إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع

فصل في طب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
[ (1) ]
__________
[ (1) ] قال العلامة ابن القيم: المرض نوعان: مرض القلوب، ومرض الأبدان، وهما مذكوران في القرآن.
ومرض القلوب نوعان: مرض شبهة وشك، ومرض شهوة وغىّ، وكلاهما في القرآن.
قال تعالى في مرض الشبهة: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً [البقرة: 10] ، وقال تعالى:
وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا [المدثر: 31] .
وقال تعالى في حق من دعي إلى تحكيم القرآن والسنة، فأبى وأعرض: وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ* وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ* أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [النور: 48- 50] ، فهذا مرض الشبهات والشكوك.
وأما مرض الشهوات فقال تعالى: يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب: 32] ، فهذا مرض شهوة الزنى، واللَّه تعالى أعلم.
وأما مرض الأبدان، فقال تعالى: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ* [النور: 61] ، وذكر مرض البدن في الحج والصوم والوضوء لسرّ بديع يبين لك عظمة القرآن، والاستغناء به لمن فهمه وعقله عن سواه، وذلك أن قواعد طب الأبدان ثلاثة: حفظا للصحة، والحمية عن المؤذي، واستفراغ المواد الفاسدة. فذكر سبحانه هذه الأصول الثلاثة في هذه المواضع الثلاثة:
فقال في آية الصوم: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 184] ، فأباح الفطر للمريض لعذر المرض، وللمسافر طلبا لحفظ صحته وقوته، لئلا يذهبها الصوم في السفر، لاجتماع شدة الحركة، وما يوجبه من التحليل، وعدم الغذاء الّذي يخلف ما تحلل، فتخور القوة، وتضعف، فأباح للمسافر الفطر، حفظا لصحته وقوته عما يضعفها.
وقال في آية الحج: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة: 196] ، فأباح للمريض، ومن به أذى من رأسه، من قمل، أو حكّة، أو غيرهما، أن يحلق رأسه في الإحرام، استفراغا لمادة الأبخرة الرديئة التي أوجبت له الأذى في رأسه باحتقانها تحت الشعر، فإذا حلق رأسه، تفتحت المسام، فخرجت تلك الأبخرة منها.
فهذا الاستفراغ يقاس عليه كل استفراغ يؤذى احتباسه، والأشياء التي يؤذى انحباسها ومدافعتها عشرة: الدم إذا هاج، والمنى إذا تبيّغ، والبول، والغائط، والريح، والقيء، والعطاس، والنوم، والجوع، والعطش. وكل واحد من هذه العشرة يوجب حبسه داء من الأدواء بحبسه.
وقد نبه سبحانه باستفراغ أدناها، وهو البخار المحتقن في الرأس، على استفراغ ما هو أصعب منه

(7/380)


اعلم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مرض، وسحر، واحتجم، وتداوى، وسمّ ورقا.
__________
[ () ] كما هي طريقة القرآن في التنبيه بالأدنى على الأعلى.
وأما الحمية: فقال تعالى في آية الوضوء: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً* [النساء: 43] ، فأباح للمريض العدول عن الماء إلى التراب حمية له أن يصيب جسده ما يؤذيه، وهذا تنبيه على الحمية عن كل مؤذ له من داخل أو خارج، فقد أرشد- سبحانه- عباده إلى أصول الطب ومجامع قواعده، ونحن نذكر هدى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ونبين أن هديه فيه أكمل هدى.
فأما طبّ الأبدان فإنه نوعان:
نوع قد فطر اللَّه عليه الحيوان ناطقه وبهيمة، فهذا لا يحتاج فيه إلى معالجة طبيب، كطب الجوع، والعطش، والبرد والتعب بأضدادها وما يزيلها.
والثاني: ما يحتاج إلى فكر وتأمل، كدفع الأمراض المتشابهة الحادثة في المزاج، بحيث يخرج بها عن الاعتدال، إما إلى حرارة، أو برودة، أو يبوسة، أو رطوبة، أو ما يتركب من اثنين منها.
فالطبيب هو الّذي يفرق بين ما يضر بالإنسان جمعه، أو يجمع فيه ما يضره تفرقه، أو ينقص منه ما يضره زيادته، أو يزيد فيه ما يضره نقصه، فيجلب الصحة المفقودة، أو يحفظها بالشكل والشبه، ويدفع العلة الموجودة بالضد والنقيض، ويخرجها، أو يدفعها بما يمنع من حصولها بالحمية.
فكان من هديه صلى اللَّه عليه وسلم فعل التداوي في نفسه، والأمر به لمن أصابه مرض من أهله وأصحابه، ولكن لم يكن من هديه صلى اللَّه عليه وسلم ولا هدى أصحابه استعمال هذه الأدوية المركبة، التي تسمى: أقرباذين، بل كان غالب أدويتهم بالمفردات، وربما أضافوا إلى المفرد ما يعاونه، أو يكسر سورته، وهذا غالب طب الأمم على اختلاف أجناسها من العرب والترك، وأهل البوادي قاطبة، وإنما عنى بالمركبات الروم واليونان، وأكثر طب الهند بالمفردات.
وقد اتفق الأطباء على أنه متى أمكن التداوي بالغذاء لا يعدل عنه إلى الدواء، ومتى أمكن بالبسيط لا يعدل عنه بالمركب. قالوا وكل داء قدر على دفعه بالأغذية والحمية، لم يحاول دفعه بالأدوية.
وفي
قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «لكل داء دواء»
تقوية لنفس المريض والطبيب، وحث على طلب ذلك الدواء والتفتيش عليه، فإن المريض إذا استشعرت نفسه أن لدائه دواء يزيله، تعلق قلبه بروح الرجاء، وبردت عنده حرارة اليأس، وانفتح له باب الرجاء.
وكذلك الطبيب إذا علم أن لهذا الداء دواء أمكنه طلبه والتفتيش عليه، وأمراض الأبدان على وزن أمراض القلوب، وما جعل اللَّه للقلب مرضا إلا جعل له شفاء بضده، فإن علمه صاحب الداء واستعمله، وصادف داء قلبه، أبرأه بإذن اللَّه تعالى. (زاد المعاد) : 4/ 5- 17، مختصرا.

(7/381)


أما طبّه صلى اللَّه عليه وسلم
فخرج النسائي والدولابي من حديث محمد بن يوسف، عن سفيان، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن عبد اللَّه بن مسعود، رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما أنزل اللَّه داء إلا أنزل له دواء.
وقال الدولابي: شفاء، فعليكم بألبان البقر، فإنّها ترم من كل الشجر.
وقال النسائي: خالفه عبد الرحمن وذكر حديث عبد الرحمن، عن سفيان، عن يزيد، عن قيس بن مسلم، عن طارق قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إن اللَّه لم يضع داء إلا وضع له شفاء، وعليكم بألبان البقر، فأمر بها وقال: إنها دواء من كل داء.
فهذه ثلاثة أحاديث: أولها: مسند، والثاني: مرسل، والثالث: موقوف على ابن مسعود [ (1) ] . وخرّجه ابن حبان، عن سفيان به [ (2) ] .
__________
[ (1) ]
أخرجه الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) : 3/ 437- 438، من حديث الأعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه، وابن أبى شيبة في (المصنف) : 5/ 30، كتاب الطب، باب (1) من رخص في الدواء والطب، حديث رقم (23404) ، وفيه: «إن اللَّه تبارك وتعالى لم ينزل داء إلا أنزل معه شفاء» ، وحديث رقم (23405) ، وفيه: «إن اللَّه حيث خلق الداء خلق الدواء فتداووا» ،
وحديث رقم (23406) ، وفيه: «ما أنزل اللَّه من داء إلا أنزل له شفاء» ، وحديث رقم (23407) ، وفيه: «تداووا عباد اللَّه فإنّ اللَّه لم يضع داء إلا وضع معه شفاء إلا الهرم.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1138، كتاب الطب، باب (1) ما أنزل اللَّه داء إلا أنزل شفاء، حديث رقم (3438) ، (3439) .
[ (2) ]
(الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 13/ 427، كتاب الطب، ذكر الأمر بالتداوى، إذ اللَّه جلّ وعلا لم يخلق داء إلا خلق له دواء خلا شيئين، حديث رقم (6061) من حديث، حدثنا زياد ابن علاقة، سمع أسامة بن شريك يقول: شهدت النبي صلى اللَّه عليه وسلم والأعراب يسألونه: يا رسول اللَّه، هل علينا جناح في كذا- مرتين- فقال: «عباد اللَّه، وضع اللَّه الحرج إلا امرؤ اقترض من عرض أخيه شيئا، فذلك الّذي حرج» ، قالوا: يا رسول اللَّه، فهل علينا جناح أن نتداوى؟ فقال: «تداووا عباد اللَّه، فإنّ اللَّه لم يضع داء إلا وضع له دواء» . قالوا: يا رسول اللَّه، فما خير ما أعطى العبد؟ قال: خلق حسن» قال

(7/382)


__________
[ () ] سفيان [بن عيينة] : ما على وجه الأرض اليوم إسناد أجود من هذا.
وفي باب ذكر الإخبار عن إنزال اللَّه لكل داء دواء يتداوى به، حديث رقم (6062) ، وهو حديث ابن مسعود رضى اللَّه تعالى عنه.
وفي باب ذكر الإخبار بأن العلة التي خلقها اللَّه جل وعلا إذا عولجت بدواء غير دوائها لم تبرأ حتى تعالج به، حديث رقم (6063) ، عن جابر عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: «إن لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن اللَّه» .
وفي باب ذكر وصف الشيئين اللذين لا دواء لهما، حديث رقم (6064) ، عن أسامة بن شريك، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: تداووا، فإن اللَّه لم ينزل داء إلا وقد أنزل له شفاء، إلا السام والهرم،
وهو حديث إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، غير أن أسامة بن شريك لم يخرج له الشيخان، وحديثه عند أصحاب السنن.
وفي باب ذكر خبر أوهم غير المتبحّر في صناعة العلم أن ألبان البقر نافعة لكل من به علة من العلل، حديث رقم (6075) من حديث عبد اللَّه بن مسعود قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «ما أنزل اللَّه داء إلا أنزل له دواء، فعليكم بألبان البقر، فإنّها ترمّ من كل الشجر»
إسناده صحيح، ورجاله ثقات.
وحديث رقم (23408) ، وفيه: «إن اللَّه لم ينزل داء- أو لم يخلق داء- إلا وقد أنزل- أو خلق- له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله إلا السّام» قالوا: يا رسول اللَّه! وما السام؟ قال: «الموت» ،
وحديث رقم (2341) ، وفيه: «أنّ رجلا من أسلم أصابه جرح، فاحتقن الدم، وأنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دعا له رجلين من بنى أنمار فقال: «أيكما أطبّ؟» فقال رجل: يا رسول اللَّه، أفي الطب خير؟ فقال صلى اللَّه عليه وسلم: «إن الّذي أنزل الداء أنزل الدواء» ،
وحديث رقم (23411) ، عن أبى قلابة قال: وَقِيلَ مَنْ راقٍ [القيامة: 27] قال: من طبيب، وحديث رقم (23412) عن أبى قلابة، عن كعب قال: إن اللَّه يقول: أنا الّذي أصح وأداوى» .
وخرج أبو عبد اللَّه الحاكم في (المستدرك) : 4/ 441، كتاب (48) الطب، حديث رقم (8205) : «إنّ اللَّه عزّ وجلّ لم ينزل داء إلا وأنزل له شفاء علمه من علمه، وجهله من جهله» ، ثم قال:
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
وحديث رقم (8206) . وفيه: «نعم تداووا عباد اللَّه، فإن اللَّه تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد» ، قالوا: يا رسول اللَّه وما هو؟ قال: «الهرم» قالوا: يا رسول اللَّه ما خير ما أعطى الإنسان؟ قال: «خلق حسن» ،
ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد، فقد رواه عشرة من أئمة المسلمين وثقاتهم عن زياد بن علاقة، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح، رواه عشرة من أئمة المسلمين عن زياد.
وحديث رقم (8224) : «عليكم بألبان البقر فإنّها ترم من كل شجر وهو شفاء من كل داء» ،

(7/383)


وأما حمية المريض
خرّج أبو داود من حديث فليح بن سليمان، عن أيوب بن عبد الرحمن ابن صعصعة [الأنصاري] ، عن يعقوب بن أبى يعقوب، عن أم المنذر بنت
__________
[ () ] ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التخليص) : صحيح.
وأخرجه العلاء الهندي في (كنز العمال) : 10/ 4- 8، كتاب الطب والرقى والطاعون، من طرق وبسياقات مختلفة، الأحاديث أرقام (28077) إلى (28099) .
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) 1/ 623، حديث رقم (3568) من حديث عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه تعالى عنه، 2/ 36، حديث رقم (4322) من حديث عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه تعالى عنه.
وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 335، كتاب الطب، باب (2) ما جاء في الدواء والحث عليه، حديث رقم (2038) من حدث أبى عوانة، عن زياد بن علاقة، عن أسامة بن شريك، قال أبو عيسى: وفي الباب عن ابن مسعود وأبى هريرة، وأبى خزامة عن أبيه وابن عباس، وهذا حديث حسن صحيح.
وأخرجه أبو داود في (السنن) : 4/ 192، كتاب الطب، باب (1) في الرجل يتداوى، حديث رقم (3855) . قال الشيخ: في الحديث إثبات الطب والعلاج، وأن التداوي مباح غير مكروه، كما ذهب إليه بعض الناس.
وفيه أنه جعل الهرم داء، وإنما هو ضعف الكبر، وليس من الأدواء التي هي أسقام عارضة للأبدان من قبل اختلاف الطبائع، وتغير الأمزجة، وإنما شبهه بالداء لأنه جالب للتلف، كالأدواء التي قد يتعقبها الموت والهلاك، وهذا كقول النمر بن تولب:
دعوت ربى السلامة جاهدا ... ليصحنى فإذا السلامة داء
يريد: أن العمر لما طال به أداه إلى الهرم فصار بمنزلة المريض الّذي قد أدنفه الداء وأضعف قواه، وكقول حميد بن نور الهذلي:
أرى بصرى قد رابني بعد صحة ... وحسبك داء أن تصحّ وتسلما
وحدثني إبراهيم بن عبد الرحمن العنبري، حدثنا ابن أبى قمّاش، حدثنا ابن عائشة- عن حماد ابن سلمة، عن حميد، عن الحسن قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «لو لم يكن لابن آدم إلا السلامة والصحة لكان كفى بهما داء قاضيا» (معالم السنن) .

(7/384)


قيس الأنصارية، قالت: دخل [عليّ] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومعه عليّ رضى اللَّه عنه، وعليّ [ناقة ولنا دوال] معلقة، فقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل منها، وقام عليّ ليأكل، فطفق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول لعلىّ: مه إنك ناقة، حتى كفّ عليّ رضى اللَّه عنه، قالت: وصنعت شعيرا، وسلقا، فجئت به، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: [يا] عليّ، أصب من هذا فهو أنفع لك [ (1) ] .

إطعام المريض ما يشتهيه
خرّج قاسم بن أصبغ، من حديث أبى مكين، نوح بن ربيعة البصري، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عاد رجلا
__________
[ (1) ] (سنن أبى داود) : 4/ 193، كتاب الطب، باب (2) في الحمية، حديث رقم (3856) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، والدوالي: جمع دالية وهي الفرق من البسر، يعلق حتى إذا أرطب أكل، مه: اسم فعل أمر بمعنى اكفف، ناقة: أي قريب عهد بالمرض لم يستكمل صحته.
وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 335، كتاب الطب، باب (1) ما جاء في الحمية، حديث رقم (2037) ، وقال فيه: «فإنه أوفق لك» . وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث فليح، ويروى عن فليح عن أيوب بن عبد الرحمن. ثم قال: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو عامر وأبو داود قال: حدثنا فليح بن سليمان عن أيوب بن عبد الرحمن، عن يعقوب عن أم المنذر الأنصارية في حديثه قالت: دخل علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فذكر نحو حديث يونس بن محمد، إلا أنه قال: «أنفع لك» ، وقال محمد بن بشار: وحدثنيه أيوب بن عبد الرحمن، هذا حديث جيد غريب.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1139، كتاب الطب، باب (3) الحمية، حديث رقم (3442) .
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 7/ 506، حديث رقم (24511) ، من حديث أم المنذر بنت قيس الأنصارية رضى اللَّه عنها.
واعلم أن في منع النبي صلى اللَّه عليه وسلم لعلىّ من الأكل من الدوالي وهو ناقة أحسن التدبير، فإن الدوالي أقناء من الرطب تعلق في البيت للأكل بمنزلة عناقيد العنب، والفاكهة تضر بالناقة من المرض لسرعة استحالتها، وضعف الطبيعة عن دفعها، فإنّها لم تتمكن بعد من قوتها، وهي مشغولة بدفع آثار العلة، وإزالتها من البدن (زاد المعاد) : 4/ 105.

(7/385)


من الأنصار، قال: ما تشتهي؟ قال: أشتهى خبز برّ، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: من عنده خبز برّ: فانطلق رجل، فجاء بكسرة خبز برّ، فأطعمها النبي صلى اللَّه عليه وسلم إيّاه وقال: النبي صلى اللَّه عليه وسلم: إذا اشتهى مريض أحدكم شيئا فليطعمه [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (سنن ابن ماجة) : 1/ 463، كتاب الجنائز باب (1) ما جاء في عيادة المريض، حديث رقم (1439) ، 2/ 1139، كتاب الطب، باب (2) المريض يشتهي الشيء، حديث رقم (3440) ، وحديث رقم (3441) ، وفيه «أشتهى كعكا، والكعك خبز يعمل مستديرا من الدقيق والحليب والسكر، أو غير ذلك، والواحدة كعكة. والكلمة فارسية معربة، وفي الأول صفوان بن هبيرة، وهو لين الحديث، وفي الثاني يزيد الرقاشيّ وهو ضعيف.

(7/386)


العين حق ودواء المصاب
خرّج البخاري ومسلم [ (1) ] ، من حديث مسلم بن إبراهيم، قال: أخبرنا وهيب عن ابن طاووس، عن أبيه، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] ، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: العين حق، ولو كان شيء سابق القدر، سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا [ (2) ] .
__________
[ (1) ] في (الأصلين) : «مسلم والنسائي» والصواب ما أثبتناه.
وفي هذا الحديث سرّ طبي لطيف، فإن المريض إذا تناول ما يشتهيه عن جوع صادق طبيعي، وكان فيه ضرر ما، كان أنفع وأقل ضررا مما لا يشتهيه، وإن كان نافعا في نفسه، فإن صدق شهوته، ومحبة الطبيعة يدفع ضرره، وبغض الطبيعة وكراهتها للنافع، قد يجلب لها منه ضررا.
وبالجملة: فاللذيذ المشتهى تقبل الطبيعة عليه بعناية، فتهضمه على أحمد الوجوه، سيما عند انبعاث النفس إليه بصدق الشهوة، وصحة القوة، واللَّه تعالى أعلم. (زاد المعاد) : 4/ 106.
[ (2) ]
(فتح الباري) : 10/ 249، كتاب الطب، باب (36) العين حق، حديث رقم (5740) ولفظه:
«عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: العين حق. ونهى عن الوشم» ، وأخرجه أيضا بسنده ولفظه في كتاب اللباس، باب (86) الواشمة، حديث رقم (5944) .
قوله: «العين حق» ،
أي الإصابة بالعين شيء ثابت موجود، أو هو من جملة ما تحقق كونه. قال المازري: أخذ الجمهور بظاهر الحديث، وأنكره طوائف المبتدعة لغير معنى، لأن كل شيء ليس محالا في نفسه، ولا يؤدى إلى قلب حقيقة، ولا إفساد دليل، فهو من متجاوزات العقول، فإذا أخبر الشرع بوقوعه لم يكن لإنكاره معنى، وهل من فرق بين إنكارهم هذا وإنكارهم ما يخبر به من أمور الآخرة؟
(فتح الباري) .
قوله: «العين حق ونهى عن الوشم» ،
لم تظهر المناسبة بين هاتين الجملتين، فكأنهما حديثان مستقلان، ولهذا حذف مسلم وأبو داود الجملة الثانية من روايتهما، مع أنهما أخرجاه من رواية عبد الرزاق، الّذي أخرجه البخاري من جهته، ويحتمل أن يقال: المناسبة بينهما اشتراكهما في أن كلا منهما يحدث في العضو لونا غير لونه الأصلي.
والوشم بفتح الواو وسكون المعجمة: أن يغرز إبرة أو نحوها في موضع من البدن حتى يسيل الدم، ثم يحشى ذلك الموضع بالكحل أو نحوه فيخضر (فتح الباري) .

(7/387)


__________
[ () ] قال الحافظ في (الفتح) : وقد ظهرت لي مناسبة بين هاتين الجملتين لم أر من سبق إليها، وهي أن من جملة الباعث على الوشم تغير صفة الموشوم لئلا تصيبه العين، فنهى عن الوشم مع إثبات العين، وأن التحيل بالوشم وغيره مما لا يستند إلى تعليم الشارع لا يفيد شيئا، وأن الّذي قدره اللَّه سيقع.
وأخرجه مسلم من حديث ابن عباس رفعه: «العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا»
[سيأتي شرحه] .
فأما الزيادة الأولى، ففيها تأكيد وتنبيه على سرعة نفوذها وتأثيره في الذات، وفيها إشارة إلى الرد على من زعم من المتصوفة أن
قوله: «العين حق»
يريد به القدر أي العين التي تجرى منها الأحكام، فإن عين الشيء حقيقته، والمعنى أن الّذي يصيب من الضرر بالعادة عند نظر الناظر، إنما هو بقدر اللَّه السابق، لا بشيء يحدثه الناظر في المنظور.
ووجه الرد: أن الحديث ظاهر في المغايرة بين القدر وبين العين، وإن كنا نعتقد أن العين من جملة المقدور، لكن ظاهره إثبات العين التي تصيب، إما بما جعل اللَّه تعالى فيها من ذلك وأودعه فيها، وإما بإجراء العادة بحدوث الضرر عند تحديد النظر، وإنما جرى الحديث مجرى المبالغة في إثبات العين، لا أنه يمكن أن يرد القدر شيء، إذ القدر عبارة عن سابق علم اللَّه، وهو لا رادّ لأمره، أشار إلى ذلك القرطبي. وحاصله لو فرض أن شيئا له قوة بحيث يسبق القدر لكان العين، لكنها لا تسبق، فكيف غيرها. (فتح الباري) .
وأخرجه الإمام مسلم في (صحيحه بشرح النووي) : 14/ 422- 424، كتاب السلام، باب (16)
الطب والمرض والرقى، حديث رقم (2187) ولفظه: «العين حق» ، وحديث رقم (2188) بزيادة: «ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا» .
قال الحافظ في (الفتح) : وأما الزيادة الثانية، وهي أمر العائن بالاغتسال عند طلب المعيون منه ذلك، ففيها إشارة إلى أن الاغتسال لذلك كان معلوما بينهم، وأمرهم أن لا يمتنعوا منه إذا أريد منهم، وظاهر الأمر الوجوب، وحكى المازري فيه خلافا وصحح الوجوب وقال متى خشي الهلاك، وكان اغتسال العائن مما جرت العادة الشفاء به فإنه يتعين.
وقد وقع في حديث سهل من حنيف عند أحمد والنسائي وصححه ابن حبان من طريق الزهري عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف «أن أباه حدثه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم خرج وساروا معه نحو ماء، حتى إذا كانوا بشعب الخرار من الجحفة، اغتسل سهل ابن حنيف- وكان أبيض حسن الجسم والجلد- فنظر إليه عامر بن ربيعة فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة، فلبط- أي صرع وزنا ومعنى- سهل. فأتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: هل تتهمون به من أحد؟ قالوا: عامر بن ربيعة، فدعا عامرا فتغيّظ عليه، فقال:
علام يقتل أحدكم أخاه؟ هلا إذا رأيت ما يعجبك برّكت؟ ثم قال: اغتسل له، فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه، وأطراف رجليه، وداخلة إزاره في قدح، ثم يصب ذلك الماء عليه رجل من خلفه

(7/388)


ولأبى داود من حديث جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم عن الأسود، عن عائشة رضى اللَّه عنها [قالت] : كان يؤمر العائن فيتوضأ، ثم يغتسل منه المعين [ (1) ] .
وللنسائى من حديث عمار بن زريق، عن عبد اللَّه بن عيسى، عن أمية
__________
[ () ] على رأسه وظهره، ثم يكفأ القدح، ففعل به ذلك، فراح سهل مع الناس ليس به بأس» لفظ أحمد من رواية أبى أويس عن الزهري.
(فتح الباري) ، ومنه تنبيهات:
الأول: اقتصر النووي في (الأذكار) على قوله: الاغتسال أن يقال للعائن: اغسل داخلة إزارك مما يلي الجلد، فإذا فعل صبّه على المنظور إليه، وهذا يوهم الانتصار على ذلك، وهو عجيب، ولا سيما وقد نقل في (شرح مسلم) كلام عياض بطوله.
الثاني: قال المازري: هذا المعنى مما لا يمكن تعليله ومعرفة وجهه من جهة العقل، فلا يرد لكونه لا يعقل معناه، وقال ابن العربيّ: إن توقف فيه متشرع قلنا له: قل اللَّه ورسوله أعلم- وقد عضدته التجربة، وصدقته المعاينة، أو متفلسف، فالرد عليه أظهر، لأن عنده الأدوية تفعل بقواها، وقد تفعل بمعنى لا يدرك، ويسمون ما هذا سبيله الخواص.
الثالث: هذا الغسل ينفع بعد استحكام النظرة، فأما عند الإصابة وقبل الاستحكام، فقد أرشد الشارع إلى ما يدفعه بقوله في قصة سهل بن حنيف المذكورة كما مضى: «ألا بركت عليه» ، وفي رواية ابن ماجة: «فليدع بالبركة» ، ومثله عند ابن السنى من حديث عامر بن ربيعة.
وأخرج البزار وابن السنى من حديث أنس رفعه: «من رأى شيئا. وأعجبه فقال: ما شاء اللَّه لا قوة إلا باللَّه، لم يضره» .
وفي الحديث من الفوائد أيضا: أن العائن إذا عرف يقضى عليه بالاغتسال، وأن الاغتسال من النشرة النافعة، وأن العين تكون مع الإعجاب، ولو بغير حسد، ولو من الرجل المحب، ومن الرجل الصالح.
وأن الّذي يعجبه الشيء ينبغي أن يبادر إلى الدعاء للذي يعجبه بالبركة، ويكون ذلك رقية منه، وأن الماء المستعمل طاهر، وفيه جواز الاغتسال بالفضاء، وأن الإصابة بالعين قد تقتل.
وقد اختلف في جريان القصاص بذلك، فقال القرطبي: لو أتلف العائن شيئا ضمنه، ولو قتل فعليه القصاص أو الدية إذا تكرر ذلك منه بحيث يصير عادة، وهو في ذلك كالساحر عند من لا يقتله كفرا، وقال النووي في (الروضة) : لا دية فيه ولا كفارة.
[ (1) ] (سنن أبى داود) : 4/ 210، كتاب الطب، باب (15) ما جاء في العين، حديث رقم (3880) ، والعائن: الّذي أصاب غيره بالعين، يراد به الحاسد، والمعين: - المصاب بعين غيره- أي المحسود.

(7/389)


ابن خالد، - كذا قال- عن عبد اللَّه بن عامر بن ربيعة، عن أبيه قال: خرجت أنا وسهل بن حنيف نلتمس الخمر، فأصبنا غديرا خمرا، وكان أحدنا يستحى أن يتجرد وأحد يراه، فاستتر حتى رأى أن قد فعل، نزع جبّة صوف عليه، فنظرت إليه، فأعجبني خلقه، فأصبته بعين، فأخذته فقفقة، فدعوته فلم يجبني، فأتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فأخبرته، فقال: قوموا بنا، فرفع عن ساقيه حتى خاض إليه الماء، فكأني انظر إلى وضح ساقى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فضرب صدره وقال: بسم اللَّه، اللَّهمّ أذهب حرّها، وبردها، ووصبها، قم بإذن اللَّه، فقام، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إذا رأى أحدكم من نفسه، أو ماله، أو أخيه شيئا يعجبه، فليدع بالبركة، فإن العين حق [ (1) ] .
ولمالك، عن ابن شهاب، عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف، أنه قال:
رأى عامر بن ربيعة سهل بن حنيف يغتسل، فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبّأة، فلبط سهل، فأتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقيل: يا رسول اللَّه هل لك في سهل بن حنيف؟ واللَّه ما يرفع رأسه، فقال: هل تتهمون له أحدا؟
قالوا: نتهم عامر بن ربيعة، قال: فدعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عامرا، فتغيظ عليه وقال: علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا [برّكت] ؟ اغتسل له، فغسّل عامر وجهه، ومرفقيه، وركبتيه، وأطراف رجليه، وداخلة إزاره في قدح، ثم صبّ عليه، فراح سهل مع الناس ليس به بأس [ (2) ] .
__________
[ (1) ] راجع تعليق رقم (3) .
[ (2) ] (شرح الزرقاني على الموطأ) : 4/ 406، كتاب الجامع، باب (650) الوضوء من العين، حديث رقم (1810) عن مالك عن محمد بن أبى أمامة، وحديث رقم (1811) عن مالك عن ابن شهاب عن أبى أمامة.
قوله: «جلد مخبأة» بضم الميم وخاء معجمة وموحدة والهمز: وهي المخدرة المكنونة، التي لا تراها العيون، ولا تبرز للشمس فتغيرها، يعنى أن جلد سهل كجلد المخبأة إعجابا بحسنة. (الزرقانى) .
وفي (النهاية) : المخبأة، الجارية التي في خدرها لم تتزوج بعد، لأن صيانتها أبلغ ممن قد تزوجت.

(7/390)


لم يذكر يحى في هذا الحديث غسل اليدين، وقال القعنبيّ، وابن بكير، وجماعة الرواة عن مالك: فغسل وجهه، ويديه، ومرفقيه. قال أبو عمر بن عبد البر: ليس في حديث مالك هذا في غسل العائن عن النبي [عليه السلام] أكثر من قوله: اغتسل له، وفيه كيفية الغسل من فعل عامر بن ربيعة [ (1) ] .
ورواه معمر عن الزهري، عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف قال: رأى عامر بن ربيعة سهل بن حنيف وهو يغتسل، فتعجب منه، فقال: تاللَّه إني رأيت كاليوم ولا جلدة مخبأة في خدرها، أو قال: جلد فتاة في خدرها، قال: فلبخ به حتى ما يرفع رأسه، قال: فذكر ذلك لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال:
هل أحدا [تتهمون] ؟ قالوا: لا يا رسول اللَّه، إن عامر بن ربيعة قال له:
كذا، وكذا، فدعا عامرا فقال: سبحان اللَّه! علام يقتل أحدكم أخاه؟ إذا رأى منه شيئا يعجبه، فليدع له بالبركة، قال: ثم أمره، فغسل وجهه، وظهر عينيه، ومرفقيه، وغسل صدره، وداخل إزاره، وركبتيه، وأطراف قدميه ظاهرهما في الإناء، ثم أمره فصبه على رأسه، وكفأ الإناء من خلفه،
__________
[ (1) ] قال الزهري: وهذا من العلم، يغتسل العائن في قدح من ماء، يدخل يده فيه، فيمضمض ويمجه في القدح، ويغسل وجهه فيه، ثم يصب بيده اليسرى على كتفه اليمنى، ثم باليمنى على كتفه اليسرى، ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها على مرفق يده اليمنى، ثم بيده اليمنى على مرفق يده اليسرى، ثم يغسل قدمه اليمنى، ثم يدخل اليمنى فيغسل قدمه اليسرى، ثم يدخل يده اليمنى فيغسل الركبتين، ثم يأخذ داخلة إزاره فيصب على رأسه صبة واحدة، ويضع القدح حتى يفرغ.
هكذا رواه ابن أبى ذئب عن الزهري، عن ابن أبى شيبة، وهو أحسن ما فسّر به، لأن الزهري راوي الحديث.
وزاد ابن حبيب في قول الزهري: هذا يصب من خلفه صبة واحدة يجرى على جسده، ولا يوضع القدح في الأرض، ويغسل أطرافه المذكورة كلها، وداخلة الإزار في القدح. قاله في (التمهيد) .
زاد في (الإكمال) : الزهري أخبر أنه أدرك العلماء يصفونه، واستحسنه علماؤنا، ومضى به العمل. (الزرقانى) .

(7/391)


قال: وأمره فحسا منه حسوات، قال: فقام فراح مع الركب،
فقال جعفر بن برقان للزهري: ما كان نعدّ هذا حقا، فقال بل هي السنة. قال أبو عمر:
وأحسن شيء في تفسير الاغتسال للمعين [حقا] ما وصفه الزهري، وهو راوي الحديث [ (1) ] .
وذكر عن طريق قاسم بن أصبغ، حديث ابن أبى ذؤيب، عن الزهري، عن أبى أمامة بن سهل، عن أبيه، أن عامرا مرّ به وهو يغتسل، فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلدة مخبّأة، قال: فلبط به، حتى ما يعقل لشدة الوجع، فأخبر بذلك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فتغيظ عليه، فدعاه النبي [عليه السلام] فقال: قتلته؟ علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا برّكت؟ فأمر النبي [عليه السلام] بذلك، فقال: اغسلوه، فاغتسل، فخرج مع الركب.
قال: وقال الزهري: إن هذا من العلم، يغتسل له الّذي عانة، [يؤتى] بقدح من ماء، فيدخل يده في القدح، فيمضمض، ويمجه في القدح، ويغسل وجهه في القدح، ثم يصب بيده اليسرى على كفه اليمنى، ثم بكفه اليمنى على كفه اليسرى، ثم يدخل يده اليسرى، فيصب بها على مرفق يده اليمنى، ثم بيده اليمنى على مرفق يده اليسرى، ثم يغسل قدمه اليمنى، ثم يدخل [يده] اليمنى، فيغسل قدمه اليسرى، ثم يدخل يده اليمنى فيغسل الركبتين، ثم يأخذ داخلة إزاره، فيصب على رأسه صبه واحدة تجرى على جسده، ولا يوضع القدح حتى يفرغ [ (2) ] .
__________
[ (1) ] راجع التعليق السابق.
[ (2) ] سبق ذكر ذلك في التعليقات السابقة.
وحديث الاغتسال للمعين ذكره ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1160، كتاب الطب، باب (32) العين، حديث رقم (3509) ، وأخرجه ابن أبى شيبة في (المصنف) : 5/ 49، كتاب الطب، باب (27) من رخص في الرقية من العين، حديث رقم (33585) ، وفيه صفة الوضوء عن الزهري

(7/392)


__________
[ () ] وحديث رقم (33586) ، عن عائشة رضى اللَّه عنها أنها كانت تأمر العائن أن يتوضأ فيغسل الّذي أصابته العين، وحديث رقم (33587)
عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «العين حق، وإذا استغسل أحدكم فليغتسل» .
والبيهقي في (السنن الكبرى) : 9/ 352، كتاب الضحايا، باب الاغتسال للمعين.
قال العلامة ابن القيم في (زاد المعاد) : والعين عينان: عين إنسية، وعين جنية،
فقد صح عن أم سلمة أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سعفة، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: «استرقوا لها فإن بها النظرة [أخرجه البخاري في الطب، باب رقية العين، ومسلم في السلام باب رقية العين،
والسفعة- بفتح السين ويجوز ضمها- سواد في الوجه، ومنه سفعة الفرس: سواد ناصيته، وعن الأصمعي: حمرة يعلوها سواد، وقيل: صفرة، وقيل: سواد مع لون آخر، وقال: ابن قتيبة: لون يخالف لون الوجه، وكلها متقاربة] .
وعن أبى سعيد، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يتعوذ من الجان، ومن عين الإنسان [أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وحسنه الترمذي، وتمامه: فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما وترك ما سوى ذلك] .
فأبطلت طائفة ممن قلّ نصيبهم من السمع والعقل أمر العين، وقالوا: إنما ذلك أوهام لا حقيقة لها، وهؤلاء من أجهل الناس بالسمع والعقل، ومن أغلظهم حجابا، وأكثفهم طباعا، وأبدعهم معرفة عن الأرواح والنفوس، وصفاتها، وأفعالها، وتأثيراتها.
وعقلاء الأمم على اختلاف مللهم ونحلهم لا تدفع أمر العين ولا تنكره، وإن اختلفوا في سببه وجهة تأثير العين.
فقالت طائفة: إن العائن إذا تكيفت نفسه بالكيفية الرديئة، انبعث من عينه قوة سمّيّة تتصل بالمعين فيتضرر. قالوا: ولا يستنكر هذا كما لا يستنكر انبعاث قوة سمية من الأفعى تتصل بالإنسان، فيهلك، وهذا أمر قد اشتهر عن نوع من الأفاعي أنها إذا وقع بصرها على الإنسان هلك، فكذلك العائن.
وقالت فرقة أخرى: لا يستبعد أن ينبعث من عين بعض الناس جواهر لطيفة غير مرئية، فتتصل بالمعين، وتتخلل مسام جسمه فيحصل له الضرر.
وقالت فرقة أخرى: قد أجرى اللَّه العادة بخلق ما يشاء من الضرر عند مقابلة عين العائن لمن يعينه، من غير أن يكون منه قوة ولا سبب ولا تأثير أصلا، وهذا مذهب منكري الأسباب والقوى والتأثيرات في العالم، وهؤلاء قد سددوا على أنفسهم باب العلل والتأثيرات والأسباب، وخالفوا العقلاء أجمعين.

(7/393)


__________
[ () ] ولا ريب أن اللَّه سبحانه خلق في الأجسام والأرواح قوى وطبائع مختلفة، وجعل في كثير منها خواص وكيفيات مؤثرة، ولا يمكن لعاقل إنكار تأثير الأرواح في الأجسام، فإنه أمر مشاهد ومحسوس.
فأنت ترى الوجه كيف يحمر حمرة شديدة إذا نظر إليه من يحتشمه ويستحى منه، ويصفر صفرة شديدة عند نظر من يخافه إليه، وقد شاهد الناس من يسقم من النظر وتضعف قواه، وهذا كله للروح.
والأرواح مختلفة في طبائعها، وقواها، وكيفياتها، وخواصها، فروح الحاسد مؤذية للمحسود أذى بينا، ولهذا أمر اللَّه تعالى رسوله صلى اللَّه عليه وسلم أن يستعيذ من شره، وتأثير الحاسد في أذى المحسود أمر لا ينكره إلا من هو خارج عن حقيقة الإنسانية، وهو أصل الإصابة بالعين: فإن النفس الخبيثة الحاسدة تتكيف بكيفية خبيثة، تقابل المحسود، فتؤثر فيه بتلك الخاصية.
وأشبه الأشياء بهذا الأفعى، فإن السم كامن فيها بالقوة، فإذا قابلت عدوها انبعثت منها قوة غضبية، وتكيفت بكيفية خبيثة مؤذية، فمنها ما تشتد كيفيتها وتقوى حتى تؤثر في إسقاط الجنين، ومنها ما تؤثر في طمس البصر، كما
قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم في الأبتر وذي الطفيتين من الحيات: «إنهما يلتمسان البصر ويسقطان الحبل» [أخرجه البخاري في بدء الخلق، باب قول اللَّه تعالى: وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ، ومسلم في السلام، باب قتل الحيات وغيرها، من حديث ابن عمر،
والطّفيتان: هما الخطّان الأبيضان على ظهر الحية، والأبتر: قصير الذنب، وقوله: يلتمسان البصر، قال الخطابي: فيه تأويلان، أحدهما: معناه يخطفان البصر ويطمسانه بمجرد نظرهما إليه، بخاصية جعلها اللَّه تعالى في بصريهما إذا وقع على بصر الإنسان، والثاني: أنهما يقصدان البصر باللسع والنهش، والأول أصح وأشهر] .
ومنها ما تؤثر في الإنسان كيفيتها بمجرد الرؤية من غير اتصال به، لشدة خبث تلك النفس، وكيفيتها الخبيثة المؤثرة، والتأثير غير موقوف على الاتصالات الجسمية، كما يظنه من قلّ علمه ومعرفته بالطبيعة والشريعة.
بل التأثير يكون تارة بالاتصال، وتارة بالمقابلة، وتارة بالرؤية، وتارة بتوجه الروح نحو من يؤثر فيه، وتارة بالأدعية والرقى والتعوذات، وتارة بالوهم والتخيل.
ونفس العائن لا يتوقف تأثيرها على الرؤية، بل قد يكون أعمى فيوصف له الشيء، فتؤثر نفسه فيه، وإن لم يره، وكثير من العائنين يؤثر في المعين بالوصف من غير رؤية.
وقد قال تعالى لنبيه صلى اللَّه عليه وسلم: وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ [القلم:
51] ، وقال: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ* مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ* وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ* وَمِنْ شَرِّ

(7/394)


وزاد ابن حبيب في قول الزهري: هذا يصب من خلفه صبة واحدة، تجرى على جسده، ولا يوضع القدح في الأرض، ويغسل أطرافه المذكورة كلها، وداخلة إزاره في القدح. انتهى كلام ابن عبد البر [ (1) ] .
__________
[ () ] النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ* وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ [سورة الفلق] .
فكل عائن حاسد، وليس كل حاسد عائنا، فلما كان الحاسد أعم من العائن، كانت الاستعاذة منه استعاذة من العائن، وهي سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين تصيبه تارة وتخطئه تارة، فإن صادفته مكشوفا لا وقاية عليه، أثرت فيه، ولا بدّ وإن صادفته حذرا شاكي السلاح لا منفذ فيه للسهام، لم تؤثر فيه، وربما ردّت السهام على صاحبها، وهذا بمثابة الرمي الحسي سواء.
فهذا من النفوس والأرواح، وذاك من الأجسام والأشباح، وأصله من إعجاب العائن بالشيء، ثم تتبعه كيفية نفسه الخبيثة، ثم تستعين على تنفيذ سمّها بنظرة إلى المعين، وقد يعين الرجل نفسه، وقد يعين بغير إرادته، بل بطبعه، وهذا أردأ ما يكون من النوع الإنساني.
وقد قال أصحابنا وغيرهم من الفقهاء: إن من عرف بذلك، حبسه الإمام، وأجرى له ما ينفق عليه إلى الموت، وهذا هو الصواب قطعا. (زاد المعاد) : 4/ 164- 168.
[ (1) ] المرجع السابق.

(7/395)


التّداوى بالعجوة
خرّج البخاري من حديث هاشم بن هاشم، أخبرنا عامر بن سعد عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: من اصطبح كل يوم بتمرات [ (1) ] عجوة، لم يضره سم ولا سحر ذلك اليوم إلى الليل [ (2) ] . وقال غيره [ (3) ] : سبع تمرات [ (4) ] .
وخرجه مسلم ولفظه من تصبح بسبع تمرات.. مثله سواء. وفي لفظ: من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها حين يصبح، لم يضره سمّ حتى يمسى [ (5) ] .
__________
[ (1) ] في (الأصلين) : «بثمرات» وصوبناه من البخاري.
[ (2) ] في (الأصلين) : «الليلة» وصوبناه من البخاري.
[ (3) ] وهي رواية إسحاق بن منصور، حديث رقم (5769) .
[ (4) ] (فتح الباري) : 10/ 292، كتاب الطب، باب (52) الدواء بالعجوة للسحر، حديث رقم (5768) ، (5769) ، والعجوة ضرب من أجود تمر المدينة وألينه، يضرب إلى السواد، وهو مما غرسه النبي صلى اللَّه عليه وسلم بيده بالمدينة.
قال الخطابي: كون العجوة تنفع من السم والسحر إنما هي ببركة دعوة النبي صلى اللَّه عليه وسلم لتمر المدينة لا لخاصية في التمر. (فتح الباري) .
[ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 246، كتاب الأشربة، باب (27) فضل تمر المدينة، حديث رقم (154) ، (155) ، والعجوة نوع جيد من التمر، وفي هذه الأحاديث فضيلة تمر المدينة وعجوتها، وفضيلة التصبح بسبع تمرات منه، وتخصيص عجوة المدينة دون غيرها، وعدد السبع من الأمور التي علمها الشارع، ولا نعلم نحن حكمتها، فيجب الإيمان بها، واعتقاد فضلها، والحكمة فيها، وهذا كأعداد الصلوات، ونصب الزكاة، وغيرها، فهذا هو الصواب في هذا الحديث.
وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 350، كتاب الطب، باب (22) ما جاء في الكمأة والعجوة، حديث رقم (2066) ، قال أبو عيسى: وفي الباب عن سعيد بن زيد، وأبى سعيد، وجابر، وهذا حديث حسن غريب، وهو من حديث محمد بن عمرو، ولا نعرفه إلا من حديث سعيد بن عامر عن محمد بن عمرو. [والكمأة: تكون في وجه الأرض كما يكون الجدري في سطح الجسم،

(7/396)


التداوي بالعسل
خرّج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث محمد [بن جعفر، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أبى المتوكل] عن أبى سعيد رضى اللَّه عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: إن أخى قد استطلق بطنه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم:
اسقه عسلا، [ثم جاءه فقال] إني سقيته عسلا فلم يزده إلا استطلاقا، فقال له ثلاث مرات، ثم جاء الرابعة فقال: اسقه عسلا، فقال لقد سقيته فلم
__________
[ () ] ولذلك قالت العرب: إنها جدري الأرض] .
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1142، كتاب الطب، باب (8) الكمأة والعجوة، حديث رقم (3453) ، وفي الباب أحاديث من طرق وبسياقات مختلفة.
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 3/ 446، حديث رقم (11061) .
قال العلامة ابن القيم: وقد قيل: إن هذا في عجوة المدينة، وهي أحد أصناف التمر بها، ومن أنفع تمر الحجاز على الإطلاق، وهو صنف كريم ملذذ، متين للجسم والقوة، من ألين التمر وأطيبه وألذّه، وهو مقو للكبد، ملين للطبع، يزيد في الباه، ولا سيما مع حبّ الصنوبر، ويبرئ من خشونة الحلق، ومن لم يعتده كأهل البلاد الباردة، فإنه يورث لهم السّدود، ويؤذى الأسنان، ويهيج الصداع، ودفع ضرره باللوز والخشخاش.
وهو من أكثر الثمار تغذية للبدن، بما فيه من الجوهر الحار الرطب، وأكله على الريق يقتل الدود، فإنه مع حرارته فيه قوة ترياقية، فإذا أديم استعماله على الريق خفّف مادة الدود، وأضعفه، وقلله، أو قتله، وهو فاكهة وغذاء، ودواء وشراب وحلوى. (زاد المعاد) : 4/ 291- 292، 341.
وقال شاعر النيل حافظ إبراهيم في قصيدة عنوانها: النخيل بين المنتزة وأبى قير [من أحياء مدينة الإسكندرية بمصر] :
طعام الفقير وحلوى الغنىّ ... وزاد المسافر والمغترب
[ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 207، كتاب الطب، باب (24) دواء المبطون، حديث رقم (5716) ، وذكر في باب (4) الدواء بالعسل، وقول اللَّه تعالى: فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ، حديث رقم (5684) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 453، كتاب السلام، باب (31) التداوي بسقى العسل، حديث رقم (91) .

(7/397)


يزده إلا استطلاقا، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: صدق اللَّه [عزّ وجلّ] . وكذب بطن أخيك، فسقاه، فبرأ.
اللفظ لمسلم، ولم يذكر فيه البخاري قوله: فقال له ثلاث مرات.. إلى قوله: استطلاقا، ولا ذكر قوله: فسقاه فبرأ. وقال بعده: تابعه النّضر عن شعبة. ترجم عليه باب: دواء المبطون.
وأخرجاه أيضا من حديث سعيد بن أبى عروبة عن قتادة، عن أبى المتوكل الناجي، عن أبى سعيد الخدريّ [رضى اللَّه عنه] ، أن رجلا أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: إن أخى غرب بطنه، فقال: اسقه عسلا
بمعنى حديث شعبة، هذا لفظ مسلم [ (1) ] .
ولفظ البخاري: أن رجلا أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: أخى يشتكي بطنه، فقال: اسقه عسلا، ثم أتاه الثانية فقال: اسقه عسلا، ثم أتاه الثالثة فقال:
اسقه عسلا، ثم أتاه فقال: فعلت، فقال: صدق اللَّه، وكذب بطن أخيك، اسقه عسلا، فسقاه، فبرأ. ذكره وحديث جابر في باب: الدواء بالعسل [ (2) ] .
وخرّج الحاكم من حديث سفيان عن أبى إسحاق، عن أبى الأحوص، عن عبد اللَّه [رضى اللَّه عنه] قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: عليكم بالشفاءين:
العسل والقرآن.
قال: هذا إسناد صحيح [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) الحديث الّذي يلي الحديث السابق [بدون رقم] .
[ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 172، كتاب الطب، باب (4) الدواء بالعسل، وقول اللَّه تعالى: فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ، حديث رقم (5684) .
[ (3) ] (المستدرك) : 4/ 222، كتاب الطب، حديث رقم (7435) ، وقال: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد أوقفه وكيع ابن الجراح، عن سفيان، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم.

(7/398)


تم بحمد اللَّه تعالى الجزء السابع ويليه الجزء الثامن وأوله: «ليس فيما حرّم شفاء»
__________
[ () ]
وأخرجه أبو بكر بن أبى شيبة في (المصنف) : 5/ 58، كتاب الطب، باب (43) ما قالوا في العسل، حديث رقم (23676) وهو حديث أبى سعيد الخدريّ، وحديث رقم (23677) من حديث يعقوب بن المغيرة عن عليّ قال: «إذا اشتكى أحدكم شيئا فليسأل امرأته ثلاثة دراهم من صداقها، فليشتر بها عسلا فيشربه بماء السماء، فيجمع بين الهنيء والمريء، والماء المبارك، والشفاء،
[فالهنيء المريء ما طابت به نفس زوجته من صداقها، إشارة إلى قوله تعالى: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً [النساء: 4] ، والماء المبارك هو المطر، والشفاء هو العسل] .
وحديث رقم (23678) ، عن الربيع بن خيثم قال: ما للنفساء عندي إلا التمر، ولا للمريض إلا العسل.
قال العلامة ابن القيم- وقد ذكر منافع السكر-: وبعض الناس يفضله على العسل لقلة حرارته ولينه، وهذا تحامل منه على العسل، فإن منافع العسل أضعاف منافع السكر، وقد جعله اللَّه تعالى شفاء ودواء، وإداما وحلاوة، وأين نفع السكر من منافع العسل: من تقوية المعدة، وتليين الطبع، وإحداد البصر، وجلاء ظلمته، ودفع الخوانيق بالغرغرة به، وإبرائه من الفالج واللقوة، ومن جميع العلل الباردة التي تحدث في جميع البدن من الرطوبات، فيجذبها من قعر البدن، ومن جميع البدن، وحفظ صحته وتسمينه وتسخينه، والزيادة في الباه، والتحليل والجلاء، وفتح أفواه العروق، وتنقية المعى، وإحدار الدود، ومنع التخم وغيره من العفن، والأدم النافع، وموافقة من غلب عليه البلغم والمشايخ، وأهل الأمزجة الباردة.
وبالجملة: فلا شيء أنفع منه للبدن، وفي العلاج، وعجز الأدوية، وحفظ قواها، تقوية المعدة إلى أضعاف هذه المنافع (زاد المعاد) : 4/ 356.

(7/399)