إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع

غزوة بني النضير
ثم كانت غزوة بني النضير في ربيع الأول على رأس سبعة وثلاثين شهرا من مهاجر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويقال: كانت في جمادى الأولى [ (1) ] سنة أربع، وروى عقيل ابن خالد وغيره عن ابن شهاب قال: كانت غزوة بني النضير بعد بدر بستة أشهر.

سببها، وغدر اليهود برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
سببها أن عمرو بن أمية الضمريّ لما قتل الرجلين من بني عامر خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بني النضير يستعين في ديتهما- لأن بني النضير كانوا حلفاء بني عامر، وكان ذلك يوم السبت- فصلى في مسجد قباء ومعه رهط من المسلمين. ثم جاء بني النضير ومعه دون العشرة من أصحابه [ (2) ] فيجدهم في ناديهم، فجلس يكلمهم أن يعينوه في الكلابيين اللذين قتلهما عمرو بن أمية، فقالوا: نفعل، اجلس حتى نطعمك، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مستند إلى بيت، فخلا بعضهم إلى بعض، وأشار عليهم حيي بن أخطب أن يطرحوا عليه حجارة من فوق البيت الّذي هو تحته فيقتلوه، فانتدب لذلك عمرو بن جحاش ليطرح عليه صخرة، وهيأ الصخرة ليرسلها على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأشرف بها، فجاء الوحي بما همّوا به، فنهض صلّى اللَّه عليه وسلّم سريعا كأنه يريد حاجة ومضى إلى المدينة. فلما أبطأ لحق به أصحابه- وقد بعث في طلب [ (3) ] محمد بن مسلمة- فأخبرهم بما همت به يهود، وجاء محمد بن مسلمة فقال:
اذهب إلى يهود بني النضير فقل لهم: [إن رسول اللَّه أرسلني إليكم] [ (4) ] أن اخرجوا من بلده، فإنكم قد نقضتم العهد بما هممتم به من الغدر، وقد أجّلتهم عشرا، فمن رئي بعد ذلك ضربت عنقه.

أمر إجلاء بني النضير
فأخذوا يتجهزون في أيام، ثم بعث حيي بن أخطب مع أخيه جدي [ (5) ] بن
__________
[ (1) ] في (خ) «الأول» .
[ (2) ] في (خ) «وأصحابه» .
[ (3) ] في (خ) «طلبه» .
[ (4) ] زيادة من (الواقدي) ج 1 ص 366.
[ (5) ] في (خ) «حدى» .

(1/188)


أخطب إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنا لا نخرج، فليصنع ما بدا له. وقد غره عبد اللَّه بن أبي بأن أرسل إليه سويدا وداعسا بأن يقيم بنو النضير ولا يخرجوا: فإن معي من قومي وغيرهم [من العرب] [ (1) ] ألفين، يدخلون معكم فيموتون من آخرهم دونكم.
فلما بلّغ جدي رسالة أخيه حييّ كبّر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومن معه وقال:
حاربت يهود.
ونادى مناديه بالمسير إلى بني النضير.

مسير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إليهم وحصارهم
وسار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أصحابه فصلى العصر بفضاء بني النضير وقد قاموا على جدر [ (2) ] حصونهم ومعهم النبل والحجارة، ولم يأتهم ابن أبيّ واعتزلتهم [ (3) ] قريظة فلم تعنهم بسلاح ولا رجال، وجعلوا يرمون يومهم بالنبل والحجارة حتى أمسوا، فلما صلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم العشاء- وقد تتام أصحابه- رجع إلى بيته في عشرة من أصحابه، وعليه الدرع والمغفر وهو على فرس. واستعمل عليا رضي اللَّه عنه على العسكر، ويقال: بل استعمل أبا بكر رضي اللَّه عنه. وبات المسلمون محاصريهم يكبرون حتى أصبحوا. وأذن بلال رضي اللَّه عنه بالمدينة، فغدا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أصحابه الذين كانوا معه فصلى بالناس في فضاء بني خطمة، واستعمل على المدينة ابن أمّ مكتوم.

قتال بني النضير
وحملت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبة أدم أرسل بها سعد بن عبادة، فضربها بلال ودخلها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فرمى عزوك- من اليهود- فبلغ نبله القبة، فحولت حيث لا يصلها النّبل. ولزم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الدّرع وظل محاصرهم ست ليال من ربيع الأول. وحينئذ حرّمت الخمر، على ما ذكره أبو محمد بن حزم. وفقد عليّ رضي اللَّه عنه في بعض الليالي
فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنه في بعض شأنكم! فعن قليل جاء برأس عزوك:
وقد كمن له حتى خرج في نفر من اليهود يطلب غرّة من المسلمين، وكان شجاعا راميا، فشدّ عليه عليّ رضي اللَّه عنه فقتله، وفرّ اليهود، فبعث معه
__________
[ (1) ] زيادة من (الواقدي) ج 1 ص 366.
[ (2) ] في (خ) «جذر» .
[ (3) ] في (خ) «اعتزلهم» .

(1/189)


النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أبا دجانة وسهل بن حنيف، في عشرة فأدركوا اليهود الذين فروا من علي رضي اللَّه عنه فقتلوهم، وأتوا برءوسهم فطرحت في بعض البئار [ (1) ] . وكان سعد بن عبادة رضي اللَّه عنه يحمل التمر إلى المسلمين.

تحريق نخلهم وشرط إجلائهم
وأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالنخل فقطعت وحرّقت، واستعمل على ذلك أبا ليلى المازني وعبد اللَّه بن سلام فشق على يهود قطع النّخل، وبعث حيي بن أخطب إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بأنه يخرج ومن معه.
فقال عليه السلام: لا أقبله اليوم، ولكن اخرجوا منها ولكم [دماؤكم و] [ (2) ] ما حملت الإبل إلا الحلقة [ (3) ] ،
فلم يقبل حييّ، وحالفت عليه طائفة ممن معه وأسلّم منهم يامين بن عمير بن كعب [ابن عمّ عمرو ابن جحاش] [ (4) ] وأبو سعد بن وهب ونزلا فأحرزا أموالهما، ثم نزلت يهود على أن لهم ما حملت الإبل إلا الحلقة، وجعل يامين لرجل من قيس عشرة دنانير.
ويقال: خمسة أوسق من تمر حتى قتل عمرو بن جحاش غيلة، فسرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بقتله.

كيف كان جلاؤهم
وأقام على حصار يهود خمسة عشر يوما حتى أجلاهم وولي إخراجهم محمد ابن مسلمة. وكانوا في حصارهم يخربون بيوتهم [بأيديهم] [ (5) ] مما يليهم، والمسلمون يخربون مما يليهم ويحرّقون، حتى وقع الصلح، جعلوا يحملون الخشب ويحملون النساء والذرية، وشقوا سوق المدينة والنساء في الهوادج عليهنّ الحرير والديباج وحلي الذهب والمعصفرات وهن يضربن بالدفوف ويزمرن بالمزامير تجلدا- وكبارهم يومئذ حييّ بن أخطب، وسلّام بن أبي الحقيق- وقد صف لهم الناس وهم يمرون، فكانوا على ستمائة بعير، فنزل أكثرهم بخيبر فدانت لهم، وذهبت طائفة منهم إلى الشام، فكان ممن صار منهم إلى خيبر أكابرهم كحيي بن أخطب، وسلام ابن أبي الحقيق، وحزن المنافقون لخروجهم أشد الحزن.
__________
[ (1) ] في (خ) «البيار» والبئار: جمع بئر.
[ (2) ] زيادة من (ابن سعد) ج 2 ص 58.
[ (3) ] الحلقة: السلاح كله.
[ (4) ] في (خ) «كعب بن عمرو بن جحاش» ، وهو خطأ، وما أثبتناه من سياق ترجمته في (الإصابة) ج 10 ص 333 برقم 9112.
[ (5) ] زيادة من (ابن سعد) ج 2 ص 58.

(1/190)


أموال بني النضير
وقبض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الأموال والحلقة: فوجد خمسين درعا وخمسين بيضة [ (1) ] ، وثلاثمائة سيف وأربعين سيفا. وقال عمر رضي اللَّه عنه: ألا تخمّس ما أصبت.
فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا أجعل شيئا جعله اللَّه لي دون المؤمنين- بقوله: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ [ (2) ] كهيئة ما وقع فيه السهمان للمسلمين.
وكانت بنو النضير من صفايا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جعلها حبسا لنوائبه، وكان ينفق على أهله منها: كانت خالصة له، فأعطى من أعطى منها، وحبس ما حبس، وكان يزرع تحت النخل، وكان يدخل منها قوت أهله سنة من الشعير والتمر لأزواجه وبني المطلب [ (3) ] ، وما فضل جعله في الكراع والسلاح.
واستعمل على أموال بني النضير أبا رافع مولاه، وكانت صدقاته منها ومن أموال مخيريق.

المهاجرون والأنصار
وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما تحول من بني عمرو بن عوف إلى المدينة تحول المهاجرون فتنافست فيهم الأنصار أن ينزلوا عليهم حتى اقترعوا فيهم السهمان، فما نزل أحد من المهاجرين على أحد من الأنصار إلا بقرعة، فكان المهاجرون في دور الأنصار وأموالهم.

خبر قسمة أموال بني النضير على المهاجرين دون الأنصار
فلما غنم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بني النضير بعث ثابت بن قيس بن شمّاس فدعا الأنصار كلها- الأوس والخزرج- فحمد اللَّه وأثنى عليه، وذكر الأنصار وما صنعوا بالمهاجرين، وإنزالهم إياهم في منازلهم، وأثرتهم على أنفسهم، ثم
قال: إن أحببت قسمت بينكم وبين المهاجرين ما أفاء اللَّه عليّ من بني النضير، وكان
__________
[ (1) ] البيضة، من أدوات الحرب.
[ (2) ] آية 7/ الحشر، وفي (خ) « ... القرى، الآية» .
[ (3) ] في (خ) «بنى عبد المطلب» .

(1/191)


المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في مساكنكم وأموالكم، وإن أحببتم أعطيتهم وخرجوا من دوركم.
فقال سعد بن عبادة وسعد بن معاذ: يا رسول اللَّه، بل تقسمه للمهاجرين، ويكونون في دورنا كما كانوا. ونادت الأنصار: رضينا وسلمنا يا رسول اللَّه.
فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ ارحم الأنصار وأبناء الأنصار.
وقسم ما أفاء اللَّه عليه على المهاجرين دون الأنصار إلا رجلين كانا محتاجين: سهل بن حنيف بن واهب بن العكيم بن ثعلبة بن مجدعة بن الحارث بن عمرو بن خناس (ويقال خنساء) بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري، وأبو دجانة سماك بن خرشة بن لوذان بن عبد ودّ بن ثعلبة الأنصاري. وأعطى سعد بن معاذ سيف ابن أبي الحقيق، وكان سيفا له ذكر. ووسّع صلّى اللَّه عليه وسلّم في الناس من أموال بني النضير، وأنزل اللَّه تعالى في بني النضير «سورة الحشر» .
وفي جمادى الأولى [ (1) ] مات عبد اللَّه بن عثمان عن رقية.

زواج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأم سلمة
وفي شوال من هذه السنة تزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأم سلمة رضي اللَّه عنها.

غزوة بدر الموعد
ثم كانت غزوة بدر الموعد لهلال ذي القعدة على رأس خمسة وأربعين شهرا.
وسببها أن أبا سفيان بن حرب لما أراد أن ينصرف يوم أحد نادى: موعد بيننا وبينكم بدر الصفراء رأس الحول نلتقي فيه فنقتتل. فقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه- وقد أمره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم-: نعم، إن شاء اللَّه.

سوق بدر الصفراء وكراهية أبي سفيان الخروج إلى الموعد
وكانت بدر [ (2) ] الصفراء مجمعا للعرب في سوق يقام لهلال ذي القعدة إلى ثمان
__________
[ (1) ] في (خ) «الأول» .
[ (2) ] «وبدر الموعد، وبدر القتال، وبدر الأولى، والثانية: كلها موضع واحد» (معجم البلدان) ج 1 ص 358.

(1/192)


منه، فلما دنا الموعد كره أبو سفيان الخروج وأحبّ ألا يوافي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الموعد، وكان يظهر أنه يريد الغزو في جمع كثيف، فيبلغ أهل المدينة عنه أنه يجمع الجموع ويسير في العرب، فتأهب المسلمون له.

رسالة أبي سفيان نعيم بن مسعود لتخذيل المسلمين
وقدم [ (1) ] نعيم بن مسعود الأشجعي مكة فأخبر أبا سفيان [ (2) ] وقريشا بتهيؤ المسلمين لحربهم. وكان عاما [ (3) ] جدبا، أعلمه أبو سفيان بأنه كاره للخروج إلى لقاء المسلمين، واعتل بجدب الأرض. وجعل له عشرين فريضة توضع تحت يد سهيل بن عمرو، على أن يخذل المسلمين عن المسير لموعده وحمله على بعير. فقدم المدينة وأرجف بكثرة جموع أبي سفيان حتى رعّب [ (4) ] المسلمين، وهو يطوف فيهم حتى قذف الرعب في قلوب المسلمين ولم تبق لهم نية في الخروج. واستبشر المنافقون واليهود وقالوا: محمد لا يغلب! - من هذا الجمع- فبلغ ذلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى خشي ألا يخرج معه أحد. وجاءه أبو بكر وعمر رضي اللَّه عنهما- وقد سمعا ما سمعا- وقالا: يا رسول اللَّه، إن اللَّه مظهر دينه ومعزّ نبيه، وقد وعدنا القوم موعدا، ولا نحب أن نتخلف فيرون أن هذا جبن، فسر لموعدهم، فو اللَّه إن في ذلك لخيرة.
فسرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. ثم قال: والّذي نفسي بيده لأخرجنّ وإن لم يخرج معي أحد.
فبصّر اللَّه المسلمين وأذهب ما كان رعبهم الشيطان، وخرجوا بتجارات لهم إلى بدر فربحت ربحا كثيرا.

خروج المسلمين إلى بدر
واستخلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على المدينة عبد اللَّه بن رواحة، وسار في ألف وخمسمائة، فيهم عشرة أفراس، وحمل لواءه علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه، فانتهوا إلى بدر ليلة هلال ذي القعدة، وقام السّوق صبيحة الهلال فأقاموا ثمانية أيام والسوق قائمة. وخرج أبو سفيان من مكة في ألفين معهم خمسون فرسا ثم رجعوا من مجنة [ (5) ] ، [وذلك أن أبا سفيان بدا له الرجوع فقال: يا معشر قريش، ارجعوا
__________
[ (1) ] في (خ) «وقد» .
[ (2) ] في (خ) «أخبر أبا سفيان» مكررة.
[ (3) ] في (خ) «عامة» .
[ (4) ] رعب: خوّف.
[ (5) ] مجنّة: موضع على أميال يسيرة من مكة بناحية مر الظهران واسم سوق للعرب (معجم البلدان) ج 5 ص 58.

(1/193)


فإنه لا يصلحنا إلا عام خصيب غيداق نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن، وإن عامكم هذا عام جدب، فإنّي راجع فارجعوا. فرجع الناس، فسمّاهم أهل مكة: «جيش السويق» . يقولون: إنما خرجتم تشربون السويق] [ (1) ] .

خبر مجدي بن عمرو، وبني ضمرة
وقام مجدي بن عمرو من بني ضمرة [- ويقال: مخشيّ بن عمرو-] والناس مجتمعون في سوقهم، والمسلمون أكثر ذلك الموسم فقال: يا محمد لقد أخبرنا أنه لم يبق منكم أحد، فما أعلمكم إلا أهل الموسم!.
فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما أخرجنا إلا موعد أبي سفيان وقتال عدونا، وإن شئت مع ذلك نبذنا إليك وإلى قومك العهد ثم جالدناكم [ (2) ] قبل أن نبرح منزلنا هذا.
فقال الضمريّ: بل نكف أيدينا عنكم ونتمسك بحلفك.

معبد الخزاعي ينذر أهل مكة
وانطلق [ (3) ] معبد بن أبي معبد الخزاعي سريعا- بعد انقضاء الموسم [ (4) ]- إلى مكة، وأخبر بكثرة المسلمين وأنهم أهل ذلك الموسم وأنهم ألفان، وأخبرهم بما قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم للضمري. فأخذوا في الكيد والنفقة لقتال [ (5) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، واستجلبوا من حولهم من العرب وجمعوا الأموال، وضربوا البعث على أهل مكة فلم يترك أحد منهم إلا أن يأتي بمال، ولم يقبل من أحد أقل من أوقية لغزو الخندق.
وأنزل اللَّه تعالى: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [ (6) ] يعني نعيم بن مسعود.
وعاد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة فكانت غيبته عنها ست عشرة ليلة. وذكر
__________
[ (1) ] هذه زيادة من (المغازي) ج 1 ص 388 ومن (ابن هشام) ج 3 ص 123 وغيرهما من كتب السيرة، وفي (خ) بعد قوله «مجنة» ، «ويقال مخشى بأنه عام جدب وقام مجدي بن عمرو من بني ضمرة والناس مجتمعون» .
[ (2) ] في (خ) «جالدناكم» والمجالدة: المضاربة بالسيف.
[ (3) ] في (خ) «فانطلق» وهذه أجود.
[ (4) ] في (خ) «المسوم» .
[ (5) ] في (خ) «فأخذوا للكيد والنفقة للقتال ... » وما أثبتناه من (الواقدي) ج 1 ص 389.
[ (6) ] آية 113/ آل عمران، وفي (خ) إلى قوله «فاخشوهم» .

(1/194)


أبو محمد بن حزم أن بدر الموعد بعد ذات الرقاع [ (1) ] .

سرية عبد اللَّه بن عتيك لقتل أبي رافع اليهودي، وسبب ذلك
ثم كانت سرية عبد اللَّه بن عتيك إلى أبي رافع سلّام بن أبي الحقيق حتى قتل سحر ليلة الاثنين لأربع خلون من ذي الحجة على رأس ستة وأربعين شهرا، وقيل:
كان قتله في جمادى الأولى سنة ثلاث. وكان سبب ذلك أن أبا رافع كان قد أجلب في غطفان ومن حوله من مشركي العرب، وجعل لهم الجعل العظيم لحرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- فإنه كانت له رياسة قريظة بعد يوم بعاث [ (2) ]- فبعث صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد اللَّه ابن عتيك بن الحارث بن قيس بن هيشة بن الحارث بن أمية بن زيد بن معاوية بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري [ (3) ]- وكانت أمه بخيبر يهودية أرضعته- وبعث معه أربعة هم: عبد اللَّه بن أنيس، وأبو قتادة، والأسود بن الخزاعي، ومسعود بن سنان، وأمرهم بقتله، ونهى عن قتل النساء والولدان، فانتهوا إلى خيبر ونزلوا على أم عبد اللَّه [ابن عتيك] [ (4) ] ليلا- وقد تلقتهم بتمر وخبز- فكمنوا [ (5) ] حتى هدأت الرّجل، واستفتحوا على أبي رافع.
فقالت امرأته: ما شأنكم؟ فقال لها عبد اللَّه بن عتيك- وكان يرطن باليهودية-:
جئت أبا رافع بهدية. ففتحت له فدخل بمن معه- وأبو رافع نائم- فعلوه بأسيافهم وقد صاحت المرأة، واتكأ عبد اللَّه بن أنيس بسيفه على بطنه حتى بلغ الفراش، وهلك. فنزولا، ونسي أبو قتادة الأنصاري قوسه فرجع فأخذها، [فوقع من الدرجة] [ (6) ] فانكفت رجله فاحتملوه. وقام الصّائح وأتت يهود، فخرج منهم أبو
__________
[ (1) ] وكذلك أوردها (ابن هشام) بعد ذات الرقاع وأيضا (الطبري) في التاريخ و (ابن الأثير) في الكامل و (ابن كثير) في البداية والنهاية.
[ (2) ] في (خ) «بغاث» .
[ (3) ] هذا نسبه إلى الأوس، ولا شك أنه من الخزرج، يقول (ابن عبد البر) في (الاستيعاب) ج 6 ص 297: «لأن الرهط الّذي قتلوا ابن أبي الحقيق خزرجيون، والذين قتلوا كعب بن الأشرف أوسيون، كذا قال ابن إسحاق وغيره، ولم يختلفوا في ذلك» .
[ (4) ] زيادة للإيضاح.
[ (5) ] في (خ) «فأكمنوا» .
[ (6) ] زيادة للبيان: وقد اختلف فيمن وقع من الدرجة، يقول (ابن هشام) ج 3 ص 102. «وكان عبد اللَّه بن عتيك رجلا شيء البصر قال: فوقع من الدرجة ... إلخ» .

(1/195)


ذؤيب [ (1) ] الحارث في آثار القوم ومعه جمع، فنجاهم اللَّه منهم. وقد كمنوا يومين حتى سكن الطلب،
ثم أقبلوا إلى المدينة ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على المنبر، فقال: أفلحت الوجوه! فقالوا: أفلح وجهك يا رسول اللَّه! قال: أقتلتموه؟ قالوا: نعم، كلنا يدّعي قتله. وأروه أسيافهم فقال: هذا قتله، هذا أثر الطعام في سيف عبد اللَّه ابن أنيس.
فكانت غيبتهم عشرة أيام. ويقال: كانت هذه السرية في رمضان سنة ست [ (2) ] .

تعليم زيد بن ثابت كتابة اليهود
وفي هذه السنة الرابعة أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد ابن لوذان بن عمرو بن عوف بن غنم بن مالك النجار الأنصاريّ رضي اللَّه عنه أن يتعلم كتاب يهود،
وقال: لا آمن أن يبدلوا كتابي.
وولد الحسين بن علي رضي اللَّه عنهما- في قول بعضهم- لليال خلون من شعبان.