إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع

فصل في ذكر الخيل التي قادها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في أسفاره
قال الواقدي في غزاة بنى قريظة: ولبس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الدرع والمغفر والبيضة، وأخذ قناة بيده، وتقلد الترس، وركب فرسه وصفّ به أصحابه، وتلبسوا السلاح، وركبوا الخيل، وكانت ستة وثلاثين فرسا، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد قاد فرسين وركب واحدا يقال له اللحيف، فكانت ثلاثة أفراس معه، وسار إلى بنى قريظة [ (1) ] .
وذكر أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قاد في غزاة خيبر ثلاثة أفراس: لزار، والظرب، والسكب، فلم يسهم من الخيل لنفسه ولمن معه إلا لفرس واحد، هو معروف بينهم الفرس [ (2) ] .
وأسهم صلى اللَّه عليه وسلم في النطاة من خيبر ثلاثة أسهم: لفرسه سهمين، وله سهم، وكان مع عاصم بن عدي [ (3) ] .
وذكر في غزاة تبوك أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قام إلى فرسه الظرب، فعلق عليه شعيرة، وجعل يمسح ظهره بردائه، فقيل: يا رسول اللَّه! تمسح ظهره بردائك؟ قال: نعم، وما يدريك لعل جبريل أمرنى بذلك، [مع أنى قد بتّ الليلة وإن الملائكة لتعاتبنى في حسّ [ (4) ] الخيل ومسحها] [ (5) ] .
__________
[ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 497- 498.
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 688.
[ (3) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 689.
[ (4) ] الحسّ: نفض التراب عن الدابة.
[ (5) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1020، وما بين الحاصرتين تكمله للسياق منه.

(7/208)


وإن عبيد بن ياسر بن نمير- جد [ (1) ] سعد اللَّه- قدم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بتبوك فأسلم وأهدى له فرسا عتيقا يقال له مراوح، وقال: يا رسول اللَّه، إنه سابق، فأجرى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الخيل بتبوك، فسبق الفرس، فأخذه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منه، فسأله المقداد بن عمرو الفرس، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: فأين سبحه- يعنى فرس المقداد- التي شهد عليها بدرا؟ فقال: يا رسول اللَّه عندي، وقد كبرت، وأنا أضن بها للمواطن التي شهدت عليها، وقد خلّفتها لبعد هذا السفر وشدّة الحر [عليها] ، فأردت أحمل هذا الفرس المعرّق عليها، فيأتينى [بمهر] [ (2) ] ، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم فذاك إذا، فقبضه المقداد
[فخبر] [ (2) ] منه صدقا، ثم حمّله على سبحة، فنتجت له مهرا كان سابقا، يقال له: الذّيّال، سبق في [عهد] [ (2) ] عمر وعثمان رضى اللَّه عنهما، فابتاعه منه عثمان بثلاثين ألفا [ (3) ] .
__________
[ (1) ] في (المغازي) : «أحد سعد اللَّه» وما أثبتناه من (الأصلين) .
[ (2) ] زيادة للسياق من (مغازي الواقدي) .
[ (3) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1032- 1033.

(7/209)


فصل في ذكر من استعمله رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على الخيل
اعلم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم استعمل على الخيل في حروبه غير واحد من أصحابه منهم:
محمد بن مسلمة بن سلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري، أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو عبد اللَّه، حليف بنى عبد الأشهل، شهد بدرا وما بعدها، ومات بالمدينة في صفر سنة ثلاث وأربعين، وقيل: سنة ست، وقيل سنة سبع وأربعين، وهو ابن سبع وسبعين سنة، وكان من فضلاء الصحابة، رضى اللَّه عنه وعنهم [ (1) ] .
استعمله رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على ما قاده من الخيل في عمرة القضية، وهو مائة فرس، وقدم بها [من] ذي الحليفة، فمضى إلى مرّ الظهران بالخيل، فوجد بها نفرا من قريش، فسألوه فقال: هذا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصبّح هذا المنزل غدا إن شاء اللَّه، ورأوا سلاحا كثيرا مع بشير بن سعد، فخرجوا سراعا حتى أتوا قريشا، فأخبروهم بالذي رأوا من الخيل والسلاح، ففزعت قريش
__________
[ (1) ] قال ابن يونس: شهد محمد بن مسلمة فتح مصر، وكان فيمن طلع الحصن مع الزبير، وكان رضى اللَّه عنه أسود طويلا عظيما، وفي الصحاح من حديث جابر: مقتل كعب بن الأشرف على يد محمد بن مسلمة.
عن حذيفة، قال: ما من أحد إلا وأنا أخاف عليه الفتنة إلا ما كان من محمد بن مسلمة، فإنّي سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: «لا تضره الفتنة» .
له ترجمة في (سير أعلام النبلاء) : 2/ 369، ترجمة رقم (77) .

(7/210)


وقالوا: واللَّه ما أحدثنا حدثا، وإنا على كتابنا ومدتنا، ففيم يغزونا محمد في أصحابه [ (1) ] ؟
وخالد بن الوليد المخزومي رضى اللَّه عنه، لم يزل من حين أسلم يولّيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أعنّة الخيل، يعنى أنه يكون على خيول المسلمين في الحروب، فيكون في مقدمتها في محاربة المشركين [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 733- 734.
[ (2) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.

(7/211)


فصل في ذكر سرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومن كان يسرج له فرسه
خرّج أبو داود [الطيالسي وأبو داود] [ (1) ] السختياني، وابن حيّان من حديث عبد الرحمن الفهري قال: كنا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حنين، فسرنا في يوم قائظ شديد الحرّ، فنزلنا تحت ظلال الشجر، فلما زالت الشمس، لبست لأمتى، وركبت فرسي، فأتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو في فسطاطه فقلت: السلام عليك يا رسول اللَّه ورحمة اللَّه، قد كان الرّواح يا رسول اللَّه؟
قال: أجل، ثم قال: يا بلال، فسار من تحت شجرة كأن ظله طائر فقال:
لبيك وسعديك وأنا قدامك، قال: أسرج لي فرسي، فأتاه بدفّتين من ليف، ليس فيهما أشر ولا بطر. فركب فرسه ثم انتهينا.
هذا حديث الطيالسي.
ولفظ أبى داود، قال: شهدت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حنينا، فسرنا في يوم قائظ شديد الحر، فنزلنا تحت ظل الشجر، فلما زالت الشمس، لبست لأمتى، وركبت فرسي، فأتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو في فسطاطه، فقلت:
السلام عليك يا رسول اللَّه ورحمة اللَّه وبركاته، قد كان الرواح؟ قال: أجل، ثم قال: يا بلال [قم] [ (2) ] ، فسار [ (3) ] من تحت شجرة كأن ظله ظل طائر، فقال: لبيك وسعديك وأنا فداؤك، قال: أسرج لي الفرس، فأخرج سرجا دفّتاه من ليف ليس فيهما أشر ولا بطر، فركب وركبنا [ (1) ] .
[قال أبو داود:
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (ج) .
[ (2) ] زيادة للسياق من (سنن أبى داود) .
[ (3) ] في (المرجع السابق) : «فثار» .

(7/212)


أبو عبد الرحمن الفهري ليس له إلا هذا الحديث، وهو حديث نبيل جاء به حماد بن سلمة] [ (1) ] [ (2) ] .
ولفظ ابن حيّان قال: شهدت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم حنين في [يوم] [ (3) ] صائف شديد الحرّ، فقال: يا بلال، أسرج لي فرسي، فأخرج سرجا رقيقا من ليف، ليس فيه أشر ولا بطر. خرجه من حديث حماد بن سلمة عن يعلى عن عطاء، عن عبد اللَّه بن يسار، عن ابن عبد الرحمن الفهري.
__________
[ (1) ] (سنن أبى داود) : 5/ 399- 400، كتاب الأدب، باب (167) في الرجل ينادى الرجل، فيقول:
لبيك.
[ (2) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (سنن أبى داود) .
[ (3) ] زيادة يقتضيها السياق.

(7/213)