إمتاع
الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع فصل في ذكر شرب رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم ومشروباته
اعلم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يستعذب له الماء، ويبرّد له،
وشرب اللبن، وكان ينبذ له فيشربه، وشرب السويق، وكان يشربه مصّا، ولا يتنفس
في الإناء، وشرب قائما وقاعدا، وشرب آخر أصحابه، وكان يؤثر من على يمينه
بسؤره.
وأما طلب الماء العذب
فخرّج البخاري ومسلم من حديث يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك، عن إسحاق بن
عبد اللَّه بن أبى طلحة، أنه سمع أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] يقول: كان
أبو طلحة أكثر أنصارىّ المدينة مالا، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت
مستقبلة المسجد، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يدخلها ويشرب من
ماء فيها طيب، قال أنس رضى اللَّه عنه: فيها نزلت هذه الآية: لَنْ تَنالُوا
الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، قام أبو طلحة رضى اللَّه
عنه، إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه! إن
اللَّه عزّ وجل يقول: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا
تُحِبُّونَ [ (1) ] وإن أحب أموالى بيرحاء، وإنها صدقة أرجو برّها، وذخرها
عند اللَّه، فضعها يا رسول اللَّه حيث شئت، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم: بخ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، قد سمعت ما قلت، وإني أرى أن
تجعلها في الأقربين، قال أفعل يا رسول اللَّه، فقسمها أبو طلحة في أقاربه
وبنى عمه. ذكره البخاري في كتاب الوكالة، وترجم عليه باب: إذا قال الرجل
لوكيله: ضعه حيث أراك اللَّه، وقال الوكيل: قد سمعت ما قلت. وقال بعقبه:
تابعه إسماعيل عن مالك، وقال روح عن مالك: مال
__________
[ (1) ] آل عمران: 92.
(7/346)
رابح. وذكره في كتاب الزكاة، وفي كتاب
التفسير، وفي الأشربة، وفي الوقوف [ (1) ] . وذكره مسلم في كتاب الزكاة [
(2) ] ، وخرّجه أبو داود [ (3) ] والنسائي [ (4) ] ، وألفاظهم فيه مختلفة.
ولأبى داود من حديث قتيبة بن سعيد [قال:] حدثنا الدراوَرْديّ عن هشام بن
عروة عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان
يستعذب له الماء من بيوت السقيا، قال قتيبة: هي عين بينها وبين المدينة
يومان [ (5) ] .
وخرّجه الحاكم بهذا السند، ولفظه: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان
يستسقى له
__________
[ (1) ] ذكره البخاري في كاب الزكاة، باب (44) الزكاة على الأقارب. وقال
النبي صلى اللَّه عليه وسلم: له أجران: أجر القرابة والصدقة، حديث رقم
(1461) .
وأخرجه في كتاب الوصايا، باب (10) إذا وقف أو أوصى لأقاربه ومن الأقارب؟
حديث رقم (2752) ، وفي باب (17) من تصدق إلى وكيله، ثم ردّ الوكيل إليه،
حديث رقم (2758) ، وفي باب (26) إذا وقف أرضا ولم يبين الحدود فهو جائز،
وكذلك الصدقة، حديث رقم (2769) .
وفي كتاب الوكالة، باب (15) إذا قال الرجل لوكيله: ضعه حيث أراك اللَّه،
وقال الوكيل: قد سمعت ما قلت، حديث رقم (2318) .
وفي كتاب التفسير، باب (5) لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا
مِمَّا تُحِبُّونَ، حديث رقم (4554) ، (4555) .
وفي كتاب الأشربة، باب (13) استعذاب الماء، حديث رقم (5611) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 88- 89، كتاب الزكاة باب (14) فصل النفقة
والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدان ولو كانوا مشركين، حديث
رقم (42) .
[ (3) ] (سنن أبى داود) : 2/ 318- 319، كتاب الزكاة، باب (45) في صلة
الرحم، حديث رقم (1689) .
[ (4) ] (سنن النسائي) : 6/ 542، كتاب الإحباس، باب (2) كيف يكتب الحبس،
حديث رقم (3604) ، وأخرجه النسائي أيضا في (التفسير) : سورة آل عمران.
قوله: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، الحديث
(87) .
[ (5) ] (سنن أبى داود) : 4/ 119، كتاب الأشربة، باب (22) في إيكاء الآنية،
حديث رقم (3735) .
(7/347)
الماء العذب من بيوت السّقيا. وقال: هذا
حديث صحيح على شرط مسلم [ (1) ] .
وخرّجه أحمد ولفظه: كان يستسقى له الماء العذب من بيوت السقيا [ (2) ] .
وخرّجه ابن حيّان كذلك [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 154، كتاب الأشربة، حديث رقم (7204) ، وقد سكت عنه
الذهبي في (التلخيص) . قال محقق (المستدرك) : عبد العزيز بن محمد
الدراوَرْديّ صدوق من علماء المدينة، غيره أقوى منه.
قال أحمد بن حنبل: إذا حدّث من حفظه يهم، ليس هو بشيء، وإذا حدّث من كتابه
فنعم.
وقال أحمد أيضا: إذا حدّث من حفظه جاء ببواطيل، وأما ابن المديني فقال: ثقة
ثبت، وقال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال يحيى بن معين: هو أثبت من فليح. وقال
أبو زرعة: سيئ الحفظ، وقال ابن معين بن عيسى: يصلح الدراوَرْديّ أن يكون
أمير المؤمنين. (ميزان الاعتدال) : 2/ 633.
[ (2) ] (مسند أحمد) : 7/ 145، حديث رقم (24172) .
[ (3) ] (أخلاق النبي) : 227- 228.
(7/348)
وأمّا [الآبار] التي كان يستعذب له منها
الماء
فقال الواقدي: حدثني معاوية بن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن أبى رافع، عن
جدته سلمى قالت: كان أبو أيوب حين نزل عنده رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم يستعذب له الماء من بئر مالك بن أبى أنس، فلما صار إلى منزله كان أنس
وهند [ (1) ] وحارثة ابنا أسماء الأسلميان، يحملون قدور الماء إلى بيوت
نسائه من بيوت السقيا، ثم كان رباح- وهو عبد أسود له- يسقى من بئر غرس مرة،
ومن بيوت السقيا بأمره [ (2) ] .
قال: وحدثني سليمان بن عاصم قال: قال الهيثم بن نصر الأسلمي:
خدمت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولزمت بابه في قوم محاويج، فكنت
آتية بالماء من بئر أبى الهيثم بن التيهان جاسم، وكان ماؤها طيبا، ولقد دخل
يوما صائفا، ومعه أبو بكر رضى اللَّه عنه على أبى الهيثم فقال له: هل من
ماء بارد؟ فأتاه بشجب فيه ماء كأنه الثلج، فصب منه على لبن عنز له، وسقاه،
ثم قال له: إن لنا عريشا باردا فقل فيه يا رسول اللَّه عندنا، ونضحه
بالماء، فدخله وأبو بكر، وأتى أبو الهيثم بألوان من الرطب: عجوة [و] ابن
طاب، وأمهات جراذين، ثم جاءهم بعد ذلك بجفنة مملوءة ثريدا عليها العراق [
(3) ] ، فأكل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأبو بكر رضى اللَّه عنه،
وأكلنا، ثم قال: عجبا للناس! يقولون توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم، ولم يشبع من خبز الشعير، فلما حضرت الصلاة، صلى بنا رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم في بيت أبى الهيثم، وزوجة أبى الهيثم خلفنا، ثم سلّم وعاد
إلى العريش، فصلى فيه ركعتين بعد الظهر
__________
[ (1) ] في (الأصلين) : «حيدر» ، وصوبناه من (طبقات ابن سعد) .
[ (2) ] في (الأصلين) : «مرة» ، وصوبناه من (طبقات ابن سعد) .
[ (3) ] العراق: عظم عليه لحم يسير.
(7/349)
ورأيته ينصب اليمنى من رجليه، ويفترش
اليسرى.
قال الواقدي: وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يشرب من بئر لبني أمية
من الأنصار، تسمى العبيرة، فسماها اليسيرة، وفي رواية: كانت تسمى العسيرة
فسماها اليسيرة، والأول أثبت، وكان يشرب من بئر رومة بالعقيق، وبصق فيها
فعذبت، [قال:] وهي بئر قديمة، قد كانت انطمت، فأتى قوم من مزينة، فحالفوا
الأنصار، وقاموا عليها بأبدانهم فأصلحوها، وكانت رومة امرأة منهم، أو أمة
لهم تستقي منها للناس، فنسبت إليها [ (1) ] .
وقال بعض الرواة: إن الشعبة التي هي طرفها تدعى رومة، والشعبة واد صغير
يجرى فيه الماء،
ومرّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بهذه البئر، فرأى عليها رجلا من
مزينة، يسقى عليها بأجر، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: نعم صدقة المؤمن هذه،
فاشتراها عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه بأربع مائة دينار، فتصدق بها، فلمّا
علّق عليها العلق- والعلق: البكرة وآلة السقي- مرّ بها رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم [فسأل عنها] ، فأخبر خبرها، فقال: اللَّهمّ أوجب لعثمان
الجنة، وشرب منها، فقال: هذا هو النقاح [ (2) ] [أما إن هذا الوادي ستكثر
مياهه ويعذبون وبئر المزنيّ أعذبها] [ (3) ] .
وقال محمد بن سعد، عن الواقدي، عن أبى بكر بن عبد اللَّه بن أبى سبرة، عن
ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: بئر
غرس من عيون الجنة [ (4) ] .
وذكر الواقدي عن سفيان الثوري، عن ابن جريج، عن أبى جعفر قال:
__________
[ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 504.
[ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 506، ذكر البئار التي شرب منها رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم.
[ (3) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (4) ] (المرجع الاسبق) : 1/ 505.
(7/350)
كان يستعذب لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم الماء من بئر غرس، ومنها غسّل. وفي رواية وغسّل من بئر لسعد بن خيثمة
يقال لها بئر الغرس، وكان يشرب منها.
قال الواقدي احتفر بئر غرس: مالك بن النحاط وهو جد سعد بن خيثمة ابن الحارث
بن مالك بن النحاط، وكان له عبد أسود يتولاها، ويقوم عليها، ويكثر السقي
منها، وكان يدعى: سلاما، ويلقب: غرسا، فيغضب، فنسبت إليه فقيل: بئر غرس،
وبئر الغرس. ويقال: إن مالك احتفرها، وجعل منها مجرى إلى غرس كان غرسه،
فكانت تدعى: بئر الغرس، ثم حذفت الألف واللام، فقيل: غرس، ويقال: بئر غرس
بضم الغين، وهو خطأ.
قال الواقدي: عن أبىّ بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي، عن أبيه، عن أبى
أسيد، وأبى حميد، وأبى سهل بن سعد، سمعهم يقولون: أتى رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم بئر بضاعة، فتوضأ في الدلو، وردّها في البئر، ومج في
الدلو مرة أخرى، وبصق فيها، وشرب من مائها، وكان إذا مرض المريض، قال:
اغسلوه من ماء بضاعة، فيغسل، فكأنما نشط من عقال [ (1) ] .
قال الواقدي:
تكون بئر بضاعة سبعا في سبع، وعيونها كثيرة، وهي لا تنزح.
وقال هشام بن عمار: حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن محمد بن أبى يحيى الأسلمي،
عن أمه قالت: دخلنا على سهل بن سعد الساعدي في بيته، فقال: لو سقيتكم، من
بئر بضاعة لكرهتم ذلك، وقد واللَّه سقيت منها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم بيدي هذه [ (2) ] .
قال الواقدي: بضاعة، امرأة قديمة من اليهود، أو قبل اليهود، [كانت]
احتفرتها، ثم إنها انطمت [فنزحها] بنو ساعدة وأصلحوها.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 1/ 505.
[ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 505.
(7/351)
وأمّا تبريد الماء
فخرج مسلم من حديث جابر الطويل: فأتينا المعسكر، فقال رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم: يا جابر، ناد بوضوء، فقلت: ألا وضوء؟ ألا وضوء؟ قال:
فقلت: يا رسول اللَّه! ما وجدت في الركب من قطرة، وكان رجل من الأنصار يبرد
لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الماء في أشجاب له على حمارة من جريد،
فقال لي: انطلق إلى فلان الأنصاري، فانظر هل في أشجابه من شيء؟ قال:
فانطلقت إليه، فنظرت فيها، فلم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها، ولو
أنى أفرغته لشربه يابسه، [فأتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقلت: يا
رسول اللَّه إني لم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها، لو أنى أفرغه
لشربه يابسه] ، قال: اذهب فأتنى [به] ، فأخذه بيده، ثم جعل يتكلم بشيء لم
أدر ما هو، [ويغمزه] بده، ثم أعطانيه فقال: يا جابر، ناد بجفنة، فقلت: يا
جفنة الركب! فأتيته بها، فوضعها بين يديه فقال صلى اللَّه عليه وسلم بيده
في الجفنة هكذا، فبسطها، وفرّق بين أصابعه، ثم وضعها في قعر الجفنة وقال:
خذ يا جابر، فصبّ عليّ، وقال:
باسم اللَّه. فصببت عليه وقلت: [باسم] اللَّه، فرأيت الماء يتفور من بين
أصابع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ثم فأرت الجفنة، ودارت حتى
امتلأت.
وذكر الحديث [ (1) ] ، وقد تقدم بطرقه في المعجزات.
وخرّج البخاري من حديث فليح بن سليمان، عن سعيد بن الحارث، عن جابر بن عبد
اللَّه رضى اللَّه عنه، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم دخل على رجل من
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 352- 354، كتاب الزهد والرقائق، باب (18)
حديث جابر الطويل، حديث رقم (3013) وقد سبق شرحه في فصل معجزات النبي صلى
اللَّه عليه وسلم في تكثير الماء، فليراجع.
(7/352)
الأنصار ومعه صاحب له، فسلم النبي وصاحبه،
فردّ الرجل، فقال: يا رسول اللَّه! بأبي أنت وأمى، وهي ساعة حارة، وهو يحول
في حائط له- يعنى الماء- إن كان عندك ماء بات في شنة، وإلا كرعنا [والرجل
يحول الماء في حائط] ، فقال الرجل: يا رسول اللَّه، عندي ماء بات، فانطلق
إلى العريش، فسكب في قدح ماء، ثم حلب عليه من داجن له، فشرب النبي صلى
اللَّه عليه وسلم، ثم أعاده فشرب الرجل الّذي جاء معه. ترجم عليه باب:
الكرع في الحوض [ (1) ] ، وذكره في باب: شوب اللبن بالماء بهذا الإسناد [
(2) ] .
وذكره أبو داود، ولفظه قال: دخل النبي صلى اللَّه عليه وسلم ورجل من أصحابه
على رجل من الأنصار وهو يحوّل الماء في حائطه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم: إن كان عندك ماء بات هذه الليلة في شنّ، وإلا كرعنا، فقال: بل
عندي ماء بات في شن [ (3) ] .
وللترمذي [ (4) ] والنسائي [ (5) ] وأحمد [ (6) ] ، من حديث سفيان، عن
معمر،
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 108، كتاب الأشربة، باب (20) الكرع في الحوض،
حديث رقم (5621) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : باب (14) شرب اللبن بالماء، حديث رقم (5613) ،
قوله: «شرب اللبن بالماء» .
أي ممزوجا، وإنما قيده بالشرب للاحتراز عن الخلط عند البيع. ووقع في رواية
الكشميهني بالواو بدل الراء، [وهي التي أثبتها المقريزي رحمه اللَّه] .
[ (3) ] (سنن أبى داود) : 4/ 112- 113، كتاب الأشربة، باب (18) في الكرع،
حديث رقم (3724) ، وأخرجه ابن ماجة في الأشربة، باب الشرب بالأكف والكرع،
حديث رقم (3432) .
[ (4) ] (سنن الترمذي) : 4/ 272، كتاب الأشربة، باب (21) ما جاء أي الشراب
كان أحب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حديث رقم (1895) من حديث
سفيان بن عيينة عن معمر عن الزّهرىّ عن عروة عن عائشة.
وحديث رقم (1896) من حديث عبد اللَّه بن المبارك، عن معمر ويونس عن الزهري،
وأخرجه أيضا في (الشمائل) : حديث رقم (105) .
[ (5) ] أخرجه النسائي في (السنن الكبرى) ، كتاب الوليمة.
[ (6) ]
(مسند أحمد) : 7/ 58، حديث رقم (23580) ، 7/ 62، حديث رقم (23609) ، وله
شاهد من حديث ابن عباس ذكره الإمام أحمد في (المسند) : 1/ 55، حديث رقم
(3119) ولفظه: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم سئل أي الشراب أطيب؟ قال:
الحلو البارد، وفيه راو لم يسمّ.
(7/353)
عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضى اللَّه
عنها قالت: كان أحب الشراب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الحلو
البرد. قال أبو عيسى: هكذا روى سفيان ابن عيينة هذا الحديث عن معمر، عن
الزهري، عن عروة، عن عائشة.
وروى عبد اللَّه بن المبارك، وعبد الرزاق، وغير واحد، عن معمر، عن الزهري،
عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم يذكروا فيه: عن عروة، عن عائشة [رضى اللَّه
عنها] .
وهكذا روى يونس وغير واحد عن الزهري، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم مرسل.
قال أبو عيسى: إنما أسنده ابن عيينة من بين الناس، وذكر حديث عبد اللَّه بن
المبارك، أخبرنا معمر ويونس، عن الزهري، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم سئل أي الشراب أطيب؟ قال: الحلو البارد.
قال أبو عيسى: وهكذا روى عبد الرّزّاق، عن معمر، عن الزهري، عن النبي صلى
اللَّه عليه وسلم مرسل، قال أبو عيسى: وهذا أصح من حديث ابن عيينة.
وذكره الحاكم [حديث] ابن عيينة وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه
[ (1) ] . وشاهده حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة [رضى اللَّه عنها]
قالت: كان أحب الشراب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الحلو البارد [
(2) ] .
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 153، كتاب الأشربة، حديث رقم (7200) ، وقال هذا
حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، فإنّه ليس عند اليمانيين عن معمر،
وقال الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم. لم يروه معمر باليمن.
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (7201) ، وقال الذهبي في (التلخيص) :
عبد اللَّه بن محمد بن يحيى هالك.
وأخرجه الحميدي في (المسند) : 1/ 125، حديث رقم (257) ، وأخرجه ابن عدي في
(الكامل) : 4/ 184، في ترجمة عبد اللَّه بن محمد بن يحيى بن عروة بن الزبير
بن العوام، رقم (33/ 1000) مدينى، ضعفه أبو حاتم والعقيلي وغيرهم، (لسان
الميزان) : 3/ 331.
وأخرجه ابن أبى شيبة في (المصنف) : 5/ 107- 108، كتاب الأشربة، باب (40) ما
يستحب من الأشربة، حديث رقم (24187) ، (24189) .
(7/354)
وأمّا قدحه الّذي يشرب فيه
فخرج البخاري في كتاب الاعتصام، من حديث أبى أسامة، عن بريد، عن أبى بردة
قال قدمت المدينة فلقيني عبد اللَّه ابن سلام فقال لي: انطلق إلى المنزل
فسأسقيك في قدح [شرب فيه] النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وتصلى في مسجد صلى
[فيه] النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فانطلقت معه، فأسقانى سويقا، وأطعمنى
تمرا، وصليت في مسجده [ (1) ] .
وذكره في كتاب الأشربة، من حديث أبى عوانة، عن عاصم الأحول قال: رأيت قدح
النبي صلى اللَّه عليه وسلم عند أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] ، وكان قد
انصدع فسلسله بفضة، قال: وهو قدح جيد عريض من نضار. قال: قال أنس [رضى
اللَّه عنه] : لقد سقيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في هذا القدح،
أكثر من كذا وكذا [ (2) ] .
قال: وقال ابن سيرين: أنه كان فيه حلقة من حديد، فأراد أنس أن يجعل مكانها
حلقة من ذهب أو فضة، فقال له أبو طلحة: لا تغيرن شيئا صنعه رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم، فتركه [ (2) ] .
وذكر في كتاب الخمس، حديث عاصم، عن ابن سيرين، عن أنس رضى اللَّه عنه، أن
قدح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم انكسر، فاتخذ مكان الشعب سلسلة من
فضة، قال عاصم: رأيت القدح
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 121، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب (16) ،
حديث رقم (7342) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 121، كتاب الأشربة، باب (30) الشرب من قدح
النبي صلى اللَّه عليه وسلم وآنيته، حديث رقم (5638) .
(7/355)
وشربت فيه [ (1) ] .
وخرّج البخاري [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من حديث أبى حازم، عن سهل بن سعد قال:
ذكر لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم امرأة من العرب، فأمر أبا أسيد:
[الساعدي] أن يرسل إليها، فأرسل إليها، فقدمت، فنزلت في أجم بنى ساعدة،
فخرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى جاءها، فدخل عليها، فإذا هي
امرأة منكسة رأسها، فلما كلمها [النبي صلى اللَّه عليه وسلم] قالت: أعوذ
باللَّه منك! قال: قد أعذتك منى، فقالوا لها: أتدرين من هذا؟ قالت: لا،
فقالوا: هذا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، جاءك ليخطبك، فقالت: أنا
كنت أشقى من ذلك، قال سهل: فأقبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ
حتى جلس في سقيفة بنى ساعدة هو وأصحابه، ثم قال: اسقنا أسهل، فأخرجت لهم
القدح فأسقيتهم فيه. قال أبو حازم: فأخرج لنا سهل ذلك القدح فشربنا فيه، ثم
استوهبه بعد ذلك عمر بن عبد العزيز، فوهبه له.
ولمسلم من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس رضى اللَّه عنه قال: لقد
سقيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بقدحى هذا الشراب كله: العسل،
والنبيذ، واللبن، والماء [ (4) ] .
وروى ابن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد اللَّه، عن ابن عباس رضى اللَّه
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 216، كتاب فرض الخمس، باب (5) ما ذكر من درع
النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه، وما استعمل الخلفاء
بعده من ذلك مما لم يذكر قسمته، ومن شعره ونعله وآنيته، مما تبرك أصحابه
وغيرهم بعد وفاته، حديث رقم (3109) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : 10/ 121، كتاب الأشربة، باب (30) الشرب من قدح
النبي صلى اللَّه عليه وسلم وآنيته، حديث رقم (5637) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 188، كتاب الأشربة، باب (9) إباحة النبيذ
الّذي لم يشتدّ ولم يصر مسكرا، حديث رقم (88) . ثم قال: وفي رواية أبى بكر
بن إسحاق: «قال اسقنا يا سهل» .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 190، كتاب الأشربة، باب (10) جواز شرب
اللبن، حديث رقم (89) ، وفيه: «والماء واللبن» .
(7/356)
عنهما قال: [إن صاحب اسكندرية بعث إلى رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بقدح قوارير، [وكان صلى اللَّه عليه وسلم]
يشرب [فيه] .
وخرّج الحاكم من حديث ابن أبى مليكة، عن عائشة [رضى اللَّه عنها] ، أنها
قالت: كنا نضع لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الليل ثلاث أواني
مخمّرة، إناء لطهوره، وإناء لسواكه، وإناء لشرابه. وقال: حديث صحيح [ (1) ]
. [الإسناد ولم يخرجاه] [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 157، كتب الأشربة، حديث رقم (7215) ، وقال الذهبي
في (التلخيص) :
صحيح،
[ (2) ] زيادة للسياق من (المستدرك) .
(7/357)
وأمّا شربه اللبن
فخرج البخاري ومسلم من حديث شعبة، عن أبى إسحاق قال:
سمعت البراء [قال] قدم النبي صلى اللَّه عليه وسلم من مكة، وأبو بكر رضى
اللَّه عنه معه، فقال أبو بكر: مررنا براع وقد عطش رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم- قال أبو بكر رضى اللَّه عنه: فحلبت كثبة من لبن في قدح، فشرب
حتى رضيت، وأتانا سراقة ابن جعشم على فرس، فدعا عليه، فطلب إليه سراقة [أن
لا] يدعو عليه وأن يرجع، ففعل النبي صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] . اللفظ
للبخاريّ.
ولفظ مسلم: عن البراء قال: قال أبو بكر الصديق رضى اللَّه عنه: لما خرجنا
مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم من مكة إلى المدينة، مررنا براع، وقد عطش
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فحلبت له كثبه من لبن، فأتيته به، فشرب
حتى رضيت [ (2) ] .
وأخرجاه في كتاب الهجرة أتم من هذا وأطول.
وللبخاريّ من حديث سفيان، عن سالم أبى النّضر، عن عمير مولى أم الفضل، عن
أم الفضل، أنهم شكّوا في صوم النبي صلى اللَّه عليه وسلم يوم عرفة، فبعثت
إليه بقدح من لبن فشربه. ذكره في الأشربة، وترجم عليه باب: الشرب في
الأقداح [ (3) ] ، وله طرق في كتاب الصيام، وهو مما اتفقا على إخراجه.
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 86، كتاب الأشربة، باب (12) شرب اللبن، وقول
اللَّه عزّ وجلّ: مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً
لِلشَّارِبِينَ، حديث رقم (5607) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 190، كتاب الأشربة، باب (10) جواز شرب
اللبن، حديث رقم (90) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 10/ 86، كتاب الأشربة، باب (12) شرب اللبن، حديث
رقم (5603) ولفظه كما في البخاري: «شك الناس في صيام رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم يوم عرفة، فأرسلت إليه بإناء فيه لبن فشرب» فكان سفيان
ربما قال: «شك الناس في صيام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم عرفة،
فأرسلت إليه أم الفضل» فإذا وقف عليه قال: هو عن أم الفضل، باب (29) الشرب
في الأقداح، حديث رقم (5636) .
(7/358)
وقال البخاري في باب شرب اللبن: وقال
إبراهيم بن طهمان، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال:
قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: رفعت إليّ السّدرة، فإذا أربعة
أنهار: نهران ظاهران، ونهران باطنان، فأما الظاهران، فالنيل والفرات، وأما
الباطنان، فنهران في الجنة، فأتيت بثلاثة أقداح: قدح فيه لبن، وقدح فيه
عسل، وقدح فيه خمر، فأخذت الّذي فيه اللبن، فشربت، فقيل لي: أصبت الفطرة
أنت وأمتك [ (1) ] . وذكره مسلم في كتاب الإيمان، في حديث الإسراء [ (2) ]
، وكرره البخاري في مواضع.
ولابن حيّان من حديث ياسين الزيات، عن عطاء، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما
قال: كان أحب الشراب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اللبن [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 87، كتاب الأشربة، باب (12) شرب اللبن، حديث
رقم (6510) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 581- 583، كتاب الإيمان، باب (74) الإسراء
برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى السماوات وفرض الصلوات، حديث رقم
(264) .
[ (3) ] (كنز العمال) : 7/ 111، حديث رقم (18223) ، وعزاه إلى أبى نعيم في
الطب عن ابن عباس.
(7/359)
وأمّا شربه النبيذ
فخرج مسلم من حديث أبى عوانة، عن أبى الزبير عن جابر بن عبد اللَّه رضى
اللَّه [عنهما] قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان ينبذ له في تور من
حجارة [ (1) ] .
ومن حديث زهير قال: أخبرنا أبو الزبير عن جابر قال: كان ينتبذ لرسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم في سقاء، فإذا لم يجدوا سقاء [نبذ] [ (2) ] له في تور
من حجارة، فقال بعض القوم: وأنا أسمع لأبى الزبير من برام، قال من برام [
(3) ] .
ومن حديث شعبة، عن يحيى بن عبيد، أبى عمر البهراني قال:
سمعت ابن عباس رضى اللَّه عنهما يقول: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم ينتبذ [له] أول الليل، فيشربه إذا أصبح يومه ذلك، والليلة التي تجيء
[والليلة الأخرى] والغد، إلى العصر، فإن بقي شيء سقاه الخادم، أو أمر به
فصبّ [ (4) ] .
وفي رواية له من حديث شعبة، عن يحيى البهراني قال: ذكروا النبيذ عند ابن
عباس فقال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ينتبذ له في سقاء. قال
شعبة:
من ليلة الاثنين، فيشربه يوم الاثنين، والثلاثاء إلى العصر، فإن فضل منه
شيء، سقاه الخادم أو صبّه [ (5) ] .
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 178، كتاب الأشربة، باب (6) النهى عن
الانتباذ في المزفت والدباء والحنتم والنقير، وبيان أنه منسوخ وأنه اليوم
حلال، ما لم يصر مسكرا، حديث رقم (1999) .
[ (2) ] في (خ) : «نبذوا» .
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (62) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (62) .
[ (5) ] (المرجع السابق) : 184- 185، كتاب الأشربة، باب (9) إباحة النبيذ
الّذي لم يشتد ولم يصر مسكرا، حديث رقم (79) ، وما بين الحاصرتين زيادة
للسياق منه.
(7/360)
وفي أخرى، عن الأعمش، عن أبى عمر، عن ابن
عباس [رضى اللَّه عنهما] قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ينقع
له الزبيب، فيشربه اليوم، والغد، وبعد الغد، إلى مساء الليلة الثالثة، ثم
يأمر به فيسقى، أو يهراق [ (1) ] .
وخرّج أيضا من حديث الأعمش، عن يحيى [بن] أبى عمر، عن ابن عباس [رضى اللَّه
عنهما] قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ينبذ له الزبيب في
السقاء، فيشربه يومه، والغد، وبعد الغد، فإذا كان مساء الثالث، شربه،
وسقاه، فإن فضل شيء أهراقه [ (2) ] .
ومن حديث عبيد اللَّه، عن زيد، عن يحيى أبى عمر النخعي قال: سأل قوم ابن
عباس عن بيع الخمرة، وشرائها، والتجارة فيها، فقال: أمسلمين أنتم؟ قالوا:
نعم، قال: فإنه لا يصلح بيعها، ولا شراؤها، ولا التجارة فيها، قال: فسألوه:
عن النبيذ فقال: خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في سفر، ثم رجع، وقد
نبذ ناس من أصحابه في حناتم، ونقير، ودبّاء، فأمر به فأهريق، ثم أمر بسقاء،
فجعل فيه زبيب وماء، فجعل من الليل، فأصبح فشرب منه يومه ذلك، وليلته
المستقبلة، ومن الغد حتى أمسى، فشرب وسقى، فلما أصبح أمر بما بقي فأهريق [
(3) ] .
ومن حديث ثمامة بن حزن القشيري، قال: لقيت عائشة رضى اللَّه عنها، فسألتها
عن النبيذ، فدعت جارية حبشية فقالت: سل هذه، إنها كانت تنبذ لرسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم، فقالت الحبشية: كنت أنبذ له في سقاء من الليل:
وأوكيه، وأعلّقه، فإذا أصبح شرب منه [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (81) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (82) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (83) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (84) .
(7/361)
وخرّج مسلم [ (1) ] وأبو داود [ (2) ]
والترمذي [ (3) ] من حديث يونس بن عبيد، عن الحسن، عن أمه، عن عائشة رضى
اللَّه عنها قالت: كنا ننبذ لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في سقاء،
فنوكئ أعلاه، وله عزلاء، ننبذه غدوة، فيشربه عشاء، وننبذه عشاء فيشربه
غدوة. اللفظ لمسلم. ولفظهما عن عائشة [رضى اللَّه عنهما] قالت: كان ينبذ.
ولأبى داود من حديث مقاتل ابن حيان، قال: حدثتني عمتي عمرة، عن عائشة رضى
اللَّه عنهما، أنها كانت تنبذ لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم غدوة،
فإذا كان من العشىّ فتعشى، شرب على عشائه، فإن فضل شيء صببته أو أفرغته، ثم
ينبذل له بالليل، فإذا أصبح تغدى فشرب على غدائه، قالت: نغسل السقاء غدوة
وعشية، فقال لها أبى: مرتين في اليوم؟ قال:
نعم [ (4) ] .
وللنسائى من حديث العوام، عن عبد الملك بن نافع قال: قال ابن عمر رضى
اللَّه عنه: رأيت رجلا جاء إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بقدح فيه
نبيذ وهو عند الركن، ودفع إليه القدح، فرفعه إلى فيه، فوجده شديدا فرده على
صاحبه، فقال رجل من القوم: يا رسول اللَّه! أحرام هو؟ فقال: عليّ بالرجل،
فأتى به، فأخذ منه القدح، ثم دعا بماء فصبه فيه، ثم رفعه إلى فيه فقطّب، ثم
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (85) .
[ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 104، كتاب الأشربة، باب (10) في صفة النبيذ،
حديث رقم (3711) .
والعزلاء: فم المزادة، وقد يكون ذلك للسقاء من أسفله، ويجمع على العزالي.
(معالم السنن) .
[ (3) ] (سنن الترمذي) : 4/ 261- 262، كتاب الأشربة، باب (7) ، ما جاء في
الانتباذ في السقاء، حديث رقم (1871) ، قال: وفي الباب عن جابر وأبى سعيد
وابن عباس. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث يونس بن عبيد إلا
من هذا الحديث من غير هذا الوجه عن عائشة أيضا.
[ (4) ] (سنن أبى داود) : 4/ 104، كتاب الأشربة، باب (10) في صفة النبيذ،
حديث رقم (3712) .
(7/362)
دعا بماء أيضا، فصبه فيه، ثم قال: إذا
اغتلمت عليكم هذه الأوعية فاكسروا متونها بالماء [ (1) ] .
قال أبو عبد الرحمن النسائي: عبد الملك بن نافع ليس بالمشهور، ولا يحتجّ
بحديثه، والمشهور عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] خلاف حكايته، وقال الدار
قطنى: وهو مجهول ضعيف، والصحيح
عن ابن عمر: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: ما أسكر كثيرة، فقليله
حرام [ (2) ] .
وخرّج الدار قطنى من حديث الكلبي، عن أبى صالح، عن المطلب بن أبى وداعه
السهمي قال: طاف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالبيت في يوم قائظ شديد
الحر، [فاستسقى] رهطا من قريش فقال: هل عند أحد منكم شراب فيرسل إليّ؟
فأرسل رجل منهم إلى منزله، فجاءت جارية معها إناء فيه نبيذ [زبيب] ، فلما
رآها النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: ألا خمّرته، ولو بعود تعرضيه عليه،
فلما أدناه منه، وجد له رائحة شديدة، فقطب، وردّ الإناء، فقال الرجل: يا
رسول اللَّه! إن يكن حراما لم تشربه، [فاستعاد] الإناء، وصنع مثل ذلك، وقال
الرجل مثل ذلك، فدعا بدلو من ماء زمزم، فصبه على الإناء وقال: إذا اشتدّ
عليكم شرابكم فاصنعوا [به] هكذا.
قال الدار قطنى: الكلبيّ متروك، وأبو صالح ضعيف، واسمه باذان، مولى أم هانئ
[ (3) ] .
__________
[ (1) ] (سنن النسائي) : 8/ 728، كتاب الأشربة، باب (48) ذكر الأخيار التي
اعتل بها من أباح شراب السّكر، حديث رقم (5710) ، قوله: «فوجده شديدا» لعل
المراد به- إن صحّ الحديث- أنه وجده قريبا من الإسكار، وأنه ظهر فيه مبادئ
السكر، بحيث إنه لو ترك على حاله لأسكر من قريب.
قوله: «فقطّب» بتشديد الطاء أو تخفيفه، أي جمع ما بين عينيه كما يفعله
العبوس، أي عبس وجهه، وجمع جلدته لما وجد مكروها.
قوله: «إذا اغتلمت» أي اشتدت واضطربت عند الغليان، والمراد إذا قاربت
الاشتداد، واللَّه تعالى أعلم. (حاشية السندي) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (5714) ، ولفظه: «المسكر قليله وكثيره
حرام» ، تفرد به النسائي.
[ (3) ] (سنن الدار قطنى) : 4/ 261- 262، حديث رقم (81) .
(7/363)
وذكره أيضا من حديث يحيى بن يمان، عن
سفيان، عن منصور، عن خالد بن سعد، عن أبى مسعود الأنصاري [ (1) ] . ومن
حديث زيد بن الحباب، عن سفيان الثوري، عن منصور [ (2) ] ، ثم قال: لا يصح
هذا عن زيد ابن الحباب، ولم يرو على [غير] التسع، وهو ضعيف، وهذا حديث
معروف بيحيى بن يمان، ويقال: إنه انقلب عليه الإسناد، واختلط عليه تحديث
الكلبي عن أبى صالح.
وقال الواقدي: حدثني سفيان بن سعيد عن الكلبي، عن أبى صالح، عن المطلب بن
أبى وداعة قال: طاف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالبيت في يوم صائف
وعطش، فاستسقى، فقال رجل: يا رسول اللَّه! عندنا شراب من هذا الزبيب، أفلا
نسقيك منه؟ قال: بلى، قال: فبعث الرجل إلى بيته، فأتى بقدح [عظيم] ، فأدناه
النبي صلى اللَّه عليه وسلم من فيه ليشربه، فوجد له ريحا [شديدة] فكرهه،
فردّه، [قال:] ودعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بماء، ثم دعا به،
قال: وأتى بماء من زمزم فصبّ عليه، حتى رأيت الماء يفيض من جوانبه، وشرب
منه [حاجته] ، ثم ناوله الّذي عن يمينه، وقال: من أرابه من شرابه ريب،
فليكسره بالماء.
قلت:
وقد خرّج مسلم [ (3) ] وأبو داود [ (4) ] هذا الحديث مختصرا، من حديث
الأعمش، عن أبى صالح، عن جابر [رضى اللَّه عنه] قال: كنا مع النبي صلى
اللَّه عليه وسلم، فاستسقى، فقال رجل: يا رسول اللَّه! ألا نسقيك نبيذا؟
قال:
بلى، قال: فخرج الرّجل يسعى، وقال أبو داود: يشتد، فجاء بقدح فيه نبيذ،
فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ألا خمّرته؟ ولو تعرض عليه [عودا]
.
وقال الخطابي [ (5) ] : غير الأصمعي يقول: تعرضه، بكسر الراء.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (84) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (86) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 193، كتاب الأشربة، باب (11) في شرب
النبيذ وتخمير الإناء، حديث رقم (94) .
[ (4) ] (سنن أبى داود) : 4/ 118، كتاب الأشربة، باب (22) في إيكاء الآنية،
حديث رقم (3734) .
[ (5) ] (معالم السنن) على هامش (سنن أبى داود) .
(7/364)
وأمّا أنه لا يتنفس في الإناء
فخرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث وكيع، عن عروة بن ثابت
الأنصاري، عن ثمامة بن عبيد اللَّه بن أنس، عن أنس [رضى اللَّه عنه قال:]
إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يتنفس في الإناء ثلاثا. ولفظ
البخاري: حدثني ثمامة بن عبد اللَّه قال: كان أنس [رضى اللَّه عنه] يتنفس
في الإناء ثلاثا، وزعم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يتنفس
ثلاثا.
ولمسلم من حديث عبد الوارث بن سعيد، عن أبى عصام، عن أنس رضى اللَّه عنه
قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتنفس في الشراب ثلاثا، ويقول:
إنه أروى، وأبرأ، وأمرأ. قال أنس [رضى اللَّه عنه] فأنا أتنفس في الشراب
ثلاثا [ (3) ] .
وخرّجه أبو داود من حديث هشام، عن أبى عصام، عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال:
إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا شرب تنفس ثلاث، ويقول: هو أهنأ،
وأمرأ، وأبرأ [ (4) ] .
وللترمذي من حديث رشدين بن كريب، عن أبيه، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما]
، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا شرب تنفس
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 114، كتاب الأشربة، باب (26) الشرب بنفسين أو
ثلاثة، حديث رقم (5631) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 210، كتاب الأشربة، باب (16) كراهة
التنفس في نفس الإناء واستحباب التنفس خارج الإناء، حديث رقم (122) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (123) .
[ (4) ] (سنن أبى داود) : 4/ 114، كتاب الأشربة، باب (19) في الساقي متى
يشرب، حديث رقم (3727) .
(7/365)
مرتين [ (1) ] ، ولفظه في (الشمائل) : كان
إذا [شرب تنفس] مرتين [ (2) ] . قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا
من حديث رشدين بن كريب. قال: وسألت عبد اللَّه بن عبد الرحمن عن رشدين بن
كريب، قلت: هو أقوى أو محمد بن كريب؟ فقال: ما أقر بهما ورشدين بن كريب
أرجحهما عندي. قال: وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا فقال: محمد ابن كريب أرجح
من رشدين بن كريب [ (3) ] .
قال أبو عيسى: والقول عندي ما قال [أبو] محمد [عبد اللَّه:] رشدين ابن كريب
أرجح وأكبر، وقد أدرك ابن عباس ورآه، وهما أخوان، وعندهما مناكير [ (3) ] .
قلت: قال ابن معين: ليس بشيء ليس بثقة، ومرة قال: ضعيف الحديث.
وقال السعدي: لا يقرأ حديثه. وقال النسائي: ضعيف. وقال البخاري:
منكر الحديث وفيه نظر. قاله ابن عدىّ [و] قال: [أحاديثه] مقاربة، لم أر
فيها حديثا منكرا جدا، وهو على ضعفه محمد يكتب حديثه.
وروى أبو بكر الشافعيّ من حديث يحيى بن سعيد، عن سعيد بن
__________
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 4/ 268، كتاب الأشربة، باب (14) ما ذكر من الشرب
بنفسين، حديث رقم (1886) .
[ (2) ] (الشمائل المحمدية) : 174، باب (23) ما جاء في صفة شرب رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (212) ، وما بين الحاصرتين في (خ) ، (ج) :
«إذا تنفس شرب» وهو ضعيف الإسناد، وفي إسناده رشدين بن كريب بن أبى مسلم
الهاشمي مولاهم، وهو ضعيف وباقي رجال الإسناد ثقات.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1131، كتاب الأشربة، باب (18) الشرب
بثلاثة أنفاس، حديث رقم (3417) .
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 1/ 468- 469، حديث رقم (2566) ، 1/ 470،
حديث رقم (2573) كلاهما من مسند عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه تعالى
عنهما.
[ (3) ] (سنن الترمذي) : 4/ 268، كتاب الأشربة، تعقيب أبى عيسى الترمذي على
الحديث رقم (1886) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
(7/366)
المسيّب، عن ربيعة بن أكثم قال: كان رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يستاك عرضا، ويشرب مصا، ويقول: هو هو أهنأ
وأمرأ.
وخرّجه أبو جعفر العقيلي في كتاب (الصحابة) ، من حدث اليمان بن عدي الحمصي
قال: حدثني ثابت بن كثير الضبيّ، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب عن
بهز، ومن حديث على بن ربيعة القرشيّ، عن يحيى بن سعيد بن المسيب [عن] ربيعة
بن أكثم.
قال ابن عبد البر: هذان الحديثان: حديث بهز، وحديث ربيعة بن أكثم، ليس
لإسناديهما عن سعيد أصل، وليسا بصحيحين من جهة الإسناد عندهم.
وخرّج ابن حيّان من حديث محمد بن جعفر الوركانى، حدثنا سعيد بن ميسرة،
حدثنا أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] أنه رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم [يشرب جرعة، ثم قطع، ثم سمى، [ثم] جرع، ثم قطع، ثم جرع، ثم قطع، ثم
سمى ثلاثا حتى فرغ، فلما فرغ حمد اللَّه عليه] .
وروى أبو بكر الشافعيّ، من حديث عيسى بن يونس، عن المحلى بن غزوان، عن
شقيق، عن ابن مسعود [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم إذا شرب تنفس على الإناء ثلاثة، يحمد اللَّه على كل نفس، ويشكره عند
آخرهن.
(7/367)
وأمّا إيثاره من على يمينه
فخرج البخاري من حديث شعيب، عن الزهري قال: حدثني أنس بن مالك رضى اللَّه
عنه أنها حلبت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شاة داجن، وهو في دار أنس
بن مالك، وشيب لبنها بماء في البئر التي في دار أنس بن مالك، فأعطى رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم القدح فشرب منه، حتى إذا نزع القدح من فيه،
وعلى يساره أبو بكر رضى اللَّه عنه، وعن يمينه أعرابى،
فقال عمر رضى اللَّه عنه- وخاف أن يعطيه لأعرابى-: أعط أبا بكر يا رسول
اللَّه عندك، فأعطاه الأعرابي الّذي عن يمينه، ثم قال: الأيمن، فالأيمن.
ذكره في كتاب الشرب، في باب: من رأى صدقة الماء، وهبته، ووصيته جائزة، وفي
باب:
شرب الماء باللبن [ (1) ] .
وخرّجه مسلم من حديث سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أنس [رضى اللَّه عنه]
قال: قدم النبي صلى اللَّه عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشر، ومات وأنا ابن
عشرين، وكنّ أمّهاتى يحثثننى على خدمته، فدخل علينا دارنا، فحلبنا له من
شاة داجن، وشيب له من بئر في الدار، فشرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم، فقال له عمر وأبو بكر رضى اللَّه عنهما عن شماله: يا رسول اللَّه،
أعط أبا بكر، فأعطاه أعرابيا عن يمينه وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم: الأيمن فالأيمن [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 92- 93، كتاب الأشربة، باب (14) شرب اللبن
بالماء، حديث رقم (5612) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 212، كتاب الأشربة، باب (17) استحباب
إدارة الماء واللبن ونحوهما عن يمين المبتدئ، حديث رقم (124) .
(7/368)
وخرّج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] وأبو
داود [ (3) ] ، من حديث مالك عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك، أن رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم، أتى بلبن قد شيب بماء، وعن يمينه أعرابىّ، وعن يساره
أبو بكر رضى اللَّه عنه، فشرب، ثم أعطى الأعرابي وقال الأيمن فالأيمن ترجم
عليه البخاري باب: الأيمن فالأيمن في الشرب. وذكره في أول كتاب الهبة، من
حديث إسماعيل بن جعفر، وسليمان بن بلال، عن أبى طوالة عبد اللَّه بن عبد
الرحمن بن حزم، عن أنس [رضى اللَّه عنه] بمعنى ما تقدم، وفي آخره ألا
فيمّنوا، الأيمنون، الأيمنون،
قال أنس: فهي سنّة، فهي سنّة، فهي سنّة [ (4) ] ، وهو مما اتفقا عليه من
حديث سليمان بن بلال، عن أبى طوالة.
[قال الحافظ أبو نعيم: وهو صحيح متفق عليه، رواه عن الزهري صالح ابن كيسان،
وعبيد اللَّه بن عمر، وابن جريج، ومعمر، والأوزاعي، ويزيد بن أبى حبيب،
والزبيدي، وشعيب، وعقيل، ويونس، وقرة، وإسحاق بن راشد، والنعمان بن راشد،
وأبو أويس، ويوسف بن الماجشون، وعبيد اللَّه ابن أبى زياد، وسفيان بن حسين،
وزكريا بن إسحاق، وصالح بن الأخضر، وزمعة بن صالح، [] ، وعبد الرحمن بن
إسحاق] [ (5) ] .
قال ابن عبد البر: ولم تختلف الرواة عن مالك في إسناده [هذا]
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 105، كتاب الأشربة، باب (18) الأيمن فالأيمن في
الشرب، حديث رقم (5619) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 211، كتاب الأشربة، باب (17) استحباب
إدارة الماء واللبن ونحوهما عن يمين المبتدئ، حديث رقم (124) .
[ (3) ] (سنن أبى داود) : 4/ 113- 114، كتاب الأشربة، باب (19) في الساقي
متى يشرب، حديث رقم (3726) .
[ (4) ] (فتح الباري) : 5/ 252، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (4)
من استسقى، حديث رقم (2571) .
[ (5) ] ما بين الحاصرتين سقط في (ج) .
(7/369)
الحديث ولا في ألفاظه فيما علمت، وقد رواه
ابن عيينة عن ابن شهاب فأحسن سياقته، وذكر فيه ألفاظا لم يذكرها مالك، فذكر
حديث سفيان الّذي خرجه مسلم، ثم قال: وقد روى هذا الحديث محمد بن الوليد
البشرى، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن مالك، عن الزهري، عن أنس، مثل رواية ابن
عيينة عن الزهري سواء، وزاد فيه: وقال الأيمن فالأيمن، فمضت سنّة.
قال الدار قطنى: ولم يرو أحد هذا الحديث بهذه الألفاظ، إلا البسري عن ابن
مهدي، عنه، وإن كان حفظ فقد أغرب بألفاظ عدد ليست في الموطأ، منها قوله:
قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشر سنين، ومات
وأنا ابن عشرين، وكن أمهاتى يحتثثننى على خدمته، فدخل النبي [عليه السلام]
دارنا، فحلبنا له من شاة لنا داجن، فكل هذه الألفاظ ليست في الموطأ، وقوله
أيضا: وعمر ناحية، فقال: أعط أبا بكر، ليست في الموطأ، وقوله:
فمضت سنة، ليست في الموطأ، ولا في حديث ابن عيينة أيضا، وسائر الألفاظ كلها
محفوظة عن ابن عيينة، عن الزهري، عن أنس [رضى اللَّه عنه] .
وقد بلغني عن بعض من تكلف الكلام في هذا الشأن أنه قال: الأعرابيّ في هذا
الحديث: هو خالد بن الوليد! وهذا منه إغفال شديد، وإقدام على القول بالظن،
الّذي هو أكذب الحديث، أو تقليد لمن سلك سبيله في ذلك، ووهم بيّن، وغلط
واضح من وجهين:
أحدهما: أن الأعرابي كان عن يمين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حديث
أنس هذا، وخالد بن الوليد كان في قصة ابن عباس عن يسار رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم، وابن عباس عن يمينه.
والآخر: أنه اشتبه عليه حديث سهل بن سعد في الأشياخ مع
(7/370)
الغلام، مع حديث أنس في أبى بكر والأعرابي
وإنما دخلت الشبهة في ذلك- واللَّه أعلم- لأن في حديث سهل: وعن يمينه غلام،
وعن يساره الأشياخ، والأشياخ أحدهم خالد بن الوليد. وقصة ابن عباس وخالد،
غير قصة أبى بكر والأعرابي، وحديث أنس غير حديث سهل بن سعد، فقف على ذلك،
ولا تلتفت إلى ما سواه.
انتهى.
وحديث سهل الّذي أشار إليه الدار قطنى، خرّجه البخاري ومسلم من حديث مالك،
عن أبى حازم سلمة بن دينار، عن سهل بن سعد الساعدي رضى اللَّه عنه، [قال:]
إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أتى بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام،
وعن يساره أشياخ، فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطى [هؤلاء] ؟
فقال الغلام: لا، واللَّه لا أؤثر نصيبي منك أحدا، فتلّه رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم في يده. اللفظ لمسلم [ (1) ] .
وذكره البخاري في كتاب الهبة، في باب: الهبة المقبوضة وغير المقبوضة [ (2)
] ، وذكره مسلم من حديث عبد العزيز بن أبى حازم، ويعقوب ابن عبد الرحمن
القاري، كلاهما عن أبى حازم بمثله، ولم يقولا: فتلّه، ولكن في رواية يعقوب
قال: فأعطاه إيّاه [ (3) ] .
وذكره البخاري في الأشربة، وفي المظالم من حديث مالك عن أبى حازم ترجم عليه
في الأشربة، باب: هل يستأذن الرجل من عن يمينه في
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 214، كتاب الأشربة، باب (17) استحباب
إدارة الماء واللبن ونحوهما عن يمين المبتدئ، حديث رقم (127) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 5/ 282، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب
(23) الهبة المقبوضة وغير المقبوضة، والمقسومة وغير المقسومة، حديث رقم
(2605) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 214- 215، كتاب الأشربة، باب (17)
استحباب إدارة الماء واللبن ونحوهما عن يمين المبتدئ، حديث رقم (128) .
(7/371)
الشرب [ (1) ] ، وترجم عليه في المظالم
باب: إذا أذن له أو أجلّه ولم يبين كم هو [ (2) ] . وذكره في الهبة في باب:
هبة الواحد للجماعة، وقال فيه: وقال للغلام: إن أذنت لي أعطيت هؤلاء، فقال:
ما كنت أوثر بنصيبي منك يا رسول اللَّه أحدا فتلّه في يده [ (3) ] .
وذكره في أول كتاب الشرب في باب: من رأى صدقة الماء وهبته ووصيته جائزة،
مقسوما كان أو غير مقسوم، من حديث أبى غسّان، حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد
قال: أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بقدح فشرب منه، وعن يمينه غلام أصغر
القوم، والأشياخ عن يساره، فقال: يا غلام! أتأذن أن أعطى الأشياخ؟ قال: ما
كنت لأوثر بفضلي منك أحدا يا رسول اللَّه، فأعطاه إياه [ (3) ] .
وذكره في باب: من رأى أن صاحب الحوض والقربة أحق بمائه، من حديث عبد العزيز
عن أبى حازم، عن سهل عن سعد.. الحديث بمثل حديث أبى غسان، غير أنه قال: وهو
أحدث القوم، وقال: أتأذن لي، وقال لا أؤثر بنصيبي [ (3) ] .
قال ابن عبد البر: وقد ذكر حديث مالك عن أبى حازم المتقدم ذكره، روى ابن
أبى حازم هذا الحديث، عن أبيه فقال فيه: وعن يساره أبو بكر رضى اللَّه عنه،
ثم ساق معنى حديث مالك سواء، وذكر أبى بكر في هذا الحديث عندهم خطأ، وإنما
هو محفوظ في حديث ابن شهاب.
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 106، كتاب الأشربة، باب (19) هل يستأذن الرجل
من عن يمينه في الشرب ليعطي الأكبر؟ حديث رقم (5620) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 5/ 129- 130، كتاب المظالم، باب (12) إذا أذن له أو
أحله ولم يبين كم هو، حديث رقم (2451) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (22) هبة
الواحد للجماعة، حديث رقم (2602) باختلاف يسير في اللفظ.
(7/372)
وذكر من طريق أبى عيسى الترمذي، حديث على
بن زيد، عن عمرو ابن أبى حرملة، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] قال: دخلت
أنا وخالد ابن الوليد رضى اللَّه عنه مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
على ميمونة، فجاءتنا بإناء من لبن، فشرب رسول اللَّه [صلى اللَّه عليه
وسلم] وأنا عن يمينه، وخالد عن شماله، فقال لي:
الشربة لك، وإن شئت أمرت بها خالدا: فقلت: ما كنت لأؤثر بسؤرك أحدا، ثم قال
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: من أطعمه اللَّه طعاما فليقل: اللَّهمّ
بارك لنا فيه، وزدنا منه، وقال صلى اللَّه عليه وسلم: ليس بشيء يجزئ مكان
الطعام والشراب غير اللبن [ (1) ] .
قال ابن عبد البرّ: والشراب المذكور في هذا الحديث- يعنى حديث مالك عن أبى
حازم- كان لبنا.
وذكر من طريق قاسم بن أصبغ، حديث إسماعيل بن جعفر قال:
أخبرنى أبو حازم، عن سهل بن سعد قال: أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
بقدح من لبن، وغلام عن يمينه، والأشياخ أمامه وعن يساره، فشرب رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم ثم قال للغلام: يا غلام! أتأذن لي أن أسقى الأشياخ؟
قال: ما أحب أن أؤثر بفضل شربتك على نفسي أحدا من الناس، فناوله رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وترك الأشياخ.
قال: والغلام المذكور في هذا الحديث هو ابن عباس، والأشياخ:
خالد بن الوليد، أو منهم خالد بن الوليد.
وذكر من حديث إسماعيل بن زكريا الخلقاني أبو زياد، عن سفيان، عن على بن
زيد، عن يوسف بن مهران عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] قال:
__________
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 472- 473، كتاب الدعوات، باب (55) ما يقول إذا
أكل طعاما، حديث رقم (3455) ، وقال: هذا حديث حسن، وروى بعضهم هذا الحديث
عن على بن زيد فقال: عن عمر بن حرملة. وقال بعضهم: عمرو بن حرملة، ولا يصح.
وأخرجه الترمذي أيضا في (الشمائل) : 170، باب (31) ما جاء في صفة شراب رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (206) ، وهو حديث حسن، وقد سبق
تخريجه.
(7/373)
أتى النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم بقعب من
لبن، فشرب منه، وابن عباس عن يمينه، وخالد بن الوليد عن يساره، فقال: يا
ابن عباس! إن الشربة لك، فإن شئت أن تؤثر بها خالدا، فقلت: ما أؤثر بسؤرك
عليّ أحدا.
وقد روى الحميدىّ الحديث عن سفيان، فخالف في إسناده الخلقاني، والحميدىّ
أثبت منه.
وذكر حديث الترمذي، أخبرنا الحميدي، أخبرنا سفيان، أخبرنا على بن زيد بن
جدعان، عن عمر بن حرملة، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنه] قال:
دخلت مع رسول اللَّه على خالتي ميمونة، ومعنا خالد بن الوليد، فقالت له
ميمونة: ألا نقدم إليك يا رسول اللَّه شيئا أهدته لنا أم حفيد؟ قال: بلى،
فأتته بضباب مشوية، فلما رآها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، تفل ثلاث
مرات، ولم يأكل منها، وأمرنا أن نأكل، ثم أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم. بإناء فيه لبن، فشرب، وأنا عن يمينه، وخالد عن يساره، فقال لي رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: الشربة لك يا غلام، وإن شئت آثرت بها خالدا،
فقلت: ما كنت لأؤثر بسؤر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أحدا، ثم قال:
من أطعمه اللَّه طعاما فليقل: اللَّهمّ بارك لنا فيه [وأبدلنا ما هو خير
منه، ومن سقاه اللَّه لبنا فليقل: اللَّهمّ بارك لنا فيه وزدنا منه] ،
فإنّي لا أعلم شيئا يجزئ من الطعام والشراب غيره [ (1) ] . قال: ورواه
شعبة، عن عمرو بن حرمل، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنه] مثله.
وقال أبو داود الطيالسي: كذا قال لي شعبه وغيره، يقول عمر بن حرملة، وقال
الترمذي: اختلف الناس في رواية هذا الحديث، عن على بن زيد بن جدعان، وروى
بعضهم عن على بن زيد، عن عمر بن أبى حرملة، وروى بعضهم [عن] شعبة، عن على
بن زيد، عن عمرو بن حرملة،
__________
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 1/ 225- 226، حديث رقم (482) ، وأخرجه أبو داود في
(السنن) : 4/ 116، كتاب الأشربة، باب (21) ما يقول إذا شرب اللبن، حديث رقم
(3730) .
(7/374)
والصحيح: عمر بن أبي حرملة.
وأما شربه آخر أصحابه
فخرج ابن حيّان من حديث يزيد الرقاشيّ، عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: كان
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يسقى أصحابه، قالوا: يا رسول اللَّه! لو
شربت، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: ساقى القوم آخرهم شربا [ (1) ] .
وقد خرّج أبو بكر بن أبى شيبة [ (2) ] ، وأبو داود [ (3) ] هذا الحديث من
طريق شعبة، عن أبى المختار الأسدي، عن ابن أبى أوفى، أن النبي صلى اللَّه
عليه وسلم قال: ساقى القوم آخرهم شربا.
وخرّجه الترمذي [ (4) ] والنسائي [ (5) ] ، من حديث حماد بن زيد، عن ثابت
__________
[ (1) ] (الأمثال في الحديث النبوي لأبى الشيخ) : 320، حديث رقم (182) من
حديث عبد اللَّه بن رباح عن أبى قتادة، و (أخلاق النبي) : ص 242.
[ (2) ] (مصنف ابن أبى شيبة) : 5/ 110، كتاب الأشربة، باب (46) ساقى القوم،
حديث رقم (24216) ،
وأخرجه أيضا من حديث سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن عبد اللَّه بن رباح عن
أبى قتادة، حديث رقم (24217) ولفظه: «ساقى القوم آخرهم شربا» .
[ (3) ] (سنن أبى داود) : 4/ 113، كتاب الأشربة، باب (19) في الساقي متى
يشرأب، حديث رقم (3725) .
[ (4) ] (سنن الترمذي) : 4/ 271، كتاب الأشربة، باب (20) ما جاء أن ساقى
القوم آخرهم شربا، حديث رقم (1894) ، قال: وفي الباب عن ابن أبى أوفى، قال:
أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
[ (5) ] أخرجه النسائي في (الكبرى) : الوليمة، باب متى يشرب ساقى القوم؟.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1135، كتاب الأشربة، باب (26) ساقى القوم
آخرهم شربا، حديث رقم (3434) .
وأخرجه ابن حيّان في (المثال في الحديث النبوي) : 220، حديث رقم (181) ، عن
عبد اللَّه ابن رباح، عن أبى قتادة: «ساقى القوم آخرهم» ورقم (183) مثله،
(184) ، (185) ، (186) ، (187) بأسانيد مختلفة.
(7/375)
البناني، عن عبد اللَّه بن رباح، عن أبى
قتادة [رضى اللَّه عنه] ، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: ساقى القوم
آخرهم يعنى شربا. ولم يقل النسائي: يعنى شربا.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ولم أر تلك الزيادة إلا في ما خرّجه ابن
حبان.
وأما شربه صلى اللَّه عليه وسلم قائما وقاعدا
فخرج البخاري من حديث مسعر [عن] عبد الملك، بن ميسرة، عن النزّال، قال: أتى
عليّ رضى اللَّه عنه باب الرّحبة، فشرب قائما، فقال: إن ناسا يكره أحدهم أن
يشرب. وهو قائم، وإني رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فعل كما
رأيتموني فعلت [ (1) ] .
ومن حديث شعبه، [حدثنا عبد الملك بن ميسرة، سمعت النّزال بن سبرة، يحدث عن
على بن أبى طالب [رضى اللَّه عنه] أنه صلى الظهر، ثم قعد في حوائج الناس في
رحبة الكوفة، حتى حضرت صلاة العصر، ثم أتى بماء، فشرب [فضلة وهو قائم، وغسل
وجهه ويديه، وذكر رأسه ورجليه، ثم
__________
[ () ] وأخرجه ابن حبّان في (صحيح) : 12/ 154- 155، كتاب الأشربة، باب (1)
آداب الشرب، ذكر الأمر للقوم إذا اجتمعوا على ماء وأراد أحدهم أن يسقيهم أن
يبدأ حتى يكون هو آخرهم شربا، حديث رقم (5338) من حديث عبد اللَّه بن رباح
عن أبى قتادة،
قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «ساقى القوم آخرهم» .
وأخرجه الإمام مسلم في (الصحيح) : 5/ 193، كتاب المساجد ومواضع الصلاة
فيها، باب (55) قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، حديث رقم (681)
، وفيه:
قال صلى اللَّه عليه وسلم: «إن ساقى القوم آخرهم شربا» ،
قال الإمام النووي: فيه هذا الأدب من آداب شاربى الماء واللبن ونحوهما وفي
معناه ما يفرق على الجماعة من المأكول، كلحم وفاكهة وشموم وغير ذلك،
واللَّه تعالى أعلم (مسلم بشرح النووي) .
[ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 99- 100، كتاب الأشربة، باب (16) الشرب قائما،
حديث رقم (5615) .
(7/376)
قام، فشرب فضلة وهو قائم] ثم قال: أناسا
يكرهون الشرب قائما، وإن النبي صلى اللَّه عليه وسلم صنع مثل ما صنعت [ (1)
] . ذكرهما في الأشربة، في باب الشرب قائما.
وذكر في الحج في باب: ما جاء في زمزم، حديث عاصم عن الشعبي، أن ابن عباس
[رضى اللَّه عنهما] حدثه قال: سقيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من
زمزم، فشرب وهو قائم، فحلف عكرمة، ما كان صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ إلا
على بعير [ (2) ] . وذكره مسلم في الأطعمة، ولم يقل: قال عاصم.. إلى آخره [
(3) ] .
وذكره البخاري في الأشربة، ولفظه عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] قال: شرب
النبي صلى اللَّه عليه وسلم قائما من زمزم [ (4) ] ، ولفظ مسلم: أن النبي
صلى اللَّه عليه وسلم شرب من زمزم من دلو منها وهو قائم [ (5) ] . وفي لفظ:
أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شرب من زمزم وهو قائم [ (6) ] . وفي
آخر: سمع ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] [يقول] :
سقيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من زمزم، فشرب قائما، واستسقى صلى
اللَّه عليه وسلم وهو عند البيت [ (7) ] .
ولأبى بكر بن أبى شيبة، من حديث محمد بن فضيل، عن عطاء بن [المسيب] ، عن
ميسرة قال: رأيت عليا رضى اللَّه عنه يشرب قائما، فقلت
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (5616) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 3/ 629، كتاب الحج، باب (76) ما جاء في زمزم، حديث
رقم (1637) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 208، كتاب الأشربة، باب (15) في الشرب من
زمزم قائما، حديث رقم (117) .
[ (4) ] (فتح الباري) : 10/ 100، كتاب الأشربة، باب (16) الشرب قائما، حديث
رقم (5617) .
[ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 208- 209، كتاب الأشربة، باب (15) في
الشرب قائما، حديث رقم (118) .
[ (6) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (119) .
[ (7) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (120) .
(7/377)
له: تشرب قائما! فقال: لئن شربت قائما، لقد
رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شرب قائما، ولئن شربت قاعدا، فلقد
رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يشرب قاعدا [ (1) ] .
وللترمذي من حديث حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: رأيت
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يشرب قائما وقاعدا. قال أبو عيسى: هذا
حديث حسن [صحيح] [ (2) ] .
ولابن حيّان من حديث مكحول، أن مسروقا حدثهم عن عائشة رضى اللَّه عنها، أن
النبي صلى اللَّه عليه وسلم شرب قاعدا، وقائما، وصلى حافيا، ومنتعلا،
وانصرف عن يمينه، وعن شماله [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (مصنف ابن أبى شيبة) : 5/ 99- 100، كتاب الأشربة، باب (25) من رخّص
في الشرب قائما، حديث رقم (24099) .
[ (2) ] (سنن الترمذي) : 4/ 266- 267، كتاب الأشربة، باب (12) ما جاء في
الرخصة في الشرب قائما، حديث رقم (1883) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق
منه.
[ (3) ] (أخلاق النبي) : 225، والحديث أخرجه كل من: الإمام أحمد في
(المسند) : 2/ 36، حديث رقم (6590) ، 2/ 372- 373، حديث رقم (6622) ، 2/
374، حديث رقم (6641) ، 2/ 392، حديث رقم (6744) ، 2/ 419، حديث رقم (6889)
، 2/ 434، حديث رقم (6982) ، وكلها شواهد يصح بها هذا الحديث، والبيهقي في
(السنن الكبرى) ، 2/ 431، من طريق آخر عن عائشة رضى اللَّه عنها.
وذكر الشيخ الألباني في (السلسلة الصحيحة) : 1/ 288، حديث رقم (177) ، ثم
قال:
وظاهر النهى في هذه الأحاديث يفيد تحريم الشرب قائما بلا عذر، وقد جاءت
أحاديث كثيرة أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم شرب قائما، فاختلف العلماء في
التوفيق بينها، والجمهور على أن النهى للتنزيه، والأمر بالاستقاء
للاستحباب.
وخالفهم ابن حزم، فذهب إلى التحريم، ولعل هذا هو الأقرب للصواب، فإن القول
بالتنزيه لا يساعد عليه لفظ «زجر» ، ولا الأمر بالاستقاء، لأنه- أعنى
الاستقاء-، فيه مشقة شديدة على الإنسان، وما أعلم أن في الشريعة مثل هذا
التكليف كجزاء لمن تساهل بأمر مستحب، وكذلك قوله:
«قد شرب معك الشيطان» فيه تنفير شديد عن الشرب قائما، وما إخال ذلك يقال في
ترك مستحب.
وأحاديث الشرب: قائما يمكن أن تحمل على العذر كضيق المكان، أو كون القربة
معلقة، وفي بعض الأحاديث الإشارة إلى ذلك. واللَّه تعالى أعلم. (المرجع
السابق) : 289.
(7/378)
وللترمذي في (الشمائل) ، من حديث سفيان، عن
يزيد بن يزيد بن جابر، عن عبد الرحمن بن أبى عمرة، عن جدته كبشة، قالت: دخل
عليّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فشرب من [فىّ] قربة معلقة قائما،
فقمت إلى فيها فقطعته [ (1) ] .
ومن حديث ابن جريج، عن عبد الكريم، عن البراء بن زيد بن بنت أنس ابن مالك
أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم دخل وقربة معلقة، فشرب من فم القربة، وهو
قائم، فقامت أم سليم إلى رأس القربة فقطعتها [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (الشمائل المحمدية) : 175، باب (32) ما جاء في صفة شرب رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (213) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق من
(سنن الترمذي) : 4/ 270، كتاب الأشربة، باب (18) ما جاء في الرخصة في الشرب
قائما، حديث رقم (1892) ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب، ويزيد بن
يزيد بن جابر هو أخو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وهو أقدم منه موتا.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1132، كتاب الأشربة، باب (21) الشرب
قائما، حديث رقم (3423) ، وفيه: «فقطعت فم القربة، تبتغي بركة موضع في رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم» .
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 7/ 587، حديث رقم (26902) ، وقال وقرئ
عليه هذا الحديث- يعنى سفيان- سمعت يزيد عن عبد الرحمن بن أبى عمرة عن جدتى
وهي كبيشة [بيت ثابت أخت حسان] . (التهذيب) .
والحميدي في (المسند) : 1/ 172، حديث رقم (354) ، وأخرجه ابن حبان في
(صحيحه) :
12/ 138- 139، كتاب الأشربة، باب (1) آداب الشرب، ذكر إباحة شرب الماء إذا
كان قائما، حديث رقم (5318) .
قال الإمام النووي في (شرح مسلم) : 13/ 205- 206، كتاب الأشربة، باب (13)
آداب الطعام والشراب وأحكامهما في شرح الحديث رقم (110) بعد أن ذكر حديث
كبيشة، قال:
وقطعها لفم القربة فعلته لوجهين: أحدهما: أن تصون موضعا أصابه فم رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن أن يبتذل ويمسّه كل أحد.
والثاني: أن تحفظه للتبرك به والاستشفاء، واللَّه تعالى أعلم. فهذا الحديث
يدل على أن النهى ليس للتحريم. واللَّه تعالى أعلم.
[ (2) ] (الشمائل المحمدية) : 176- 177، حديث رقم (215) وهو حديث صحيح
لغيره، تفرد به الترمذي، وله ما يشهد لصحته من طرق آخر.
(7/379)
|