إمتاع
الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع غزوة وادي القرى
فلما انتهى إلى وادي القرى- وقد ضوى إليها [ (7) ] ناس من العرب- استقبله
اليهود بالرّمي، فقلت مدعم [ (8) ] ، - وهو يحط رحل النبي صلّى اللَّه عليه
وسلّم- بسهم، فعبأ عليه السلام أصحابه وصفّهم للقتال، ودفع لواءه إلى سعد
بن عبادة، وراية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سهل بن حنيف، وراية إلى
عبّاد بن بشر. ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا، وبرزوا فقتل منهم أحد عشر رجلا.
وبات عليهم وغدا لقتالهم،
__________
[ (1) ] ما بين القوسين سقط في (خ) وقد استوفيناه من كتب السيرة.
[ (2) ] في (خ) «وضارب» .
[ (3) ] في (خ) «وأخرى» .
[ (4) ] في (خ) «بن حيي» .
[ (5) ] أولم: من الوليمة.
[ (6) ] الحيس: طعام العرب، والسويق: يتخذ من الحنطة والشعير.
[ (7) ] ضوى إليه ضيّا وضويا، وانضوى إليه، إذا أوى إليه (الفائق للزمخشري)
ج 2 ص 350.
[ (8) ] مدعم: غلام لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
(1/325)
فأعطوا بأيديهم [ (1) ] ، فأخذها عنوة،
وغنم ما فيها فقسمه، وعامل يهود على النخل.
مصالحة يهود تيماء
فطلب يهود تيماء الصلح فصولحوا على الجزية، وأقاموا على أموالهم. وانصرف
صلّى اللَّه عليه وسلّم من وادي القرى- وقد أقام أربعة أيام- يريد المدينة،
فلما قرب منها نزل وعرّس.
النوم عن صلاة الصبح
فنام ومن معه عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس، فأذن بلال، وركعوا ركعتي
الفجر، ثم صلى بهم حتى إن أحدهم ليسلت [ (2) ] العرق عن جبينه من حرّ
الشّمس، فلما سلم
قال: كانت أنفسنا بيد اللَّه، فلو شاء قبضها، وكان أولى بها، فلما ردّها
إلينا صلينا، ثم أقبل على بلال- وكان قد قال قبل أن ينام: ألا رجل صالح
حافظ لعينيه يحفظ لنا صلاة الصبح؟ فقال بلال: أنا! ثم نام معهم، غلبته
عيناه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (3) ] : مه [ (4) ] يا بلال؟ فقال:
بأبي وأمي، قبض نفسي الّذي قبض نفسك! فتبسم صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (5) ]
. وقد قيل: إن ذلك كان مرجعه صلّى اللَّه عليه وسلّم من
__________
[ (1) ] أعطى بيده: سلم من غير قتال.
[ (2) ] سلت: مسح (ترتيب القاموس) ج 2 ص 590.
[ (3) ] زيادة للإيضاح.
[ (4) ] مه: كلمة استفهام بمعنى ماذا.
[ (5) ] (المغازي للواقدي) ج 2 ص 212، (باب النوم عن الصلاة حديث رقم 24،
25، (سنن أبي داود) حديث رقم 435، 436 باب من نام عن الصلاة أو نسيها وقال
الخطابي في (معالم السنن) ج 1 ص 302:
(وفي الحديث من الفقه أنهم لم يصلوا في مكانهم ذلك عند ما استيقظوا حتى
اقتادوا رواحلهم ثم توضئوا ثم أقام بلال وصلى بهم. وقد اختلف الناس في معنى
ذلك وتأويله فقال بعضهم: إنما فعل ذلك لترتفع الشمس قال تكون صلاتهم في
الوقت المنهي عن الصلاة فيه، وذلك أول ما تبزغ الشمس قالوا:
والفوائت لا تقضى في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، وعلى هذا مذهب أصحاب
الرأي. وقال مالك والأوزاعي والشافعيّ وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه:
نقضي الفوائت في كل وقت نهى عن الصلاة فيه أو لم ينه عنها، وإنما نهى عن
الصلاة في تلك الأوقات إذا كانت تطوعا وابتداء من قبل الاختيار دون
الواجبات، فإنّها تقضى الفوائت فيها إذا ذكرت أي في وقت كان) .
وانظر أيضا (سنن النسائي) ج 1 ص 298، (سنن ابن ماجة) حديث رقم 697.
(1/326)
حنين. والأول قول محمد بن شهاب عن سعيد بن
المسيّب، وهو أعلم الناس بالسّير والمغازي، وكذلك سعيد بن المسيّب،
ولا يقاس بهما المخالف لهما في ذلك: وروي عن قتادة أن ذلك كان في جيش
الأمراء، وهذا وهم، وجيش الأمراء كان في غزوة مؤتة، ولم يشهدها النبي صلّى
اللَّه عليه وسلّم. وعن عطاء بن يسار أنها كانت في غزوة تبوك، وهذا لا يصح
[ (1) ] ، لأن الآثار الصحاح على خلاف قوله مسندة ثابتة، وقوله مرسل.
جبل أحد واتخاذ المنبر وحنين الجذع
ولما نظر إلى أحد قال: هذا جبل يحبنا ونحبه [ (2) ] ! اللَّهمّ إني حرّمت
ما بين لابتي المدينة [ (3) ] . ونهى أن يطرق الرجل أهله ليلا بعد صلاة
العشاء [ (4) ]
ولما قدم المدينة اتخذ المنبر، وله درجتان والمستراح، وخطب عليه فحنّ الجذع
[ (5) ] الّذي كان
__________
[ (1) ] يقول ابن القيم في (زاد المعاد) ج 3 ص 357: «لكن قد اضطربت الرواة
في هذه القصة، فقال عبد الرحمن بن مهدي عن شعبه، عن جامع: إن الحارس فيها
كان ابن مسعود، وقيل: إن الحارس كان بلالا، واضطربت الرواية في تاريخها،
فقال المعتمر بن سليمان عن شعبة عنه: إنها كانت في غزوة تبوك، وقال غيره
عنه: أنها كانت في مرجعهم من الحديبيّة، فدلّ على وهم وقع فيها، ورواية
الزهري عن سعيد سالمة من ذلك، وباللَّه التوفيق» .
ويقول أيضا في ص 358 من المرجع السابق: فصل في فقه هذه القصة (باختصار) :
- أن من نام عن صلاة أو نسيها فوقتها حين يستيقظ أو يذكرها.
- أن السنن والرواتب تقضى كما تقضى الفرائض- أن الفائتة يؤذن لها ويقام-
قضاء الفائتة جماعة.
- قضاؤها على الفور
لقوله «فليصلها إذا ذكرها»
- وفيها تنبيه على اجتناب الصلاة في أمكنة الشيطان.
[ (2) ] (مجمع الزوائد) ج 6 ص 155، رواه أحمد، وعقبة، ذكره ابن أبي حاتم
وقال: روى عنه عبد العزيز ولم يخرجه، قلت: وروى عن الزهري عند أحمد، وفيه
رجاله رجال الصحيح، وانظر أيضا (موطأ مالك) حديث رقم 1610.
[ (3) ] اللابة: الأرض الواسعة، والمدينة ما بين لابتين، (المرجع السابق)
حديث رقم 1602.
[ (4) ] (سنن الترمذي) ج 4 ص 166 حديث رقم 2855 «وفي الباب عن أنس وابن عمر
وابن عباس. هذا حديث حسن صحيح، وقد روى من غير وجه عن جابر عن النبي صلّى
اللَّه عليه وسلّم وقد روى عن ابن عباس «أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم
نهاهم أن يطرقوا النساء ليلا، قال: فطرق رجلان بعد نهي رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم فوجد واحد منهما مع امرأته رجلا» .
وفي (المغازي) ج 2 ص 712، 713:
«عن أم عمارة قالت سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول وهو
بالجرف: لا تطرقوا النساء بعد صلاة العشاء.
قالت: فذهب رجل من الحي فطرق أهله فوجد ما يكره فخلّى عن سبيله ولم يهجه،
وضن بزوجته أن يفارقها وكان له منها أولاد وكان يحبها، فعصى رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم ورأى ما يكره.
[ (5) ] (الشفا للقاضي عياض) ج 1 ص 257، 258 و (دلائل النبوة لأبي نعيم) ج
2 ص 142، 143 و (المطالب
(1/327)
يستند إليه إذا خطب.
رد زينب إلى أبي العاص
وفي جمادى الأولى من سنة سبع، ردّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع.
سرية عمر بن الخطاب إلى تربة
ثم كانت سرية عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه إلى تربة، في شعبان سنة سبع.
بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في ثلاثين رجلا إلى عجر هوازن
بتربة، وهي بناحية العبلاء، على أربع ليال من مكة، طريق صنعاء ونجران، فخرج
ومعه دليل من بني هلال، فكانوا يسيرون الليل ويكمنون النهار، حتى أتوا
محالهم وقد فرّوا، فلم يلقوا أحدا وعادوا إلى المدينة.
سرية أبي بكر إلى بني كلاب
ثم كانت سرية أبي بكر الصّديق رضي اللَّه عنه إلى بني كلاب بنجد بناحية
ضرية، في شعبان هذا، فبيت ناسا من هوازن، وقتل منهم.
سرية بشير بن سعد إلى بني مرة بفدك
وسرية بشير بن سعد إلى فدك، فيه أيضا. ومعه ثلاثون رجلا ليوقع بني مرّة،
فاستاق نعما وشاء وانحدر إلى المدينة، فأدركوه ليلا، وراموهم بالنّبل حتى
فنيت نبل المسلمين، وأحيط بهم وأصيبوا. واستاق المريّون نعمهم وشاءهم،
فتحامل بشير ابن سعد حتى انتهى إلى فدك، فأقام عند يهوديّ حتى اندملت
جراحة، وعاد إلى المدينة.
__________
[ () ] العالية لابن حجر) ج 4 ص 3 حديث رقم 3822 باب علامات النبوة و (سنن
ابن ماجة) ج 1 ص 454، باب ما جاء في بدء شأن المنبر حديث رقم 1414، 1415.
(1/328)
سرية الزبير بن العوام ثم سرية غالب ابن
عبد اللَّه إلى بني مرة أيضا
فهيأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الزبير بن العوام، وبعثه إلى مصاب
القوم، ومعه مائتا رجل، وعقد له لواء. ثم بعث غالب بن عبد اللَّه [الليثي]
[ (1) ] على مائتي رجل في صفر سنة ثمان، ومعه أسامة بن زيد وعلبة بن زيد
الحارثي، فسار حتى دنا منهم، فبعث الطلائع عليها علبة بن زيد، فأعلموه
خبرهم، ثم وافاهم، وحض من معه على الجهاد، وأوصاهم بالتقوى، وحمل بهم على
القوم، فقاتلوا ساعة ثم حووا الماشية والنساء وقد قتلوا الرجال.
قتل أسامة الرجل الّذي قال: لا إله إلا اللَّه
ومرّ أسامة بن زيد في إثر رجل منهم يقال له: نهيك بن مرداس، حتى دنا منه،
فقال: لا إله إلا اللَّه! فقتله، ثم ندم، وأقبل إلى جماعته، فقال له غالب
ابن عبد اللَّه: بئس واللَّه ما فعلت! تقتل امرأ يقول: لا إله إلا اللَّه!
وساق النّعم والشّاء والسّبي فكانت سهامهم عشرة أبعرة لكل رجل، أو عدلها من
الغنم: كل جزور بعشرة. وقدموا المدينة،
فحدّث زيد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بخبره، فقال [صلّى اللَّه
عليه وسلّم] [ (1) ] : قتلته يا أسامة، وقد قال: لا إله إلا اللَّه؟ فجعل
[أسامة] يقول:
إنما قالها تعوّذا من القتل! فقال [صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (2) ] : أفلا
شققت عن قلبه فتعلم أصادق هو أم كاذب؟
فقال أسامة: لا أقتل أحدا يقول لا إله إلا اللَّه أبدا [ (2) ] .
سرية غالب بن عبد اللَّه إلى الميفعة
ثم كانت سرية غالب بن عبد اللَّه بن مسعر الليثي أيضا- في رمضان منها إلى
الميفعة، ليوقع ببني عوال وبني عبد بن ثعلبة، في مائة وثلاثين رجلا، ومعه
يسار مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فاستاقوا نعما وشاء، وقتلوا
من أشرف لهم، على ماء يقال له الميفعة بناحية نجد، بعده من المدينة ثمانية
برد، وعادوا بالغنيمة.
__________
[ (1) ] زيادة للبيان.
[ (2) ] ذكر ابن سعد في (الطبقات الكبرى) ج 2 ص 119 أن هذا الخير في سرية
غالب بن عبد اللَّه الليثي إلى الميفعة
(1/329)
سرية بشير بن سعد إلى يمن وجبار
ثم كانت سرية بشير بن سعد إلى يمن وجبار في سنة سبع. وذلك أن حسيل ابن
نويرة الأشجعي أخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن جمعا من غطفان
بالجناب، قد واعدوا عيينة بن حصن أن يزحفوا إلى أطراف المدينة. فذكر ذلك
لأبي بكر وعمر رضي اللَّه عنهما، فأشارا بإرسال بشير بن سعد، فعقد له لواء،
وبعث معه ثلاثمائة رجل.
وكان حسيل دليلهم، حتى أتوا إلى يمن وجبار وهي نحو الجناب، والجناب يعارض
سلاح وخيبر ووادي القرى، فنزلوا بسلاح، ثم دنوا من القوم فأصابوا نعما
كثيرا ملئوا منه أيديهم، وتفرق الرعاء فأنذروا أصحابهم، فمروا على وجوههم،
فلم يلق بشير أحدا، وعاد بالنّعم، فوجدوا عينا لعيينة فقتله، ثم لقي جمع
عيينة فأوقع بهم وهم لا يشعرون، فناوشهم فانهزموا، وأسر منهم رجلا أو
رجلين، وقدما المدينة فأسلما وتركا لحالهما. |