إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع

فصل في محبة النبي صلى اللَّه عليه وسلم للطّيب وتطيّبه
خرّج الإمام أحمد من حديث [السلام] أبى المنذر، عن ثابت عن أنس، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: حبب إلى النساء، والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة [ (1) ] .
وخرّجه الحاكم من حديث سيّار بن حاتم، حدثنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس [رضى اللَّه عنه] ، إلا أنه قال: وجعل [ (2) ] قرة عيني، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرّجاه [ (3) ] .
وخرّجه النسائي ولفظه: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: حبّب إليّ من الدنيا [ (4) ] النساء والطيب، وجعل قرة عيني في الصلاة [ (5) ] .
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 3/ 581، حديث رقم (111884) ، (11885) ، 4/ 54- 55، حديث رقم (12644) ، 4/ 201، حديث رقم (13623) .
[ (2) ] كذا في (خ) ، (ج) ، وفي المستدرك: «وجعلت» .
[ (3) ] (المستدرك) : 2/ 174، حديث رقم (2676) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط مسلم.
[ (4) ]
قال العلامة ابن القيم: صحّ عنه صلى اللَّه عليه وسلم من حديث أنس رضى اللَّه عنه صلى اللَّه عليه وسلم قال: حبّب إليّ من دنياكم:
النساء، والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة.
هذا لفظ الحديث، ومن رواه: حبّب إليّ من دنياكم ثلاث، فقد وهم، ولم يقل صلى اللَّه عليه وسلم: ثلاث، والصلاة ليست من أمور الدنيا التي تضاف إليها، وكان النساء والطيب أحب شيء إليه صلى اللَّه عليه وسلم. (زاد المعاد) : 1/ 150، فصل في هديه صلى اللَّه عليه وسلم في النكاح ومعاشرته أهله، 4/ 250، فصل وأما الجماع والباه، 4/ 336، حرف الطاء من فصل في ذكر شيء من الأدوية والأغذية المفردة التي جاءت على لسانه صلى اللَّه عليه وسلم.
[ (5) ] (سنن النسائي) : 7/ 72، كتاب عشرة النساء، باب (1) حب النساء، حديث رقم (3949) ، (3950) .
قال الحافظ السيوطي: قال بعضهم: في هذا قولان:

(7/92)


__________
[ () ] أحدهما: أنه زيادة في الابتلاء والتكليف، حتى يلهو بما حبب إليه من النساء عما كلف من أداء الرسالة، فيكون ذلك أكثر لمشاقه، وأعظم لأجره.
والثاني: لتكون خلواته مع ما يشاهدها من نسائه، فيزول عنه ما يرميه به المشركون من أنه ساحر أو شاعر، فيكون تحبيبهن إليه على وجه اللطف به، وعلى القول الأول على وجه الابتلاء، وعلى القولين فهو له فضيلة.
وقال التستري في (شرح الأربعين) : من في هذا الحديث بمعنى: في، لأن هذه من الدين لا من الدنيا، وإن كانت فيها، والإضافة في رواية دنياكم للإيذان بأن لا علاقة له بها.
وفي هذا الحديث إشارة إلى وفائه صلى اللَّه عليه وسلم، بأصلي الدين، وهما التعظيم لأمر اللَّه، والشفقة على خلق اللَّه، وهو كمالا قوّتيه النظرية والعملية، فإن كمال الأولى بمعرفة اللَّه والتعظيم دليل عليها، لأنه لا يتحقق بدونها، والصلاة لكونها مناجاة اللَّه تعالى، على ما
قال صلى اللَّه عليه وسلم: المصلى يناجي ربه،
نتيجة التعظيم على ما يلوح من أركانها ووظائفها.
وكمال الثانية في الشفقة وحسن المعاملة مع الخلق، وأولى الخلق بالشفقة بالنسبة إلى كل واحد من الناس نفسه وبدنه، كما
قال صلى اللَّه عليه وسلم: ابدأ بنفسك ثم بمن تعول،
والطيب أخصّ الذات بالنفس ومباشرة النساء ألذّ الأشياء بالنسبة إلى البدن، مع ما يتضمن من حفظ الصحة وبقاء النسل المستمر لنظام الوجود.
ثم إن معاملة النساء أصعب من معاملة الرجال، لأنهن أرق دينا وأضعف عقلا، وأضيق خلقا، كما
قال صلى اللَّه عليه وسلم: ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرجل الحازم من إحداكن.
فهو عليه السلام أحسن معاملتهن بحيث عوتب بقوله تعالى: تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ، وكان صدور ذلك منه طبعا لا تكلفا، كما يفعل الرجل ما يحبه من الأفعال.
فإذا كانت معاملته صلى اللَّه عليه وسلم معهن هذا، فما ظنك بمعاملته مع الرجال، الذين هم أكمل عقلا، وأمثل دينا، وأحسن خلقا.
وقوله: وجعلت قرة عيني في الصلاة، إشارة إلى أن كمال القوة النظرية أهم عنده وأشرف في نفس الأمر، وأما تأخيره فللتدرج التعليمي من الأدنى إلى الأعلى، وقدم الطيب على النساء لتقدم حظ النفس على حظ البدن في الشرف.
وقال الحكيم الترمذي في (نوادر الأصول) : الأنبياء زيدوا في النكاح لفضل نبوتهم، وذلك أن النور إذا امتلأ من الصدر ففاض في العروق التذت النفس والعروق فأثار الشهوة وقوّاها.
وروى عن سعيد بن المسيب أن النبيين عليهم الصلاة والسلام يفضلون بالجماع على الناس.
وروى عن سعيد بن المسيب أن النبيين عليهم الصلاة والسلام يفضلون بالجماع على الناس.
وروى عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: أعطيت قوة أربعين رجلا في البطش والنكاح، وأعطى المؤمن قوّة

(7/93)


__________
[ () ] عشرة، فهو صلى اللَّه عليه وسلم بالنّبوّة، والمؤمن بإيمانه، والكافر له شهوة الطبيعة فقط.
قال: وأما الطيب فإنه يزكى الفؤاد، وأصل الطيب إنما خرج من الجنة، تزوج آدم منها بورقة تستر بها، فتركت عليه.
وروى أحمد والترمذي، من حديث أبى أيوب قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أربع من سنن المرسلين:
التعطر، والحياء، والنكاح، والسواك.
وقال الشيخ تقى الدين السبكى: السّرّ في إباحة نكاح أكثر من أربع لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، أن اللَّه تعالى أراد نقل بواطن الشريعة وظواهرها، وما يستحيا من ذكره وما لا يستحيا منه، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أشدّ الناس حياء، فجعل اللَّه تعالى له نسوة ينقلن ما يرينه من أفعاله، ويسمعنه من أقواله، التي قد يستحى من الإفصاح بها بحضرة الرجال، ليكتمل نقل الشريعة، وكثر عدد النساء ليكثر الناقلون لهذا النوع، ومنهن عرف مسائل الغسل والحيض والعدة ونحوها.
قال: ولم يكن ذلك لشهوة منه في النكاح، ولا كان يحب الوطء للذه البشرية- معاذ اللَّه- وإنما حبب إليه النساء لنقلهن عنه ما يستحى هو من الإمعان في التلفظ به، فأحبهن لما فيه من الإعانة على نقل الشريعة في هذه الأبواب.
وأيضا فقد نقلن ما لم ينقله غيرهن مما رأينه في منامه وحالة خلوته من الآيات البينات على نبوته، ومن جده واجتهاده في العبادة، ومن أمور يشهد كل ذي لب أنها لا تكون إلا لنبي، وما كان يشاهدها غيرهن، فحصل بذلك خير عظيم.
وقال الموفق عبد اللطيف البغدادي: لما كانت الصلاة جامعة لفضائل الدنيا والآخرة، خصها بزيادة صفة، وقدم الطيب لإصلاحه النفس، وثنى بالنساء لإماطة أذى النفس بهن، وثلث بالصلاة لأنها تحصل حينئذ. صافية عن الشوائب، خالصة عن الشواغل. (شرح الحافظ السيوطي على سنن النسائي) : 7/ 72- 73، كتاب عشرة النساء، باب (1) حب النساء، حديث رقم (3949) .
وأخرجه ابن عدي في (الكامل) : 3/ 305) ، في ترجمة سلّام بن أبى الصهباء رقم (36/ 768) ، ضعّفه ابن حجر وقال الذهبي: الأولى أنه صدوق.
وأخرجه العقيلي في (الضعفاء الكبير) 2/ 60، ترجمة سلام بن سليمان أبو المنذر القاري رقم (666) ، قال أبو حاتم: صدوق، وقال ابن معين لا بأس به.
قال العلامة نور الدين على بن محمد بن سلطان المشهور بالملّا على القارئ في (الأسرار المرفوعة) : 176، حديث رقم (190) : حبب إليّ من دنياكم ثلاث: الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة، قال الزركشي: رواه النسائي والحاكم من حديث أنس بدون لفظ «ثلاث» .
وقال السخاوي: لم أقف على لفظ «ثلاث» إلا في موضعين من الإحياء وفي تفسير آل عمران

(7/94)


وخرّجه قاسم بن أصبغ، ومحمد بن أيمن، ولأحمد من حديث إسرائيل، عن أبى إسحاق، عن رجل حدثه عن عائشة [رضى اللَّه عنها] قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يعجبه من الدنيا ثلاثة: الطعام، والنساء، والطيب، فأصاب ثنتين ولم يصب واحدة، أصاب النساء والطيب، ولم
__________
[ () ] من الكشاف، وما رأيتهما في شيء من طرق هذا الحديث، بعد مزيد التفتيش. أما صحته من جهة المبنى، فقد قال السيوطي في (تخريج أحاديث الشفاء) : لكن عند أحمد من حديث عائشة: كان يعجب نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الدنيا ثلاثة أشياء: النساء والطيب والطعام، فأصاب اثنتين، ولم يصب واحدة، أصاب النساء والطيب ولم يصيب الطعام. قال: إسناده صحيح. إلا أن فيه رجلا لم يسمّ.
قلت: فيصير إسناده حسنا، وأما صحته من جهة المعنى، فلوقوع قرة عينه في الدنيا جعل كأنه منها، ويؤيد ما جاء في رواية: «الطيب والنساء وقرة عيني في الصلاة» وهل المقصود بالصلاة: العبادة الموضوعة لسائر الأنام أو الصلاة عليه صلى اللَّه عليه وسلم؟ ثم قال محققه: بل يصير إسناده ضعيفا، كما تقتضي بذلك قواعد علم المصطلح. (الأسرار المرفوعة) : 176، حديث رقم (160) ، (المقاصد الحسنة) :
292- 293، حديث رقم (380) .
قال الحافظ ابن حجر: أخرجه النسائي من طريق سيار بن حاتم عن جعفر بن سليمان، ومن طريق سلام بن مسكين، كلاهما عن ثابت عن أنس، ومن طريق سيار. رواه أحمد في (الزهد) ، والحاكم في (المستدرك) ، ومن طريق سلام أخرجه أحمد وابن أبى شيبة، وابن سعد، والبزار، وأبو يعلى، وابن عدي في (الكامل) وأعله به، والعقيلي في (الضعفاء) كذلك.
وقال الدار قطنى في علله: رواه أبو المنذر سلام، وسلام بن أبى الصهباء، وجعفر بن سليمان، فرووه عن ثابت عن أنس، وخالفهم حماد بن زيد عن ثابت مرسلا.. وكذا رواه محمد بن ثابت البصري، والمرسل أشبه بالصواب.
وقد رواه عبد اللَّه بن أحمد في (زيادات الزهد) عن غير أبيه من طريق يوسف بن عطية، عن ثابت مرسلا، ويوسف ضعيف.
وله طريق أخرى معلولة عند الطبراني في الأوسط، عن محمد بن عبد اللَّه الحضرميّ، عن يحى ابن عثمان الحربي، عن الهقل بن زياد، عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة، عن أنس مثله.
قال الحافظ ابن حجر: ليس في شيء من طرقه لفظ: «ثلاث» بل أوله عند الجميع: «حبب إليّ من دنياكم النساء ... » وزيادة «ثلاث» تفسد المعنى (الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف) :
27، حديث رقم (229) ، (إحياء علوم الدين) 2/ 50، 2/ 65، 3/ 341، 4/ 454.

(7/95)


يصب الطعام [ (1) ] .
وفي تحبيب النساء إليه صلى اللَّه عليه وسلم أقوال:
أحدها: أنه زيادة في الابتلاء والتكليف حتى لا يلهو بما حبب إليه من النساء عما كلف به من أداء الرسالة، ولا يعجز عن تحمل أثقال النبوة، فيكون ذلك أكثر لمشاقه، وأعظم لأجره.
الثاني: ليكون مع من يشاهدها من نسائه، فيزول عنه ما يرميه المشركون من أنه ساحر أو شاعر، فيكون تحببهن إليه لطفا به.
الثالث: الحث لأمته على ما فيه كثرة النسل الّذي به المباهاة يوم القيامة.
الرابع: التشرف به في قبائل العرب [فقد نكح في سائر شرف قبائل العرب] [ (2) ] إلا في تميم وثعلب.
الخامس: لتكون العشائر من جهة نسائه، فيقوى أعوانه على أعدائه.
وللبخاريّ من حديث عزرة بن ثابت الأنصاري [قال] [ (3) ] : حدثني ثمامة بن عبد اللَّه، عن أنس [رضى اللَّه عنه] ، أنه كان لا يردّ الطيب، وزعم أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان لا يردّ الطيب. ذكره في [كتاب] اللباس، [وترجم عليه] باب: من لم يردّ الطيب [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 7/ 107، حديث رقم (23919) ، قال العلامة العجلونى: إسناده صحيح، إلا أن فيه رجلا لم يسمّ (كشف الخفا) : 1/ 339، تعليقا على الحديث رقم (1089) ، وراجع التعليق السابق.
[ (2) ] ما بين الحاصرتين في (خ) وليس في (ج) .
[ (3) ] زيادة للسياق من البخاري.
[ (4) ] (فتح الباري) : 10/ 453، كتاب اللباس، باب (80) من لم يرد الطيب، حديث رقم (5929) ، وأخرجه البزار من وجه آخر عن أنس بلفظ: ما عرض على النبي صلى اللَّه عليه وسلم طبب قط فرده، وسنده حسن.
وللإسماعيلى من طريق وكيع عن عزرة بسند حديث الباب نحوه، وزاد: وقال: إذا عرض على أحد

(7/96)


وذكره في كتاب الهبة [في باب ما لا يرد من الهدية] ولفظه: حدثني ثمامة بن عبد اللَّه قال: دخلت عليه فناولني طيبا، قال: كان أنس [رضى اللَّه عنه] لا يردّ الطيب، قال: وزعم أنس أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان لا يردّ الطيب [ (1) ] .
__________
[ () ] الطيب فلا يرده. وهذه الزيادة لم يصرح برفعها.
وقد أخرج أبو داود والنسائي، وصححه ابن حبان من رواية الأعرج، عن أبى هريرة رفعه: من عرض عليه طيب فلا يرده، فإنه طيّب الريح حفيف المحمل.
وأخرج مسلم من هذا الوجه، لكن وقع عنده: ريحان بدل طيب. والريحان كل بقلة لها رائحة طيبة. قال المنذري: ويحتمل أن يراد بالريحان جميع أنواع الطيب، يعنى مشتقا من الرائحة.
قال الحافظ: مخرج الحديث واحد، والذين رووه بلفظ الطيب أكثر عددا وأحفظ فروايتهم أولى، وكأن من رواه بلفظ ريحان أراد التعميم حتى لا يخص بالطيب المصنوع، لكن اللفظ غير واف بالمقصود.
وللحديث شاهد عن ابن عباس أخرجه الطبراني بلفظ: من عرض عليه الطيب فليصب منه، نعم أخرج الترمذي من مرسل أبى عثمان النهدي: إذا أعطى أحدكم الريحان فلا يرده فإنه خرج من الجنة.
قال ابن العربيّ: إنما كان لا يرد الطيب لمحبته فيه، ولحاجته إليه أكثر من غيره، لأنه صلى اللَّه عليه وسلم يناجي من لا نناجى، وأما نهيه صلى اللَّه عليه وسلم عن رد الطيب فهو محمول على ما يجوز أخذه لا على ما لا يجوز أخذه، لأنه مرود بأصل الشرع. (فتح الباري) : 10/ 453- 454.
[ (1) ] (فتح الباري) : 5/ 261، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (9) ما لا يردّ من الهدية، حديث رقم (2582) ، قوله: «باب ما لا يرد من الهدية» ، كأنه أشار إلى ما رواه الترمذي من حديث ابن عمر مرفوعا: ثلاث لا ترد: الوسائد، والدهن، واللبن، قال الترمذي: يعنى بالدهن: الطيب، وإسناده حسن، إلا أنه ليس على شرط البخاري، فأشار إليه، واكتفى بحديث: أنه صلى اللَّه عليه وسلم كان لا يرد الطيب.
قال ابن بطال: إنما كان صلى اللَّه عليه وسلم لا يرد الطيب من أجل أنه ملازم لمناجاته الملائكة، ولذلك كان لا يأكل الثوم ونحوه.
قال الحافظ: لو كان هذا هو السبب في ذلك لكان من خصائصه، وليس كذلك، فإن أنسا اقتدى به في ذلك. وقد ورد النهى عن رده مقرونا ببيان الحكمة في ذلك، في حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي وأبو عوانة من طريق عبيد اللَّه بن أبى جعفر عن الأعرج، عن أبى هريرة مرفوعا: من عرض عليه طيب فلا يردّه، فإنه خفيف الحمل طيب الرائحة.

(7/97)


وله من حديث عروة والقاسم [يخبران] [ (1) ] ، عن عائشة رضى اللَّه عنها، [قالت: طيبت رسول بيدي بذريرة في حجة الوداع للحل والإحرام.] .
ذكره في [كتاب] اللباس، وترجم عليه باب: الذريرة [ (2) ] . وخرجه مسلم في الحج [ (3) ] ، وأخرجا [ (4) ] من حديث شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن
__________
[ () ] وأخرجه مسلم من هذا الوجه، لكن قال: «ريحان» بدل «طيب» ، ورواية الجماعة أثبت، فإن أحمد وسبعة أنفس معه رووه عن عبد اللَّه بن يزيد المقبري، عن سعيد بن أبى أيوب بلفظ «الطيب» ، ووافقه ابن وهب عن سعيد عند ابن حبان، والعدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد، وقد قال الترمذي عقب حديث أنس وابن عمر: وفي الباب عن أبى هريرة، فأشار إلى هذا الحديث. قوله: «وزعم» ، أي قال، والزعم يطلق على القول كثيرا. (فتح الباري) : 5/ 261- 262.
[ (1) ] زيادة للسياق من البخاري.
[ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 454، كتاب اللباس، باب (81) ، الذّريرة، حديث رقم (5930) .
والذّريرة، بمعجمة وراءين بوزن عظيمة: هي نوع من الطيب مركب، قال الداوديّ: تجمع مفرداته ثم تسحق وتنخل، ثم تذّر في الشعر والطوق، فلذلك سميت ذريرة، كذا قال، وعلى هذا فكل طيب مركب ذريرة، لكن الذريرة نوع من الطيب مخصوص، يعرفه أهل الحجاز وغيرهم، وجزم غير واحد- منهم النووي- بأنه فتات قصب طيب يجاء به من الهند.
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 8/ 349، كتاب الحج، باب (7) الطيب للمحرم عند الإحرام، حديث رقم (35) ، وفيه دلالة على استحباب الطيب عند إرادة الإحرام، وأنه لا بأس باستدامته بعد الإحرام وإنما يحرم ابتداؤه في الإحرام، وهذا مذهبنا، وبه قال خلائق من الصحابة التابعين، وجماهير المحدثين والفقهاء، ومنهم: سعد بن أبى وقاص، وابن عباس، وابن الزبير، ومعاوية، وعائشة، وأم حبيبة، وأبو حنيفة، والثوري، وأبو يوسف، وأحمد، وداود، وغيرهم.
وقال آخرون بمنعه، منهم الزهري، ومالك، ومحمد بن الحسن، وحكى أيضا عن جماعة من الصحابة والتابعين. قال القاضي: وتأوّل هؤلاء حديث عائشة هذا على أنه صلى اللَّه عليه وسلم تطيب ثم اغتسل بعده، فذهب الطيب قبل الإحرام.
ويؤيد هذا قولها في الرواية الأخرى: طيّبت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عند إحرامه ثم طاف على نسائه، ثم أصبح محرما، فظاهره أنه تطيب لمباشرة نسائه، ثم زال بالغسل بعده، لا سيما وقد نقل أنه كان يتطهر من كل واحدة قبل الأخرى، ولا يبقى مع ذلك، ويكون قولها: ثم أصبح ينضخ طيبا أي قبل غسله.
وقد سبق في رواية لمسلم [وللبخاريّ أيضا] أن ذلك الطيب كان ذريرة، وهي مما يذهبه الغسل.
(مسلم بشرح النووي) : 8/ 348- 349.
[ (4) ] (فتح الباري) : 3/ 505، كتاب الحج، باب (18) الطيب عند الإحرام، وما يلبس إذا أراد أن

(7/98)


الأسود، عن عائشة [رضى اللَّه عنها قالت] : كأنى انظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو محرم.
ومن حديث منصور عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كنت أطيب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبل أن يحرم ويوم النحر
__________
[ () ] يحرم، ويترجل ويدّهن، حديث رقم (1537) ، (1538) ، قوله: «كأنى انظر» ، أرادت بذلك قوة تحققها لذلك، بحيث أنها لشدة استحضارها له كأنها ناظرة إليه.
قوله: «في مفارق» ، جمع مفرق، وهو المكان الّذي يفترق فيه الشعر في وسط الرأس، قيل: ذكرته بصيغة الجمع تعميما لجوانب الرأس التي يفرق فيها الشعر.
وأخرجه مسلم في كتاب الحج، باب (7) الطيب للمحرم عند الإحرام، حديث رقم (40) :
«لكأنّي انظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو يهل» ، وحديث رقم (41) : «كأنى انظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو يلبى، وحديث رقم (42) : «كأنما انظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو محرم، وحديث رقم (43) : إن كنت لأنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو محرم، حديث رقم (45) : «كأنى انظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو محرم، قال الإمام النووي: وقولها: «كأنى انظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو محرم» ، المراد به أثره لا جرمه، هذا كلام القاضي، ولا يوافق عليه، بل الصواب ما قاله الجمهور: أن الطيب مستحب للإحرام، لقولها: طيبته لحرمة، وهذا ظاهر في أن الطيب للإحرام لا للنساء، ويعضده قولها: كأنى انظر إلى وبيص الطيب، والتأويل الّذي قاله القاضي غير مقبول لمخالفته الظاهر بلا دليل يحملنا عليه.
وأما قولها: «ولحله قبل أن يطوف» ، فالمراد به طواف الإفاضة، ففيه دلالة لاستباحة الطيب بعد رمى حجرة العقبة والحلق، وقبل الطواف، وهذا مذهب الشافعيّ والحلماء كافة، إلا مالكا كرهه قبل طواف الإفاضة، وهو محجوج بهذا الحديث.
وقولها: «لحله» ، دليل على أنه حصل له تحلل، وفي الحج تحللان يحصلان بثلاثة أشياء: رمى جمرة العقبة، والحلق، وطواف الإفاضة مع سعيه إن لم يكن سعى عقب طواف القدوم، فإذا فعل الثلاثة حصل التحللان، وإذا فعل اثنين منهما حصل التحلل الأول، أيّ اثنين كانا، ويحل بالتحلل الأول جميع المحرمات إلا الاستمتاع بالنساء، فإنه لا يحل إلا بالثاني، وقيل: يباح منهن غير الجماع بالتحلل الأول، وهو قول بعض أصحابنا، وللشافعي قول أنه لا يحل بالأول إلا اللبس، والحلق، وقلم الأظفار، والصواب ما سبق، واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) : 8/ 349- 351.

(7/99)


قبل أن يطوف بالبيت [ (1) ] ، بطيب فيه مسك. وتفرد مسلم بقوله: بطيب فيه مسك [ (2) ] .
وقطنى من حديث موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر عن عائشة [رضى اللَّه عنها] أنها قالت: كنت أطيب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالغالية الجيدة عند إحرامه [ (3) ] .
ولأحمد من حديث سليمان بن كثير، حدثنا عبد الحميد عن أنس [رضى اللَّه عنه] ، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كانت تعجبه الغانمية. قال الأصمعي:
الغانمية: نور الحناء [ (4) ] .
وللنسائى من حديث عبد اللَّه بن عطاء الهاشميّ، عن محمد بن عليّ الهاشمي قال: سألت عائشة رضى اللَّه عنها أكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتطيب؟
قالت: نعم، بذكارة الطيب [من] [ (5) ] المسك والعنبر [ (6) ] .
وخرجه ابن حبّان، ولفظه: أكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتعطّر؟ قالت: نعم كان يتعطّر بذكارة العطر المسك والعنبر [ (7) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 505، كتاب الحج، باب (18) الطيب عند الإحرام، وما يلبس إذا أراد أن يحرم، ويترجل ويدّهن، حديث رقم (1535) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 8/ 352- 353، كتاب الحج، باب (7) الطيب للمحرم عند الإحرام، حديث رقم (1191) .
[ (3) ] (سنن الدار قطنى) : 2/ 232، حديث رقم (69) .
[ (4) ] (مسند أحمد) : 3/ 623، حديث رقم (12137) .
[ (5) ] زيادة في الأصلين: (خ) ، (ج) .
[ (6) ] (سنن النسائي) : 8/ 529، كتاب الزينة، باب (31) العنبر قال الحافظ السيوطي: «بذكارة الطيب» ، قال في النهاية: الذّكارة بكسر الذال المعجمة وراء، ما يصلح للرجل كالمسك والعنبر والعود والكافور، وهي جمع ذكر، وهو ما لا لون له بنفض، والمؤنث طيب النساء كالخلوق والزعفران، وهذا الحديث انفرد به النسائي.
[ (7) ] راجع التعليق السابق.

(7/100)


ولمسلم [ (1) ] والنسائي [ (2) ] من [حديث] [ (3) ] ابن وهب [قال] [ (3) ] : أخبرنى مخرمة عن أبيه عن نافع قال: كان ابن عمر [رضى اللَّه عنهما [ (3) ]] إذا استجمر بالألوّة غير مطراة، وبكافور يطرحه مع الألوّة ثم قال: هكذا كان يستجمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. لفظهما فيه سواء، ذكره مسلم في آخر كتاب الطب [ (4) ] ، وذكره النسائي في كتاب الزينة، وترجم عليه البخور.
ولابن حيّان من حديث الوليد بن أبى رهم، عن يوسف بن أبى بردة، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان أحب الطيب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم العود [ (5) ] .
وللترمذي من حديث موسى عن أنس عن أبيه قال: كانت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سكة يتطيب منها [ (6) ] .
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 13، كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها، باب (5) استعمال المسك، وأنه طيب، وكراهة رد الريحان والطيب، حديث رقم (2254) .
[ (2) ] (سنن النسائي) : 8/ 534- 535، كتاب الزينة، باب (38) البخور، حديث رقم (5150) .
قال الإمام النووي: الاستجمار هنا استعمال الطيب والتبخر به، مأخوذ من المجمر، وهو البخور، وأما الألوة، فقال الأصمعي وأبو عبيد وسائر أهل اللغة والغريب: هي العود يتبخر به. قال الأصمعي:
أراها فارسية معربة، وهي بضم اللام وفتح الهمزة، وضمها، لغتان مشهورتان. وحكى الأزهري كسر اللام ...
ففي هذا الحديث استحباب الطيب للرجال، كما هو مستحب للنساء، لكن يستحب للرجال من الطيب ما ظهر ريحه وخفي لونه، وأما المرأة فإذا أرادت الخروج إلى المسجد أو غيره كره لها كل طيب له ريح، ويتأكد استحبابه للرجال يوم الجمعة، والعيد عند حضور مجامع المسلمين، ومجالس الذكر والعلم، وعند إرادته معاشرة زوجته، ونحو ذلك، واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) :
8/ 13.
[ (3) ] زيادة للسياق.
[ (4) ] كذا في الأصلين (خ) ، (ج) ، والصواب ما أثبتناه وهو: كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها.
[ (5) ] (أخلاق النبي) : 99، (طبقات ابن سعد) : 1/ 400.
[ (6) ] (الشمائل المحمدية) : 178، باب (33) ، ما جاء في تعطر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (217)

(7/101)


ولابن حيّان من حديث سعيد عن قتادة عن أنس [رضى اللَّه عنه قال] :
كنا نعرف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أقبل بطيب ريحه [ (1) ] .
ولمسلم من حديث سماك عن جابر بن سمرة قال: صليت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صلاة الأولى، ثم خرج إلى أهله وخرجت معه، فاستقبله ولدان، فجعل يمسح خدّى أحدهم واحدا واحدا، قال: وأما أنا فمسح خدّى، قال: فوجدت ليده بردا أو ريحا، كأنما أخرجها من جؤنة عطار [ (2) ] .
__________
[ () ] (سنن أبى داود) : 4/ 394، كتاب الترجل، باب (2) ما جاء في استحباب الطيب، حديث رقم (4162) ، (طبقات ابن سعد) : 1/ 399، وفيه: «سك يتطبب منه» ، (أخلاق النبي) : 98 من طريق إبراهيم بن طهمان عن حسين عن موسى بن أنس عن أبيه.
وهذا الحديث صحيح الإسناد، ورجاله ثقات، والسكة بضم السين وتشديد الكاف، نوع من الطيب عزيز، وقيل: الظاهر أنه وعاء فيه طيب مجتمع من أخلاق شتى. (معالم السنن) : 4/ 394.
[ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 399، (الكامل لابن عدي) : 5/ 120، من حديث على بن الحسن بن يعمر قال: حدثنا سفيان الثوري عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللَّه، قال: كنا نعرف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دخوله مع طلوع الفجر إلى المسجد بريح الطيب. وعلى بن الحسن بن يعمر ضعفه الدار قطنى وغيره، له ترجمة في: (لسان الميزان) : 4/ 282، (المغنى في الضعفاء) : 2/ 444، (ميزان الاعتدال) : 3/ 119.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 92، كتاب الفضائل، باب (21) ، طيب رائحة النبي صلى اللَّه عليه وسلم ولين مسه، والتبرك بمسحه، حديث رقم (2329) ، قوله: «الصلاة الأولى» ، يعنى الظهر، والولدان، الصبيان، واحدهم وليد، وفي مسحه صلى اللَّه عليه وسلم الصبيان بيان حسن خلقه ورحمته للأطفال وملاطفتهم، وفي هذه الأحاديث بيان طيب ريحه صلى اللَّه عليه وسلم، وهو مما أكرمه اللَّه تعالى.
قال العلماء: كانت هذه الريح الطيبة صفته صلى اللَّه عليه وسلم وإن لم يمس طيبا، ومع هذا فكان يستعمل الطيب في كثير من الأوقات، مبالغة في طيب ريحه، لملاقاة الملائكة، وأخذ الوحي الكريم، ومجالسة المسلمين.
قوله: «كأنما أخرجت من جؤنة عطار» ، هي بضم الجيم وهمزة بعدها، ويجوز ترك الهمزة بقلبها واوا كما في نظائرها، وقد ذكرها كثيرون، أو الأكثرون في الواو. وقال القاضي: هي مهموزة، وقد يترك همزها. وقال الجوهري: هي بالواو، وقد تهمز، وهي السقط الّذي فيه متاع العطار، هكذا فسّره الجمهور، وقال صاحب (العين) : هي سليلة مستديرة مغشاه (مسلم بشرح النووي) : 15/ 92- 93، وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) : 1/ 256، باب طيب رائحة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.

(7/102)


وذكر البخاري في باب صفة النبي صلى اللَّه عليه وسلم من حديث حماد بن زيد، عن ثابت عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: ما مسست حريرا أو ديباجا ألين من كف النبي صلى اللَّه عليه وسلم، ولا شممت ريحا قط، أو عرفا قط أطيب من ريح أو عرف النبي صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] .
وخرجه مسلم ولفظه: ما شممت عنبرا قط، ولا مسكا، ولا شيئا أطيب من ريح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ولا مسست شيئا قط، ديباجا ولا حريرا، ألين مسا
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 702، كتاب المناقب، باب (23) صفة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (3561) ، قوله: «ما مسست» بمهملتين، الأولى مكسورة، ويجوز فتحها، والثانية ساكنة، وكذا القول في ميم شممت.
قوله: «ولا ديباجا» ، هو من عطف الخاص على العام، لأن الديباج نوع من الحرير، وهو بكسر المهملة وحكى فتحها، وقال أبو عبيدة: الفتح مولّد ليس بعربي.
قوله: «ألين من كف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم» ، قيل: هذا يخالف ما وقع في حديث أنس من كتاب اللباس: أنه صلى اللَّه عليه وسلم كان ضخم اليدين، وفي رواية له: والقدمين، وفي رواية له: شثن القدمين والكفين، وفي حديث هند بن أبى هاله، الّذي أخرجه الترمذي في صفة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فإن فيه أنه صلى اللَّه عليه وسلم: كان شثن الكفين والقدمين، أي غليظهما في خشونة، وهكذا وصفه عليّ من عدة طرق عنه عند الترمذي، والحاكم، وابن أبى خيثمة وغيرهم، وكذا في صفة عائشة له عند ابن أبى خيثمة.
والجمع بينهما: أن المراد اللين في الجلد، والغلظ في العظام، فتجتمع له نعومة البدن وقوته، أو حيث وصف باللين واللطافة، حيث لا يعمل بهما شيئا، كان بالنسبة إلى أصل الخلقة.
وحيث وصف بالغلظ والخشونة فهو بالنسبة إلى امتهانهما بالعمل، فإنه يتعاطى كثيرا من أموره بنفسه صلى اللَّه عليه وسلم، وفي حديث معاذ عند الطبراني والبزار: أردفنى النبي صلى اللَّه عليه وسلم خلفه في شعر، فما مسست شيئا قط ألين من جلده صلى اللَّه عليه وسلم.
قوله: «أو عرفا» بفتح المهملة وسكون الراء بعدها فاء، وهو شكّ من الراويّ، ويدل عليه قوله بعده: أطيب من ريح أو عرف. والعرف: الريح الطيب، ووقع عند البيهقي: ولا شممت مسكا ولا عنبرا ولا عبيرا. ذكرهما جميعا. (فتح الباري) : 6/ 714- 715 مختصرا.
وأخرجه الإمام أحمد بنحوه في (المسند) : 3/ 546، حديث رقم (11637) ، 4/ 57، حديث رقم (12661) .
وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) : 1/ 254- 255، باب طيب رائحة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وبرودة يده ولينها في يد من مسها، وصفة عرقه صلى اللَّه عليه وسلم.

(7/103)


من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] .
وفي لفظ له: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أزهر اللون، كأن عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفّأ، ولا مسست ديباجة ولا حريرة ألين من كف النبي صلى اللَّه عليه وسلم، ولا شممت مسكة ولا عنبرة أطيب من رائحة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] .
ولقاسم بن أصبغ من حديث شعبة عن زياد بن علاقة، عن أسامة بن شريك قال: وضع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عليّ يده، فإذا هي أبرد من الثلج، وأطيب من المسك [ (3) ] .
[وقال أبو يعلى: حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع، حدثني محمد بن عبد اللَّه بن عمر الأنصاري من بنى بياضة، حدثني أيوب بن عبد اللَّه، عن إبراهيم بن إسماعيل، حدثنا مجمع عن مولى لسلمة بن الأكوع، عن سلمة قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأخذ المسك فيمسح به رأسه ولحيته] [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 93، كتاب الفضائل، باب (21) طيب رائحة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، ولين مسه، والتبرك بمسحه، حديث رقم (2330) .
[ (2) ] المرجع السابق، حديث رقم (82) ، وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) : 1/ 255.
[ (3) ] قال الحافظ البيهقي: أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد اللَّه الحرفى، ببغداد، قال: حدثنا أحمد ابن سليمان الفقيه، قال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق، قال: حدثنا عمرو بن مرزوق، قال: حدثنا شعبة، عن يعلى بن عطاء قال: سمعت جابر بن يزيد بن الأسود، عن أبيه قال: أتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو بمنى، فقلت له: يا رسول اللَّه، ناولني يدك، فناولنيها، فإذا هي أبرد من الثلج، وأطيب ريحا من المسك. (دلائل البيهقي) : 1/ 256- 257.
[ (4) ] ما بين الحاصرتين سقط من الناسخ في (ج) ، والحديث ذكره المتقى الهندي البرهان فوري في (كنز العمال) : 7/ 123، حديث رقم (18292) ، وعزاه لأبى يعلى عن سلمة بن الأكوع.

(7/104)


ذكر اطّلاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالنورة إن صح
قال ابن سعد: أخبرنا عارم بن الفضل، وموسى بن داود قالا: أخبرنا حماد بن زيد، أخبرنا أبو هاشم عن حبيب بن أبى ثابت، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم تنوّر] [ (1) ] .
أخبرنا الفضل بن دكين، وموسى بن داود قالا: حدثنا شريك عن ليث أبى المشرفي، قال الفضل عن إبراهيم، وقال موسى عن أبى معشر، عن إبراهيم قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا طلى بالنورة ولى عانته وفرجه بيده] [ (2) ] .
[أخبرنا محمد بن عبد اللَّه الأسدي، أخبرنا سفيان، أخبرنا منصور عن حبيب، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا اطّلى ولى عانته بيده] [ (2) ] .
[أخبرنا قبيصة بن عقبة، حدثنا سفيان عن صالح عن أبى معشر،
__________
[ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 442، ذكر من قال: اطّلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالنورة، (كنز العمال) : 7/ 126، حديث رقم (18314) : كان إذا اطّلى بدأ بعورته فطلاها بالنورة وسائر جسده. رواه ابن ماجة عن أم سلمة رضى اللَّه تعالى عنها.
وحديث رقم (18315) : كان إذا اطّلى بالنورة ولى عانته وفرجه بيده. رواه ابن سعد عن إبراهيم وعن حبيب بن أبى ثابت مرسلا.
وحديث رقم (18316) : كان يتنور في كل شهر ويقلم أظافره في كل خمسة عشر يوما، رواه ابن عساكر عن ابن عمر.
وحديث رقم (18317) : كان يدخل الحمام ويتنور، رواه ابن عساكر عن واثلة، وما بين الحاصرتين سقط من (ج) .
[ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 552، ذكر من قال: اطّلى رسول اللَّه بالنورة، وما بين الحاصرتين سقط من (ج) .

(7/105)


وسفيان عن منصور عن حبيب بن أبى ثابت قالا: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا اطّلى بالنورة ولى عانته بيده] [ (1) ] .
قال مؤلفه: هذه الآثار كلها مرسلة، وحبيب بن أبى ثابت الأسدي مولاهم، تابعي، مفتى الكوفة خرّج له الجماعة] [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 552، ذكر من قال: اطّلى رسول اللَّه بالنورة، وما بين الحاصرتين سقط من (ج) .
[ (2) ] حبيب بن أبى ثابت قيس بن دينار، ويقال: قيس بن هند، وقيل: إن اسم أبى ثابت هند الأسدي، مولاهم أبو يحى الكوفي.
روى عن ابن عمر، وابن عباس، وأنس بن مالك، وزيد بن أرقم، وأبى الطفيل، وإبراهيم بن سعد ابن أبى وقاص، ونافع بن جبير بن مطعم، ومجاهد، وعطاء، وطاووس، وسعيد بن جبير، وأبى صالح السمان، وزيد بن وهب، وعطاء بن يسار، وميمون بن أبى شبيب، وأبى، وثعلبة بن زيد الحماني، وخلق.
وأرسل عن أم سلمة، وحكيم بن حزام، وروى عن عروة بن الزبير حديث المستحاضة، وجزم الثوري أنه لم يسمع منه، وإنما هو عروة المزني آخر، وكذا تبع الثوري أبو داود، والدار قطنى، وجماعة.
وروى عنه الأعمش، وأبو إسحاق الشيباني، وحصين بن عبد الرحمن، وزيد بن أبى أنيسة والثوري، وشعبة، والمسعودي، وابن جرير، وأبو بكر بن عياش وغيرهم.
قال البخاري عن على بن المديني: له نحو مائتي حديث، وقال أبو بكر بن عياش: كان هؤلاء الثلاثة أصحاب الفتيا: حبيب بن أبى ثابت، والحكم، وحماد.
وقال العجليّ: كوفى تابعي ثقة، وقال ابن معين والنسائي: ثقة، وقال ابن أبى مريم عن ابن معين:
ثقة حجة، قيل له: ثبت؟ قال نعم؟ إنما روى حديثين، قال: أظن يحى يريد منكرين: حديث المستحاضة تصلى وإن قطر الدم على الحصير، وحديث القبلة للصائم.
وقال أبو زرعة: لم يسمع من أم سلمة، وقال أبو حاتم: صدوق ثقة، ولم يسمع حديث المستحاضة من عروة.
وقال الترمذي عن البخاري: لم يسمع من عروة بن الزبير شيئا، قال أبو بكر بن عياش وغيره: مات سنة (119) ، وقيل غير ذلك.
قال الحافظ ابن حجر: وقال ابن أبى حاتم في كتاب المراسيل عن أبيه: أهل الحديث اتفقوا على ذلك، يعنى على عدم سماعه منه. قال: واتفاقهم على شيء يكون حجة.
وقال ابن حبان في (الثقات) : كان مدلسا، وقال العقيلي: غمزه ابن عون، وقال القطان: له غير

(7/106)


وقال همام عن قتادة: ما تنور رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ولا أبو بكر، ولا عثمان، ولا على، ولا الخلفاء، ولا الحسن] [ (1) ]
__________
[ () ] حديث عن عطاء لا يتابع عليه وليست بمحفوظة.
وقال الأزدي: وحبيب ثقة صدوق، وقال الآجري عن ابن داود ليس لحبيب عن عاصم بن ضمرة شيء يصح.
وقال ابن عدي: هو أشهر وأكثر حديثا من أن احتاج أذكر من حديثه شيئا، وقد حدّث عن الأئمة، وهو ثقة حجة، كما قال ابن معين.
وقال العجليّ: كان ثقة ثبتا في الحديث، سمع من ابن عمر غير شيء، ومن ابن عباس، وكان فقيه البدن، وكان مفتى الكوفة قبل الحكم وحماد.
وذكره أبو جعفر الطبري في (طبقات الفقهاء) ، وكان ذا فقه وعلم وقال ابن خزيمة في صحيحه:
كان مدلسا، وقد سمع من ابن عمر، وقال ابن جعفر النحاس: كان يقول إذا حدثني رجل عنك بحديث ثم حدثت به عنك كنت صادقا. ونقل العقيلي عن القطان قال: حديثه عن عطاء ليس بمحفوظ.
قال العقيلي: وله عن عطاء أحاديث لا يتابع عليها.
له ترجمة في: (تهذيب التهذيب) : 2/ 156- 157، ترجمة رقم (323) ، (الكامل في ضعفاء الرجال) : 2/ 406، ترجمة رقم (157/ 526) ، (الضعفاء الكبير للعقيليّ) : 1/ 263، ترجمة رقم (322) ، (الثقات لابن حبان) : 4/ 137.
[ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 552، ذكر من قال: اطّلى رسول اللَّه بالنورة، وما بين الحاصرتين سقط

(7/107)