قَالَه عِيَاض وَغَيره
وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يزِيد بن الطُّفَيْل
الْحَارِثِيّ
قَالَ ابْن سعد وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليزِيد ابْن
الطُّفَيْل الْحَارِثِيّ إِن لَهُ المضة كلهَا لَا يحاقه فِيهَا أحد مَا
أَقَامَ الصَّلَاة وَآتى الزَّكَاة وَحَارب الْمُشْركين وَكتب جهيم بن
الصَّلْت
وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يزِيد بن المحجل
الْحَارِثِيّ
قَالَ ابْن سعد وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليزِيد ابْن
المحجل
(2/321)
الْحَارِثِيّ إِن لَهُم نمرة ومساقيها
ووادي الرَّحْمَن من بَين غابتها وَإنَّهُ على قومه بني مَالك وعقبه لَا
يغزون وَلَا يحشرون وَكتب الْمُغيرَة بن شُعْبَة
قَالَ ابْن عبد الْبر يزِيد بن المحجل وَيزِيد بن عبد المدان الحارثيان من
بلحارث بن كَعْب قدما على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وَفد
بلحارث مَعَ خَالِد بن الْوَلِيد رَضِي الله عَنْهُم فأسلموا وَذَلِكَ فِي
سنة عشر
وَقد أنهيت بِحَمْد الله تَعَالَى ومعونته على مَا شرطته فِي أَوله حسب
الطَّاقَة وَأَنا أسأَل الله تَعَالَى أَن يَجعله خَالِصا لوجهه الْكَرِيم
وَأَن لَا يخيب لنا فِيهِ سعينا وَأَن ينفعنا بِهِ وقارئه وكاتبه ومستمعيه
وَأَن يُصَلِّي على من هَذِه صبَابَة من بعض معجزاته مُحَمَّد نَبِي
الرَّحْمَة وشفيع الْأمة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله وَصَحبه وَسلم
تَسْلِيمًا أبدا
وَقد سنح لي أَن أختمه بِبَاب أذكر فِيهِ أسانيدي فِيمَا ذكرته فِيهِ
(2/322)
مِمَّا رويته عَن مشايخي رَحِمهم الله إِذْ
علم الْإِسْنَاد من خُصُوصِيَّة هَذِه الْأمة المحمدية وَبِه قَامَت
الْأَدِلَّة واتضح السَّبِيل فأبدأ أَولا بِسَنَد البُخَارِيّ رَحمَه الله
تَعَالَى
(2/323)
|