إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع

 [القسم الثاني]

الرابعة: أن شريعة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم مؤيدة وناسخة لسائر الشرائع
وقد مضى من ذلك ما فيه كفاية.

الخامسة: أن كتاب محمد صلى اللَّه عليه وسلّم وهو القرآن معجز بخلاف سائر كتب اللَّه التي أنزلها على رسله
وأنه محفوظ عن التحريف والتبديل وأنه حجة بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وسائر معجزات الأنبياء انقرضت بانقراضهم، وقد مر في المعجزات جميع هذا فتأمله.

السادسة: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم نصر بالرعب مسيرة شهر
وسيأتي بطرقه، فكان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إذا هم بغزو قوم أرعبوا منه قبل أن يقدم عليهم بشهر، ولم تكن هذه لأحد سواه وما روي في صحيح مسلم في قصة نزول عيسى عليه السلام إلى الأرض أن لا يدرك نفسه كافرا إلا مات ونفسه ينتهى حيث ينتهى بصره فإن كان ذلك صفه لم يزل له قبل أن يرفع فليست نظير هذا وإلا فهو بعد نزوله إلى محمد صلى اللَّه عليه وسلّم بمعنى أنه يحكم بشرعه ولا يوحى إليه بخلافها وقد مضى هذا المعنى مجودا.

السابعة: أن رسالته صلى اللَّه عليه وسلّم عامة إلى الإنس والجن
وكان من عداه من الأنبياء انما يبعث إلى قومه خاصة وقد ذكر اللَّه تعالى هذا المعنى في كتابه العزيز فقال: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ وقال: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ فكان النبي ومن كان قبل محمد صلى اللَّه عليه وسلّم لا يكلف من أداء الرسالة إلا أن يدعو قومه إلى اللَّه عز وجل.

(10/274)


وأما محمد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم
فقال اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً وقال تعالى: لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ وقال تعالى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ وقال: قُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ وفي آيات كثيرة تدل على عموم رسالته ويؤيده قوله صلى اللَّه عليه وسلّم في حديث الشفاعة إنه أول نبي بعث إلى أهل الأرض إلى الثقلين فأمر اللَّه تعالى أن ينذر جمع خلقه إنسهم، وجنهم، عربهم، وعجمهم، فقام صلوات اللَّه وسلامه عليه بما أمر به ربه في ذلك، وبلغ رسالته، وقد تقدم هذا كله فيما سلف.

الثامنة: جعلت له صلى اللَّه عليه وسلّم ولأمته الأرض مسجدا وطهورا
ومعنى ذلك في الحديث الّذي رواه الإمام أحمد في (مسندة) أن من كانوا قبلنا كانوا لا يصلون في مساكنهم، وإنما كانوا يصلون في كنائسهم.
وقوله صلى اللَّه عليه وسلّم وطهورا يعنى به التيمم فإنه لم يكن في أمة قبلنا وإنما شرع لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ولأمته توسعا ورحمة وتخفيفا.

التاسعة: أحلت له صلى اللَّه عليه وسلّم الغنائم
ولم تحل لأحد قبله وكان من قبله صلى اللَّه عليه وسلّم إذا غنموا أشياء أخرجوا منه شيئا، فوضعوه في ناحية، فتنزل نار من السماء، فتحرقه، وقد وقع ذلك في الصحيح من رواية أبى هريرة في حديث النبي صلى اللَّه عليه وسلّم الّذي غزا وحبس له اللَّه الشمس، قال ابن دقيق العيد: يحتمل أن يراد أنه صلى اللَّه عليه وسلّم يتصرف فيها كيف يشاء ويقسمها كما أراد في قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ.
ويحتمل أن يراد لم يحل شيء منها لغيره صلى اللَّه عليه وسلّم وأمته، وفي بعض الأحاديث ما يقر ظاهره بذلك ويحتمل أن يراد بالغنائم بعضها
وفي بعض

(10/275)


الأحاديث وأحل لنا الخمس. أخرجه ابن حبان في صحيحه
وأجيب بأن الخمس خص به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من الغنائم تشرفة لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم.

العاشرة: جعلت أمته صلى اللَّه عليه وسلّم شهداء على الناس بتبليغ الرسل إليهم
قال اللَّه تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ الآية، وكما هديناكم فكذلك خصصناكم وفضلناكم بأن جعلناكم أمة عبادا عدولا لتشهدوا للأنبياء على أمتهم وشهد لكم به رسول اللَّه بالصدق، ومستند بهم في الشهادة وإن لم يروا ذلك عبادا اللَّه تعالى لهم به لقوله: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ وقوله: كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ وقوله كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ وقوله: فَكَذَّبُوا رُسُلِي ونحوها من الآيات.

الحادية عشر: أصحابه صلى اللَّه عليه وسلّم خير الأمة مقدما
وقد سبق ذكر ذلك مفصلا.

الثانية عشر: جمعت صفوف أمته صلى اللَّه عليه وسلّم كصفوف الملائكة
فكل منهم أفضل من كل من بعده،
قال صلى اللَّه عليه وسلّم لا تسبوا أصحابى فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ أحدهم ولا نصفه. خرجاه من حديث أبى سعيد الخدريّ. وخرجه مسلم من حديث أبى هريرة.

الثالثة عشرة: الشفاعة
الأول: الشفاعة العظمى في الفضل بين أهل الموقف حيث يقومون بعد الأنبياء وهو المقام المحمود، الّذي يغبط به الأولون والآخرون، والمقام الّذي يرغبون إليه الخلق كلهم ليشفع لهم إلى ربهم ليفصل بينهم، وهذه خصوصية

(10/276)


ليست إلى الأمة من البشر كافه فيدخل الجنة فيشفع إلى اللَّه تعالى في ذلك مما جاء في الإجازة الصحاح وهذه هي الشفاعة الأولى التي يختص بها دون غيره من الرسل ثم يكون له بعدها شفاعات من اتخاذ من شاء من أهل الكتاب من النار من أمته.
ولكن الرسل يشاركونه في هذه الشفاعة فيشفعون في عصاة أمتهم وكذلك الملائكة يشفعون بل المؤمنون كما في الصحيحين من حديث أبى هريرة وأبى سعيد فيقول تعالى: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين وذكر الحديث.
ثم له صلى اللَّه عليه وسلّم بعد ذلك شفاعات أخرى منها شفاعة في جماعة يدخلون الجنة بغير حساب ومنها في ناس وقد استحقوا النار.
ومنها أربع شفاعات في أناس دخلوا النار فيخرجون منها، ومنها شفاعة في رفع درجات بعض أهل الجنة، وهذه الشفاعة اتفق عليها أهل السنة والمعتزلة عليها في صحيح البخاري.

الرابعة عشرة: أنه أول شافع وأول مشفع صلى اللَّه عليه وسلّم أي أول من تجاب شفاعته
خرج مسلم من حديث أبى هريرة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: أنا أول من ينشق عنه القبر، وأنا أول شافع، وأنا أول مشفع.
وقد مضى بطرقه.

الخامسة عشرة: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة
فإذا أفاق الناس يوم القيامة يكون أولهم إفاقة كما
خرجاه في الصحيحين من حديث أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في قصة اليهودي الّذي قال:
لا والّذي اصطفى موسى على العالمين، فلطمه رجل من المسلمين، وترافع

(10/277)


إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: لا تفضلوني على موسى فإن الناس يصعقون يوم القيامة،
وذكر الحديث.

السادسة عشرة: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم أول من يقرع باب الجنة
كما تقدم في ذكر ذلك.

السابعة عشرة: اختصاصه صلى اللَّه عليه وسلّم على إخوانه من الأنبياء عليهم السلام
بأنه أكملهم وسيدهم وخطيبهم وإمامهم وخاتمهم فما من نبي إلا وقد أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمن به ولينصره، وأمر أن يأخذ على أمته الميثاق فلذلك قال اللَّه تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ.
فقوله تعالى: لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مصدقا بعد هذا كله فعليكم الإيمان به ونصرته وإذا كان هذا الميثاق شاملا لكل منهم تضمن أخذه صلى اللَّه عليه وسلّم من جميعهم هذه خصوصية ليست لأحد سواه وتقدم الكلام في ذلك مجودا.

الثامنة عشرة: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم أعطى جوامع الكلم
وقد تقدم في ذلك قول الهروي يعنى بجوامع الكلم القرآن في جمع اللَّه في الألفاظ اليسيرة المعاني الكثيرة، وكلامه صلى اللَّه عليه وسلّم كان قليل اللفظ كثير المعاني وقال ابن شهاب: جوامع الكلم أن اللَّه يجمع له الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمر من نحو ذلك
.

(10/278)


التاسعة عشر: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم أكثر الأنبياء أتباعا
وقد تقدم ذكر هذا.

العشرون: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم أعطى جوامع الكلم ومفاتيح الكلم
وقد تقدم ذكر ذلك أيضا.

الحادية والعشرون: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم أعطى مفاتيح خزائن الأرض
كما
خرجه البخاري ومسلم من حديث أبى هريرة وخرجه الإمام أحمد من حديث على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه ولفظه أوتيت مقاليد الدنيا على فرس أبلق عليه قطيفة من سندس.
وقد مضى هذا المعنى أيضا.

الثانية والعشرون: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم أوتى الآيات الأربع من آخر سورة البقرة
وأصل هذا في صحيح مسلم من حديث حذيفة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وقد تقدم طرق من ذلك.

الثالثة والعشرون: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم لا ينام قلبه وكذلك الأنبياء عليهم السلام
وتقدم ذكر هذا
.

(10/279)


الرابعة والعشرون: كان صلى اللَّه عليه وسلّم يرى من ورائه كما يرى من أمامه
والأحاديث الواردة في ذلك مقيدة بحال الصلاة، كما تقدم ذكره عند ذكر المعجزات.

الخامسة والعشرون: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يرى ما لا يرى الناس حوله كما يرى في الضوء
وقد تقدم ذلك مجودا.

السادسة والعشرون: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم تطوعه بالصلاة قاعدا كتطوعه قائما وإن لم يكن عذر، وتطوع غيره قاعدا على النصف من صلاته قائمة
قال صاحب (التلخيص) : وثقة الرافعي وأنكره القفال وقال: لا يعرف هذا، بل هو كغيره، وعدّ القضاعي هذه الخصوصية مما حظي به النبي صلى اللَّه عليه وسلّم دون الأنبياء من قبله.

السابعة والعشرون: أن المصلى يخاطبه في صلاته إذا تشهد
بقوله في تشهده السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته، ولا يجوز أن يخاطب أحد سواه
.

(10/280)


الثامنة والعشرون: لا يجوز لأحد التقدم بين يدي النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ولا يرفع صوته فوق صوته ولا يجهر له بالقول ولا يناديه من وراء حجراته
قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ* إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ* إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ* وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
ومعنى الآية يا أيها الذين آمنوا اجعلوا الرسول يبدأ في الأقوال والأفعال ولا تعجلوا بقول أو فعل قبل أن يفعل، عن ابن عباس معناها: لا تقطعوا أمرا إلا بعد أن يحكم به ويأذن فيه.

التاسعة والعشرون: لا يجوز لأحد أن يناديه صلى اللَّه عليه وسلّم باسمه
فيقول: يا أحمد، يا محمد، ولكن يقول: يا نبي اللَّه، يا رسول اللَّه، قال اللَّه تعالى: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً.

الثلاثون: شعره صلى اللَّه عليه وسلّم طاهر
وهذا إنما يكون من الخصائص إذا حكمنا بنجاسة شعر من سواه المنفصل عنه في حال الحياة، وهو أحد الوجهين وكذلك بوله، ودمه، وسائر فضلاته، كلها طاهرة على أحد الوجهين لأصحابنا، وينبغي اختياره، وقد صحح القاضي حسين، وقال في (الروضة) : وكان ليستشفى ويتبرك ببوله

(10/281)


ودمه، وليس [فقط] بنخامته، وبريقه، وفضل وضوئه، وفي كون ذلك من الخصائص نظرا لا يخفى في الظاهر من صاحب (الروضة) .

الحادية والثلاثون: أن من دنا بحضرته صلى اللَّه عليه وسلّم أو استهان به كفر
جزم به الرافعي وقاله النووي في (الروضة) .

الثانية والثلاثون: يجب على المصلى إذا دعاه النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أن يجيبه ولا تبطل صلاته وليس هذا لأحد سواه
اللَّهمّ إلا ما حكاه الأوزاعي عن شيخه مكحول أنه كان يوجب إجابة الوالدة في الصلاة، حديث الراهب [جريج] الّذي قال لما سمع نداء أمه وهو يصلى: اللَّهمّ أمى وصلاتي ثم مضى في صلاته فلما كان المرة الثانية فعل بمثل ذلك ثم الثالثة فدعت عليه فاستجاب اللَّه لها فيه وعاقبه كما ذكر في صحيح البخاري وغيره.

الثالثة والثلاثون: أولاد بناته صلى اللَّه عليه وسلّم ينتسبون إليه وأولاد بنات غيره لا ينتسبون إليه
ودليله ما
خرجه البخاري من طريق ابن عيينة، وفيه قوله صلى اللَّه عليه وسلّم للحسن وقد مال عليه وهو صغير: لا تزرموا ابني،
وقصة المباهلة.
وهذه الخصوصية عدها صاحب (التلخيص) من الخصوصيات
.

(10/282)


الرابعة والثلاثون: أن كل نسب وحسب فإنه ينقطع نفعه يوم القيامة إلا نسبه وحسبه وصهره صلى اللَّه عليه وسلّم
قال اللَّه تعالى: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ.
وقال الإمام أحمد بسنده عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: فاطمة بضعة منى إلى أن قال وأن الأنساب يوم القيامة تنقطع غير نسبي وصهري، وهذا الحديث في الصحيحين عن المستورد بن مخرمة بلفظ آخر.

الخامسة والثلاثون: تحريم ذرية ابنته فاطمة على النار
خرج الحاكم بسنده عن عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إن فاطمة أحصنت فرجها فحرم اللَّه ذريتها على النار.
قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
قال كاتبه: وهذه الخصوصية لم أر أحدا عدها، وهي مما ينبغي إلحاقه في خصائص المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم.

السادسة والثلاثون: الجمع بين اسمه وكنيته يجوز التسمي باسمه صلى اللَّه عليه وسلّم بل خلاف
وفي جواز التكني بكنيته أقوال للعلماء:
أحدها: المنع من ذلك مطلقا، وهو مذهب الإمام الشافعيّ، حكاه عنه البيهقي، والبغوي، وأبو القاسم بن عساكر الدمشقيّ، قال الشافعيّ: وليس لأحد أن يكنى بأبي القاسم سواء كان أسمه محمدا أم لا.
الثاني: وهو مذهب مالك، أباحه مطلقا لمن كان اسمه محمدا ولغيره، وقد قيل: النهى مختص بحياته صلى اللَّه عليه وسلّم وإليه ذهب القاضي عياض
.

(10/283)


السابعة والثلاثون: أن من خصائصه صلى اللَّه عليه وسلّم أنه لا يقبل هدية مشرك، ولا يستعين به
وقد تقدم ذلك في المغازي وغيرها.

الثامنة والثلاثون: كانت الهدية له صلى اللَّه عليه وسلّم حلالا وغيره من الحكام والولاة لا يحل لهم قبول الهدية من رعاياهم
ذكره النووي في (الروضة) .

التاسعة والثلاثون: عرض عليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم الخلق كلهم من آدم عليه السلام إلى من بعده كما علّم أدم أسماء كل شيء
ذكره العراقي في شرح (المهذب)
.

(10/284)


الأربعون: فاتته صلى اللَّه عليه وسلّم ركعتان بعد الظهر فصلاهما بعد العصر ثم داوم عليها بعده
خرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من طريق عبد اللَّه بن وهب أخبره عمرو وهو ابن الحارث عن بكير عن كريب مولى ابن عباس أن عبد اللَّه بن عباس وعبد الرحمن بن أزهر والمسور بن مخرمة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أرسلوه إلى عائشة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقالوا: اقرأ عليها السلام منا جميعا وسلها عن الركعتين بعد الظهر وقل لها: أنا أخبرنا أنك تصلينها، وقد بلغنا أن الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم نهى عنها قال ابن عباس: وكنت اصرف الناس مع عمر بن الخطاب عنها: قال كريب: فدخلت عليها وبلغتها بما أرسلونى به: فقالت:
سل أم سلمة فخرجت إليهم فأخبرتهم بقولها، فردوني إلى أم سلمة بمثل ما أرسلونى به إلى عائشة:
فقالت أم سلمة رضى اللَّه عنها: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ينهى عنها ثم رأيته يسليهما أما حين صلاهما فإنه صلى العصر، ثم دخل على وعندي نسوة من بنى حرام من الأنصار، فصلاهما فأرسلت إليه الجارية فقلت:
قومي بجنبه فقولي له: تقول لك أم سلمة: يا رسول اللَّه إني سمعتك تنهى عن هاتين الركعتين وأراك تصليهما، فإن أشار بيده فاستأخرى عنه فلما انصرف قال: يا ابنة أبى أمية، سألت عن الركعتين بعد العصر، أنه أتانى ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان.
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 136، كتاب السهو، باب (8) إذا كلم وهو يصلى فاشار بيده واستمع، حديث رقم (1233) ، 8/ 108، كتاب المغازي، باب (70) حديث رقم (4370) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 6/ 367- 369، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (54) معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بعد العصر، حديث رقم (834) ، (835) .

(10/285)


وله من حديث إسماعيل بن جعفر: أخبرنى محمد بن أبى حرملة، أخبرنى أبو سلمة، أنه سأل عائشة رضى اللَّه عنها عن السجدتين اللتين كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يصليهما بعد العصر فقالت: كان يصليهما قبل العصر ثم إنه شغل أو نسيهما فصلاهما بعد العصر ثم أثبتهما وكان إذا صلى صلاة أثبتها.
قال: يحيى بن أيوب: قال إسماعيل: يعنى دوام عليهما. وذلك من خصائصه صلى اللَّه عليه وسلّم على أصح الوجهين عند أصحابنا. ذكره النووي في (الروضة) [ (1) ] وقيل
__________
[ (1) ] قال الإمام النووي في (الروضة) : ولو فاتته راتبة أو نافلة اتخذها وردا، فقضاهما في هذه الأوقات، فهل له المداومة على مثلها في وقت الكراهة؟ وجهان:
أحدهما: نعم،
للحديث الصحيح أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فاته ركعتا الظهر، فقضاهما بعد العصر، وداوم عليهما بعد العصر
من حديث أم سلمة أنه صلى اللَّه عليه وسلّم دخل بيت أم سلمة بعد صلاة العصر فصلى ركعتين، فسألته عنهما. فقال: أتانى ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر، فهما هاتان.
متفق عليه، وفي الجامع الصحيح للبخاريّ من حديث أم سلمة:
ما ترك النبي صلى اللَّه عليه وسلّم السجدتين بعد العصر عندي قط. وأصحهما: لا. وتلك الصلاة من خصائص رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. والصلاة المنهي عنها في هذه الأوقات، يستثنى منها زمان، ومكان. أما الزمان، فعند الاستواء يوم الجمعة، ولا يلحق به باقي الأوقات يوم الجمعة على الأصح. فإن ألحقنا، جاز التنفل يوم الجمعة في الأوقات الخمسة لكل أحد. وإن قلنا بالأصح، فهل يجوز التنفل لكل أحد عند الاستواء؟ وجهان. أصحهما: نعم. والثاني، لا يجوز لمن ليس في الجامع. وأما من في الجامع، ففيه وجهان. أحدهما: يجوز مطلقا. والثاني: يجوز بشرط أن يبكر، ثم يغلبه النعاس. وقيل: يكفر النعاس بلا تبكير. وأما المكان- فمكة زادها اللَّه شرفا- لا تكره الصلاد فيها في شيء وفي هذه الأوقات، سواء صلاة الطواف، وغيرها.
وقيل: إنما يباح ركعتا الطواف. والصواب، الأول. والمراد بمكة، جميع الحرم. وقيل:
إنما يستثنى نفس المسجد الحرام. والصواب المعروف هو الأول. (روضة الطالبين) :
1/ 304، كتاب الصلاة، فصل في الأوقات المكروهة.

(10/286)


بل لغيره صلى اللَّه عليه وسلّم أن يداوم عليهما وقال أبو ألوفا بن عقيل: كان مخصوصا بالصلاة في الأوقات المنهي عنها كالوصال ونقل ابن الجوزي عن الأثرم أنه قال:
حديث عائشة خطأ لأنه روى عنها أنه كان يصليهما بعد الظهر فشغله قوم
__________
[ () ] وقال الإمام الزركشي في (إعلام المساجد) وقد ذكر خصائص المسجد الحرام وأحكامه:
إن الصلاة يحرم فعلها في الأوقات الخمسة، عند طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح، وعند الاستواء حتى تزول، وعند الاصفرار حتى تغرب، وبعد صلاة الصبح إلى الطلوع، وبعد صلاة العصر الى الغروب، لما في الصحيح من النهى عن ذلك، ويستثنى حرم مكة، ففي
(السنن الأربعة) من حديث جبير بن مطعم: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: يا بنى عبد مناف، لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار،
وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين.
وفي رواية: لا صلاة بعد الصبح إلا بمكة،
والمراد جميع الحرم- والمعنى زيادة الفضل في تلك الأماكن، فلا يحرم المقيم هناك من استكثارها.
وروى أبو الحسن على بن الجعد عن سفيان بن سعيد، عن ابن جريج عن أبى مليكة: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم، طاف بعد العصر فصلى ركعتين.
هذا هو الصحيح.
وذكر ابن أبى شبيبة في مصنفة فيما أفرده في الرد على أبى حنيفة في الفجر وصلى ركعتين قبل طلوع الشمس. وعن عطاء قال: رأيت ابن عمر، وابن عباس طافا بعد العصر وصليا. وعن ليث عن أبى سعيد أنه رأى الحسن والحسين قدما مكة، قطافا بالبيت بعد صلاة العصر ويصلى حتى تصفار الشمس. وعن عطاء: رأيت ابن عمر وابن الزبير طافا بالبيت قبل صلاة الفجر ثم صليا ركعتين قبل طلوع الشمس. (إعلام الساجد بأحكام المساجد) :
105- 107، (مصنف ابن أبى شيبة) 7/ 310 مسألة رقم (36360) ، (36361) ، (36362) ، (36363) ، (36364) .
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 7/ 123- 124، حديث رقم (24024) ولفظة أنه أتى عائشة أم المؤمنين فسلم عليها فقالت: من الرجل؟ قال: أنا عبد اللَّه مولى غطيف بن عازب فقالت: ابن عفيف؟ فقال: نعم يا أم المؤمنين. فسألها عن الركعتين بعد صلاة العصر أركعهما رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم؟ قالت له: نعم. وسألها عن ذراري الكفار؟ فقلت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: هم مع آبائهم، فقالت: يا رسول اللَّه بلا عمل؟ قال: اللَّه عز وجل أعلم بما كانوا عاملين.

(10/287)


فصلاهما بعد العصر مرة واحدة.

الحادية والأربعون: هل كان صلى اللَّه عليه وسلّم يحتلم؟
على وجهين صحح النووي المنع ويشكل عليه ما خرجاه في صحيحهما [ (1) ] من حديث عائشة رضى اللَّه عنها كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يصبح جنبا من جماع من غير احتلام ثم يغتسل ويصوم، والأظهر في هذا التفصيل وهو أن يقال: أن الاحتلام فيض من البدن فلا مانع من هذا وإن أريد به ما يتحصل من تلاعب الشيطان فهو صلى اللَّه عليه وسلّم معصوم من ذلك، ولهذا لا يجوز عليه الجنون ويجوز عليه الإغماء بل قد أغمى عليه في الحديث الّذي روته عائشة في الصحيح وفيه أنه اغتسل من الإغماء غير مرة وعن القاضي حسين أن حكى عن الداركى أن الإغماء انما يجوز على الأنبياء ساعة أو ساعتين فأما الشهر والشهران فلا، وفي الطبراني من حديث ابن عباس يرفعه ما احتلم نبي قط إنما الاحتلام من الشيطان وقد ضعف هذا الحديث واللَّه أعلم [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 4/ 192، كتاب الصوم، باب (25) اغتسال الصائم، حديث رقم (1930) ، (1931) ، (1932) .
(مسلم بشرح النووي) : 7/ 227- 231، كتاب الصيام، باب (13) صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب، حديث رقم (75) ، (76) ، (77) ، (78) ، (79) ، (80) . قولها: «كان يصبح جنبا من غير حلم» هو بضم الحاء، وبضم اللام وإسكانها، وفيه دليل لمن يقول بجواز الاحتلام للأنبياء، وفيه خلاف قدمناه، الأشهر امتناعه.
قالوا: إنه من تلاعب الشيطان، وهم منزهون عنه. ويتأولون هذا الحديث على أن المراد يصبح جنبا من جماع، ولا يجنب صلى اللَّه عليه وسلّم من احتلام لامتناعه منه، ويكون قريبا من معنى قول اللَّه تعالى: وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ. ومعلوم أن قتلهم لا يكون بحق.
(تفسير ابن كثير) : 1/ 229، عند تفسير قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ [البقرة: 187] .

(10/288)


__________
[ () ] (مصنف ابن أبى شيبة) : 2/ 329، باب (79) في الرجل يصبح وهو جنب، يغتسل ويجزئه صومه، حديث رقم (9569) ، (9570) ، (9577) .
(مسند أحمد) : 7/ 55، حديث رقم (23554) ، من حديث السيدة عائشة رضى اللَّه عنها 263- 264، حديث رقم (24981) ، من حديث السيدة عائشة رضى اللَّه عنها 349، حديث رقم (25551) ، من حديث السيدة عائشة رضى اللَّه عنها، 412، حديث رقم (25945) ، من حديث السيدة عائشة رضى اللَّه عنها، 439، حديث رقم (26108) ، من حديث أم سلمة رضى اللَّه عنها، 442، حديث رقم (26126) .
(سنن ابن ماجة) : 1/ 544، كتاب الصيام، باب (27) ما جاء في الرجل يصبح جنبا وهو يريد الصيام، حديث رقم (1704) ، (سنن النسائي) : 1/ 116، كتاب الطهارة، باب (123) باب ترك الوضوء مما غيرت لنار، حديث رقم (183) قال الإمام السندي:
قوله: من غير احتلام «للتنصيص على أن الجنابة الاختيارية لا تفسد الصوم، فضلا عن الاضطرارية. (حاشية السندي على سنن النسائي) .
(سنن البيهقي) : 4/ 214، كتاب الصيام، باب من أصبح جنبا في شهر رمضان.
(تاريخ بغداد) : 7/ 373، في ترجمة الحسن بن على حمصة، رقم (3895) ، 9/ 439، في ترجمه عبد اللَّه بن الحسن الهاشمي، رقم (5059) .
[ (2) ] قال في (الشفاء) : والكلام في عصمة نبينا عليه الصلاة والسلام وسائر الأنبياء صلوات اللَّه عليهم، قال القاضي أبو الفضل- وفقه اللَّه- أعلم أن الطوارئ من التغيرات والآفات على آحاد البشر، لا يخلو أن يطرأ على جسمه أو على حواسه بغير قصد واختيار. كالأمراض والأسقام أو تطرأ بقصد واختيار، وكله في الحقيقة عمل وفعل، ولكن جرى رسم المشايخ بتفصيله إلى ثلاثة أنواع: عقد بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالجوارح، وجميع البشر تطرأ عليهم الآفات، والتغيرات بالاختيار وبغير الاختيار في هذه الوجوه كلها، والنبي صلى اللَّه عليه وسلّم وإن كان من البشر ويجوز على جبلته ما يجوز على جبلة البشر، فقد قامت البراهين القاطعة، وتمت كلمة الإجماع على خروجه عنهم، وتنزيهه عن كثير من الآفات التي تقع على الاختيار وغير الاختيار.

(10/289)


__________
[ () ] قال القاضي عياض: واعلم أن الأمة مجمعة على عصمة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من الشيطان وكفايته منه، لا في جسمه بأنواع الأذى، ولا على خاطره بالوسواس،
وقد أخبرنا القاضي الحافظ أبو على رحمه اللَّه قال: حدثنا أبو الفضل بن خيرون العدل، حدثنا أبو بكر البرقاني وغيره، حدثنا أبو الحسن الدار قطنى، حدثنا إسماعيل الصافر، حدثنا عباس الترقفي، حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان عن منصور، عن سالم بن أبى الجعد، عن مسروق، عن عبد اللَّه بن مسعود قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: ما منكم من أحد إلا وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة، قالوا: وإياك يا رسول اللَّه؟ قال: وإياي، ولكن اللَّه تعالى أعاننى عليه فأسلم.
قال: قال أئمتنا في ذلك إن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم غير معصوم من الأمراض وما يكون من عوارضها، من شدة وجع، وغش، ونحوه مما يطرأ على جسمه، معصوم أن يكون منه القول أثناء ذلك ما يطعن في معجزته، ويؤدى إلى فساد في شريعته من هذيان أو اختلال في كلام، وعلى هذان لا يصح ظاهر رواية من روى في الحديث هجر إذ معناه هذي، أي حديث
قوله صلى اللَّه عليه وسلّم وقد غلبه الوجع: آتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعدي أبدا، فتنازعوا، فقالوا: ما له؟
أهجر....... الحديث (الشفا) : 100- 170،
بتصرف واختصار.
وقال موفق الدين بن قدامة: ولا يجب الغسل على المجنون والمغمى عليه إذا أفاقا من غير احتلام، ولا أعلم في هذا خلافا. قال ابن المنذر: ثبت أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم اغتسل من الإغماء، وأجمعوا على أنه لا يجب، ولأن زوال العقل في نفسه ليس بموجب للغسل (المغنى) :
1/ 135، مسألة رقم (229) .

(10/290)


[الثانية والأربعون: من رآه صلى اللَّه عليه وسلّم في المنام فقد] رآه حقا وإن الشيطان لا يتمثل في صورته
خرج البخاري [ (1) ] من طريق يونس، عن الزهري، حدثني أبو سلمة أن أبا هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بى،
ومن طريق الزهري قال أبو سلمة: «قال أبو قتادة: قال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من رآني فقد رأى الحق»
وخرجه مسلم [ (2) ] من طريق ابن وهب، قال: أخبرنى يونس، عن ابن شهاب، قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، أو فكأنما رآني في اليقظة لا يتمثل الشيطان بى.
وقال: فقال أبو سلمة: قال أبو قتادة: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من رآني فقد رأى الحق.
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 12/ 473- 474، كتاب التعبير، باب (10) من رأى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في المنام، حديث رقم (6993) ، (6996) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 29- 30، كتاب الرؤيا، باب (1)
قول النبي صلى اللَّه عليه وسلّم «من رآني في المنام فقد رآني» ،
حديث رقم (2266) ، (2267) .
(سنن أبى داود) : 5/ 258، كتاب الأدب، باب (96) ما جاء في الرؤيا، حديث رقم (5023) .
(سنن ابن ماجة) : 2/ 1284، كتاب تعبير الرؤيا، باب (2) رؤية النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في المنام، حديث رقم (3900) ، (3901) ، (3902) ، (3903) ، (3904) ، (3905) .
(المستدرك) : 4/ 435، كتاب تعبير الرؤيا، حديث رقم (8186) .
(شمائل الترمذي) : 347، باب (57) ما جاء في رؤية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في المنام، حديث رقم (407) ، (408) ، (409) ، (411) ، (414) ، (415) .

(10/291)


وخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث ابن شهاب عن عمه محمد بن شهاب قال: حدثني أبو سلمة قال: قال أبو قتادة: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من رآني فقد رأى الحق.
وخرج البخاري [ (2) ] من حديث الليث، حدثني ابن الهاد عن عبد اللَّه بن خباب عن أبى سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه سمع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: من رآني فقد رأى الحق فإن الشيطان لا يتكوننى.
وله من حدثنا عبد العزيز بن مختار ثابت رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتخيل بى، ورؤيا للمؤمن جزء من سنة وأربعين جزءا من النبوة،
ولمسلم [ (3) ] من طريق الليث، عن أبى الزبير، عن جابر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: من رآني في المنام فقد رآني، إنه لا ينبغي للشيطان أن يتمثل في صورتي، وقال: إذا حلم أحدكم فلا يخبر أحدا بتلعب الشيطان به في المنام.
ومن طريق زكريا بن إسحاق، قال: حدثني أبو الزبير أنه سمع جابر ابن عبد اللَّه يقول: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: من رآني في المنام فقد رآني فإنه لا ينبغي للشيطان أن يتشبه بى.
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 3/ 456، حديث رقم (11129) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 120/ 473، كتاب التعبير، باب (10) من رأى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في المنام ن حديث رقم (6997) ، (6994) .
وذكره الإمام أحمد في (مسندة) : 2/ 31، حديث رقم (4292) ، (462) ، حديث رقم (7128) ، 514 حديث رقم (7500) ، 3/ 14، حديث رقم (8303) ، 132 حديث رقم (9061) ، 133 حديث رقم (9069) ، 157 حديث رقم (9204) ، 255 حديث رقم (9650) ، 235 حديث (9713) ، 242 حديث رقم (9759) ، 4/ 173 حديث رقم (13437) ، 315، حديث رقم (14365) ، (سنن الترمذي) : 4/ 465، كتاب الرؤيا، باب (6) ما جاء في تعبير الرؤيا، حديث رقم (2279) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 31، كتاب الرؤيا، باب (1) ، حديث رقم (12) ، (13) .

(10/292)


وخرج الترمذي [ (1) ] من حديث يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة، عن ابن سيرين، عن أبى هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: الرؤيا ثلاث: فرؤيا حق، ورؤيا يحدث بها الرجل نفسه، ورؤيا تحزين من الشيطان.
فمن رأى ما يكره فليقم فليصل، وكان يقول: يعجبني القيد وأكره الغل:
القيد: ثبات في الدين، وكان يقول: من رآني أنا هو فإنه ليس للشيطان أن يتمثل بى، وكان يقول: لا تقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح،
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
وخرج مسلم من طريق حماد بن زيد، حدثنا أيوب وهشام عن محمد، عن أبى هريرة، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بى.
وللطبراني في (أوسط معاجمه) من حديث أبى سعيد الخدريّ، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بى ولا بالكعبة،
ثم قال: لا نحفظ هذه اللفظة إلا لهذا الحديث، واعلم أن صورة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم التي شاهدها الحس مع قوته في المدينة، وأما صورة روحه ولطيفته فما شاهدها أحد وكل روح بهذه المثابة لم يشاهدها أحد ولا من نعته، بل يتجسد للرائي روح النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في المنام بصورة حسنة من غير أن يحرم شيئا، فهو محمد صلى اللَّه عليه وسلّم المرئي من حيث روحه في جسد صورة جسدية تشبه إلى رؤيته، ولا يمكن للشيطان أن يتصور بصورة جسده صلى اللَّه عليه وسلّم عصمة من اللَّه تعالى في حق الرائي، ولهذا من يراه بهذه الصورة يأخذ عنه جميع ما يأمره به، أو ينهاه عنه أو يخبره كما كان يأخذ عنه في الحياة الدنيا الأحكام على حسب ما يكون منه اللفظ الدال عليه من نص أو ظاهر أو مجمل. أو ما كان فان اعطى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم الرائي شيئا فإن ذلك الوقت هو الّذي يدخله التعبير، فان خرج في الحس كما كان في الخيال فتلك رؤيا لا تعبير لها.
__________
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 4/ 465، كتاب الرؤيا، باب (6) ، حديث رقم (2280) .

(10/293)


قال القاضي أبو بكر قوله: فإن الشيطان لا يتمثل به معناه أن رؤياه صحيحة، وليست بأضغاث [ (1) ] وقال آخرون: معناه رآه حقيقة.
قال القاضي عياض: ويحتمل أن يكون المراد ما إذا رآه على صفته المعروفة له في حياته فإن رآه على خلافها، كانت رؤيا تقاويل لا رؤيا حقيقة.
قال بعض العلماء: خص صلى اللَّه عليه وسلّم بأن رؤيته في المنام صحيحة ومنع الشيطان أن يتمثل في خلقة لئلا يكذب على لسانه في النوم، كما منعه أن يتصف في صورته في اليقظة إكراما له، فإذا تقرر ذلك فما سمعه الرائي منه في المنام، مما يتعلق بالأحكام لا يعمل به لعدم ضبط الرائي لا للشك في الرؤيا فإن الخبر لا يقبل إلا من ضابط مكلف والنائم بخلافه هنا ما ذكره القاضي حسين في فتاويه في مسألة صيام رمضان، وذكره أيضا جماعة من الأصحاب وجزم به النووي في (الروضة) من زوائده في أوائل النكاح في الكلام على الخصائص ونقل القاضي عياض الإجماع عليه [ (2) ] .
ونقل النووي أيضا في (شرح مسلم) في باب بيان أن الإسناد من الدين عن أصحابنا وغيرهم أنهم نقلوا الاتفاق على أنه لا يغير بسبب ما يراه النائم ما تقرر في الشرع ثم قال: وهذا في مقام يتعلق بإثبات حكم على خلاف ما يحكم به أما إذا راء مرة يفعل ما هو مندوب إليه أو ينهاه من منهيّ عنه أو يرشده إلى فعل مصلحة فلا خلاف في استجاب العمل على وقفه لان ذلك ليس حكما بمجرد المنام بل بما تقرر من أصل ذلك الشيء [ (3) ] .
__________
[ (1) ] الأضغاث: جمع ضغث وهو الحلم الّذي لا تأويل له، ولا خير فيه، وهي الأحلام المختلطة التي دخل بعضها في بعض (اللسان) : 2/ 163.
[ (2) ] (روضة الطالبين) : 5/ 361، كتاب النكاح، باب في خصائص رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في النكاح وغيره.
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 1/ 230، المقدمة، باب (5) بيان أن الإسناد من الدين، حديث رقم (7) .

(10/294)


نعم عن فتاوى عن الحكم فأفتاه بخلاف مذهبه وليس مخالفا ولا إجماعا فقال: فيه وجهان أحدهما: يأخذ بقوله لأنه مقدم على القياس وثانيهما، لا لأن القياس دليل والأحلام لا يعول عليها فلا يترك من أجلها الدليل ومن كتاب (الجدل) الأستاذ ابى إسحاق الأسفرايني حكاية وجهين في أن الرجل لو رأى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في المنام وأمره بأمر هل يجب عليه امتثاله إذا استيقظ وجهين أيضا في وجوب التمسك بالحلم من حديث هو في الحالة المذكورة ومن (روضة الحكام) للقاضي شريح من أصحابنا: لو كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال لفلان: صلى فلان كذا هل للسامع أن يشهد لفلان صلى فلان كذا وجهان.
وقد عد القضاعي هذه الخصوصية مما خص به النبي صلى اللَّه عليه وسلّم دون غيره من الأنبياء وعبر بقوله أنه حرم على الشيطان أن يتمثل به صلى اللَّه عليه وسلّم.
***

(10/295)


الثالثة والأربعون: أن الأرض لا تأكل لحوم الأنبياء
خرج الإمام أحمد [ (1) ] من طريق حسين بن على الجعفي، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبى الأشعث، عن أوس بن أوس الثقفي، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه الصعقة، فأكثروا على من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة على، قالوا:
وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ يقولون: بليث فقال: إن اللَّه عز وجل حرم على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء» .
وخرجه أبو داود [ (2) ] ومسلم [ (3) ] والنسائي [ (4) ] إلا انهما قالا: إن اللَّه حرم على الأرض أن تأكل أجسام الأنبياء ولم يقل أبو داود أن تأكل،
وعن أبى العالية إن لحوم الأنبياء لا تبليها الأرض ولا تأكلها السباع.
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 4/ 577. حديث رقم (15729) .
[ (2) ] (سنن أبى داود) : 1/ 635، كتاب الصلاة، باب (207) فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة، حديث رقم (1047) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 6/ 390، كتاب الجمعة، باب (5) فضل يوم الجمعة، حديث رقم (854) .
[ (4) ] (سنن النسائي) : 3/ 101- 102، (5) إكثار الصلاة على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يوم الجمعة، حديث رقم 1373.
وأخرجه أيضا ابن ماجة في (السنن) : كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها باب (79) في فضل الجمعة، حديث رقم (1085) .
وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : 4/ 604- 605، كتاب الأهوال، حديث رقم (8681) .

(10/296)


الرابعة والأربعون: أن الكذب عليه صلى اللَّه عليه وسلّم ليس كالكذب على غيره
فقد تواتر عنه صلى اللَّه عليه وسلّم إن من كذب عليه متعمدا فليتبوَّأ مقعده من النار.
روى هذا الحديث من طريق نيف وثمانين صحابيا وهو في الصحيحين [ (1) ] من حديث على بن أبى طالب، وأنس بن مالك، وأبى هريرة، والمغيرة بن شعبة.
وعند البخاري من رواية الزبير بن العوام وسلمة بن الأكوع وعبد اللَّه ابن عمرو بن العاص رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ولفظ بلغوا عنى ولو آيه،
وحدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج، ومن كذب على متعمدا فليتبوَّأ مقعده من النار.
وفي (مسند الإمام أحمد) [ (2) ] عن عثمان بن عفان، وعبد اللَّه بن عمر ابن الخطاب وأبى سعيد الخدريّ، وسلمة بن الأسقع وزيد بن أرقم رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه.
__________
[ () ] وأخرجه أيضا البيهقي في (السنن الكبرى) : 3/ 248- 249، كتاب الجمعة، باب ما يؤمر به في ليلة الجمعة ويومها من كثرة الصلاة على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، (كنز العمال) : 8/ 368، فضل في صلاة الجمعة وما يتعلق بها، حديث رقم (23301) ، (البداية والنهاية) :
5/ 297، ما أصاب المسلمين من المصيبة بوفاته صلى اللَّه عليه وسلّم (المصنف) : 2/ 254، 792 في ثواب الصلاة على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (8697) ، (ميزان الاعتدال) : 2/ 99، حديث رقم (2991) .
[ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 267، كتاب العلم، باب (38) إثم من كذب على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (107) ، (108) ، (109) ، (110) ، 10/ 707، كتاب الأدب، حديث (6197) و (مسلم بشرح النووي) : 1/ 181- 187 المقدمة، باب (2) تغليظ الكذب على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم.
[ (2) ] (المسند) : 3/ 442، حديث رقم (10951) ، (11032) .

(10/297)


وعند الترمذي [ (1) ] عن عبد اللَّه بن مسعود ورواه بن ماجة [ (2) ] عن جابر بن عبد اللَّه، وابى قتادة، وقد صنف فيه جماعة من الحفاظ كإبراهيم الحربي ويحيى ابن صاعد والطبراني والبزار وابن مندة وغيرهم من المتقدمين وصنف فيه أبو الفرج بن الجوزي ويوسف بن خليل من المتأخرين وصرح بتواتره ابو عمرو بن الصلاح وأبو زكريا النووي وغيرهما من حفاظ الحديث وهو الحق
__________
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 34- 35، كتاب العلم، باب (8) ما جاء في تعظيم الكذب على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم.
[ (2) ] (سنن ابن ماجة) : 1/ 13- 14 المقدمة، باب (4) التغليظ في تعمد الكذب على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (30) ، (31) ، (32) ، (33) ، (34) ، (35) ، (36) ، (37) ، 345، حديث رقم (1085) ، 524، حديث رقم (1636) . (الموضوعات) 1/ 90- 91، (الكامل لابن عدي) : 1/ 6- 13 وأخرجه علاء الدين الهندي في (كنز العمال) : 10/ 233، حديث رقم (29229) ، (29230) ، (29231) ، (29232) وأخرجه أيضا الطحاوي في (مشكل الآثار) : 1/ 169.
وقال في هامش (المصنوع في معرفة الحديث الموضوع) : وقال الحافظ الذهبي في «تذكرة الحفاظ» 3: 980، في ترجمة أبى بكر المفيد (محمد بن أحمد محدث جرجرايا) «قرأت على أحمد بن سباع، وأنا عتيق بن أبى الفضل سنه 641، أنا أبو القاسم الحافظ، أنا أبو غالب بن البناء وأخوه يحيى، قالا: أنا الحسن بن غالب المقري، أنا محمد بن أحمد المفيد.
بجرجرايا إملاء أنا عثمان بن الخطاب، سمعت عليا، سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: من كذب على متعمدا فليتبوَّأ مقعده من النار هذا مما لا أفرح يعلوه، لعلمه بأن هذا الكذب ما رأى عليا رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أصلا، ولا واللَّه رأى من رآه» .
وأخرجه أيضا أبو داود في (السنن) : 4/ 63، كتاب العلم، باب (4) التشديد في الكذب على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم.
وأخرجه أيضا النسائي في (السنن) : باب (4) ذكر فضل يوم الجمعة، (5) إكثار الصلاة على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يوم الجمعة، حديث رقم (1373) .
وأخرجه أيضا أبو داود في (السنن) : 1/ 635، كتاب الصلاة، باب (207) فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة، حديث رقم (1047) ، 2/ 184، حديث رقم (1531) .

(10/298)


ولهذا أجمع العلماء على كفر من كذب على الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم تعمدا مستجيزا لذلك واختلفوا في المتعمد فقط فقال الشيخ أبو محمد الجويني: يكفر أيضا ويخالفه الجمهور ثم لو تاب فهل تقبل روايته على قولين: فأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو بكر الحميدي والصيرفي من أصحابنا قالوا: لا تقبل توبته ولا روايته
لقوله صلى اللَّه عليه وسلّم إن كذبا على ليس ككذب على أحد، من كذب على فليتبوَّأ مقعده من النار
قالوا: ومعلوم أن من كذب على غيره فقد أثم وفسق، وكذلك الكذب عليه صلى اللَّه عليه وسلّم لكن من تاب عن الكذب على غيره تقبل بالإجماع توبته، فينبغي أن لا تقبل توبته من كذب عليه صلى اللَّه عليه وسلّم ولا روايته فرقا بين الكذب عليه والكذب على غيره وأما الجمهور فقال: إن تاب قبلت توبته وروايته وهذا هو الصحيح واللَّه اعلم.

الخامسة والأربعون: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم كان معصوما في أقواله وأفعاله ولا يجوز عليه التعمد ولا الخطأ الّذي يتعلق بأداء الرسالة ولا بغيرها فيقدر عليه
[قال تعالى] [ (1) ] وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى فلهذا قال كثير من العلماء: لم يكن له الاجتهاد لأنه قادر على النص وقال آخرون: بل لا يقدر عليه فعلى الأقوال كلها هو واجب العصمة لا يتصور استمرار الخطأ عليه بخلاف أمته فإنه يجوز ذلك على كل واحد منهم منفردا فأما إن اجتمعوا كلهم على قول واحد فلا يجوز عليهم الخطأ كما تقدم.
قال الماوردي في (تفسيره) : قال ابن أبى هريرة: كان صلى اللَّه عليه وسلّم لا يجوز عليه الخطأ ويجوز على غيره من الأنبياء لأنه خاتم النبيين فليس بعده من يستدرك الخطأ بخلافهم فلذلك عصمه اللَّه تعالى منه وقال الإمام الحق الحق:
إنه لا يخطئ في اجتهاده صلى اللَّه عليه وسلّم.
__________
[ (1) ] زيادة يقتضيها السياق.

(10/299)


واختار الآمدي وابن الحاجب أنه يجوز عليه بشرط أن لا يقره عليه ونقله المدى من أكثر أصحابنا والحنابلة وأصحاب الحديث واحتج عليه بأشياء [ (1) ] .

السادسة والأربعون: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم حي في قبره وكذلك الأنبياء عليهم السلام
وقد أفرد الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي في ذلك جزءا حاصله أنه خرج من طريق أبى احمد بن عدي الحافظ قال: حدثنا قسطنطين بن عبد اللَّه الرومي أخبرنا الحسين بن عرفه العبديّ قال: حدثني الحسن بن قتيبة المدائني أخبرنا مسلم بن سعيد الثقفي عن الحجاج بن الأسود عن ثابت البناني عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون. قال البيهقي: هذا الحديث يعد في أفراد الحسن بن قتيبة المدائني أبو على، له أحاديث غرائب حسان وأرجو أنه لا بأس به.
قال البيهقي: وقد روى عن يحيى بن أبى بكر عن المسلم بن سعيد فذكره من طريق ابى يعلى الموصلي قال ابن على المسلم: عن الحجاج فذكره.
__________
[ (1) ] قال القاضي عياض: وأما وفور عقله، وذكاء لبه، وقوة حواسه وفصاحة لسانه، واعتدال حركاته، وحسن شمائله، فلا حرمة أنه صلى اللَّه عليه وسلّم كان أعقل الناس وأذكاهم، ومن تأمل تدبيره أمر بواطن الخلق وظواهرهم، وسياسة العامة والخاصة، مع عجيب شمائله وبديع سيره، فضلا عما أفاضه من العلم، وقرره من الشرع، دون تعلم سبق، ولا ممارسة تقدمت، ولا مطالعة للكتب منه، لم يمتر في رجحان عقله، وثقوب فهمه لأول بديهة، وهذا مما لا يحتاج إلى تقريره لتحققه (الشفا) : 1/ 42.
وقد قال وهب بن منبه: قرأت في أحد وسبعين كتابا، فوجدت جميعها أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أرجح الناس عقلا، وأفضلهم رأيا وفي رواية أخرى: فوجدت في جميعها أن اللَّه تعالى لم يعط جميع الناس من بدء الدنيا إلى انقضائها من العقل في جنب عقله صلى اللَّه عليه وسلّم إلا كحبة رمل من بين رمال الدنيا (المرجع السابق) .

(10/300)


وخرجه البيهقي عن سعيد ثنا عبيد اللَّه بن أبى أحمد النهلي عن أبى المليح عن أنس قال: الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون [ (1) ] .
__________
[ (1) ] وأخرجه الألباني في (سلسلة الأحاديث الصحيحة) : 2/ 187- 191، حديث رقم (6210) وابن عدي في (الكامل) والبيهقي في (حياة الأنبياء) عن الحجاج بن الأسود عن ثابت البناني عن أنس مرفوعا به. وقال البيهقي: «يعد في أفراد الحسن بن قتيبة» . وقال ابن عدي: «وله أحاديث غرائب حسان، وأرجو أنه لا بأس به» كذا قال، ورده الذهبي بقوله: «قلت: بل هو مالك، قال الدار قطنى في رواية البرقاني عنه» متروك الحديث» . وقال أبو حاتم: «ضعيف» . وقال الأزدي: «واهي الحديث:. وقال العقيلي: كثير الوهم. قلت:
وأقره الحافظ في «اللسان» ، وبقية رجال الاسناد ثقات، ليس فيهم من ينظر فيه غير الحجاج ابن الأسود، فقد أورده الذهبي في: «الميزان» وقال «نكرة، ما روى عنه- فيما أعلم- سوى مسلم بن سعيد فأتى يخبر منكر عنه، عن أنس في أن الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون. رواه البيهقي لكن تعقبه الحافظ في (اللسان) ، فقال عقبه» وإنما هو حجاج بن أبى زياد الأسود، يعرف ب (زق العسل) وهو بصرى كان ينزل القسامل. روى عن ثابت وجابر بن زيد، وابى نضرة وجماعة. وعنه جرير بن حازم وحماد بن سلمة وروح بن عبادة واخرون. قال أحمد:
ثقة، ورجل صالح، وقال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وذكره ابن حبان في (الثقات) فقال: حجاج بن أبى زياد الأسود من أهل البصرة.... وهو الّذي يحدث عنه حماد بن سلمة فيقول: حدثني حجاج بن الأسود قلت: ويتلخض منه أن حجاجا هذا ثقة بلا خوف، وأن الذهبي توهم أنه غيره فلم يعرفه ولذلك استنكر حديثه، ويبدو أنه عرفه فيما بعد، فقد أخرج له الحاكم في (المستدرك) : 4/ 332، حديثا اخر، فقال الذهبي في (تلخيصه) : «قلت: حجاج ثقة» . وكأنه لذلك لم يورده في كتابه (الضعفاء) ولا في (ذيله) .
واللَّه اعلم.

(10/301)


__________
[ () ] وجملة القول: أن الحديث بهذا الإسناد ضعيف، وأن علته إنما هي من الحسن ابن قتيبة المدائني، ولكنه لم يتفرد به، خلافا لما سبق ذكره عن البيهقي، فقال أبو يعلى الموصلي في (مسندة) ثنا أبو الجهم الأزرق بن على، ثنا يحيى بن أبى بكير، ثنا المستلم بن سعيد به.
ومن طريق أبى يعلى أخرجه البيهقي قال: أخبرنا الثقة من أهل العلم قال: أنبأ أبو عمرو بن حمدان قال: انبأ أبو يعلى الموصلي ... قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات، غير الأزرق هذا قال الحافظ في (التقريب) : صدوق يغرب. ولم ينفرد به فقد أخرجه أبو نعيم في (أخبار أصبهان) من طريق عبد اللَّه بن إبراهيم بن الصباح عن عبد اللَّه بن محمد بن يحيى بن أبى بكير ثنا يحيى بن ابى بكير به أورده في ترجمه ابن الصباح هذا، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وعبد اللَّه بن محمد بن يحيى بن أبى بكير، فترجمه للخطيب وقال: سمع جده يحيى بن أبى بكير قاضى كرمان ... وكان ثقة فهذه متابعة قوية للأزرق، تدل على أنه قد حفظ ولم يغرب. وكأنه لذلك قال المناوى في (فيض القدير) بعد ما عزا أصله لأبى يعلى: «وهو حديث صحيح» . ولكنه لم يبين وجهه، وقد كفيناك مؤنته، والحمد للَّه الّذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا اللَّه.
هذا. وقد كنت برهة من الدهر ارى أن هذا الحديث ضعيف لظني أنه مما تفرد به ابن قتيبة- كما قال البيهقي- ولم أكن قد وقفت عليه في (مسند أبى يعلى) و (أخبار أصبهان) .
فلما وقفت على إسناده فيهما تبين لي أنه إسناد قوى، وأن التفرد المذكور غير صحيح ن ولذلك بادرت إلى إخراجه في هذا الكتاب تبرئه، للذمة، وأداء للأمانة العلمية، ولو أن ذلك قد يفتح الطريق لجاهل أو حاقد إلى الطعن والغمز واللمز، فلست أبالى بذلك ما دمت أنى أقوم بواجب ديني أرجو ثوابه من اللَّه تعالى وحده.
فإذا رأيت أيها القاري الكريم في شيء من تأليفى خلاف هذا التحقيق، فاضرب عليه، واعتمد هذا وعض عليه بالنواجذ، فإنّي لا أظن أنه يتسير لك الوقوف على مثله. واللَّه ولى التوفيق.

(10/302)


قال: هذا موقوف
عن أنس بن أبى ليلى عن ثابت عن أنس عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: إن الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة ولكنهم يصلون بين يدي اللَّه حتى ينفخ في الصور [ (1) ] .
قال البيهقي: وهذا إن صح بهذا اللفظ فالمراد لا يتركون لا يصلون إلا هذا المقدار ثم يكونون مصلين فيما بين يدي اللَّه تعالى ويحتمل أن يكون المراد به رفع أجسادهم مع أرواحهم فقد روى سفيان الثوري في الجامع فقال: قال لنا شيخ: عن سعيد بن المسيب قال: ما مكث نبي في قبره أكثر من أربعين ليلة حتى رفع [ (2) ] .
__________
[ () ] ثم اعلم ان الحياة التي أثبتها هذا الحديث للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وإنما هي حياة برزخية، ليست من حياة الدنيا في شيء. ولذلك وجب الإيمان بها، دون ضرب الأمثال لها ومحاولة تكييفها وتشبيهها بما هو المعروف عندنا في حياة الدنيا. هذا هو الموقف الّذي يجب أن يتخذه المؤمن في هذا الصدد: الإيمان بما جاء في الحديث دون الزيادة عليه بالآراء كما يفعل أهل البدع الذين وصل الأمر ببعضهم، إلى ادعاء أن حياته صلى اللَّه عليه وسلّم في قبره حياة حقيقية.
قال: يأكل ويشرب وبجامع نساءه!! وإنما هي حياة برزخية لا يعلم حقيقتها إلا اللَّه سبحانه وتعالى.
وأخرجه ابن حجر في (لسان الميزان) : 2/ 304، حديث رقم (2556) .
وأخرجه أيضا أبو عبد الذهبي في (ميزان الاعتدال) 1/ 518، حديث رقم (1933) .
وأخرجه أيضا ابن حجر في (المطالب العالية) : 3/ 269 باب حياة الأنبياء في قبورهم يصلون، حديث رقم (3452) .
[ (1) ]
(كنز العمال) : 11/ 474، فصل في بعض خصائص الأنبياء عموما، حديث رقم (32230) ، وعزاه إلى ابن عساكر في (تاريخه) ، والبيهقي في (حياة الأنبياء) عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، (الموضوعات) : 1/ 303، باب مقدار لبثه في قبره ميتا ولفظه: «ما من نبي يموت فيقيم في قبره إلا أربعين صباحا حتى ترد إليه روحه» .
قال ابن حبان: هذا حديث باطل موضوع، والحسن بن يحيى منكر الحديث جدا يروى عن الثقات ما لا أصل له. وقال يحيى: الحسن ليس بشيء وقال الدار قطنى: متروك.
[ (2) ] (سلسلة الأحاديث الضعيفة) : حديث رقم (201) .

(10/303)


قال كاتبه: وقال محمد بن زبالة: حدثني محمد بن حسن، عن إبراهيم ابن عبد الرحمن ابن عبد اللَّه، قال: كنت جالسا عند سعيد بن المسيب، فرآهم يلوذون بقبر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: لعلهم يرون أنه فيه ما يرى في قبره أكثر من أربعين ليلة.
وحدثني محمد بن حسن عن عثمان عن الحكم بن عيينة عن سعيد مثلة قال البيهقي: فعلى هذا يسيرون كسائر الأحياء يكونون حيث ينزلهم اللَّه تعالى لما روينا في حديث المعراج وغيره أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم رأى موسى عليه السلام قائما يصلى في قبره ثم رآه مع سائر الأنبياء في بيت المقدس ثم رآهم في السموات، ولحياة الأنبياء بعد موتهم شواهد من الأحاديث الصحيحة فذكر حديث يزيد بن هارون أن سليمان التيمي عن أنس أن بعض أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أخبره أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ليلة اسرى به مر على موسى وهو يصلى في قبره [ (1) ] .
وحديث سفيان الثوري ثنا سليمان عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: مررت على موسى وهو قائم يصلى في قبره
[ (2) ]
وحديث حماد بن سلمة ثنا سليمان التيمي وثابت عن أنس ان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: أتيت على موسى ليلة اسرى بى عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلى في قبره خرجه مسلم من حديث حماد بن سلمة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما ومن حديث الثوري وعيسى بن يونس وجرير بن عبد الحميد عن التيمي
قال المؤلف [ (3) ] .
__________
[ (1) ] سيق تخريج أحاديث الإسراء والمعراج في الجزء الأول من (إمتاع الأسماع) بتحقيقنا ص 47.
[ (2) ] (الكامل لابن عدي) : 5/ 38، ترجمه عمر بن حبيب العدوي رقم (1208) .
[ (3) ] راجع التعليق السابق.

(10/304)


وخرج البيهقي [ (1) ] من حديث عبد العزيز بن أبى سلمة عن عبد اللَّه بن الفضل الهاشمي عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: لقد رأيتني في الحجر وأنا أخبر قريش عن مسراى، فسألوني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها، فكربت كربا ما كربت مثله قط، فرفعه اللَّه تعالى إليّ انظر إليه ما يسألونى عن شيء إلا أنبأتهم به، وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا موسى قائم يصلى، وإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءة، وإذا عيسى قائم يصلى أقرب الناس منه شبها: عروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم قائم يصلى أشبه الناس به صاحبكم يعنى نفسه صلى اللَّه عليه وسلّم، فقامت الصلاة، فأممتهم، فلما فرغت من الصلاة قال لي قائل: يا محمد هذا مالك صاحب النار، فسلم عليه، فالتفت إليه فبدأني بالسلام.
خرجه مسلم من حديث عبد العزيز وفي حديث سعيد بن المسيب لقيهم في مسجد بيت المقدس.
وفي حديث أبى ذر ومالك بن صعصعة في قصة المعراج أنه لقيهم في جماعة من الأنبياء في السموات وحكمهم وحكموه وكل ذلك صحيح لا يخالف بعضه بعضا فقد يرى موسى قائما يصلى في قبره ثم أسرى بموسى وغيره إلى بيت المقدس كما أسرى بنبينا فيراهم فيه ثم يعرج بهم إلى السموات كما عرج نبينا فيراهم فيه كما أخبر صلى اللَّه عليه وسلّم فحلوله في أوقات بمواضع مختلفات ثابت، فجائز في العقل كما ورد عن الصادق وفي ذلك دلالة على حياتهم على ذلك فذكر
حديث أوس الثقفي أن اللَّه حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء
قال: وله شواهد فذكر
حديث أبى مسعود يرفعه ليس يصلى على أحد يوم الجمعة إلا عرضت على صلاته [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (دلائل النبوة) : 2/ 358- 359، باب الإسراء برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وما ظهر في ذلك من الآيات.
[ (2) ] (المستدرك) : 2/ 457، كتاب التفسير تفسير سورة الأحزاب، حديث رقم (3577) ، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، فإن أبا رافع هذا هو إسماعيل بن رافع ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : إسماعيل بن رافع أبو رافع: ضعفوه.

(10/305)


وحديث أبى أسامة: أكثروا عليّ من الصلاة في كل يوم جمعة فإن صلاة أمتى تعرض عليّ في كل يوم جمعه.
وحديث أنس يرفعه وفيه ثم يوكل اللَّه بذلك ملك يدخله في قبري كما تدخل عليكم الهداية يخبرني من صلى على باسمه ونسبه إلى عشيرته.
فأثبتته عندي في صحيفة بيضاء.
وحديث أبى هريرة وفيه: صلوا على فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم
وحديثه أيضا يرفعه ما من أحد يسلم على إلا رد اللَّه على روحي حتى أرد عليه السلام [ (1) ] .
قال البيهقي: وإنما أراد واللَّه اعلم إلا وقد ردّ اللَّه روحي حتى أرد عليه السلام.
وذكره حديث ابن مسعود يرفعه إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغونني من أمتى السلام.
وحديث أبى هريرة يرفعه من صلى على عند قبري سمعته ومن صلى على غائبا أبلغته وذكر حديث لا تخيرونى على موسى فإن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق فإذا موسى باطش بجانب العرش فلا أدرى أكان فيما صعق فأفاق قبلي أو كان فيما يستثنى اللَّه فهذا إنما يصح على أن اللَّه تعالى رد إلى الأنبياء أرواحهم وهم أحياء عند ربهم كالشهداء فإذا نفخ في الصور النفخة الأولى صعقوا فيما صعق
ثم لا يكون ذلك مرئيا في جميع معانيه إلا في ذهاب الاستشعار فإن كان موسى ممن استشنى اللَّه بقوله إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ فلله تعالى لا يذهب باستشعاره في تلك الحالة ويحاسبه اللَّه بصعقة الصور واللَّه أعلم.
وقال ابن زبالة: وحدثني يزيد عن مبارك بن فضالة عن الحسن قال:
قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من كلمه روح القدس لم يؤذن للأرض أن تأكل من لحمه [ (2) ] .
__________
[ (1) ]
(سنن أبى داود) : 2/ 534، كتاب المناسك، باب (100) زيارة القبور، حديث رقم (2041) ، حديث رقم (2042) ولفظه «لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا على فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم»
[ (2) ] (الدر المنثور) : 1/ 87.

(10/306)


السابعة والأربعون: ما من أحد يسلم عليه صلى اللَّه عليه وسلّم إلا ردّ اللَّه تعالى إليه روحه ليردّ عليه السلام يبلغه صلى اللَّه عليه وسلّم سلام الناس عليه بعد موته ويشهد لجميع الأنبياء بالأداء يوم القيامة
قال الماوردي: أما شهادته للأنبياء عليهم السلام فتقدم ذكره وأما السلام عليه:
فخرج النسائي من طريق سفيان بن سعيد الثوري عن عبد اللَّه بن السائب عن زاذان عن عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال:
قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إن للَّه ملائكة سياحين يبلغوني حين يبلغوني عن أمتى السلام [ (1) ] وخرجه الحاكم في مستدركه
وقال: صحيح الإسناد [ (2) ] .
وخرج البيهقي وغيره من حديث أبى عبد الرحمن المقرئ قال ثنا حيوة ابن شريح: عن أبى صخر عن يزيد بن عبد اللَّه بن قسط عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: ما من أحد يسلم عليّ إلا رد اللَّه روحي حتى أرد عليه السلام [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (سنن النسائي:) 3/ 50، كتاب السهو، باب (46) السلام على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (1281) ،
قوله: «سياحين»
صفة الملائكة، يقال: ساح في الأرض يسيح سياحة إذا ذهب فيها، وأصله من السيح، وهو الماء الجاري المنبسط على الأرض والسياح بالتشديد كالعلاء، مبالغة فيها.
«يبلغوني»
من الإبلاغ أو التبليغ، وفيه حث على الصلاة والسلام عليه، وتعظيم له صلى اللَّه عليه وسلّم، وإجلال لمنزلته، حيث سخر الملائكة الكرام لهذا الشأن الفخم.
[ (2) ] (المستدرك) : 2/ 456، كتاب التفسير، تفسير سورة الأحزاب، حديث رقم (3576) ، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقد علونا في حديث الثوري فإنه مشهور عنه، فأما حديث الأعمش، عن عبد اللَّه بن السائب، فإنا لم نكتبه إلا بهذا الإسناد، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
[ (3) ] (السنن الكبرى للبيهقي) : 5/ 245، كتاب الحج، باب الزيارة قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم.

(10/307)


وخرجه الإمام أحمد من طريق عبد اللَّه ثنا حيوة به ولفظه عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من أحد يسلم عليّ إلا رد اللَّه إلى روحي حتى أرد عليه السلام
[ (1) ] وقال أبو بكر بن أبى الدنيا: حدثني سويد بن سعيد حدثني ابن أبى الرجال عن سليمان بن عثمان قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في النوم فقلت يا رسول اللَّه هؤلاء الذين يأتوك فيسلمون عليك أتفقه سلامهم؟ قال: نعم وأرد عليهم.

الثامنة والأربعون: من خصائصه صلى اللَّه عليه وسلّم أنه كان نورا وكان إذا مشى في الشمس والقمر لا يظهر له ظل
جعل ابن سبع في كتاب (شفاء الصدر) من خصائصه صلى اللَّه عليه وسلّم أنه كان نورا وكان إذا مشى في الشمس والقمر لا يظهر له ظل ويشهد لما ذكره قول اللَّه تعالى: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ [ (2) ] فسماه اللَّه نورا وسماه سراجا فقال تعالى: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً [ (3) ] قال الطبري: يعنى بالنور محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم الّذي أنار اللَّه به الحق وأظهر به الإسلام ومحق به الشرك وهو نور لمن استتار به انتهى.
وثبت أنه صلى اللَّه عليه وسلّم سأل اللَّه تعالى أن يجعل في جميع أعضائه وجهان نورا وختم ذلك بقوله واجعلني نورا.
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 3/ 338، حديث رقم (10434) ، من مسند أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه.
[ (2) ] المائدة: 15.
[ (3) ] الأحزاب: 45.

(10/308)


وخرجه مسلم [ (1) ] من حديث محمد بن جعفر عن شعبه عن سلمه بن كهيل عن كريب عن ابن عباس قال: بنت عند خالتي ميمونة الحديث وفيه واجعل لي نورا وقال: واجعلني نورا، وفي رواية النضر عن شعبه واجعلني نورا ولم يشك.
***
__________
[ (1) ] رواه البخاري في صلاة الجماعة، باب يقوم عن يمين الإمام بحذائه، سواء كانا اثنين، وباب إذا قام الرجل عن يسار الإمام، وباب إذا قام الرجل عن يسار الإمام وحوله الإمام خلفه إلى يمينه الوضوء، باب التخفيف في، وباب قراءة القرآن بعد الحدث وغيره، وفي صفة الصلاة، باب وضوء الصبيان، وفي الوتر، باب ما جاء في الوتر، وفي العمل في الصلاة، باب استعانة اليد في الصلاة إذا كان أمر الصلاة، وفي تفسير سورة آل عمران، باب قوله تعالى:
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.
وباب قوله تعالى الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وباب قوله تعالى:
رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ، وباب قوله تعالى: رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ وفي اللباس، باب الذوائب، وفي الأدب، باب رفع البصر إلى السماء، وفي الدعوات، باب الدعاء إذا أنتبه بالليل، وفي التوحيد، باب ما جاء في تخليق السموات والأرض وغيرها من الخلائق.
ومسلم في صلاة المسافرين، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامة، حديث رقم (763) ، (والموطأ) : 1/ 121- 122، في صلاة الليل، باب صلاة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في الوتر، وأبو داود في الصلاة، باب الرجلين يؤم أحدهما صاحبه كيف يقومان، حديث رقم (610) ، (611) ، والترمذي في الصلاة باب ما جاء في الرجل يصلى ومعه رجل، حديث رقم (232) ، والنسائي في الإمامة، باب الجماعة إذا كانوا اثنين، حديث رقم (842) . جامع الأصول: 5/ 600- 601، حديث رقم (3852) وقال: وهذه الروايات أطراف من حديث طويل، وله روايات كثيرة، وطرق عدة، قد أخرجه الجماعة، ويرد في صلاة الليل.

(10/309)


وأما أنه صلى اللَّه عليه وسلّم ولد مختونا
خرجه أبو محمد بن عدي حدثنا عبد اللَّه بن يحى السرحينى ثنا جعفر ابن عبد الواحد قال: قال لنا صفوان بن هبيرة ومحمد بن بكر الرومانى: عن ابن جريح عن عطاء عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: ولد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم مختونا [ (1) ] .
وقال محمد بن سعد: أخبرنى يونس بن عطاء المكيّ ثنا الحكم بن أبان العهدي ثنا عكرمة عن ابن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: ولد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم مختونا مسرورا قال: فأعجب ذلك عبد المطلب وحظي عنده وقال: ليكون ابني هذا شأن فكان له شأن [ (2) ] .
وقال محمد بن كثير الكوفي: ثنا إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه ان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ولد مختونا
وقال سفيان بن محمد المصيصي: أرانا هشيم عن يونس عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من كرامتي على اللَّه عز وجل انى ولدت مختونا ولم ير سوأتي أحد [ (3) ] .
__________
[ (1) ] خرجه بن عدي في (الكامل) : 2/ 15 من حديث جعفر بن عبد الواحد بسنده عن ابن عباس قال: (ولد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم مسرورا مختونا) ثم قال: وهذه الأحاديث التي ذكرتها عن جعفر بن عبد الواحد، كلها بواطيل، وله غير هذه الأحاديث المناكير وكان يتهم بوضع الحديث، وأحاديث جعفر إما تكون تروى عن ثقة بإسناد صالح ومتن منكر فلا يكون إسناده ولا متنه محفوظا، وإما يكون سرق الحديث من ثقة يكون تفرد به ذلك الثقة فيسرق منه فيرويه عن شيخ ذلك الثقة، وإما أن يجازف إذا سمع شعبة بحديث لشعبه أو مالك أو لغيرهم ويكون تفرد عنهم فلا يحفظ الشيخ ذلك الرجل فيلزقه على إنسان غيره ولا يكون لذلك الرجل في ذاك الحديث ذكر ولا يرويه، وكذلك سرقه أيضا محمد بن الوليد بن أبان مولى بنى هاشم بغدادي وغيرهما.
[ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 103، ذكر مولد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم.
[ (3) ] راجع التعليق التالي.

(10/310)


وخرج الطبراني في (الأوسط) من معاجمه حدثنا محمد بن أحمد بن الفرج الأيلي المؤدب ثنا سفيان بن محمد الغزاري ثنا هشيم عن يونس بن عبيد عن الحسن عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: من كرامتي على اللَّه أنى ولدت مختونا ولم ير سوأتي أحد قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن يونس إلا هشيم تفرد به سفيان بن محمد الفزاري.
وخرج أبو نعيم الحافظ ثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن خالد الخطيب، ثنا محمد بن محمد بن سليمان، ثنا عبد الرحمن بن أيوب الحمصي، ثنا موسى بن أبى موسى، حدثني خالد بن سلمة. عن نافع عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: ولد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم مسرورا مختونا [ (1) ] .
وخرج الطبراني في (معجمه الأوسط) عن محمد بن عبد اللَّه الحضرميّ ثنا عبد الرحمن بن عتيبة البصري ثنا على محمد السلمي أبو الحسن المدائني ثنا مسلمه بن محارب بن سلمة بن زياد عن أبيه عن أبى بكرة أن جبريل ختن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم حين طهر قلبه قال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن أبى بكرة إلا بهذا الإسناد تفرد به عبد الرحمن بن عتيبة [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (دلائل أبى نعيم) : 1/ 154، بيان رضاعه وفصاله صلى اللَّه عليه وسلّم، أنه ولد مختونا مسرورا ولم ير أحد سوأتي، وقال في هامشه: أخرجه أيضا الطبراني في (الأوسط) ، والخطيب، وابن عساكر من طرق عن أنس، وصححه الضياء المقدس في (المختارة) ، والسيوطي في (الخصائص) 1/ 132، وقال في صحيح الزوائد 4/ 244: 4/ 224: رواه الطبراني في الصغير والأوسط، وفيه شعبان الفزازى، وهو متهم.
قال الحاكم في (المستدرك) : 2/ 657- 658، تواترت الأحاديث أنه عليه السلام ولد مختونا، وولد صلى اللَّه عليه وسلّم في الدار التي في الزقاق المعروف بزقاق المدكل بمكة المكرمة، وقد صليت فيه، وهي الدار التي كانت بعد مهاجر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في يد عقيل بن أبى طالب، في [ثم] أيدي ولده بعده.
وحديث رقم (92) ، ولفظه ولفظ ابن سعد سواء، وحديث رقم (93) : «أن جبريل ختن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم حين طهر قلبه» قال الهيثمي: ولم أعرفهما، وبقية رجاله ثقات.
[ (2) ] (راجع هامش المرجع السابق) .

(10/311)


التاسعة والأربعون:
قال الشيخ عزّ الدين بن عبد السلام جاء عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أنه علم بعض الناس الدعاء فقال: قل: اللَّهمّ إني أقسم عليك بنبينا محمد صلى اللَّه عليه وسلّم نبي الرحمة
فإن صح فينبغي أن يكون مخصوصا، فإنه سيد ولد آدم، وأن لا يقسم على اللَّه بغيره من الملائكة والأنبياء والأولياء فإنّهم ليسوا في درجته قال المؤلف: هذا الحديث
خرجه الترمذي [ (1) ] من حديث عثمان بن حنيف، ولفظه اللَّهمّ إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة،
الحديث وقال: حديث حسن صحيح غريب وقد تقدم ذكره في المعجزات فتأمله وليس في طرقه كلها أقسم عليك فيها أسألك واللَّه أعلم.
__________
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 531، كتاب الدعوات، باب (119) ، حديث رقم (3578) ، وتمامه:
إني توجهت بك إلى ربى في حاجتي هذه لتقضى لي، اللَّهمّ فشفعه في.
قال: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، من حديث أبى جعفر وهو الخطميّ، وعثمان بن حنيف هو أخو سهل بن حنيف، وهو جزء من حديث طويل.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 1/ 441/ كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب (189) ما جاء في صلاة الحاجة، حديث رقم (1385) ، وفيه قوله: (إن شئت أخرت لك) أي أخرت جزاءه إلى الآخرة. ولفظ أخرت يحتمل الخطاب والتكلم. (فشفعه) أي اقبل شفاعته في حقي.

(10/312)


__________
[ () ] قال الإمام الحافظ أبو العلاء محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري في (تحفة الأحوذي) : 10/ 25 وما بعدها، وقال الإمام ابن تيمية في رسالته (التوسل والوسيلة) بعد ذكر حديث عثمان بن حنيف هذا ما لفظه: وهذا الحديث حديث الأعمى قد رواه المصنفون في دلائل النبوة كالبيهقى وغيره ثم أطال الكلام في بيان طرقه وألفاظها (من حديث أبى جعفر وهو غير الخطميّ) قال الإمام ابن تيمية: هكذا وقع في الترمذي وسائر العلماء قالوا هو أبو جعفر وهو الصواب انتهى. قلت أبو جعفر عن عمارة بن خزيمة رجلان أحدهما أبو جعفر الخطميّ بفتح المعجمة وسكون المهملة اسمه عمير بن يزيد بن عمير بن حبيب الأنصاري المدني نزيل البصرة صدوق من السادسة والثاني غير الخطميّ. قال في (التقريب) أبو جعفر عن عمارة ابن خزيمة قال الترمذي ليس هو الخطميّ فلعله الّذي بعده. قلت: والّذي بعده هو أبو جعفر الرازيّ التميمي مولاهم واسمه عيسى بن أبى عيسى عبد اللَّه بن ماهان وأصله من مرو وكان يتجر إلى الري صدوق سيئ الحفظ خصوصا عن مغيرة من كبار السابعة.
تنبيه: قال الشيخ عبد الغنى في (إنجاح الحاجة) : ذكر شيخنا عابد السندي في رسالته والحديث يدل على جواز التوسل والاستشفاع بذاته المكرم في حياته. وأما بعد مماته فقد روى الطبراني في الكبير عن عثمان بن حنيف أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له فذكر الحديث قال وقد كتب شيخنا المذكور رسالة مستقلة فيها التفصيل من أراد فليرجع إليها انتهى.
وقال الشوكانى في تحفة الذاكرين: وفي الحديث دليل على جواز التوسل برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى اللَّه عز وجل مع اعتقاد أن الفاعل هو اللَّه سبحانه تعالى وأنه المعطى المانع ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن انتهى.
وقال فيها في شرح قول صاحب العمدة: ويتوسل إلى اللَّه بأنبيائه والصالحين ما لفظه ومن التوسل بالأنبياء ما أخرجه الترمذي من حديث عثمان بن حنيف رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن أعمى أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فذكر الحديث ثم قال: وأما التوسل بالصالحين فمنه ما ثبت في الصحيح أن الصحابة استسقوا بالعباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه عم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وقال وقال عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه اللَّهمّ إنا نتوسل إليك بعم نبينا إلخ انتهى.

(10/313)


__________
[ () ] وقال في رسالته (الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد) وأما التوسل إلى اللَّه سبحانه بأحد من خلقه في مطلب يطلبه العبد من ربه فقد قال الشيخ عز الدين عبد السلام: أنه لا يجوز التوسل إلى اللَّه تعالى إلا بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم إن صح الحديث فيه. ولعله يشير إلى الحديث الّذي أخرجه النسائي في سننه والترمذي وصححه ابن ماجة وغيرهم أن أعمى أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فذكر الحديث.
قال وللناس في معنى هذا قولان أحدهما أن التوسل هو الّذي ذكره عمر بن الخطاب لما قال كنا إذا أجدبنا نتوسل بنبينا إليك فتسقينا بنبينا إليك فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا وهو في صحيح البخاري وغيره فقد ذكر عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أنهم كانوا يتوسلون بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم في حياته في الاستسقاء ثم توسل بعمه العباس بعد موته وتوسلهم هو استسقاؤهم بحيث يدعو ويدعون معه فيكون هو وسيلتهم إلى اللَّه تعالى والنبي صلى اللَّه عليه وسلّم كان في مثل هذا شافعا وداعيا لهم، والقول الثاني أن التوسل به صلى اللَّه عليه وسلّم يكون في حياته وبعد موته وفي حضرته ومغيبه ولا يخافك أنه قد ثبت التوسل به صلى اللَّه عليه وسلّم في حياته وثبت التوسل بغيره بعد موته بإجماع الصحابة إجماعا سكوتيا لعدم إنكار أحد منهم على عمر رضى اللَّه عنه في توسله بالعباس رضى اللَّه عنه، وعندي أنه لا وجه لتخصيص جواز التوسل بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم كما زعمه الشيخ عز الدين بن عبد السلام لأمرين الأول ما عرفناك به من إجماع الصحابة رضى اللَّه عنهم والثاني أن التوسل إلى اللَّه بأهل الفضل والعلم هو في التحقيق توسل بأعمالهم الصالحة ومزاياهم الفاضلة إذ لا يكون الفاضل فاضلا إلا بأعماله، فإذا قال القائل اللَّهمّ إني أتوسل إليك بالعالم الفلاني فهو باعتبار ما قام به من العلم، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم حكى عن الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة أن كل واحد منهم توسل إلى اللَّه بأعظم عمل عمله فارتفعت الصخرة، فلو كان التوسل بالأعمال غير جائز أو كان شركا كما يزعمه المشددون في هذا الباب كابن عبد السلام ومن قال بقوله من أتباعه لم تحصل الإجابة لهم ولا سكت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم عن إنكار ما فعلوه بعد حكايته عنهم. وبهذا تعلم أن ما يورده المانعون من التوسل بالأنبياء والصلحاء من قوله تعالى: ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى ونحوه قوله تعالى فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ونحو قوله تعالى: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ ليس بوارد بل هو من الاستدلال على محل النزاع بما هو أجنبى عنه، فإن قولهم ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى اللَّه زلفى مصرح بأنهم عبدوهم لذلك والمتوسل بالعالم مثلا لم يعبده بل علم أن له مزية عند اللَّه بحمله العلم فتوسل به لذلك، وكذلك قوله ولا تدعو مع اللَّه أحدا فإنه نهى عن أن التوسل عليه بعمل صالح عمله

(10/314)


__________
[ () ] بعض عباده كما توسل الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة بصالح أعمالهم وكذلك قوله:
وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الآية فإن هؤلاء دعوا من لا يستجيب لهم ولم يدعوا ربهم الّذي يستجيب لهم والمتوسل بالعالم مثلا لم يدع إلا اللَّه ولم يدع غيره دونه ولا دعا غيره معه. وإذا عرفت هذا لم يخف عليك دفع ما يورده المانعون للتوسل من الأدلة الخارجة عن محل النزاع خروجا زائدا على ما ذكرناه كاستدلالهم بقوله تعالى: وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ* ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ* يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ
فإن هذا الآية الشريفة ليس فيها إلا أنه تعالى المنفرد بالأمر في يوم الدين وأنه ليس لغيره من الأمر شيء، والمتوسل بنبي من الأنبياء أو عالم من العلماء هو لا يعتقد أن لمن توسل به مشاركة للَّه جل جلاله في أمر يوم ومن اعتقد هذا العبد من العباد سواء كان نبيا أو غير نبي فهو ضلال مبين، وهكذا الاستدلال على منع التوسل بقوله: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا فأن هاتين الآيتين مصرحتان بأنه ليس لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من أمر اللَّه شيء وأنه لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا فكيف يملك لغيره. وليس فيهما منع التوسل به أو بغيره من الأنبياء وأولياء والعلماء، وقد جعل اللَّه لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم المقام المحمود لمقام الشفاعة العظمى وأرشد الخلق إلى أن يسألوه ذلك ويطلبوه منه وقال له سل تعطه وأشفع تشفع وقيل ذلك في كتابة العزيز بأن الشفاعة لا تكون إلا بأذنه ولا تكون إلا لمن ارتضى، وهكذا الاستدلال على منع التوسل بقوله صلى اللَّه عليه وسلّم لما نزل قوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ يا فلان ابن فلان لا أملك لك من اللَّه شيئا، يا فلانة بنت فلان لا أملك من اللَّه شيئا، فإن هذا ليس فيها إلا التصريح بأنه صلى اللَّه عليه وسلّم لا يستطيع نفع من أراد اللَّه ضره ولا ضر من اللَّه تعالى نفعه وأنه لا يملك لأحد من قرابته فضلا عن غيرهم شيئا من اللَّه، وهذا معلوم لكل مسلم وليس فيه أنه لا يتوسل به إلى اللَّه فإن ذلك هو طلب الأمر ممن له الأمر والنهى وإنما أراد الطالب أن يقدم بين يدي طلبه ما يكون سببا للإجابه ممن هو المنفرد بالعطاء والمنع وهو مالك يوم الدين انتهى كلام الشوكانى.
قلت: الحق عندي أن التوسل بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم في حياته بمعنى التوسل بدعائه وشفاعته جائز وكذا التوسل بغيره من أهل الخير والصلاح في حياتهم بمعنى التوسل بدعائهم وشفاعتهم أيضا جائز، وأما التوسل به صلى اللَّه عليه وسلّم بعد مماته وكذا التوسل بغيره من أهل الخير والصلاح بعد مماتهم فلا يجوز، واختاره الإمام ابن تميمة في رسالته التوسل والوسيلة وقد أشبع الكلام في تحقيقه وأجاد

(10/315)


__________
[ () ] فيه فعليك أن تراجعها، ومن جملة كلامه فيها وإذا كان كذلك فمعلوم أنه ثبت عن عثمان بن حنيف أو غيره أنه جعل من المشروع المستحب أن يتوسل بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم بعد موته من غير أن يكون النبي صلى اللَّه عليه وسلّم داعيا له ولا شافعا فيه فقد علمنا أن عمر وأكابر الصحابة لم يروا هذا مشروعا بعد مماته كما كان يشرع في حياته بل كانوا في الاستقساء في حياته يتوسلون به فلما مات لم يتسلوا به بل قال عمر في دعائه الصحيح المشهور الثابت باتفاق أهل العلم بمحضر المهاجرين والأنصار في عام الرمادة المشهور لما اشتد بهم الجدب حتى حلف عمر لا يأكل سمنا حتى يخصب الناس، ثم لما استسقى بالناس قال: اللَّهمّ إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاستقنا فيسقون، وهذا دعاء أقره عليه جميع الصحابة لم ينكره أحد مع شهرته وهو من أظهر الإجماعات الإقرارية ودعا بمثله معاوية بن أبى سفيان في خلافته لما استسقى بالناس، فلو كان توسلهم بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم بعد مماته كتوسلهم في حياته لقالوا كيف نتوسل بمثل العباس ويزيد بن الأسود ونحوهما ونعدل عن التوسل بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم الّذي هو أفضل الخلائق وهو أفضل الوسائل وأعظمها عند اللَّه فلما لم يقل ذلك أحد منهم وقد علم أنهم في حياته إنما توسلوا بدعائه وشفاعته وبعد مماته توسلوا بدعاء غيره وشفاعة غيره علم أن المشروع عندهم التوسل بدعاء المتوسل به لا بذاته، وحديث الأعمى حجة لعمر وعامة الصحابة رضوان اللَّه عليهم أجمعين فأنه إنما أمر الأعمى أن يتوسل إلى اللَّه بشفاعة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ودعائه لا بذاته، وقال له في الدعاء قل اللَّهمّ فشفعه في، وإذا قدر أن بعض الصحابة أمر غيره أن يتوسل بذاته لا بشفاعته ولم يأمر بالدعاء المشروع بل ببعضه وترك سائره المتضمن للتوسل بشفاعته كان ما فعله عمر بن الخطاب هو الموافق لسنة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. وكان المخالف لعمر محجوجا بسنة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وكان الحديث الّذي رواه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم حجة عليه لا له. وقال فيها فأما التوسل بذاته في حضوره أو مغيبه أو بعد موته مثل الأقسام بذاته أو بغيره من الأنبياء أو السؤال بنفس ذواتهم لا بدعائهم فليس هذا مشروعا عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان لما أجدبوا استسقوا وتوسلوا أو استشفعوا بمن كان حيا كالعباس ويزيد بن الأسود ولم يتوسلوا ولم يستشفعوا ولم يستسقوا في هذه الحال بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم لا عند قبره ولا غير قبره بل عدلوا إلى البدل كالعباس وكيزيد بل كانوا يصلون عليه في دعائهم، وقد قال عم اللَّهمّ إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا فتوسل إليك بعم نبينا فاستقنا، فجعلوا هذا بدلا عن ذلك لما تعذر أن يتوسلوا به على الوجه المشروع الّذي كانوا يفعلونه، وقد كان من الممكن أن يأتوا إلى قبر هو يتوسلوا هناك ويقولوا في

(10/316)


الخمسون: كان صلى اللَّه عليه وسلّم يرى في الظلمة كما يرى في النور
وتقدم أيضا واللَّه أعلم [ (1) ] .

الحادية والخمسون: كان صلى اللَّه عليه وسلّم إذا قعد لحاجته تبتلع الأرض بوله وغائطه
وقد تقدم ذلك بطرقه [ (2) ] .

الثانية والخمسون: ولد صلى اللَّه عليه وسلّم مختونا مسرورا
خرج الحافظ أبو بكر أحمد بن على بن ثابت الخطيب البغدادي من طريق سفيان بن محمد المصيصي قال: حدثنا هشيم عن يونس بن عبيد عن الحسن عن أنس رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من كرامتي إني ولدت مختونا ولم ير أحد سوأتي [ (3) ] .
__________
[ () ] دعائهم بالجاه ونحو ذلك من الألفاظ التي تتضمن القسم بمخلوق على اللَّه عز وجل أو السؤال به فيقولون نسألك أو نقسم عليك أو بجاه نبيك ونحو ذلك مما يفعله بعض الناس انتهى.
[ (1) ] الّذي تقدم هو باب رؤيته صلى اللَّه عليه وسلّم من خلفه كما يرى من أمامه في (إمتاع الأسماع) : 5/ 305 بتحقيقنا.
[ (2) ] راجع (إمتاع الأسماع) : 5/ 302.
[ (3) ] (تاريخ البغدادي) : 1/ 329، في ترجمة محمد بن الفرج رقم (327) ، ثم قال: لم يروه فيما يقال عن يونس غير هشيم وتفرد به سفيان بن محمد.

(10/317)


فأن قيل: فلم لم يولد مطهر القلب من الحظ الشيطان حتى شق صدره قيل: قال ابن عقيل الحنبلي: لأن اللَّه تعالى أخفى دون التطهير بين الّذي جرت العادة أن تفعله القابلة أو الطبيب وأظهر أشرفهما وهو القلب فأظهر آثار التحميد والعناية بالعصمة في الطرقات الوحي.
وقال أبو حسين بن بشر: أن ثنا عثمان بن أحمد الدقاق ثنا أبو الحسن ابن البراء قال قالت: آمنه: ولدته جاثيا على ركبتيه نظر إلى السماء ثم قبضة من الأرض وأهوى ساجدا وولد وقد قطعت سرته فغطين عليه إناء فوجدته قد تفلق الإناء عنه وهو يمص إبهامه يشخب لبنا وقد قال العباس: ولد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مختونا مسرورا فأعجب به جده عبد المطلب [ (1) ] .

الثالثة والخمسون: كان صلى اللَّه عليه وسلّم لا يتثاءب
حدث محمد بن كثير الكوفي ثنا إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن أبى هريرة أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ولد مختونا وقال صفوان بن قتيبة: ومحمد الرماني عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: ولد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مسرورا مختونا وفي هذين الحديثين ضعف وقد ورد في حديث آخر ما يخالف هذا وهو أن جده عبد المطلب ختنه في يوم السابع وصنع له مأدبة رواه ابن عبد البر في [المبتدإ] وإسناده أيضا لا يصح وقد استغنى عن هذا بحلب في حدود الخمسين والستمائة فصنف فيها ابن طلحة تصنيفا حكى فيه عن أبى عبد اللَّه الترمذي الحكيم أنه ولد مختونا وتعقبه الكمال عمر بن العديم فصنف كتاب [الملحة في الرد على أبى طلحة] فأبدع وأجاد ذكره في اختلاف الآثار في كونه ولد مختونا أو ختنه جده عبد المطلب أو ختنه جبريل عليه السلام وذكر ما ورد في ذلك من الآثار وضعفها كلها وأنه لا يثبت في هذا شيء من ذلك واللَّه أعلم.
__________
[ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 103، (عيون الأثر) : 1/ 30، (تاريخ الخميس) : 1/ 204 وفيه: وقد انشقّ عنه القدر وهو شاخص ببصره إلى السماء.

(10/318)


خرج البخاري في كتابه الكبير وأنس بن أبى شيبة في مصنفه من مرسل يزيد بن الأصم قال: ما تثاءب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في الصلاة قط ولابن سعد [ (1) ] من حديث سفيان، عن أبى فزاره عن يزيد ابن الأصم قال: ما رئي النبي صلى اللَّه عليه وسلّم متثائبا في الصلاة قط، وقال مسلمة بن عبد الملك: ما تثاءب نبي قط وأنها من علامة النبوة ونقله ابن دحية في خصائص أعضاء النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال مؤلفه: ويؤيد ذلك ما
خرجه البخاري [ (2) ] في صحيحة من حديث ابن أبى ذئب حدثنا سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: أن اللَّه يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا عطس فحمد اللَّه فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته.
وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان، فليرده ما استطاع، فإن قال:
ها ضحك من الشيطان. وترجم عليه باب ما يستحب من العطاس ويكره من التثاؤب، وخرجه أيضا في باب إذا تثاءب فليضع على فيه. وهو آخر حديث في كتاب الأدب وذكره في بدء الخلق في باب صفة إبليس وجنوده وخرجه أبو داود [ (3) ] أيضا.
__________
[ (1) ] (طبقات بن سعد) : 1/ 385، ذكر صلاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم.
[ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 740، كتاب الأدب، باب (125) ما يستحب من العطاس وما يكره من التثاؤب، 745، باب (128) إذا تثاءب فليضع يده على فيه، حديث (6226) 6/ 416، كتاب بدء الخلق، باب (11) صفة إبليس وجنوده، حديث رقم (3289) .
وأخرجه أيضا الترمذي في (السنن) 5/ 82080 كتاب الأدب، باب (7) ما جاء إن اللَّه يحب العطاس ويكره التثاؤب، باب (8) ما جاء إن العطاس في الصلاة من الشيطان، حديث رقم (2746) ، (2747) ، (2748) .
وأخرجه أيضا ابن ماجة في (السنن) : 1/ 310- 311 كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب (42) ما يكره في الصلاة، حديث رقم (968) ، (969) .
[ (3) ] (سنن أبى داود) : 5/ 268، 219، كتاب الأدب، باب ما جاء في التثاؤب وباب في كم مرة يشمت العاطس، حديث رقم (5026) ، (5027) ، (5028) ، (5037) .

(10/319)


وخرج مسلم من حديث إسماعيل بن جعفر، عن العلاء، عن أبيه، عن أبى هريرة: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع.
وخرج من طريق بشر بن المفضل، قال: أخبرنا سهيل عن أبى صالح، قال: سمعت ابنا لأبى سعيد الخدريّ يحدث أبى عن أبيه وقال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه، فإن الشيطان يدخل.
ومن طريق عبد العزيز عن سهل عن عبد الرحمن بن أبى شيبة فذكره أورده في الزهد قال ابن سينا العطاس حركة حاصلة من الدماغ لدفع خلط أو مؤذ آخر باستعانة من الهواء دفعا من طريق الأنف، والفم، والعطاس للدماغ كالسعال للرئة وما يليها. قال: والعطاس أنفع الأشياء لتخفيف الرأس وهو مما يعين على نقض الفضول المحتبسة ويسهل للأولاد وخروج المشيمة وينقل ثقل الرأس انتهى، فلهذا كان العطاس يدل على العطاس وخفه البدن وسعة المنافذ وذلك محبوب إلى اللَّه تعالى فإن المنافذ إذا اتسعت وضاقت على الشيطان وإذا ضاقت بالأخلاط المتولدة عن كثرة الطعام والشراب اتسعت للشيطان فتمكن من الإنسان بتصرفه فيه وذلك لأن الشبع داع إلى الفضول فإن البطن إذا أشبع طغت الجوارح وتصرفت من الحركة والنظر والسماع والكلام، قواطع للعد عن المقصود وحينئذ يكثر التثاؤب لثقل البدن وامتلائه واسترخائه وميله إلى الكسل فلذلك أضافه الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم إلى الشيطان
فقال: التثاؤب من الشيطان
لأنه يدعو إلى الشهوات التي يكرها العبد فكره اللَّه التثاؤب لذلك والمراد التحذير من السبب الّذي يتولد منه التثاؤب وهو التوسع في المآكل وإكثار الأكل المستلزم كثرة الشرب المتولد عنها النوم الكثير والكسل المبطئ عن القيام بوظائف العبادة والتثاقل عن أدائها فإذا تقرر ذلك فقد عصم اللَّه رسوله صلى اللَّه عليه وسلّم عن أن يصدر عنه ما يكرهه اللَّه تعالى من الأقوال والأفعال والأحوال، ولم يجعل للشيطان عليه سبيلا بوجه من الوجوه ولا حال من الأحوال، فلا يكون منه شيء مما ينسب إلى الشيطان ابدا ليظهر اللَّه له في ذلك كله ...
***

(10/320)


الرابعة والخمسون: أنه قد أقر ببعثه صلى اللَّه عليه وسلّم جماعة قبل ولادته وبعدها وقبل مبعثه
كورقه بن نوفل وحبيب بن النجار وتبع وغيرهم كما تقدم ذكره فيما سلف [ (1) ]
__________
[ (1) ] أفرد الحافظ ابو نعيم الأصبهاني في الفصل السادس من (دلائل النبوة) . وترجم عليه: توقع الكهان وملوك الأرض بعثته صلى اللَّه عليه وسلّم، ويشمل على (5) أحاديث تضمنت قول سيف بن ذي يزن عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: هذا زمنه الّذي يولد فيه، اسمه محمد، بين كتفيه شامة، يموت أبوه وهو في بطن أمه، ويكلفه جده وعمه، وقد وجدناه مرارا- واللَّه باعثه جهادا، وجاعل له منا أنصارا، يعزبهم أولياءه، وبذل بهم أعداءه، ويضرب بهم الناس عن عرض، ويستبيح بهم كرائم الأرض، ويعبد الرحمن، ويدحر الشيطان، ويخمد النيران، ويكسر الأوثان، قوله فصل، وحكمه عدل، يأمر بالمعروف ويفعله، وينهى عن المنكر ويبطله ...
قال عبد المطلب: نعم أيها الملك، أنه كان لي ابن وكنت به عجبا، وعليه رقيقا، فزوجته كريمة من كرائم قومي، أمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة، فجاءت بغلام سميته محمدا، مات أبوه وأمه، وكفلته أنا وعمه، بين كتفيه شامة، وفيه كل ما ذكرت من علامة.
قال سيف بن ذي يزن: إن الّذي ذكرت لك كما ذكرت لك، فاحتفظ بابنك، واحذر عليه اليهود، فإنّهم له أعداء، ولن يجعل اللَّه لهم عليه سبيلا، واطو ما ذكرت لك، دون هؤلاء الرهط الين معك، فإنّي لست آمن أن تدخلهم النفاسة، من أن تكون له الرئاسة، فيبغون له الغوائل، وينصبون له الحبائل، وهم فاعلون أو أنباؤهم، ولولا أنى أعلم أن الموت مجتاحي قبل مبعثه، لسرت إليه بخيلي ورجلي، حتى أصير يثرب دار ملكي، فإنّي أجد في الكتاب الناطق والعلم السابق، أن يثرب استحكام أمى، وموضع قبره، وأهل نصرته، ولوى أنى امه من الآفات، وأحذر عليه العاهات، ولأوطأت أسنان العرب كعبة، ولأعلنت على حدثة من سنه ذكره، ولكنى صارف إليك ذلك من غير تقصير بمن معك.

(10/321)


__________
[ () ] ثم أجزل لهم العطاء وقال لعبد المطلب: إذا كان رأس الحول فآتني عجبره، وما يكون من أمره، فهلك ابن ذي يزيد قبل رأس الحول، وكان عبد المطلب يقول: لا يغبطني يا معشر قريش رجل منكم بجزيل عطاء الملك وإن كثر، فإنه إلى تفاد، ولكن ليغبطنى بما يبقى لي شرفه وذكره، ولعقبى من بعدي، وكان إذا قيل له: ما ذاك؟ قال: سيعلن ولو بعد حين.
[يغبى نبوة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم] . (دلائل أبي نعيم) : 1/ 97- 99، حديث رقم (50) مختصرا.
ومن ذلك قول زيد بن عمرو بن نفيل لعامر بن ربيعة: فأنا أنتظر نبيا من ولد إسماعيل، من بنى عبد المطلب اسمه أحمد، ولا أرانى أدركه، فأنا يا عامر أو من به، وأصدقه، واشهد أنه بنى، فإن طالت بك المدة فرأيته فأقرئه من السلام، وسأخبرك يا عامر ما نعته، حتى لا تخفى عليك، قلت: هلم، قال: هو رجل ليس بالقصير ولا بالطويل، ولا بكثير الشعر، ولا بقليله، وليس تفارق عينيه حمرة، وخاتم النبوة بين كتفيه، واسمه أحمد، وهذا البلد مولده ومبعثه حتى يخرجه قومه منها، ويكرهون ما جاء به حتى يهاجر إلى يثرب، فيظهر أمره، فإياك أن تخدع عنه، فإنّي بلغت البلاد كلها اطلب دين إبراهيم الخليل عليه السلام، وكل من أسال من اليهود والنصارى والمجوس يقول: هذا الدين وراءك، وينعتونه مثل ما نعته لك، ويقولون: لم يبق نبي غيره. (المرجع السابق) : حديث رقم (52) مختصرا.
ومن ذلك قول هرقل لدحية الكلبي حين قدم عليه بكتاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ويحك، واللَّه إني لأعلم أن صاحبك النبي مرسل، وأنه للذي كنا ننتظره نجده في كتبنا، ولكنى أخاف الروم على نفسي، ولولا ذلك لا تبعته. (المرجع السابق) : حديث رقم (53) مختصرا.
ومن ذلك قول قس بن ساعدة الإيادي: إن للَّه دينا هو أحب الأديان إليه من دينكم الّذي أنتم عليه، ما لي ارى الناس يذهبون ولا يرجعون، أرضوا بالمقام هناك فأقاموا؟ أم تركوا هناك فناموا؟ ثم قال: اقسم قس قسما برا لا إثم فيه، ما للَّه على الأرض وبين هو أحب عليه من دين أظلكم إبانه، وأدر لكم أو أنه، طولى لمن أدركه فاتبعه، وويل لمن أدركه ففارقه.
فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: يرحم اللَّه قس بن ساعدة، لأرجو أن يأتى يوم القيامة أمة واحدة (المرجع السابق) : حديث رقم (55) مختصرا. (دلائل البيهقي) : 3/ 103.

(10/322)


الخامسة والخمسون: كان صلى اللَّه عليه وسلّم لا ينزل عليه الذباب
قالع العز في السبتي في كتاب (أعذب الموارد وأطيب الموالد) وقال ابن سبع في كتاب (الشفا) أنه صلى اللَّه عليه وسلّم لم يقع على ثيابه ذباب قط قال: الإمام أبو الحسن على بن أحمد بن إبراهيم التجيبي الحراني رحمه اللَّه ولذلك لبد صلى اللَّه عليه وسلّم رأسه في الاحدام بالعسل لما كان آمنا من نزول الذباب عليه ويقال: أنه لم يتسخ له ثوب قط ولا يقمل له ثوب قط [ (1) ] .
***
__________
[ () ] وأما مقالة ورقه بن نوفل لخديجة رضى اللَّه عنها: حين جاء الوحي أول مرة للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم فمشهورة، أمسكنا عن ذكرها لاشتهارها خشية الإطالة، وهي مبثوثة في كتب السيرة في أبواب (كيف كان بدء الوحي للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم) .
[ (1) ] (تاريخ الخميس) : 1/ 319.

(10/323)


السادسة والخمسون: كان له صلى اللَّه عليه وسلّم إذا نسي الاستثناء أن يستثنى له إذا ذكر وليس لغيره أن يستثنى إلا في صلة اليمين
خرج الطبراني في (معجمه الكبير) من طريق الوليد بن مسلم قال:
حدثنا عبد العزيز بن حسين عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه في قوله تعالى: [واذكر ربك إذا نسيت] [ (1) ] قال: إذا نسيت الاستثناء فاستثنى، إذا ذكرت الاستثناء وذكر ابن شاهين أن من جمله شعب الإيمان الاستثناء في كل كلام وأورد بسند ضعيف عن أبى هريرة يرفعه لا يتم إيمان المرء حتى يستثنى في كل حديث أو قال: في كل كلامه [ (2) ] .
__________
[ (1) ] الكهف: 24.
[ (2) ] قال صاحب التحرير والتنوير إن المشركين لما سألوا النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، عن أهل الكهف وذي القرنين وعدهم بالجواب عن سؤالهم من الغد، ولم يقل «إن شاء اللَّه» فلم يأته جبريل عليه السلام- بالجواب إلا بعد خمسة عشر يوما. وقيل: بعد ثلاثة أيام كما تقدم، أي فكان تأخير الوحي إليه بالجواب عتابا، رمزيا من اللَّه لرسوله صلى اللَّه عليه وسلّم، كما عاقب سليمان- عليه السلام فيما رواه البخاري: «أن سليمان قال: لأطوفن الليلة على مائة امرأة تلد كل واحدة ولدا يقاتل في سبيل اللَّه، فلم تحمل منهن إلا واحدة ولدت شق غلام» . ثم كان هذا عتابا صريحا فإن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، لما سئل عن أهل الكهف وعد بالإجابة ونسي أن يقول «إن شاء اللَّه» كما نسي سليمان، فأعلم اللَّه رسوله بقصة أهل الكهف، ثم نهاه عن أن يعد بفعل شيء دون التقييد بمشيئة اللَّه.
ومقتضى كلام الكسائي والأخفش والفراء أنه مستثنى من جمله «إني فاعل ذلك غدا» فيكون مستثنى من كلام النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. المنهي عنه، أي إلا قولا مقترنا ب (إن شاء اللَّه) فيكون المصدر المنسبك من (أن) ، والفعل في محل نصب على نزع الخافض وهو باء الملابسة. والتقدير: إلا ب (إن شاء اللَّه) . أي بما يدل على ذكر مشيئة اللَّه. لأن ملابسة القول الحقيقية المشيئة محال، فعلم أن المراد تلبسه بذكر المشيئة بلفظ (إن شاء اللَّه) ونحوه.
فالمراد بالمشيئة إذن اللَّه له.
وقد جمعت هذه الآية كرامة للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم، من ثلاث جهات:

(10/324)


السابعة والخمسون: أنه كان صلى اللَّه عليه وسلّم لا ينطق عن الهوى
وعدّها ابن الفارض [ (1) ] من خواصه وقد تقدم هذا [ (2) ]
__________
[ () ] الأولى: أنه أجاب سؤله، فبين لهم ما سألوه إياه على خلاف عادة اللَّه مع المكابرين.
الثانية: أنه علمه علما عظيما من أدب المبوءة.
فنظم الآية أن اللام في قوله (لشيء) ليست اللام التي يتعدى بها فعل القول إلى المخاطب بل هي لام العلة، أي لا تقولن: إني فاعل كذا لأجل شيء تعديه. فاللام بمنزلة (في) . و «غدا» مستعمل في المستقبل مجازا وليست كلمه (غدا) مرادا بها اليوم الّذي بلى يومه، ولكنه مستعمل في معنى الزمان المستقبل، كما يستعمل اليوم بمعنى زمان الحال، والأمس بمعنى زمن الماضي. (تفسير التحرير والتنوير) : 15/ 295- 297.
[ (1) ] هو الشرف ابن الفارض أبو حفص وأبو القاسم عمر بن أبى الحسن، على بن المرشد بن على، الحموي الأصل، المصري المولد والدار والوفاة، المعروف بابن الفارض، المنعوت بالشرف.
له ديوان شعر لطيف، وأسلوبه فيه رائق ظريف، ينحو منحى طريقة الفقراء، وله قصيده مقدار ستمائة بيت على اصطلاحهم ومنحهم.
قال ابن خلكان: وسمعت أنه كان رجلا صالحا كثير الخير، على قدم التجرد، جاور بمكة، زادها اللَّه تعالى شرفا زمانا، وكان حسن الصحبة، محمود العشرة، أخبرنى عنه بعض أصحابه أنه ترنم يوما وهو في بيت الحريري، صاحب (المقامات) .
وكانت ولادته في الرابع من ذي القعدة سنة ست وسبعين وخمسمائة بالقاهرة، وتوفى بها يوم الثلاثاء الثاني من جمادى الأولى سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، ودفن من الغد بسفح المقطم، رحمه اللَّه تعالى والفارض: بفتح الفاء وبعد الألف راء وبعدها ضاد معجمة، وهو الّذي يكتب الفروض للنساء على الرجال. له ترجمه في (وفيات الأعيان) : 3/ 45- 456، ترجمة رقم (500) ، (ميزان الاعتدال) : 2/ 266، ترجمة رقم (6110) ، (سير أعلام النبلاء) : 22/ 368- 369، ترجمة (232) ، (لسان الميزان) : 4/ 364- 366، (شذرات الذهب) : 5/ 149- 153.

(10/325)


الثامنة والخمسون: النهى عن طعام الفجأة إلا له صلى اللَّه عليه وسلّم خصوصية
قال أبو العباس بن القاص: ونهى الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم عن طعام الفجاءة وقد فاجأه ابو الدرداء على طعامه فأمره بأكله وكان ذلك خاصا له صلى اللَّه عليه وسلّم قال البيهقي: لا أحفظ النهى عن طعام للفجاءة من وجه يثبت ثم أورد حديث ابى داود [ (1) ] من رواية درست بن زياد عن أبان بن طارق عن نافع عن ابن عمر مرفوعا من دعي فلم يجب فقد عصى اللَّه ورسوله ومن دخل على غير دعوة فقد دخل سارقا وخرج مغيرا وعد القضاعي أيضا هذه من الخصائص.
__________
[ () ] (2) الهوى: ميل النفس إلى ما تحبه أو تحب أن تفعله، دون أن يقتضيه العقل السليم الحكيم، ولذلك يختلف الناس في الهوى، ولا يختلفون في الحق، وقد يحب المرء الحق والصواب، فالمراد بالهوى إذا أطلق أنه الهوى المجرد عن الدليل.
ونفى النطق عن الهوى، يقتضي نفى جنس ما ينطق به، عن الاتصاف بالصدور عن هوى، سواء كان القرآن أو غيره من الإرشاد النبوي، بالتعليم، والخطابة، والموعظة، والحكمة، ولكنه القرآن هو المقصود، لأنه سبب هذا الرد عليهم.
واعلم أن تنزيهه صلى اللَّه عليه وسلّم عن النطق عن هوى، يقتضي التنزيه على أن يفعل أو يحكم عن هوى، لأن التنزه عن النطق عن هوى أعظم مراتب الحكمة، ولذلك ورد في صفة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم:
أنه يمزح ولا يقول إلا حقا.
وإن كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ينطق بغير القرآن عن وحي، كما في حديث الحديبيّة، في جوابه الّذي سأله: ما يفعل المعتمر؟
وكقوله: إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها،
ومثل جميع الأحاديث القدسية التي فيها: قال اللَّه تعالى، ونحوه.
فهذه الآية بمعزل عن إيرادها في الاحتجاج لجواز الاجتهاد للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم، لأنها كان نزولها في أول أمر الإسلام، وإن كان الأصح أن يجوز له صلى اللَّه عليه وسلّم الاجتهاد، وأنه وقع منه، وهي من مسائل أصول الفقه. (تفسير التحرير والتنوير) : 27/ 93- 94.
[ (1) ] (سنن أبى داود) : 4/ 125، كتاب الأطعمة، باب (1) ما جاء في إجابة الدعوة، حديث رقم (3741) .

(10/326)


التاسعة والخمسون: عصمته صلى اللَّه عليه وسلّم من الناس
عدها القضاعي من الخصائص وقد تقدم الكلام عليها [ (1) ] .
__________
[ () ] درست بن زياد ضعيف من الثامنة، وقوله: «فقد عصى اللَّه ورسوله» احتج بهذا من قال بوجوب الإجابة إلى الدعوة، لأن العصيان لا يطلق إلا على ترك الواجب.
وقال في (المرقاة) : والحاصل أنه صلى اللَّه عليه وسلّم علم أمته مكارم الأخلاق البهية، ونهاهم عن الشمائل الدنية، فإن عدم إجابة الدعوة من غير حصول المعذرة يدل على تكبر النفس، والرعونة، وعدم الألفة والمحبة، والدخول من غير دعوة يشير إلى حرص النفس ودناءة الهمة، وحصول المهانة والمذلة، فالخلق الحسن هو الاعتدال بين الخلقين المذمومين.
قال المنذري: في إسناده أبان بن طارق البصري، سئل عنه أبو زرعة الرازيّ، فقال:
شيخ مجهول، وقال أبو أحمد بن عدي: وأبان بن طارق لا يعرف إلا بهذا الحديث، وهذا الحديث معروف به، وليس له أنكر من هذا الحديث، وفي إسناده أيضا درست بن زياد ولا يحتج بحديثه، ويقال: هو درست بن حمزة، وقيل: بل هما أثنان ضعيفان. (عون المعبود) :
5/ 147- 148.
[ (1) ] قال تعالى: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، والعصمة هنا الحفظ والوقاية من كيد أعدائه، والناس» في الآية مراد به الكفار من اليهود والمنافقين والمشركين، لأن العصمة بمعنى الوقاية تؤذن بخوف عليه، وإنما يخاف عليه أعداءه لا أحباءه، وليس في المؤمنين عدو لرسوله، فالمراد العصمة من اغتيال المشركين، لأن ذلك هو الّذي كان يهم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، إذا لو حصل ذلك لتعطل الهدى الّذي كان يحبه النبي للناس، إذ كان حريصا على هدايتهم، ولذلك
كان رسول اللَّه، لما عرض نفسه على القبائل في أول بعثته، يقول لهم «أن تمنعوني حتى أبين عن اللَّه ما بعثني به- أو- حتى أبلغ رسالات ربى» .
فأما ما دون ذلك من أذى وإضرار فذلك مما نال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ليكون ممن أذى في اللَّه: فقد رماه المشركون بالحجارة حتى أدموه وقد شج وجهه، وهذه العصمة التي وعد بها رسول اللَّه قد تكرر وعده بها في القرآن كقوله فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وفي غير القرآن. فقد جاء في بعض الآثار أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أخبر وهو بمكة أن اللَّه عصمه من المشركين.

(10/327)


الستون: عصمته صلى اللَّه عليه وسلّم من الأعلال السيئة
وقد عدها القضاعي في الخصائص ويؤيده ما
رواه يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس، عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: دخل على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وهو يصدع، وأنا اشتكى رأسي، فقلت:
وا رأساه فقال: بل أنا واللَّه يا عائشة وا رأساه.
ثم قال: وما عليك لو مت قبلي فوليت أمرك، وصليت عليك وواريتك فقلت واللَّه إني لأحسب لو كان ذلك، لقد خلوت ببعض نسائك في بيتي في آخر النهار، فأعرست بها، فضحك. ثم تمادى برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وجعه فاستقر برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وهو يدور على نسائه في بيت ميمونة، فاجتمع إليه أهله، فقال العباس: إنا لنرى برسول اللَّه ذات الجنب، فهلموا فلنلده فلدوه، وأفاق وقال:
من فعل هذا، فقالوا: عمك العباس تخوف أن يكون بك ذات لجنب، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إنها من الشيطان، وما كان اللَّه ليسلطه على، لا يبقى في البيت أحد إلا لددتموه الا عمى العباس،
فلد أهل البيت كلهم، حتى ميمونة، وإنها لصائمه يومئذ، وكذلك بعين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم الحديث [ثم استأذن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم نساءه، يمرض في بيتي فخرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى بيتي، وهو بين العباس وبين رجل آخر- لم تسميه- تخط قدماه بالأرض إلى بيت عائشة. قال عبيد اللَّه: فحدثت هذا الحديث ابن عباس فقال: تدري من الرجل الآخر الّذي مع العباس ما لم تسميه عائشة؟ قلت: لا قال: هو على بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه [ (1) ]] .
__________
[ (1) ] (دلائل النبوة) : 7/ 169- 170، باب ما جاء في إشارته إلى عائشة رضى اللَّه عنها في ابتداء مرضه بما يشبه النعي.

(10/328)


وفي رواية ذلك داء ما كان اللَّه ليعذبني به
وفي رواية للطبراني: إني أكرم على اللَّه من أن يعذبني بها.
وفي رواية أخرى وهي من الشيطان وما كان اللَّه ليسلطها عليّ،
وفي رواية ما كان اللَّه ليميتنى بسيء الأسقام أو قال: الأمراض
وقد كان صلى اللَّه عليه وسلّم يقول في دعائه اللَّهمّ إني أعوذ بك من الجنون والجذام وسيئ الأسقام.
خرجه النسائي [ (1) ] من حديث همام، عن قتادة عن أنس، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كان يقول: اللَّهمّ إني أعوذ بك من الجنون والجذام والبرص وسيئ الأسقام.
__________
[ () ] وبسياقه أخرى في (فتح الباري) : 10/ 152، كتاب المرضى باب (16) ما رخص للمريض أن يقول وا رأساه، حديث رقم (5666) وذكر أيضا في كتاب الطب، باب (21) اللدود، ولفظه من حديث عائشة: لددناه في مرضه فجعل يشير إلينا أن لا تلدونى، فقلنا:
كراهية المريض للدواء، فلما افاق، قال: ألم أنهكم أن تلدونى؟ قلنا: كراهية المريض للدواء، فقال: لا يبقى أحد في البيت إلا لد وأنا انظر، إلا العباس فإنه لم يشهدكم.
و10/ 204، حديث رقم (5712) ، 12/ 264، كتاب الديات، باب (14) القصاص بين الرجال والنساء في الجراحات، حديث رقم (6886) ، 280، باب (21) إذا أصاب قوم من رجل هل يعاقب أم يقتص منهم كلهم؟، حديث رقم (6897) ، 13/ 254، كتاب الأحكام، باب (51 الاستخلاف، حديث رقم (7217) . (مسلم بشرح النووي) :
14/ 450، كتاب السلام، باب (27) كراهة التداوي باللدود، حديث رقم (2213) .
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 7/ 79، من حديث السيدة عائشة حديث رقم (23742) .
وأخرجه الترمذي في (السنن: 4/ 340، كتاب الطب، باب (9) ما جاء في السعوط وغيره، حديث (2047) ولفظه: إن خير ما تداويتم به اللدود والسعوط والحجامة وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، وهو حديث من طريق عباد بن منصور، وهذا دليل على أن ليس كل ما روى الضعيف، فهذا حديث صحيح والحديث له روايات صحيحة.
[ (1) ] (سنن النسائي) : 8/ 664، كتاب الاستعاذة: باب (36) الاستعاذة من الجنون، حديث رقم (5508) . (5495) .

(10/329)


وخرجه أبو داود [ (1) ] من حديث حماد، عن قتادة، عن أنس بهذا، وخرجه أبو بكر بن أبى شيبة [ (2) ] عن حديث حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس ان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كان يقول: بنحوه وقال: ومن سوء الأسقام.

الحادية والستون: أن الملائكة قاتلت معه صلى اللَّه عليه وسلّم يوم بدر ولم تقاتل مع أحد من قبله
كما تقدم ذكره وعد القضاعي ذلك من الخصائص [ (3) ] .

الثانية والستون: كان صلى اللَّه عليه وسلّم لا يشهد على جور
وعد ذلك القضاعي من خصائصه ووجه كون هذا من الخصائص أن لا يشهد على جور، ظاهرا ولا باطنا ومن عداه قد شهد على الجور وفي طبقاته ليس يجوز لقصوره عن إدراك ما بطن عنه في ذلك [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (سنن أبى داود) : 2/ 194- 195، كتاب الصلاة، باب (367) في الاستعاذة، حديث رقم (1554) .
[ (2) ] (مصنف ابن أبى شيبة) : 6/ 18، كتاب الدعاء، حديث رقم (29210) ، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 4/ 44، من حديث أنس بن مالك حديث رقم (12592) .
[ (3) ] سبق تخريجه في أحداث غزوة بدر وغيرها.
[ (4) ] (فتح الباري) : 5/ 264- 266، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (13) الإشهاد في الهبة، حديث رقم (2587) ، وقال الحافظ في (الفتح) : ولمسلم في رواية عروة وحديث البراء معا، ووقع في رواية أبى حريز بمهملة وراء ثم زاي بوزن عظيم عند ابن حبان والطبراني عن الشعبي «أن النعمان خطب بالكوفة فقال: إن والد بشير بن سعد أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: إن عمرة بنت رواحة نفست بغلام، وإني سميته النعمان، وإنها أبت أن تربيه حتى جعلت له حديقة من أفضل مال هو لي وأنها قالت: أشهد على ذلك رسول اللَّه، وفيه
قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: (لا أشهد على جور) .

(10/330)


الثالثة والستون: كان صلى اللَّه عليه وسلّم يرى في الثريا أحد عشر نجما [ (1) ]
كما ذكره القاضي عياض [ (2) ] في كتاب الشفاء وذكر السهيليّ لا تزيد على تسعة أنجم فيما يذكرون] [ (3) ] .
__________
[ (1) ] قال القاضي عياض: وقد حكى عنه صلى اللَّه عليه وسلّم أنه كان يرى في الثريا أحد عشر نجما، وهذه كلها محمولة على رؤية العين، وهو قول أحمد بن حنبل وغيره، وذهب بعضهم إلى ردها إلى العلم والظواهر تخالفه ولا إحالة في ذلك، وهي من خواص الأنبياء وخصالهم، كما
أخبرنا أبو محمد عبد اللَّه بن أحمد العدال من كتابه، حدثنا أبو الحسن المقرئ الفرغاني، حدثتنا أم القاسم بنت أبى بكر، عن أبيها، حدثنا الشريف أبو الحسن على بن محمد الحسنى، حدثنا محمد بن محمد بن سعيد، حدثنا محمد بن أحمد بن سليمان، حدثنا محمد بن محمد بن مرزوق، حدثنا همام، حدثنا الحسن، عن قتادة، عن يحيى، عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، قال: لما تجلى اللَّه عز وجل لموسى عليه السلام، كان يبصر النملة على الصفا في الليلة الظلماء مسيرة عشرة فراسخ،
ولا يبعد على هذا أن يختص نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم بما ذكرناه من هذا الباب.
[ (2) ] هو الإمام العلامة الحافظ الأوحد، شيخ الإسلام، القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض بن عمرو بن موسى بن عياض اليحصبى الأندلسى، ثم السبتي المالكي- ولد سنة ست وسبعين وأربع مائه، تحول جدهم من الأندلسى، ثم السبتي المالكي- ولد سنة ست وسبعين وأربع مائه، تحول جدهم من الأندلس إلى فاس، ثم سكن سبتة. رحل إلى الأندلس سنة بضع وخمس مائة، وروى عن القاضي أبى على بن سكرة الصدفي، ولازمه، وعن أبى بحر بن العاص، وعدة. وتفقه بأبي عبد اللَّه محمد بن عيسى التميمي، والقاضي محمد بن عبد اللَّه المسيلي، واستبحر من العلوم، وجمع وألف، وسارت بتصانيفه الركبان، واشتهر اسمه في الآفاق. قال خلف بن بشكوال: هو من أهل العلم والتفنن والذكاء والفهم. قال القاضي شمس الدين في (وفيات الأعيان) : هو إمام الحديث في وقته، وأعرف الناس بعلومه، وبالنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم، وكل تواليفه بديعة، وله شعر حسن.
قلت: تواليفه لنفيسة، وأجلها وأشرفها كتاب (الشفا) لولا ما قد حشاه بالأحاديث المفتعلة، عمل إمام لا نقد له في فن الحديث ولا ذوق، واللَّه يثيبه على حسن قصده، وينفع ب (شفائه) ، وقد فعل.

(10/331)


الرابعة والستون: بياض إبطه صلى اللَّه عليه وسلّم من خصائصه صلى اللَّه عليه وسلّم بخلاف غيره فإنه أسود لأجل الشعر [ (1) ]
ذكره أبو نعيم في كتاب دلائل النبوة فقال: بياض إبطه صلى اللَّه عليه وسلّم من علامات نبوته وقد جاء في أحاديث عديدة ذكر بياضه منها: كان إذا سجد جافى بين أعضائه حتى يرى من خلفه عقرة إبطيه، العقرة: البياض ليس بالناصع واللَّه أعلم.
***
__________
[ () ] وقد حدث عن القاضي خلق من العلماء، منهم الإمام عبد اللَّه بن محمد الأشيري، وأبو جعفر بن القصير الغرتاطى، والحافظ خلف بن بشكوال.
توفى في سنة أربع وأربعين وخمس مائه بمراكش، ومات ابنه في سنة خمس وسبعين وخمس مائه. وفيها مات شاعر زمانه القاضي أبو بكر أحمد بن محمد بن حسين الأرجاني قاضى تستر، والعلامة المصنف أبو جعفر أحمد بن على بن أبى جعفر البيهقي، والمسند بهراة أبو المحاسن أسعد بن على بن المرفق، ومحدث حلب أبو الحسن على بن سليمان المرادي القرطبي.
[ (3) ] في الأصل: «وذكر السهيليّ أنه صلى اللَّه عليه وسلّم وصفاته أنها لا تزيد على ستة أنجم فيما يذكرون وما أثبتناه أليق بالصواب.
[ (1) ] (فتح الباري) : 2/ 656- 657، كتاب الاستسقاء، باب (21) ، (22) رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء، حديث رقم (1030) ، (1031) .
(مسلم بشرح النووي) : 4/ 457- 458، كتاب الصلاة، باب (46) ما يجمع صفة الصلاة، حديث رقم (235) ، (236) .
(المسند) : 1/ 565، حديث رقم (3187) ، 584، حديث رقم (3318) .
(كنز العمال) : 8/ 130، السجود وما يتعلق به حديث رقم (22239) .

(10/332)


الخامسة والستون: كان صلى اللَّه عليه وسلّم لا يحب الطيب في الإحرام لأن الطيب من أسباب الجماع
ادعى المهلب بن أبى صفره المالكي أنه صلى اللَّه عليه وسلّم كان لا يتجنب الطيب في الإحرام ونهانا عنه لضعفنا عن ملك الشهوات، إذا الطيب من أسباب الجماع فيكون ذلك من الخصائص وقد خولف المهلب في هذه الدعوى [ (1) ]
__________
[ (1) ] أخرج البخاري في الحج، باب (18) الطيب عند الإحرام، وما يلبس إذا أراد أن يحرم، ويترحل ويدهن، حديث رقم (1539) ، عن عائشة رضى اللَّه عنها زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قالت: «كنت أطيب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لإحرامه حين يحرم، ولحله قبل قبل أن يطوف بالبيت» .
قال الحافظ في (الفتح) : وادعى بعضهم أن ذلك من خصائصه صلى اللَّه عليه وسلّم قاله المهليب، وأبو الحسن القصار، وأبو الفرج من المالكية، قال بعضهم: لأن الطيب من دواعي النكاح، فنهى الناس عنه، وكان هو أملك الناس لإربه ففعله، ورجمه ابن العربيّ بكثرة ما ثبت له من الخصائص في النكاح، وقد ثبت عنه أنه قال «حبب إلى النساء والطيب» . أخرجه النسائي من حديث أنس، وتعقب بأن الخصائص لا تثبت بالقياس. وقال المهلب: إنما خص بذلك لمباشرته الملائكة لأجل الوحي، وتعقب بأنه فرع ثبوت الخصوصية وكيف بها، ويردها حديث عائشة بنت طلحة المتقدم.
وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن عائشة قالت: «طيبت أبى بالمسك لإحرامه حين أحرم «ويبقو لها» طيبت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بيدي هاتين أخرجه الشيخان من طريق عمر بن عبد اللَّه بن عروة، عن جدة، عنها، وسيأتي من طريق سفيان، عن عبد الرحمن بن القاسم بلفظ «وأشارت بيديها» واعتذر بعض المالكية بأن عمل أهل المدينة على خلافه، وتعقب بما رواه النسائي، من طريق أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أن سليمان بن عبد الملك لما حج جمع ناسا من أهل العلم- منهم القاسم بن محمد، وخارجة بن زيد، وسالم، وعبد اللَّه ابنا عبد اللَّه بن عمر، وعمر بن عبد العزيز، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث.
فسألهم عن التطيب قبل الإفاضة، فكلهم امر به- فهؤلاء فقهاء أهل المدينة من التابعين، قد اتفقوا على ذلك، فكيف يدعى مع ذلك العمل على خلافه. (فتح الباري) : 3/ 509- 510.

(10/333)


السادسة والستون: كان صلى اللَّه عليه وسلّم يسأل اللَّه تعالى في كل وقت بخلاف الأنبياء جميعا حيث لا يسألون اللَّه تعالى إلا أن يؤذن لهم
نقل القضاعي في تفسيره في قوله تعالى فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها عن بعضهم أنه صلى اللَّه عليه وسلّم كان أخبر جبريل عليه السلام بما يجب من ذلك فأمره عن اللَّه تعالى أن يدعو اللَّه تعالى ويسأله فيه ففعل لأن الأنبياء عليهم السلام لا يسألون اللَّه تعالى شيئا إلا من بعد أن يأذن لهم وفي هذا نظر [ (1) ] .

السابعة والستون: لم يكن القمل يؤذيه صلى اللَّه عليه وسلّم تعظيما له وتكريما
قاله: ابن سبع في كتاب (شفاء الصدر) [ (2) ] .

الثامنة والستون: لم تهرم له دابة مما كان يركب صلى اللَّه عليه وسلّم
كل دابة يركب عليها صلى اللَّه عليه وسلّم بقيت على القدر الّذي كان يركب عليها فلم يهرم له مركب.
ذكره ابن سبع وقال: غريب ويعترض عليه بأن بغلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ذهبت أسنانها من الهرم وعميت كما سيأتي ذكره.
***
__________
[ (1) ] لم أجد ما يؤيد هذا الرأى.
[ (2) ] (تاريخ الخميس) : 1/ 319.

(10/334)


التاسعة والستون: كان صلى اللَّه عليه وسلّم إذا جلس [كان] أعلى من جميع الناس وإذا مشى بين الناس [كان] إلى الطول
ولم يكن أحد من الناس يماشيه إلا طاله. وذكره ابن سبع وقال: إنه حديث مشهور [ (1) ] ولم يكن أحد من الناس يماشيه إلا طاله، ذكره ابن سبع وقال: إنه حديث مشهور.
***
__________
[ (1) ] قال الحافظ أبو نعيم في (دلائل النبوة) : ولم يكن صلى اللَّه عليه وسلّم بالقصير المتردد، فكان ينسب إلى الربعة ينسب إلى الطول ولم يكن على ذلك يماشيه أحد من الناس ينسب إلى الطويلين فيطولهما رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وإذا فارقاه نسبا إلى الطول، ونسب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى الربعة. (دلائل أبى نعيم) : 2/ 637 حديث رقم (566) .

(10/335)


السبعون: لم يكفّر صلى اللَّه عليه وسلّم لأنه كان مغفورا له ما تقدم من ذنبه وما تأخر إلا أن يكون تعليما للمؤمنين كما في عتقه صلى اللَّه عليه وسلّم رقبة في تحريم مارية عليها السلام
قال الزمخشريّ [ (1) ] : في سورة التحريم في قوله تعالى: قَدْ فَرَضَ
__________
[ (1) ] (الكشاف) : 4/ 113، القول في سورة التحريم، قال الإمام أحمد: ما أطلقه الزمخشريّ في حق النبي صلى اللَّه عليه وسلّم تقول وافتراء والنبي صلى اللَّه عليه وسلّم منه براء، وذلك أن تحريم ما أحله اللَّه على وجهين اعتقاد ثبوت حكم التحريم فيه فهذا بمثابة اعتقاد حكم التحليل فيما حرمه اللَّه عز وجل، وكلاهما محظور لا يصدر من المتسمين بسمة الإيمان وإن صدر سلب المؤمن حكم الإيمان واسمه الثاني الامتناع مما أحله عز وجل، وحمل التحريم بمجرده صحيح لقوله وحرمنا عليه المراضع من قبل أي منعنا لا غير، وقد يكون مؤكدا باليمين مع اعتقاد حله وهذا مباح صرف حلال محض. ولو كان على المنع ترك المباح والامتناع منه غير مباح، استحالت حقيقة الحال. بلا إشكال، فإذا علمت بدون ما بين القسمين، فعلى القسم الثاني تحمل الآية والتفسير الصحيح يعضده، فإن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم حلف باللَّه لا أقرب مارية.
ولما نزلت الآية كفّر عن يمينه، ويدل عليه قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ، وقال مالك في المدونة: عن زيد بن أسلم إنما كفر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في تحريمه أم ولده لأنه حلف أن لا يقر بها ومثله عن الشعبي، وهذا المقدار مباح ليس في ارتكابه جناح، وإنما قبل له لم تحرم ما أحل اللَّه لك، رفقا به وشفقة عليه وتنويها لقدره ولمنصبه صلى اللَّه عليه وسلّم أن يراعى مرضات أزواجه بما يشق عليه جريا على ما ألف من لطف اللَّه تعالى بنبيه ورفعه عن أن يخرج بسبب أحد من البشر الذين هم أتباعه، ومن أجله خلقوا ليظهر اللَّه كمال نبوته بظهور نقصانهم عنه.

(10/336)


اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ [ (1) ] فإن قلت: هل كفّر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لذلك قلت: عن الحسن أنه لم يكفر لأنه كان مغفورا له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وإنما هو تعليم للمؤمنين، وعن مقاتل إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أعتق رقبة في تحريم ما ربه. واللَّه أعلم.
__________
[ () ] والزمخشريّ قطعا لم يحمل التحريم على هذا الوجه لأنه جعله زلة فيلزمه أن يحمله على المحمل الأول. ومعاذ اللَّه وحاش للَّه وأن آحاد المؤمنين حاشى أن يعتقد تحريم ما أحل اللَّه له فكيف لا يربأ بمنصب النبي عليه السلام عما يرتفع عنه منصب عامة الأمة، وما هذه من الزمخشريّ إلا جراءة على اللَّه ورسوله، وإطلاق القول من غير تحرير وإبراز الرأى الفاسد بلا تخيير، نعوذ باللَّه من ذلك، وهو المسئول أن يجعل وسيلتنا إليه تعظيما لنبينا صلوات اللَّه عليه وأن يجنبنا خطوات الشيطان، ويقبلنا من عثرات اللسان. (تفسير القرآن العظيم) :
4/ 412، وهذا خلاف لما ذكره الحافظ ابن كثير من حديث زيد بن أسلم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أصاب أم إبراهيم في بيت بعض نسائه، فقالت: أي رسول اللَّه في بيتي وعلى فراشي؟ فجعلها عليه حراما، قالت: أي رسول اللَّه كيف يحرم عليك الحلال؟ فحلف لها باللَّه لا يصيبها، فأنزل اللَّه تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ قال زيد بن أسلم فقوله أنت على حرام لغو، وهكذا روى عبد الرحمن بن زيد عن أبيه، وقال ابن جرير أيضا: حدثنا يونس، حدثنا ابن وهب، عن مالك، عن زيد بن أسلم، قال: قال لها «أنت على حرام واللَّه لا أطؤك» وقال القسطلاني في (المواهب اللدنية) : 2/ 654- 655، ومنها أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال اللَّه تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [سورة الفتح:
الآية 2] قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: من خصائصه صلى اللَّه عليه وسلّم أنه أخبره اللَّه تعالى بالمغفرة ولم ينقل أنه أخبره اللَّه تعالى بالمغفرة، ولم ينقل أنه أخبر أحدا من الأنبياء بمثل ذلك، ويدل له قولهم في الموقف: نفسي نفسي.
وقد سبق إلى نحو هذا ابن عطية فقال: وإنما المعنى التشريف بهذا الحكم، ولم تكن ذنوب البتة، ثم قال: وعلى تقدير الجواز لا شك ولا ارتياب أنه لم يقع منه صلى اللَّه عليه وسلّم، وكيف يتخيل خلاف ذلك وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى. [سورة النجم: الآية 4- 5] .
[ (1) ] سورة التحريم: 2.

(10/337)


الحادية والسبعون: إنه أسرى به صلى اللَّه عليه وسلّم إلى سدرة المنتهى ثم رجع إلى منزله في ليلة واحدة وهذه من خصائصه صلى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ]
__________
[ (1) ] (المواهب اللدنية بالمنح المحمدية) : 1/ 273- 275، وقت الإسراء كان في شهر ربيع الأول، أسرى بروحه وجسده يقظة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به من المسجد الأقصى إلى فوق سبع سماوات، ورأى ربه بعيني رأسه، وأوحى اللَّه إليه ما أوحى، وقرض عليه الصلوات الخمس، ثم انصرف في ليلته إلى مكة، فأخبر بذلك، فصدقه الصديق، وكل من آمن باللَّه. وكذبه الكفار واستوصفوه مسجد بيت المقدس، فمثله اللَّه له، فجعل ينظر إليه ويصفه. قال الزهري: وكان ذلك بعد المبعث بخمس سنين. حكاه عنه القاضي عياض، ورجحه القرطبي والنووي. واحتج بأنه لا خلاف أن خديجة صلت معه بعد فرض الصلاة، ولا خلاف أنها توفيت قبل الهجرة، بثلاث أو بخمس، ولا خلاف أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء. وتعقب: بأن موت خديجة بعد البعث بعشر سنين على الصحيح في رمضان، وذلك قبل أن تفرض الصلاة.
ويؤيده إطلاق حديث عائشة، أن خديجة ماتت قبل أن تفرض الصلوات الخمس. ويلزم منه أن يكون موتها قبل الإسراء وهو المعتمد، وأما التردد في سنة وفاتها فيرده جزم عائشة بأنها ماتت قبل الهجرة بثلاث سنين، قاله الحافظ ابن حجر.
وقيل: قبل الهجرة بسنة. قاله ابن حزم، وادعى فيه الإجماع. وقيل: قبل الهجرة بسنة وخمسة أشهر، قاله السدي وأخرجه من طريقه الطبري والبيهقي، فعلى هذا كان في شوال.
وقيل: كان في رجب- حكاه ابن عبد البر، وقبله ابن قتيبة وبه جزم النووي في (الروضة) .
وقيل: كان قبل الهجرة بسنة وثلاثة أشهر، فعلى هذا يكون في ذي الحجة، وبه جزم ابن فارس.
وقيل: قبل الهجرة بثلاث سنين، ذكره ابن الأثير، وقال الحربي: إنه كان في سابع عشر من ربيع الآخر، كذا قال النووي في (فتاويه) ، لكن قال في شرح مسلم: في ربيع الأول.
وقيل: كان ليلة السابع والعشرين من رجب، واختاره الحافظ عبد الغنى بن سرور المقدسي.

(10/338)


اللَّهمّ الا أن يكون في
قوله في الحديث حيث يقول: جبريل عليه السلام للبراق حين جمح لما أراد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أن يركبه: اسكن فو اللَّه ما ركبك خير منه وكذا في قوله: في الحديث فربط الدابة بالحلقة التي كانت تربط بها الأنبياء
ما يدل على انه قد كان يسرى بهم إلا أنا نعلم أنه صلى اللَّه عليه وسلّم لم يشاركه أحد منهم في المبالغة في التقريب والدنو منه والتعظيم ولهذا كانت منزلته في الجنة أعلاها منزلة وأقربها إلى العرش كما جاء في الحديث ثم سلوا اللَّه لي الوسيلة فإنّها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد اللَّه وأرجو أن أكون أنا. فصلى اللَّه عليه وسلم وقد تقدمت أحاديث الإسراء.
***
__________
[ () ] وأما اليوم الّذي يسفر عن ليلة الإسراء، فقيل الجمعة، وقيل السبت، وعن ابن دحية: يكون إن شاء اللَّه يوم الاثنين، ليوافق المولد والمبعث والهجرة والوفاة، فإن هذه أطوار الانتقالات:
وجودا ونبوة ومعراجا وهجرة ووفاة.
وقد سبق تخريج أحاديث الإسراء والمعراج في موضعها من (إمتاع الأسماع) بتحقيقنا.

(10/339)


الثانية والسبعون: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم صاحب اللواء الأعظم يوم القيامة
وقد تقدم ذكر ذلك [ (1) ] .
__________
[ (1) ] راجع (إمتاع الأسماع) : 3/ 224 بتحقيقنا، باب: وأما تفرده بالسيادة يوم القيامة على جميع الأنبياء والرسل وأن آدم ومن دونه تحت لوائه صلى اللَّه عليه وسلّم.
وأخرج الترمذي في (السنن) : 5/ 546، كتاب المناقب، باب (1) في فضل النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (3610) ، ولفظه: حدثنا الحسن بن يزيد الكوفي. حدثنا عبد السلام بن حرب، عن ليث، عن الربيع بن أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا، وأنا خطيبهم إذا وفدوا، وأنا مبشرهم إذا أيسوا، لواء الحمد يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم على ربى ولا فخر.
وقال في (تحفة الأحوذي) : 8/ 465، (لواء الحمد)
اللواء بالكسر وبالمد: الراية، ولا يمسكها إلا صاحب الجيش، قاله الجزري في النهاية.
قال الطيبي: لواء الحمد عبارة عن الشهرة وانفراده بالحمد على رءوس الخلائق، ويحتمل أن يكون لحمده لواء يوم القيامة حقيقة، يسمى لواء الحمد. وقال الثوربشنى: لا مقام من مقامات عباد اللَّه الصالحين ارفع وأعلى من مقام الحمد، ودونه تنتهي سائر المقامات، ولما كان نبينا سيد المرسلين، أحمد الخلائق في الدنيا والآخرة أعطاه لواء الحمد ليأوى إلى لوائه الأولون والآخرون، وإليه الإشارة
بقوله صلى اللَّه عليه وسلّم: آدم ومن دونه تحت لوائى.
قال المباركفوري: حمل لواء الحمد على معناه الحقيقي هو الظاهر بل هو المتعين، لأنه لا يصير إلى المجاز مع إمكان الحقيقة.
«وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائى» .
قال الطيبي: نبي نكرة وقعت في سياق النفي، وأدخل عليه من الاستغراقية، فيفيد استغراق الجنس، وقوله: آدم فمن: إما بيان أو بدل من محله، ومن فيه موصولة وسواه صلته، وصح لأنه ظرف، وأثر الفاء التفصيلية في فمن سواه على الواو للترتيب.

(10/340)


الثالثة والسبعون: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم يبعث هو وأمته على نشز من الأرض دون سائر الأمم
وقد تقدم ذكر ذلك عند ذكر الشفاعة.

الرابعة والسبعون: أن اللَّه تعالى يأذن له صلى اللَّه عليه وسلّم ولأمته في السجود في المحشر دون سائر الأمم
كما رواه ابن ماجة عن جبارة بن المغلس الحماقى، ثنا عبد الأعلى بن أبى المساور، عن أبى بردة، عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إذا جمع اللَّه الخلائق يوم القيامة أذن لأمة محمد في السجود فيسجدون له طويلا، ثم يقال:
ارفعوا رءوسكم فقد جعلنا عدوكم فداءكم من النار.
وجبارة ضعيف وقد صح من غير وجه أنهم أول الأمم يقضى بينهم يوم القيامة وتقدم سجوده صلى اللَّه عليه وسلّم في أحاديث الساعة [ (1) ] .

الخامسة والسبعون: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم صاحب الحوض المورود
وتقدمت الأحاديث في ذلك، فقد روى الترمذي وغيره أن لكل نبي حوضا ولكن نعلم أن حوضه صلى اللَّه عليه وسلّم أعظم الحياض وأكثرها واردا كما تقدم.
__________
[ (1) ] (سنن ابن ماجة) : 2/ 1434، كتاب الزهد، باب (34) صفة أمة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (4291) ، وقال في (الزوائد) : روى مسلم بمعناه وأتم سوق الحديث عن أبى بردة عن أبيه بإسناد أصح من هذا، ومع ذلك فقد أعله البخاري، قوله: «قد جعلنا عدتكم، ليس المراد أنهم يدخلون بمجرد أنهم فداء هذه الأمة، بل إنهم يدخلون لاستحقاقهم لذلك، ويكتفى بدخولهم عن دخول هذه الأمة، فصاروا فداء.

(10/341)


السادسة والسبعون: البلد الّذي ولد فيه صلى اللَّه عليه وسلّم أشرف بقاع الأرض ثم مهاجره وقيل: إن مهاجره أفضل البقاع
كما هو مأثور عن الإمام مالك وجمهور أصحابه ونقله القاضي، عن عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ونقل الاتفاق على أن قبره صلى اللَّه عليه وسلّم الّذي ضم جسده المقدس بعد موته أشرف بقاع الأرض وقد سبقه إلى حكاية هذا الإجماع القاضي أبو الوليد الباجي وابن بطال.
وأصل ذلك ما روى أنه صلى اللَّه عليه وسلّم لما مات اختلفوا في موضع دفنه فقيل:
بالبقيع وقيل: بمكة وقيل: ببيت المقدس فقال: أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: إن اللَّه لم يقبضه إلا في أحب البقاع إليه ذكره. عبد الصمد بن عساكر في كتابه (تحفة الزائر) بغير إسناد.
وقال غيره: لما كان صلى اللَّه عليه وسلّم أفضل الرسل، وكتابه أفضل الكتب، ودينه أشرف الأديان، وشريعته أشرف الشرائع، وهو أفضل الخلق، فوضع قبره له في أشرف المواضع.
ويشهد له ما
رواه الحاكم عن أبى سعيد الخدريّ قال: مر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بجنازة عند قبر فقال: قبر من هذا فقالوا: فلان الحبشىّ فقال: لا إله إلا اللَّه! سيق من أرضه وسمائه إلى التربة التي خلق منها.
ومسألة المفاضلة بين مكة والمدينة كثر المقال وطال النزاع فيها، فاستدل من قال بتفضيل مكة على المدينة بأن اللَّه تعالى حبس الفيل عن مكة وأهلها وأهلك جيش راكبه لما قصد غزو مكة كما تقدم ذكره وقال تعالى وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً.
قيل: آمنا من النار وقيل: كان يأمن من الطلب من أحدث حدثا ولجأ إليه في الجاهلية، وهذا مثل قوله وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً على قول بعضهم، وقال: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً

(10/342)


وقال: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ وقال ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ وقال وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ثم جعل اللَّه تعالى الكعبة لتمام الصلاة والحج والعمرة في القبلة التي لا تقبل صلاة إلا بالقصد نحوها، إليها الحج والعمرة المفروضات، وإنما فرضت الهجرة إلى المدينة قبل فتح مكة، فلما فتحت مكة بطلت الهجرة، وهذه فضيلة لمكة ثم للمدينة وقد أمر صلى اللَّه عليه وسلّم أن لا يسفك بمكة دم وأخبر أن اللَّه تعالى حرمها يوم خلق السموات والأرض، ولم يحرمها الناس، ونهى عن أن يستقبلها أحد أو يستدبرها ببول أو غائط.
وخرج البخاري من حديث عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في حجة الوداع: ألا أي شهر تعلمون أعظم حرمة قالوا: شهرنا هذا. قال: أي بلد تعلمون أعظم حرمة قالوا: ألا بلدنا هذا، قال: فإن اللَّه حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقها كحرمة يومكم هذا من شهركم هذا، ألا قد بلغت ثلاثة كل ذلك يجيبونه: ألا نعم.
وخرجه أبو بكر بن أبى شيبة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه من طريق أبى معاوية عن الأعمش عن أبى صالح السمان عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: في حجته أتدرون أي يوم أعظم حرمة فقلنا: يومنا هذا، قال: في أي بلد أعظم حرمة فقلنا: بلدنا هذا،
ثم ذكر مثل حديث ابن عمر.
قال الحافظ الفقيه أبو محمد على بن حزم: وقد ذكر هذه الأدلة: وهذا جابر وابن عمر يشهدان أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قرر الناس على أي بلد أعظم حرمة فأجابوه بأنه مكة فصدقهم في ذلك وهذا إجماع من جميع الصحابة في إجابتهم له صلى اللَّه عليه وسلّم بأنه بلدهم ذلك وهم بمكة فمن خالف هذا فقد خالف الإجماع، فصح بالنص والإجماع أن مكة أعظم حرمة من المدينة وإذا كانت أعظم حرمة فهي أفضل بلا شك لأن عظم الحرمة لا يكون إلا للأفضل [ولا بد ولا يكون للأقل] .

(10/343)


وخرج من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمر عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كان بالحجون فقال: واللَّه إنك لخير أرض اللَّه، وأحب أرض اللَّه إلى، ولو لم أخرج منك ما خرجت، لم تحل لأحد قبلي ولا لأحد بعدي.
وذكر باقي الحديث من طريق سعيد بن منصور قال: حدثنا عبد العزيز ابن محمد الدراوَرْديّ عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبى سلمة عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وقف على الحجون فقال: إنك خير أرض اللَّه وأحب أرض اللَّه إلى اللَّه ولو تركت فيك ما خرجت منك
وذكر باقي الحديث.
ومن طريق النسائي من حديث معمر عن الزهري عن أبى سلمة عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في سوق الحزورة واللَّه إنك لخير أرض اللَّه وأحب البلاد إلى اللَّه ولولا أنى أخرجت منك ما خرجت.
وقال قتيبة: حدثنا الليث عن عقيل بن خالد وقال إسحاق حدثنا: يعقوب هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: حدثني أبى عن صالح بن كيسان ثم اتفق عقيل وصالح كلاهما عن الزهري قال: أخبرنى أبو سلمة أن عبد اللَّه بن عدي بن الحمراء أنه سمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وهو واقف على راحلته بالحزورة من مكة يقول: واللَّه إنك لخير أرض اللَّه وأحب أرض اللَّه إلى اللَّه ولولا أنى أخرجت منك ما خرجت.
قال البكري وجماعة المحدثين: يقولون: الحزورة بفتح الزاى وتشديد الراء وإنما هو حزورة بالتخفيف لا يجوز غيره قال الغنوي: يوم ابن جدعان يوم الحزورة.
لم يختلف عقيل مع صالح في شيء من لفظه إلا أن عقيل قال: عن الزبيري عن أبى سلمة عن عبد اللَّه بن عدي أن ابن الحمراء، وعبد اللَّه هذا مشهور من الصحابة زبيري النسب.

(10/344)


ومن طريق أبى ذر الهروي من حديث أبى اليمان الحكم بن نافع أنبأنا شعيب عن الزهري أخبرنى أبو سلمة أن عبد اللَّه بن عدي بن الحمراء أخبره أنه سمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: وهو ما واقف بالحزورة من سوق مكة: واللَّه إنك لخير ارض اللَّه وأحب أرض اللَّه إلى اللَّه ولولا أنى أخرجت منك ما خرجت قال: فارتفع الإشكال جملة وللَّه الحمد.
وهذا خبر في غاية الصحة رواه عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أبو هريرة وعبد اللَّه بن عدي ورواه عنهما أبو سلمة بن عبد الرحمن وعن أبى سلمة محمد ابن عمرو بن علقمة وعن محمد بن عمر وحماد بن سلمة والدراوَرْديّ ورواه عن الزهري أصحابه الثقات معمر وشعيب بن أبى حمزة وعقيل وصالح بن كيسان ورواه أيضا عنه يونس بن يزيد وعبد الرحمن بن خالد ورواه عن هؤلاء الجم الغفير،
ولا مقال لأحد بعد هذا.
وخرج من طريق قاسم بن أصبغ من حديث أحمد بن زهير وأبى بحر ابن أبى ميسرة قالوا جميعا: حدثنا سلمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن حبيب المعلم قال حدثنا: عطاء بن أبى رباح عن عبد اللَّه بن الزبير رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وإلا صلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجده هذا بمائة صلاة
قال: أحد بن زهير سالت يحيى بن معين قال: ثقة وقال أحمد بن حنبل حبيب المعلم: ما أصح حديثه هذا لفظ أحمد ابن زهير.
قال بن أبى ميسرة في روايته صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائه صلاة في مسجدي قال: ورويناه أيضا من طريق محمد بن عبيد عن حماد بن زيد باسناده ولفظه، ورويناه أيضا من طريق أبى معاوية عن موسى الجهنيّ عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] .
__________
[ (1) ] يراجع في ذلك (إعلام الساجد في أحكام المساجد) لبدر الدين الزركشي.

(10/345)


خرج مالك في (الموطإ) عن زيد بن رباح وعبد اللَّه بن أبى هريرة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: صلاة في مسجدي خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد حرام.
قال ابن عبد البر: وقد روى عن أبى هريرة من طرق ثابتة صحاح متواترة.
وقال أبو محمد بن حزم: فروى القدح بفضل مكة على المدينة كما أوردوا عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم جابر وأبو هريرة وابن عمرو بن الوبير، وعبد اللَّه بن عدي خمسة من الصحابة منهم ثلاثة مدنيون بأسانيد في غاية الصحة ورواها عن هؤلاء أبو صالح السمان ومحمد بن زيد بن عبد اللَّه بن عمر وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وعطاء بن أبى رباح منهم ثلاثة مدنيون ورواه عن هؤلاء عاصم بن محمد والأعمش ومحمد بن عمرو بن علقمة والزهري وحبيب المعلم منهم ثلاثة مدنيون ورواه عن هؤلاء واقد بن محمد وأبو معاوية محمد بن حازم وحماد بن سلمة وحماد بن زيد وعبد العزيز بن محمد الدراوَرْديّ ومعمر وشعيب ابن أبى حمزة وعقيل بن خالد وصالح بن كيسان وعبد الرحمن بن خالد ويونس ابن يزيد منهم ثلاثة مدنيون ورواه عن هؤلاء من لا يحصى كثرة وقد ذكرنا أنه قول جميع الصحابة وقول عمر بن الخطاب مرويا عنه.
وروينا من طريق يحى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن أسلم المنقري قلت: لعطاء: آتى مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فأصلى فيه؟ قال: فقال عطاء:
طواف واحد أحب إلى من سفرك إلى المدينة وهو قول أبى حنيفة وسفيان وأحمد وداود والشافعيّ وغيرهم.
وقال ابن عبد البر: وذكر أبو يحى الساجي قال: اختلف العلماء في تفضيل مكة على المدينة فقال الشافعيّ: مكة خير البقاع كلها وهو قول عطاء والمكيين والكوفيين.
وقال مالك: والمدنيون المدينة أفضل من مكة واختلف أهل البصرة والبغداديون في ذلك، فطائفة تقول مكة أفضل وطائفة تقول: المدينة أفضل

(10/346)


وقال عامة أهل الأثر: أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بمائة صلاة.
وقال القاضي عياض: إن تفضيل المدينة على مكة هو قول عمر بن الخطاب ومالك وأكثر المدنيين وذهب أهل مكة والكوفة إلى تفضيل مكة وهو قول عطاء وابن وهب وابن حيت من أصحاب مالك وحكاه الباجي عن الشافعيّ قال القاضي: ولا خلاف أن موضع قبره صلى اللَّه عليه وسلّم أفضل بقاع الأرض.
قال أبو الوليد الباجي: الّذي يقتضيه الحديث مخالف حكم مكة لسائر المساجد ولا يعلم منه حكمها مع المدينة وذهب الطحاوي إلى أن هذا التفضيل إنما هو تفضيل صلاة الفرض. وذهب مطرف من أصحابنا إلى أن ذلك في النافلة قال: وجمعته خير من جمعته ورمضانه خير من رمضانه.
واستدل المالكيون على تفضيل المدينة على مكة
بقوله صلى اللَّه عليه وسلّم: إن إبراهيم حرم مكة ودعا لها
والنبي صلى اللَّه عليه وسلّم حرّم المدينة كما حرم إبراهيم مكة وإني دعوت في صاعها ومدها بمثل ما دعا به إبراهيم لأهل مكة وليس فيه إلا أنه صلى اللَّه عليه وسلّم حرمها كما حرم إبراهيم مكة ودعا لها كما دعا غير إبراهيم لمكة وليس في ذلك ما يقتضي تفضيلها على مكة.
وقد حرم صلى اللَّه عليه وسلّم الدماء والأعراض والأموال فما دل ذلك على فضل واحتجوا
بقوله صلى اللَّه عليه وسلّم اللَّهمّ بارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في صاعنا ومدنا، اللَّهمّ إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك وإنه دعاك لمكة وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه ويقول اللَّهمّ اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة،
وهذا أيضا إنما في الدعاء للمدينة بزيادة البركة وهي واللَّه مباركة.
وقد دعا إبراهيم عليه السلام لمكة بما أخبر به اللَّه تعالى إذ يقول:
فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ ولم يدع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم للمدينة بأن تهوى أفئدة الناس إليها أكثر من هويها إلى مكة لأن الحج إلى مكة لا إلى المدينة فصح أن دعاء النبي صلى اللَّه عليه وسلّم للمدينة بمثل ما دعا إبراهيم

(10/347)


لمكة ومثله معه إنما هو مما في الثمرات وأن الثمار بالمدينة الآن أكثر مما بمكة وليس هذا من باب الفضل في شيء.
ومنها قوله: صلى اللَّه عليه وسلّم المدينة كالكير تنفى خبثها وتنصع طيبها وإنما تنفى الناس كما ينفى الكير خبث الحديث.
وهذا الحديث لا يقتضي أفضليته على مكة وليس هو على عمومه فقد قال تعالى وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ. وقال تعالى إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ فصح أنهم أخبث الخلق وقد كانوا بالمدينة وخرجوا منها، وطلحة والزبير وأبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وعبد اللَّه بن مسعود في عدة أخر، وهم أطيب الخلق فصح بيقين أنه صلى اللَّه عليه وسلّم لم يعن بأن المدينة تنفى الخبث إلا في خاص من الناس وفي خاص من الزمان لا عاما.
وقد نص على هذا صلى اللَّه عليه وسلّم كما
رجحه مسلم من طريق عبد العزيز الدراوَرْديّ عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبى هريرة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال:
في حديث: ألا إن المدينة كالكير يخرج الخبث لا تقوم الساعة حتى تنفى المدينة شرارها كما ينفى الكير خبث الحديد.
وخرج النسائي حديث الأوزاعي عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة عن أنس بن مالك عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: ليس بلد إلا سيطؤه الدجال إلا المدينة ومكة على كل نقب من أنقاب المدينة صافين يحرسونها فينزل، فترجف المدينة ثلاث رجفات يخرج اللَّه منها كل منافق وكافر.
وهذا نص فيما قلنا وليس في جميع ذلك أنها أفضل من مكة إلا ما يقام عليه بدليل.
ومنها
قوله صلى اللَّه عليه وسلّم يفتح اليمن فيأتى قوم يسبون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون.
وذكر مثل هذا سواء في فتح الشام أو العراق
وقوله صلى اللَّه عليه وسلّم يأتى على الناس زمان يأتى الرجل ابن عمه هلم إلى الرخاء هلم إلى الرخاء والمدينة خير

(10/348)


له لو كانوا يعلمون والّذي نفسي بيده لا يخرج أحد منهم رغبة عنها إلا أخلف اللَّه من هو خير منه
وهذا إنما في أن المدينة هي لهم من اليمن والشام والعراق وبلاد الرخاء ولا شك في هذا وليس في فضلها على مكة وهذا أيضا خاص بمن خرج منها طلب رخاء أو لغرض دنيا وأما من يخرج عنها لجهاد أو شيء من الخير فلا، بل كان خروج الذين خرجوا منها بجهاد ونحوه أفضل من إقامتهم بها بدليل أنه صلى اللَّه عليه وسلّم خرج عنها للجهاد وأمر الناس بالخروج معه وتوعد من تخلف بالمدينة لغير عذر وبعث أصحابه إلى اليمن والبحرين وعمان يدعون إلى الإسلام ويعلمون الناس القرآن والسنن فبطل التعلق بهذا الحديث على فضل المدينة على مكة.
وأما قوله لا يخرج منهم رغبة عنها إلى أخرى فإنه حق فإن من رغب عن المدينة أثم لرغبته عنها وكذلك من رغب عن مكة وليس في هذا فضل بها على مكة.
ومنها
قوله صلى اللَّه عليه وسلّم إن الإيمان يأزر إلى المدينة، كما تأرز الحية إلى جحرها
وليس في هذا فضلها على مكة وهو أيضا إخبار عن وقت دون وقت فإنّها اليوم من سنين مضت على خلاف ذلك.
فقد جاء هذا الخبر بزيادة كما
خرجه مسلم من طريق عاصم بن محمد ابن زيد بن عبد اللَّه بن عمر عن أبيه عن جده عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ وهو يأزر بين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها
ففي هذا أن الإيمان بين مسجد مكة ومسجد المدينة.
ومنها حديث أنس أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كان إذا قدم من سفر فنظر إلى جدر المدينة أوضع راحلته مرجعها وهذا إنما في حب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم له، أو نعم كان يحبها لكن ليس فيه أنه كان يحبها أكثر من مكة ولا أنها أفضل من مكة.
ومنها
قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: لا يكيد أحد أهل المدينة إلا انماع كما ينماع الملح في الماء، وقوله: لا يريد أحد أهل المدينة بشر إلا أذابه في النار ذوب الرصاص

(10/349)


وذوب الملح في الماء ومن أخاف أهل المدينة أخافه اللَّه وعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين ولا يقبل اللَّه منه صرفا ولا عدلا.
وقوله: مثل هذا فيما أحدث فيها أو أوى محدثا وهذا كله إنما في الوعيد لمن كاد أهلها ولا يحل كيد مسلم وليس فيه أنها أفضل من مكة، وقد قال تعالى وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ وهذا نص صريح بوعيد من ظلم بمكة كوعيده صلى اللَّه عليه وسلّم من كاد أهل المدينة.
ومنها
قوله: لا يثبت أحد على لأوائها وشدتها إلا كنت له شيعا أو شهيدا يوم القيامة
وهذا إنما في الحض على الثبات على شدتها وأنه يكون لهم شفيعا وليس في هذا دليل على فضلها على مكة وقد صح أيضا أنه يشفع لجميع أمته
وقال صلى اللَّه عليه وسلّم: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينها والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة
وهذه فضيلة لا تكون إلا لمكة والشفاعة يدخل فيها من برّ من المسلمين ومن فجر فتأمل ذلك يظهر لك منه تفضيل مكة.
ومنها
قوله: اللَّهمّ حبب إلينا المدينة كحبنا مكة وأشد
وهذا إنما في الدعاء في وقوع أحد الأمرين، إما أن يحببه تعالى المدينة كحبنا مكة أو أشد وهذا إنما فيه الدعاء في وقوع أحد الأمرين إما أن يحسبه تعالى المدينة كحبه صلى اللَّه عليه وسلّم مكة أو يحببه المدينة أكثر من حبه لمكة ولم يبين لنا أي الأمرين أجيب به دعاؤه وحب البلد يكون للموافقه وللألفه وليس في هذا فضل على مكة.
ومنها
قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: لقاب قوس أحدكم من الجنة وموضع سوط من الجنة خير من الدنيا وما فيها.
وقوله: ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة وقبري ومنبري على حوضي.
قال القاضي عياض، عن الطبري: فيه معنيان أحدهما أن المراد بالبيت بيت سكناه على الظاهر مع أنه روى ما يثبته بين حجرتي ومنبري والثاني أن البيت هنا القبر وهو قول يزيد بن أسلم في هذا الحديث كما روى بين قبري ومنبري.

(10/350)


قال الطبري: وإذا كان قبره في بيته فاتفقنا معا في الروايات ولم يكن فيها خلاف لأن قبره في حجرته وهو بيته.
قال: وقوله: ومنبري على حوضي يحتمل أنه منبره بعينه الّذي كان في المدينة وهو أظهر. والثاني أن يكون هناك له منبر والثالث أن قصه منبره والحوض عنده لملازمة الأعمال لصالحه يورد الحوض ويوجب الشرب منه.
قال القاضي: وقوله: روضة من رياض الجنة يحتمل معنيين أحدهما أنه موجب لذلك وأن الدعاء والصلاة فيه يستحق ذلك من الثواب كما قيل الجنة تحت ظلال السيوف.
والثاني أن تلك البقعة قد ينقلها اللَّه فتكون في الجنة بعينها قاله الداوديّ.
قال ابن حزم: وأرادوا أن يثبتوا من هذا أن مكة من الدنيا كموضع قاب قوسين من تلك الروضة وتلك الروضة خير من مكة وليس هذا كما ظنوه ولو كان ذلك لكانت مصر والكوفة خير من مكة والمدينة.
روينا عن مسلم حدثنا محمد بن عبد اللَّه بن نمير حدثنا محمد بن أنبأنا عبيد اللَّه هو ابن عمرو عن حبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم سيحان وحيجان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة
وهذا ما لا يقوله مسلم: أن هذه البلاد من أجل ما فيها من أنهار الجنة خير من المدينة ومكة.
قال: وهذا أن الحديثين ليسا على ما يظنه أهل الجهل من أن تلك الروضة قطعه منقطعة من الجنة أو أن هذه الأنهار مهبطه من الجنة لأن اللَّه تعالى يقول: في الجنة: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى فهذه صفة الجنة وليست هذه الأنهار ولا تلك الروضة بهذه الصفة فصح كون تلك الروضة من الجنة إنما هو لفضلها وأن الصلاة فيها تؤدى إلى الجنة وأن تلك الأنهار لبركتها أضيفت إلى الجنة كما تقول: في اليوم الطيب هذا يوم من أيام الجنة، وكما قيل في العنان: إنها من دواب الجنة وكما
قال صلى اللَّه عليه وسلّم: الجنة تحت ظلال السيوف
وهذا في أرض الكفر بلا شك وليس في هذا فضل لها على مكة.

(10/351)


ثم لو صح ما ادعوه لما كان الفضل إلا لتلك الروضة خاصة لا لسائر المدينة وهذا خلاف قولهم.
فإن قالوا: ما قرب فيها أفضل مما بعد قلنا فليلزمكم على هذا أن تكون الجحفة ووادي القرى أفضل من مكة لأنهما أقرب إلى الروضة من مكة وهذا لا يقولونه، فبطل تعلقهم بهذا الخبر.
وقال أبو عمر بن عبد البر: اختلف الناس في تأويل قول الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم:
ما بين قبري ومنبري، وروى ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة فقال قوم: معناه أن البقعة ترفع يوم القيامة فتجعل في رياض الجنة. وقال آخرون: قال: فإنّهم يعنون أنه لما كان جلوسه صلى اللَّه عليه وسلّم وجلوس الناس إليه يتعلمون القرآن والدين هناك شبه ذلك الموضع بالروضة لكريم [يحصل فيه] في وأضافها إلى الجنة كما
قال صلى اللَّه عليه وسلّم: الجنة تحت ظلال السيوف
يعنى أنه عمل يوصل به إلى الجنة وهذا جائز شائع في لسان العرب واللَّه أعلم بما أراد من ذلك.
وقد استدل أصحابنا على أن المدينة أفضل من مكة بهذا الحديث وركبوا عليه
قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها
وهذا لا دليل فيه على ما ذهبوا إليه إلا أن قوله هذا أراد به ذم الدنيا والزهد فيها والترغيب في الآخرة فأخبر أن السير من الجنة خير من الدنيا كلها وأراد بذلك السوط التقليل لا أنه أراد موضع السوط بعينه بل موضع نصف سوط وربع سوط من الجنة الباقية خير من الدنيا الفانية وهذا مثل قوله تعالى: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ لم يرد القنطار بعينه وإنما أراد الكثير وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لم يرد الدينار يعينه وانما أراد القليل أي أن منهم من يؤتمن على بيت مال فلا يخون ومنهم من يؤتمن على فلس أو نحوه فيخون على أن قوله:
روضة من رياض الجنة
يحتمل ما قال العلماء في ما قدمنا ذكره فلا حجة لهم في شيء مما ذهبوا إليه والمواضع كلها البقاع أرض اللَّه فلا يجوز أن يفضل منها شيء على شيء إلا بما يجب التسليم له وإني لا أعجب لمن يترك
قول:

(10/352)


رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إذ وقف بمكة على الحجون وقيل: على الحزورة فقال: واللَّه إني لأعلم أنك خير أرض اللَّه وأحبها إلى اللَّه ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت، وهذا حديث صحيح.
رواه أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة وعبد اللَّه بن عدي بن الحمراء جميعا عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم
فكيف يترك مثل هذا النص الثابت وبمال إلى أقوال لا تجامع مقاولة عليه؟
قال: وقد روى عن مالك ما يدل على أن مكة أفضل الأرض كلها ولكن المشهور عن أصحابه في مذهبه تفضيل المدينة ثم ذكر
من طريق أحمد بن داود حدثنا سحنون حدثنا عبد اللَّه بن وهب قال: حدثني مالك بن أنس أن آدم لما أهبط إلى الأرض بالهند أو بالسند قال: يا رب هذه أحب الأرض إليك أن تعبد فيها قال: بل مكة فسار آدم حتى أتى مكة فوجد عندها ملائكة يطوفون بالبيت ويعبدون اللَّه تعالى فقالوا: مرحبا يا آدم يا أبا البشر، إنا منتظروك هاهنا منذ ألفى سنة
قال: وكان مالك يقول: من فضل المدينة على مكة أنى لا أعلم فيها قبر نبي معروف غيرها وهذا واللَّه أعلم وجهه عندي من قول مالك، كأنه ما لا يشك فيه وما يقطع العذر خبره وإلا فإن الناس يزعم منهم الكثير أن قبر إبراهيم عليه السلام ببيت المقدس وإن قبر موسى عليه السلام هناك أيضا.
قال أبو عمر: إنما يحج بقبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وبفضائل المدينة وما جاء فيها عنه صلى اللَّه عليه وسلّم وعن أصحابه على من أنكر فضلها وجعلها كسائر بقاع الأرض لأن تلك الآثار أثبتت فضلها وأوضحت موضعها وكرامتها.
وأما من أقر بفضلها وعرف موضعها وأقر أنه ليس على وجه الأرض بعد مكة أفضل منه فقد أنزلها منزلها وخرج بها وعرف لها حقها واستعمل القول بما جاء عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في مكة لأن فضائل البلدان لا تدرك بالقياس والاستنباط وإنما سبيلها التوقيف، وكل يقول بما بلغه وصح عنده والآثار في فضل مكة عن السلف أكثر وفيها بيت اللَّه الّذي رضى من عباده على الحط لأوزارهم بقصده مرة في العمر
وقوله صلى اللَّه عليه وسلّم صلاة في مسجدي أفضل من ألف

(10/353)


صلاة في ما سواه إلا المسجد الحرام
قال أبو محمد بن حزم تأويلهم أن الصلاة في مسجد المدينة أفضل من الصلاد في مسجد مكة بدون ألف وقلنا نحن: بل هذا الاستثناء لأن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجد المدينة وكلا التأويلين محتمل، نعم.
وتأويل ثالث أيضا وهو إلا المسجد الحرام فإن الصلاة في كليهما سواء فلا يجوز المصير إلى أحد هذه التأويلات إلا بنص آخر وبطل أن يكون في هذا الخبر بيان في فضل المدينة على مكة وقال: أبو عمر بن عبد البر اختلفوا في تأويله ومعناه فتأوله قوم منهم أبو بكر عبد اللَّه بن نافع الزبيري صاحب مالك على أن الصلاة في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بدون ألف درجة، وأفضل من الصلاة في سائر المساجد بألف صلاة، وقال: بذلك جماعة من المالكيين ورواه بعضهم عن مالك.
وتأويل ابن نافع بعيد عند أهل المعرفة باللسان ويلزمه أن يقول: إن الصلاة في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بتسعمائة ضعف وتسعة وتسعين ضعفا وإذا كان هذا كهذا لم يكن للمسجد الحرام فضل على سائر المساجد إلا بالجزء اللطيف على تأويل ابن نافع هذا.
وحسبك ضعفا بقوله: يؤول إلى هذا وقد زعم بعض المتأخرين من أصحابنا أن الصلاة في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بمائة صلاة ومن غيره بألف صلاة واحتج لذلك بما رواه سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن ابن عتيق قال: سمعت عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: صلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة فيما سواه فتأول بعضهم هذا الحديث أيضا عن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه على أن الصلاة في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم خير من تسعمائة صلاة في المسجد الحرام، وهذا كله تأويل لا يعضده أصل ولا يقوم عليه دليل، وحديث سليمان بن عتيق هذا حجة فيه لأنه مختلف في إسناده وفي لفظه وقد خالفه فيه من هو أثبت منه. فمن الاختلاف عليه في ذلك ما ذكر من طريق قاسم بن أصبغ محمد بن وضاح حدثنا حامد بن يحيى حدثنا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد الخراساني أبى

(10/354)


عبد الرحمن قال: أخبرنا سليمان بن عتيق قال: سمعت عبد اللَّه بن الزبير يقول:
سمعت عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم.
ومن طريق أبى عبد اللَّه سعيد بن عبد الرحمن المخزومي قال: حدثنا سفيان عن زياد بن سعد عن ابن عتيق قال سمعت ابن الزبير على المنبر يقول:
سمعت عمر بن الخطاب يقول: صلاة في المسجد الحرام أفضل من ألف صلاة.
فيما سواه من المساجد إلا مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فإنما فضله عليه بمائة صلاة.
فهذا خلاف ما ذكروه في حديث ابن عتيق عن ابن الزبير عن عمر فكيف يحتجون بحديث قد روى فيه ضد ما ذكروه أيضا في رواية الثقات إلى ما في إسناده من الاختلاف أيضا.
وقد ذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرنى سليمان بن عتيق وعطاء عن ابن الزبير أنهما سمعاه يقول: صلاة في المسجد الحرام خير من مائتي صلاة فيه ويشير إلى مسجد المدينة.
وذكر من طريق قاسم بن أصبغ قال: حدثنا أبو يحيى بن أبى مرة ومحمد بن عبد السلام الخشنيّ قالا: حدثنا محمد بن أبى عمر حدثنا سفيان بن زياد بن سعد حدثنا سليمان بن عتيق قال: سمعت ابن الزبير يقول: سمعت عمر بن الخطاب يقول: صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فإنما فضله عليه بمائة صلاة.
فهذا حديث سليمان بن عتيق محتمل للتأويل لأن قوله: فضله عليه يحتمل الوجهين إلا أنه قد جاء عن عبد اللَّه بن الزبير أيضا من نقل الثقات خلاف ما تأوله عليه على أنه لم يتابع فيه سليمان بن عتيق على ذكره عمر وهو مما أخطأ فيه عندهم سليمان بن عتيق وانفرد به، وما انفرد به فلا حجة فيه وإنما الحديث محفوظ عن ابن الزبير على وجهين: طائفه توقفه عليه فتجعله من

(10/355)


قوله، وطائفة ترفعه عند النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بمعنى واحد أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بمائة ضعف.
هكذا رواه عطاء بن أبى رباح عن عبد اللَّه بن الزبير واختلف في رفعه عن عطاء على حسب ما ذكرنا وما رفعه منه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أحفظ وأثبت من جهة النقل وهو أيضا صحيح في النظر لأن مثله لا يدرك بالرأي ولا بدّ فيه من التوفيق فلهذا قلنا من رفعه أولى مع شهادة أئمة أهل الحديث الّذي رفعه عن ابن الزبير من رواية عطاء بن أبى رباح الحجاج بن أرطاة وابن جريح على أن ابن جريح رواه عن سليمان بن عتيق أيضا بمثل روايته عن عطاء سواء، فحديث الحجاج بن أرطاة حدثناه عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد ابن زهير حدثنا أبى حدثنا هشيم أخبرنا الحجاج بن أرطاة عن عطاء عن عبد اللَّه ابن الزبير قال: الصلاة في المسجد الحرام تفضل على مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بمائة ضعف قال عطاء: فنظرنا في ذلك فإذا هي تفضل على سائر المساجد بمائة ألف ضعف.
ذكر عبد الرزاق وغيره عن أبى جريج قال: أخبرنى عطاء أنه سمع ابن الزبير يقول: على المنبر: صلاة في المسجد الحرام خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد قال: قلت: لم يسم مسجد المدينة قال: ليخيل إلى أنه إنما أراد مسجد المدينة.
قال ابن جريج: أخبرنى سليمان بن عتيق بمثل خبر عطاء هذا قال:
حدثني بشير بن الزبير إلى المدينة هكذا قال ابن جريج: بألف على ما أشار عليه وتأوله ابن جريج في حديثه هكذا تكون الصلاة في المسجد الحرام تفضل على الصلاة في كل المساجد غير مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بألف ألف ولكن الحديث لم يقمه ولا رواه إلا حبيب المعلم عن عطاء اقام إسناده وجود لفظه فأتى بالمعروف في الصلاة في المسجد الحرام بأنها بمائة ألف صلاة وفي مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بألف صلاة
فذكر من طريق قاسم بن أصبغ حدثنا أبو يحيى عبد اللَّه ابن أبى مرة فقيه مكة حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن حبيب

(10/356)


المعلم عن عطاء بن أبى رباح عن عبد اللَّه بن الزبير قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي.
ومن طريقه أيضا حدثنا أحمد بن زهير حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن حبيب المعلم عن عطاء عن عبد اللَّه بن الزبير قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة،
ما شبه حبيب المعلم هذا الحديث جودة ولم يخلط في لفظه ولا في معناه وكان ثقة وليس في هذا الباب عن ابن الزبير ما يحتج به عند أهل العلم بالحديث إلا حديث حبيب هذا، قال ابن أبى خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: حبيب المعلم ثقة ما أصح حديثه وسأل أبو زرعه الرازيّ عن حبيب المعلم فقال: بصرى ثقة، وقد روى في هذا الباب عن عطاء عن جابر حديث نقلته ثقات كلهم بمثل حديث حبيب المعلم سواء وجائز أن يكون عند عطاء في ذلك عن جابر وعبد اللَّه بن الزبير فيكونان حديثين وعلى هذا يحمله أهل العلم بالحديث
فذكر من طريق قاسم حديث حكيم بن شعبه حدثنا عبيد اللَّه بن عمرو عن عبد الكريم الجزري عن عطاء بن أبى رابح عن جابر قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه،
وحكيم بن سفيان هذا شيخ من أهل الرقة قد روى عنه أبو زرعة الرازيّ وغيره وأخذ عنه ابن وضاح وهو عندهم شيخ صدوق لا بأس به فإن كان حفظ فهما حديثان وإلا فالقول قول: حبيب المعلم على ما ذكرنا.
وقد روى في هذا الباب أيضا حديث بهذا المعنى عن عطاء عن ابن عمر مفردا وهو عندهم حديث آخر لا شك فيه لأنه
روى عن ابن عمر من وجوه، فذكر من طريق إسماعيل بن علية حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق حدثنا عبد الملك، عن عطاء عن ابن عمر عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: صلاة في مسجدي هذا

(10/357)


أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام فإن الصلاة فيه أفضل.
ومن طريق عمر بن عبيد عن عبد الملك عن عطاء ابن عمر قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام فهو أفضل.
ومن طريق أبى معاوية عن موسى الجهنيّ عن نافع عن ابن عمر قال:
قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام فإنه أفضل منه بمائة صلاة.
قال: وقد روى عن أبى الدرداء وجابر مثل هذا المعنى سواء فذكره من طريق أحمد بن عمر والرازيّ حديث سالم القداح حدثنا سعيد بن بشير عن إسماعيل بن عبيد اللَّه عن أم الدرداء عن أبى الدرداء قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره مائه ألف صلاة وفي مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة، قال البزار: هذا إسناد حسن وقد روى من حديث عثمان بن الأسود عن مجاهد عن جابر مثله سواء.
وروى عبد الحميد عن ابن عيينة قال: حدثني عمر بن سعيد عن أبيه عن أبى عمر والشيباني قال: قال عبد اللَّه بن مسعود: المرأة أفضل صلاتها في بيتها إلا في المسجد الحرام، وهذا تفضيل منه للصلاة فيه على الصلاة في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم لأن
النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال لأصحابه: صلاة أحدكم في بيته أفضل من صلاته في مسجدي إلا المكتوبة
وقد اتفق مالك وسائر العلماء على أن صلاة العيدين يبرز لها في كل بلد إلا بمكة فإنّها تصلى في المسجد الحرام.
ومن طريق قاسم من حديث سفيان حدثنا الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام
قال سفيان: فيرون أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائه ألف صلاة فيما سواه من المساجد، من طريق ابن وضاح قال: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح قال: سمعت ابن

(10/358)


وهب يقول: ما رأيت اعلم بتفسير الحديث من ابن عيينة قال: ابن عبد البر وحسبك في هذا الحديث
بقوله صلى اللَّه عليه وسلّم لمكة واللَّه إني لأعلم أنك خير أرض وأحبها إلى اللَّه ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت
وهذا من أصح الآثار عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم.
وذكر من طريق عبد اللَّه بن عدي بن الحمراء ثم قال: وهذا قاطع في موضع الخلاف ثم ذكر
من طريق ابن سنجر حدثنا محمد بن عبيدة عن طلحة ابن مر عن عطاء عن ابن عباس قال: لما خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من مكة قال:
أما واللَّه أنى لأخرج منك وإني لأعلم أنك أحب بلاد اللَّه إلى اللَّه وأكرمه على اللَّه ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت
ومن طريق قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد بن سلمة عن على بن زيد عن يوسف ابن مهران عن ابن عباس قال: قال على بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه إني لأعلم أحب بقعة إلى اللَّه في الأرض، وأفضل بئر في الأرض، وأطيب أرض في الأرض
فأما أحب بقعة في الأرض إلى اللَّه فالمسجد الحرام وما حوله وأفضل بئر في الأرض زمزم وأطيب أرض في الأرض ريحا الهند هبط بها آدم عليه السلام من الجنة فعلق شجرها من ريح الجنة فهذا عمر وعلى وابن مسعود وأبو الدرداء وابن عمر وجابر يفضلون مكة ومجدها وهم أولى بالتقليد ممن بعدهم وذكر عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: صلاة في المسجد الحرام خير من مائه صلاة في مسجد المدينة قال معمر: وسمعت أيوب يحدث عن أبى العالية عن عبد اللَّه بن الزبير مثل قول قتادة: وذكر عبد الملك بن حبيب عن مطرف عن أصبغ وعن ابن وهب أنهما كانا يذهبان إلى تفضيل الصلاة في المسجد الحرام على الصلاة في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم على ما في أحاديث هذا الباب
قال ابن عبد البر: أصحابنا يقولون: أن قول ابن عيينة حجه حين حدث بحديث أبى الزبير عن أبى صالح عن ابى هريرة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة
قال: ابن

(10/359)


عيينة حجه لأنه إذا قال كانوا يرون غنما حكى عن التابعين فيلزمهم مثل ذلك في قول ذلك في قول ابن عيينة في تعبير حديث هذا الباب لأنه قال: إذ حدث به وكانوا يرون الصلاة في المسجد أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه ولا يشك عالم منصف في أن ابن عتيينة فوق ابن نافع في الفهم والفضل والعلم وأنه إذا لم يكن منهم بد من التقليد فتقليده أولى من تقليد ابن نافع وفيما ذكرنا من هذا الباب عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم عن ما سواهم، هذا ملخص ما ذكره في كتاب (التمهيد) وقال: في كتاب الاستذكار وقد ذكر حديث مالك عن أبى هريرة يرفعه صلاة في مسجدي هذا خير من ألف: صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وأجمعوا على صحته، واختلفوا في تأويله وكان عبد اللَّه بن نافع الزبيري صاحب مالك فيما روى يحيى بن يحيى عنه أنه سأله عن معنى هذا الحديث فقال: معناه أن الصلاة في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أفضل من الصلوات في سائر المساجد بألف صلاة إلا المسجد الحرام فإن الصلاة في مسجد لنبي صلى اللَّه عليه وسلّم أفضل من الصلاة فيه دون الالف صلاة وهذا التأويل على بعده ومخالفة أكثر أهل العلم لما فيه فإنه لا حظ له في اللسان العربيّ لانه لا يقوم في اللسان الا بقرينه وبيان، لا بيان ولا دليل لمن تأول تأويل ابن نافع يشهد له وأهل العربية يقولون: إذا قلت اليمن أفضل من جميع البلاد بألف درجه إلا العراق جاز أن يكون العراق مساويا وفاضلا مفضولا إذا كان مساويا فقد علم مقدار فضله وإذا كان فاضلا أو مفضولا فمعلن في الفضل لا يعلم كم مقدار المفاضلة بينهما الا بقرينه ودليل على عدة درجات إما زائدة أو ناقصة فيحتاج إلى الإتيان وقد علمنا أنه لم يحتمل ابن نافع ما تأوله في الحديث إلا ما كان يذهب إليه هو وشيخه مالك من تفضيل المدينة على مكة وتفضيل مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم على صلى اللَّه عليه وسلّم على المسجد الحرام ثمّ ذكر على ما تقدم انتهى.

(10/360)


ومنها
قوله صلى اللَّه عليه وسلّم على أبواب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال
وهذا ليس فيه تفضيلها على مكة لأنه أخبر صلى اللَّه عليه وسلّم أن المدينة لا يدخلها الدجال.
خرج البخاري ومسلم من طريق الوليد بن مسلم حدثنا عمر حدثنا إسحاق قال: حدثني أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: ليس بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة وليس نقب من أنقابها إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فيخرج اليه كل كافر ومنافق وقد صح أن الملائكة تنزل على المصلين في كل بلد كما
أخبر صلى اللَّه عليه وسلّم أنهم يتعاقبون فينا ملائكة بالليل والنهار
فشارك المدينة غيرها من البلاد في حلول الملائكة بها، ومنها
قوله صلى اللَّه عليه وسلّم هي طيبه
وصدق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أنها واللَّه طيبة لكن ليس في هذا فضل لها على مكة واحتجوا بأن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال:
لعبد اللَّه بن عياش بن أبى ربيعة أنت القائل لمكة خير من المدينة فقال له عبد اللَّه: هي حرم اللَّه وأمنه وفيها قبلته، فقال له عمر إني لا أقول في حرم للَّه ولا في بيت اللَّه شيئا أنت القائل لمكة خير من المدينة ثم انصرف، وهذا ليس فيه إلا أن عبد اللَّه بن عياش وهو أحد الصحابة كان يقول: مكة أفضل من المدينة وليس في هذا الخبر عن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه تفضيل المدينة على مكة ولا تفضيل مكة على المدينة وإنما فيه تقرير عبد اللَّه على هذا القول فقط وقد صح عن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن مكة أفضل من المدينة كما تقدم من طريق قاسم بن أصبغ يقول: صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فهذان صاحبان لا يعرف لهما من الصحابة مخالف ومثل هذا حجة عندهم.
وخرج عبد الرزاق عن معمر عن عبد الكريم الجزري عن سعيد بن المسيب قال: من يعتكف في مسجد إيليا فاعتكف في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أجزأ عنه ومن نذر أن يعتكف في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فاعتكف في المسجد الحرام اجرأ عنه فهذا سعيد بن المسيب فقيه أهل المدينة يصرح بفضل مكة على المدينة كفضل

(10/361)


المدينة على بيت المقدس واحتجوا ونحوا فيه
بأن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم رأى ميتا فقال: دفن في التربة التي خلق منها
قالوا: والنبي صلى اللَّه عليه وسلّم دفن بالمدينة فمن تربتها خلق وهو أفضل الخلق فهي أفضل البقاع وهذا حديث روى من طريقين إحداهما فيها محمد بن الحسن بن زبالة عن أنيس بن يحيى مرسل والأخرى من رواية أبى خالد عن يحيى البكاء فأما محمد بن الحسن بن زبالة القرشي المخزومي المدني أحد المكثرين الضعفاء روى عن أسامة بن زيد وسعيد بن أبى سعيد المقبري ومالك بن أنس ومحمد بن جعفر بن أبى كثير وخلائف، وحدث عنه أبو خيثمة وأحمد بن صالح، والزبير بن بكار وجماعة اسقطوه لحديثه عن مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة حديث فتحت البلاد بالسيف، وفتحت المدينة بالقرآن وبغير هذا من الحديث قال: أبو داود كذاب وقال ابن معين: واللَّه ما هو ثقة وقال البخاري: عنده مناكير قال أنب معين: كان يسرق الحديث، وقال النسائي:
وغيره متروك وقال أبو حاتم: وهي الحديث وليس بمتروك وما أبه حديثه بحديث عمر بن أبى بكر الموصلي والواقدي ويعقوب بن محمد الزهري وعبد العزيز بن عمران، وقال ابن حزم: هو ساقط بالجملة قال فيه يحيى:
ليس بالثقة وهو بالجملة متفق على اطراحه، وأما أنيس بن يحيى فقال ابن حزم: ولا ندري من أنيس بن يحيى، وأما أبو خالد فهو مجهول عن يحيى البكاء واختلف في أسم أبيه فقيل: مسلم وقيل: سليم وقيل: يحيى بن أبى خليد أبو مسلم وقيل: أبو سلم وقيل: أبو الحكم يروى عن أبى عمرو عن السعيد بن المسيب وأبى العالية وغيره ويروى عنه عبد الوارث بن سعيد وعلى بن عاصم، وجماعة قال أحمد: ليس بثقة وقال ابن معين: ليس بذاك وقال أبو زرعة ليس بقوى، وقال أبو حاتم: شيخ، وقال النسائي متروك الحديث وقال ابن عدي ويحيى البكاء هذا ليس بذاك المعروف وليس له كثير رواية فبهذا قد تبين ضعف الحديث بل قال فيه ابن حزم: وهذا خير موضوع ثم لو صح لما كانت فيه حجة لأنها قد دفن فيها المنافقون ودفن إبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى وهارون، وداود وسليمان في الشام ولا يقول: مسلم من آجل ذلك أن الشام أفضل من مكة
وفي حديث محمد بن الحسن ابن زبالة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه

(10/362)


عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: فتحت البلاد بالسيف حديث: وفتحت المدينة بالقرآن
وقد اسقطوه لهذا ولغيره، وقال ابن عدي: وأنكر ما روى حدي هشام بن عروة حديث: فتحت القرى بالسيف وقال ابن حزم: وهذا أيضا من رواية محمد بن الحسن بن زبالة المذكور بوضع الحديث وهذا من وضعه بلا شك لأنه رواه عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وهذا اسناد تفرد به ابن زبالة دون سائر من روى عن مالك من الثقات ثم لو صح ما كانت فيه حجه في فضلها لان البحرين وأكثر مدائن اليمن وصنعاء والجند لم تفتح بالسيف إلا بالقرآن فقط وليس ذلك بموجب فضلها على مكة عند كل أحد من المسلمين، ومنها
حديث ابن زبالة عن مالك عن يحيى بن سعيد عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إنه قال: ما على الأرض بقعة أحب إلى اللَّه تعالى من أن يكون قبري فيها منها،
هكذا رواه مرسلا ولو صح لما كان فيه حجه في فضلها على مكة لأن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كره للمهاجرين؟ وهو عندهم أن يرجعوا إلى مكة ليحشروا غرباء مطرودين عن وطنهم في اللَّه تعالى، حتى أنه صلى اللَّه عليه وسلّم رثى لسعد ابن خولة أن مات بمكة ولم يجعل للمهاجر معه تمام نسكه أن يبقى بمكة إلا ثلاث ليال فقط فإذا خرجت مكة بهذه العلة على أن يدفن فيها النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فالمدينة أفضل البقاع بعدها بلا شك وقد.
خرج البزار من طريق أبى نعيم الفضل بن دكين حدثنا محمد بن قيس عن أبى برده بن أبى موسى الأشعري عن أبى موسى قال: مرض سعد بمكة فأتاه النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يعوده فقال له: يا رسول اللَّه أليس نكره أن يموت الرجل في الأرض التي هاجر منها قال: بلى
وذكر باقي الحديث هذا نص ما قلنا ومنها
حديث محمد بن زبالة عن محمد بن إسماعيل عن سليمان بن بريدة وغيره عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: في حين خروجه من مكة اللَّه إنك أخرجتني من أحب البقاع إلى فأسكني أحب البقاع إليك
هكذا ذكره مرسلا. قال ابن عبد البر: وقد ذكر حديث عبد اللَّه ابن عدي بن الحمراء الّذي تقدم هو حديث ثابت عند جماعة أهل العلم بالحديث ولم يأن عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من وجه صحيح شيء يعارضه الا ما رواه

(10/363)


محمد بن الحسن بو زبالة وهو متروك الحديث مجتمع على ترك الاحتجاج بحديثه وقد انفرد بهذا الحديث وهذا الحديث لا يصح عند أهل العلم بالحديث وقال ابن حزم: وهذا موضع من رواية محمد بن الحسن بن زبالة ومنها حديث محمد بن الحسن عن يحيى بن عبد الرحمن عن عمرة بنت عبد الرحمن قال رافع ابن خديج قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم خير من مكة ورواه محمد بن عبد الرحمن ابن الرداد بن عبد اللَّه بن شريح بن مالك القرشي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عبيدة ابنه عبد الرحمن عن رافع بن خديج عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ورواه عبد اللَّه بن رافع الصانع صاحب مالك عن محمد بن عبد الرحمن الرداد عن يحيى بن سعيد عن عمرة قال رافع: ومحمد بن زبالة هو صاحب هذه الفضائح كلها المتعود بوضعها ومحمد بن عبد الرحمن بن الرداد قال ابن عدي: مدينى من ولد ابن أم مكتوم رواياته ليست بمحفوظة وقال ابن حزم: مجهول لا يدريه أحد وعبد اللَّه بن نافع وفيه مقال.
وقد خرج مسلم [ (1) ] هذا الخبر من طريق عبد اللَّه بن مسلمة القصبي قال:
حدثنا سليمان بن بلال عن عتبة بن مسلم عن نافع بن جبير بن مطعم أن مروان خطب الناس فذكر مكة وأهلها وحرمتها فناداه رافع بن خديج فقال: ما لي أسمعك ذكرت مكة وأهلها وحرمتها ولم تذكر المدينة وأهلها وحرمتها وقد حرم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ما بين لابتيها، وذلك عندنا في أديم خولانى وإن شئت أقرأتكه قال: فسكت مروان ثم قال قد سمعت بعض ذلك قال: وهكذا كله كان الحديث فبدله أهل الزيغ عصبية عجل اللَّه تعالى لهم بها الفضيحة في الكذب على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم واللَّه أعلم.
***
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 9/ 144، كتاب الحج، باب (85) فضل المدينة ودعاء النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فيها بالبركة، وبيان تحريها، وتحريم صيدها، وشجرها، وبيان حدود حرمها، حديث رقم (457) .

(10/364)


السابعة والسبعون: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم كان إذا دعا لأهل القبور يملأها اللَّه عليهم نورا ببركة دعائه
خرج مسلم [ (1) ] من حديث حماد بن زيد عن ثابت البناني عن رافع عن أبى هريرة أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد أو شابا ففقدها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فسأل عنها أو عنه فقالوا: مات. قال: أفلا كنتم آذنتموني قال: وكأنهم صغروا أمرها وأمره فقال: دلوني على قبره فدلوه فصلى عليها ثم قال: هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن اللَّه تعالى ينورها لهم بصلاتي عليهم.
وخرجه الإمام أحمد من حديث أبى عامر عن ثابت عن أنس أن أسود كان ينظف المسجد فمات فدفن ليلا فأتى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فأخبر فقال: انطلقوا إلى قبره، فانطلقوا فقال: إن هذه القبور ممتلئة على أهلها ظلمة وإن اللَّه عز وجل ينورها بصلاتي عليها فأتى القبر فصلى عليه وقال رجل من الأنصار: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إن أخى مات ولم يصل عليه، قال: فأين قبره فأخبره فانطلق النبي صلى اللَّه عليه وسلّم مع الأنصاري فصلى عليه، وفي لفظ له فإن صلاتي عليه رحمة له.

الثامنة والسبعون: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم كان يوعك وعك رجلين
خرج البخاري [ (2) ] ومسلم من طريق الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: دخلت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وهو يوعك فمسسته بيدي فقلت: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم
__________
[ (1) ] سبق تخريجه في موضعه من هذا الجزء ص 140، فيمن كان يقم المسجد.
[ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 152، كتاب المرضى، باب (16) ما رخص للمريض أن يقول إني وجع، حديث رقم (5667) وخرجه مسلم في كتاب البر، باب (45) ، والدارميّ في الرفاق.

(10/365)


أراك توعك وعكا شديدا؟ فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أجل إني أوعك وعك رجلين منكم فقلت: ذاك إن أجرين فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أجل، ثم قال: رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط اللَّه به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها.
وخرج الحاكم [ (1) ] من حديث ابن وهب عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبى سعيد الخدريّ قال: دخلت على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وهو محموم فوضعت يدي من فوق القطيفة فوجدت حرارة الحمى فقلت: ما أشد حماك يا رسول اللَّه قال: إنا كذلك معشر الأنبياء يضاعف علينا الوجع لنا لنا الأجر قال: فقلت: يا رسول اللَّه أي الناس أشد بلاء؟ قلت: الأنبياء. قال:
ثم من؟ قال: ثم الصالحون إن من الرجل ليبتلى بالفقر حتى ما يجد إلا العباء فيحويها ويلبسها وإن كان أحدهم ليبتلى بالقمل حتى يقتله القمل، وكان ذلك أحب إليهم من العطاء إليكم يقتله القمل وكان ذلك أحب غليهم من العطاء إليكم.
قال الحاكم: وهذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

التاسعة والسبعون: كان صلى اللَّه عليه وسلّم لم يمت حتى خيره اللَّه تعالى بين أن يفسح له في أجله ثم الجنة وبين لقاء اللَّه سريعا، فاختار ما عند اللَّه على الدنيا
خرج البخاري ومسلم من حديث الليث قال: حدثني عقيل ابن شهاب قال: أخبرنى سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير عن رجال من أهل العلم أن عائشة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول وهو صحيح: أنه لم
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 342، كتاب الرفاق حديث رقم (7848) وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط مسلم.

(10/366)


يقبض نبي حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير قالت عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها: فلما برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ورأسه على فخذي غشي عليه ساعة ثم أفاق فأشخص بصره إلى السقف ثم قال: اللَّهمّ الرفيق الأعلى
قالت عائشة:
قلت: إذا لا يختارنا، قالت عائشة: وعرفت الحديث
وقال البخاري: وعلمت أنه الحديث الّذي كان يحدثنا به وهو صحيح في قوله: أنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير قالت عائشة: فكانت تلك آخر كلمة تكلم بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قوله الرفيق الأعلى ذكره البخاري في كتاب الدعاء وفي كتاب الرفاق وفي المغازي
وغير ذلك.
وخرج مسلم في مناقب عائشة من طريق شعبة عن سعد بن إبراهيم عن عروة عن عائشة قالت: كنت أسمع أنه لن يموت نبي حتى يخبر بين الدنيا والآخرة، قالت: فسمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في مرضه الّذي مات فيه وأخذته بحة يقول مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً
قال: فظننته خير حينئذ.
وخرج البخاري في كتاب التعبير من طريق إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عروة عن عائشة قالت: سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: ما من نبي مرض إلا خير بين الدنيا والآخرة وكان في شكواه الّذي قبض فيه أخذته بحة شديدة سمعته يقول: مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ
فعلمت أنه خير.
وخرج النسائي من حديث سفيان عن إسماعيل بن أبى خالد عن أبى بردة عن عائشة قالت: أغمى على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وهو في حجري فجعلت أمسحه وأدعو له بالشفاء فأفاق فقال: بل أسأل اللَّه الرفيق الأعلى الأسعد مع جبريل وميكائيل وإسرافيل.

(10/367)


وخرج البخاري ومسلم من حديث هشام بن عروة عن عباد بن عبد اللَّه ابن الزبير أن عائشة أخبرته أنها سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وأصغت إليه قيل أن يموت وهو مسند إلى ظهره يقول: اللَّهمّ اغفر لي وارحمني وألحقنى بالرفيق الأعلى.

الثمانون: هل تشرع الصلاة على غير رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أو تكون للصلاة عليه مما خصه اللَّه به دون غيره؟
في هذه المسألة أقوال:
أحدها: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم يختص بالصلاة عليه وهو ظاهر الكتاب والسنة والثاني: أنه يصلى معه صلى اللَّه عليه وسلّم على الأنبياء والمرسلين.
والثالث: أنه يصلى على سلّم وأزواجه دون غيرهم من الأمة مطلقا.
والرابع: أنه يصلى عليهم إلا بطريق التبعية له.
والخامس: أنه لا يصلى على سائر المسلمين.
وأما من ذهب إلى ما به الرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم
فإنه قال لم يصل اللَّه سبحانه في كتابه العزيز على أحد من أنبيائه المرسلين إلا على محمد صلى اللَّه عليه وسلّم فقط وسلم على من عداه منهم
وقال تعالى إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ وقال تعالى عن نوح: وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ* إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ.
وقال عن إبراهيم خليله وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ* سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ.
وقال عن موسى وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ* سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ. وقال تعالى سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ.

(10/368)


قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: يعنى تعالى بقوله وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ يقول: وأبقينا على نوح ذكرا جميلا وثناء حسنا فيمن يأتى من الناس فيذكرونه به وهو الّذي قلنا في ذلك كما قال أهل التأويل.
فذكر أبو صالح قال: حدثني معاوية بن على عن ابن عباس: وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ قال: يذكر بخير، وعن ابن أبى نجيح عن مجاهد يقول:
جعلنا لسان صدق للأنبياء كلهم، وعن سعيد عن قتادة قال: أبقى اللَّه عليه الثناء الحسن في الآخرين وعن أسباط عن السدي قال: الثناء الحسن وقوله:
سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ يقول: أمتة من اللَّه لنوح في العالمين أن يذكره أحد بسوء وقد كان بعض أهل العربية من أهل الكوفة يقول: معناه وتركنا عليه في الآخرين سلاما أي تركنا عليه تلك الكلمة.
قال الطبري: وتركنا عليه في الآخرين يعنى إبراهيم: يقول: وأبقينا عليه فمن بعده إلى يوم القيامة ثناء حسنا. ثم ذكر عن سعيد عن قتادة قال:
ابقى اللَّه على إبراهيم الثناء الحسن في الآخرين. وعن ابن وهب قال ابن زيد:
هل التي سأل إبراهيم فقال: وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ.
قال: فترك اللَّه عليه الثناء الحسن في الآخرين كما ترك السوء على فرعون وأشياعه كذلك ترك اللسان الصدق والثناء الصالح على هؤلاء. وقيل:
معنى ذلك: وتركنا عليه في الآخرين السلام وهو قوله تعالى: سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ وذلك قول، روى عن ابن عباس وتركنا إسناده لأني في إسناده من لم يستحق ذكره.
وقيل معنى ذلك وتركنا عليه في الآخرين أن يقال: سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ وقوله: سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ يقول تعالى أمتة من اللَّه في الأرض لإبراهيم لا يذكر من بعده إلا بالجميل من الذكر.

(10/369)


قال: العلامة أبو عبد اللَّه محمد بن أبى بكر بن أيوب المعروف بابن قيم الجوزية: فالذي تركه سبحانه على رسله في الآخرين هو السلام عليهم المذكور.
وقد قال: جماعة من المفسرين منهم مجاهد وغيره وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ الثناء الحسن ولسان الصدق للأنبياء كلهم وهذا قول قتادة أيضا ولا ينبغي أن يحكى هذا قولين للمفسرين كما يفعله من له عناية بحكاية الأقوال بل هو قول واحد فمن قال: إن المتروك هو السلام في الآخرين نفسه فلا ريب أن قوله: سَلامٌ عَلى نُوحٍ جملة في موضع نصب بتركنا والمعنى أن العالمين يسلمون على نوح ومن بعده من الأنبياء ومن فسره بلسان الصدق والثناء الحسن نظر إلى لازم السلام وموجبة وهو الثناء عليهم وما جعل لهم من لسان الصدق الّذي لأجله إذا ذكروا سلم عليهم انتهى.
فهذا كما ترى لم يصلّ اللَّه على أحد في كتابه غير المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم فإنه صلى اللَّه عليه وسلّم وملائكته وأمر المؤذنين جميعا بالصلاة عليه دون أنبيائه ورسله تشريفا له وتمييزا لعظيم مقامه، وقد أمرنا بالاتباع ونهينا عن الابتداع، وهو مذهب ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه.
خرج بقي بن مخلد بن حديث هشيم قال حدثنا عثمان بن حكيم عن عكرمة عن ابن عباس قال: ما أعلم الصلاة تبتغي من أحد على أحد إلا على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يعنى وسائر الناس يدعى لهم.
وخرجه القاضي إسماعيل بن إسحاق في كتاب (فضل الصلاة على النبي) صلى اللَّه عليه وسلّم من حديث عبد الرحمن بن زياد قال: حدثني عثمان بن حكيم بن عباد عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: لا تصح الصلاة على أحد إلا على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالاستغفار.
وقد حكى عن الإمام مالك في رواية أنه على غير نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم وأوله بعض أصحابه بمعنى أنا لم نتقيد بالصلاة على غيره من الأنبياء كما تقيدنا بالصلاة عليه. وحكى النووي الإجماع على أن الصلاة على جميع الأنبياء مشروعة

(10/370)


واحتج من ذهب إلى هذا بما
رواه إسماعيل بن إسحاق في كتابه فقال: حدثنا محمد بن أبى بكر المقدمي حدثنا عمرو بن هارون عن موسى بن عبيد وعن محمد بن ثابت عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: صلوا على أنبياء اللَّه ورسله فإن اللَّه بعثهم كما بعثني.
ورواه الطبراني عن الديري عن عبد الرزاق عن الثوري عن موسى بن عبيد قال: حدثنا عمرو بن عطاء عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إذا صليتم على فصلوا على أنبياء اللَّه فإن اللَّه بعثهم كما بعثني.
وقيل: عن أنس بن طلحة وموسى بن عبيدة. وقال: سفيان يكره أن يصلى على غيره النبي. وقال الحافظ أبو موسى المديني: وبلغني بإسناد من بعض السلف أنه رأى آدم عليه السلام في المنام كأنه يشكو قلة صلاة بنيه عليه.
وفي كتاب (النهاية) لابن الأثير فأما قولنا اللَّهمّ صلّ على محمد فمعناه عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره في إظهار دعوته وإبقاء شريعته وفي الآخرة بتشفيعه في أمته وتضعيف أجره ومثوبته.
وقيل: المعنى لما أمر اللَّه بالصلاة عليه ولم نبلغ قدر الواجب من ذلك أحلناه على اللَّه وقلنا اللَّهمّ صل أنت على محمد لأنك أنت أعلم بما يليق به وهذا الدعاء قد اختلف فيه هل يجوز إطلاقه على غير الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم أم لا؟ والصحيح أنه خاص له فلا يقال لغيره.
وقال الخطابي: الصلاة التي بمعنى التعظيم والتكريم لا تقال لغيره والتي بمعنى الدعاء والتبريك تقال لغيره، ومنه الحديث اللَّهمّ صلّ على آل أبى أوفى أي ترحم وبرّك وقيل فيه: إن هذا خاص له ولكنه آثر به غيره وأما سواه فلا يجوز له أن يخص به أحد.
وقال: الأصمعي: سمعت المهدي على منبر البصرة يقول: إن اللَّه أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى بملائكته فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ

(10/371)


عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً آثره من بين الرسل وخصكم بها من بين الأمم فقابلوا نعمة اللَّه بالشكر.

وأما الاقتصار في الصلاة على الآل والأزواج مطلقا
فقال: ابن عبد البر: استدل قوم بهذا الحديث على أن آل محمد هم أزواجه وذريته خاصة لقوله، في حديث مالك عن نعيم المجمر وفي غير ما حديث: اللَّهمّ صل على محمد وأزواجه وذريته، قالوا: فجائز أن يقول، الرجل: لكن ما كان من أزواج محمد صلى اللَّه عليه وسلّم صلى اللَّه عليك إذا واجهه وصلى اللَّه عليه إذا غاب عنه ولا يجوز ذلك في غيرهم، وأما الصلاة على الآل بطريق التبعية فإنه لا خلاف في جوازها.
واختلف موجبو الصلاة على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في وجوبها على آله على قولين مشهورين، وهي طريقتان لأصحابنا إحداهما: أن الصلاة واجبة على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وفي وجوبها على الآل قولان، للشافعي، هذه طريقة إمام الحرمين والغزالي.
والطريقة الثانية: إن في وجوبها على الآل وجهين وهي الطريقة المشهورة والّذي صححوه أنها غير واجبة عليهم واختلف أصحاب أحمد في وجوب الصلاة عليهم على وجهين، وهل يصلى عليهم منفردين على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ففيه خلاف، وكذا في الصلاة على غير الآل من الصحابة ومن بعدهم فكرة ذلك مالك وقال: لم يكن ذلك من عمل من مضى وهو مذهب أبى حنيفة وسفيان بن عيينة، وسفيان الثوري، وبه قال: طاووس.
وقال: ابن عباس لا ينبغي الصلاة إلا على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وهو مذهب عمر ابن عبد العزيز وقال: أبو بكر بن أبى شيبة: حدثنا حسين بن على عن جعفر ابن وثاب قال: كتب عمر بن عبد العزيز أما بعد فإن أناسا من الناس قد أنهموا الدنيا بعمل الآخرة وإن القصاص قد أحدثوا الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل

(10/372)


صلاتهم على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فإذا جاءك كتابي فمرهم أن تكون صلاتهم على النبيين ودعاءهم للمسلمين عامة وهذا مذهب القاضي وفيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه منع تحريم.
والثاني: أنه منع تنزيه وهو قول أكثر الأصحاب.
والثالث: أنه من باب ترك الأولى وليس بمكروه.
حكاها النووي في (الأذكار) [ (1) ] والصحيح الّذي عليه الأكثرون أنه مكروه كراهة تنزيه واختلفوا في السلام هل هو في معنى الصلاة فيكره أن يقال:
السلام على فلان أو فلان عليه السلام فكرهه الشيخ أبو محمد الجويني وطائفة ومنع أن يقال: على عليه السلام. وفرق آخرون بين السلام والصلاة فقالوا:
السلام المشروع في حق كل مؤمن حي وميت حاضر وغائب فإنك تقول بلغ فلانا منى السلام وهو تحية أهل الإسلام بخلاف الصلاة فإنّها من حقوق الرسول وآله ولهذا يقول المصلى في تشهده السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين، ولا يقول: الصلاة علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين فعلم الفرق.
واحتج من ذهب إلى أنه لا يصلى إلا على الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم بوجوه:
أحدها: ما تقدم عن ابن عباس.
الثاني: أن الصلاة على غير النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قد صارت شعار أهل البدع ذكره النووي، ومعنى ذلك أن الرافضة إذ ذكروا أئمتهم صلوا عليهم ولا يصلون على غيرهم فاستحبوا مخالفتهم في ذلك الشعار.
الثالث: ما احتج به الإمام من أن هذا لم يكن عمل من مضى من الأمة ولو كان خيرا لسبق السلف إليه.
الرابع: أن الصلاة فصارت في لسان الأمة مخصوصة بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم تذكر مع ذكر اسمه لا يسوغ ذلك لغيره وكما لا يقال: محمد عز وجل، ولا محمد
__________
[ (1) ] (الأذكار للنووي) : 115، كتاب الصلاة على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، باب (4) الصلاة على الأنبياء وآلهم تبعا لهم صلى عليهم وسلم.

(10/373)


سبحانه وتعالى، لئلا يعطى رتبه الخالق فهكذا لا ينبغي أن تعطى غير النبي صلى اللَّه عليه وسلّم رتبته فيقال: فلان صلى اللَّه عليه وسلّم.
الخامس: أن اللَّه تعالى قال: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً.
فكما أمر اللَّه تعالى أن لا يدعى باسمه كما يدعى غيره باسمه كذلك لا تجعل الصلاة على غيره في دعائه والإخبار عنه كما تجعل الصلاة عليه فإن فعل هذا مما لا يسوغ أصلا قالوا: فإذا ذكر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أحد من أمته انبغى له أن يصلى عليه لما جاء عنه في ذلك من
قوله: صلى اللَّه عليه وسلّم من صلى عليّ مرة صلى اللَّه عليه عشرا.
ولا يجوز أن يترحم عليه لأنه لم يقل: من ترحم عليّ. ولا قال:
من دعا لي وإن كانت الصلاة هنا الرحمة فكأنه خص بهذا اللفظ تعظيما له.
قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ولم يقل إن اللَّه وملائكته يترحمون على النبي.
وإن كان المعنى واحد أن يخصه بذلك.
السادس: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم شرع لأمته في التشهد أن يسلموا على عباد اللَّه الصالحين. وأن يصلوا على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فعلمنا من ذلك أن الصلاة عليه حقه الّذي لا يشركه فيه أحد.
السابع: أن اللَّه تعالى ذكر الأمر بالصلاة عليه في معرض حقوقه وخواصه، التي خصه بها من تحريم النكاح لأزواجه، وجواز نكاحه لمن وهبت نفسها له، وإيجاب اللعنة لمن أذاه، ونحو ذلك من حقوقه وأكدها بالصلاة عليه والتسليم فدل على أن ذلك حق له خاصة وآله تبع له فيه.
الثامن: أن اللَّه تعالى شرع للمسلمين أن يدعو بعضهم لبعض ويستغفر بعضهم لبعض ويترحم عليه في حياته وبعد موته، فالدعاء، حق للمسلمين والصلاة حق لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فهما حقان لا يقوم أحدهما مقام الآخر، ألا ترى أن صلاة الجنازة إنما يدعى فيها للميت ويترحم عليه ويستغفر له ولا يصلى

(10/374)


عليه بدل ذلك، فيقال: اللَّهمّ صلّ عليه، فإنه يصلى عليه في الصلوات كلها ولا يقال: بدل ذلك اللَّهمّ اغفر له وارحمه بل يعطى كل ذي حق حقه.
التاسع: أن الميت من يحتاج أن يدعى له بالمغفرة والرحمة والنجاة من العذاب والرسول صلى اللَّه عليه وسلّم غير محتاج إلى أن يدعى له بذلك بل الصلاة عليه زيادة في تشريف اللَّه له وتكريمه ورفع درجاته وهذا حاصل له، وإن غفل عن ذكره الغافلون فالأمر بالصلاة عليه إحسان من اللَّه للأمة ورحمة منه لهم ولنبيهم بصلاتهم على رسوله بخلاف غيره من الأمة فإنه محتاج إلى من يدعو له ويستغفر له ويترحم عليه ولهذا جاء بهذا في محله ليوجب العارف الحقوق إلى أهلها بفقهه عن اللَّه تعالى.
العاشر: لو كانت الصلاة على غير النبي صلى اللَّه عليه وسلّم سائغة فإما أن يقال، باختصاصها ببعض الأمة ويقال: تجوز على كل مسلم فإن قيل. باختصاصها فلا وجه له وهو تخصيص غير مخصص وإن قيل: بعدم الاختصاص وأنها تسوغ لكل من يسوغ الدعاء له فحينئذ تسوغ الصلاة على المسلم وإن كان من أهل الكبائر، وكما يقال: اللَّهمّ تب عليه اللَّهمّ اغفر له يقال: اللَّهمّ صل عليه وهذا باطل. وإن قيل: تجوز على الصالحين دون غيرهم فهذا مع أنه لا دليل عليه ليس له ضابط فإن كون الرجل صالحا أو غيرهم فهذا مع أنه لا دليل عليه ليس له ضابط فإن كون الرجل صالحا أو غير صالح وصف يقبل الزيادة والنقصان وكذلك كونه وليا للَّه وكونه شقيا وكونه مؤمنا، كل ذلك يقبل الزيادة والنقصان فما ضابط من يصلى عليه من الأمة ومن لا يصلى عليه. نعلم بهذه الوجوه العشرة اختصاص الصلاة بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم.
***

(10/375)


فصل فيمن أجاز الصلاة على غير النبي صلى اللَّه عليه وسلّم
فقال: القاضي أبو سعيد بن الفراء في (رءوس مسائله) : وبذلك قال:
الحسن البصري، وحصيف، ومجاهد، ومقاتل بن سليمان ومقاتل بن حيان، وكثير من أهل التفسير، قال: وهو قول الإمام أحمد نص عليه في رواية أبى داود وقد سئل. أينبغي أن يصلى على أحد أو لا يصلى إلا على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال:
أليس قال على لعمر: صلى اللَّه عليك قال: وبه قال: إسحاق بن راهويه وأبو ثور، ومحمد بن جرير الطبري، وغيرهم وحكى أبو بكر بن أبى داود عن أبيه: قال ذلك أبو الحسن وعلى هذا العمل، واحتج هؤلاء بوجوه:
أحدها: قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ فأمر تعالي رسوله أن يأخذ الصدقة من أمته وأن يصلى عليهم ومعلوم أن الأمة من بعده تأخذ الصدقة كما كان يأخذها فيشرع لهم أن يصلوا على المتصدق كما كان يصلى عليه حين يأخذها منه النبي صلى اللَّه عليه وسلّم.
الثاني:
ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث شعبة عن عمر وعن عبد اللَّه أبى أوفى قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: اللَّهمّ صل على آل فلان فأتاه أبى بصدقته فقال صلى اللَّه عليه وسلّم أتاه قوم فصدقته قال: اللَّهمّ صل على آل فلان فأتاه أبى بصدقته فقال صلى اللَّه عليه وآله اللَّهمّ صل على آل أبى أوفى.
والأصل عدم الاختصاص وهذا ظاهر في أنه هو المراد من الآية.
الثالث: ما
رواه حجاج عن أبى عوانة عن الأسود بن قيس العمرى عن جابر بن عبد اللَّه أن امرأة قالت: يا رسول اللَّه صلى على زوجي صلى اللَّه عليك فقال صلى اللَّه عليه وسلّم صلى اللَّه عليك وعلى زوجك
وأجيب عن ذلك بأن الأدلة نوعان:
نوع منها صحيح وهو غير متناول لعمل النزاع فلا يحتج به ونوع غير معلوم الصحة فلا يحتج به أيضا فقوله تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ استدلال في غير محل الكلام لأن النزاع هل يشرع لأحدنا أن يصلى على النبي وآله أم لا وأما صلاته صلى اللَّه عليه وسلّم على من صلى فمسألة أخرى وأين هذه من صلاتنا عليه التي أمرنا اللَّه بها قضاء حتما؟ فان الصلاة عليه حق ل صلى اللَّه عليه وسلّم يتعين على الأمة أداؤه،

(10/376)


والقيام به، وأما هو صلى اللَّه عليه وسلّم فيخص من أراد ببعض ذلك الحق وهذا كما تقول شاتمة ومؤذيه قتله حق لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يجب على الأمة القيام به واستيفاؤه وأنه هو صلى اللَّه عليه وسلّم كان يعفو عنه حين كان يبلغه ويقول: رحم اللَّه موسى قد أوذى بأكثر من هذا فصبر.
وقال ابن عبد البر: تهذيب الآثار وحملها على غير المعارضة والتدافع هو أن يقال: أما النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فجائز أن يصلى على من يشاء لأنه قد أمر أن يصلى على كل من يأخذ صدقته وأما غيره فلا ينبغي له إلا أن يخص النبي صلى اللَّه عليه وسلّم عليه كما قال ابن عباس وجائز أن يحتج في ذلك بعموم قوله تعالى لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً يقول: والّذي اختاره في هذا الباب أن يقول: اللَّهمّ ارحم فلانا واغفر له، ورحم اللَّه فلانا وغفر له ورضى عنه، ونحو هذا الدعاء والترحم عليه ولا يقال: إذا ذكر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إلا صلى عليه إلا أنه جائز أن يدخل معه في ذلك ما جاء في الأحاديث عنه من قوله: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد واللَّهمّ صل على محمد وعلى آله وذريته، ولا يصلى على غيره بلفظ الصلاة امتثالا لعموم قول اللَّه تعالى: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً في حياته وموته صلى اللَّه عليه وسلّم.
الرابع: ما
رواه ابن سعد في كتاب (الطبقات) من حديث ابن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد اللَّه أن عليا دخل على عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما وهو مسجى فلما انتهى إليه قال: صلى اللَّه عليك ما أحد لقي اللَّه بصحيفته إلى من هذا المسجى بينكم.
وأجيب بأن هذا الحديث قد اختلف فيه على أنس بن محمد عن أبيه أن عليّا لما غسل عمر وكفن وحمل على سريره وقف عليه فاثنى عليه وقال:
واللَّه ما على الأرض رجل أحب إلى أن ألقى اللَّه بصحيفته من هذا المسجى بالثوب. وكذلك رواه محمد ومحمد ومعلى معلى ابنا عبيد عن حجاج الواسطي عن بعضهم ولم يذكر هذه اللفظة وكذلك رواه سليمان بن بلال عن جعفر عن

(10/377)


أبيه وكذلك رواه يزيد بن هارون عن جعفر عن أبيه وكذلك رواه عون بن أبى جحيفه عن أبيه قال كنت عند عمرو فقال: فذكره دون لفظة الصلاة بل قال:
رحمك اللَّه وكذلك رواه حازم بن الفضل عن حماد بن زيد عن أيوب وعمرو بن دينار وأبى جهيم قالوا: لما مات عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فذكروا الحديث دون لفظ الصلاة وكذلك
رواه قيس بن الربيع عن قيس بن مسلم عن محمد بن الحنفية ومع ذلك فإن ابن سعد لم يسند حديثه بل قال: في الطبقات:
أخبرنا بعض أصحابنا عن سفيان بن عينيه أنه سمع منه هذا الحديث عن جعفر ابن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد اللَّه فذكروه فقال: لما انتهى اليه فقال:
صلى اللَّه عليك
وهذا الرجل المهمل لم يحفظه فلا يحتج به وقد عارضه قول:
عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما لا ينبغي الصلاة على أحد إلا على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فاحتاجا إلى ترجيح أحدهما على الآخر.
الخامس: ما رواه إسماعيل بن إسحاق فقال: حدثنا عبد اللَّه بن مسلم حدثنا نافع بن عبد الرحمن بن أبى نعيم القاري عن نعيم عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه كان يكبر على الجنازة، ويصلى على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ثم يقول:
اللَّهمّ بارك فيه وصل عليه واغفر له وأورده حوض نبيك صلى اللَّه عليه وسلّم.
وأجيب بأن نافع بن عبد الرحمن بن أبى نعيم أبا رويم هذا، قال أبو طالب: عن أحمد بن حنبل كان يؤخذ عنه القرآن وليس في الحديث بشيء.
وقال ابن عدي: وأرجو أنه لا بأس فيه، فقد تبين ضعفه وإن كان من أئمة القراءة، ويدل على أن حديثه هذا ليس بمحفوظ أن مالك لم يروه في (الموطأ) وإنما روى أثرا عن أبى هريرة، فلو كان هذا عند نافع مولاه لكان مالك أعلم به من نافع بن أبى نعيم، وقول ابن عباس يعارضه مع ذلك.
السادس: أن الصلاة هي الدعاء وقد أمرنا بالدعاء بعضنا لبعض، هكذا احتج أبو سليمان بن الفراء. وأجيب عن ذلك بأن الصلاة دعاء مخصوص قد أمروا به في حق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وليس في ذلك دليل على جواز الدعاء به لغيره لما بين الرسول وبين غيره من الفرق العظيم، فلا يصح الإلحاق به، لا في الدعاء ولا في المدعو، وكما لا يصح أن يقاس عليه دعاء غيره لا يصح

(10/378)


أن يقاس على الرسول غيره، لا سيما والصلاة تشرع في حق الرسول لكونها دعاء بل لأخص من مطلق الدعاء، وهو كون الصلاة مطلق تعظيمه، وتحميده، والثناء عليه وهذا أخص من مطلق الدعاء.
السابع: ما خرجه مسلم في صحيحه من حديث حماد بن زيد عن يزيد ابن ميسرة عن عبد اللَّه بن شفيق عن أبى هريرة قال: إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان يصعدانها قال حماد: فذكر من طيب ريحها وذكر المسك قال:
ويقول أهل السماء روح طيبة جاءت من قبل الأرض صلى اللَّه عليك وعلى جسد كنت تعمرينه فينطلق به إلى ربه عز وجل ثم يقول انطلقوا به إلى آخر الأجل. قال: وإن الكافر إذا خرجت روحه قال حماد: وذكر من نتنها وذكر لعنا ويقول أهل السماء: روح خبيثة جاءت من قبل الأرض، قال: فيقال:
انطلقوا به إلى آخر الأجل. قال أبو هريرة: فرد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ربطة كانت عليه على أنفه هكذا. وهو يدل عن عبد اللَّه بن شفيق عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان يصعدانها قال حماد: فذكر من طيب ريحها وذكر المسك قال: يقول أهل السماء: روح طيب ريحها وذكر المسك، قال: يقول أهل السماء: روح طيبه جاءت من قبل الأرض صلى اللَّه عليك وعلى جسد كنت تعمر فيه. وذكر الحديث هكذا قال:
مسلم عن أبى هريرة موقوفا وسياقه يدل على أنه مرفوع فإنه قال بعده: وإن الكافر إذا خرجت روحه قال حماد: وذكر من نتنها وذكر لفها ويقول: أهل السماء روح خبيئة جاءت من قبل الأرض قال: فيقال: انطلقوا به إلى آخر الأجل قال: أبو هريرة فرد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ريطة كانت على ألفه هكذا [ (1) ] وهو
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) 17/ 210- 211، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب (17) عرض مقعد الميت من الجنة أو النار علية، وإثبات عذاب القبر، والتعوذ منه، حديث رقم (75) ولفظه حدثني عبيد بن شقيق عن أبى هريرة قال إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان يصعد انها قال حماد فذكر من طيب ريحها وذكر المسك قال ويقول أهل السماء روح طيبة جاءت من قبل الأرض صلى اللَّه عليك وعلى جسد كنت تعمرينه فينطلق به إلى ربه عز وجل ثم يقول انطلقوا به إلى آخر الأجل قال وان الكافر إذا خرجت روحه قال حماد وذكر من نتنها

(10/379)


يدل على أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حدثهم به وقد رواه جماعة عن أبى هريرة مرفوعا منهم أبو سلمة وعمرو بن الحكم وإسماعيل السدي عن أبيه عن أبى هريرة وسعيد بن يسار وغيرهم فإذا كانت الملائكة تقول: المؤمن صلى اللَّه عليك جاز ذلك أيضا للمؤمنين بعضهم لبعض.
وأجيب بان هذا ليس بمتناول لمحل النزاع فإن النزاع فإنه هو هل يسوغ لأحد أن يصلى على غير الرسول وآله وأما الملائكة فليسوا بداخلين تحت تكاليف البشر حتى يصح قياسا عليهم فيها وبفعلونه فأين أحكام الملك من أحكام البشر فالملائكة رسل اللَّه في خلقه وأمر يتصرفون بأمره تعالى لا بأمر البشر.
الثامن: قال اللَّه تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ [ (1) ] .
وقال: صلى اللَّه عليه وسلّم إن اللَّه وملائكته يصلون على معلم الناس الخير
[ (2) ] وأجيب بأن هذا أيضا في غير النزاع فكيف يصح النزاع وقياس فعل العبد على فعل الرب وصلاة العبد دعاء وصلاة اللَّه على عبده ليست دعاء وإنما هي أكرم وتعظيم ومحبه وثناء واين هذا من صلاة العبد.
__________
[ () ] وذكر لعنا يقول أهل السماء روح خبيثة جاءت من قبل الأرض قال فيقال انطلقوا به إلى آخر الأجل قال أبو هريرة فرد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ربطة كانت عليه على أنفه هكذا.
قال النووي: قوله في روح المؤمن «ثم يقول انطلقوا به إلى آخر الأجل ثم قال في روح الكافر فيقال انطلقوا به إلى آخر الأجل» قال القاضي المراد بالأول انطلقوا بروح المؤمن إلى سدرة المنتهى والمراد بالثاني انطلقوا بروح الكافر إلى سجين في منتهى الأجل ويحتمل أن المراد إلى انقضاء أجل الدنيا قوله «فرد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ربطة كانت عليه على أنفه» الربطه بفتح الراء وإسكان الياء وهو ثوب رقيق وقيل هي الملاءة وكان سبب ردها على الأنف بسبب ما ذكر من نتن ربح الكافر (مسلم بشرح النووي) .
[ (1) ] الأحزاب: 43، وتمامها: (ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما) .
[ (2) ] (كنز العمال) 10/ 145، حديث رقم (28736) ، وعزاه إلى الطبراني والضياء المقدس عن أبى أمامه.

(10/380)


التاسع: ما
خرجه أبو داود [ (1) ] ومن حديث عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إن اللَّه وملائكته يصلون على ميامن الصفوف [ (2) ]
وفي حديث ارخ عنها قالت: ان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف [ (3) ] وقد جاء صلاة الملائكة على من صلى على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وتقدم جواب هذا كله فيما مضى.
العاشر:
روى مالك بن مخامر عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم مرسلا أنه قال: اللَّهمّ صلى على آل أبى بكر فإنه يحب اللَّه ورسوله اللَّهمّ صل على عمر فإنه يحب اللَّه ورسوله اللَّهمّ صلى على آل عثمان فإنه يحب اللَّه ورسوله اللَّهمّ صلى على عليّ فإنه يحب اللَّه ورسوله اللَّهمّ صلى على أبى عبيدة فإنه يحب اللَّه ورسوله اللَّهمّ صل على عمرو بن العاص فإنه يحب اللَّه ورسوله،
وأجيب بأن هذا حديث مرسل لا إسناد له حتى نعرف صحته من سقمه ومع هذا فإنه في غير محل النزاع كما تقدم.
الحادي عشر: ما روى عن عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما أنه كان يقف على غير النبي فيصلي عليه وسلّم فيصلي عليه وعلى أبى بكر وعمر.
وأجيب بأن ابن عبد البر قال: ولهذا أنكر العلماء على يحيى بن يحيى ومن تابعه في الرواية عن مالك في (الموطأ) عن عبد اللَّه بن دينار قال: رأيت عبد اللَّه بن عمر يقف على قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فيصلي على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وعلى أبى بكر
__________
[ (1) ] رواه أبو داود رقم (664) في الصلاة، باب تسوية الصفوف، والنسائي 2/ 89- 90 في الإمامة، باب كيف يقوم الامام الصفوف، وإسناده محجم. (جامع الأصول) : 5/ 613، حديث رقم (3876) .
[ (2) ] أخرجه أبو داود رقم (676) في الصلاة، باب بين السواري، وإسناده حسن، حسنه الحافظ في (الفتح) ، ورواه أيضا ابن ماجة رقم (995) في إقامة الصلاة، باب إقامة الصفوف، بلفظ: «إن اللَّه وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف» . (جامع الأصول) : 5/ 615، حديث رقم (3880) .
[ (3) ] راجع التعليق السابق.

(10/381)


وعمر قالوا: إنما الرواية وغيره عن عبد اللَّه بن عمر أنه كان يقف على قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ويدعوا لأبى بكر وعمر وبين يصلى على أبى بكر وعمر فإن كانت الصلاة قد تكون دعاء لما به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من لفظ الصلاة عليه وكذلك روى عن عبد اللَّه بن عباس قال: لا يصلى على أحد إلا على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يعنى وسائر الناس يدي لهم وترحم عليهم ومعلوم ان ابن عباس يعلم أن الصلاة قد تكون الدعاء والرحمة أيضا وقد رد ابن وضاح رواية يحيى إلى رواية ابن القاسم عن سحنون وحدث بها عنه وكما رواه ابن القاسم كذلك رواه القعنبي وابن بكر ومن تابعهم في (الموطأ) وجعلها يصلى على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ويدعو لأبى بكر وعمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما.
الثاني عشر: أنه قد صح عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أنه في الصلاة عليه وعلى أزواجه وهذا على أصولكم الزم فإنكم لم تدخلوهن في آله الذين تحرم عليهم الصدقة فإذا جازت الصلاة عليهنّ جازت على غيرهن من الصحابة. وأجيب إنما صلى على الأزواج لإضافتهن إلى الرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وأهل بيته وزوجاته تبع له فيها.
*** تم بحمد اللَّه تعالى الجزء العاشر ويليه الجزء الحادي عشر وأوله:
فصل في أنهن لم يدخلن فيمن تحرم عليه الصدقة من الآل

(10/382)


[المجلد الحادي عشر]
[تتمة الثمانون]
[تتمة الثاني عشر]
بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم

فصل في أنهن لم يدخلن فيمن تحرم عليه الصدقة من الآل
فلعموم القرابة التي يثبت بها التحريم، ومع ذلك فإنّهنّ من أهل بيته الذين يستحقون الصلاة عليه، ولا منافاة بين الأمرين.

الثالث عشر:
أنكم قد قلتم بجواز الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تبعا له، وقلتم بجواز أن يقال:
اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد وأصحابه وأزواجه وذريته وأتباعه.
قال الشيخ محيي الدين أبو زكريا النووي: واتفقوا على جواز جعل غير الأنبياء تبعا لهم في الصلاة، ثم ذكر هذه الكيفية وقال: الأحاديث الصحيحة في ذلك، وقد أمرنا به في التشهد ولم يزل السلف عليه خارج الصلاة أيضا. قالوا:
ومنه الأثر المعروف، عن بعض السلف: اللَّهمّ صل على ملائكتك المقربين، وأنبيائك المرسلين، وأهل طاعتك أجمعين، من أهل السموات والأرضين.
وأجيب بأن ادعاء الاتفاق غير معلوم الصحة، فقد منع جماعة الصلاة على غير الأنبياء مفردة وتابعة كما تقدم، فمن جعل الاتفاق وهذا التفصيل الّذي ذكرتموه وإن كان معروفا عن بعضهم في أصلهم بقوله: بل يمنعه، وهب أنا نجوز الصلاة على أتباعه بطريق التبعية له فمن أين يجوز إفراد المقر أو غيره بالصلاة عليه استقلالا ودعواكم أن الأحاديث الصحيحة في ذلك غير مسلم بها، فأين تجدون في الأحاديث الصحيحة الصلاة على غير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وآله وأزواجه وذريته حتى قلتم: والصحابة؟ فليس فيما ذكر الصحابة ولا الأتباع، وكذا قولكم: وقد أمرنا به في التشهد، فما أمرنا في التشهد إلا بالصلاة على آله وأزواجه وذريته فقط دون من عداهم، أوجدونا، ولن تجدوه أبدا.

الرابع عشر:
ما
خرجه أبو يعلى الموصلي، عن ابن زنجويه، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا أبو بكر بن أبي مريم، حدثنا ضمرة بن حبيب بن صهيب، عن أبي الدرداء، عن زيد بن ثابت، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دعاه وأمره أن يتعاهد به أهله كل يوم، قال: قل حين تصبح: لبيك اللَّهمّ لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، وتباركت وتعاليت، وأستغفرك وأتوب إليك،

(11/3)


اللَّهمّ ما قلت من قول أو نذرت من نذر، وحلفت من حلف، فمشيئتك بين يديك، ما شئت كان، وما لم تشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة لي إلا بك، أنت على كل شيء قدير، اللَّهمّ ما صليت من صلاة فعلى من صليت، وما لعنت من لعنة فعلى من لعنت، أنت وليي في الدنيا والآخرة تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ.
ووجه الاستدلال أنه لو لم تشرع الصلاة على غير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لما كان يصلي على من ليس بأهل للصلاة، ولا يدري استثنى من ذلك كما أستثنى في حلفه ونذره.
أجيب بأن في سند هذا الحديث أبو بكر بن عبد اللَّه بن أبي مريم الغساني الحمصي، قال ابن معين: ضعيف الحديث ليس بشيء، وقال أحمد:
كان عيسى بن يونس لا يرضاه، وقال السعدي: ليس بالقوى في الحديث وهو متهالك. وقال النسائي: ضعيف، وقال أبو داود: سرق له متاع فأنكره عقله، وقال ابن عدي: والغالب على حديثه الغرائب وكل من يوافقه عليه من الثقات، وقال ابن حبان: كان من خيار أهل الشام، ولكنه كان رديء الحفظ، يتحدث بالشيء فيهم، وكثر ذلك حتى استحق الترك.
قال ابن القيم: وفصل الخطاب في هذه المسألة أن الصلاة على غير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إما أن يكون آله وأزواجه وذريته أو غيرهم، فإن كان الأول فالصلاة عليهم مشروعة مع الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وجائزة ومفردة.
وأما الثاني: فإن كان الملائكة وأهل الطاعة عموما الذين يدخل فيهم الأنبياء وغيرهم جاز ذلك أيضا فيقال: اللَّهمّ صل على ملائكتك المقربين وأنبيائك والمرسلين وأهل طاعتك أجمعين، وإن كان معينا أو طائفة معينة كره أن تتخذ الصلاة عليه شعارا لا تحل به، ولو قيل بتحريمه لكانت له وجه، ولا سيما إذا جعلها شعارا له، وصنع منها نظيره أو من هو خير منه، وهذا كما يفعل الرافضة بعليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، فإنّهم حيث ذكروه قالوا: عليه الصلاة والسلام، ولا يقولون ذلك فيمن هو خير منه، فهذا ممنوع منه، ولا سيما إذا اتخذ شعارا لا تحل به، فتركه حينئذ متعين، وأما إن صلّى عليه اتفاقا بحيث لا يجعل ذلك شعارا كما يصلي على دافع الزكاة، وكما قال ابن عمر للميت، وكما
قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على المرأة وزوجها،
وكما روى

(11/4)


عن عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من صلاته على عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فهذا لا بأس به، وبهذا التفصيل تتفق الأدلة، ويكشف وجه الصواب. واللَّه الموفق.

الحادية والثمانون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أن الصلاة عليه واجبة
قال أبو عمر بن عبد البر: وأجمع العلماء على أن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فرض على كل مؤمن بقوله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ (1) ] ثم اختلفوا في كيفية ذلك وموضعه، فذهب مالك وأبو حنيفة وأصحابهما إلى أن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فرض في الجملة بعقد الإيمان، ولا يتعين في الصلاة ولا في وقت من الأوقات، ومن قول بعضهم: أن من صلى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرة في عمره فقد سقط فرض ذلك عنه، وبقي مندوبا إليه في سائر عمره بمقدار ما يمكنه.
قال كاتبه: وهذا أبو محمد بن حزم قال فيمن يقول: أن هذا القول فرض على كل مسلم أن يقوله مرة في الدهر: فإذا فعل ذلك فقد صلّى على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كما أمر ثم يستحب له ذلك في الصلاة وغيرها فهو يزيد من الأجر.
قيل: من أين اقتصرتم على وجوب هذا مرة في الدهر ولم توجبوا تكرار ذلك متى ذكر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قلنا: إن ذلك مرة واحدة واجب، ولا يوجد الاقتصار على أقل من مرة، وأما الزيادة على المرة فنحن نسألكم: كم مرة توجبون ذلك في الدهر؟ أو في الحول؟ أو في الشهر؟ أو في اليوم؟ أو في الساعة؟ ولا يمكن منكم تحديد عدد دون عدد إلا ببرهان، ولا سبيل إليه فقد امتنع هذا بضرورة العقل.
__________
[ (1) ] الأحزاب: 56.

(11/5)


فإن قالوا: نوجب ذلك عليه في الصلاة خاصة، قلنا: ليس هذا موجودا في الآية ولا في شيء من الأحاديث، فهو دعوى منكم بلا برهان، فإن من قال من غير الشافعيّ بقول إيجاب ذلك متى ذكر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في صلاة أو غيرها، قلنا: هذا لا يوجد في الآية ولا في الصحيح من الأخبار.
قال القرطبي في تفسيره: ولا خلاف أن الصلاة عليه فرض في العمر مرة، وفي كل حين من الواجبات وجوب السنن المؤكدة، التي لا يسع تركها، ولا يغفلها إلا من لا خير فيه.
ومنهم من قال: تجب في كل مجلس مرة وإن تكرر ذكره، كما قال في آية السجدة، وتشميت العاطس، وكذلك في كل دعاء في أوله وفي آخره.
ومنهم من أوجبها في العمر مرة، وكذا قال في إظهار الشهادتين، والّذي يقتضيه الاحتياط، الصلاة عليه كلما ذكر، كما ورد من الأخبار في ذلك.
وقال أبو جعفر الطحاوي وأبو عبد اللَّه الحليمي: تجب الصلاة عليه كلما ذكر اسمه، وقال: ذلك مستحب، وليس بفرض يأثم تاركه، اختلفوا في ذلك، فقالت فرقة: تجب الصلاة عليه في العمر مرة واحدة، لأن الأمر لا يقتضي تكرارا، والماهية تحصل بمرة، وهذا لأنه يحكي عن أبي حنيفة ومالك وسفيان الثوري والأوزاعي.
وقال القاضي عياض- وهو قول جمهور الأمة-: وقالت فرقه: تجب في كل صلاة في تشهدها الأخير وهو قول الشافعيّ وأحمد في أحد الروايتين عنه.
قال ابن عبد البر: وقال الشافعيّ رحمه اللَّه: إذا لم يصل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في التشهد الأخير، بعد التشهد وقبل التسليم أعاد الصلاة، قال: وإن صلّى عليه قبل ذلك لم يجز، هذا قول حكاه عنه حرملة، ولا يكاد يوجد عنه إلا من رواية حرملة، وغير حرملة إنما يروى عنه أن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فرض في كل صلاة، موضعها التشهد الآخر قبل التسليم، ولم يذكر إعادة فيمن وضعها قبل التشهد في الجلسة الأخرى، وأن أصحابه قد تقلدوا رواية حرملة، ومالوا إليها، وناظروا عليها.

(11/6)


وقالت فرقة: الأمر بالصلاة عليه أمر استحباب لا أمر وجوب، هذا قول ابن جريج وطائفة، وادعى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري فيه الإجماع، وهذا على أصله، فإنه إذا رأى الأكثرين على قول جعل إجماعا يجب اتباعه، والمقدمتان باطلتان، واحتج القائلون بوجوب الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم بحجج:

الأولى:
ما
خرجه الحاكم [ (1) ] من حديث أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل عليّ.
ورغم أنفه: دعاء عليه، وذم له.

الثانية:
قوله: من ذكرت عنده فلم يصل عليّ فمات فأبعده اللَّه، وله طرق عن أبي هريرة، وجابر بن سمرة، وكعب بن عجرة، ومالك بن الحويرث، وأنس بن مالك
وكل طريق منها جاءت مستقله، والحديث بهذه الطرق المتعددة يفيد الصحة.

الثالثة:
قوله: من ذكرت عنده فليصل عليّ فإنه من صلّى عليّ مرة صلّى اللَّه عليه عشرا.
لأمر ظاهر في الوجوب.

الرابعة:
قوله: إن البخيل من ذكرت عنده فلم يصل عليّ،
وقوله: إن أبخل الناس من ذكرت عنده فلم يصل على،
وقوله: بحسب المؤمن من البخل أن أذكر عنده فلا يصلي عليّ،
وقوله: كفى به شحا أن أذكر عند رجل فلا يصلي عليّ فإذا ثبت أنه بخيل،
ووجه الدلالة أن البخيل اسم ذمّ، وتارك المستحب لا يستحق اسم الذم، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ [ (2) ] [وقال تعالى:] الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ [ (3) ] فقرن تعالى البخل بالاختيال والفخر والأمر بالبخل، وذم على المجموع، فدل على أن البخل صفة ذم،
وقد قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: وأي داء أدوى من البخل؟
والبخيل هو
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 1/ 734، كتاب الدعاء والتكبير والتهليل والتسبيح والذكر، حديث رقم (2016) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
[ (2) ] لقمان: 18.
[ (3) ] النساء: 37.

(11/7)


مانع ما وجب عليه، فمن أدى الواجب عليه كله لم يسم بخيلا، وإنما البخيل مانع ما يجب عليه إعطاؤه وبذله.

الخامسة:
أن اللَّه تعالى أمر بالصلاة والسلام عليه، والأمر المطلق للتكرار، ولا يمكن أن يقال: التكرار هو في كل وقت، فإن الأوامر المكررة إنما تكرر في أوقات خاصة، أو عند شروط وأسباب تقتضي تكرارها، وليس وقت أولى من وقت، فتكرر الأمر بتكرار ذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أولى لما تقدم من النصوص، وهاهنا ثلاث مقدمات.

المقدمة الأولى:
أن الصلاة مأمور بها أمرا مطلقا، وهذه معلومة.

المقدمة الثانية:
أن الأمر المطلق يقتضي التكرار، وهذا مختلف فيه، فنفاه طائفة، وفرقت طائفة بين الأمر المطلق والمعلق على شرط أو وقت، فأثبت التكرار في المعلق دون المطلق، وهذه الأقوال الثلاثة لأصحابنا، ولأصحاب أحمد وغيرهم يقتضي الوجوب، والنهي يقتضي الفساد، فإن هذا معلوم من خطاب الشارع التكرار، فلا يحمل كلام، وإن كان لا يفرض لصحة المنهي عنه ولا فساده في أصل موضع اللغة، وكذا خطاب الشارع للواحد من الأمة يقتضي معرفة الخاص أن يكون متناولا له ولأمثاله، وإن كان موضوع اللفظ لغة لا يقتضي ذلك، فإن هذه لغة صاحب الشرع، وعرفه في مصادر كلامه، وموارده، وهذا معلوم بالاضطرار عن دينه قبل أن يعلم صحة القياس، واعتباره، وشروطه، وهذا فرق بين اقتضاء اللفظ وعدم اقتضائه لغة، وبين اقتضائه في عرف الشرع وعادة خطابه.

المقدمة الثالثة:
إذا تكرر المأمور به فإنه لا يتكرر إلا بسبب، ولولا الأسباب المقتضية لتكراره ذكر اسمه صلّى اللَّه عليه وسلّم لإخباره برغم أنف من ذكر عنده فلم يصل عليه، والإمحال عليه بالبخل، وإعطائه اسمه، ومما يؤيد ذلك أن اللَّه سبحانه أمر عباده المؤمنين بالصلاة عليه عقب إخباره لهم بأنه وملائكته يصلون عليه لم يكن مرة وانقطعت، بل هي صلاة متكررة، ولهذا ذكرها مبينا بها فضله، وشرفه، وعلو مرتبته، ثم أمر المؤمنين بها، فتكرارها في حقهم أحق وأكثر لأجل الأمر، ولأن اللَّه تعالى أكد السلام بالمصدر الّذي هو التسليم، وهذا يقتضي المبالغة والزيادة في كميته، وذلك بالتكرار، ولأن لفظ المأمور به

(11/8)


يدل على التكثير فإن الفعل المشدد يدل على تكرار الفعل كقولك كسّر الخبز وقطّع اللحم، وعلّم الخير، ونحوه، ولأن الأمر بالصلاة عليه في مقابل إحسانه إلى الأمة وتعليمهم وإرشادهم المطلق، وهذه الأقوال الثلاثة لأصحابنا، ولأصحاب أحمد وغيرهم.
ورجحت هذه الطائفة التكرار بأن عامة أوامر اللَّه تعالى على التكرار كقوله تعالى: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [ (1) ] وقوله تعالى: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [ (2) ] وقوله تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [ (3) ] وقوله تعالى:
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [ (4) ] وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ [ (5) ] وقوله تعالى: فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [ (6) ] وقوله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً [ (7) ] وقوله تعالى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ [ (8) ] وقوله في اليتامى:
وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ [ (9) ] وقوله تعالى: إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [ (10) ] وقوله تعالى:
__________
[ (1) ] الحديد: 7.
[ (2) ] البقرة: 208.
[ (3) ] التغابن: 12.
[ (4) ] النور: 56.
[ (5) ] آل عمران: 200.
[ (6) ] آل عمران: 175.
[ (7) ] آل عمران: 103.
[ (8) ] الإسراء: 34.
[ (9) ] النساء: 5.
[ (10) ] الجمعة: 9.

(11/9)


إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [ (1) ] إلى قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا [ (2) ] إلى قوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا [ (3) ] وقوله تعالى: اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [ (4) ] وقوله تعالى: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ
[ (5) ] وقوله تعالى: وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا
[ (6) ] وقوله تعالى: وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ [ (7) ] وهذا في القرآن كثير جدا.
وإذا كانت أوامر اللَّه تعالى ورسوله على التكرار، حيث وردت إلا في النادر، علم أن هذا عرف خطاب اللَّه ورسوله للأمة، والأمر إن لم يكن في لفظه المجرد ما يؤذن بتكرار ولا فور، وكان قد عرف في خطاب الشارع التكرار، فلا يحمل كلامه إلا على عرفه، والمألوف من خطابه وإن لم يكن ذلك مفهوما من أصل الوضع في اللغة، وهذا كما قلنا: إن الأمر يقتضي الوجوب، والنهى يقتضي الفساد، فإن هذا معلوم من خطاب الشارع التكرار، فلا يحمل كلامه وإن كان لا يفرض لصحة المنهي عنه ولا فساده في أصل موضوع اللغة، وكذا خطاب الشارع بالواحد من الأمة يقتضي معرفة الخاص أن يكون متناولا له ولأمثاله، وإن كان موضوع اللفظ لغة لا يقتضي ذلك فإن هذه لغة صاحب الشرع، وعرفه في مصادر كلامه وموارده، وهذا معلوم بالاضطرار من دينه قبل أن يتعلم صحة القياس، واعتباره، وشروطه، وهذا
__________
[ (1) ] المائدة: 6.
[ (2) ] المائدة: 6.
[ (3) ] المائدة: 6.
[ (4) ] البقرة: 45.
[ (5) ] الأنعام: 152.
[ (6) ] الأنعام: 152.
[ (7) ] الأنعام: 152.

(11/10)


الفرق بين اقتضاء اللفظ وعدم اقتضائه لغة، وبين اقتضائه في عرف الشرع وعادة خطابه.
ومعلوم أن مقابلة مثل هذا النفع العظيم لا تحصل بالصلاة مرة واحدة في العمر، بل لو صلّى العبد عليه بعدد أنفاسه لم يكن موفيا لحقه، ولا مؤديا لنعمته، فجعل جزاء هذه النعمة الصلاة عليه عند ذكر اسمه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولهذا أشار صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى ذلك بتسمية من لم يصل عليه عند ذكر اسمه بخيلا، لأن من أحسن إلى العبد الإحسان العظيم، وحصل له منه الخير الجسيم، ثم يذكر عنده فلا يثنى عليه، ولا يبالغ في حمده، ومدحه، ويبدئ ذلك ويعيده، ويعتذر من التقصير في القيام بشكره، وواجب حقه، عده الناس بخيلا، لئيما، كفورا، فكيف بمن أو في إحسانه إلى العبد يزيد على إحسان المخلوقين بعضهم لبعض، الّذي بإحسانه حصل للعبد خير الدنيا والآخرة، ونجى من شر الدنيا والآخرة، والّذي لا تتصور القلوب حقيقة نعمته وإحسانه، فضلا عن أن يقوم بشكره؟.
أليس هذا المنعم المحسن أحق بأن يعظم ويثنى عليه، ويتفرغ الوسع في حمده ومدحه، إذا ذكر بين الملأ فلا أقل من أن يصلي عليه مرة إذا ذكر اسمه، ولهذا دعي عليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم برغم الأنف، وهو أن يلصق أنفه بالتراب.
وأيضا فإن اللَّه تعالى: نهى الأمة أن تجعل دعاء الرسول بينهم كدعاء بعضهم بعضا بل تدعوه: يا رسول اللَّه، يا نبي اللَّه، وهذا من تمام تعزيره وتوقيره، فلهذا ينبغي أن يخص باقتران اسمه بالصلاة عليه، ليكون ذلك فرقا بينه وبين ذكر غيره، كما كان الأمر به، دعاءه بالرسول، والنبي، فرقا بينه وبين خطاب غيره، فلو كان عند ذكره لا يجب الصلاة عليه لكان ذكره كذكر غيره في ذلك، هذا على أحد التفسيرين في الآية.
وأما التفسير الآخر وهو أن المعنى لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [ (1) ] فتؤخروا الإجابة بالأعذار والعلل التي يؤخر بعضكم عن إجابة بعض بها، لكن بادروا إليه إذا دعاكم بسرعة الإجابة حتى لم يجعل اشتغالهم بالصلاة عذرا لهم في التخلف عن إجابته، والمبادرة إلى طاعته، فإذا
__________
[ (1) ] النور: 63.

(11/11)


لم تكن الصلاة التي فيها شغل يستباح به إجابته فكيف ما دونها من الأسباب والأعذار؟ فعلى هذا يكون المصدر مضافا إلى الفاعل، وعلى القول الأول يكون مضافا إلى المفعول، وقد يقال: إن المصدر هنا لم يضف إلى الفاعل ولا المفعول، وإنما أضيف إضافة الأسماء المحضة، ويكون المعنى لا تجعلوا الدعاء المتعلق بالرسول المضاف إليه كدعاء بعضكم بعضا، وعلى هذا فيعم الأمرين معا، ويكون النهى عن دعائهم له باسمه كما يدعو بعضهم بعضا، عن تأخير إجابته، وعلى كل تقدير فكما أمر اللَّه سبحانه بأن يميز عن غيره في خطابه ودعائه إياهم، قياما للأمة بما يجب عليهم من تعظيمه وإجلاله، فتمييزه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالصلاة عليه عند ذكر اسمه من تمام هذا المقصود
وقد أخبر صلّى اللَّه عليه وسلّم أن من ذكر عنده فلم يصل عليه خطئ طريق الجنة،
فلولا أن الصلاة عليه واجبة عند ذكره، فلم يكن تاركها مخطئا لطريق الجنة، فمن ذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عنده فلم يصل عليه فقد جفاه ولا يجوز لمسلم جفاؤه.

والدليل على المقدمة الأولى:
حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، يرفعه: من الجفاء أن أذكر عند الرجل فلا يصلي عليّ
وهذا وإن كان مرسلا لا يحتج به، فله شواهد.

والدليل على المقدمة الثانية:
أن جفاءه مناف لكمال حبه، وتقديم محبته على النفس، والأهل، والمال، وأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإن العبد لا يؤمن حتى يكون الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم أحب إليه من نفسه، وولده، ووالده، والناس أجمعين كما تقدم، فإن المحبة ثلاثة أنواع:
* إما محبة إجلال وتعظيم، كمحبة الوالدين.
* وإما محبة تحنن وبر ولطف، كمحبة الولد.
* وإما محبة لأجل الإحسان وصفات الكمال، كمحبة الناس بعضهم بعضا.
ولا يؤمن العبد حتى يكون حب الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم أشد من هذه المحبات الثلاثة، ومعلوم أن حقا ثانيا في ذلك، فلما كانت محبته صلّى اللَّه عليه وسلّم فرضا وكانت توابعها من الإجلال، والتعظيم، والتوقير، والطاعة، والتقديم على النفس وإيثاره بنفسه بحيث بقي نفسه بنفسه فرضا، كانت الصلاة عليه من لوازم هذه

(11/12)


المحبة وتمامها، وإذا ثبت لهذه الوجوه وغيرها وجوب الصلاة على من ذكر عنده، فوجوبها على الذاكر أولى.
ونظير هذا أن السامع آية السجدة إذا أمر بالسجود إما وجوبا واستحبابا على القولين فوجوبها على التالي أولى،

واحتج نفاة الوجوب بوجوه:

أحدها:
أنه من المعلوم الّذي لا ريب فيه أن السلف الصالح الذين هم القدوة لم يكن أحدهم كلما ذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقرن الصلاة عليه باسمه، وهذا في خطابهم للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم أكثر من أن يذكر، فإنّهم كانوا يقولون: يا رسول اللَّه، مقتصرين على ذلك، وربما كان يقول أحدهم: صلى اللَّه عليك، وهذا في الأحاديث ظاهر كثير، فلو كانت الصلاة عليه واجبة عند ذكره لأنكر عليه تركها.

الثاني:
أن الصلاة عليه لو كانت واجبة كما ذكر لكان هذا من أظهر الواجبات، ولبينه لأمته بيانا يقطع العذر وتقوم به الحجة.

الثالث:
أنه لا يعرف عند أحد من الصحابة ولا التابعين ولا تابعيهم هذا القول، ولا يعرف أحد منهم قال به، وأكثر الفقهاء حكى الإجماع على أن الصلاة عليه ليست من فروض الصلاة، وقد نسب القائل بوجوبها إلى الشذوذ، ومخالفة الإجماع، فكيف خارج الصلاة؟.

الرابع:
لو وجبت الصلاة عليه عند ذكره دائما لوجب على المؤذن أن يقول: أشهد أن محمدا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولا يشرع له في الأذان فضلا عن أن تجب عليه.

الخامس:
أنه كان يجب على من سمع النداء ويجيبه أن يصلي عليه، وقد أمر صلّى اللَّه عليه وسلّم أن نقول كما يقول المؤذن، وهذا دليل على جواز اقتصاره على قوله: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، هذا هو مثل ما قال المؤذن.

السادس:
أن التشهد الأول ينتهى عند قوله: وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اتفاقا، واختلف هل يشرع أن يصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وعلى آله في التشهد الأخير أم لا؟ على ثلاثة أقوال: قيل: لا يشرع الصلاة عليه خاصة دون آله، ولم يقل أحد بوجوبها في التشهد الأول عند ذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم.

(11/13)


السابع:
أن المسلم إذا دخل في الإسلام بتلفظه بالشهادتين لم يحتج أن يقول: أشهد أن محمدا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.

الثامن:
أن الخطيب في الجمع والأعياد ونحوها، لا يحتاج أن يصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في نفس التشهد، ولو كانت الصلاة واجبة عليه عند ذكره لوجب عليه أن يقرنها بالشهادة، فلا يقال: تكفي الصلاة عليه في الخطبة، فإن تلك الصلاة لا تنعطف على ذكر اسمه عند التشهد، ولا سيما مع طول الفصل، والموجبون يقولون: تجب الصلاة كلما ذكر، ومعلوم أن ذكره ثانيا غير ذكره أولا.

التاسع:
أنه لو وجبت الصلاة عليه كلما ذكر على القارئ كلما مرّ بذكر اسمه، يصلي عليه ويقطع بذلك قراءته ليؤدي هذا الواجب، وسواء كان في الصلاة أو خارجها فإن الصلاة عليه لا تبطل الصلاة وهي واجبة، قد تعين فوجب أداؤه، وترك إهماله.

العاشر:
لو وجبت الصلاة عليه كلما ذكر لوجب الثناء على اللَّه تعالى كلما ذكر اسمه، وكان يجب على من ذكر اسم اللَّه أن يقرنه بأن يقول: سبحانه وتعالى، أو عز وجل، أو تبارك وتعالى، أو جلت عظمته، أو تعالى جدّه، ونحو ذلك، بل كان ذلك أولى مما روى، فإن تعظيم الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم وإجلاله، ومحبته، وطاعته تابع لتعظيم مرسلة سبحانه وإجلاله، ومحبته، وطاعته، فمحال أن تثبت المحبة والطاعة، والتعظيم والإجلال، للرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم دون مرسلة، بل إنما يثبت له تبعا لمحبة اللَّه تبارك وتعالى، وتعظيمه، وإجلاله، ولهذا كانت طاعة ومتابعة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم متابعة للَّه تبارك وتعالى إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [ (1) ] ومحبته محبة للَّه تعالى.
قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [ (2) ] وتعظيمه تعظيما للَّه، ونصرته نصرة للَّه، فإنه رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم وعبده الداعي إليه، وإلى طاعته، ومحبته، وإجلاله، وتعظيمه، وحده لا شريك له. فكيف يقال:
__________
[ (1) ] الفتح: 10.
[ (2) ] آل عمران: 31.

(11/14)


تجب الصلاة كلما ذكر اسمه وهي ثناء وتعظيم، ولا يجب الثناء والتعظيم للخالق سبحانه وتعالى كلما ذكر اسمه؟ هذا محال من القول.

الحادي عشر:
أنه لو جلس إنسان ليس له هجير إلا قوله: محمد رسول اللَّه، أو اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد، وبشر كثير يسمعونه، فإن قلتم: يجب على كل من أولئك السامعين أن يكون هجيرا للصلاة عليه ولو طال المجلس ما طال، كان ذلك حرجا ومشقة، وتركا لقراءة قارئهم، ودراسة دارسهم وكلام صاحب الحاجة منهم، وهذا كونه في العلم وتعلمه القرآن وغير ذلك. وإن قلتم: لا تجب عليهم الصلاة في هذه الحالة نقضتم مذهبكم، وإن قلتم: تجب عليه مرة أو أكثر كان تحكما بلا دليل مع أنه مبطل لقولهم.

الثاني عشر:
أن الشهادة له صلّى اللَّه عليه وسلّم بالرسالة فرض واجب من الصلاة عليه بلا ريب، ومعلوم أنه لا يدخل أحد في الإسلام إلا بها ولا تجب كلما ذكر اسمه فكيف تجب الصلاة عليه كلما ذكر اسمه؟ وليس من الواجبات بعد كلمة الإخلاص إفراد الشهادة له بالرسالة فمتى أقر له بوجوبها عند ذكر اسمه تذكر العبد الإيمان، وموجبات هذه الشهادة، فكان يجب على من ذكر اسمه أن يقول:
محمد رسول اللَّه، ووجوب ذلك أظهر بكثير من موجب الصلاة عليه كلما ذكر اسمه، فهذه حجج الفريقين، ولكل فرقة منها أجوبة عن حجج الفرقة المنازعة لها، بعضها ضعيف جدا، وبعضها محتمل، وبعضها قوى، والفاضل لا يخفى عليه ذلك عند تأمل حجج الفريقين، وبالجملة فأدلة الوجوب أقوى وأظهر.

(11/15)


الثانية والثمانون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: في كيفية الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم
اعلم أنه قد أوردت أحاديث الصلاة على الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم اثنان وأربعون من الصحابة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- وهم: أبو مسعود عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري البدري، وكعب بن عجرة بن أمية بن عدي بن الحارث السوداوي حليف الأنصار، وأبو حميد الساعدي واسمه المنذر وقيل:
عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة، وأبو سعيد الخدريّ واسمه سعد بن مالك بن سنان، وطلحة بن عبيد اللَّه، وزيد بن خارجة ويقال: ابن حارثة، وعلي بن أبي طالب، وأبو هريرة، وبريدة بن الحصيب، وسهل بن سعد الساعدي، وعبد اللَّه بن مسعود، وفضالة ابن عبيد، وأبو طلحة الأنصاري واسمه زيد بن سهل بن الأسود بن حرام، وأنس بن مالك وعمر بن الخطاب، وعامر بن ربيعة، وعبد الرحمن بن عوف، وأبي بن كعب، وأوس بن أوس، والحسن والحسين ابنا على بن أبي طالب، وفاطمة الزهراء، والبراء بن عازب، ورويفع بن ثابت الأنصاري، وجابر بن عبد اللَّه، وأبو رافع بن ثابت الأنصاري، وجابر بن عبد اللَّه، وأبو رافع مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعبد اللَّه بن أوفى، وأبو أمامه الباهلي واسمه صدى ابن عجلان، وعبد الرحمن بن بشير بن مسعود، وأبو بردة بن دينار واسمه هاني، وقيل: الحارث، وعمار بن ياسر، وجابر بن سمرة، وأبو أمامة بن سهل بن حنيف، واسمه سعد، ومالك بن الحويرث، وعبد اللَّه بن جزء الزبيدي، وعبد اللَّه بن عباس، وأبو ذر الغفاريّ، واسمه جندب بن جنادة، وقيل: غير ذلك، وواثلة بن الأسقع، وأبو بكر الصديق، وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص، وسعيد بن عمير الأنصاري، وهو من البدريين، وحبان بن منقذ.

(11/16)


فأما حديث أبي مسعود [ (1) ]- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-
فحديث صحيح خرجه النسائي [ (2) ] عن الحارث بن مسكين، عن ابن القاسم عن مالك.
وخرجه الترمذي [ (3) ] عن إسحاق بن موسى، عن معن عن مالك.
وخرجه مسلم [ (4) ] من حديث يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن نعيم بن عبد اللَّه المجمر أن زيد بن عبد اللَّه الأنصاري، وعبد اللَّه بن زيد،
__________
[ (1) ] هو أبو مسعود الأنصاري الزرقيّ، روى عن علي بن أبي طالب، وعنه نافع بن جبير بن مطعم، والصواب مسعود بن الحكم. (تهذيب التهذيب) : 12/ 255، ترجمة رقم (1060) .
[ (2) ] (سنن النسائي) : 3/ 52- 53، كتاب السهو، باب (49) ، الأمر بالصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (1284) .
[ (3) ] (سنن الترمذي) : 5/ 334- 335، كتاب تفسير القرآن، باب (34) ومن سورة الأحزاب، حديث رقم (3220) قال: وفي الباب عن علي، وأبي حميد، وكعب بن عجرة، وطلحة بن عبيد اللَّه، وأبي سعيد، وزيد بن خارجة- ويقال: حارثة- وبريدة. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 366- 367، كتاب الصلاة، باب (17) الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد التشهد، حديث رقم (405) ، قال الإمام النووي: اعلم أن العلماء اختلفوا في وجوب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عقب التشهد الأخير في الصلاة فذهب أبو حنيفة ومالك رحمهما اللَّه تعالى والجمهور إلى أنها سنة لو تركت صحت الصلاة، وذهب الشافعيّ وأحمد رحمهما اللَّه تعالى إلى أنها واجبة لو تركت لم تصح الصلاة، وهو مروى عن عمر بن الخطاب، وابنه عبد اللَّه رضي اللَّه تعالى عنهما، وهو قول الشعبي، وقد نسب جماعة للشافعيّ رحمه اللَّه تعالى في هذا إلى مخالفة الإجماع ولا يصح قوله فإنه مذهب الشعبي كما ذكرنا، وقد رواه عن البيهقي، وفي الاستدلال لوجوبها خفاء، وأصحابنا يحتجون
بحديث أبي مسعود الأنصاري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- المذكور، هنا أنهم قالوا: كيف نصلي عليك يا رسول اللَّه؟ فقال: -

(11/17)


__________
[ () ] قولوا: اللَّهمّ صلّ على محمد إلى آخره،
قالوا: والأمر للوجوب، وهذا القدر لا يظهر الاستدلال به إلا إذا ضم إليه الرواية الأخرى،
كيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: قولوا: اللَّهمّ صلّ على محمد وعلى آل محمد إلى آخره وهذه الزيادة صحيحة. رواها الإمامان الحافظان أبو حاتم بن حبان بكسر الحاء البستي، والحاكم أبو عبد اللَّه في صحيحيهما،
وقال الحاكم: هي زيادة صحيحة، واحتج لها أبو حاتم وأبو عبد اللَّه في صحيحيهما بما روياه
عن فضالة بن عبيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رأى رجلا يصلي لم يحمد اللَّه، ولم يمجده، ولم يصل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عجل هذا، ثم دعاه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: إذا صلّى أحدكم فليبدأ بحمد ربه والثناء عليه وليصل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وليدع ما يشاء.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، وهذان الحديثان وإن اشتملا على ما لا يجب بالإجماع كالصلاة على الآل والذرية والدعاء فلا يمتنع الاحتجاج بهما فإن الأمر للوجوب فإذا خرج بعض ما يتناوله الأمر عن الوجوب بدليل، بقي الباقي على الوجوب. واللَّه تعالى أعلم.
والواجب عند أصحابنا: اللَّهمّ صلّ على محمد، وما زاد عليه سنة، ولنا وجه شاذ أنه يجب الصلاة على الآل وليس بشيء، واللَّه تعالى أعلم.
واختلف العلماء في آل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على أقوال: أظهرها وهو اختيار الأزهري وغيره من المحققين، أنهم جميع الأمة، والثاني: بنو هاشم، وبنو المطلب، والثالث: أهل بيته صلّى اللَّه عليه وسلّم وذريته واللَّه تعالى أعلم.
قوله (أمرنا اللَّه تعالى أن نصلي عليك يا رسول اللَّه فكيف نصلي عليك) معناه أمرنا اللَّه تعالى بقوله تعالى: صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً فكيف نلفظ بالصلاة؟ وفي هذا أن من أمر بشيء لا يفهم مراده يسأل عنه ليعلم ما يأتى به، قال القاضي: ويحتمل أن يكون سؤالهم عن كيفية الصلاة في غير الصلاة ويحتمل أن يكون في الصلاة، قال: وهو الأظهر، قلت: وهذا ظاهر اختيار مسلم وبهذا ذكر هذا الحديث في هذا الموضوع. قوله: (فسكت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى تمنينا أنه لم يسأله) معناه كرهنا سؤاله مخافة من أن يكون النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كره سؤاله وشق عليه.
قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: (والسلام كما علمتم)
معناه قد أمركم اللَّه تعالى بالصلاة والسلام على، فأما الصلاة فهذه صفاتها، وأما السلام فكما علمتم في التشهد، وهو قوله: السلام

(11/18)


هو الّذي كان أرى النداء بالصلاة، أخرجه عن أبي مسعود الأنصاريّ، قال: أتانا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد، أمرنا اللَّه أن نصلي عليك يا رسول اللَّه فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قولوا: اللَّهمّ صلّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم.
ترجم عليه النسائي باب الأمر بالصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال الترمذي:
هذا حديث حسن صحيح، وخرجه أبو داود [ (1) ] عن القعنبي، عن مالك.
وخرجه الإمام أحمد [ (2) ] بزيادة عن طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد فقال: حدثنا أبو السحيم عبد ربه الأنصاريّ عن أبي مسعود قال: أقبل رجل حتى جلس بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ونحن عنده فقال: يا رسول اللَّه أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف نحن نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا صلّى اللَّه عليك؟ قال: فصمت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى أحببنا أن الرجل لم يسأله، ثم قال:
__________
[ () ] عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته، وقوله: علمتم هو بفتح العين وكسر اللام المخففة، ومنهم من رواه بضم العين وتشديد اللام أي علمتكموه، وكلاهما صحيح.
وقوله: (من صلّى على واحدة صلّى اللَّه عليه عشرا) ،
قال القاضي: معناه رحمته وتضعيف أجره، كقوله تعالى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها قال: وقد يكون الصلاة على وجهها وظاهرها تشريفا له بين الملائكة كما
في الحديث «وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه» .
[ (1) ] (سنن أبي داود) : 1/ 600، كتاب الصلاة، باب (183) ، الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد التشهد، حديث رقم (980) ، فذكر معنى حديث كعب بن عجرة وزاد في آخره: في العالمين إنك حميد مجيد. ونعيم: بزنة التصغير، والمجمر: بضم الميم الأولى وسكون الجيم وكسر الميم. لقب بذلك لأنه كان يجمر مسجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
[ (2) ] (مسند أحمد) : 5/ 97، حديث رقم (16624) من حديث أبي مسعود الأنصاريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-.

(11/19)


إذا أنتم صليتم عليّ فقولوا: اللَّهمّ صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك [ (1) ] .
ورواه ابن خزيمة والحاكم [ (2) ] .
قال الحاكم فيه: على شرط مسلم واعترض عليه بأن في هذا نوع تساهل، فإن مسلم لم يحتج بابن إسحاق في الأصول، وإنما خرّج له في المتابعات، وقد أحلت له هذه الزيادة بتفرد ابن إسحاق بها، ومخالفة سائر الرواة له في تركهم ذكرها.
وأجيب عن ذلك بأن ابن إسحاق لم يخرّج بما يوجب ترك الاحتجاج به، وقد وثقه كبار الأمة، وأثنوا عليه بالحفظ والعدالة، وهما ركنا الرواية، ومع ذلك فإنما يخاف من تدليسه، وقد صرح هنا بسماعة الحديث من محمد بن إبراهيم التيمي فزالت تهمة تدليسه، وقد قال الدارقطنيّ في هذا الحديث- وقد خرجه في (السنن) [ (3) ] من هذا الوجه-: وهذا إسناد حسن متصل، وقال في كتاب (العلل) : يرويه محمد بن إبراهيم التيمي عن محمد بن عبد اللَّه بن زيد عن أبي مسعود، حدث به عنه كذلك القعنبي ومعن وأصحاب (الموطأ) .
[يعنى أصحاب مالك] [ (4) ] .
ورواه حماد بن مسعود عن مالك عن نعيم فقال: عن محمد بن زيد عن أبيه ووهم فيه، ورواه داود بن قيس الفراء عن نعيم عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، خالف فيه مالك، وحديث مالك أولى بالصواب. انتهى.
__________
[ (1) ] هذا آخر الحديث في (المسند) ، وتمامه من (المسند) : على محمد النبي الأمي، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
[ (2) ] (المستدرك) : 1/ 401، كتاب الصلاة، حديث رقم (988) ، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، فذكر الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الصلوات. وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط مسلم.
[ (3) ] (سنن الدارقطنيّ) : 1/ 354- 355، كتاب الصلاة، باب ذكر وجوب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في التشهد، واختلاف الروايات في ذلك.
[ (4) ] زيادة للبيان.

(11/20)


وقد اختلف على ابن إسحاق في هذه الزيادة فذكرها إسماعيل بن سعد كما تقدم، ورواه زهير بن معاوية عن ابن إسحاق بدون ذكر الزيادة، كذلك قال عبد بن حميد في (مسندة) : عن أحمد بن يونس والطبراني في (معجمه) عن ابن عباس بن الفضل عن أحمد بن يونس عن زهير بن معاوية. واللَّه تعالى أعلم.

(11/21)


وأما حديث كعب بن عجرة [ (1) ]
فقد رواه أهل الصحيح وأصحاب السنن والمسانيد من حديث عبد الرحمن ابن أبي ليلى عنه، وهو حديث لا مغمز فيه، فخرجه البخاري في كتاب الأنبياء في باب وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا من طريق عبد اللَّه بن عيسى، سمع عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدى لك هدية سمعتها من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قلت: بلى، فاهدها لي قال: فقال: سألنا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلنا: يا رسول اللَّه، كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟ فإن اللَّه قد علمنا كيف نسلم قال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد. اللَّهمّ بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وخرّج البخاري [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من طريق شعبة عن الحكم قال: سمعت ابن أبي ليلى يقول: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية؟ خرج
__________
[ (1) ] هو كعب بن عجرة الأنصاري المدني أبو محمد، وقيل أبو عبد اللَّه، وقيل: أبو إسحاق، من بنى سالم بن عوف، وقيل: من بنى سالم بن بلى حليف بنى الخزرج وقيل في نسبه غير ذلك.
روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وعن عمر بن الخطاب وبلال. روى عنه بنوه إسحاق والربيع ومحمد وعبد الملك، وابن عمر، وابن عمرو، وابن عباس وجابر وعبد اللَّه بن معقل بن مقرن المزني وعبد الرحمن بن أبي ليلى وأبو وائل ومحمد بن سيرين وأبو عبيدة بن عبد اللَّه بن مسعود وطارق بن شهاب ومحمد بن كعب القرظي وأبو ثمامة الحناط وسعيد المقبري، وقيل: بينهما رجل وإبراهيم وليس بالنخعى، وعاصم العدوي وموسى بن وردان وغيرهما.
قال الواقدي: كان استأخر إسلامه ثم أسلم وشهد المشاهد وهو الّذي نزلت فيه بالحديبية الرخصة في حلق رأس المحرم والفدية. قال خليفة: مات سنة إحدى وخمسين، وقال الواقدي وآخرون: مات سنة (52) قال بعضهم: وهو ابن خمس وقيل: سبع وسبعين سنة. (تهذيب التهذيب) : 8/ 390- 391، ترجمة رقم (790) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 503، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (10) بدون ترجمة، حديث رقم (3370) ، (المرجع السابق) : 8/ 682، كتاب التفسير سورة (32) سورة الأحزاب باب (10)

(11/22)


__________
[ () ] إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً، قال أبو العالية: صلاة اللَّه ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء، قال ابن عباس: يصلون يبركون. لنغرينك: لنسلطنك، حديث رقم (4797) ، (المرجع السابق) : 11/ 183، كتاب الدعوات باب (32) الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (6357) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 367، كتاب الصلاة، باب (17) الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد التشهد، حديث رقم (66) . قال الإمام النووي:
قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: (قولوا اللَّهمّ صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم)
قال العلماء: معنى البركة هنا الزيادة من الخير والكرامة، وقيل: هو بمعنى التطهير والتزكية، واختلف العلماء في الحكمة في قوله: اللَّهمّ صلّ على محمد كما صليت على إبراهيم، مع أن محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم أفضل من إبراهيم صلّى اللَّه عليه وسلّم قال القاضي عياض- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: أظهر الأقوال أن نبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم سأل ذلك بنفسه ولأهل بيته ليتم النعمة عليهم كما أتمها على إبراهيم وعلى آله، وقيل: بل سأل ذلك لأمته، وقيل بل ليبقى ذلك له دائما إلى يوم القيامة ويجعل له به لسان صدق في الآخرين كإبراهيم صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقيل كان: ذلك قبل أن يعلم أنه أفضل من إبراهيم صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقيل: سأل صلاة يتخذه بها خليلا كما اتخذ إبراهيم. هذا كلام القاضي، والمختار في ذلك أحد ثلاثة أقوال:
أحدها: حكاه بعض أصحابنا عن الشافعيّ رحمه اللَّه تعالى أن معناه صل على محمد، وتم الكلام هنا، ثم استأنف وعلى آل محمد أي وصل على آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، فالمسئول له مثل إبراهيم وآله هم آل محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم لا نفسه.
القول الثاني: معناه: اجعل لمحمد وآله صلاة منك كما جعلتها لإبراهيم وآله فالمسئول المشاركة في أصل الصلاة لا قدرها.
القول الثالث: أنه على ظاهره، والمراد: اجعل لمحمد وآله صلاة بمقدار الصلاة التي لإبراهيم وآله والمسئول مقابلة الجملة، فإن المختار في الآل كما قدمناه أنهم جميع الأتباع، ويدخل في آل إبراهيم خلائق لا يحصون من الأنبياء، ولا يدخل في آل محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم نبي، فطلب إلحاق هذه الجملة التي فيها نبي واحد بتلك الجملة التي فيها من الأنبياء. واللَّه تعالى أعلم.

(11/23)


__________
[ () ] قال القاضي عياض: ولم يجئ في هذه الأحاديث ذكر الرحمة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد وقع في بعض الأحاديث الغريبة قال: واختلف شيوخنا في جواز الدعاء للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم بالرحمة فذهب بعضهم وهو اختيار أبي عمر بن عبد البر إلى أنه لا يقال، وأجازه غيره وهو مذهب أبي محمد ابن أبي زيد وحجة الأكثرين تعليم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الصلاة عليه وليس فيها ذكر الرحمة والمختار أنه لا يذكر الرحمة وقوله: وبارك على محمد وعلى آل محمد، قيل: البركة هنا الزيادة من الخير والكرامة وقيل الثبات على ذلك من قولهم بركت الإبل أي ثبتت على الأرض، ومنه بركة الماء وقيل: التزكية والتطهير من العيوب كلها.
وقوله: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد احتج به من أجاز الصلاة على غير الأنبياء وهذا مما اختلف العلماء فيه، فقال مالك والشافعيّ رحمهما اللَّه تعالى والأكثرون: لا يصلي على غير الأنبياء استقلالا فلا يقال: اللَّهمّ صل على أبي بكر أو عمر أو علي أو غيرهم ولكن يصلي عليهم تبعا فيقال: اللَّهمّ صل على محمد وآل محمد وأصحابه وأزواجه وذريته، كما جاءت به الأحاديث، وقال أحمد وجماعة: يصلي على كل واحد من المؤمنين مستقلا، واحتجوا بأحاديث الباب
وبقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ صل على آل أبي أوفى،
وكان إذا أتاه قوم بصدقتهم صلى عليهم، قالوا: وهو موافق لقول اللَّه تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ واحتج الأكثرون بأن هذا النوع مأخوذ من التوقيف واستعمال السلف ولم ينقل استعمالهم ذلك بل خصوا به الأنبياء كما خصوا اللَّه تعالى بالتقديس والتسبيح فيقال: قال اللَّه سبحانه وتعالى، وقال عز وجل، وقد جلت عظمته، وتقدست أسماؤه، وتبارك وتعالى، ونحو ذلك ولا يقال قال النبي: عز وجل وإن كان عزيزا جليلا ولا نحو ذلك. وأجابوا عن قول اللَّه عز وجل هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ ومن الأحاديث بأن ما كان من اللَّه عز وجل ورسوله فهو دعاء وترحم وليس فيه معنى التعظيم والتوقير الّذي يكون من غيرهما.
وأما الصلاة على الآل والأزواج والذرية فإنما جاء على التبع لا على الاستقلال وقد بينا أنه يقال تبعا لأن التابع يحتمل فيه ما لا يحتمل استقلالا واختلف أصحابنا في الصلاة على غير الأنبياء، هل يقال هو مكروه أو هو مجرد ترك أدب؟ والصحيح المشهور أنه مكروه كراهة تنزيه، قال الشيخ أبو محمد الجويني، والسلام في معنى الصلاة فإن اللَّه تعالى قرن بينهما فلا يفرد به غائب غير الأنبياء فلا يقال أبو بكر وعمر وعلى عليهم السلام وإنما يقال ذلك خطابا للأحياء والأموات فيقال: السلام عليكم ورحمة اللَّه. واللَّه تعالى أعلم.

(11/24)


علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلنا: يا رسول اللَّه عرّفنا كيف نسلم عليك؟ قال: قولوا:
اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، اللَّهمّ بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد.
ذكره البخاري في كتاب الدعاء في باب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وخرجه من طريق شعبة عن الحكم بهذا الإسناد مثله وليس في حديث مسعر: ألا أهدي لك هدية.
وخرجه أيضا عن الأعمش وعن مسعر، وعن مالك بن مغول كلهم عن الحكم بهذا الإسناد مثله غير أنه قال: وبارك على محمد ولم يقل: اللَّهمّ.
وخرجه البخاري [ (1) ] في كتاب التفسير من طريق مسعر عن الحكم عن ابن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، قيل: يا رسول اللَّه أما السلام عليك فقد عرفناه فكيف الصلاة؟ فقال: قولوا: اللَّهمّ صل ... مثل حديث شعبة سواء
وقال: على إثر هذا الحديث: وخرّج الفرياني حديث كعب بن عجرة رواه، عن سيفان الثوري عن الأعمش عن الحكم بن عيينة بنحو ما تقدم بعده وقيل لسفيان: كيف لم يقل: على إبراهيم وآل إبراهيم فقال: ألم تسمع إلى قوله تعالى: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ [ (2) ] وفرعون معهم.
وخرجه أبو داود [ (3) ] من حديث شعبة عن الحكم بن أبي ليلى، عن كعب ابن عجرة قال: قلنا: أو قالوا: يا رسول اللَّه أمرنا أن نصلي عليك وأن نسلم عليك فأما السلام فقد عرفناه فكيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 8/ 682، كتاب التفسير [سورة الأحزاب] ، باب (10) إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، حديث رقم (4797) .
[ (2) ] غافر: 46.
[ (3) ] (سنن أبي داود) : 1/ 598، كتاب الصلاة، باب (183) الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد التشهد، حديث رقم (976) .

(11/25)


وخرجه أيضا من حديث شعبة بهذا الحديث، قال: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد، كما باركت على [آل] إبراهيم إنك حميد مجيد [ (1) ] .
ومن حديث الحسن بن محمد الزعفرانيّ قال: حدثنا محمد بن الصباح أنبأنا إسماعيل بن زكريا، عن الأعمش ومسعر ومالك، عن الحكم بن عيينة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن أبي عجرة قال: لما نزلت هذه الآية إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ (2) ] قلنا: يا رسول اللَّه كيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، اللَّهمّ بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد [ (3) ] .
وقال ابن عبد البر: وقال شعبة والثوري عن الحكم عن عبد الرحمن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة قال: لما نزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً جاء رجل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة؟ فقال: قل: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد.
هذا لفظ حديث الثوري، وهذا الحديث يدخل في التفسير المسند ويبين معنى قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً.
__________
[ (1) ] راجع التعليق السابق.
[ (2) ] الأحزاب: 56.
[ (3) ] سبق تخريجه.

(11/26)


فبين لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كيف الصلاة عليه وعلمهم في التحيات كيف السلام عليه [ (1) ] . وهو
قوله في التحيات: السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته، السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين،
وهذا معنى
قوله في حديث مالك والسلام كما قد علمتم.
ويشهد لذلك قول عبد اللَّه بن عباس وابن عمر وابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، وهو أيضا معنى حديث كعب بن عجرة المذكور عند نزول الآية وقد قيل: إن السلام في هذه الأحاديث أريد به السلام من الصلاة، والقول الأول أكثر.
__________
[ (1) ] قال الشافعيّ وابن راهويه: ومن قال بوجوب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الصلاة فقوله:
«أمرتنا أن نصلي عليك» يدل على وجوبه، لأن أمره لازم، وطاعته واجبة، وقوله لا يجوز تركه.
قالوا: وقد أمر اللَّه تعالى بالصلاة عليه فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً فكان ذلك منصرفا إلى الصلاة، لأنه إن صرف إلى غيرها كان ندبا، وإن صرف إليها كان فرضا، إذ لا خلاف أن الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم غير واجبة في غير الصلاة، فدل على وجوبها في الصلاة.
واختلفوا في التشهد، هل هو واجب أم لا؟ فروى عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال: من لم يتشهد فلا صلاة له. وبه قال الحسن البصري، وإليه ذهب الشافعيّ، ومذهب مالك قريب منه.
وقال الزهري وقتادة وحماد: إن ترك التشهد حتى انصرف مضت صلاته، وقال أصحاب الرأى: التشهد والصلاة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مستحب غير واجب، والقعود قدر التشهد واجب. (معالم السنن) : 1/ 598، تعليقا على الحديث رقم (976) ، باب (183) الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد التشهد، من كتاب الصلاة.

(11/27)


وأما حديث أبي حميد الساعديّ
[ (1) ]
فخرجه البخاريّ [ (2) ] ومسلم [ (3) ] وأبو داود [ (4) ] والنسائيّ [ (5) ] . فخرجه البخاريّ من طريق عبد اللَّه بن يوسف.
__________
[ (1) ] هو أبو حميد الساعديّ الصحابيّ المشهور، اسمه عبد الرحمن بن سعد، ويقال: عبد الرحمن ابن عمرو بن سعد، وقيل: المنذر بن سعد بن المنذر، وقيل: اسم جده مالك، وقيل هو عمرو بن سعد بن المنذر بن سعد بن خالد بن ثعلبة بن عمرو، ويقال: إنه عم سهل بن سعد.
روى عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم عدة أحاديث، وله ذكر معه في الصحيحين. روى عنه ولده سعيد بن المنذر بن أبي حميد، وجابر الصحابي، وعباس بن سهل بن سعد، وعبد الملك بن سعيد بن سويد، وعمرو بن سليم، وعروة، ومحمد بن عمرو بن عطاء، وغيرهم.
قال خليفة وابن سعد وغيرهما: شهد أحدا وما بعدها، وقال الواقديّ: توفي في آخر خلافة معاوية، أو أول خلافة يزيد بن معاوية. (الإصابة) : 7/ 94- 95، ترجمة رقم (9787) . (الاستيعاب) : 4/ 1633، ترجمة رقم (2921) ، (تهذيب التهذيب) :
12/ 85- 86، ترجمة رقم (339) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 11/ 202- 203، كتاب الدعوات، باب (33) هل يصلي على غير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقوله تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ حديث رقم (6360) قوله (باب هل يصلي على غير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ أي استقلالا أو تبعا، ويدخل في الغير الأنبياء والملائكة والمؤمنون، فأما مسألة الأنبياء فورد فيها أحاديث:
أحدها:
حديث عليّ في الدعاء بحفظ القرآن ففيه «وصل عليّ وعلى سائر النبيين» أخرجه الترمذي والحاكم،
وحديث بريدة رفعه «لا تتركن في التشهد الصلاة على وعلى أنبياء اللَّه» الحديث أخرجه البيهقي بسند واه،
وحديث أبي هريرة رفعه «صلوا على أنبياء اللَّه» الحديث أخرجه إسماعيل القاضي بسند ضعيف،
وحديث ابن عباس رفعه «إذا صليتم على فصلوا على أنبياء اللَّه، فإن اللَّه بعثهم كما بعثني.» أخرجه الطبراني ورويناه في (فوائد العيسوي)
وسنده ضعيف أيضا، وقد ثبت عن على بن عباس اختصاص ذلك بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم أخرجه ابن أبي شيبة من طريق عثمان بن حكيم عن عكرمة عنه قال «ما أعلم الصلاة تتبغى على

(11/28)


__________
[ () ] أحد من أحد إلا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهذا سند، وحكى القول عن مالك وقال: ما تعبدنا به. وجاء نحوه عن عمر بن عبد العزيز، وعن مالك يكره.
وقال عياض: عامة أهل العلم على الجواز، وقال سفيان يكره أن يصلي إلا على نبي، ووجدت بخط بعض شيوخ مذهب مالك: لا يجوز أن نصلي إلا على محمد، وهذا غير معروف عن مالك وإنما قال: أكره الصلاة على غير الأنبياء وما ينبغي لنا أن نتعدى ما أمرنا به، وخالفه يحيى بن يحيى فقال: واحتج بأن الصلاة دعاء بالرحمة لا يمنع إلا بنص أو إجماع.
قال عياض: والّذي أميل إليه قول مالك وسفيان وهو قول المحققين من المتكلمين والفقهاء قالوا: يذكر غير الأنبياء بالرضا والغفران والصلاة على غير الأنبياء يعنى استقلالا لم تكن من الأمر بالمعروف، وإنما أحدثت في دولة بني هاشم، وأما الملائكة فلا أعرف فيه حديثا نصّا وإنما يؤخذ ذلك من الّذي قبله إن ثبت، لأن اللَّه تعالى سماهم رسلا، وأما المؤمنون فاختلف فيه، فقيل: لا تجوز إلا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خاصة، وحكى عن مالك كما تقدم، وقالت طائفة: لا تجوز مطلقا استقلالا وتجوز تبعا فيما ورد به النص أو ألحق به قوله تعالى: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً ولأنه لما علمهم السلام قال: «السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين» ولما علمهم الصلاة قصر عليه وعلى أهل بيته، وهذا القول اختاره القرطبي في (المعجم) وأبو المعالي من الحنابلة، وقد تقدم تقريره في تفسير سورة الأحزاب، واختيار ابن تيمية من المتأخرين. وقالت طائفة: تجوز مطلقا ولا تجوز استقلالا، وهذا قول أبي حنيفة وجماعة، وقالت: تكره استقلالا لا تبعا وهي رواية عن أحمد.
وقال النووي: هو خلاف الأولى، وقالت طائفة: تجوز مطلقا، وهو مقتضى صنيع البخاري فإنه صدر بالآية وهو قول اللَّه تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ثم الحديث الدال على الجواز مطلقا وعقبه بالحديث الدال على الجواز تبعا، فأما الأول وهو حديث عبد اللَّه بن أبي أوفى فتقدم شرحه في كتاب الزكاة، ووقع مثله
عن قيس بن عبادة. «أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رفع يديه وهو يقول: اللَّهمّ اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة» أخرجه أبو داود والنسائي
وسنده جيد.
وفي حديث جابر «أن امرأته قالت للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: صل عليّ وعلى زوجي ففعل. أخرجه أحمد مطولا ومختصرا وصححه ابن حبان، وهذا القول جاء عن الحسن ومجاهد ونص عليه أحمد في رواية أبي داود وبه قال إسحاق وأبو ثور وداود والطبراني، واحتجوا بقوله تعالى:

(11/29)


__________
[ () ] هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ
وفي (صحيح مسلم) من حديث أبي هريرة مرفوعا «إن الملائكة تقول لروح المؤمن صلّى اللَّه عليك وعلى جسدك»
وأجاب المانعون عن ذلك كله بأن ذلك صدر من اللَّه ورسوله ولهما أن يخصا ما شاءا بما شاءا وليس ذلك لأحد غيرهما.
وقال البيهقي: يحمل قول ابن عباس بالمنع إذا كان على وجه التعظيم إلا ما إذا كان على وجه الدعاء بالرحمة والبركة.
وقال ابن القيم: المختار أن يصلي على الأنبياء والملائكة وأزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وآله وذريته وأهل الطاعة على سبيل الإجماع، وتكره في غير الأنبياء لشخص مفرد بحيث يصير شعارا ولا سيما إذا ترك في حق مثله أو أفضل منه كما يفعله الرافضة، فلو اتفق وقوع ذلك مفردا في بعض الأحاديث من غير أن يتخذ شعارا لم يكن به بأس، ولهذا لم يرد في حق غير من أمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بقول ذلك له وهو من أدى زكاته إلا نادرا كما في قصة زوجة جابر وآل سعد بن عبادة.
(تنبيه) : اختلف في السلام على غير الأنبياء بعد الاتفاق على مشروعيته في تحية الحي فقيل: يشرع مطلقا، وقيل بل تبعا، ولا يفرد لواحد لكونه صار شعارا للرافضة، ونقله النووي عن الشيخ أبي محمد الجويني.
وأخرجه البخاري أيضا في كتاب أحاديث الأنبياء، باب (10) بدون ترجمة، حديث رقم (3369) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 370، كتاب الصلاة، باب (17) الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد التشهد، حديث رقم (69) قال الإمام النووي: احتج به من أجاز الصلاة على غير الأنبياء، وهذا مما اختلف العلماء فيه فقال مالك والشافعيّ، والأكثرون: لا يصلي على غير الأنبياء استقلالا، فلا يقال: اللَّهمّ صل على أبي بكر أو عمر، أو عليّ. أو غيرهما، ولكن يصلي عليهم تبعا، فيقال: اللَّهمّ صل على محمد وآل محمد وأصحابه وأزواجه، كما جاءت به الأحاديث.
وقال أحمد وجماعة: يصلي على كل واحد من المؤمنين مستقلا، واحتجوا بأحاديث الباب، وب
قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ صل على أبي أوفى.
وأما الصلاة على الآل والأزواج والذرية، فإنما جاء على التبع، لا على الاستقلال (شرح النووي) .

(11/30)


وخرجه أبو داود من طريق القعنبي عن روح، كلهم عن مالك بن سليم الزرقيّ قال: أخبرني أبو حميد الساعدي أنهم قالوا: يا رسول اللَّه كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. ولم يقل أبو داود: آل في الموضعين. ذكره البخاري في كتاب الأنبياء في آخر باب قول اللَّه تعالى: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا وفي كتاب الدعاء، في باب هل يصلي على غير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم؟.
وخرجه ابن ماجة [ (1) ] من طريق عبد الملك بن الماجشون به، عن مالك به مثله.
__________
[ () ] (4) (سنن أبي داود) : 1/ 599- 600، كتاب الصلاة، باب (183) الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد التشهد، حديث رقم (979) .
[ (5) ] (سنن النسائي) : 3/ 57، كتاب السهو، باب (54) نوع آخر من الصلاة على النبي، حديث رقم (1293) .
[ (1) ] (سنن ابن ماجة) : 1/ 293، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب (25) الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (905) .

(11/31)


وأما حديث أبي سعيد الخدريّ [ (1) ]
فخرّج البخاريّ [ (2) ] في كتاب التفسير من حديث الليث قال: حدثني ابن الهاد، عن عبد اللَّه بن خباب، عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قلنا: يا رسول اللَّه هذا التسليم فكيف نصلي عليك؟ قال:
قولوا: اللَّهمّ صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم.
حدثنا إبراهيم بن حمزة حدثنا ابن أبي حازم والدراوَرْديّ عن يزيد يعني ابن الهاد قال: كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم هكذا ذكره في تفسير سورة الأحزاب.
وقال في كتاب الدعاء: حدثنا إبراهيم [ (3) ] بن حمزة حدثنا ابن أبي حازم والدراوَرْديّ عن يزيد عن عبد اللَّه بن خباب عن أبي سعيد الخدريّ قال: قلنا:
يا رسول اللَّه هذا السلام عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم.
__________
[ (1) ] هو سعد بن مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن الأبحر، وهو خدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج، الأنصاري، الخزرجي، أبو سعيد الخدريّ، مشهور بكنيته، استصغر يوم أحد، واستشهد أبوه بها، وغزا هو ما بعدها.
روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الكثير، وروى عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وزيد بن ثابت وغيرهم.
[ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 683، كتاب التفسير، باب (10) إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً، حديث رقم (4798) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : 11/ 183، باب (32) الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (6358) .

(11/32)


وذكره في باب الصلاة على النبي [ (1) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم ورواه النسائي عن قتيبة، عن بكر بن نصر، عن ابن الهاد ورواه ابن ماجة [ (2) ] ، عن أبي بكر بن أبي بكر، عن ابن أبي شيبة عن خالد بن مخلد، عن عبد اللَّه بن جعفر عن ابن الهاد.

وأما حديث طلحة بن عبيد اللَّه [ (3) ]
خرجه الإمام أحمد [ (4) ] من حديث مجمع بن يحيى الأنصاري، قال:
حدثني عثمان بن موهب عن موسى بن طلحة عن أبيه قال: قلت: يا رسول اللَّه كيف الصلاة عليك قال: قل: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وخرجه النسائي من طريق شريك، عن عثمان بن موهب، عن موسى بن طلحة عن أبيه أن رجلا أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: كيف نصلي عليك يا نبي اللَّه؟ قال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد [ (5) ] .
ومن طريق مجمع بن يحيى عن عثمان بن موهب عن موسى بن طلحة عن أبيه قال: قلت: يا رسول اللَّه كيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد [ (6) ] .
__________
[ (1) ] راجع التعليق السابق.
[ (2) ] (سنن ابن ماجة) : 1/ 292، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب (25) الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (903) .
[ (3) ] هو طلحة بن عبيد اللَّه: 3/ 529- 523.
[ (4) ] (مسند أحمد) : 1/ 263، حديث رقم (1399) ، من مسند أبي محمد طلحة بن عبيد اللَّه رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
[ (5) ] (سنن النسائي) : 3/ 55، كتاب السهو، باب (52) نوع آخر من الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (1290) .
[ (6) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (1289) ، وقد انفرد به النسائي.

(11/33)


وعثمان بن عبد اللَّه بن موهب أبو عبد اللَّه وأبو عمرو المدني الأعرج مولى آل طلحة يروي عن عمرو وأبي هريرة وأم سلمة وجابر بن سمرة وعبد اللَّه بن أبي قتادة وموسى بن طلحة ويروي عنه شعبة وشيبة وشريك وأبو عوانة وآخرون، وثقة أبو داود. وخرّج له البخاريّ ومسلم والترمذيّ والنسائيّ وابن ماجة [ (1) ] .

وأما حديث زيد بن خارجة [ (2) ]
فرواه الإمام أحمد [ (3) ] من حديث عيسى بن يونس، حدثنا عثمان بن حكيم حدثنا خالد بن سلمة أن عبد الرحمن دعا موسى بن طلحة حين عرس على ابنه عليّ فقال: يا أبا عيسى كيف بلغك في الصلاة على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال موسى:
سألت زيد بن خارجة فقال: أنا سألت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كيف الصلاة عليك؟ فقال:
صلوا واجتهدوا، ثم قولوا: اللَّهمّ بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد.
__________
[ (1) ] هو عثمان بن عبد اللَّه بن موهب التيمي، أبو عبد اللَّه، ويقال: أبو عمرو المدنيّ الأعرج، مولى آل طلحة وقد ينسب إلى جده. روى عن ابن عمر.
[ (2) ] هو زيد بن خارجة بن زيد بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيس بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج الأنصاريّ الخزرجيّ، شهد أبوه أحدا وشهد هو بدرا.
وذكر البخاريّ وغيره أنه هو الّذي تكلم بعد الموت. وقال ابن السكن: تزوج أبو بكر أخته فولدت له أم كلثوم بعد وفاته.
وروى النسائيّ وأحمد، من طريق عبد الحميد بن عبد الرحمن، عن موسى بن طلحة، عنه قال: سألت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كيف الصلاة عليك؟ قال: صلوا فاجتهدوا، ثم قولوا: اللَّهمّ بارك على محمد وعلى آل محمد. الحديث. (الإصابة) : 2/ 603، ترجمة رقم (2896) ، (الاستيعاب) : 2/ 547- 549، ترجمة رقم (844) ، (تهذيب التهذيب) : 3/ 353- 354، ترجمة رقم (747) .
[ (3) ] (مسند أحمد) : 1/ 327، حديث رقم (1716) من حديث زيد بن خارجة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-.

(11/34)


ورواه النسائيّ، عن سعيد بن يحيى الأمويّ، عن عثمان به، ورواه إسماعيل ابن إسحاق في فضل الصلاة على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم كيف الصلاة عليك؟ عن عليّ بن عبد اللَّه حدثنا مروان بن معاوية حدثنا عثمان بن الحكيم، عن خالد بن سلمة، عن موسى، عن طلحة، أخبرني زيد بن حارثة بن الخزرج قال:
قلت: يا رسول اللَّه كيف نسلم عليك؟ فذكر نحوه.
قال الحافظ أبو عبد اللَّه بن مندة في كتاب (الصحابة) : روى عبد الواحد ابن زياد عن عثمان بن حكم عن خالد بن سلمة قال: سمعت موسى بن طلحة وسأله عبد الحميد كيف الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ فقال: سألت زيد بن خارجة الأنصاري فذكره.
وأما زيد بن حارثة هذا فهو زيد بن ثابت بن الضحاك بن حارث بن ثعلبة من بنى سلمة ويقال: ابن خارجة الخزرجيّ ذكره ابن مندة في (الصحابة) والصواب زيد بن خارجة وهو ابن أبي زهير الأنصاريّ الخزرجيّ، شهد بدرا وتوفي في خلافه عثمان، وهو الّذي تكلم بعد الموت، قاله أبو نعيم وابن مندة وابن عبد البر، وقيل: بل هو زيد بن حارثة والباقي أصح.

(11/35)


وأما حديث علي بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه
فخرّج النسائيّ من حديث عمرو بن عاصم، حدثنا حبان بن يسار الكلابيّ، عن عبد الرحمن بن طلحة الخزاعيّ، عن محمد بن علي، عن محمد ابن الحنفية عن عليّ قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من سره أن يكتال بالكيل الأوفى إذا صلّى علينا أهلّ البيت فليقل: اللَّهمّ اجعل صلواتك وبركاتك على محمد النبيّ وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وأهل بيته، كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد.
وحبان بن يسار الكلابي البصريّ وثقة ابن حبان، وقال البخاري:
اختلط في آخر عمره، وقال أبو حاتم الرازيّ: ليس بالقوى ولا بالمتروك، وقال ابن عدي: حديثه فيه ما فيه لأجل الاختلاط الّذي ذكر عنه، ولهذا الحديث علة وهي أن موسى بن إسماعيل التبوذكي خالف عمرو بن عاصم فيه فرواه عن حبان بن يسار.
وحدثني أبو المطرف والخزاعيّ وحدثني محمد بن عطاء الهاشمي عن أبي نعيم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى فذكره.
ورواه أبو داود، عن موسى بن إسماعيل
وله علة أخرى وهي أن عمر بن عاصم قال: حدثنا ابن يسار، عن عبد الرحمن بن طلحة الخزاعي، وقال: موسى ابن عبيد اللَّه بن طلحة بن عبيد اللَّه بن كريز، وهكذا هو في (تاريخ البخاري) وكتاب ابن أبي حاتم وكتاب (الثقات) لابن حبان، كذا ذكره في كتاب (تهذيب الكمال) لأبي الحجاج المزي فقال ما ملخصه: عبيد اللَّه بن طلحة بن عبيد اللَّه بن كريز أبو مطرف الخزاعي، عن الحسن والزهري ومحمد بن على الهاشميّ وعنه صفوان بن سليم مع تقدمه، وحبان بن يسار وحماد بن زيد وجماعة.
ذكره ابن حبان في (الثقات) ، فإما أن يكون عمرو بن العاص وهم في اسمه، وإما أن يكون اثنين، ولكن عبد الرحمن بن طلحة هذا مجهول لا يعرف في غير هذا الحديث ولم يذكره أحد من المتقدمين، وعمرو بن العاص وإن كان

(11/36)


روى عنه البخاريّ ومسلم واحتجا به، فموسى بن إسماعيل أبو سلمة المنقريّ التبوذكي البصري الحافظ أحفظ منه، والحديث له أصل من رواية أبي هريرة بغير هذا السند والمتن كما يأتي ذكره إن شاء اللَّه تعالى.

وأما حديث أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه
فقال محمد بن إسحاق السراج: أخبرنا أبو يحيى وأحمد بن محمد اليزني قالا: أنبأنا عبد اللَّه بن مسلمة بن قطب أنبأنا داود بن قيس، عن نعيم بن عبد اللَّه، عن أبي هريرة أنهم سألوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كيف نصلي عليك؟ قال:
قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم. وهذا الإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم، رواه عبد الوهاب ابن مندة في (الخفاف) عنه.
وقال: الشافعيّ أخبرنا إبراهيم بن محمد أنبأنا صفوان بن سليم، عن أبي مسلمة، عن أبي هريرة أنه قال: يا رسول اللَّه كيف نصلي عليك؟ يعني الصلاة في الصلاة. قال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم ثم تسلمون عليّ.
وإبراهيم هذا هو ابن محمد بن يحيى الأسلمي كان الشافعيّ يرى الاحتجاج به على هجره، وكان يقول: لأن يخبر من بعد أحب إليه من أن يكذب، وقد تكلم فيه مالك والناس، ورموه بالضعف والترك، وصرح بتكذيبه مالك وأحمد ويحيى ابن سعيد القطان ويحيى بن معين والنسائي، وقال ابن عقدة الحافظ:
نظرت في حديث إبراهيم بن أبي يحيى كثيرا فهو ليس بمنكر الحديث، وقال ابن عديّ: هو كما قال: ابن عقدة وقد نظرت أنا في حديثه الكثير فلم أجد فيه منكرا إلا عن شيوخ يحتلمون، يعنى أن يكون الضعف منهم ومن جهتهم، ثم قال ابن عديّ: وقد نظرت في أحاديثه ومحتوياتها.

(11/37)


وأما حديث بريدة بن الحصيب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه
فرواه الحسن بن شاذان، عن عبد اللَّه بن إسحاق الخراسانىّ حدثنا الحسين ابن مكرم، حدثنا يزيد بن هارون حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي داود عن بريدة قال: قلنا: يا رسول اللَّه قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا: اللَّهمّ اجعل صلواتك ورحمتك على محمد وعلى آل محمد كما جعلتهما على إبراهيم إنك حميد مجيد.
وأبو داود هذا هو نفيع بن الحارث أبو داود الأعمى الكوفي القاصّ، وقيل: اسمه نافع الهمدانيّ وقيل: الدارميّ السمعي مولاهم.
قال ابن معين: ليس بشيء وكان أحمد يقول: سمعت العبادلة ابن عمرو وابن عباس وابن الزبير ولم يسمع منهم شيئا، وقال الفلاس: كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثنا عن نفيع، وقال همام: قدم علينا أبو داود فجعل يقول:
حدثنا البراء بن عازب وزيد بن أرقم فقلنا لعبادة: إن أبا داود يحدثنا عن زيد ابن أرقم وعن البراء فقال: كذب إنما كان سائلا يتكفف الناس قبل طاعون الجارف، وقال البخاري: قاصّ يتكلمون، فيه، وقال السعدي: كذاب يتناول قوما من الصحابة بسوء، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال ابن عدي:
وهو من جملة الغالين بالكوفة.
قال كاتبه: وهو وإن كان متروكا كان مطروح الحديث، فالعمدة على ما تقدم ولا يضر إخراج حديثه في الشواهد دون الأصول.

(11/38)


وأما حديث عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه
فخرّج الحاكم في (المستدرك) [ (1) ] من حديث الليث بن سعد، عن خالد ابن يزيد عن سعيد بن أبي هلاك عن يحيى بن السباق، عن رجل من بنى الحارث، عن ابن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد.
ورواه البيهقيّ في (السنن) [ (2) ] هكذا
وقد اعترض على الحاكم في تصحيحه هذا الحديث فإن يحيى بن السباق وشيخه غير معروفين بعدالة ولا جرح.
وقد ذكر أبو حاتم ابن حبان يحيى بن السباق في كتاب (الثقات) [ (3) ] وقد رواه الدارقطنيّ في (السنن) [ (4) ] من حديث عبد الوهاب بن مجاهد بن أبي ليلى وأبو معمر قال: علمني ابن مسعود التشهد وقال: علمنيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كما كان يعلمنا السورة من القرآن: التحيات للَّه والصلوات والطيبات، السلام عليك
__________
[ (1) ]
(المستدرك) : 1/ 402، كتاب الصلاة، حديث رقم (991) ، ولفظه: ... حدثنا الليث، عن خالد بن بريدة، عن سعيد بن أبي هلال، عن يحيى بن السباق، عن رجل من بنى الحارث، عن ابن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، وارحم محمدا وآل محمد، كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم إنك حميد مجيد.
قال الحاكم: وأكثر الشواهد لهذه القاعدة لفروض الصلاة. وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : مرّ حديث فضالة، ثم ساقه وقال: على شروطها.
[ (2) ] (السنن الكبرى) : 2/ 379، كتاب الصلاة، باب وجوب الصلاة على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم.
[ (3) ] (الثقات) : 7/ 603، يروى عن رجل، عن ابن مسعود، روى عنه سعيد بن أبي هلال.
[ (4) ] (سنن الدارقطنيّ) : 1/ 354، باب ذكر وجوب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في التشهد، واختلاف الروايات في ذلك، حديث رقم (1) .

(11/39)


أيها النبيّ ورحمة اللَّه وبركاته، السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين، أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللَّهمّ صل على محمّد وعلى آل محمّد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد. اللَّهمّ صل علينا معهم، اللَّهمّ بارك على محمد وعلى أهل بيته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللَّهمّ بارك علينا معهم، صلوات اللَّه وصلوات المؤمنين على محمد النبيّ الأميّ، السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.
قال: وكان مجاهد يقول: إذا سلم فبلغ وعلى عباد اللَّه الصالحين فقد سلم على أهل السماء والأرض. ولهذا الحديث علتان:
إحداهما: أنه من رواية عبد الوهاب بن مجاهد بن جبر المكيّ، قال ابن معين: ليس ممن يكتب حديثه، ومرة قال: ليس بشيء، ومرة قال: ضعيف، وقال السعدي: غير مقنع، وقال ابن عدي: وعامة ما يرويه لا يتابع عليه.
والأخرى: أن ابن مسعود المحفوظ عنه في التشهد إلى أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا عبده ورسوله. ثم روي عنه موقوفا ومرفوعا فإذا قلت هذا فقد تمت صلاتك فإن شئت أن تقوم فقم، وأن تقعد فاقعد، والموقوف أشبه وأصح وقد روى ابن ماجة في (سننه) من حديث المسعودي عن عوف بن عبد اللَّه عن أبي فاختة عن الأسود بن يزيد، عن عبد اللَّه بن مسعود قال: إذا صليتم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأحسنوا الصلاة عليه فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه. قال: فقالوا له: فعلمنا. قال: قولوا: اللَّهمّ اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك إمام الخير وقائد الخير، ورسول الرحمة، اللَّهمّ ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون. اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

(11/40)


وأما حديث عبد الرحمن بن بشر بن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه
فقال إسماعيل بن إسحاق في كتابه: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد ابن زيد، عن أيوب عن محمد بن سيرين، عن عبد الرحمن بن بشر بن مسعود قال: قيل: يا رسول اللَّه أمرتنا أن نسلم عليك وأن نصلي عليك، فقد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: تقولون: اللَّهمّ صل على آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، اللَّهمّ بارك على آل محمد كما باركت على آل إبراهيم.
وحدثنا مسدد قال: حدثنا يزيد بن زريع حدثنا عون، عن محمد بن سيرين عن عبد الرحمن بن بشر بن مسعود فذكره: حدثنا نصر بن على حدثنا عبد الأعلى حدثنا هشام، عن محمد، عن عبد الرحمن بن بشر بن مسعود قال:
قلنا، أو قيل للنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: أمرنا أن نصلي عليك، قال: تقولون: اللَّهمّ صل على محمد كما صليت على آل إبراهيم.
فذكره بمثله سواء، وعبد الرحمن هذا معدود في الصحابة ويقال فيه:
ابن بشير بياء، قال ابن عبد البر: عبد الرحمن بن بشير، روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في فضل عليّ روى عنه الشعبيّ.
قال إسماعيل بن إسحاق: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة حدثنا سعيد الجريريّ، عن يزيد بن عبد اللَّه أنهم كانوا يستحبون أن يقولوا:
اللَّهمّ صل على محمد النبيّ الأميّ وعليه السلام.
حدثنا يحيى الحماني حدثنا هشيم، حدثنا أبو صالح حدثني يونس مولى بني هاشم قال: قلت: لعبد اللَّه بن عمرو أو ابن عمر كيف الصلاة على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال: اللَّهمّ اجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين وقائد الغر المحجلين، اللَّهمّ ابعثه يوم القيامة مقاما محمودا يغبطه الأولون والآخرون. وصل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.

(11/41)


حدثنا محمود بن خداش، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن أبي معشر، عن إبراهيم قال: قالوا: يا رسول اللَّه قد علمنا السلام عليك، فكيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد عبدك ورسولك وأهل بيته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد [ (1) ] .
حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا السري بن يحيى، قال: سمعت الحسن قال: لما نزلت إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ (2) ] قالوا: يا رسول اللَّه، هذا السلام قد عرفنا كيف هو، فكيف تأمرنا أن نصلي عليك؟ قال: تقولون: اللَّهمّ اجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم إنك حميد مجيد [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (مصنف ابن أبي شيبة) : 2/ 248، باب (786) الصلاة على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم كيف هي؟ حديث رقم (8635) ، (مسند أحمد) : 6/ 368، حديث رقم (21847) ، (سنن النسائيّ) : 3/ 54، كتاب السهو باب (50) كيف الصلاة على النبي، حديث رقم (1285) ، (1287) ، (1288) (1289) ، (1290) ، (1291) ، (1292) ، (1293) ، من طرق وسياقات مختلفة تشتمل على أحاديث الباب.
[ (2) ] الأحزاب: 56.
[ (3) ] (كنز العمال) : 1/ 496، حديث رقم (2186) ، وعزاه إلى الإمام أحمد عن بريدة، وضعفه.

(11/42)


الثالثة والثمانون من خصائص المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم: أن من صلّى عليه واحدة صلّى اللَّه عليه عشرا
خرّج مسلم [ (1) ] من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: من صلّى علي واحدة صلّى اللَّه عليه عشرا.
وخرجه أبو داود [ (2) ] والترمذي [ (3) ] والنسائي [ (4) ] وابن حبان [ (5) ] في (صحيحه) وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وفي بعض ألفاظه: من صلّى على مرة واحدة كتب له بها عشر حسنات. ذكره ابن حبان.
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 371، (كتاب الصلاة) ، باب (17) الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد التشهد،
قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: (من صلّى على واحدة صلّى اللَّه عليه عشرا) .
قال القاضي: معناه:
رحمته وتضعيف أجره كقوله تعالى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها قال: وقد يكون الصلاة على وجهها وظاهرها تشريفا بين الملائكة كما في الحديث
«وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم» .
[ (2) ] (سنن أبي داود) : 2/ 184، (كتاب الصلاة) ، باب (361) في الاستغفار، حديث رقم (1530) .
[ (3) ] (سنن الترمذي) : 2/ 355، (أبواب الصلاة) ، باب (21) ما جاء في فضل الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حديث رقم (485) ، وقال في الباب عن عبد الرحمن بن عوف، وعبد الرحمن بن ربيعة، وعمار بن ياسر، وأبي طلحة، وأنس بن مالك، وأبي بن كعب. قال أبو عيسى:
حديث أبو هريرة حديث حسن صحيح.
وروى عن سفيان الثوريّ وغير واحد من أهل العلم، قالوا: صلاة الرب الرحمة، وصلاة الملائكة الاستغفار.
[ (4) ] (سنن النسائيّ) : 3/ 58 (كتاب السهو) باب (55) الفضل في الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حديث رقم (1296) .
[ (5) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 3/ 185، كتاب الرقائق باب (9) الأدعية، ذكر حط الخطايا عن المصلي على المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم بها، حديث رقم (904) ، وإسناده صحيح.

(11/43)


وروى عبد اللَّه بن محمد المنقريّ، عن محمد بن حبيب. حدثنا ابن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل بن سعد الساعديّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: خرج علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فإذا أنا بأبي طلحة فقام إليه فتلقاه. فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه! إني أرى السرور في وجهك! قال: أجل، إنه أتانى جبريل آنفا فقال: يا محمد، من صلّى عليك مرة أو قال: واحدة كتب اللَّه بها عشر حسنات ومحا بها عنه عشر سيئات ورفع له بها عشر درجات. قال ابن حبيب: ولا أعلم إلا قال: وصلت عليه الملائكة عشر مرات.
وخرّج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث معشر، عن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن أبي طلحة الأنصاريّ، قال: أصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما طيب النفس يرى في وجهه البشر فقالوا: يا رسول اللَّه! أصبحت اليوم طيب النفس يرى في وجهك البشر، قال: أجل أتاني آت من ربي عز وجل وقال: من صلّى عليك من أمتك صلاة كتب اللَّه بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات ورد عليه مثلها.
ومن حديث أبي طلحة الأنصاريّ قال: «أصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما طيب النفس يرى في وجهه البشر، قالوا يا رسول اللَّه، أصبحت اليوم طيب النفس، يرى في وجهك البشر، قال: أجل، أتاني آت من ربي عز وجل فقال:
من صلّى عليك من أمتك صلاة كتب اللَّه له عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، ورد عليه مثلها» [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 3/ 538، حديث رقم (12587) من حديث أنس بن مالك، 4/ 160 حديث رقم (13343) ، 4/ 610، حديث رقم (15917) ، من حديث أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاريّ.
[ (2) ] (مسند أحمد) : 4/ 160، حديث رقم (15917) ، من حديث أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاريّ، وهذا الحديث سياقه مضطرب في (الأصل) ، وصوبناه من (المسند) .

(11/44)


رواه النسائيّ من حديث ابن المبارك وعفان، عن حماد، ورواه ابن حبان في (صحيحه) [ (1) ] من حديث حماد أيضا والنسائيّ [ (2) ] من حديث أبي سلمة وهو المغيرة بن مسلم الخراسانىّ عن أبي إسحاق، عن أنس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: من ذكرت عند فليصل عليّ ومن صلّى على مرة صلى اللَّه عليه عشرا.
ومن حديث يحيى بن آدم حدثنا يونس بن أبي إسحاق حدثني يزيد بن أبي مريم عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه سمعه يقول:
قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من صلّى على صلاة واحدة صلّى اللَّه عليه عشر صلوات، وحط عنه عشر سيئات، ورفعه بها عشرة درجات.
ورواه الإمام أحمد في (المسند) عن أبي نعيم عن يونس، وعليه ما أشار إليه النسائيّ في كتابه (الكبير) أن مخلد بن يزيد رواه عن يونس بن أبي إسحاق عن يزيد بن أبي مريم عن الحسن عن أنس.
وهذه العلة لا تقدح فيه شيئا لأن الحسن لا شك في سماعه عن أنس، وقد صح سماع يزيد بن أبي مريم أيضا من أنس هذا الحديث، فرواه ابن حبان في (صحيحه) والحاكم [ (3) ] في (المستدرك) من حديث يونس ابن أبي إسحاق، عن يزيد، عن أبي مريم قال: سمعت أنس بن مالك فذكره، ولعل يزيد سمعه من الحسن، ثم سمعه من أنس فحدث به على الوجهين، فإنه قال: كنت أزامل
__________
[ (1) ]
(الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 3/ 196، (كتاب الرقائق) ، باب (9) الأدعية، باب ذكر تفضل اللَّه جل وعلا على المسلم على رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم مرة واحدة يأمنه من النار عشر مرات، نعوذ باللَّه منها، حديث رقم (915) ولفظه عن عبد اللَّه بن أبي طلحة، عن أبيه قال:
خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو مسرور، فقال: «إن الملك جاءني فقال: يا محمد، إن اللَّه يقول:
أما ترضى ألا يصلي عليك عبد من عبادي صلاة إلا صليت عليه بها عشرا، ولا يسلم عليك تسليمة إلا سلمت عليه بها عشرا؟ قلت: بلى أي رب» .
[ (2) ] لم أجده في (المجتبى) ، ولعله في (الكبرى) .
[ (3) ] (المستدرك) : 2/ 456، كتاب التفسير، تفسير سورة الأحزاب حديث رقم (3575) ، وقال الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) : صحيح.

(11/45)


الحسن في محل فقال: حدثنا أنس بن مالك، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم:
فذكره.
ثم إنه حدث به عن أنس فرواه عنه كما تقدم. لكن ينبغي أن يقال:
يحتمل أن يكون هذا هو حديث أبي طلحة بعينه أرسل أنس عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ويدل على ما رواه إسماعيل بن إسحاق.
حدثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني أخي، عن سليمان بن بلال، عن عبيد اللَّه بن عمرو، عن ثابت البناني قال: قال أنس بن مالك قال أبو طلحة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج عليهم يوما يعرفون البشر في وجهه فقالوا: إنا نعرف الآن البشر في وجهك، فذكر حديث أبي طلحة المتقدم.
وروى ابن أبي عاصم، حدثنا الحسن بن البراء حدثنا شبابة حدثنا المغيرة عن أبي إسحاق عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: صلوا على فان الصلاة عليّ كفارة لكم، فمن صلّى عليّ صلّى اللَّه عليه.
وخرّج إسماعيل بن إسحاق من حديث القعنبيّ حدثنا سلمة بن وردان قال: سمعت أنس بن مالك قال: خرج علينا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يتبرز فلم يجد أحدا يتبعه ففزع عمر فاتبعه بمطهرة يعنى إداوة فوجده ساجدا فتنحى فجلس وراءه حتى رفع رأسه، قال: فقال: أحسنت يا عمر حين وجدتني ساجدا فتنحيت عني، إنّ جبريل أتاني فقال: من صلّى عليك واحدة صلّى اللَّه عليه عشرا، ورفعه عشر درجات.
وقال إسماعيل: حدثنا يعقوب بن حمد، حدثنا أنس بن عياض بن سلمة ابن وردان، حدثنا مالك بن أوس بن الحدثان، عن عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: خرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يتبرز فاتبعته بإداوة من ماء فوجدته ساجدا، فتنحيت عنه، فلما رفع رأسه قال: أحسنت يا عمر حين تنحيت عني، إن جبريل أتاني فقال: من صلّى عليك صلاة صلّى اللَّه عليه عشرا، ورفعه عشر درجات.

(11/46)


فإن قيل: هذا الحديث الثاني علة للحديث الأول لأن سلمة بن وردان أخبر أنه سمعه من مالك بن أوس بن الحدثان. قيل: ليس بعلة له، فقد سمعه سلمة بن وردان منهما.
قال أبو بكر الإسماعيلي في كتاب (مسند عمر) : وحدثني عبد الرحمن ابن عبد اللَّه، أخبرنا أبو موسى القروي، حدثني أبو ضمرة، عن حمزة، عن سلمة بن وردان قال: سمعت أنس بن مالك يقول: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومعه عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بإداوة ومجارة، فوجده قد فرغ، ووجده ساجدا فتنحى عمر. وذكر الحديث.
حدثنا عمران بن موسى، حدثنا ابن كاسب، حدثنا أنس بن عياض، عن سلمة بن وردان حدثني مالك بن أوس بن الحدثان، عن عمرو حدثني أنس ابن مالك ثم ساقه من حديث الفضل بن دكين. حدثنا سلمة بن وردان سمعت أنس بن مالك ومالك بن أوس بن الحدثان وذكره.
وقال ابن شاهين: حدثني العباس بن المغيرة، حدثنا عبد اللَّه بن ربيعة قال: سمعت عبد اللَّه بن شريك عن عاصم بن عبد اللَّه بن عاصم، عن عبد اللَّه ابن عامر بن ربيعة، عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: من صلّى علي صلاة صلّى اللَّه عليه عشرا، فليقلّ عبد عليّ أو ليكثر [ (1) ] .
وخرّج الطبرانيّ من حديث عمر بن الربيع بن طارق حدثنا يحيى بن أيوب حدثني عبيد اللَّه بن عمر عن الحكم بن عتيبة، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود بن يزيد عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: خرج علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لحاجته فلم يجد أحدا يتبعه ففزع عمر فأتاه بمطهرة من خلفه، فوجد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ساجدا فتنحى عنه من خلفه، حتى رفع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رأسه وقال: أحسنت يا عمر حين وجدتني ساجدا فتنحيت عني، إن جبريل أتانى فقال:
من صلّى عليك من أمتك واحدة صلّى اللَّه عليه عشرا، ورفعه بها عشر درجات.
__________
[ (1) ] راجع التعليق التالي.

(11/47)


قال الطبرانيّ لم يروه عن عبيد اللَّه إلا يحيى بن أيوب، تفرد به عمرو ابن طارق.
وخرّج الإمام أحمد من حديث شعبة، عن عاصم بن عبد اللَّه قال:
سمعت عبد اللَّه بن عامر بن ربيعة يحدث عن أبيه قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخطب ويقول من صلّى عليّ صلاة لم تزل الملائكة تصلي عليه فليقلّ عبدا من ذلك أو ليكثر [ (1) ] .
ورواه ابن ماجة عن شعبة [ (2) ] ، ورواه عبد الرزاق، عن عبد اللَّه بن عمر العمرى، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن عبد اللَّه بن عامر، عن أبيه، ولفظه: من صلّى عليّ صلاة صلّى اللَّه عليه [عشرا] فأكثروا أو أقلوا.
وعاصم بن عبيد اللَّه ابن عاصم بن عمر بن الخطاب وعبيد اللَّه بن عمر العمريّ
وإن كان حديثهما فيه بعض الضعف، فرواية هذا الحديث من هذين الوجهين المختلفين يدل على أنه له أصلا، وهذا لا ينزله عن وسط درجات الحسن.
وخرّج [الإمام] أحمد من حديث ليث عن يزيد بن جهاد عن عمرو بن أبي عمرو، عن أبي الحويرث، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن عبد الرحمن بن عوف- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فاتبعته حتى دخل مدخلا، فسجد فأطال السجود، حتى خفت أو خشيت أن يكون اللَّه قد توفاه أو قبضه، قال: فجئت انظر فرفع رأسه فقال: مالك يا عبد الرحمن قال: فذكرت ذلك له فقال: إنّ جبريل عليه السّلام قال لي: ألا أبشرك أن اللَّه عز وجل يقول لك: من صلّى عليك صليت عليه ومن سلّم عليك سلمت عليه.
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 4/ 483- 484، حديث رقم (15253) .
[ (2) ] (سنن ابن ماجة) : 1/ 294، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها باب (25) الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (907) ، قال في (الزوائد) : إسناده ضعيف، لأن عاصم بن عبيد اللَّه، قال في البخاريّ وغيره: منكر الحديث.

(11/48)


وخرّجه أيضا من حديث سليمان بن بلال، حدثنا عمرو بن أبي عمرو، عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن عوف، عن عبد الرحمن فذكره.
وقال فيه: فسجدت للَّه شكرا [ (1) ] .
وخرّجه الحاكم في (المستدرك) [ (2) ] من طريق سليمان بن بلال، عن عمرو وقال: صحيح الإسناد.
ورواه ابن أبي الدنيا عن يحيى بن جعفر. حدثنا زيد بن الحباب أخبرني موسى بن عبيده، أخبرني قيس بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن سعد ابن إبراهيم عن أبيه عن جده عبد الرحمن بن عوف قال: سجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سجدة أطال فيها. فقلت له في ذلك فقال: إني سجدت هذه السجدة شكرا للَّه عز وجل فيما أبلانى في أمتى فإنه من صلّى عليّ صلاة صلّى اللَّه عليه بها عشرا.
وموسى بن عبيدة وإن كان في حديثه بعض الضعف فهو شاهد لما تقدم.
وقال: عثمان بن أبي شيبة: حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا سليمان بن بلال، حدثنا عمرو بن أبي عمرو، عن عاصم بن عمرو بن قتادة، عن عبد الواحد بن محمد بن عبد الرحمن بن عوف أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لقيني جبريل وبشرنى أن اللَّه عز وجل يقول لك: من صلّى عليك صلاة صليت عليه، ومن سلّم عليك سلمت عليه، فسجدت لذلك.
وخرّج النسائي من حديث أبي أسامة، عن سعيد بن سعيد، عن سعيد ابن عمير عن عمه أبي بردة بن نيار قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من صلّى عليّ من أمتي صلاة مخلصا من قلبه صلّى اللَّه عليه بها عشر صلوات، ورفعه بها عشر درجات، وكتب له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، وقد أعلّ هذا الحديث بأن وكيعا رواه، عن سعيد بن أبي سعيد، عن سعيد بن عمير الأنصاري، عن أبيه وكان بدريا، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلى عليّ، فذكره.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (1666) .
[ (2) ] (المستدرك) : 1/ 735، كتاب الدعاء والتكبير والتهليل والتسبيح والذكر، حديث رقم (2019) وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح.

(11/49)


وقال النسائيّ: أنبأنا الحسين بن حريث، حدثنا وكيع فذكر قصة اختلاف أبي أسامة ووكيع، قال الحافظ أبو قريش محمد بن زرعة: سألت أبا زرعة يعنى الراويّ عن اختلاف هذين الحديثين فقال: حديث أبي أسامة أتم.
وخرّج الطبراني في (المعجم الكبير) من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو أسامة، عن سعيد بن أبي سعيد بن أبي الصباح، حدثنا سعيد بن عمير بن عقبة بن نيار الأنصاريّ، عن عمه أبي بردة بن نيار فذكروه.
ورواه بن أبي عاصم في كتاب (الصلاة على النبيّ) صلّى اللَّه عليه وسلّم، عن أبي بكر ابن أبي شيبة عن أبي أسامة، عن سعيد بن أبي سعيد به، وروى الحافظ أبو نعيم من طريق أبي مالك عبد الملك بن حسين، عن عاصم بن عبيد اللَّه عن القاسم بن محمد عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من صلّى عليّ صلاة صلت عليه الملائكة فليكثر عبد أو ليقل.
وخرّج أبو داود في (سننه) من حديث ابن وهب، عن ابن لهيعة وسعيد بن أيوب، عن كعب بن علقمة، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا على، فإنه من صلّى عليّ صلاة صلى اللَّه عليه عشرا، ثم سلوا لي الوسيلة فإنّها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد اللَّه، وأرجو أن أكون أنا هو، فإن من سأل اللَّه لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة [ (1) ] . وخرجه مسلم [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (سنن أبي داود) : 1/ 359، كتاب الصلاة، باب (36) ، ما يقوله إذا سمع المؤذن، حديث رقم (523) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 328، كتاب الصلاة، باب (7) استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه، ثم يصلي على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم يسأل اللَّه له الوسيلة، حديث رقم (384) .
وأخرجه النسائيّ في (السنن) : 2/ 354، (كتاب الأذان) ، باب (37) الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حديث رقم (677) .
وأخرجه الترمذيّ في (السنن) : 5/ 547، (كتاب المناقب) عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، باب (1) في فضل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (3614) ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح

(11/50)


وذكر عبد اللَّه بن أحمد من طريق ابن لهيعة عن عبد اللَّه بن هبيرة عن عبد اللَّه، وفي نسخة عبد الرحمن بن شريح الخولانيّ قال: سمعت أبا قيس مولى عمرو بن العاص يقول: سمعت عبد اللَّه بن عمرو يقول: من صلى على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلاة صلى اللَّه عليه وملائكته بها سبعين صلاة فليقلّ من ذلك أو ليكثر. كذا رواه موقوفا.
وذكره أبو نعيم، عن أحمد بن جعفر، عن عبد اللَّه عن أبيه، وقال عبد الباقي بن قانع: حدثنا أحمد بن محمد بن عبد اللَّه بن صالح بن شيخ بن عميرة قال: حدثني محمد بن هاشم حدثنا محمد بن ربيعة الكلابي، عن أبي الصباح البهزيّ حدثني سعيد بن عمير عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلّى عليّ صادقا من نفسه صلّى اللَّه عليه عشر صلوات، ورفعه عشر درجات، وكتب له بها عشر حسنات.
وروى إسماعيل بن إسحاق من طريق العوام بن حوشب حدثني رجل من بنى أسد، عن عبد الرحمن بن عمرو، قال: من صلّى على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم كتب اللَّه له عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات.
ومن طريق سفيان، عن يعقوب بن زيد بن طلحة التيمي قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أتاني آت من ربي فقال: ما من عبد يصلي عليك صلاة إلا صلى اللَّه عليه بها عشرا [ (1) ] ، فقام إليه رجل فقال: يا رسول اللَّه، أجعل لك نصف دعائي؟ قال: إن شئت، قال: أجعل ثلثي دعائي لك؟ قال: إن شئت، قال: أجعل دعائي لك كله؟ قال: يكفيك اللَّه همّ الدنيا وهمّ الآخرة،
فقال شيخ كان بمكة يقال له منيع لسفيان: عمن أسنده؟ قال: لا أدري.
__________
[ () ] قال محمد: عبد الرحمن بن جبير هذا قرشيّ مصريّ مدنيّ، وعبد الرحمن بن جبير بن نفير شاميّ قرشيّ.
[ (1) ] (تفسير ابن كثير) : 3/ 518، تفسير سورة الأحزاب.

(11/51)


الرابعة والثمانون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنه من صلّى عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم غفر ذنبه
روى محمد بن موسى، عن الأصمعيّ، حدثني محمد بن مروان السديّ، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلّى عليّ عند قبري وكل اللَّه به ملكا يبلغني وكفي أمر دنياه وآخرته، وكنت له يوم القيامة شهيدا أو شفيعا [ (1) ] .
ومحمد بن موسى ابن يونس بن موسى الكديمي متروك الحديث.
وقال: عبد اللَّه بن حميد في (مسندة) : حدثنا قبيصة بن عقبة حدثنا سفيان، عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل، عن ابن الطفيل بن أبي بن كعب، عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا ذهب ربع الليل قام فقال: يا أيها الناس اذكروا اللَّه، جاءت الراجفة، تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه. قال أبي بن كعب: قلت: يا رسول اللَّه إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟
قال: ما شئت، قلت: الربع قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك، قلت:
الثلثين؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك، قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذا تكفي همك ويغفر لك ذنبك [ (2) ] .
__________
[ (1) ]
(شعب الإيمان) : 2/ 218، الخامس عشر من شعب الإيمان وهو باب في تعظيم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وإجلاله وتوقيره صلّى اللَّه عليه وسلّم حديث رقم (1583) ، ولفظه: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من صلّى عليّ عند قبري وكل بهما ملك يبلغني وكفي بها أمر دنياه وآخرته وكنت له شهيدا أو شفيعا، هذا اللفظ حديث الأصمعي
وفي رواية الحنفي قال: عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: من صلّى علي عند قبري سمعته ومن صلّى عليّ نائيا أبلغته.
[ (2) ]
قال الحافظ ابن كثير: حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل عن ابن الطفيل ابن أبيّ بن كعب عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم «جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه» فقال رجل يا رسول اللَّه أرأيت إن جعلت صلاتي كلها عليك؟ قال «إذا يكفيك اللَّه ما أهمك من دنياك وآخرتك. (تفسير ابن كثير) : 4/ 498، تفسير سورة النازعات.

(11/52)


وخرجه الإمام أحمد، عن وكيع، عن سفيان به [ (1) ] .
وخرجه الترمذي [ (2) ] ، عن هناد، عن قبيصة وقال: حسن صحيح.
وخرجه الحاكم في (المستدرك) [ (3) ] وقال: صحيح.
وعبد اللَّه بن محمد بن عقيل [ (4) ] احتج به الأئمة الكبار كالحميدي وأحمد وإسحاق وغيرهم، والترمذي تارة يصحح هذا الحديث وتارة يحسنه.
وسئل شيخ الإسلام تقيّ الدين أبو العباس بن تيمية رحمه اللَّه، عن تفسير هذا الحديث فقال: كان لأبيّ بن كعب دعاء يدعو به لنفسه فسأل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم هل يجعل له منه ربع صلاة عليه. فقال: إن زدت فهو خير لك، فقال له: النصف. فقال: إن زدت فهو خير لك. إلى أن قال: أجعل صلاتي كلها أي أجعل دعائي صلاة عليك؟ قال: إذا تكفي همك، ويغفر ذنبك، لأن من صلى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم صلاة صلى اللَّه عليه بها عشرا، ومن صلّى اللَّه عليه كفاه همه، وغفر له ذنبه.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) .
[ (2) ] (سنن الترمذيّ) : 4/ 549، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب (23) ، حديث رقم (2457) . قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
[ (3) ] (المستدرك) : 2/ 457، كتاب التفسير، تفسير سورة الأحزاب، حديث رقم (3578) ، وقال الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) : صحيح.
[ (4) ] هو عبد اللَّه بن محمد بن عقيل بن أبي طالب الهاشميّ أبو محمد المدني وأمه زينب الصغرى بنت عليّ.

(11/53)


الخامسة والثمانون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أن الدعاء يتوقف إجابته حتى يصلي عليه وأن العبد مأمور أن يصلي عليه في دعائه
روى الحسن بن عرفة، عن الوليد بن بكر، عن سلام الخراز، عن أبي إسحاق السبيعيّ، عن الحارث الأعور، عن عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ما من دعاء إلا بينه وبين السماء والأرض حجاب حتى يصلي على محمد، فإذا صلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم انخرق الحجاب واستجيب الدعاء، وإذا لم يصل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يستجب الدعاء [ (1) ] .
لكن قال شعبة والعجليّ: لم يسمع أبو إسحاق السبيعيّ من الحارث إلا أربعه أحاديث، فعدها، لم يذكر هذا منها، وقد ثبت، عن ابن إسحاق وقفه على عليّ، ومع هذا فالحارث بن عبد اللَّه الهمدانيّ الأعور، قال الشعبيّ: كان كاذبا، وقال ابن معين: ضعيف، وقال مرة: ليس به بأس، وقال ابن عدي: وعامة ما يرويه ليس بمحفوظ.
وخرّج الإمام أحمد [ (2) ] من طريق حيوة بن شريح قال: أخبرنى هانئ بن حميد بن هانئ أن أبا عليّ عمرو بن مالك حدثه أنه سمع فضالة بن عبيد صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رجلا يدعو في صلاته لم يحمد اللَّه ولم يصل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: عجل هذا، ثم دعاه فقال له أو لغيره: إذا صلّى أحدكم فليبدأ بحمد اللَّه والثناء عليه ثم يصلي على النبيّ ثم يدعو ربه بما شاء.
__________
[ (1) ] (كنز العمال) : 2/ 88، حديث رقم (3270) ، وعزاه إلى الديلميّ عن عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
[ (2) ] (مسند أحمد) : 7/ 312، حديث رقم (23419) من مسند فضالة بن عبيد الأنصاري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.

(11/54)


وخرجه أبو داود [ (1) ] ، والنسائيّ [ (2) ] ، والترمذيّ [ (3) ] وقال: حديث صحيح.
وخرجه ابن ماجة في (سننه) .
وخرجه الترمذيّ [ (4) ] في (جامعه) من حديث النضر بن شميل، عن أبي قرة الأسديّ، عن سعيد بن المسيب، عن عمر رضيّ اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك. هكذا رواه موقوفا.
وكذلك رواه الإسماعيليّ في (مسند عمر) من حديث النضر أتم من هذا فقال: أخبرنى الحسن حدثنا محمد بن قدامة وإسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا النضر، عن أبي قرة سمعت سعيد بن المسيب يقول: قال عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: ما من امرئ مسلم يأتى فضاء من الأرض فيصلي فيه الضحى ركعتين، يقول: اللَّهمّ أصبحت عبدك على عهدك ووعدك، خلقتني ولم أك شيئا. أستغفرك لذنبي فإنّي قد أرهقتنى ذنوبي، وأحاطت بى إلا أن تغفرها فاغفر لي يا رحمان، إلا غفر اللَّه له في ذلك المقعد ذنبه وإن كان
__________
[ (1) ] (سنن أبي داود) : 2/ 162، كتاب الصلاة، باب (358) الدعاء، حديث رقم (1481) .
[ (2) ] (سنن النسائي) : 3/ 51- 52، كتاب السهو، باب (48) التمجيد والصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الصلاة، حديث رقم (1283) وإسناده صحيح.
[ (3) ]
(سنن الترمذي) : 5/ 482- 483، كتاب الدعوات، باب (65) بدون ترجمة، حديث رقم (3476) ، وفيه: «عجلت أيها المصلى» ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، رواه حيوة بن شريح، عن أبي هانئ، وأبو هانئ اسمه حميد بن هانئ، وأبو على الجنبي اسمه عمرو بن مالك.
وحديث رقم (3477) ، وفيه: «عجل هذا» .
وقال أبو عيسى: هذا حديث صحيح.
[ (4) ] (تحفة الأحوذي) : 2/ 498. كتاب أبواب الوتر، باب (347) ما جاء في فضل الصلاة على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (484) .

(11/55)


مثل زبد البحر [ (1) ] . وقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: ذكر لي أن الدعاء يكون بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك. وقال: قال عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: ذكر لي أن الأعمال تتباهى فتقول الصدقة: أنا أفضلكن. وقال عمر: ما من امرئ يتصدق بزوجين من ماله إلا ابتدرته حجب الجنة [ (2) ] ، قال الإسماعيلي:
الأول: في صلاة الضحى موقوف، وكذلك الصدقة بزوجين من ماله موقوف.
والثاني: سواء يريد به حديث الصلاة وحديث تباهي الأعمال يحتمل الرفع، ويحتمل الوقف على السواء.
وقد روى حديث الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من حديث معاذ بن الحارث، عن أبي قرة مرفوعا لكنه لا يثبت، والموقوف أشبه.
وقال: أحمد بن عمرو ابن أبي عاصم حدثنا أحمد بن عصام حدثنا أبو عاصم، عن موسى بن عبيدة، عن إبراهيم بن محمد، عن أبيه، عن جابر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تجعلوني كقدح الراكب إن الراكب يملأ قدحه فإذا
__________
[ (1) ] (كنز العمال) : 8/ 399، صلاة الضحى، حديث رقم (23431) ، وعزاه إلى ابن راهويه، وابن أبي الدنيا في (الدعاء) ، قال البوصيري في (زوائده) : في سنده أبو قرة الأسدي، قال فيه ابن خزيمة: لا أعرفه بعدالة ولا جرح، وباقي رجال الإسناد رجال الصحيح.
[ (2) ]
(شعب الإيمان) : 7/ 133، باب في الصبر على المصائب حديث رقم (9748) من حديث هشام- يعنى ابن حسان-، عن الحسن، عن صعصعة بن معاوية قال: لقيت أبا ذر يقود حملا له أو يسوقه في عنقه قربة. فقلت: يا أبا ذر مالك؟ قال لي: عملي. قال: قلت: يا أبا ذر ما مالك؟ قال لي: عملي ثلاث مرات قال: قلت: ألا تحدثني شيئا سمعته من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: «ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهم اللَّه الجنة بفضل رحمته إياهم، «وما من مسلم أنفق زوجين في سبيل اللَّه إلا ابتدرته حجبة الجنة» ، وفي بعض النسخ «حجب الجنة» .

(11/56)


فرغ وعلق معاليقه فإن كان فيه ماء مرت حاجته أو للوضوء توضأ، وإلا أهراق القدح فاجعلوني في أول الدعاء، أو في أوسطه، ولا تجعلوني آخره [ (1) ] .
قال الطبراني حدثنا إسحاق الديري حدثنا عبد الرزاق، عن الثوري، عن موسى بن عبيد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبيه، عن جابر فذكر مثله إلا أنه قال: فأجعلوني في أول الدعاء، وفي أوسطه، وفي آخره.
وخرّج الحافظ أبو موسى المديني من حديث سعيد بن معروف، عن عمرو بن قيس أو ابن أبي قيس، عن أبي الجوزاء، عن عبد اللَّه بن عمر قال: من كان له إلى اللَّه حاجة فليصم الأربعاء والخميس والجمعة، فإذا كان يوم الجمعة تطهر وراح إلى المسجد، فتصدق بصدقة قلت أو كثرت، فإذا صلى الجمعة قال: اللَّهمّ إني أسألك باسمك، بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم، الّذي لا إله إلا هو الحي القيوم، الّذي لا تأخذه سنة ولا نوم، الّذي ملأت عظمته السموات والأرض، الّذي عنت له الوجوه، وخشعت له الأصوات، ووجلت القلوب من خشيته، أن تصلى على محمد، وأن تعطيني حاجتي وهي كذا.
فإنه يستجاب له إن شاء اللَّه قال: وكان يقول: لا تعلموه سفهاءكم، لا يدعو بإثم أو قطيعة [ (2) ] .
وخرّج الترمذي من طريق عبد اللَّه بن بكر التميمي، عن فائد بن عبد الرحمن، عن عبد اللَّه بن أبي أو في قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من كانت له إلى اللَّه أو إلى أحد من بنى آدم حاجة، فليتوضّأ وليحسن الوضوء، ثم ليصل
__________
[ (1) ]
(كنز العمال) : 1/ 509، حديث رقم (2253) وعزاه إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد وضعفه، عن جابر، (المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية) : 3/ 222، كتاب الأذكار والدعوات، كتاب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (3316) ولفظه «لا تجعلوني كقدح الراكب إن الراكب إذا علق معاليقه أخذ قدحه فملأه من الماء، فإن كان له حاجة في الوضوء توضأ، وإن كانت له حاجة في الشرب شرب، وإلا أهراق ما فيه، اجعلوني في أول الدعاء، وفي وسط الدعاء، وفي آخر الدعاء.
[ (2) ] لم أجده بهذه السياقة، وقد أخرجه ابن ماجة في (السنن) في صلاة الحاجة بلفظ وسند آخر، وكذلك الترمذيّ كما سيأتي.

(11/57)


ركعتين، ثم ليثن على اللَّه، وليصل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم ليقل: لا إله إلا اللَّه الحليم الكريم، سبحان اللَّه رب العرش العظيم، الحمد للَّه رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، لا تدع لي ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين.
قال الترمذيّ [ (1) ] : هذا حديث غريب وفي إسناده مقال، وفائد بن عبد الرحمن ضعيف الحديث، وقال ابن معين: ضعيف. وقال أبو حاتم بن حبان:
كان ممن يروي المناكير، عن المشاهير، ويأتي عن ابن أبي أوفى بالمعضلات، لا يجوز الاحتجاج به، وقال ابن عدي: وهو مع ضعفه يكتب حديثه.
وقد خرجه الحاكم في (المستدرك) وقال: إنما خرجته شاهدا، وفائد مستقيم الحديث، كذا قيل.
__________
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 2/ 344، أبواب الصلاة، باب (148) ما جاء في صلاة الحاجة، حديث رقم (479) .
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 1/ 441، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب (189) ما جاء في صلاة الحاجة، حديث رقم (1384) .
وأخرجه أيضا أبو عبد اللَّه الحاكم في (المستدرك) : 1/ 466، كتاب صلاة التطوع، حديث رقم (1199) ، قال الحاكم: فائد بن عبد الرحمن أبو الورقاء كوفي، عداده في التابعين وقد رأيت جماعة من أعقابه، وهو مستقيم الحديث، إلا أن الشيخين لم يخرجا عنه، وإنما جعلت حديثه هذا شاهدا لما تقدم. وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : بل متروك، يعنى فايد أبو الوراق العطار.

(11/58)


السادسة والثمانون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أن صلاة أمته تبلغه في قبره وتعرض عليه صلاتهم وسلامهم
خرّج أبو داود من طريق أحمد بن صالح قال: قرأت على عبد اللَّه بن نافع قال: أخبرني ابن أبي ذئب، عن سعيد بن سعيد، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا على فإن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم.
وخرّج أبو الشيخ في كتاب (الصلاة على النبيّ) صلّى اللَّه عليه وسلّم من طريق الحسن ابن الصباح، حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلّى عليّ عند قبري سمعته، ومن صلّى عليّ من بعيد علمته، وهذا الحديث غريب جدا.
وقد خرجه البيهقيّ من حديث العلاء بن عمرو الجعفيّ: حدثنا أبو عبد الرحمن- هو محمد بن مروان السدي- عن الأعمش.
وخرّج الطبرانيّ من حديث عبد اللَّه بن محمد العمريّ، حدثنا أبو مصعب حدثنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما من مسلم سلّم عليّ في شرق الأرض ولا غربها، إلا أنا وملائكة ربي نردّ عليه الصلاة والسلام، فقال له قائل: يا رسول اللَّه! فما بال أهل المدينة؟ قال: [كفؤ] [ (1) ] كريم في جيرانه إنه مما أمر به حفظ الجوار.
قال الأعمش: هذا وضعه العمريّ.
وروى النسائي [ (2) ] من طريق سفيان، عن عبد اللَّه بن السائب، عن زاذان، عن عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبي
__________
[ (1) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (الأصل) . ولعل ما أثبتناه يناسب السياق.
[ (2) ] (سنن النسائي) : 3/ 50، كتاب السهو، باب (46) السلام على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم.
حديث رقم (1281) ، قوله: «سياحين» صفة الملائكة، يقال ساح في الأرض يسيح سياحة، إذا ذهب فيها، وأصله من السبح، وهو الماء الجاري المنبسط على الأرض والسيّاح

(11/59)


صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إن للَّه ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتى السلام. وذكره ابن حبان في (صحيحه) [ (1) ] .
وخرّج الإمام أحمد [ (2) ] من طريق حسين بن على الجعفي، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبي الأشعث الصنعانيّ، عن أوس بن أبي أوس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة. فأكثروا من الصلاة عليّ فيه، فإن صلاتكم معروضة عليّ. قالوا: يا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت، يعنى وقد بليت؟ فقال: إن اللَّه عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء.
ورواه أبو داود [ (3) ] والترمذي [ (4) ] والنسائي [ (5) ] ثلاثتهم من طريق حسين الجعفي، وكذلك خرجه ابن حبان [ (6) ] في (صحيحه) والحاكم في (مستدركه) [ (7) ]
__________
[ () ] بالتشديد كالعلاء، مبالغة منها.
قوله: «يبلغوني»
من الإبلاغ أو التبليغ، وفيه حث على الصلاة والسلام عليه وتعظيم له صلّى اللَّه عليه وسلّم وإجلاله لمنزلته، حيث سخر الملائكة الكرام لهذا الشأن الفخم. (وحاشية السندي على سنن النسائي) .
[ (1) ] (الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان) : 3/ 195، كتاب الرقائق، (9) الأدعية، ذكر البيان بأن سلام المسلم على المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم يبلغ إياه ذلك في قبره، حديث رقم (914) ، وقال ك إسناده صحيح، رجاله رجال الصحيح، وعبد اللَّه بن السائب هو الشيبانيّ الكندي.
[ (2) ] (مسند أحمد) : 4/ 577، حديث رقم (15729) ، من حديث أوس بن أبي أوس الثقفيّ.
[ (3) ] (سنن أبي داود) كتاب الصلاة، باب تفريع أبواب الجمعة (207) باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة، حديث رقم (1047) ، قال الخطابي: «أرمت» معناه بليت، وأصله أرممت أي صرت رميما، فحذفوا إحدى الميمين، وهي لغة لبعض العرب، كما قالت: ظلت، وقد غلط في هذا بعض من يفسر القرآن برأيه، ولا يعبأ بقول أهل التفسير، ولا يعرج عليهم لجهله، فقال: إن قوله تعالى: فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ [الواقعة 65] . من ظال يظال، وهذا شيء اختلفه من قبل نفسه لم يسبق إليه. (معالم السنن) ، مختصرا.
وأخرجه أيضا في كتاب الصلاة، باب (361) في الاستغفار، حديث رقم (1531) . -

(11/60)


وقد أعل بعض الحفاظ هذا الحديث، بأن حسين الجعفيّ حدث به عن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبي الأشعث، عن أوس، قال: ومن تأمل هذا الإسناد لم يشك في صحته لثقة رواته وشهرتهم، وقبول الأئمة أحاديثهم، وعلته أن حسين الجعفيّ لم يسمع من عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، فلما حدث به حسين غلط في اسم الجد فقال: ابن جابر، وقد بين ذلك الحفاظ ونبهوا عليه، قال البخاري في (التاريخ الكبير) [ (1) ] : عبد الرحمن بن يزيد بن تميم السلمىّ [ (2) ] ، عن مكحول سمع منه الوليد بن مسلم، عنده مناكير ويقال: هو الّذي روى عنه أبو أسامة وحسين الجعفي، وقال: هو ابن جابر وغلطا في نسبه، ويزيد بن تميم أصح، وهو ضعيف الحديث.
__________
[ () ] (4)
(سنن الترمذي) : 2/ 359، أبواب الصلاة، أبواب الجمعة، باب (353) ما جاء في فضل يوم الجمعة، حديث رقم (488) ، ولفظه: «خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ... » ،
ثم قال الترمذي: وفي الباب عن أبي لبابة، وسلمان، وأبي ذر، وسعد بن عبادة، وأويس بن أوس، قال: أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح.
[ (5) ] (سنن النسائي) : 3/ 101- 102، كتاب الجمعة، باب (5) إكثار الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الجمعة، حديث رقم (1373) .
[ (6) ] (الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان) : 3/ 190- 191، كتاب الرقائق، باب (9) الأدعية، ذكر البيان بأن صلاة من صلّى على المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم من أمته تعرض عليه في قبره، حديث رقم (910) .
[ (7) ] (المستدرك) : 1/ 413، كتاب الجمعة، حديث رقم (1029) ، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري.
[ (1) ] (التاريخ الكبير) : 5/ 365، ترجمة رقم 1156، وهو الرحمن بن يزيد بن تميم المسلمي الشامىّ، عن مكحول، سمع منه الوليد بن مسبم، عنده مناكير، ويقال: هو روى عنه أهل الكوفة، أبو أسامة وحسين، فقالوا: عبد الرحمن بن يزيد بن جابر.
[ (2) ] في (الأصل) : «الشامي» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) .

(11/61)


[وقال الخطيب: روى الكوفيون أحاديث عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، ووهموا في ذلك، فالحمل عليهم في تلك الأحاديث، ولم يكن غير ابن تميم الّذي أشار عمرو بن عليّ، وأما ابن جابر فليس في حديثه منكر، واللَّه تبارك وتعالى أعلم. حدّثت عن دعلج بن أحمد، قال: قال موسى بن هارون: روى أبو أسامة، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وإنما لقي عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، فظن أنه ابن جابر، وابن جابر ثقة، وابن تميم ضعيف] ، وأجيب عن هذا التعليل بأن حسين بن علي الجعفي قد صرح بسماعه له من عبد الرحمن بن يزيد بن جابر.
قال ابن حبان في (صحيحه) : حدثنا ابن خزيمة، حدثنا ابن كريب، حدثنا حسين بن علي، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر فصرح بالسماع منه، وقوله: أنه ابن جابر وإنما هو ابن تميم فغلط في اسم جده فإنه قول بعيد فإنه لم يكن يشتبه على حسين بهذا مع نقضه وعلمه بها وسماعه منهما، فإن قيل: فقد قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب (العلل) سمعت أبي يقول: عبد الرحمن بن يزيد بن جابر لا أعلم أحدا من أهل العراق يحدث عنه، والّذي عندي أن الّذي يروي عنه أبو أسامه وحسين الجعفيّ واحد، وهو عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، لأن أبا أسامة روى عن عبد الرحمن بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامه خمسة أحاديث أو ستة أحاديث منكرة، لا يحتمل أن يحدث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بمثلها، ولا أعلم أحدا من أهل الشام روى عن ابن جابر من هذه الأحاديث شيئا، وأما
حسين الجعفي فإنه روى عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبي الأشعث، عن أوس بن أوس، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في يوم الجمعة، وفيه الصاعقة، وفيه النفخة وفيه كذا،
وهو حديث منكر لا أعلم أحدا رواه غير حسين الجعفي، وأما عبد الرحمن بن جابر ثقة. تم كلامه.
قيل: قد تكلم في سماع حسين الجعفيّ وأبي موسى من ابن جابر فأكثر الحديث، هل أنكروا سماع أبي أسامة منه؟ قال الحافظ أبو الحجاج المزيّ في (تهذيب الكمال) : قال ابن نمير وذكر أبا أسامة فقال: الّذي يروى عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر نرى أنه ليس بابن جابر المعروف، ذكر لي أنه رجل

(11/62)


يسمى بابن جابر، قال يعقوب: وكأني رأيت ابن نمير يتهم أبا اسامة أنه علم ذلك وعرف، ولكن تفاضل عن ذلك.
قال: وقال لي ابن نمير: ألا ترى روايته لا تشبه سائر أحاديثه الصحاح التي روى عنه أهل الشام وأصحابه؟ وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت محمد بن عبد الرحمن بن أخي حسين الجعفيّ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بعد ذلك بدهر، فالذي يحدث عنه أبو أسامة ليس هو ابن جابر وهو ابن تميم.
وقال ابن أبي داود: سمع أبو اسامة من ابن المبارك، عن ابن جابر، وجميعا يحدثان عن مكحول، وابن جابر أيضا دمشقيّ، فلما قدم هذا قال:
أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد الدمشقيّ وحدث عن مكحول، فظن أبا أسامة أنه ابن جابر الّذي روى عنه ابن المبارك، وابن جابر ثقة مأمون، يجمع حديثه وابن تميم ضعيف، وقال أبو داود: متروك الحديث، حدث عنه أبو أسامة وغلط في اسمه فقال: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الشاميّ وكل ما جاء عن أبي أسامة، عن عبد الرحمن بن يزيد فإنما هو ابن تميم.
وأما رواية حسين الجعفيّ، عن ابن جابر فقد ذكره المزيّ في كتاب (التهذيب) ، فقال: روى عنه حسين بن عليّ الجعفيّ وأبو أسامة حماد بن أسامة إن كان محفوظا فجزم برواية حسين، عن ابن جابر، وشك في رواية حماد.
وقد ذكر الدارقطنيّ أيضا. فقال: في كلامه على كتاب أبي حاتم في الضعفاء قوله: حسين الجعفيّ روى عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم خطأ الّذي يروي عنه حسين هو عبد الرحمن بن يزيد بن تميم فغلط في اسم جده فهذا ما ظهر في جواب هذا التعليل.
وللحديث علة أخرى: وهي أن عبد الرحمن بن يزيد لم يذكر سماعه من أبي الأشعث. قال عليّ بن المدينيّ: حدثنا الحسين بن عليّ الجعفيّ حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر سمعته يذكر عن أبي الأشعث الصنعاني، عن أوس ابن أوس فذكره. قال إسماعيل بن إسحاق في كتابه: حدثنا علي بن عبد اللَّه فذكره.

(11/63)


وليست هذه العلة بعلة قادحة، فإن للحديث شواهد من حديث أبي هريرة، وأبي الدرداء، وأبي أمامة، وأبي مسعود الأنصاري، وأنس بن مالك، والحسن، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرسلا.

فأما حديث أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه
رواه مالك عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة عنه قال: قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة خلق فيه آدم، وفيه أهبط، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا هي مصيخة يوم الجمعة، من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة، إلا الجن والإنس، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل اللَّه شيئا إلا أعطاه إياه.
فهذا الحديث الصحيح مؤيد لحديث أوس بن أوس، وقال علي مثل معناه.

(11/64)


وأما حديث أبي الدرداء [ (1) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه
ففي (الثقفيات) : أنبأنا أبو بكر بن محمد بن إبراهيم بن علي بن المقرئ، أنبأنا أبو العباس محمد بن الحسين بن قتيبة العسقلانيّ، أخبرني عمر ابن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أيمن، عن عباده بن نسي، عن أبي الدرداء قال: قال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أكثروا الصلاة عليّ يوم الجمعة فإنه يوم مشهود، تشهده الملائكة، وإن أحدا لا يصلي عليّ يوم الجمعة إلا عرضت عليّ صلاته حتى يفرغ قال: قلت: وبعد الموت؟ قال: إن اللَّه حرم على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء، فنبيّ اللَّه حيّ يرزق.
وخرجه الطبرانيّ من طريق سعيد بن أبي مريم. حدثنا يحيى بن أيوب، عن خالد بن زيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن أبي الدرداء قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أكثروا الصلاة: على يوم الجمعة فإنه يوم مشهود، تشهده الملائكة ليس من عبد يصلي عليّ إلا بلغني صوته حيث كان. قلت: وبعد وفاتك؟ قال: وبعد وفاتي، إن اللَّه حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، وخرجه ابن ماجة أيضا [ (2) ] .
__________
[ (1) ] هو أبو الدرداء الأنصاريّ، واسمه عويمر، وقيل: اسمه عامر، وعويمر لقب. ترجمته في (الإصابة) : 7/ 121، ترجمة رقم (9860) .
[ (2) ] (سنن ابن ماجة) : 1/ 345، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب (79) في فضل الجمعة، حديث رقم (1085) .

(11/65)


وأما حديث أبي أمامة [ (1) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه
فخرجه البيهقيّ من طريق إبراهيم بن الحجاج، حدثنا حماد بن سلمة عن برد بن سنان، عن مكحول الشامي، عن أبي أمامة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أكثروا الصلاة علي في كل يوم جمعة. فمن كان أكثرهم صلاة علي كان أقربهم منى منزلة [ (2) ] .
وقد تكلم في برد بن سنان [ (3) ] ، ووثقه يحيى بن معين، وغيره، وقيل مع ذلك: إن مكحولا لم يسمع من أبي أمامة بهذا على هذا الحديث.
__________
[ (1) ] هو أبو أمامة الباهليّ، صديّ بن عجلان بن الحارث، وقيل: عجلان بن وهب. سكن مصر، ثم انتقل منها فسكن حمص من الشام ومات بها. وكان من المكثرين في الرواية، وأكثر حديثه عند الشاميين. توفي سنة (81) ، وقيل: سنة (86) . (أسماء الصحابة الرواة) : 48- 49، ترجمة رقم (17) .
[ (2) ] (شعب الإيمان) : 3/ 110، باب في الصلوات، فضل الصلاة على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة الجمعة، حديث رقم (3032) .
[ (3) ] هو برد بن سنان الشاميّ أبو العلاء الدمشقيّ مولى قريش، ترجمته في (تهذيب التهذيب) :
1/ 375، ترجمة رقم (790) .

(11/66)


وأما حديث أنس [ (1) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه
فخرجه الطبرانيّ من طريق نصر بن عليّ، حدثنا النعمان بن أبي عبد السلام، حدثنا أبو طلال عن أنس قال: قال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أكثروا الصلاة عليّ يوم الجمعة فإنه أتاني جبريل آنفا عن ربه عز وجل فقال: ما على الأرض مسلم يصلي عليك مرة واحدة إلا صليت عليه أنا وملائكتي عشرا [ (2) ] .
فقال:
محمد بن إسماعيل العرقيّ: حدثنا جبارة بن مغلس. حدثنا أبو إسحاق حازم عن يزيد الرقاشيّ عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أكثروا الصلاة على يوم الجمعة فإن صلاتكم تعرض عليّ [ (3) ] .
وهذان الحديثان وإن كانا ضعيفين فيصلحان للاستشهاد.
ورواه ابن على السري. حدثنا داود بن الجراح. حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة. عن أنس عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم أكثروا الصلاة عليّ يوم الجمعة.
وكان الصحابة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يستحبون إكثار الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الجمعة. قال محمد ابن يوسف العابد عن الأعمش عن يزيد بن وهب قال: قال: ابن مسعود حدثنا زيد ابن وهب: لا ندع إذا كان يوم الجمعة أن نصلي على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ألف مرة، نقول: اللَّهمّ صل على محمد النبيّ الأميّ.
__________
[ (1) ] هو أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عديّ بن النجار- واسمه تيم اللَّه- بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن حارثة أبو حمزة الأنصاريّ، الخزرجيّ النجاريّ، من بني عديّ بن النجار، خادم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. أمه: أم سليم بنت ملحان. (أسماء الصحابة الرواة) : 39، ترجمة رقم (3) .
[ (2) ] (كنز العمال) : 1/ 500، حديث رقم (2209) ، (2210) وعزاهما إلى الطبرانيّ عن أنس بن أبي طلحة.
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2235) وعزاه إلى أبي عبد اللَّه الحاكم في (المستدرك) ، والبيهقيّ في (الشعب) عن أبي مسعود الأنصاريّ، وحديث رقم (2236) وعزاه إلى الطبراني في (الأوسط) عن أبي هريرة.

(11/67)


وأما حديث الحسن [ (1) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه
فخرّج أبو يعلي في (مسندة) من طريق أبي بكر الحنفيّ، حدثنا عبد اللَّه بن نافع أنبانا العلاء بن عبد الرحمن. قال: سمعت الحسن بن عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا. ولا تتخذوا بيتي عيدا. صلوا علي وسلموا فإن صلاتكم وسلامكم تبلغني أيا ما كنتم [ (2) ] . ولكن قد رواه مسلم بن عمر [ (3) ] عن عبد اللَّه بن نافع عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: لا تجعلوا بيوتكم قبورا. ولا تجعلوا قبري عيدا. وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم [ (4) ] .
وهذا أشبه. ولهذا جعلت لحديث أنس علة.
__________
[ (1) ] هو الحسن بن علي بن أبي طالب، سبط رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
[ (2) ] (كنز العمال) : 15/ 290، الصلاة في البيت، حديث رقم (41506) وعزاه إلى أبي يعلي، والضياء، عن الحسن بن عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما.
[ (3) ] هو مسلم بن عمرو بن مسلم بن وهب الحذاء أبو عمرو المدينيّ، وروى عن عبد اللَّه بن نافع الصائغ، وعنه الترمذيّ والنسائيّ، وأبو بكر بن صدقة البغداديّ، وعامر بن محمد القرطبيّ، ومحمد بن أحمد بن نصر الترمذيّ ومحمد بن أحمد بن أبي خيثمة. ويحى بن الحسن النسابة، ويحيى بن محمد بن صاعد، قال النسائي: صدوق. قلت: وكذا قال مسلمة، وأخرج ابن خزيمة عنه في (صحيحه) . (تهذيب التهذيب) : 10/ 121، ترجمة رقم (245) .
[ (4) ]
(كنز العمال) : 15/ 391، الصلاة في البيت، حديث رقم (41512) ، وعزاه إلى أبي داود في (السنن) : 2/ 534، كتاب الحج، باب (100) زيارة القبور، حديث رقم (2042) ، وفيه:
«فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم» .

(11/68)


وخرّج الطبرانيّ في (المعجم الكبير) [ (1) ] من طريق أحمد بن رشدين المصري، حدثنا سعيد بن إبراهيم. حدثنا محمد بن جعفر، أخبرني حميد بن أبي زين عن حسن بن علي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن أبيه أن الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: حيثما كنتم فصلوا عليّ وصلاتكم تبلغني.
وله من حديث موسى بن عمير، عن مكحول عن أبي أمامة، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلّى عليّ صلّى اللَّه عليه عشرا، وملك موكل بها حتى يبلغنيها [ (2) ] .
وخرّج أبو الشيخ الأنصاريّ من حديث أبي كريب حدثنا قبيصة عن نعيم بن ضمضم، قال: قال لي عمران بن حميري: ألا أحدثك عن خليلي عمار ابن ياسر؟ قلت: بلى، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن للَّه ملكا أعطاه أسماع الخلائق، وهو قائم على قبري، إذا مت فليس أحد يصلي عليّ صلاة إلا قال: يا محمد صلّى عليك فلان. قال: فليصلي الرب تبارك وتعالى على ذلك الرجل بكل صلاة عشرا [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (كنز العمال) : 1/ 489، الباب السادس في الصلاة عليه وآله، حديث رقم (2147) وعزاه إلى الطبراني عن الحسن بن عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 3/ 57، حديث رقم (8586) من حديث أبي هريرة، بسياقة أتم.
[ (2) ] (كنز العمال) : 1/ 500، حديث رقم (2207) ، وعزاه إلى الطبرانيّ عن أبي أمامة.
[ (3) ] (المطالب العالية) : 3/ 222- 223، كتاب الأذكار والدعوات، باب الصلاة على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (3318) . وقال في هامشه: قال البوصيري: رواه الحارث، والبزار، وأبو الشيخ، وذكر ألفاظهم.
قال: ورواه الطبرانيّ، قال المنذريّ: رووه كلهم عن نعيم بن ضمضم، وفيه خلاف عن عمران بن الحميري ولا يعرف، قال البوصيريّ: عمران هذا ذكره ابن حبان في (صحيحه) وقال البخاريّ: لا يتابع على حديثه.

(11/69)


وخرّج الطبراني في (المعجم الكبير) [ (1) ] من طريق عثمان بن أبي شيبة. حدثنا أبو كريب. حدثنا قبيصة بن عقبة عن نعيم بن ضمضم عن الحميري قال: قال لي عمار: ألا أحدثك عن حبيبي نبي اللَّه؟ قلت: بلى، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا عمار إن للَّه ملكا أعطاه أسماع الخلائق كلها وهو قائم على قبري إلى يوم القيامة، فليس أحد من أمتي يصلى علي صلاة إلا سماه باسمه واسم أبيه، قال: يا محمد صلّى عليك فلان هكذا وكذا. فيصلي الرب على ذلك الرجل بكل واحدة عشرا.
ومن حديث عبد الرحمن بن صالح الكوفي. حدثنا نعيم بن ضمضم عن خال له يقال له: عمران الحميري، قال: سمعت عمار بن ياسر يقول سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إن للَّه ملكا أعطاه سمع العباد [كلهم] [ (2) ] فليس من أحد يصلي علي صلاة إلا أبلغنيها، وإني سألت ربي أن لا يصلي علي عبد صلاة إلا صلّى اللَّه عليه عشر أمثالها [ (3) ] .
وقال إبراهيم بن رشيد بن مسلم: حدثنا عمر بن حبيب القاضي، حدثنا هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت:
قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما من عبد صلى عليّ صلاة إلا عرج بها ملك حتى يبحث بها وجه الرحمن عز وجل فيقول ربنا تبارك وتعالى: اذهبوا بها إلى عبدي يستغفر لصاحبها وتقرّ بها عينه.
وخرّج إسماعيل بن إسحاق في كتابه من طريق هشيم. قال: حدثنا حصين بن عبد الرحمن عن يزيد الرقاشيّ قال: إن ملكا موكل يوم الجمعة من
__________
[ (1) ]
(سلسلة الأحاديث الصحيحة) : 4/ 44، من فضل الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ذكره الشيخ الألباني شاهدا على صحه الحديث رقم (1530) ، ولفظه: أكثروا الصلاة عليّ، فإن اللَّه وكل بى ملكا عند قبري، فإذا صلّى علي رجل من أمتي قال لي ذلك الملك: يا محمد، إن فلان بن فلان صلى عليك الساعة.
[ (2) ] زيادة للسياق من (ميزان الاعتدال) .
[ (3) ] (ميزان الاعتدال) : 1/ 213، ترجمة إسماعيل بن إبراهيم أبو يحيى التميمي الكوفي، ترجمة رقم (829) ، ثم قال: تفرد به إسماعيل إسنادا ومتنا.

(11/70)


صلى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يبلغ النبي يقول: إن فلانا من أمتك يصلي عليك. هذا موقوف.
ومن طريق مبارك عن الحسن عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أكثروا الصلاة عليّ يوم الجمعة،
ومن طريق وهب عن أيوب قال: بلغني واللَّه أعلم أن ملكا موكل بكل من صلّى على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى يبلغه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم.
ومن طريق إبراهيم بن حمزة. حدثنا عبد العزيز بن محمد عبد سهيل قال: جئت أسلم على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وحسن وحسين يتعشيان في البيت عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فدعاني فجئته فقال: ادن فتعشّ فقلت: لا أريد، قال لي: ما لي رأيتك وقفت؟ قال: وقفت أسلم على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال: إذا دخلت المسجد فسلم عليه ثم قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: صلوا في بيوتكم ولا تجعلوا بيوتكم قبورا، لعن اللَّه يهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، وصلوا عليّ إن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم [ (1) ] .
__________
[ (1) ] سبق تخريجه.

(11/71)


السابعة والثمانون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أن من ذكر عنده فلم يصلّ عليه بعد ورغم أنفه وخطئ طريق الجنة
خرّج الحاكم في (المستدرك) [ (1) ] من طريق محمد بن إسحاق الصغانيّ، حدثنا ابن أبي مريم. حدثنا محمد بن هلال. حدثني سعد بن إسحاق بن كعب ابن عجرة عن أبيه عن كعب بن عجرة، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أحضروا [المنبر] فأحضرنا فلما ارتقى درجة قال: آمين. ثم ارتقى الدرجة الثانية.
فقال: آمين. ثم ارتقى الدرجة الثالثة. فقال: آمين. فلما فرغ نزل عن المنبر فقلنا: يا رسول اللَّه لقد سمعنا. منك اليوم شيئا ما كنا نسمعه! فقال: إن جبريل عرض لي. فقال: بعد من أدرك رمضان ولم يغفر له. فقلت: آمين. فلما رقيت الثانية قال: بعد من ذكرت عند فلم يصل عليك. فقلت: آمين. فلما رقيت الثالثة قال: بعد من أدرك والديه الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة.
فقلت: آمين.
قال الحاكم: صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] .
وخرّج الترمذيّ من طريق ربعيّ بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبريّ. عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: رغم أنف الرجل ذكرت عنده فلم يصل عليّ، ورغم أنف [الرجل] دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف [الرجل] أدرك أبواه عنده الكبر فلا يدخلاه الجنة.
[قال عبد الرحمن: وأظنه قال: أو أحدهما] . قال الترمذيّ: وفي الباب عن جابر وأنس، وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وربعيّ بن إبراهيم هو أخو إسماعيل بن إبراهيم، وهو ثقة، وهو ابن عليّة.
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 170، حديث رقم (7256) ، وفيه: «بعدا لمن» ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المستدرك) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح.

(11/72)


ويروى عن بعض أهل العلم قال: إذا صلّى الرجل على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم مرة في المجلس أجزأ ما كان في ذلك المجلس [ (1) ] .
ورواه الحاكم في (المستدرك) [ (2) ] ، وعبد الرحمن بن إسحاق [ (3) ] احتج به مسلم، وقال فيه أحمد بن حنبل: صالح الحديث، وتكلم فيه بعضهم، وقال فيه أبو داود: ثقة إلا أنه قدريّ.
ورواه إسماعيل بن إسحاق القاضي من حديث عبد العزيز بن أبي حاتم عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رقى المنبر، فقال: آمين آمين آمين فقيل له: يا رسول اللَّه ما كنت تصنع هذا فقال: قال لي جبريل: رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ولم يغفر له.
فقلت: آمين. ثم قال: رغم أنف الرجل أدرك أبوية أو أحدهما الكبر ولم يدخل الجنة، فقلت: آمين. ثم قال: رغم أنف عبد ذكرت عنده فلم يصل عليك، فقلت: آمين.
كثير بن زيد [ (4) ] وثقة ابن حبان وقال أبو زرعة: صدوق وقد تكلم فيه.
__________
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 514- 515، كتاب الدعوات، باب (101)
قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: رغم أنف رجل،
حديث رقم (3545) وما بين الحاصرتين تصويبات وزيادات للسياق منه.
[ (2) ] (المستدرك) : 1/ 734، كتاب الدعاء والتكبير والتهليل والتسبيح والذكر، حديث رقم (2016) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
[ (3) ] هو عبد الرحمن بن إسحاق بن عبد اللَّه بن الحارث العامريّ، مولاهم، ويقال: الثقفي المدنيّ، ويقال له: عباد بن إسحاق. قال ابن خزيمة: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في (الثقات) ، وقال ابن عدىّ: في حديثه بعض ما ينكر، ولا يتابع عليه، والأكثرون منه صحاح، وهو صالح الحديث كما قال أحمد، وقال الدارقطنيّ: يرمى بالقدر. وحكى الترمذي في (العلل) عن البخاريّ أنه وثقه. (تهذيب التهذيب) : 6/ 125- 126، ترجمة رقم (285) .
[ (4) ] هو كثير بن زيد الأسلميّ ثم السهميّ مولاهم، وأبو محمد المدني، يقال له: ابن صافنة، وهي أمه. قال ابن عديّ: تروى عنه نسخ، ولم أر به بأسا، وأرجو أنه لا بأس به. وذكره ابن حبان في (الثقات) ، وقال ابن سعد: توفي في خلافة أبي جعفر، وكان كثير الحديث، وقال خليفة:
توفي في آخر خلافة أبي جعفر سنة (158) .

(11/73)


ورواه ابن حبان في (صحيحه) [ (1) ] من حديث محمد بن عمر، وعن سلمة عن أبي هريرة فذكره. وقال: وما من عبد ذكرت عنده فلم يصل عليك فما تدخل النار فأبعده اللَّه. قل: آمين. فقلت: آمين.
ومحمد بن عمرو [ (2) ] هذا خرّج له البخاريّ ومسلم في المتابعات، ووثّقه ابن معين وصحّح له الترمذيّ.
ورغم بكسر الغين المعجمة أي لصق بالتراب وهو الرغام، وقال ابن الأعرابي: هو بفتح الغين ومعناه ذلّ عن كره. يقال: أرغمه الذل، ويكون معناه حطه من عزة إلى مقام الذل، وكنى عنه بالتراب [ (3) ] .
وقال: الفريابي: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا الفضل بن دكين، حدثنا سلمة بن وردان، قال: سمعت أنسا يقول: ارتقى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المنبر فرقي درجة فقال: آمين، ثم ارتقى درجة فقال: آمين، ثم ارتقى الثالثة. فقال:
__________
[ () ] قال الحافظ ابن حجر: وجزم ابن حبان بوفاته فيها. وقال أبو جعفر الطبريّ: وكثير بن زيد عندهم ممن لا يحتج بمثله. (تهذيب التهذيب) : 8/ 370- 371، ترجمة رقم (745) .
[ (1) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 3/ 188، كتاب الرقاق، باب الأدعية، ذكر رجاء دخول الجنان المصلى على المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم عند ذكره مع خوف دخول النيران عند إغضائه عنه كلما ذكر، حديث رقم (907) ، وإسناده حسن.
[ (2) ] هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني، قال الحافظ في (التقريب) : صدوق له أوهام. (هامش المرجع السابق) .
[ (3) ] وفي الحديث: إذا صلّى أحدكم فليلزم جبهته وأنفه الأرض حتى يخرج منه الرغام، وفي معناه يخرج ويذل منه كبر الشيطان، وتقول: فعلت ذلك على الرغم من أنفه.
وفي الحديث أنه عليه السّلام، قال: رغم أنفه ثلاثا، وقيل: من يا رسول اللَّه؟ قال:
من أدرك أبويه أو أحدهما حيّا ولم يدخل الجنة.
وفي الحديث: وإن رغم أنف أبى الدرداء، أي وإن ذلّ، وقيل: وإن كره.
وفي حديث أسماء: إن أمى قدمت عليّ راغمة مشركة، أفأصلها؟ قال: نعم، لما كان العاجز الذليل لا يخلو من غضب، وراغمة أي غاضبة، تريد أنها قدمت على غضبي لإسلامي وهجرتي، متسخطة لأمرى.
(لسان العرب) : 12/ 246، مختصرا.

(11/74)


آمين، ثم استوى فجلس فقال: أصحابه: أي رسول اللَّه! على ماذا أمنت؟
قال: جاءني جبريل فقال: رغم أنف امرئ أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخل الجنة. فقلت: آمين، ورغم أنف امرئ أدرك رمضان فلم يغفر له، قلت:
آمين، ورغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك، قلت: آمين.
ورواه أبو بكر الشافعيّ عن معاذ حدثنا القعنبي، حدثنا سلمة بن وردان فذكره، وسلمة بن وردان [ (1) ]
هذا لين الحديث قد تكلم فيه، وليس ممن يطرح حديثه، لا سيما وله شواهد وهو معروف من حديث غيره.
وقد روي من طريق قيس بن الربيع عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: صعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم المنبر فقال: آمين. آمين، فقيل: يا رسول اللَّه ما كنت تصنع هذا، فقال: قال لي جبريل فذكر الحديث وقال فيه: يا محمد من ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده اللَّه، قل: آمين. فقلت:
آمين.
وقيس بن الربيع [ (2) ] صدوق بستي كان شعبة يثنى عليه، وقال أبو حاتم:
محله الصدق وليس بالقويّ. وقال ابن عديّ: عامة رواياته مستقيمة، وأصل
__________
[ (1) ] هو سلمة بن وردان الليثي الجندعي مولاهم أبو يعلى المدني، رأى جابر بن عبد اللَّه، وسلمة بن الأكوع.
قال أبو داود والنسائي: ضعيف، وقال ابن عدي: وفي متون بعض ما يرويه مناكير، خالف سائر الناس. وقال ابن سعد: قد رأى عدة من الصحابة، وكانت عنده أحاديث يسيرة، وكان ثبتا فيها، ولا يحتج بحديثه، وبعضهم يستضعفه.
قال ابن شاهين في (الثقات) : وقال أحمد بن صالح: هو عندي ثقة صالح الحديث.
قال ابن حبان: كان يروي عن أنس أشياء لا تشبه حديثه، وعن غيره من الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات، وكأنه كان قد حطمه السن، فكان يأتي بالشيء على التوهم، حتى خرج عن حد الاحتجاج.
وقال الحاكم: حديثه عن أنس مناكير أكثرها. وقال العجليّ والدارقطنيّ: ضعيف. مات في خلافة أبي جعفر سنة (106) . (تهذيب التهذيب) : 4/ 140- 141، ترجمة رقم (275) .

(11/75)


هذا الحديث قد روي من حديث أبي هريرة وكعب بن عجرة وابن عباس وأنس ومالك بن الحويرث وعبد بن جزء والزبيدي، وجابر بن سمرة وقد تقدم حديث أبى هريرة، وجابر بن سمرة وكعب بن عجرة. وأنس.
وأما
مالك بن الحويرث [ (1) ] فقال أبو حاتم البستي في (صحيحه) : حدثنا عبد اللَّه بن صالح البخاريّ ببغداد، حدثنا الحسين بن عليّ الحراني، حدثنا عمران بن أبان حدثنا مالك بن الحسين بن مالك بن الحويرث عن أبيه عن جده قال: صعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المنبر فلما رقى عتبة قال: آمين. ثم رقى عتبة أخرى وقال: آمين ثم رقى عتبة أخرى، وقال آمين. ثم قال: أتانى جبريل عليه السلام وقال: يا محمد من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده اللَّه، قلت:
آمين. قال: ومن أدرك والديه أو أحدهما فدخل النار فأبعده اللَّه قلت. آمين.
قال: ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده اللَّه. قلت: آمين.
__________
[ () ] (2) هو قيس بن الربيع الأسديّ، وأبو محمد الكوفيّ، من ولد قيس بن الحارث بن قيس الأسديّ، والّذي أسلم وعنده ثمان نسوة، وفي رواية تسع نسوة.
قال جعفر بن أبان الحافظ: سألت ابن نمير عن قيس بن الربيع فقال: كان له ابن هو آفته. وقال أبو داود الطياسيّ: إنما آفته من قبل ابنه: كان ابنه يأخذ أحاديث الناس فيدخلها في مرج كتاب قيس ولا يعرف الشيخ ذلك. مات سنة (601) . (تهذيب التهذيب) :
8/ 350- 353، ترجمة رقم (698) .
[ (1) ] هو مالك بن الحويرث بن حشيش بن عوف بن جندع أبو سليمان الليثيّ الصحابيّ، وقيل في نسبه غير ذلك.
روى عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعنه أبو قلابة الجرميّ، وأبو عطية مولى بنى عقيل، ونصر بن عاصم الليثيّ، وسوار الجرميّ. ذكر ابن عبد البر أنه توفي سنة أربع وتسعين، وتبعه على ذلك ابن طاهر وغيره، وفيه نظر، بل لا يصح ذلك، لاتفاقهم على أن آخر من مات بالبصرة من الصحابة أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حتى إن ابن عبد البر ممن صرح بذلك. (تهذيب التهذيب) : 10/ 12 ترجمة رقم (13) .

(11/76)


وأما حديث عبد اللَّه بن جزء الزبيديّ [ (1) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه
فقال جعفر الفريابي: حدثنا عبد اللَّه بن يوسف. حدثنا ابن لهيعة عن عبد اللَّه بن يزيد الضعيف. عن عبد اللَّه بن الحارث بن جزء الزبيديّ أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل المسجد فصعد المنبر. فلما صعد أول درجة قال: آمين ثم صعد الثانية. فقال: آمين. ثم صعد الثالثة فقال: آمين، فلما نزل. قيل له:
رأيناك صنعت شيئا ما كنت تصنعه؟ فقال: إن جبريل تبدي لي في أول درجة فقال: يا محمد من أدرك والديه فلم يدخلاه الجنة فأبعده اللَّه، ثم أبعده، فقال:
قل: آمين. فقلت: آمين. ثم قال في الثانية: من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له. فأبعده اللَّه، ثم أبعده، فقلت: آمين. وقال في الثالثة: ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده اللَّه، ثم أبعده: فقلت: آمين!.
__________
[ (1) ] هو عبد اللَّه بن الحارث بن جزء بن عبد اللَّه بن معديكرب بن عمرو بن عصم بن عمرو بن عويج بن عمرو بن زيد الزبيديّ. حليف أبي وداعة السهمي، وله صحبة، وروى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أحاديث حفظها، وسكن مصر، فروى عنه المصريون، ومن آخرهم: يزيد بن أبي حبيب.
توفي سنة (85) أو (88) . (أسماء الصحابة الرواة) : 132، ترجمة رقم (137) .

(11/77)


وأما حديث ابن عباس [ (1) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه
فخرجه الطبرانيّ من حديث ابن هارون العكلي حدثنا محمد بن فضيل عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عباس قال: بينما النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على المنبر إذ قال: آمين ثلاث مرات فسئل عن ذلك فقال: أتانى جبريل فقال: من ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده اللَّه قل: آمين فقلت: آمين، قال: ومن أدرك والديه أو أحدهما فمات فلم يغفر له فأبعده اللَّه، قل: آمين فقلت: آمين.
قال: ومن أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده اللَّه، قل: آمين. فقلت: آمين.
وروى محمد بن حمدان المروزي، حدثنا عبد اللَّه بن خبيق، حدثنا يوسف بن أسباط عن سفيان الثوري عن رجل عن زر عن عبد اللَّه بن مسعود قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من لم يصل عليّ فلا دين له [ (2) ] .
وخرّج الطبرانيّ من طريق عبيدة بن حميد. قال: حدثني فطر بن خليفة عن أبى جعفر محمد بن حسين عن أبيه عن جده حسين بن عليّ عليهما السلام. قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من ذكرت عنده فخطئ الصلاة عليّ خطئ طريق الجنة [ (3) ] .
وعلة هذا الحديث أن ابن أبي عاصم عن أبي بكر بن أبي شيبة.
حدثنا جعفر بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم مرسلا
__________
[ (1) ] هو عبد اللَّه بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أبو العباس القرشيّ الهاشميّ ابن عم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. أمه أم الفضل لبابة بنت الحارث الهلالية.
ولد وبنو هاشم بالشعب، قيل الهجرة بثلاث، وقيل بخمس، كان يسمى البحر لسعة علمه، ويسمى حبر الأمة، ويسمى ترجمان القرآن، وهو من صغار الصحابة. توفي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وله على الأرجح ثلاث عشرة سنة. توفى بالطائف سنة (68) وله (74) سنة. (أسماء الصحابة الرواة) : 40، ترجمة رقم (5) .
[ (2) ] (مجموعة الأحاديث الضعيفة للألبانيّ) : حديث رقم (214) .
[ (3) ]
(كنز العمال) : 1/ 508، حديث رقم (2250) ، وعزاه إلى الطبراني عن ابن عباس، وعبد الرزاق عن محمد بن علي مرسلا، ولفظه: من نسي الصلاة عليّ خطئ طريق الجنة.

(11/78)


ورواه عمر بن جعفر بن غياث عن أبيه عن محمد بن عمر عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ورواه إسماعيل بن إسحاق عن إبراهيم بن الحجاج حدثنا عن جعفر بن محمد عن أبيه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرسلا، ورواه علي بن المدينيّ. حدثنا سفيان. قال: قال عمر عن محمد بن عليّ بن حسين عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرسلا قال: قال سفيان: قال رجل بعد عمر: سمعت محمد بن علي يقول:
قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم سمى سفيان الرجل وقال: هو بسام وهو الصيرفي:
ذكره إسماعيل عن عليّ وقال: حدثنا سليمان بن حرب وحازم قالا: حدثنا حماد بن زيد عن عمر عن محمد بن عليّ قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مرسلا وله شاهد من حديث عبد اللَّه بن عباس رواه الطبرانيّ عن عبدان بن أحمد، حدثنا جبارة بن مغلس حدثنا حماد بن زيد عن عمر بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من نسي الصلاة عليّ خطئ [به] طريق الجنة [ (1) ] . ورواه ابن ماجة عن جبارة بن مغلس،
وجبارة بن المغلس الحمانيّ الكوفيّ أبو محمد، كان ممن إذا وضع له الحديث حدث به وهو لا يشعر، وهذا المعنى قد روى من حديث أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وحسين بن على ومحمد بن الحنفية وابن عباس، وتقدم حديث حسين بن عباس.
__________
[ (1) ] (شعب الإيمان) : 2/ 215- 216، باب في تعظيم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وإجلاله وتقديره، حديث رقم (1573) ، (1574) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.

(11/79)


وأما حديث محمد بن الحنفية [ (1) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه
فقال ابن أبي عاصم في كتاب (الصلاة على النبي) صلّى اللَّه عليه وسلّم: حدثنا أبو بكر حدثنا حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: قال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من ذكرت عنده فنسي الصلاة عليّ خطئ طريق الجنة [ (1) ] .

وأما حديث أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه
فقال عبد الخالق بن الحسن السقطيّ: حدثنا محمد بن سلمان بن الحارث، حدثنا عمرو بن حفص بن غياث، حدثنا أبي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من نسي الصلاة على خطئ طريق الجنة [ (2) ] .
__________
[ (1) ] هو محمد بن عليّ بن أبي طالب الهاشميّ أبو القاسم، والمعروف بابن الحنفية، وهي خولة بنت جعفر بن قيس، من بنى حنيفة ويقال من مواليهم، سبيت في الردة من اليمامة.
وقال العجليّ: تابعيّ ثقة، وكان رجلا صالحا يكنى أبا القاسم، قال ابن حبان: كان من أفاضل بيته. (تهذيب التهذيب) : 7/ 315- 316، ترجمة رقم (588) .
[ (2) ] سبق تخريجهما.

(11/80)


الثامنة والثمانون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أن البخيل من ذكر عنده النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فلم يصل عليه
خرّج الترمذيّ [ (1) ] من حديث أبي عامر العقديّ عن سليمان بن بلال عن عمارة بن غزية عن عبد اللَّه بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن حسين بن عليّ عن عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: البخيل الّذي [من] إذا ذكرت عنده فلم يصل عليّ. قال:
الترمذيّ هذا حديث حسن صحيح غريب، وفي بعض النسخ حديث حسن غريب.
وخرجه النسائيّ وابن حبان في (صحيحه) [ (2) ] والحاكم في (المستدرك) [ (3) ] وقال: صحيح الإسناد، والنسائيّ في (سننه الكبير) : رواه عبد العزيز بن محمد بن عمارة بن غزيه عن عبد اللَّه بن عليّ بن الحسين بن عليّ ابن أبي طالب قال: قال على- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم:
إن البخيل الّذي إذا ذكرت عنده فلم يصل عليّ. قال: إسماعيل بن إسحاق في كتابه: اختلف يحيى وأبو بكر بن أبي أويس في إسناد هذا الحديث، فرواه أبو بكر عن سليمان عن عمر بن أبي عمر، ورواه الحمانيّ عن سليمان بن بلال عن عمارة بن غزية، وهذا حديث مشتهر عن عمارة بن غزية، وقد رواه عنه
__________
[ (1) ] (سنن الترمذيّ) : 5/ 515، كتاب الدعوات، باب (101)
قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ورغم أنف رجل،
حديث رقم (3545) .
[ (2) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 3/ 189- 190، كتاب الرقائق، باب (9) الأدعية، ذكر نفي البخل عن المصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (909) .
[ (3) ] (المستدرك) : 1/ 734، كتاب الدعاء والتكبير والتهليل والتسبيح والذكر، حديث رقم (2105) ، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) : صحيح، وشاهده عند أبي هريرة صحيح.
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 1/ 331، حديث رقم (1738) ، من حديث عقيل ابن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.

(11/81)


خمسة: سليمان بن بلال، وعمر بن الحارث، وعبد العزيز الدراوَرْديّ، وإسماعيل بن جعفر، وعبد اللَّه بن جعفر والد عليّ، ثم ساقها كلها، ورواه إسماعيل بن أبي إدريس: حدثني أخي عن سليمان بن بلال عن عمر بن أبي عمر عن عليّ بن حسين عن أبيه فذكره.
وخرّج إسماعيل من حديث حماد بن سلمة عن سعيد بن هلال قال:
حدثني رجل من أهل دمشق عن عوف بن مالك عن أبي ذر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إن البخيل من الناس من ذكرت عنده فلم يصل على [ (1) ] .
وخرّج ابن أبي عاصم من حديث محمد بن شعيب بن سبور، عن عثمان بن أبي العالية عن عليّ بن يزيد عن القاسم عن أبي أمارة، عن أبي ذر قال: خرجت ذات يوم فأتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ألا أخبركم بأبخل الناس؟
قالوا: بلى يا رسول اللَّه، قال: من ذكرت عنده فلم يصل عليّ فذاك من أبخل الناس [ (2) ] .
وهذا من رواية الصحابيّ عن مثله، وأصل هذا روي كما تقدم من حديث عليّ وابنه الحسين- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم.
وروى إسماعيل في كتابه من طريق سليمان بن حرب: حدثنا جرير بن حازم قال: سمعت الحسن يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: بحسب امرئ من البخل أن أذكر عنده فلم يصل عليّ [ (3) ] .
وفي رواية عن الحسن يرفعه: كفى به شحا أن يذكرني فلا يصلون على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (فضل الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم) : 32، 35.
[ (2) ] (الترغيب والترهيب) : 2/ 510.
[ (3) ] (تفسير ابن كثير) : 3/ 520، تفسير سورة الأحزاب، آية (6) ، عن الحسن.
[ (4) ] (كنز العمال) : 1/ 490، حديث رقم (2151) ، وعزاه إلى سعيد بن منصور، عن الحسن مرسلا.

(11/82)


التاسعة والثمانون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما جلس قوم مجلسا ولم يصلوا عليه إلا كان عليهم ترة [ (1) ] وحسرة يوم القيامة وقاموا عن أنتن من جيفة [حمار]
خرّج الترمذيّ [ (2) ] من حديث عبد الرحمن بن مهديّ عن سفيان الثوريّ عن صالح بن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما جلس قوم مجلسا فلم يذكروا اللَّه ولم يصلوا عليّ إلا كان مجلسهم عليهم ترة وحسرة يوم القيامة، إن شاء اللَّه عفا عنهم وإن شاء أخذهم، وقال فيه: حديث حسن.
ورواه من حديث شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت الغر أبا مسلم قال:
أشهد على أبي سعيد وأبي هريرة أنهما شهدا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فذكر مثله.
__________
[ (1) ] أصل الترة: النقص، ومعناها هاهنا: التبعة، يقال: ترت الرجل ترة على وزن: وعدته عدة (جامع الأصول) : 4/ 472.
[ (2) ] (سنن الترمذيّ) : 5/ 430- 431، كتاب الدعوات، باب (8) في القوم يجلسون ولا يذكرون اللَّه، حديث رقم (3380) وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، معنى قوله: ترة: يعني حسرة وندامة، وقال بعض أهل المعرفة بالعربية: الترة هو الثأر.
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 3/ 170، حديث رقم (9300) من مسند أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بسياقة أتم، ولفظه: «ما جلس قوم مجلسا فلم يذكروا اللَّه فيه إلا كان عليهم ترة، وما من رجل مشي طريقا فلم يذكر اللَّه عز وجل إلا كان عليه ترة، وما من رجل أوى إلى فراشه فلم يذكر اللَّه إلا كان عليه ترة» قال أبي: حدثناه روح، قال: حدثنا ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن إسحاق مولى عبد اللَّه بن الحارث، ولم يقل «: إذا أوى إلى فراشه» .
وحديث رقم (9533) ، وحديث رقم (9884) ، وحديث رقم (9907) ، وحديث رقم (9908) كلهم من مسند أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.

(11/83)


ورواه إسماعيل بن إسحاق في كتابه من حديث محمد بن كثير عن سفيان عن صالح.
ورواه أبو داود [ (1) ] والنسائيّ وابن حبان في (صحيحه) [ (2) ] من رواية سهيل عن أبي هريرة وهو على شرط مسلم ورواه ابن حبان أيضا من حديث شعبة عن الأعمش عن أبي صالح.
عن أبي هريرة ولفظه: ما قعد قوم مقعدا لا يذكرون اللَّه فيه ولا يصلون على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة وإن دخلوا الجنة للثواب. وهذا الإسناد على شرط الشيخين [ (3) ] .
وخرجه الحاكم [ (4) ] من رواية ابن أبي ذئب عن سعيد المقبريّ عن إسحاق ابن عبد اللَّه بن الحارث عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم،
قال الحاكم: صحيح
__________
[ (1) ]
(سنن أبي داود) : 5/ 180- 181، كتاب الأدب، باب (31) كراهية أن يقوم الرجل من مجلسه ولا يذكر اللَّه، حديث رقم (4855) ولفظه: «ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون اللَّه فيه إلا قاموا على مثل جيفة حمار، وكان لهم حسرة» .
وحديث رقم (4856) ، ولفظه: من قعد مقعدا لم يذكر اللَّه فيه كانت عليه من اللَّه ترة، ومن اضطجع مضجعا لا يذكر اللَّه فيه كانت عليه من اللَّه ترة» .
قال الخطابي: الترة النقص، ومنه قوله تعالى: وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ [محمد: 35] (معالم السنن) مختصرا، وحديث رقم (5059) باب (107) ما يقول عند النوم.
[ (2) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 2/ 352- 353، كتاب البر والإحسان، باب (13) الصحبة والمجالسة، ذكر البيان بأن الحسرة التي ذكرناها تلزم من ذكرناه وإن أدخل الجنة، حديث رقم (951) ، وذكر الزجر عن افتراق القوم عن مجلسهم بغير ذكر اللَّه، حديث رقم (592) ، وقال في هامشه: إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات، رجال الشيخين، غير أحمد بن إبراهيم الدورقي، فمن رجال مسلم.
[ (3) ] راجع التعليق السابق.
[ (4) ] (المستدرك) : 1/ 735، كتاب الدعاء والتكبير والتهليل والذكر، حديث رقم (2017) ، وقال حديث صحيح على شرط البخاريّ ولم يخرجاه. وقال الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) : على شرط مسلم.

(11/84)


على شرط البخاريّ، واعترض عليه بأن إبراهيم بن الحسن بن ديزيل [ (1) ] رواه عن آدم بن إياس متكلم فيه، ومع ذلك فقد رواه أبو إسحاق الفزاريّ عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة موقوفا، وأبو صالح بن نبهان مولى التوأمة، كان شعبة لا يروى عنه. وقال مالك بن أنس: ليس بثقة فلا تأخذن عنه شيئا، وقال يحيى: ليس بالقويّ في الحديث. وقال مرة: لم يكن ثقة، وقال السعدي: تغير، وقال النسائيّ: ضعيف، وتحريرا مرة أنه ثقة في نفسه غير أنه تغير بآخره، فمن سمع منه قديما فسماعه صحيح، ومن سمع منه آخرا ففي سماعه شيء، فممن سمع منه قديما: أبي ذئب وابن جريح وزياد بن سعد وأدركه مالك والثوري بعد اختلافه. وقال الإمام أحمد: ما أعلم ناسا ممن سمع منه قديما، ثم إن هذا الحديث قد رواه سليمان بن بلال عن سهيل عن أبيه عن أبى هريرة ولم يذكر فيه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وتابعه ابن أبي أويس عن عبد العزيز بن أبي حازم عن سهيل.
وخرّج النسائيّ في (سننه الكبير) من حديث أبي داود الطيالسيّ حدثنا يزيد بن إبراهيم عبد أبي الزبير عن جابر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما اجتمع قوم ثم تفرقوا من غير ذكر اللَّه عز وجل وصلاة على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا تفرقوا عن أنتن من جيفة [ (2) ] .
وخرّج الطبرانيّ [ (3) ] من حديث إسماعيل بن عياش عن يحيى بن الحارث، عن القاسم عن أبي أمامة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما من قوم جلسوا مجلسا، ثم قاموا منه لم يذكروا اللَّه ولم يصلوا على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا كان ذلك المجلس عليهم ترة.
__________
[ (1) ] هو إبراهيم بن الحسين الهمدانيّ. أبو إسحاق، الّذي يقال له ابن ديزيل سفينة، يروى عن أبي نعيم. ترجمته في (لسان الميزان) : 1/ 48، (الثقات) : 8/ 86.
[ (2) ] سبق تخريجه.
[ (3) ] (كنز العمال) : 9/ 148، حديث رقم (25455) ، وعزاه إلى الطبرانيّ عن أبي أمامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.

(11/85)


وقال ابن منيع في مسندة: حدثنا يوسف عن عطية الصفار عن العلاء ابن كثير عن مكحول عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أيما قوم جلسوا في مجلس [ثم] تفرقوا قبل أن يذكروا اللَّه تعالى ويصلوا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان ذلك المجلس عليهم ترة يوم القيامة. يعنى حسرة. وهذا الأصل قد رواه أبو سعيد الخدريّ وأبو هريرة [ (1) ] .
وخرّج ابن أبي عاصم من حديث شعبة عن سليمان عن ذكوان عن أبي سعيد قال: ما من قوم يقعدون ثم يقومون ولا يصلون على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا كان عليهم حسرة وإن دخلوا الجنة لما يرون من الثواب [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (كنز العمال) : 9/ 148، حديث رقم (25458) وعزاه إلى ابن حبان، عن أبي هريرة.

(11/86)


التسعون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلى عليه [في كتاب] [ (1) ] لم تزل الصلاة عليه ما بقيت الصلاة مكتوبة
روى محمد بن الحسن الهاشميّ حدثني سليمان بن الربيع، حدثنا كادح ابن رحمة، حدثنا نهشل بن سعيد عن الضحاك عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلّى عليّ في كتاب لم تزل الصلاة جارية له ما دام اسمي في ذلك الكتاب [ (2) ]
وكادح بن رحمة العرني أبو رحمة الكوفيّ العابد، قال ابن عدي: وأحاديثه عامة ما يرويه غير محفوظ ولا يتابع عليه في أسانيده ولا متونه، ويشبه حديثه حديث الصالحين، قال:
حديثهم يقع فيه ما لا يتابعهم عليه أحد، ونهشل بن سعيد بن وردان [ (3) ] أبو عبد
__________
[ (1) ] زيادة للبيان.
[ (2) ] (تفسير ابن كثير) : 3/ 524، تفسير سورة الأحزاب، الآية 56، عن ابن عباس، ثم قال:
وليس هذا الحديث بصحيح من وجوه كثيرة، وقد روى من حديث أبي هريرة ولا يصح أيضا.
قال الحافظ أبو عبد اللَّه الذهبي شيخنا: أحسبه موضوعا. وقد روى نحوه عن أبي بكر وابن عباس، ولا يصح من ذلك شيء، واللَّه تبارك وتعالى أعلم.
وقد ذكر الخطيب البغداديّ في كتابه (الجامع الآداب الراويّ والسامع) قال: رأيت بخط الإمام أحمد بن حنبل رحمه اللَّه كثيرا ما يكتب اسم النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم من غير ذكر الصلاة عليه كتابه، قال: وبلغني أنه كان يصلى عليه لفظا. (المرجع السابق) .
[ (3) ] هو نهشل بن سعيد بن وردان الوردانيّ أبو سعيد، ويقال: أبو عبد اللَّه الخراسانيّ النيسابوريّ، ويقال: الترمذيّ، بصريّ الأصل.
قال أبو داود الطيالسيّ وإسحاق بن راهويه: كذاب. وقال الدوريّ عن ابن معين: ليس بشيء، وقال مرة: ليس بثقة، وقال أبو زرعة والدارقطنيّ: ضعيف. وقال ابو حاتم: ليس بقويّ متروك الحديث، وقال في موضع آخر: ليس بثقة، ولا يكتب حديثه.
قال ابن حبان: يروى عن الثقات ما ليس من أحاديثهم، ولا يحل كتب حديثه إلا على سبيل التعجب. قال الحافظ ابن حجر: وقال الحاكم: روى عن الضحاك المعضلات. -

(11/87)


اللَّه، ويقال: أبو سعيد النيسابورىّ ثم البصري، قال ابن معين: ضعيف وقال مرة: يروي عن الضحاك ليس بثقة ومرة قال: يروى عنه ابن نمير ليس بشيء، قال البخاريّ: روى عن ابن المبارك معاوية البصري قال إسحاق: كان كذابا وقال السعدي: غيره محمود في حديثه وقال أبو داود الطيالسيّ: كذاب، وقال النسائيّ وغيره: متروك الحديث، وقال أبو زرعة والدارقطنيّ: ضعيف وقال: ابن عديّ فكل أحاديثه يشبه بعضها بعضا يعنى غير محفوظة. وقد روي هذا الحديث من وجه آخر،
قال ابن الجارود:
حدثنا محمد بن عاصم. حدثنا بشر بن عبيد حدثنا محمد بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه عن الأعرج عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلى عليّ في كتاب صلت عليه الملائكة غدوا ورواحا، ما دام اسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الكتاب.
وقال أحمد بن عطاء الروذباريّ: سمعت أبا صالح عبد اللَّه بن صالح يقول: رئي بعض أصحاب الحديث في المنام قيل له: ما فعل اللَّه بك؟، فقال: غفر لي، فقيل:
بأي شيء؟ فقال: بصلاتي في كتبي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] .
__________
[ () ] وعن وردان بن أبى هند حديثا منكرا. قال البخاريّ: روى عنه معاوية البصريّ أحاديث مناكير. وقال أبو سعيد النقاش: روى عن الضحاك الموضوعات.
[ (1) ] علامات الوضع لائحة عليه، ولا سيما أن أصله يعتمد على رؤيا منامية!!.

(11/88)


الحادية والتسعون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أن الصلاة عليه زكاة
خرّج إسماعيل في كتاب (الصلاة على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم) من حديث سليمان ابن حرب قال: حدثنا سعيد بن زيد عن ليث عن كعب عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: صلوا عليّ فإن صلاتكم عليّ زكاة لكم، قال: واسألوا اللَّه لي الوسيلة،
قال: فإما حدثنا وإما سألناه قال: الوسيلة أعلى درجة في الجنة لا ينالها إلا رجل. وأرجو أن أكون ذلك الرجل [ (1) ] .
وخرّج الحاكم [ (2) ] من حديث ابن وهب. أخبرني عمرو بن الحارث أنّ أبا الشيخ حدثه أن أبا الهيثم حدثه عن أبي سعيد الخدريّ عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أيما رجل كسب مالا من حلال فأطعم نفسه وكساها فمن دونه من خلق اللَّه فإنه له زكاة، وأيما رجل مسلم لم يكن له صدقة فليقل في دعائه: اللَّهمّ صل على محمد عبدك ورسولك، وصل على المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات فإنّها زكاة. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.
وخرجه ابن حبان في (صحيحه) [ (3) ] بسنده ومعناه.
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 3/ 52- 53، حديث رقم (8552) من مسند أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
[ (2) ]
(المستدرك) : 4/ 44، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7175) ، وقال في آخره: «قال: لا يشبع مؤمن يسمع خيرا حتى يكون منتهاه الجنة» .
وقال الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) :
صحيح.
[ (3) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 3/ 185، كتاب الرقائق، باب (6) الأدعية، ذكر البيان بأن صلاة الداعي ربه على صفته صلّى اللَّه عليه وسلّم في دعائه، تكون له صدقة عند عدم القدرة عليها، علة هذا حديث في روايته عن أبي الهيثم. وله شاهد من
حديث أبي هريرة عند ابن أبي شيبة بلفظ «صلوا عليّ فإن الصلاة عليّ زكاة لكم.

(11/89)


الثانية والتسعون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلى عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم في يوم ألف مرة لم يمت حتى يرى مقعده في الجنة
روى العشاريّ من حديث الحكم بن عطية عن ثابت عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من صلّى عليّ في كل يوم ألف مرة لم يمت حتى يرى مقعده في الجنة [ (1) ] .
قال الحافظ أبو عبد اللَّه المقدسيّ في كتاب (الصلاة على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم) لا أعرفه إلا من حديث الحكم بن عطية. قال كاتبه: الحكم بن عطية القيسي البصريّ له في الترمذيّ حديث واحد وقد وثقه ابن معين، وقال النسائيّ: ليس بالقويّ، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، ورواه ابن شاهين من حديث محمد بن أحمد البراء، حدثنا محمد بن عبد العزيز الدينوريّ، حدثنا قرة ابن عبد العزيز بن حبيب. حدثنا الحكم بن عطية، فذكره [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (كنز العمال) : 1/ 505، حديث رقم (2233) ،
وعزاه إلى أبي الشيخ عن أنس، ولفظه «من صلّى عليّ في يوم ألف مرة لم يمت حتى يبشر بالجنة» .
[ (2) ] هو الحكم بن عطية العيشى البصري، قال الترمذيّ: قد تكلم فيه بعضهم، وقال النسائيّ:
ليس بالقوى، وقال مرة: ضعيف. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: يكتب حديثه وليس بمنكر الحديث. وكان أبو داود يذكره بجميل، قلت: يحتج به؟ قال: لا، ليس هو بالمتين. ترجمته في (تهذيب التهذيب) : 2/ 374- 375، ترجمة رقم (758) .

(11/90)


الثالثة والتسعون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلى عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم غفرت له ذنوبه
خرّج أبو يعلى الموصلي من حديث خليفة بن خياط. حدثنا درست بن حمزة عن مطر الوراق عن قتادة عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ما من عبدين متحابين يستقبل أحدهما صاحبه ويصليان على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا لم يتفرقا، حتى يغفر لهما ذنوبهما ما تقدم منها وما تأخر [ (1) ] .

الرابعة والتسعون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم كفارة
روى ابن أبي عاصم من طريق شبابة قال: حدثنا المغيرة بن مسلم عن أبي إسحاق عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: صلوا عليّ، فإن الصلاة عليّ كفارة لكم، فمن صلّى عليّ، صلى اللَّه عليه [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (كنز العمال) : 9/ 135، حديث رقم (25369) ، وعزاه إلى ابن السنى في (عمل اليوم والليلة) ، وابن النجار عن أنس.
[ (2) ] لم أقف عليه.

(11/91)


الخامسة والتسعون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلّى عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم شفع فيه
خرّج الطبراني في (المعجم الكبير) من حديث ابن بكير: حدثنا ابن لهيعة عن بكر ابن سوادة عن زياد بن نعيم عن وفاء بن شريح الحضرميّ عن رويفع بن ثابت الأنصاري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ صلّ على محمد، وأنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة، وجبت له شفاعتي [ (1) ] .
وروى ابن شاهين من حديث عبد اللَّه بن سليمان بن الأشعث. حدثنا علي بن الحسين المكتب، حدثنا إسماعيل بن يحيى بن عبيد اللَّه التيمي، حدثنا فطر بن خليفة عن أبي الطفيل عن أبي بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: من صلّى على، كنت شفيعه [ (2) ] .
وقال ابن أبي داود أيضا: حدثنا علي بن الحسين حدثنا إسماعيل بن يحيى حدثنا فطر بن خليفة عن أبي الطفيل عن أبى بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في حجه الوداع يقول: إن اللَّه وهب لكم [ذنوبكم] عند الاستغفار فمن استغفر بنية صادقة غفر له، ومن قال: لا إله إلا اللَّه رجح ميزانه، ومن صلّى عليّ كنت شفيعه يوم القيامة.
روى إسماعيل من طريق عمرو بن على بن أبي بكر الجشمي عن صفوان بن سليم عن عبيد اللَّه بن عمر قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلّى [علي] وسأل لي الوسيلة، حلت له شفاعتي [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (كنز العمال) : 1/ 497، حديث رقم (2189) ، وعزاه إلى الطبراني والبغوي، عن رويفع بن ثابت.
[ (2) ] (كنز العمال) : 16/ 229، حديث رقم (44869) ، وعزاه إلى أبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري قاضى المارستان في مشيخته، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2192)
وعزاه إلى ابن النجار عن عقبة بن عامر، ولفظه: «من سأل اللَّه لي الوسيلة، حلت عليه شفاعتي يوم القيامة» .

(11/92)


السادسة والتسعون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أولى الناس به صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم القيامة أكثرهم صلاة عليه
خرّج الترمذي [ (1) ] في جامعه من طريق عبد اللَّه بن كيسان عن عبد اللَّه ابن شداد عن أبيه عن ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن أولى الناس بى يوم القيامة أكثرهم على صلاة، قال الترمذي: حديث حسن غريب.
ورواه أبو حاتم بن حبان في (صحيحه) [ (2) ] من حديث خالد بن مخلد عن موسى بن يعقوب عن عبد اللَّه بن كيسان عن عبد اللَّه بن شداد عن أبيه
__________
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 2/ 354، أبواب الصلاة، باب (352) ما جاء في فضل الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (484) .
[ (2) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 3/ 192، كتاب الرقائق، باب (9) الأدعية، حديث رقم (911) ثم قال: قال أبو حاتم رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: في هذا الخبر دليل على أن أولى الناس برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في القيامة يكون أصحاب الحديث، إذ ليس من هذه الأمة قوم أكثر صلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم منهم.
وقال أبو نعيم فيما نقله عنه الخطيب في (شرف أصحاب الحديث) : 35: وهذه منقبة شريفة يختص بها رواة الآثار ونقلتها، لأنه لا يعرف لعصابة من العلماء من الصلاة على رسول اللَّه أكثر مما يعرف لهذه العصابة نسخا وذكرا.
وقال ابن عدي في (الكامل) بعد أن ذكر هذا الحديث: وهذا أيضا يرويه خالد عن موسى بن يعقوب في الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ... هذه الأحاديث التي ذكرتها عن مالك وعن غيره لعله توهما منه أنه كما يرويه أو حمل على حفظه. لأني قد اعتبرت حديثه ما روى الناس عنه من الكوفيين، محمد بن عثمان بن كرامة، ومن الغرباء أحمد بن سعيد الدارميّ، وعندي من حديثهما عن خالد صدر صالح، ولم أجد في كتبه أنكر مما ذكرته، فلعله توهما منه أو حملا على الحفظ، وهو عندي إن شاء اللَّه لا بأس به (الكامل في ضعفاء الرجال) : 3/ 36، ترجمة خالد بن مخلد أبو الهيثم القطواني رقم (25) ، (تهذيب التهذيب) : 3/ 101- 102، ترجمة رقم (221) .

(11/93)


عن ابن مسعود، وهو في (مسند البزار) ، فالذي عند الترمذي عن ابن شداد عن ابن مسعود وعند أبي حاتم عن ابن شداد عن أبيه عن ابن مسعود، وكذلك البغوي عن أبي بكر بن أبي شيبة، حدثنا خالد بن مخلد حدثنا موسى فذكره، وقال: عن ابن شداد عن أبيه عن ابن مسعود.

السابعة والتسعون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم تتأكد الصلاة عليه في واحد وأربعين موضعا إما وجوبا أو استحبابا في آخر التشهد من الصلاة

[وهو الموضع الأول]
وقد أجمع المسلمون على مشروعية الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في هذا الموضع، واختلفوا في وجوبها فيه، فقالت طائفة: ليست الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في آخر التشهد بواجبة، ونسبوا من أوجبها إلى الشذوذ ومخالفة الإجماع، منهم أبو جعفر الطحاوي، والقاضي عياض، والخطابي فإنه قال:
ليست بواجبة في الصلاة، وهو قول جماعة من الفقهاء إلا الشافعيّ، ولا أعلم له قدوة، وكذلك ابن المنذر ذكر أن الشافعيّ تفرد بذلك عدم الوجوب، واحتج القاضي عياض على عدم الوجوب بأن قال: الدليل على أن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ليست من فروض الصلاة عند السلف الصالح قبل الشافعيّ وإجماعهم عليه، وقد شنع الناس عليه هذه المسألة جدا، وهذا تشهد ابن مسعود الّذي اختاره الشافعيّ، وهو الّذي عمله النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكذلك كل من روى التشهد على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كأبى هريرة وابن عباس وجابر وابن عمر وأبي سعيد الخدريّ وأبي موسى الأشعري وعبد اللَّه بن الزبير لم يذكروا فيه.
وقال ابن عباس وجابر: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورد من القرآن، ونحوه عن أبى سعيد، وقال ابن عمر: كان أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يعلمنا التشهد على المنبر كما تعلمون الصبيان في الكتاب، وكان عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يعلمه أيضا على المنبر، يعنى وليس فيه شيء من ذلك، أي أمرهم بالصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم،

(11/94)


وقال أبو عمر بن عبد البر في كتاب (التمهيد) : ومن حجة من قال إن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ليست بواجبة في الصلاة
حديث الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمر قال: أخذ علقمة بيدي فقال: إن عبد اللَّه بن مسعود أخذ بيدي، وقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخذ بيدي كما أخذت بيدك فعلمني التشهد، فقال: قل:
التحيات للَّه والصوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته، السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين، أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، قال: فإذا قلت ذلك فقد قضيت الصلاة، فإن شئت فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد.
قالوا: ففي هذا الحديث ما يشهد لمن لم ير الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في التشهد واجبة ولا سنة مسنونة، لأن ذلك لو كان واجبا أو سنه لبين ذلك وذكره آنفا.
وقد روى أبو داود والترمذي والطحاوي من حديث عبد اللَّه بن عمر قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا رفع أحدكم رأسه من آخر السجود فقد مضت صلاته إذا أحدث.
واللفظ لحديث الطحاوي، وعندكم لا تمضى صلاتكم حتى يصلى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم.
قالوا: وقد روى عاصم بن حمزة عن عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إذا جلس مقدار التشهد ثم أحدث فقد تمت صلاته.
ومن حجتهم أيضا حديث الأعمش عن أبى وائل عن ابن مسعود في التشهد وقال: ليتخير ما أحب من الكلام، يعنى ولم يذكر الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ومن حجتهم
حديث فضالة بن عبيد أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سمع رجلا يدعوني في صلاته لم يحمد اللَّه ولم يصل على النبي فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: عجل هذا ثم دعاه فقال له أو لغيره: إذا صلّى أحدكم فليبدأ بحمد اللَّه والثناء عليه ثم يدعو بما شاء.
ففي هذا الحديث أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يأمر المصلى إذا لم يصلّ على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في صلاته بالإعادة كما أمر الّذي لم يتم ركوعه وسجوده بالإعادة، فلو كانت فرضا، لأمره بإعادة الصلاة.
واحتجوا أيضا بأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يعلمها المسيء في صلاته، ولو كانت من فروض الصلاة التي لا تصح إلا بها، لعلمه إياها، كما علمه القراءة

(11/95)


والركوع والسجود والطمأنينة في الصلاة، قالوا: والفرائض تثبت بالدليل الصحيح، لا معارض له من مثله أو بإجماع من تقوم الحجة بإجماعهم، فهذا جل ما احتج به نفاة الوجوب، وعارضهم من ذهب إلى الوجوب بأن قالوا: إنما نسبتكم الشافعيّ رحمه اللَّه ومن قال بقوله في هذه المسألة إلى الشذوذ ومخالفة الإجماع فغير مسلم به. فقد قال بقوله جماعة من الصحابة ومن بعدهم، منهم عبد اللَّه بن مسعود وأبو مسعود فإنه كان يراها واجبة، ويقول: لا صلاة لمن لا يصلى فيها على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وذكره ابن عبد البر من طريق عثمان بن أبي شيبة عن شريك عن جابر الجعفي عن أبى جعفر محمد بن علي عن أبي مسعود قال: ما أرى أن صلاة لي تمت حتى أصلى فيها على محمد وعلى آل محمد.
وعبد اللَّه بن عمر ذكر أن الحسن بن شبيب المعمري، حدثنا علي بن ميمون، حدثنا خالد بن حيان عن جعفر بن برقان عن عقبة بن نافع عن ابن عمر أنه قال: لا تكون الصلاة إلا بقراءة وتشهد وصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فإن نسيت شيئا من ذلك فاسجد سجدتين بعد الصلاة. ومن التابعين أبو جعفر محمد بن على والشعبي ومقاتل بن حيان وبه قال إسحاق بن راهويه قال: إن تركها عمدا لم تصح صلاته وإن تركها سهوا رجوت أن تجزئه.
وعن إسحاق في ذلك روايتان، ذكرهما حرب في مسأله في باب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد التشهد، قال: سألت إسحاق قلت: الرجل إذا تشهد فلم يصل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أما أنا فأقول: إن صلاته جائزة وقال الشافعيّ:
لا تجوز صلاته، ثم قال: أنا أذهب إلى حديث الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيرة، فذكر حديث ابن مسعود قال: وسمعت أبا يعقوب يعنى إسحاق يقول:
إذا فرغ من التشهد- إماما كان أو مأموما- لا يجزئه غير ذلك، لقول أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قد عرفنا السلام عليك يعنى في التشهد فكيف الصلاة عليك؟ فأنزل اللَّه تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، وفسّر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كيف هي؟ فأدنى ما ذكر عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عليه يكفيك قليله بعد التشهد، والتشهد والصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الجلسة الأخيرة هما عملان لا يجوز لأحد أن يترك واحدا منهما عمدا، وإن كان ناسيا رجونا أن تجزئه مع أن بعض

(11/96)


علماء الحجاز قال: لا يجزئه ترك الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فإن تركه أعاد الصلاة، انتهى.
وقد اختلفت الرواية عن أحمد بن حنبل أيضا، ففي (مسائل المروزي) قيل لأبى عبد اللَّه: إن ابن راهويه يقول: لو أن رجلا ترك الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في التشهد، بطلت صلاته، قال: ما أجترئ أن أقول هذا. وقال مرة: هذا شذوذ في مسائل أبى زرعة الدمشقيّ.
قال أحمد: كنت أتهيب ذلك، ثم تبينت فإذا الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم واجبة، وظاهر هذا أنه رجع عن قوله بعدم الوجوب، وأما قولكم رضي اللَّه عنكم: إن الدليل على الوجوب عمل السلف الصالح قبل الشافعيّ وإجماعهم عليه، فجوابه أن استدلالهم إما أن يكون بعمل الناس في صلاتهم، وإما بقول أهل الإجماع إنها ليست بواجبة، فإن كان الاستدلال بالعمل فهو من أقوى حججنا عليكم، فإنه لم يزل عمل الناس مستمرا قرنا بعد قرن وعصرا بعد عصر على الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في آخر التشهد، إمامهم، ومأمومهم، ومنفردهم، حتى لو سئل كل مصل هل صليت على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في صلاتك هذه؟
فقال: لم أصل عليه فيها وعلم المأمور ذلك، لأنكروا عليه، وهذا أمر لا يمكن إنكاره. فالعمل أقوى حجة عليكم فكيف يسوغ لكم أن تقولوا: علم السلف الصالح قبل الشافعيّ ينفى الوجوب؟ أفترى السلف الصالح كلهم؟ ما كان أحد منهم قط يصلى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في صلاته؟ فإن قلتم: نعم كانوا كذلك علم كل أحد بطلان ذلك، وأما إن كان احتجاجكم بقول أهل الإجماع: إنها ليست بفرض، فهذا مع أنه لم يتم عملا لم يعمله أهل الإجماع، وإنما هو مذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابهما، وغايته أنه قول كثير من أهل العلم، ونازعهم في ذلك آخرون من الصحابة والتابعين وأرباب المذاهب، فهذا ابن مسعود، وابن عمر، والشعبي، ومقاتل بن حيان، وجعفر بن محمد، وإسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل في أحد قوليه، يوجبون الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في التشهد، فأين إجماع المسلمين مع خلاف هؤلاء؟ وأين عمل السلف الصالح وهؤلاء من أفاضلهم؟ ولكن هذا من شأن من لم يتبع مذاهب العلماء، حتى يعلم مواضع الإجماع والنزاع.

(11/97)


وأما قوله: وقد شنع الناس المسألة على الشافعيّ جدا، فيا سبحان اللَّه! أي شناعة عليه إن هي إلا من محاسن مذهبه؟ فأى كتاب خالف الشافعيّ في هذه المسألة؟ أهل هي فرض؟ أم سنة؟ أم إجماع؟ إنما قال قولا اقتضته الأدلة، وقامت على صحته، فالصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الصلاة من تمام الصلاة بلا خلاف.
وأما تمام واجباتها أو مستحباتها وهو- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- رأى أنها من تمام واجبات الصلاة بالأدلة التي تأتى إن شاء اللَّه تعالى، فلا إجماعا حرفه، ولا نصا خالفه، فمن أي وجه يشنع عليه؟ وهل الشناعة إلا بمن عليه أليق، وبه ألحق؟
وأما قوله: وهذا تشهد ابن مسعود الّذي اختاره الشافعيّ وهو الّذي علمه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إياه إلى آخره، فالشافعي إنما اختار تشهد عبد اللَّه بن عباس، والّذي اختار تشهد ابن مسعود أبو حنيفة وأحمد، واختار مالك تشهد ابن عمر، والجواب من وجوه:

أحدها:
أن تقول بموجب هذا الدليل، فإن مقتضاه وجوب التشهد ولا ينفى وجوبه وجوب غيره، فإنه لم يقل إن هذا التشهد جمع الواجب من الذكر في هذه القعدة، فإيجاب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بدليل آخر لا يكون معارضا بترك تعليمه في أحاديث التشهد.

الثاني:
أنكم توجبون السلام من الصلاة، ولم يعلمهم إياه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فإن قلتم: فإنما أوجبنا السلام ب
قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: تحريمها التكبير وتحليلها التسليم،
قلنا:
ونحن أوجبنا الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالأدلة المقتضية لها، فإن كان تعليم التشهد وحده مانعا عن إيجاب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، كان مانعا من إيجاب السلام، وإن لم يمنعه، لم يمنع وجوب الصلاة.

الثالث:
أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كما علمهم التشهد، علمهم الصلاة عليه، فكيف يكون تعليمهم التشهد دليل وجوبها؟ وتعليمهم الصلاة لا يدل على وجوبها؟ فان قلتم: التشهد الّذي علمهم إياه هو تشهد الصلاة، ولهذا قال فيه: فإذا جلس أحدكم فليقل: التحيات للَّه، وأما تعليم الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم فإنه مطلق غير مقيد حالة الصلاة، قلنا: والصلاة عليه أيضا في بحالة الصلاة لوجوه:

(11/98)


أحدها:
حديث محمد بن إبراهيم التيمي الّذي تقدم وقوله: وكيف نصلي عليك إذا نحن جلسنا؟.

الثاني:
أن الصلاة التي سألوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يعلمهم إياها نظير السلام الّذي علموه، لأنهم قالوا: هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك؟
ومن المعلوم أن السلام الّذي علموه هو قولهم في الصلاة: السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته، فوجب أن تكون الصلاة المقرونة به هي في الصلاة.

الثالث:
أنه لو قدر أن أحاديث التشهد تنفى وجوب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكانت أدلة وجوبها مقدمة ذلك على تلك، لأن نفيها باق على استحباب البراءة الأصلية، ووجوبها ناقل عنها، والناقل مقدم على المنفي، فكيف ولا تعارض، فإن غاية ما ذكرتم من تعليم التشهد أدلة ساكتة عن وجوب شيء لا يكون معارضا لما نطق به فضلا أن يقدم عليه؟

الرابع:
أن تعليمهم التشهد كان متقدما، ولعله من حين فرضت الصلاة، وأما تعليمهم الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فإنه كان بعد نزول قول اللَّه تعالى:
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ الآية، ومعلوم أن هذه الآية نزلت في الأحزاب بعد نكاحه صلّى اللَّه عليه وسلّم زينب بنت جحش، وبعد تخييره أزواجه، فهي بعد فرض التشهد، فلو قدر أن فرض التشهد كان نافيا لوجوب الصلاة عليه، كان منسوبا بأدلة الوجوب فإنّها متأخرة، والفرق بين هذا الوجه والوجه الّذي قبله:
أن هذا الوجه: يقتضي تقديم أدلة الوجوب لتأخرها، والوجه الّذي قبله: يقتضي تقديم لرفع البراءة الأصلية من غير نظر إلى تقدم وتأخر، والّذي يدل على تأخر الأمر بالصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عن التشهد قولهم: أما السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك؟ ومعلوم أن السلام عليه مقرون بذكر التشهد لم يشرع في الصلاة وحده بدون ذكر التشهد واللَّه أعلم.
وأما قوله: ومن حجة من لم يرها فرضا في الصلاة حديث الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة ... الحديث، وفيه: فإذا قلت ذلك، فقد قضيت الصلاة فإن شئت فقم، وإن شئت فاقعد، وأنه يذكر في الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجوابه من وجوه.

(11/99)


أحدها:
أن هذه الزيادة مدرجة في الحديث ليست من كلام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على ما نبه الحفاظ أئمة الإسلام، قال الدارقطنيّ في كتاب (العلل) : رواه الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة عن علقمة عن عبد اللَّه، حدث به عنه محمد بن عجلان وحسين الجعفي وزهير بن معاوية وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، فأما ابن عجلان وحسين الجعفي فاتفقا على لفظه، وأما زهير فزاد عليهما في آخره كلاما أدرجه بعض الرواة عن زهير في حديث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو قوله: إذا قضيت هذا، أو فعلت هذا، فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم.
ورواه شبابة بن سواد عن زهير، ففصل فيه بين لفظ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال فيه: عن زهير، قال ابن مسعود: هذا الكلام وكذلك رواه ابن يونان عن الحسن بن الحر، فبينه وفصل كلام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من كلام ابن مسعود وهو الصواب.
وقال في كتاب (السنن) : وقد ذكر حديث الحسن بن الحر من طريق حسين الجعفيّ عنه من غير هذه الزيادة، ثم قال: وتابعه ابن عجلان ومحمد بن أبان عن الحسن بن الحر.
ورواه زهير بن معاوية عن الحسن بن الحر فزاد في آخره كلاما، وهو قوله: إذا قلت هذا، أو فعلت هذا فقد قضيت الصلاة، فإن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن فاقعد، فأدرجه بعضهم عن زهير في الحديث، وذكره ووصله بكلام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شبابة عن زهير، وجعله من كلام عبد اللَّه بن مسعود.
وقوله أشبه بالصواب من قول من أدرجه في حديث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، لأن ابن ثوبان رواه عن الحسن بن الحر كذلك، وجعل آخره من قول ابن مسعود، ولاتفاق حسين الجعفي وابن عجلان ومحمد بن أبان في رواياتهم عن الحسن على ترك ذكره في آخر الحديث، مع اتفاق كل من روى التشهد عن علقمة وعن غيره عن عبد اللَّه بن مسعود على ذلك، فأما
حديث شبابة عن زهير فحدثنا محمد بن إسماعيل الصفار أنبأنا الحسن بن مكرم أنبأنا شبابة بن سوار أنبأنا أبو خيثمة زهير بن معاوية، أنبأنا الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة قال: أخذ علقمة بيدي، فقال: أخذ عبد اللَّه بن مسعود بيدي، فقال: أخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيدي. فعلمني التشهد: التحيات للَّه والصوات والطيبات،

(11/100)


السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته، السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين، أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله،
قال عبد اللَّه: فإذا قلت ذلك، فقد قضيت ما عليك من الصلاة، فإن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد، قال الدارقطنيّ: شبابة ثقة، وقد فصل آخر الحديث، جعله من قول ابن مسعود وهو أصح من رواية: من أدرك آخره في كلام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد تابعه غسان ابن الربيع وغيره. فرووه عن ابن ثوبان عن الحسن كذلك، وجعل آخر الحديث من كلام ابن مسعود، ولم يرفعه إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وذكر الخطيب البغدادي في كتاب (الفصل) : أن قول من فصل كلام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من كلام ابن مسعود هو الصواب، وبين أن هذه الزيادة مدرجة، واللَّه تبارك وتعالى أعلم.
فإن قيل: إنكم رويتم عن ابن مسعود: أن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم واجبة في الصلاة، وادعاؤكم أن الزيادة في حديث الحسن بن الحر مدرجة وهي من قول ابن مسعود يبطل ما رويتم عنه، بدليل أنه إن كان الحديث من كلام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فهو نقل في عدم وجوبها، وإن كان من كلام ابن مسعود، فهو مبطل لما رويتموه عنه. أجيب عنه بأجوبة.

أحدها:
أن قوله: إذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك معناه، أنها قد قاربت التمام، لإجماعنا وإياكم على أن الصلاة لم تتم.
ورد هذا الجواب بأنه قال: فإن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد، وعند من يوجب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يخير بين القيام والقعود، حتى يأتي بها.

الثاني:
أن هذا حديث خرّج على معنى التشهد، وذلك أنهم كانوا يقولون في الصلاة: السلام على اللَّه، فقيل لهم: إن اللَّه هو السلام فعلمهم التشهد، ومعنى قوله: فإذا قلت ذلك فقد قضيت صلاتك، يعنى إذا ضم إليها ما يجب فيها مع ركوع وسجود وتسليم وسائر أحكامها، وألا ترى أنه لم يذكر التسليم من الصلاة وهو من فرائضها لأنه قد وقفتم عليه فاستغنى عن إعادة ذلك عليهم؟ ونظير حديث ابن مسعود هذا
قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم في الصدقة: إنها تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم،
أي مع من ضم إليهم وسمى معهم في القرآن، وهم

(11/101)


الثمانية الأصناف، ومثله أيضا قوله في حديث المسيء في صلاته: ارجع فصل فإنك لم تصل، ثم أمره بفعل ما رآه لم يأت به، ولم يقيمه في صلاته، فقال: إذا قمت إلى الصلاة ... فذكر الحديث، وسكت له عن التشهد والتسليم، وقد قام الدليل من غير هذا الحديث على وجوب التشهد والتسليم عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم بما علمهم من ذلك كما يعلمهم السورة من القرآن، وأعلمهم أن ذلك في صلاتهم، وقام الدليل أيضا في المسألة أنه إنما يتحلل من الصلاة به لا بغيره من هذا الحديث، فذكر أن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مأخوذة من غير ذلك الحديث.
وأيضا جاز لمن جعل التشهد فرضا بحديث ابن مسعود هذا حتى رد على من خالفه، وقال: إذا قعد مقدار التشهد فقد تمت صلاته، بأن ابن مسعود إنما علق التمام في حديثه بالتشهد جاز لمن أوجب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يحتج بالأحاديث الموجبة لها ولكون حجته منها على من نفى وجوبها كالحجة من حديث ابن مسعود على من نفى وجوب التشهد ووجوب القعدة معه، واستدلالنا أقوى من استدلالكم، لأنه استدلال بكتاب اللَّه، وسنة رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعمل الأمة قرنا بعد قرن، فإن لم يكن ذلك أقوى ممن استدل على وجوب التشهد لم يكن دونه، وإن كان في هذه المسألة من الفقهاء من ينازعنا، فهو كمن ينازعكم من الفقهاء في وجوب التشهد، والحجة في الدليل أين كان ومع من كان الجواب.

الثالث:
أنه لا يمكن أحد من منازعينا أن يحتج علينا بهذا الأثر لا مرفوعا ولا موقوفا، فإنه يقال لمن يحتج به إما أن يكون قوله: فإذا قلت هذا، فقد تمت صلاتك مقتصرا عليه أو مضافا إلى سائر واجباتها.
والأول: محال أو باطل ...
والثاني: حق ولكنه لا ينفى وجوب شيء مما تنازع فيه الفقهاء من واجبات الصلاة فضلا عن نفيه، وجوب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فهذا التسليم من تمام الصلاة وواجباتها عند مالك، وكذا الجلوس للتشهد وإن لم يذكره، وكذا إن كان عليه سهو واجب، فإنه لا تتم الصلاة إلا به وليس لشيء من ذلك ذكر في هذا الأثر.

(11/102)


الجواب الرابع:
أن عند أبي حنيفة رحمه اللَّه أن التشهد ليس بفرض، وإذا جلس مقدار التشهد فقد تمت صلاته تشهد أو لم يتشهد، والحديث دليل على أن الصلاة لا تتم إلا بالتشهد فإن كان استدلالكم بأن علق التمام بالتشهد، فلا تصح الصلاة بعدمه صحيحا فهو حجة عليكم في قولكم بعدم وجوب التشهد.
لأنه علق به التمام، وبطل قولكم بنفي فريضة التشهد، وإن لم يكن الاستدلال به صحيحا بطلت معارضة أدلة الوجوب، وبطل قولكم بنفي الوجوب للصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فعلى كلا التقديرين قولكم بطل، فإن قلتم: نحن نجيب عن هذا بأن قوله: فإن قلت هذا تمت صلاتك المراد به تمام الاستحباب وتمام الواجب قد نقضي بالجلوس. قيل لكم: هذا فاسد على قول من نفى وجوب الصلاة عليه، وعلى قول من أوجبها لأن من نفى وجوبها لا ينازع في أن تمام الاستحباب موقوف عليها فإن الصلاة لا تتم التمام المستحب إلا بها، ومن أوجبها يقول: لا تتم التمام الواجب إلا بها فعلى التقديرين لا يمكنكم الاستدلال بالحديث أصلا.
وأما قوله:
روى أبو داود والترمذي حديث عبد اللَّه بن عمرو، وفيه:
فإذا رفع رأسه من السجدة فقد مضت صلاته،
جوابه من وجوه:

أحدها:
أن الحديث معلول وبيان علته من وجوه.

الثاني:
أن الترمذي قال: ليس إسناده بالقوى وقد اضطربوا في إسناده.

الثالث:
أنه من رواية عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي وقد ضعفه غير واحد من الأئمة.
الرابع:
أنه من رواية بكر بن سواد عن عبد اللَّه بن عمرو ولم يلقه فهو منقطع
. الخامس:
أنه مضطرب الإسناد كما قال الترمذي.

السادس:
أنه مضطرب المتن، مرة يقول: إذا رفع رأسه من السجدة فقد مضت صلاته، ولفظ أبي داود والترمذي غير هذا، وهو إذا أحدث الرجل وقد جلس في آخر صلاته قبل أن يسلم فقد جازت صلاته، وهذا غير لفظ الطحاوي، ورواه الطحاوي أيضا بلفظ آخر فقال: إذا قضى الإمام صلاته فقعد

(11/103)


فأحدث هو أو واحد ممن أتم الصلاة معه فأحدث، قبل أن يسلم الإمام فقد تمت صلاته، فلا يعود فيها فهذا معناه غير معنى الأول.
قال: الطحاوي وقد روى بلفظ آخر: إذا رفع المصلي رأسه من آخر صلاته وقضى تشهده ثم أحدث فقد تمت صلاته، وكلها مدارها على الإفريقي، ويوشك أن يكون هذا من سوء حفظه. وأما
قول على- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: إذا جلس مقدار التشهد تمت صلاته،
فجوابه أن على بن سعيد قال في مسأله: سألت أحمد بن حنبل عن ترك التشهد فقال: يعيد.
قلت: فحديث على إذا قعد مقدار التشهد؟ فقال: لا يصح. وقد روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بخلاف حديث على وعبد اللَّه بن عمر.
وأما قوله: روى الأعمش عن أبى قصة التشهد وقال: ثم ليتخير من الكلام ما أحب ولم يذكر الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فجوابه: أن غاية هذا أن يكون ساكتا عن وجوب الصلاة، فلا يكون معارضا لأحاديث الوجوب.
وأما قوله: وحديث فضالة بن عبيد يدل على نفى الوجوب، فجوابه أن حديث فضالة حجة لنا في المسألة، لأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أمره بالصلاة عليه والتشهد، وأمره للوجوب، فهو نظير أمره بالتشهد، وإذا كان الأمر متناولا لهما معا فالتفريق بين المأمور عن تحكم، فإن قلتم: التشهد عندنا ليس بواجب. قلنا:
الحديث حجة لنا عليكم في المسألتين والواجب اتباع الدليل، قوله: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يأمر هذا المصلي بإعادة الصلاة، ولو كانت الصلاة عليه فرضا لأمره بإعادتها كما أمر المسيء في صلاته، وجوابه من وجوه:

أحدها:
أن هذا كان عالما بوجوبها معتقدا أنها غير واجبة فلم يأمره صلّى اللَّه عليه وسلّم بالإعادة، أوامره في المستقبل بكونها، دليل على وجوبها وترك أمره بالإعادة دليل على أنه يعذر الجاهل بعدم الوجوب وهذا كما يأمر المسيء في صلاته بإعادة ما مضى من الصلوات، وقد أخبره أنه لا يحسن غير تلك الصلاة عذرا له بالجهل.
فإن قيل: فلم أمره أن يعيد تلك الصلاة ولم يعذره فيها بالجهل؟ قلت:
لأن الوقت باق وقد علمه أركان الصلاة فوجب عليه أن يأتى بها، فإن قيل:
فهل لا أمر تارك الصلاة عليه بإعادة تلك الصلاة كما أمر المسيء؟ قلنا: أمره

(11/104)


صلّى اللَّه عليه وسلّم بالصلاة فيها، فحكم ظاهر في الوجوب ويحتمل أن الرجل لما سمع ذلك الأمر من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بادر إلى الإعادة من غير أن يأمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بها، ويحتمل أن تكون الصلاة نفلا فلا تجب إعادتها، ويحتمل ذلك، فلا يترك الظاهر من الأمر وهو دليل محكم لهذا المشتبه المحتمل.
فحديث فضالة إما مشترك الدلالة على السواء فلا حجة لكم، وإما راجح الدلالة في جانبنا فذكرناه، فلا حجة لكم فيه أيضا، فعلى التقديرين سقط احتجاجكم به، وقوله: لم يعلمها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم المسيء في صلاته ولو كانت فرضا له لعلمها إياه، جوابه من وجوه:

أحدها:
أن حديث المسيء هذا قد جعله المتأخرون مستندا لهم، ونفى كل ما ينفون وجوبه، وحملوه فوق طاقته، وبالغوا في نفى ما اختلف في وجوبه، فمن نفى وجوب الفاتحة احتج به، ومن نفى وجوب التشهد احتج به، ومن نفى وجوب التسليم احتج به، ومن نفى وجوب الصلاة على النبي احتج به، ومن نفى وجوب الطمأنينة في الصلاة احتج به، ومن نفى وجوب التكبيرات احتج به وكل هذا تساهل واسترسال في الاستدلال، وإلا فعند التحقيق لا ينبغي وجوب شيء من ذلك بل غايته أن يكون قد سكت عن وجوبه ونفيه، فإيجابه بالدلالة الموجبة لا يكون معارضا به، فإن قيل: سكوته عن الأمر يدل على أنه ليس بواجب لأنه من مقام البيان، وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز، قلنا: يلزمكم على هذا أن لا يجب التشهد، ولا الجلوس، ولا السلام، ولا النية، ولا قراءة الفاتحة، ولا كل شيء لم يذكره في الحديث حتى ولا استقبال القبلة، ولا الصلاة في الوقت، لأنه لم يأمره بشيء من ذلك فهذا لا يترك أحد.
وإن قلتم: إنما علمه ما أساء فيه وهو لم يسيء في ذلك، قيل لكم:
فاقنعوا لهذا الجواب من منازعكم في كل ما نفيتم وجوبه بحديث المسيء.

الثاني:
أن أمره صلّى اللَّه عليه وسلّم بالصلاة عليه ظاهر في الوجوب، وترك أمره المسيء به يحتمل أمورا، منها أنه لم يسئ فيه، أو أنه وجب بعد ذلك، أو أنه علمه معظم الأركان وأهمها، وأحال بقية تعليمه على مشاهدته صلّى اللَّه عليه وسلّم في صلاته أو على تعليمه بعض الصحابة له، فإنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان بأمرهم بتعليم بعضهم بعضا، وكان من المستقر عندهم أنه دلهم على تعليم الجاهل وإرشاد الضال، فأى

(11/105)


محذور في أن يكون النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم علمه بعض الصحابة، وعلمه بعض الصحابة بعضهم [ (1) ] الآخر، وإذا احتمل هذا لم يكن هذا المشتبه المحتمل معارضا لأدلة وجوب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ولا غيرها من واجبات الصلاة فرضا على أنه تقدم عليها، فالواجب تقديم الصريح المحكم على المشتبه المحتمل.
وقوله: الفرائض إنما تثبت بدليل صحيح لا معارض له من مثله، أو إجماع، قلنا: استمعوا أدلتنا على الوجوب، فلنا عليه أدلة، فالدليل الأول قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً، وجه الدلالة أن اللَّه تعالى أمر المؤمنين بالصلاة والتسليم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأمره المطلق على الوجوب ما لم يقم دليل على خلافه، قد ثبت أن أصحابه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد سألوه عن كيفية هذه الصلاة المأمور بها
فقال: قولوا:
اللَّهمّ صلّ على محمد..
الحديث. وقد ثبت أن السلام الّذي علموه هو السلام عليه في الصلاة، وهو سلام التشهد، فمخرج الأمرين واحد، يوضح أنه علمهم التشهد آمرا لهم به، وفيه ذكر التسليم عليه فسألوا عن الصلاة عليه فعلمهم إياها ثم شبهها بما علموه من التسليم عليه، وهذا يدل على الصلاة والتسليم عليه في الصلاة ويتضح أنه لو كان المراد بالصلاة والتسليم عليه خارج الصلاة فيها لكان كل مسلم منهم إذا سلّم عليه يقول له: السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته، ومن المعلوم أنهم لم يكونوا يتقيدون في السلام عليه بهذه الكيفية، بل كان الداخل منهم عليه يقول: السلام عليكم، وربما قال: السلام على رسول اللَّه، وربما قال: السلام عليه من أول الإسلام بتحية الإسلام وإنما الّذي علموه قدر زائد عليها، وهو السلام عليه في الصلاة يوضحه حديث ابن إسحاق: كيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ وقد صحح هذه اللفظة ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطنيّ والبيهقي كما تقدم.
__________
[ (1) ] في الأصل: «البعض الآخر» ، وما أثبتناه حق اللغة، حيث إن كلمة «بعض» لا تأتى إلا نكرة غالبا، ويكون تعريفها بالإضافة دون الألف واللام، وبها جاء التنزيل قال تعالى:
بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، بَعْضُكُمْ بَعْضاً.

(11/106)


وإذ تقرر أن الصلاة المسئول عن كيفيتها هي الصلاة عليه في نفس الصلاة وقد خرّج ذلك مخرج البيان المأمور به في القرآن، ثبت أنها على الوجوب، ويضاف إلى ذلك أمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فإن قيل: يحتمل قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم:
والسلام كما علمتم أمرين:

أحدهما:
أن يراد به السلام عليه في الصلاة.

الثاني:
أن يراد به السلام من الصلاة كما قد قاله أبو عمر بن عبد البر* أجيب بأن في نفس الحديث أنهم قالوا: هذا السلام عليك يا رسول اللَّه قد عرفناه. فكيف الصلاة؟ وهم إنما سألوه عن كيفية الصلاة، والسلام المأمور بهما في الآية لا عن كيفية السلام من الصلاة. وإن قيل هذا إنما يدل دلالة اقتران الصلاة والسلام، والسلام واجب في التشهد، فكذا الصلاة ودلالة الاقتران ضعيفة. أجيب أنا لم نحتج بدلالة الاقتران، وإنما استدلالنا بالأمر بها في القرآن وبينا أن الصلاة التي سألوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يعلمهم إياها إنما هي الصلاة التي في الصلاة.
وإن قيل: لا نسلم وجوب السلام ولا الصلاة واستدلالكم إنما يتم بعد تسليمه وجوب السلام عليه. أجيب بأنه لا يعترض على الأدلة من الكتاب والسنة بخلاف المخالف، فكيف يكون خلافكم في مسألة قد قام الدليل على قول منازعكم مبطلا لدليل صحيح لا معارض له في مسألة أخرى؟ وهل هذا إلا عكس طريقة أهل العلم بأن الأدلة هي التي تبطل ما خالفها من الأقوال، ويعترض بها من خالف موجبيها؟ فتقدم على كل قول اقتضى خلافها، لا أن أقوال المجتهد يعارض بها الأدلة، وتقدم عليها، ثم إن الحديث حجة عليكم في المسألتين، فإنه دليل على وجوب التسليم والصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم فيجب المصير إليه.

الدليل الثاني:
أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يقول ذلك في التشهد وأمرنا أن نصلي كصلاته، وهذا على وجوب فعل ما فعل في الصلاة، إلا ما خصه الدليل، فهاتان مقدمتان.

أما المقدمة الأولى:
فبيانها ما
روى الشافعيّ في (مسندة) عن إبراهيم ابن محمد. حدثني سعد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه يقول في الصلاة: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل

(11/107)


محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد
وهذا وإن فيه إبراهيم بن يحيى فقد وثقه الشافعيّ وابن الأنفهاني وابن عدي وابن عقدة وضعفه آخرون.

وأما المقدمة الثانية:
فبيانها ما
روى البخاريّ في (صحيحه) من حديث مالك بن الحويرث وفيه: وصلوا كما رأيتموني أصلي.

الدليل الثالث:
حديث فضالة بن عبيد فإن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال له أو لغيره:
إذا صلّى أحدكم فيبدأ بحمد اللَّه والثناء عليه ثم ليصل على النبي ثم ليدع بما شاء. رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم.
فإن قيل: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يأمر هذا المصلي بالإعادة، أجيب بأنه قد تقدم جوابه فإن قيل: إن هذا الدعاء كان بعد الصلاة لا فيها بدليل ما
خرجه الترمذيّ في جماعة من حديث رشدين بن سعد، ولفظه: فبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قاعدا إذ دخل عليه رجل فصلى فقال: اللَّهمّ اغفر لي وارحمني. فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا صليت فاحمد اللَّه بما هو أهله ثم صل عليّ ثم ادعه.
أجيب بأن رشدين ضعفه أبو زرعة وغيره فلا يكون حجة مع استقلاله فكيف إذا خالف الثقات الأثبات؟ لأن كل من روى هذا الحديث، قال: سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رجلا يدعو في صلاته، ثم إن رشدين لم يقل في حديثه إن هذا الداعي دعا بعد انقضاء الصلاة، ولا يدل لفظه على ذلك بل قال: فصلى فقال: اللَّهمّ اغفر لي وارحمني وهذا لا يدل على أنه قال بعد فراغه من الصلاة، بل نفس الحديث دليل على قولنا فإنه
قال: إذا صلى أحدكم فيبدأ بتحميد اللَّه.
والمعلوم إنه لم يرد بذلك بعد الفراغ من الصلاة بل الدخول فيها ويؤيده أن عامة أدعيه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إنما كانت في الصلاة لا بعدها كحديث أبى هريرة، وعليّ، وأبى موسى، وعائشة، وابن عائشة، وحذيفة، وعمار، وغيرهم، ولم ينقل أحد منهم أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يدعو بعد صلاته في حديث صحيح، ولما سأله أبو بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-[عن ما كان] يدعو به في صلاته لم يقل خارج الصلاة وكذا لم يقل لهذا الداعي: بعد سلامك من الصلاة، لا سيما والمصلي يناجي ربه تعالى مقبلا عليه، فدعاؤه ربه تعالى في هذه الحال أنسب من دعائه له تعالى بعد انصرافه عنه وفراغه من مناجاته،
وقد قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: فاحمد

(11/108)


اللَّه بما هو أهله،
وهذا إنما أراد به التشهد وقت القعود، ولهذا
قال: إذا صليت فاقعد
يعنى في التشهد فأمره بحمد اللَّه والثناء عليه والصلاة على الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم فإن قيل: إن الّذي أمره أن يصلي عليه فيه بعد تحميد اللَّه غير معين، فلم قلتم:
أنه بعد التشهد؟ وأجيب بأنه ليس في الصلاة موضع يشرع فيه الثناء على اللَّه تعالى، ثم الصلاة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم الدعاء إلا في التشهد آخر الصلاة، وذلك لا يشرع في القيام، ولا في الركوع، ولا في السجود، فلم أنه إنما أراد آخر الصلاة حال جلوسه في التشهد، وإن قيل: إنه أمره بالدعاء عقب الصلاة والدعاء ليس بواجب وكذا الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أجيب بأنه لا يستحيل أن يأمر بشيئين فيقوم الدليل على عدم وجوب أحدهما ويبقى الآخر على الوجوب، ثم إن هذا المذكور من الحمد والثناء واجب. قيل: الدعاء فإنه هو التشهد. قد أمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم به، وأخبر الصحابة أنه فرض عليهم، ولم يكن اقتران الأمر بالدعاء به مسقطا لوجوبه، فكذا الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ومع ذلك فقولكم الدعاء لا يجيب غير مسلم، فإن من الدعاء ما هو واجب، وهو الدعاء بالتوبة والاستغفار من الذنوب، والهداية والعفو وغير ذلك.
وقد روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: من لم يسأل اللَّه يغضب عليه،
فالغضب لا يكون إلا بترك واجب أو فعل محرم. وإن قيل: لو كانت الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فرضا في الصلاة لم يؤخر بيانها إلى هذا الوقت حتى يرى رجلا يفعلها فيأمره بها، ولو كان العلم بوجوبها مستفادا بمثل هذا الحديث أجيب بأنه لم نقل قط أنها وجبت على الأمة إلا بهذا الحديث، بل هذا المصلى قد كان تركها فأمره النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بما هو مستقر من شرعه، وهذا كحديث المسيء في صلاته، فإن وجوب الركوع، والسجود، والطمأنينة على الأمة، لم يكن مستفادا من حديثه، وتأخر بيان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لذلك إلى حين صلاة هذا الأعرابي، وإنما أمره أن يصلى الصلاة التي شرعها لأمته قبل هذا، وإن قيل: إن أبا داود والترمذيّ قالا في حديث فضالة ولغيره محرف «أو» ولو كان هذا واجبا على مكلف لم يكن ذلك له أو لغيره، أجيب بأن الرواية الصحيحة التي رواها ابن خزيمة وابن حبان إنما هي: فقال له ولغيره بالواو وكذا رواه الإمام أحمد والدارقطنيّ والبيهقيّ. ثم إن «أو» هذه ليست للتخيير حتى يصح الاعتراض بل

(11/109)


هي للتقييم والمعنى: أن أي مصل فليقل: ذلك هذا وغيره. قال اللَّه تعالى:
وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً ليس المراد «أو» التخيير، بل المعنى أن أيهما كان فلا تطعه. أما هذا الحديث، والحديث مع ذلك صريح في المعنى بقوله: إذا صلّى أحدكم فيبدأ بحمد اللَّه تعالى. فذكره. وفي رواية النسائي وابن خزيمة: ثم علمه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فذكره، وهذا عام.

الدليل الرابع:
ثلاثة أحاديث كل واحد لا تقوم به عند انفراده الحجة وقد تقوى بعضها عند الاجتماع.

أحدها:
روى الدارقطنيّ من طريق عمرو بن شمر عن جابر الجعفيّ عن عبد اللَّه ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا بريدة إذا جلست في صلاتك فلا تتركنّ التشهد والصلاة عليّ فإنّها زكاة الصلاة، وسلّم على جميع أنبياء اللَّه ورسله، وسلّم على عباد اللَّه الصالحين.

الثاني:
ما خرجه الدارقطنيّ أيضا من طريق عمرو بن شمر عن جابر قال: قال الشعبي: سمعت مسروق بن الأجدع يقول: لا تقبل صلاة إلا بطهور وبالصلاة عليّ.
قال الدارقطنيّ: وعمرو بن شمر وجابر ضعيفان.

الثالث:
خرّج الدارقطنيّ أيضا من طريق عبد المهيمن بن سهيل بن سعد عن أبيه عن جده سهل بن سعد أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لا صلاة لمن لا يصلي على نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم
قال عبد المهيمن: ليس بالقوى.
وخرجه الطبراني من حديث فديك بن أبي فديك عن أخى ابن عباس عن أبيه عن جده سهل بن سعدان أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لا يذكر اسم اللَّه عليه. ولا صلاة لمن لم يصلّ على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولا صلاة لمن لم يحب الأنصار.
وخرجه ابن ماجة من حديث عبد المهيمن أخى ابن عباس أما ابن عباس فخرجه له البخاريّ صحيحا به في (الصحيح)
قال النسائي: ليس بالقوى، وضعفه ابن معين وقال أحمد منكر: الحديث وقال ابن عدي: يكتب حديثه وهو فرد المتون والأسانيد، وأما أخوه عبد المهيمن فمتفق على تركه واطراح حديثه فإن كان عبد المهيمن سرقه من حديث أخيه فلا يضر الحديث شيئا، ولا ينزل عن درجه الحديث الحسن، وإن ابن أبي فديك أو من دونه من

(11/110)


عبد المهيمن إلى أخيه أبي فهو الأشبه واللَّه أعلم، فإن الحديث معروف بعبد المهيمن فتلك عله قوية وقد رواه الطبراني بالوجهين ولا يثبت.

الدليل الخامس:
قد ثبت وجوبها عن ابن مسعود وابن عمر، وأبي مسعود الأنصاري، ولم يحفظ عن أحد من الصحابة أنه قال: لا تجب، وقول الصحابي إذا لم يخالفه غير حجة لا سيما على أصول أهل المدينة وأهل العراق.

الدليل السادس:
أن هذا عمل الناس من عهد نبيهم وإلى الآن، ولو كانت الصلاة على غيره واجبة لم يكن اتفاق الأمة في سائر الأمصار والأعصار على قولها في التشهد وترك الإخلال بها. وقد قال مقاتل بن حيان في تفسيره في قوله تعالى: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ قال: إقامتها المحافظة عليها وعلى أوقاتها، والقيام فيها، والركوع، والتشهد، والصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في التشهد الأخير.
وقد قال الإمام أحمد: الناس في التفسير عيال على مقاتل، والصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الصلاة من إقامة الصلاة المأمور بها فتكون واجبة، ومع هذه الأدلة فإنا نقول لمنازعينا: ما منكم إلا من أوجب في الصلاة أشياء بدون هذه الأدلة، هذا أبو حنيفة رحمه اللَّه تعالى قال بوجوب الوتر وإن أدلة وجوبه من أدله وجوب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويوجب الوضوء على من قهقه في صلاته بحديث مرسل لا يقاوم أدلتنا في هذه المسألة، ويوجب [الوضوء] من القيء والرعاف والحجامة بأدلة لا تقاوم أدلة هذه المسألة، وهذا مالك يقول: إن في الصلاة أشياء بين الفرض والمستحب ليست بفرض وهي فوق الفضيلة المستحبة، يسميها أصحابه سننا، كقراءة سورة مع الفاتحة، وتكبيرات الانتقال، والجلسة الأولى، والجهر والمخافتة، ويوجبون السجود في تركها على تفصيل لهم فيه.
وأحمد بن حنبل رحمه اللَّه يسمى هذه واجبات، ويوجب السجود بتركها، فإيجاب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إن لم تكن أقوى من إيجاب كثير من هذه فليست دونها، فهذه حجج الفريقين في هذه المسألة، والمقصود بيان أن تشنيع المشنع فيها على الشافعيّ باطل في مسألة فيها ما فيها من الأدلة والبيان، وإذا صار مثل هذا كيف يسوغ أن يشنع على الذاهب إليها؟ ومن يهد اللَّه فما له من مضل.

(11/111)


الموطن الثاني من مواطن الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم: الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم في التشهد الأول
وقد اختلف فيه فقال الشافعيّ في (الأم) : يصلي فيه على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في التشهد الأول، وهذا هو المشهور في المذهب، وهو الجديد، لكنه يستحب وليس بواجب، وقال في القديم: ولا يزيد على التشهد، وهذه رواية المازني عنه، وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد وغيرهم، واحتج بقول الشافعيّ- رحمه اللَّه- بما
خرجه الدارقطنيّ من طريق موسى بن عبيد اللَّه عن عبد اللَّه بن دينار عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعلمنا التشهد والتحيات للَّه والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته، السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين، أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، ثم يصلى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وبما تقدم من
حديث عمرو بن شمرة: إذا جلست في صلاتك فلا تتركن الصلاة عليّ،
وهذا عام يشمل الجلستين، واحتج أيضا بأن اللَّه- تعالى- أمر المؤمنين بالصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم والتسليم على رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم فدل على أنه حيث شرع التسليم عليه شرعت الصلاة عليه. ولهذا سأله أصحابه عن كيفية الصلاة عليه، وقالوا: قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ فدل على أن الصلاة مقرونة بالسلام، ومعلوم أن المصلي يصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فتشرع الصلاة عليه كالتشهد الأخير، لأن التشهد الأول محل يستحب في ذكر الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم فاستحب في الصلاة عليه، لأنه أكمل في ذكره. ولأن في حديث محمد كيف نصلي عليك إذا نحن جلسنا في صلاتنا؟ وقال الآخرون: ليس التشهد الأول بمحل لذلك. وهو القديم من قول الشافعيّ، وقد صححه جماعة. لأن التشهد الأول تخفيفه مشروع، وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا جلس فيه كان على الردف، ولم يثبت عنه أنه كان يقول ذلك فيه، ولا علمه الأمة، ولا نعرف أن أحدا من الصحابة استحبه، ولأن مشروعية ذلك لو كانت كما ذكرتم من الأمر، لكانت واجبة في هذا المحل كما في الأخير. لتناول الأمر لهما. ولأنه لو كانت الصلاة مستحبة في هذا الموضع لاستحبت فيه الصلاة على آله. لأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم

(11/112)


لم يفرد نفسه دون آله بالأمر بالصلاة عليه بل أمرهم بالصلاة عليه وعلى آله في الصلاة وغيرها، ولأنه لو كانت الصلاة عليه في هذا الموضع مشروعة، لشرع فيها ذكر إبراهيم وآل إبراهيم، لأنها هي صفة الصلاة المأمور بها. ولأنها لو شرعت في هذا الموضع لشرع فيه الدعاء بعدها لحديث فضالة، ولم يكن فرق بين التشهدين، وأما الأحاديث التي استدللتم بها فإنّها مع ضعفها بموسى بن عبيدة وعمرو بن شمر وجابر الجعفي، لا تدل على أن المراد بالتشهد فيها هو الآخر دون الأول بما ذكرناه من الأدلة، وهذا الجواب عن كل ما ذكرتموه من الأدلة واللَّه أعلم.

الموطن الثالث من مواطن الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم: آخر القنوت
وقد استحبه الشافعيّ ومن وافقه واحتج له بما
خرجه النسائي من حديث محمد بن سلمة: حدثنا وهب عن يحيى بن عبد اللَّه بن سالم، عن موسى بن عقبة عن عبد اللَّه بن علي عن علي بن الحسن بن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: علمني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هؤلاء الكلمات في الوتر قال: قل:
اللَّهمّ اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وبارك لي فيما أعطيت، وتولني فيمن توليت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضي عليك، وإنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت، وصلى اللَّه على النبي،
وهذا إنما يعرف في قنوت الوتر، وإنما نقل إلى قنوت الفجر قياسا كما نقل أصل هذا الدعاء إلى قنوت الفجر.
وقد رواه أبو إسحاق عن يزيد أبى الحوراء قال: قال الحسن بن على:
علمني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كلمات أقولهن في الوتر، فذكروه ولم يذكر فيه الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو مستحب في قنوت رمضان، قال ابن وهب: أخبرني يونس عن ابن شهاب، قال: أخبرنى عروة بن الزبير أن عبد الرحمن بن القاري وكان في عهد عمر بن الخطاب- رضي اللَّه وتبارك عنه- مع زيد بن الأرقم على بيت المال، قال: إن عمر خرج ليلة في رمضان، فخرج معه عبد

(11/113)


الرحمن بن القاري، فطاف في المسجد أهل أوزاع متفرقون، يصلي رجل لنفسه، ويصلى الرجل فيصلي الرهط بصلاته، فقال عمر- رضى اللَّه وتبارك عنه: واللَّه إني لأظن لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد يكون أمثل، ثم عزم عمر على ذلك، وأمر أبى بن كعب أن يقوم بهم في رمضان، فخرج عليهم والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر: فعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون، يريد آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله، قال: وكانوا يلعنون الكفرة في النصف، يقولون: اللَّهمّ العن قابل الكفرة الذين يصدون عن دينك، ويكذبون رسلك، ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرعب، وألق عليهم رجزك وعذابك، إله الحق.
ثم يصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم يدعو للمسلمين ما استطاع من خير، ثم يستغفر للمؤمنين. قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفر، وصلاته على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم واستغفاره للمؤمنين، ومسألته: اللَّهمّ إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحمد، ونرجو رحمتك ونخاف عذابك الجد، إن عذابك لمن عاديت ملحق، ثم يكبر ويهوى ساجدا. وقال إسماعيل بن إسحاق: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا معاذ بن هشام: حدثني أبو قتادة عن عبد اللَّه بن الحارث: أن معاذا كان يصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في القنوت.

الموطن الرابع من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية
وقد اختلف في توقف صحة الصلاة عليها، فقال الشافعيّ وأحمد في المشهور من مذهبهما: إنها واجبة في الصلاة لا تصح إلا بها، رواه البيهقي عن عبادة بن الصامت وغيره من الصحابة، وقال أبو حنيفة ومالك: تستحب، وليست بواجبة وهو وجه في المذهب، والدليل على مشروعيتها في صلاة الجنازة. ما روى الشافعيّ في (المسند) من حديث مظفر بن مازن عن معمر عن الزهريّ. أخبرني أبو أمامة بن سهل أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن السنة في صلاة الجنازة، أن يكبر الإمام، ثم يقرأ فاتحة الكتاب بعد التكبيرة

(11/114)


الأولى سرا في نفسه، ثم يصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويخلص الدعاء للجنازة، ثم يسلم سرا في نفسه، لكن قد اختلف في هذا الحديث، فقال مظفر بن مازن عن معمر عن الزهريّ عن أبي أمامة عن رجل من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: من السنة، وقال عبد الأعلى عن معمر عن الزهريّ عن أبي أمامة: من السنة، رواه الشافعيّ بالوجهين، وليست هذه العلة قادحة فيه، فإن جهالة الصحابي لا تضر.
وقول الصحابي من السنة اختلف فيه، فقيل: هو في حكم المرفوع، وقيل: لا يقضى له بالرفع، والصواب التفصيل كما هو مذكور في موضعه.
وخرج إسماعيل في كتاب (الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم) من حديث محمد بن المثنى، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا معمر عن الزهري قال: سمعت أبا أمامة ابن سهل بن حنيف يحدث سعيد بن المسيب، قال: إن السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ بفاتحة الكتاب، ويصلى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم يخلص الدعاء للميت حتى يفرغ، ولا يقرأ إلا مرة واحدة، ثم يسلم في نفسه.
وخرجه النسائيّ في (سننه) ، وقال: هذا إسناد صحيح [ (1) ] ، وقد روى عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه صلّى على جنازة بمكة فكبر، ثم قرأ وجهر وصلّى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم دعا لصاحبها فأحسن ثم انصرف، وقال: هكذا ينبغي أن تكون الصلاة على الجنازة.
__________
[ (1) ] (سنن النسائي) : 4/ 377، كتاب الجنائز، باب (77) الدعاء، حديث رقم (1986) ولفظه: صليت خلف ابن عباس على جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة، وجهر حتى أسمعنا، فلما فرغ أخذت بيده فسألته، قال: سنة وحق، ونحوه حديث رقم (1987) ، (1988) وليس فيهما ذكر الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأخرجه البخاريّ في الجنائز، باب قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة، حديث رقم (1335) ، وأخرجه أبو داود في الجنائز، باب ما يقرأ على الجنازة، حديث رقم (3198) ، وأخرجه الترمذيّ في الجنائز، باب ما جاء في القراءة على الجنازة بفاتحة الكتاب، حديث رقم (1027) وقال: حديث حسن صحيح.
قوله: (سنة وحق) ينبغي أن تكون الفاتحة أولى وأحسن من غيرها من الأدعية، ولا حجة للمنع عنها. وعلى هذا كثير من محققي علمائنا إلا أنهم قالوا: يقرأ بنية الدعاء والثناء، لا بنية القراءة، واللَّه تعالى أعلم. (حاشية السندي) مختصرا.

(11/115)


وفي (موطأ يحيى بن بكير) : حدثنا مالك بن أنس عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه أنه سأل أبا هريرة: كيف يصلى على الجنازة؟ فقال:
أنا لعمرك أخبرك، أتبعها مع أهلها، فإذا وضعت كبرت وحمدت اللَّه، وصليت على نبيه، ثم أقول: اللَّهمّ إنه عبدك وابن عبدك، كان يشهد أن لا إله إلا أنت، وأن محمدا عبدك ورسولك، وأنت أعلم به، اللَّهمّ إن كان محسنا، فزد في إحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته، اللَّهمّ لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده.
وقال أبو ذر الهروي: أنبأنا أبو الحسن بن أبي سهل السرخسي، أنبأنا أبو على أحمد بن محمد بن رزين، حدثنا على بن خشرم. حدثنا أنس بن عياض عن إسماعيل بن رافع عن رجل قال: سمعت إبراهيم النخعي يقول:
كان ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إذا أتى جنازة استقبل الناس، وقال: يا أيها الناس سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لم يجتمع مائة [ (1) ] لميت فيجتهدون له في الدعاء إلا وهب اللَّه ذنوبه لهم، وإنكم شفعاء لأخيكم، فاجتهدوا في الدعاء، ثم يستقبل القبلة فإن كان رجلا وقف عند رأسه، وإن كانت امرأة قام عند منكبها، ثم إنه قال: اللَّهمّ إنه عبدك، وابن عبدك، أنت خلقته وأنت هديته للإسلام وأنت قبضت روحه، وأنت أعلم بسريرته وعلانيته، وقد جئناك شفعاء له، اللَّهمّ إنا نستجير بحبل [ (2) ] جوارك، فإنك ذو وفاء وذو رحمة، أعذه من فتنه القبر وعذاب جهنم، اللَّهمّ إن كان محسنا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته، اللَّهمّ نور له قبره، وألحقه بنبيك، قال: ويقول: هذا كلما كبّر، وإذا كانت التكبيرة الأخيرة، قال مثل ذلك، ثم
__________
[ (1) ] (سنن النسائي) : 4/ 378- 379 كتاب الجنائز، باب (78) فضل من صلّى عليه مائة، حديث رقم (1990) ، (1991) ، (1992) مختصرا دون ذكر الدعاء في كل أحاديث الباب.
[ (2) ] قال المنذري: قال بعضهم: كان من عادة العرب أن تخيف بعضها بعضا، فكان الرجل إذا أراد سفرا، أخذ عهدا من سيد كل قبيلة، فيأمن به ما دام في حدودها، حتى ينتهي إلى الآخرة، فيأخذ مثل ذلك، فهذا حبل الجوار، أي ما دام مجاورا أرضه، أو هو من الإجارة، وهو الأمان والنصرة. (هامش سنن أبي داود) .

(11/116)


يقول: اللَّهمّ صلّ على محمد، وبارك على محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللَّهمّ صل على فرطنا وأسلافنا، اللَّهمّ اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، ثم ينصرف، قال إبراهيم: وكان ابن مسعود يعلم هذا في الجنائز، وفي المجالس، وقيل له: أكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقف على القبر إذا فرغ منه، قال:
نعم، كان إذا فرغ منه وقف عليه، ثم قال: اللَّهمّ إنه قد نزل بك وخلف الدنيا وراء ظهره، ونعم المنزول به أنت، اللَّهمّ ثبت عند المسألة منطقه، ولا تبتله في قبره بما لا طاقة له به، اللَّهمّ نور له في قبره وألحقه بنبيه،
وكان يصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الجنازة، كما يصلي عليه في التشهد، لأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم علم ذلك أصحابه لما سألوه عن كيفية الصلاة عليه،
وفي (مسائل عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل) عن أبيه، قال: يصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ويصلي على الملائكة المقربين.
قال القاضي أبو الخطاب: فيقول: اللَّهمّ صلّ على ملائكتك المقربين، وأنبيائك المرسلين، وأهل طاعتك أجمعين، من أهل السموات والأرض، إنك على كل شيء قدير [ (1) ] .
__________
[ (1) ] قال الإمام الشافعيّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في (المسند) : أخبرنا مطرف بن مازن، عن معمر عن الزهريّ، أخبرنا أبو أمامة بن سهل أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرا في نفسه، ثم يصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات، لا يقرأ في شيء منهن، ثم يسلم سرا في نفسه.

(11/117)


الموطن الخامس من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: الخطب في الجمعة والعيدين والاستسقاء ونحو ذلك
وقد اختلف في اشتراطها لصحه الخطبة، فقال الشافعيّ وأحمد:
المشهور عن مذاهبهما، لا تصح الخطبة، إلا بالصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال مالك وأبو حنيفة: تصح بدونها، وهو وجه في مذهب أحمد، والحجة في وجوبها قول اللَّه تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ* وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ* الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ* وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ [ (1) ] .
قال ابن عباس: رفع اللَّه ذكره فلا يذكر إلا ذكر معه، واعترض عليه بأن المراد بذكره صلّى اللَّه عليه وسلّم مع ذكر ربه- تعالى- هو الشهادة له بالرسالة إذا شهد لمرسله بالوحدانية، وهذا هو الواجب قطعا، بل هو ركنها الأعظم.
وقد روى أبو داود [ (2) ] وأحمد [ (3) ] من حديث أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء،
واليد الجذماء المقطوعة، فمن أوجب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الخطبة دون التشهد، فقوله في غاية الضعف.
__________
[ (1) ] الشرح: 1- 4.
[ (2) ] (سنن أبي داود) : 5/ 173. كتاب الأدب، باب (22) في الخطبة، حديث رقم (4841) ، قوله
«ليس فيها تشهد»
أي شهادة أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدا رسول اللَّه.
وقوله: «فهي كاليد الجذماء»
أي كاليد التي أصابها الجذام، وهو مرض معروف، يحمر اللحم المصاب به ويتساقط، يعني قليل البركة.
والحديث أخرجه الترمذيّ في النكاح، حديث رقم (1106) باب في خطبة النكاح، وقال:
هذا حديث حسن صحيح غريب، ونقل المنذريّ عنه «حسن غريب» فقط.
[ (3) ] (مسند أحمد) : 3/ 15، حديث رقم (8313) من مسند أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.

(11/118)


وقد روى يونس عن سفيان عن قتادة: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ، قال:
رفع اللَّه ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب، ولا متشهد، ولا صاحب صلاة إلا ابتدأها: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أن محمدا رسول اللَّه.
وخرج عبد بن حميد من حديث هشيم عن جويبر عن الضحاك:
وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ، قالا: لا أذكر إلا ذكرت معي في الأذان أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أن محمدا رسول اللَّه، فهذا هو المراد من الآية [ (1) ] .
وكيف لا يجب التشهد الّذي هو عقد الإسلام في الخطبة، وهو أفضل كلماتها، وتجب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيها.
والدليل على مشروعية الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الخطبة،
ما رواه الإمام أحمد [ (2) ] من طريق منصور بن أبي مزاحم، حدثنا خالد: حدثني عون بن أبي جحيفة، قال: كان أبي من شرط عليّ، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكان تحت المنبر، فحدثني أنه صعد المنبر يعني عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فحمد اللَّه، وأثنى عليه، وصلّى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر والثاني: عمر، قال: يجعل اللَّه الخير حيث [أحب] [ (3) ] .
وقال محمد بن الحسن بن جعفر الأسدي: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد الحميدي: حدثنا عبد اللَّه بن سعيد الكندي: حدثنا عبد الرحمن الرواسي، قال: سمعت أبي يذكر عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص عن عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه كان يقول بعد ما يفرغ من خطبته والصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا
__________
[ (1) ]
(تفسير ابن كثير) : 4/ 561، وفيه: عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: «أتاني جبريل فقال: إن ربي وربك يقول كيف رفع ذكرك؟ قال: اللَّه أعلم، قال: إذا ذكرت ذكرت معي» .
[ (2) ] (مسند أحمد) : 1/ 171، حديث رقم (839) ، من مسند علي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[ (3) ] في (الأصل) :
«حيث شاء»
وما أثبتناه من (مسند أحمد) .

(11/119)


الكفر والفسوق والعصيان، اللَّهمّ بارك في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا وقلوبنا وذريتنا.
وروى الدارقطنيّ من طريق ابن لهيعة عن الأسود بن مالك الحضرميّ عن بجير بن زاخر المعافري، قال: رحت أنا ووالدي إلى صلاة الجمعة فذكر حديثا وفيه: فقام عمرو بن العاص على المنبر، فحمد اللَّه وأثنى عليه حمدا موجزا، وصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ووعظ الناس وأمرهم ونهاهم.
وحديث ضبة بن محصن أن أبا موسى الأشعري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان إذا خطب حمد اللَّه وأثنى عليه وصلّى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ودعا لعمر، فأنكر عليه ضبة الدعاء لعمر قبل الدعاء لأبي بكر فرفع ذلك إلى عمر، فقال لضبة: أنت أوفق منه وأرشد، فهذا دليل على أن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الخطبة أمر كان مشهورا بين الصحابة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- معروفا بينهم.
وأما وجوبها فيحتاج إلى دليل يجب المصير إليه حتى ينقطع به الشك.

(11/120)


الموطن السادس من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: بعد إجابة المؤذن وعند الإقامة
خرج مسلم [ (1) ] من طريق عبد اللَّه بن وهب بن حيوة وسعيد بن أبي أيوب وغيرهما عن كعب بن علقمة عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد اللَّه بن عمرو ابن العاص أنه سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي فإنه من صلّى علي صلاة صلى اللَّه عليه بها عشرا، ثم سلوا اللَّه لي الوسيلة، فإنّها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد اللَّه، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي.
وخرجه أبو داود [ (2) ] من طريق ابن وهب عن ابن لهيعة وحيوة وسعيد ابن أبي أيوب، عن كعب بن علقمة إلى آخره مثله.
وخرجه الترمذي [ (3) ] من طريق عبد الرحمن بن يزيد المقرئ: حدثنا حيوة: أنبأنا كعب بن علقمة، سمع عبد الرحمن بن جبير، سمع عبد اللَّه بن عمرو أنه سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول الحديث بنحو هذا، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وخرجه النسائي [ (4) ] من حديث سويد بن ناصر قال: أنبأنا عبد اللَّه عن حيوة بن شريح قال: أخبرني كعب بن علقمة أنه سمع عبد الرحمن بن جبير
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 327، كتاب الصلاة، باب (7) استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه، ثم يصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم يسأل له الوسيلة، حديث رقم (383) .
[ (2) ] (سنن أبي داود) : 1/ 359- 360، كتاب الصلاة، باب (36) ما يقول إذا سمع المؤذن، حديث رقم (523) .
[ (3) ] (سنن الترمذي) : 5/ 547، كتاب المناقب، باب (1) في فضل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (3614) ، ثم قال: قال محمد: عبد الرحمن بن جبير هذا قرشيّ مصري مدنيّ، وعبد الرحمن ابن جبير بن نفير شامي.
[ (4) ] (سنن النسائي) : 2/ 355- 356، كتاب الأذان، باب (38) الدعاء عند الأذان، حديث رقم (679) ، بسند آخر، وسياقة أخرى.

(11/121)


مولى نافع بن عمرو القرشي يحدث أنه سمع عبد اللَّه بن عمرو يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى آخره بنحوه.
ومن طريق إسحاق بن منصور قال: أنبأنا عبد اللَّه بن يزيد أنبأنا حيوة، أنبأنا كعب بن علقمة إلى آخره بمثله أو بنحوه.
وخرج الحسن بن عرفة من طريق العوام بن حريث: حدثنا منصور بن زاذان عن الحسن قال: من قال مثل ما يقول المؤذن، فإذا قال المؤذن قد قامت الصلاة قال: اللَّهمّ رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة صل على محمد عبدك ورسولك، وأبلغه درجة الوسيلة في الجنة، دخل في شفاعة محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] .
وقال: يوسف بن أسباط بلغني أن الرجل إذا أقيمت الصلاة فلم يقل:
اللَّهمّ رب هذه الدعوة المستمعة المستجاب لها، صلّ على محمد وعلى آل محمد، وزوجنا الحور العين إلا قالت الحور العين: ما إن هداك غيرنا، واعلم أن في إجابة المؤذن خمس سنن قد اشتمل حديث عبد اللَّه بن عمرو المذكور على ثلاثة منها، والرابعة، أن يقول:
ما خرجه مسلم [ (2) ] وأبو داود [ (3) ] والترمذيّ [ (4) ] والنسائي [ (5) ] من حديث الليث عن حكيم بن عبد اللَّه بن قيس
__________
[ (1) ] (سنن أبي داود) : 1/ 362، كتاب الصلاة، باب (38) ما جاء في الدعاء عند الأذان، حديث رقم (529) من حديث جابر بن عبد اللَّه بسياقة أخرى، أخرجه الترمذي في (السنن) :
1/ 413، أبواب الصلاة، باب (157) ، حديث رقم (211) وقال: حديث جابر حديث صحيح حسن غريب من حديث محمد بن المنكدر، لا نعلم أحدا رواه غير شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر، وأبو حمزة اسمه دينار.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 327، كتاب الصلاة، باب (7) استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه، ثم يصلى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم يسأل له الوسيلة، حديث رقم (383) .
[ (3) ] (سنن أبي داود) : 1/ 359- 360، كتاب الصلاة، باب (36) ما يقول إذا سمع المؤذن، حديث رقم (523) .
[ (4) ] (سنن الترمذيّ) : 1/ 411- 412، أبواب الصلاة، باب (156) ما جاء ما يقول الرجل إذا أذن المؤذن من الدعاء، حديث رقم (210) ، قال أبو عيسى: وهذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث الليث بن سعد عن حكيم بن عبد اللَّه بن قيس.

(11/122)


القرشي، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن سعد بن أبي وقاص- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، رضيت باللَّه ربا وبالإسلام دينا، غفر ذنبه، وفي رواية: من قال حين يسمع المؤذن وأنا أشهد هكذا، قال أبو داود والترمذي والنسائي: وأنا أشهد.
وقال الترمذي بعقبه:
وهذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ليث بن سعد، عن حكيم بن عبد اللَّه بن قيس، والخامسة: أن يدعو بعد إجابة المؤذن وصلاته على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وبعد سؤاله الوسيلة لما
في سنن أبي داود [ (1) ] والنسائيّ [ (2) ] من حديث عبد اللَّه بن عمرو، أن رجلا قال: يا رسول اللَّه إن المؤذنين يفضلوننا، فقال: قل كما يقولون، فإذا انتهيت فسل تعطه.
وخرج الإمام أحمد [ (3) ] من حديث ابن لهيعة: حدثنا أبو الزبير عن جابر- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: من قال حين ينادى المنادي بالصلاة: اللَّهمّ رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، صل على
__________
[ () ] (5) (سنن النسائيّ) : 1/ 355، كتاب الأذان، باب (38) الدعاء عند الأذان، حديث رقم (678) وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 1/ 38، كتاب الأذان والسنة فيها، باب (4) ، ما يقال إذا أذن المؤذن، حديث رقم (721) .
[ (1) ] (سنن أبي داود) : 1/ 360، كتاب الصلاة، باب (36) ما يقول إذا سمع المؤذن، حديث رقم (524) .
[ (2) ] أخرجه النسائي في (عمل اليوم والليلة) .
[ (3) ] لم أجده في (المسند) بهذا السند ولا بهذه السياقة، والّذي
في (مسند أحمد) : 4/ 322، حديث رقم (14403) من مسند جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «من قال حين يسمع النداء: اللَّهمّ رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الّذي وعدته، إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة، وهو في (كنز العمال) : 7/ 704، حديث رقم (21019) ، كما جاء (بالأصل) .
وعزاه إلى الإمام أحمد في (المسند) والطبراني في (الأوسط) عن جابر.

(11/123)


محمد وارض عنى رضا لا سخط بعده، استجاب اللَّه له دعوته، وخرجه الطبراني في (الأوسط) عن ابن لهيعة به مثله.
وخرج الحاكم في (المستدرك) من [ (1) ] حديث أبي أمامة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا سمع الأذان قال: اللَّهمّ رب هذه الدعوة المستجابة المستجاب لها، دعوة الحق، وكلمة التقوى، توفني عليها وأحينى عليها واجعلني من صالح عملا يوم القيامة، فهذه خمسة وعشرون سنة في الأذان تكون في كل يوم وليلة فما أعظم أجرها.
__________
[ (1) ] لم أجده في (المستدرك) بهذه السياقة، والّذي فيه، عن أم حبيبة: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا سمع المؤذن قال كما يقول حتى يسكت، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وله شاهد بإسناد صحيح وهذا الحديث رقم (733) ، وهو حديث ساقط من (التلخيص)
وحديث رقم (734) عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا سمع المؤذن قال: «وأنا وأنا»
وسكت عنه الذهبي في التلخيص.

(11/124)


الموطن السابع من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند دعاء كل داع من أمتي وله ثلاث مراتب
الأولى: أن يصلي عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل الدعاء وبعد حمد اللَّه تعالى.
والثانية: أن يصلي صلّى اللَّه عليه وسلّم عليه في أول دعائه، وأوسطه، وآخره.
والثالثة: أن يصلي صلّى اللَّه عليه وسلّم عليه في أول الدعاء، وآخره، ويجعل حاجته متوسطة بينهما.

فأما المرتبة الأولى:
فيدل عليها حديث فضالة بن عبيد المتقدم،
وقول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا دعا أحدكم فليبدأ بتحميد اللَّه والثناء عليه ثم ليصلّ على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم يدع بما يشاء.
وخرج الترمذي [ (1) ] من حديث أبي بكر بن عياش عن عاصم عن زر، قال: كنت أصلي والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبو بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- معه، فلما جلست بدأت بالثناء على اللَّه، ثم بالصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم دعوت لنفسي، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: سل تعطه.
وخرج عبد الرزاق من حديث معمر عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد اللَّه بن مسعود قال: إذا أراد أحدكم أن يسأل اللَّه- تعالى- فليبدأ بحمد اللَّه- تعالى- والثناء عليه بما هو أهله، ثم ليصل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم يسأل اللَّه بعد، فإنه أجدر أن ينجح ويصيب، ورواه شريك عن أبي إسحاق، وعن أبي الأحوص، عن عبد اللَّه نحوه.

وأما المرتبة الثانية:
فقال عبد الرزاق عن الثوري عن موسى بن عبيدة عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه عن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تجعلوني كقدح الراكب فذكر الحديث، وقال: اجعلوني وسط الدعاء، وفي أوله، وفي آخره،
وقد تقدم
__________
[ (1) ] سبق تخريجه وهو أيضا عن أبي داود بنحوه ومعناه.

(11/125)


حديث علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: ما من دعاء إلا وبينه وبين اللَّه تعالى حجاب، وإذا لم يصل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يستجب الدعاء.
وتقدم قول ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يستجاب منه شيء حتى يصلى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم،
وقال:
أحمد ابن على بن شعيب: حدثنا محمد بن حفص، حدثنا الجراح بن يحيى حدثني عمر بن عمرو قال: سمعت عبد اللَّه بن بشر يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: [الدعاء] محجوب حتى يكون أوله ثناء على اللَّه- عز وجل- وصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم يدعو فيستجاب لدعائه،
وعمر بن عمرو هو الأحمسي، له عند عبد اللَّه بن بشر حديثان، هذا،
وحديث رواه الطبراني في (الكبير) عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: من استفتح أول نهاره بخير وختمه بخير قال اللَّه- عز وجل- لملائكته: لا تكتبوا عليه ما بين ذاك من الذنوب.
واعلم أن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مثل الفاتحة من الصلاة، وهذه المواطن التي تقدمت كلها شرعت الصلاة فيها على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم.
أما الدعاء، فمفتاح الدعاء الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كما أن مفتاح الصلاة الطهور، قال أحمد بن أبي الحواري: سمعت أبا سليمان الدارانيّ يقول: من أراد أن يسأل اللَّه- تعالى- حاجة، فليبدأ بالصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وليختم بالصلاة عليه، فإن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مقبولة، واللَّه- تعالى- أكرم من أن يردّ ما بينهما.

(11/126)


الموطن الثامن من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند دخول المسجد وعند الخروج منه
لما
روى ابن خزيمة في (صحيحه) وأبو حاتم بن حبان من حديث أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إذا دخل أحدكم المسجد، فليسلم على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وليقل: اللَّهمّ افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليسلم على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وليقل: اللَّهمّ أجرني من الشيطان [ (1) ] .
وفي (المستدرك) [ (2) ] والترمذي [ (3) ] وابن ماجة [ (4) ] من حديث فاطمة بنت الحسين عن جدتها فاطمة الكبرى [ (5) ]- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قالت:
__________
[ (1) ] (الأذكار للنووي) : 34، باب (20) ما يقوله عند دخول المسجد والخروج منه، وعزاه إلى ابن ماجة، وابن خزيمة، وأبو حاتم بن حبان.
[ (2) ]
(المستدرك) : 1/ 325- 326، من كتاب الإمامة وصلاة الجماعة، حديث رقم (749) ، ولفظه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا دخل في الصلاة يقول: «اللَّهمّ إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، وهمزه ونفخه، ونفثه» :
فهمزه الموتة، ونفثه الشعر، ونفخه الكبرياء، ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد، وقد استشهد البخاري بعطاء بن السائب، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرطهما.
[ (3) ] (سنن الترمذي) : 2/ 127- 128، أبواب الصلاة، باب (234) ما جاء ما يقول عند دخول المسجد، حديث رقم (314) ، (315) .
قال أبو عيسى: وفي الباب عن أبي حميد، وأبي أسيد، وأبي هريرة، [وقال أيضا] :
حديث فاطمة حديث حسن، وليس إسناده بمتصل، وفاطمة بنت الحسين لم تدرك فاطمة الكبرى، وإنما عاشت فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- بعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أشهرا.
قال الشارح: فإن قلت: قد اعترف الترمذي بعدم اتصال إسناده حديث فاطمة، فكيف قال: حديث فاطمة حديث حسن؟ قلت: الظاهر أنه حسن لشواهده، وقد بينا في المقدمة أن الترمذي قد يحسن الحديث مع ضعف الإسناد للشواهد، وهذا الحديث أخرجه أحمد وابن ماجة أيضا.

(11/127)


كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا دخل المسجد قال: اللَّهمّ صلّ على محمد وسلّم، اللَّهمّ اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج قال مثلها، إلا أنه يقول:
أبواب فضلك.
رواه الترمذي عن علي بن حجر عن إسماعيل بن إبراهيم عن ليث عن عبد اللَّه بن الحسن عن أمه فاطمة بنت الحسين عن جدتها فاطمة الكبرى ولفظه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا دخل المسجد صلّى على محمد وسلّم، قال إسماعيل: فلقيت عبد اللَّه بن الحسن بمكة، فسألته عن هذا الحديث فسألته به، قال: وليس إسناده متصلا، لأن فاطمة بنت الحسين لم تدرك فاطمة الكبرى.
ورواه ابن ماجة عن أبي بكر عن ابن علية وأبي معاوية عن ليث نحوه.
وروى إسماعيل بن إسحاق عن شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت سعيد بن ذي حراب قال: قلت لعلقمة: ما أقول إذا دخلت المسجد؟ قال:
تقول: صلى اللَّه وملائكته على محمد، السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته.
ومن طريق ابن عمر التميمي عن سليمان العبسيّ عن على بن الحسين قال: قال على- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: إذا مررتم بالمسجد فصلوا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم.
__________
[ () ] (4) (سنن ابن ماجة) : 1/ 253- 254، كتاب المساجد والجماعات باب (13) الدعاء عند دخول المسجد، حديث رقم (771) .
[ (5) ] هي فاطمة الزهراء بنت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم.

(11/128)


الموطن التاسع من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الصفا والمروة
روى إسماعيل بن إسحاق من طريق همام بن يحيى: حدثنا نافع أن ابن- عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان يكبر على الصفا ثلاثا ثم يقول:
لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير، ثم يصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ويطيل القيام والدعاء، ويفعل على المروة مثل ذلك، وهذا من توابع الدعاء أيضا.
وروى جعفر بن عون عن زكريا عن الشعبي، عن وهب بن الأجدع قال: سمعت عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يخطب الناس بمكة يقول: إذا قدم الرجل منكم حاجا، فليطف بالبيت سبعا، وليصلّ بهذا المقام ركعتين، ثم يستلم الحجر الأسود، ثم يبدأ بالصفا فيقوم عليه ويستقبل البيت، فيكبر سبع تكبيرات، بين كل تكبيرتين حمدا للَّه عز وجل، وثناء عليه، وصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويسأل لنفسه، وعلى المروة مثل ذلك.
رواه أبو ذر عن زاهر عن محمد بن المسيب عن عبد اللَّه بن جبير عن جعفر، ورواه البزار عن عبد اللَّه بن سليمان عن عبد اللَّه بن محمد بن المسور عن سفيان عن مسعر عن فراس عن الشعبيّ عن وهب به.

(11/129)


الموطن العاشر من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند اجتماع القوم قبل تفرقهم
وقد تقدم: ما جلس قوم مجلسا ثم تفرقوا ولم يذكروا اللَّه- تعالى- ولم يصلوا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا كان عليهم من اللَّه ترة [ (1) ] .
رواه ابن حبان والحاكم،
وروى عبد اللَّه بن إدريس الأودي عن هشام عن عروة عن أبيه عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: زينوا مجالسكم بالصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويذكر عن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بمثل ذلك أيضا [ (2) ] .

الموطن الحادي عشر من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم عند ذكره
وقد تقدم.
__________
[ (1) ] سبق تخريجه وشرحه.
[ (2) ] «زينوا مجالسكم بالصلاة عليّ، فإن صلاتكم عليّ نور لكم يوم القيامة» ، كذا في (كشف الخفا) ، وقال «رواه الديلميّ بسند ضعيف عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- مرفوعا، وله شاهد عند النميري عن عائشة من قولها: زينوا مجالسكم بالصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وبذكر عمر بن الخطاب، واقتصر الديلميّ على الجملة الثانية بلا سند، ولفظه كما في الديلميّ: «زينوا مجالسكم بذكر عمر» ، واقتصر الخطيب في (تاريخه) على الأولى، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
وقال ابن حجر الهيثمي في (فتاواه الحديثية) : هو حديث ضعيف وقال: وأما حديث:
«زينوا مجالسكم بالصلاة عليّ، فإن صلاتكم تعرض عليّ أو تبلغني» فقطعة من حديث آخر، ثابت قوى، (كشف الخفا ومزيل الالتباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس) :
1/ 444، حديث رقم (1443) .

(11/130)


الموطن الثاني عشر من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: بعد الفراغ من التلبية
خرج الدارقطنيّ من طريق صالح بن محمد بن زائدة عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن أبيه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا فرغ من تلبيته سأل اللَّه مغفرته ورضوانه، واستعاذ برحمته من النار، قال صالح: سمعت القاسم بن محمد يقول: كان يستحب للحاج إذا فرغ من تلبيته أن يصلي على النبي [ (1) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم: وهذا أيضا من توابع الدعاء.

الموطن الثالث عشر من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عند استلام الحجر
خرج أبو ذر الهروي من حديث محمد بن عثمان بن أبي شيبة: حدثنا عون بن سلام: حدثنا محمد بن مهاجر عن نافع قال: كان ابن عمر إذا أراد أن يستلم الحجر قال: اللَّهمّ إيمانا بك، وتصديقا بكتابك، ووفاء جهدك، وأتباعا لسنة نبيّك، ويصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم.
__________
[ (1) ] (سنن الدارقطنيّ) : 238، كتاب الحج، باب المواقيت، حديث رقم (11) ، قال في (التعليق المغني على الدارقطنيّ) : والحديث أخرجه الشافعيّ، وفيه صالح بن محمد، وهو مديني ضعيف.

(11/131)


الموطن الرابع عشر [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند الوقوف على قبره صلّى اللَّه عليه وسلّم]
قال مالك في (الموطأ) [ (1) ] : عن عبد اللَّه بن دينار قال: رأيت عبد اللَّه ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يقف على قبر الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم ويدعو لأبى بكر وعمر، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وقال: عن عبد اللَّه بن دينار ويدعو عن عبد اللَّه بن عمر أنه كان [إذا] أراد سفرا أو قدم من سفر جاء قبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم دعا ثم انصرف، وقال ابن غير: حدثنا محمد بن بشير: حدثنا عبيد اللَّه بن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا قدم من سفر بدأ بقبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيصلي عليه ولا يمس القبر، ثم يسلم على أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ثم يقول: السلام عليك يا أبه.

الموطن الخامس عشر من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا خرج إلى السوق أو إلى دعوة ونحوهما
روى أبو حاتم من حديث معمر: حدثنا عامر بن شقيق، عن أبي وائل، قال: ما رأيت عبد اللَّه جلس في مأدبة ولا جنازة ولا غير ذلك، فيقوم حتى يحمد اللَّه ويثني عليه، ويصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويدعو بدعوات، وإن كان ليخرج إلى السوق فيأتي، أغفلها مكانا فيحمد اللَّه ويصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ويدعو بدعوات.
__________
[ (1) ] (الموطأ) : 115، حديث رقم (397) .

(11/132)


الموطن السادس عشر [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا قام الرجل من النوم بالليل]
خرّج النسائي في (السنن الكبير) من طريق أبي الأحوص: حدثنا شريك عن أبي إسحاق، عن عبيدة: عن عبد اللَّه، قال: يضحك اللَّه- تعالى- إلى رجلين: رجل لقي العدو وهو على فرس من أمثل خيل أصحابه فانهزموا وثبت، فإن قتل استشهد، وإن بقي فذلك الّذي يضحك اللَّه إليه، ورجل قام من جوف الليل لا يعلم به، فتوضأ فأسبغ الوضوء، ثم حمد اللَّه ومجده، وصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم واستفتح القرآن، فذلك الّذي يضحك اللَّه إليه، يقول: انظروا إلى عبدي نائما لا يريد أحدا غيري، وخرجه عبد الرزاق من طريق معمر عن أبى إسحاق، عن عبيدة عن أبي مسعود أنه قال: رجلان يضحك اللَّه إليهما فذكر بنحوه.

الموطن السابع عشر [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ختم القرآن وفي صلاة التراويح، لأن هذين المحلين محل دعاء]
قال الإمام أحمد من رواية أبي الحارث كان أنس إذا ختم القرآن جمع أهله وولده، وقال في رواية يوسف بن موسى، وقد سئل عن الرجل يختم القرآن فيجمع إليه قوم فيدعون، قال: نعم. رأيت معمرا يفعله إذا ختم القرآن، وقال في رواية حرب: استحب إذا ختم الرجل القرآن أن يجمع أهله ويدعو، وقال ابن أبي داود في كتاب (فضائل القرآن) عن الحكم قال: أرسل إليّ مجاهد وعنده أبو لبابة أرسلنا إليك- أبا يزيد- نختم القرآن، وكان يقال: إن الدعاء يستجاب عند ختم القرآن ويدعو بدعوات، وروى فيه أيضا عن ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال: من ختم القرآن فله دعوة مستجابة، قال: تنزل الرحمة عند ختم القرآن، وروى أبو عبيد القاسم بن

(11/133)


سلام في كتاب (فضل الدعاء) عن قتادة قال: كان بالمدينة رجل يقرأ القرآن من أوله إلى آخره على أصحاب له، وكان ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يضع عليه الرقباء، فإذا كان عند الختم جاءه ابن عباس فشهده، وقال حنبل: سمعت أحمد- يعنى ابن حنبل- يقول في ختم القرآن قل: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وارفع يديك في الدعاء قبل الركوع يعني في التراويح، قلت: إلى أي شيء تذهب في هذا؟ قال: رأيت أهل مكة يفعلونه، وكان سفيان بن عيينة يفعله معهم في مكة، وقال عبس بن عبد العظيم: وكذلك أدركت الناس بالبصرة وبمكة، ويروي أهل المدينة في هذا أشياء، وذكر أيضا عن عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن الفضل بن زياد قال: سألت أبا عبد اللَّه فقلت: أأختم القرآن أجعله في التراويح أو في الوتر؟
قال: اجعله في التراويح حتى يكون لنا دعاءان اثنان، قلت: كيف أصنع؟
قال: إذا فرغت من آخر القرآن فارفع يديك قبل أن تركع، وادع بنا ونحن في الصلاة وأطل القيام، قلت: بم أدعو؟ قال: بما شئت، قال: ففعلت كما أمرني، وهو خلفي يدعو قائما ويرفع يديه، وإذا كان هذا من أكبر مواضع الدعاء وأحقها بالإجابة، فهو من أكبر مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم.

الموطن الثامن عشر من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: [يوم الجمعة]
وقد تقدم
قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: أكثروا من الصلاة عليّ في كل جمعة، فإن صلاة أمتى تعرض عليّ في كل يوم جمعة فمن كان أكثرهم عليّ صلاة كان أقربهم منى منزلة، خرجه البيهقي من حديث أبي أمامة يرفعه [ (1) ] .
وخرج أيضا عن أبي مسعود الأنصاري عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: أكثروا على من الصلاة يوم الجمعة، فإنه ليس أحد يصلي عليّ يوم الجمعة إلا عرضت علي صلاته،
وفي طريقه إسماعيل بن رافع، قال يعقوب بن سفيان:
__________
[ (1) ] سبق تخريجه.

(11/134)


يصلح حديثه للشواهد والمتابعات،
وقال ابن عدي: حدثنا إسماعيل بن موسى الحاسب، حدثنا جبارة بن مغلس، حدثنا أبو إسحاق الأحمسي، عن يزيد الرقاشيّ عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أكثروا الصلاة عليّ يوم الجمعة فإن صلاتكم تعرض علي،
وإن كان إسناده ضعيفا فهو محفوظ في الجمعة، ولا يضر ذكره في الشواهد،
وقد تقدم حديث أوس بن أوس وقول الحسن عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أكثروا الصلاة عليّ يوم الجمعة.
وقال ابن وضاع: حدثنا أبو مروان البزاز، حدثنا ابن المبارك عن أبي شعيب قال: كتب عمر بن عبد العزيز أن انشروا العلم يوم الجمعة فإن غائلة العلم النسيان، وأكثروا الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الجمعة.

الموطن التاسع عشر [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند القيام من المجلس]
قال عبد الرحمن بن حاتم: حدثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد القطان:
حدثنا عثمان بن عمر قال: سمعت سفيان بن سعيد ما لا أحصي إذا أراد القيام يقول: صلى اللَّه وملائكته على محمد وعلى أنبياء اللَّه وملائكته.

الموطن العشرون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند المرور على المساجد ورؤيتها]
قال القاضي إسماعيل بن كتبة: حدثنا يحيى بن الحميد: حدثنا يوسف ابن عمر التميمي، عن سليمان العبسيّ، عن على بن حسين قال: قال علي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: إذا مررتم [على المساجد] فصلوا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم.

(11/135)


الموطن الحادي والعشرون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند شدة الهم]
خرج الترمذي من حديث عبد اللَّه بن عقيل عن الطفيل بن أبيّ بن كعب عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا ذهب ثلثا الليل قام فذكره، وفيه قلت: يا رسول اللَّه إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئت إلى أن قال: أجعل لك صلاتي كلها، قال: إذا تكفي همك، ويغفر ذنبك. وقد تقدم.
وخرجه ابن أبي شيبة مختصرا عن أبيّ، قال رجل: يا رسول اللَّه، أرأيت صلاتي كلها صلاة عليك، قال: إذا يكفيك اللَّه ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك.

الموطن الثاني والعشرون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند كتابة اسمه صلّى اللَّه عليه وسلّم]
خرّج أبو الشيخ من طريق أسيد بن عاصم: حدثنا بشر بن عبيد: حدثنا محمد بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه عن الأعرج عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلّى عليّ في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب، قال أبو موسى: رواه غير واحد عن أسيد كذلك، قال: رواه إسحاق بن وهب العلاف عن بشر ابن عبيد فقال: عن حازم بن بكر عن يزيد عن عياض عن الأعرج، يروى من غير هذين الوجهين أيضا عن الأعرج، وفي الباب عن أبي بكر الصديق وعبد اللَّه بن عباس وعائشة- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم،
وقد تقدم حديث كادح بن رحمة، وقال جعفر بن علي الزعفرانيّ: سمعت خالي الحسن بن محمد يقول: رأيت أحمد بن حنبل في النوم فقال لي: يا أبا علي لو رأيت صلاتنا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الكتب، كيف تزهد ما بين أيدينا؟ وقال أبو الحسن على: رأيت أبا الحسن بن عبيد في المنام بعد موته- وكان على أصابع يديه شيئا مكتوبا بلون الذهب أو بلون الزعفران- فسألته عن ذلك، فقال: يا

(11/136)


بنى هذا لكتبى لحديث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال الخطيب: حدثني مكي بن علي، حدثنا أبو سليمان بن علي الحراني، قال رجل من جواري يقال له الفضل وكان كثير الصوم والصلاة: كنت أكتب الحديث ولا أصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فرأيته في المنام، فقال: إذا كتبت اسمي أو ذكرت لم لا تصلي علي؟ ففعلت ذلك، ثم رأيته مرة أخرى، فقال لي: بلغتني صلاتك عليّ فإذا كتبت أو ذكرت، فقل:
صلى اللَّه عليه وسلّم، وقال سفيان الثوري: لو لم يكن لصاحب الحديث فائدة إلا الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فإنه يصلي عليه ما دام في ذلك الكتاب اسمه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وقال محمد بن أبي سليمان: رأيت أبي في النوم، فقلت: يا أبه ما فعل اللَّه بك؟ قال: غفر لي، قلت: بماذا؟ قال: بكتابتي الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال بعض أهل الحديث كان لي جار مات فرئي في النوم، فقيل له: ما فعل اللَّه بك قال: غفر لي، قيل: بماذا؟ قال: كنت إذا كتبت رسول اللَّه في الحديث قلت: صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وقال سفيان بن عيينة: حدثنا خلف صاحب الخلفان، قال: كان لي صديق يطلب معى الحديث فمات، فرأيته في منامي- وعليه ثياب خضر يجول فيها، فقلت: ألست كنت معى تطلب الحديث؟ قال: بلى، قلت: فما الّذي أصارك إلى هذا؟ قال: كان لا يمر بى حديث فيه ذكر محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا كتبت في أسفله صلّى اللَّه عليه وسلّم، فكافأني ربنا هذا الّذي ترى.
وقال ابن عبد الحكم: رأيت الشافعيّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في النوم فقلت: ما فعل اللَّه بك؟ قال: رحمني وغفر لي وزفني إلى الجنة كما تزف العروس، ونثر عليّ كما ينثر علي العروس، قلت: بم بلغت هذه الحالة؟
قال: بما في كتاب الرسالة من الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، قلت: وكيف ذلك؟
قال: وصلى اللَّه على محمد عدد ما ذكره الذاكرون، وعدد ما غفل عن ذكره الغافلون، قال: فلما أصبحت نظرت في الرسالة، فوجدت الأمر كما رأيت.
وقال الخطيب: أنبأنا بشرى بن عبد اللَّه الرومي قال: سمعت محمد ابن الحسين بن محمد بن عبيد العسكري يقول: سمعت أبا إسحاق الدارميّ المعروف بنهشل يقول: كنت أكتب الحديث في تخريجي للحديث: قال النبي

(11/137)


«صلّى اللَّه عليه وسلّم تسليما» ، فرأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في المنام، وكأنه أخذ شيئا مما أكتبه فنظر فيه وقال: هذا جيد.
وقد روى أبو موسى في كتابه عن جماعة من أهل الحديث أنهم رؤوا بعد موتهم، فأخبروا أن اللَّه غفر لهم بكتابتهم الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في كل حديث.
وقال عباس العنبري وعلي بن المديني: ما تركنا الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في كل حديث سمعناه وربما عجلنا، فنبيض الكتاب في كل حديث، حتى نرجع إليه.

الموطن الثالث والعشرون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند تبليغ العلم إلى الناس مثل التذكير، والقصص، وإلقاء الدرس إلى الناس، وتعليم المتعلم، في أول ذلك، وآخره]
روى إسماعيل في كتابه من طريق أبي بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا حسين بن على الجعفي عن جعفر بن برقان، قال: كتب عمر بن عبد العزيز:
أما بعد فإن أناسا قد التمسوا الدنيا بعمل الآخرة، وإن القصاص قد أحدثوا من الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل صلاتهم على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فإذا جاءك كتابي هذا أن تكون صلاتهم على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم والنبيين، ودعاؤهم للمسلمين عامة، ويدعوا ما سوى ذلك. فاستحبت الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في هذا الموطن، لأنه موطن تبليغ العلم الّذي جاء به، ونشره في أمته وإلقائه إليهم، وهو أيضا موطن دعوتهم إلى سننه وطريقته، وهذا من أفضل الأعمال وأنفعها للعبد في الدنيا والآخرة، قال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [ (1) ] ، وقال تعالى: قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا
__________
[ (1) ] فصلت: 33.

(11/138)


إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [ (1) ] ، سواء كان المعنى أنا ومن اتبعني يدعو إلى اللَّه على بصيرة، أو كان الوقف عند قوله: أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [ (2) ] فالقولان متلازمان، فإنه أمره- سبحانه وتعالى- أن يخبر أن سبيله الدعوة إلى اللَّه، فمن دعا إلى اللَّه- تعالى- فهو على سبيل رسوله وهو على بصيرة، وهو من أتباعه، ومن دع إلى غير ذلك فليس على سبيله، ولا هو على بصيرة، ولا هو من أتباعه، فالدعوة إلى اللَّه تعالى هي وظيفة المرسلين وأتباعهم، وهم خلفاء الرسل في أممهم، والناس تبع لهم، وقد أمر اللَّه- تعالى- رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يبلغ ما أنزل إليه وضمن له حفظه وعصمته من الناس، وهكذا المبلغون عنه من أمته لهم من حفظ اللَّه- تعالى- لهم وعصمته إياهم بحسب قيامهم بدينه، وتبليغهم شريعته، وقد أمر صلّى اللَّه عليه وسلّم بالتبليغ عنه ولو آية، ودعا لمن بلغ عنه ولو حديثا، فتبليغ سنته إلى أمته أفضل من تبليغ السهام إلى نحو الأعداء، لأن تبليغ السهام يفعله كثير من الناس وأما تبليغ السنن فلا يقوم به إلا ورثة الأنبياء وخلفاؤهم، كما قال عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في خطبته التي ذكرها ابن وضاح في كتاب (الحوادث والبدع) : الحمد للَّه الّذي امتنّ على العباد بأن جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويحيون بكتاب اللَّه من مات من أهل العمى، كم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وضال تائه قد هدوه، وبذلوا دماءهم وأموالهم دون هلكة العباد، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس فيهم، يقتلونهم في سالف الدهر وإلى يومنا هذا، فما نسيهم ربك وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا [ (3) ] جعل قصصهم هدى، وأخبر عن مقالتهم فلا تقمر عنهم، فإنّهم في منزلة رفيعة، وإن أصابتهم الوضيعة.
وقال عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: إن لك عند كل بدعة كيد بها الإسلام وليا من أوليائه يذب عنها، وينطق بها، ويكفي في
__________
[ (1) ] يوسف: 108.
[ (2) ] يوسف: 108.
[ (3) ] مريم: 64.

(11/139)


هذا
قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لعليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: لأن يهدى بك اللَّه رجلا واحدا خير لك من حمر النعم،
وقوله: من أحيا شيئا من سنتي كنت أنا وهو في الجنة كهاتين، وضم ما بين إصبعيه،
وقوله: من دعا إلى هدى فاتبع عليه كان له مثل أجر من تبعه إلى يوم القيامة، فمتى يدرك العامل هذا الفضل العظيم والحظ الجسيم بشيء من عمله، وإنما ذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء، واللَّه ذو الفضل العظيم.
فحقيق بالمبلغ عن الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم أقامه اللَّه- تعالى- في هذا المقام أن يفتتح وقت تبليغه بحمد اللَّه- تعالى- والثناء عليه وتحميده والاعتراف له بالوحدانية، وتعريف حقوقه على العباد ثم الصلاة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الّذي هدى اللَّه به عباده، وأنقذهم باتباعه من النار، ثم يختم أيضا بالصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ليكون قد قام ببعض ما يجب له صلّى اللَّه عليه وسلّم من حقوقه الأكيدة.

الموطن الرابع والعشرون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أول النهار وآخره]
خرّج الطبراني من حديث بقية بن الوليد: قال: حدثني إبراهيم بن محمد بن زياد الألهاني: قال: سمعت خالد بن معدان عن أبي الدرداء- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلي عليّ حين يصبح عشرا، وحين يمسي عشرا، أدركته شفاعتي يوم القيامة، قال أبو موسى المديني: رواه عن بقية غير واحد.

(11/140)


الموطن الخامس والعشرون من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: [عقيب الذنب، فإن الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم كفارة]
خرّج ابن أبي عاصم في كتاب (الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم) من طريق شبابة: حدثنا مغيرة عن أبي إسحاق عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: صلوا عليّ فإن الصلاة عليّ، كفارة لكم، فمن صلّى عليّ مرة صلى اللَّه عليه عشرا، والكفارة تتضمن محو الذنوب.
وخرّج من طريق محمد بن إشكاب، حدثنا يونس بن محمد، حدثنا الفضل بن عطاء، عن الفضل بن شعيب عن أبى منصور، عن أبي معاذ، عن أبي كاهل، قال: قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا أبا كاهل من صلّى عليّ كل يوم ثلاث مرات وكل ليلة ثلاثا، حبا وشوقا إليّ، كان حقا على اللَّه أن يغفر له ذنوبه تلك الليلة وذلك اليوم.
وخرج أبو الشيخ في كتاب (الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم) من طريق ليث ابن أبي سليم عن نافع بن كعب عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: صلوا عليّ فإن الصلاة عليّ زكاة لكم.
ورواه ابن أبي شيبة عن ابن فضل عن ليث عن كعب عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه،
والزكاة تتضمن النماء والبركة والطهارة فاقتضت هذه الأحاديث بالصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تحصل بها طهارة النفس من رذائلها، ويثبت لها النماء والزيادة في كمالاتها وفضائلها، وإلى هذا يرجع كمال النفس، فعلم أن بالصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحصل للنفس الكمال، فإن الصلاة عليه من لوازم محبته ومتابعته وتقديمه على كل من سواه من المخلوقين صلّى اللَّه عليه وسلّم.

(11/141)


الموطن السادس والعشرون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند إلمام الفقر والحاجة، أو خوف وقوعهما]
خرّج أبو نعيم من طريق ابن الحسين بن سماعة: حدثنا أبو نعيم:
حدثنا فطر بن خليفة، عن جابر بن سمرة عن أبيه قال: كنا عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول اللَّه، ما أقرب الأعمال إلى اللَّه- عز وجل؟ قال:
صدق الحديث، وأداء الأمانة، قلت: يا رسول اللَّه- زدنا، قال: صلاة الليل، وصوم الهواجر، قلت: يا رسول اللَّه زدنا. قال: كثرة الذكر، والصلاة عليّ تنفى الفقر، قلت: يا رسول اللَّه زدنا، قال: من أم قوما فليخفف، فإن فيهم الكبير والعليل والضعيف وذا الحاجة.

الموطن السابع والعشرون من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [عند خطبة الرجل المرأة]
روى إسماعيل بن أبي زياد عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [ (1) ] الآية، قال: بمعنى أنّ اللَّه- تعالى- يثني على نبيكم ويغفر له، وأمر الملائكة بالاستغفار له صلّى اللَّه عليه وسلّم.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً أثنوا عليه في صلاتكم، ومساجدكم، وفي كل موطن، وفي خطبة النساء لا تنسوه.
__________
[ (1) ] الأحزاب: 56.

(11/142)


الموطن الثامن والعشرون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند العطاس]
خرّج الطبراني من حديث سهل بن صالح الأنطاكي: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن سليمان عن موسى عن نافع قال: رأيت ابن عمر- وقد عطس رجل إلى جانبه- فقال: الحمد للَّه والسلام على رسول اللَّه، فقال ابن عمر: وأنا أقول: السلام على رسول اللَّه! ولكن ليس هكذا أمرنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا عطسنا إنما أمرنا أن نقول: الحمد للَّه على كل حال،
قال الطبراني: لم يروه عن سعيد إلا الوليد تفرد به سهل.
ورواه الترمذي [ (1) ] عن حميد بن مسعدة: حدثنا زياد بن الربيع: حدثني حضرمي من آل الجارود عن نافع: أن رجلا عطس إلى جنب ابن عمر، فقال: الحمد للَّه والسلام على رسول اللَّه، قال ابن عمر: وأنا أقول: الحمد للَّه والصلاة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولكن هكذا علمنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم علمنا أن نقول:
الحمد للَّه على كل حال،
قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث زياد بن الربيع.
قال أبو موسى المديني: روي عن نافع أيضا عن ابن عمر خلاف ذلك، ثم ذكر من حديث عبد اللَّه بن أحمد، حدثنا عباس بن زياد الأسدي، حدثنا زهير عن إسحاق عن نافع، قال: عطس رجل عند ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال له ابن عمر: لقد بخلت، هلّا حيث عطست حمدت اللَّه، صليت على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ فذهب إلى جماعة منهم أبو موسى المديني وغيره، ونازعهم في ذلك آخرون، قالوا: لا تستحب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عند العطاس وإنما هو موضع حمد اللَّه وحده، ولم يشرع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عند العطاس حمد اللَّه والصلاة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وإن كانت من أفضل الأعمال، ولكل ذكر موطن يخصه لا يقوم غيره مقامه فيه. ولهذا لم تشرع الصلاة عليه
__________
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 76، كتاب الأدب، باب (2) ما يقول العاطس إذا عطس، حديث رقم (2738) .

(11/143)


صلّى اللَّه عليه وسلّم في الركوع ولا السجود ولا الاعتدال من الركوع، وشرعت في التشهد الأخير، إما مشروعية وجوب أو استحباب،
وقد روي أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال:
لا تذكروني عند ثلاث: عند تسمية الطعام، وعند الذبح؟ وعند العطاس.
وردّ هذا بأنه حديث لا يصح، فإنه من حديث سليمان بن عيسى السنجري عن عبد الرحمن بن زيد العمى عن أبيه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فذكره،
وله ثلاث علل:
إحداها: تفرد سليمان بن عيسى به [ (1) ] قال البيهقيّ: وهو في عداد من يضع الحديث.
الثانية: ضعف عبد الرحمن العمي [ (2) ] .
الثالثة: انقطاعه.

الموطن التاسع والعشرون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: بعد الفراغ من الوضوء]
روى أبو الشيخ من طريق إسحاق بن أبي إسرائيل: حدثنا محمد بن جابر عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا فرغ أحدكم من طهوره فليقل: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا عبده ورسوله، ثم ليصل عليّ، فإذا قال كذلك فتحت له أبواب الرحمة [ (3) ] ، وهذا حديث مشهور له طرق عن عمر بن الخطاب، وعقبة بن عامر، وثوبان، وأنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-
وليس في شيء منها ذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا في
__________
[ (1) ] هو سليمان بن عيسى، قال يحى بن سعيد، حدثنا أبى حدثنا سليمان بن عيسى عن جده موسى ابن طلحة: أسرت يوم الجمل فأتى بى على. ترجمته في: (التاريخ الكبير) : 2/ 2/ 30، ترجمة رقم (1865) ، (الثقات) : 6/ 394.
[ (2) ] هو عبد الرحمن بن عبد الوهاب العمي البصري الكوفي، ذكره ابن حبان في (الثقات) ، وقال: مستقيم الحديث. (تهذيب التهذيب) : 6/ 202، ترجمة رقم (451) ، (الثقات) .
[ (3) ] (جمع الجوامع) : حديث رقم (2237) .

(11/144)


هذه الرواية وروى ابن أبي عاصم في كتابه من حديث رحيم حدثنا ابن أبي فديك، حدثنا عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه عن جده يرفعه، لا وضوء لمن لا يصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] ، وعبد المهيمن لا يحتج به.

الموطن الثلاثون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند دخول المنزل]
روى أبو عيسى المديني من حديث أبى صالح بن المهلب عن أبي بكر ابن عمر أنه قال: حدثني محمد بن عباس بن الوليد: حدثني عمر بن سعد:
حدثنا ابن أبي ذئب: حدثني محمد بن عجلان عن أبى حازم عن سهل بن سعد قال: جاء رجل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فشكا إليه الفقر، وضيق المعيشة أو المعاش، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا دخلت منزلك فسلم إذا كان فيه أحد أو لم يكن فيه أحد، ثم سلّم عليّ واقرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ مرة واحدة ففعل الرجل ذلك، فأدر اللَّه عليه الرزق وعلى جيرانه وقرابته [ (2) ] .

الموطن الحادي والثلاثون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: في كل موطن يجتمع فيه لذكر اللَّه تعالى]
لحديث مسلم بن إبراهيم الكشني، قال: حدثنا عبد السلام بن عجلان:
حدثنا أبو عثمان النهدي: عن أبى هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: إن للَّه سيارة من الملائكة إذا مروا بحلق الذكر قال بعضهم لبعض: اقعدوا فإذا دعا القوم أمنوا على دعائهم فإذا صلوا على النبي
__________
[ (1) ] (كنز العمال) : 9/ 322، حديث رقم (26239) ، وعزاه إلى الطبراني عن سهل بن سعد.
[ (2) ] (إتحاف السادة المتقين) : 6/ 274.

(11/145)


صلّى اللَّه عليه وسلّم صلوا معهم حتى يفرغوا، ثم يقول بعضهم لبعض: طوبى- لهؤلاء يرجعون مغفورا لهم [ (1) ] ، وأصله في مسلم.

الموطن الثاني والثلاثون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا نسي العبد شيئا وأراد ذكره]
خرج أبو موسى المديني من طريق محمد بن عتاب المروزي: حدثنا سعدان بن عبيدة أبو سعيد المروزي: حدثنا عبيد اللَّه بن عبد اللَّه العتكيّ، عن أنس بن مالك- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا نسيتم شيئا فصلوا على تذكروه إن شاء اللَّه- تعالى، قال الحافظ أبو موسى وقد ذكرناه من غير هذا الطريق في كتاب (الحفظ والنسيان) .
__________
[ (1) ] (حلية الأولياء) : 6/ 286، ترجمة زياد بن عبد اللَّه النميري رقم (374)
من حديث أنس ابن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «إن للَّه سيارة من الملائكة، يطلبون حلق الذكر، فإن أتوا عليهم حفوا بهم، ثم يبعثون رائدهم إلى السماء إلى رب العزة، فيقولون: يا ربنا أتينا على عباد من الصالحين من عبادك، يعظمون آلاءك ويتلون كتابك، ويصلون على نبيك، ويسألونك لآخرتهم ودنياهم، فيقول ربنا- تعالى: غشوهم رحمتي، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم،
وفي (كنز العمال) : 1/ 434، حديث رقم (1876) ، وعزاه إلى ابن النجار، عن أبي هريرة بلفظ (الأصل) .

(11/146)


الموطن الثالث والثلاثون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند الحاجة تعرض للعبد]
روى أبو موسى المديني من طريق إبراهيم بن الأشعث الخراساني حدثنا عبد اللَّه بن سنان بن عقبة بن أبي عائشة، عن أبى سهل بن مالك عن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم:
من صلّى عليّ مائة صلاة حين يصلي الصبح قبل أن يتكلم، قضى اللَّه له مائة حاجة، عجل له منها ثلاثين حاجة، وأخّر له سبعين، وفي المغرب مثل ذلك، قيل: وكيف الصلاة عليك يا رسول اللَّه؟ قال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ (1) ] . اللَّهمّ صلّ عليه حتى تبلغ مائة [ (2) ] .
وقال إبراهيم بن الجنيد، حدثنا إسماعيل بن جريح بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن أبى عبيد عن ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: إذا أردت أن تسأل اللَّه حاجة، فابدأ بالمدح والتمجيد والثناء على اللَّه عز وجل بما هو أهله، ثم صل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم ادع بعد، فإن ذلك أحرى أن تصيب حاجتك.
وتقدم حديث فضالة بن عبيدة وحديث أبيّ بن كعب، وتقدم أيضا من طريق الترمذي حديث عبد اللَّه بن أبي أوفى يرفعه: من كانت له إلى اللَّه حاجة أو إلى أحد من خلقه. الحديث [ (3) ] . وخرجه الطبراني،
وخرج الحافظ أبو موسى المديني من طريق محمد بن عبيد: حدثنا عباس بن بكار: حدثنا أبو بكر
__________
[ (1) ] الأحزاب: 56.
[ (2) ] (كنز العمال) : 1/ 506- 507، حديث رقم (2237) وعزاه إلى البيهقي في (الشعب) وابن عساكر عن أنس، وحديث رقم (2242) وعزاه إلى الديلميّ عن حكامة عن أبيها عن عثمان بن دينار، عن أخيه مالك بن دينار عن أنس، كلاهما بمعنى حديث (الأصل) مع اختلاف في السند والسياقة.
[ (3) ] سبق تخريجه.

(11/147)


الهزلي: حدثنا محمد بن المنكدر، عن جابر- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلى عليّ في كل يوم مائة مرة قضى اللَّه- تعالى- له مائة حاجة، سبعين منها لآخرته، وثلاثين لدنياه،
قال: هذا حديث حسن [ (1) ] .

الموطن الرابع والثلاثون من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند طنين الأذن
خرّج الطبراني من طريق معمر بن محمد بن عبد اللَّه بن أبى رافع، قال: أخبرني أبي محمد عن أبيه عبد اللَّه عن أبي رافع مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا طنت أذن أحدكم فليذكرنى ويصلّ على،
قال الطبراني: لا يروى عن أبي رافع إلا بهذا الإسناد تفرد به معمر بن محمد.
وخرّجه محمد بن إسحاق بن خزيمة عن معمر بن محمد، ولفظه: إذا طنت أذن أحدكم فليذكرني وليصل علي، وليقل: ذكر اللَّه من ذكرني بخير.
رواه ابن أبي عاصم في كتابه من طريق حسان بن عدي، حدثنا محمد بن عبد اللَّه بن أبى رافع عن أبيه عن جده، ولفظه: إذا طنت أذن أحدكم فليصلّ عليّ وليقل: ذكر اللَّه بخير من ذكرني ... وفي رواية: ذكر اللَّه من ذكرني بخير [ (2) ] .
__________
[ (1) ] راجع التعليق السابق.
[ (2) ] رواه العقيلي عن أبى رافع مرفوعا. قيل: هو موضوع، وهو كذلك، والخبر مداره على محمد بن عبيد اللَّه بن أبى رافع، وهو هالك ومع ذلك اختلف عنه، وفي أسانيده والأسانيد إليه كلام، وروى بسند ضعيف عن علي بن أبى رافع عن جده، وعلى يقال له: على بن عبيد اللَّه ويقال: عبيد اللَّه بن علي، ولم يوثق توثيقا معتبرا، ولا أدرك جده، فإن صح عنه هذا، فكأنه أخذه من قريبه محمد. (الفوائد المجموعة) : 224، حديث رقم (20) .
قال العجلوني: رواه الطبراني، وابن السني، والخرائطي، وآخرون، عن أبي رافع مرفوعا وسنده ضعيف، بل قال العقيلي: لا أصل له لكن قال الزرقاني كالمناوي، وتعقب بأن الحافظ نور الدين الهيثمي قال: إسناد الطبراني في (الكبير) حسن. وقد رواه ابن خزيمة في-

(11/148)


الموطن الخامس والثلاثون من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عقيب الصلوات
ذكر الحافظ أبو موسى المديني من طريق عبد الغنى بن سعيد، قال:
سمعت إسماعيل بن أحمد الحاسب، قال: أخبرني أبو بكر محمد بن عمر، قال: كنت عند أبي بكر بن مجاهد فجاء الشبلي فقام إليه ابن مجاهد وعانقه وقبّل بين عينيه، فقلت له: يا سيدي تفعل هذا بالشبلي وأنت وجميع من ببغداد يتصورون أنه مجنون؟ فقال لي: فعلت به كما رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فعل به، وذلك أنى رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في المنام، وقد أقبل الشبلي فقام إليه وقبل بين عينيه، فقلت يا رسول اللَّه أتفعل هذا بالشبلي؟ فقال: هذا يقرأ بعد صلاته:
لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ [ (1) ] إلى آخرها ويتبعها بالصلاة عليّ.
__________
[ () ] صحيحه عن أبى رافع، وهو ممن التزم الصحيح، وبه شنعوا على ابن الجوزي في زعمه أنه موضوع. (كشف الخفا ومزيل الالتباس) : 1/ 102- 103، حديث رقم (292) .
قال ابن الجوزي: هذا حديث موضوع على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قال يحيى بن معين: عبيد اللَّه ليس بشيء، وقال محمد بن طاهر: هو متروك الحديث، وقال البخاري: معمر وأبوه كلاهما: منكر الحديث (الموضوعات) : 3/ 76، باب ما يقال عند طنين الأذن.
قال العلامة نور الدين على بن محمد بن سلطان، المشهور بالملا على القارئ: فكل حديث في طنين الأذن كذب، قلت: رواه الحكم، وابن السني، والطبراني، والعقيلي، وابن عدي عن أبي رافع، كذا في (الجامع الصغير) للسيوطي، والتزم أن لا يكون فيه موضوع، وذكره ابن الجزري أيضا في (الحصن) والتزم أن لا يكون فيه إلا الصحيح، (الأسرار المرفوعة) : 441، وقال محققه: هيهات أن يكون المؤلفون قادرين على أن يحققوا ما اشترطوه في مقدماتهم دائما.
[ (1) ] التوبة. 128.

(11/149)


وفي رواية: أنه لم يصل صلاة فريضية إلا ويقرأ لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ [ (1) ] إلى آخر السورة. ويقول: صلى اللَّه عليك يا محمد ثلاث مرات. قال: فلما دخل الشبلي سألته عما يذكر بعد صلاته فذكر مثله.

الموطن السادس والثلاثون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] : عند الذبيحة
وقد اختلف في ذلك فاستحبها الشافعيّ- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: التسمية عند الذبيحة: بسم اللَّه، فإن زاد بعد ذلك شيء من ذكر اللَّه فالزيادة خير، ولا إكراه مع تسميته على الذبيحة أن يقول: صلى اللَّه على رسول اللَّه بل أحبه له، وأحب أن يكثر الصلاة عليه على كل الحالات، لأن ذكر اللَّه تعالى بالصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم إيمانا باللَّه وعبادة لم يؤاخذ عليها- إن شاء اللَّه تعالى- من قالها.
وقد ذكر عبد الرحمن بن عوف- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، أنه كان مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فتقدمه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فتابعه فوجده عبد الرحمن ساجدا، فوقف ينتظره فأطال، ثم رفع، فقال عبد الرحمن: لقد خشيت أن يكون اللَّه قبض روحك في سجودك قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا عبد الرحمن لما كنت حيث رأيت، لقيني جبريل فأخبرني عن اللَّه- تعالى- أنه قال: من صلّى عليك صليت عليه فسجدت للَّه شكرا، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من نسي الصلاة عليّ خطئ طريق الجنة،
وبسط- رحمه اللَّه- الكلام في هذا، ونازعه في ذلك آخرون من الحنفية، وكرهوا الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم في هذا الموطن، كما ذكره صاحب (المحيط) ، وقال: لأن فيه إيهام الإهلال لغير اللَّه، وكرهها أيضا من أصحاب أحمد القاضي أبو يعلى.
كما ذكر ذلك أبو الخطاب في (رءوس المسائل) ، واحتج لهذا لما
رواه الخلال من حديث معاذ بن جبل عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: موطنان لا حظ لي
__________
[ (1) ] التوبة. 128.

(11/150)


فيهما: عند العطاس، والذبح،
وبما تقدم من حديث عبد الرحمن بن زيد العمى عن أبيه وهو غير ثابت [ (1) ] .

الموطن السابع والثلاثون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] :
إذا مر وهو يقرأ في الصلاة بذكره صلّى اللَّه عليه وسلّم أو بقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ (2) ] روى إسماعيل بن إسحاق من طريق بشر بن منصور، عن هشام، عن الحسن، قال: إذا مر في الصلاة على ذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فليقف وليصل عليه في التطوع، وقال الإمام أحمد: إذا مر المصلى فيها بذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فإن كان في نفل صلّى عليه.

الموطن السادس والثلاثون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] : عند عدم المال
فإن الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم تقوم مقام الصدقة،
روى ابن وهب، عن عمر، عن عمرو بن الحارث، عن دراج أبى السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أيما رجل لم يكن عنده صدقة فليقل في دعائه: اللَّهمّ
__________
[ (1) ]
(كنز العمال) : 1/ 509، حديث رقم (2255) : لا تذكروني عند ثلاث: تسمية طعامكم، وعند الذبح، وعند العطاس،
وعزاه إلى البيهقي في (السنن) ، وضعفه، عن عبد الرحمن بن زيد العمي، عن أبيه مرسلا.
وحديث رقم (2256) : لا تذكروني في ثلاث مواطن، عند العطاس، وعند الذبيحة، وعند التعجب،
وعزاه إلى الحاكم في (تاريخه) .
[ (2) ] الأحزاب: 56.

(11/151)


صلّ على محمد عبدك ورسولك، وصلّ على المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، فإنّها زكاة [ (1) ] .

الموطن التاسع والثلاثون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] : عند النوم
روى أبو الشيخ في كتابه من طريق آدم بن أبي إياس، قال: حدثنا محمد بن بشر: حدثنا محمد بن عامر: قال: قال أبو قرصافة: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: من أوى إلى فراشه ثم قرأ: تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [ (2) ] ، ثم قال: اللَّهمّ رب الحل والحرام، ورب البلد الحرام، ورب الركن والمقام، ورب المشعر الحرام، بحق كل آية أنزلتها في شهر رمضان، بلغ روح محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم منى تحية وسلام- أربع مرات، وكلّ اللَّه تعالى بها ملكين، حتى يأتيا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويقولان له: يا محمد إن فلان بن فلان يقرأ عليك السلام ورحمة اللَّه فيقول: وعلى فلان منى السلام ورحمة اللَّه، وبركاته [ (3) ] ،
ومحمد بن بشر المدني قال فيه الأزدي: متروك الحديث مجهول، ولهذا الحديث- مع ذلك- علة، وهي أنه معروف من قول أبي جعفر محمد الباقر.
__________
[ (1) ] (شعب الإيمان) : 2/ 86، باب (13) التوكل والتسليم، حديث رقم (1231) ،
عن أبي سعيد الخدريّ، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «أيما رجل كسب مالا من حلال، فأطعم نفسه، أو كساها فمن دونه من خلق اللَّه، فإنّها زكاة له، وأيما رجل مسلم لم يكن له عنده صدقة فليقل في دعائه: اللَّهمّ صلّ على محمد عبدك ورسولك، وصلّ على المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، فإنّها زكاة له. أخرجه البيهقي من طريق ابن عدي في (الكامل) : 3/ 980- 981.
[ (2) ] الملك: 1، والمراد هنا قراءة سورة الملك كلها قبل النوم، إن صح.
[ (3) ] (كنز العمال) : 15/ 346- 347، حديث رقم (41320) وعزاه إلى أبي الشيخ في (الثواب) ، والضياء المقدس، وقال: غريب جدا عن أبي قرصافة.

(11/152)


الموطن الأربعون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] : عند كل كلام ذي بال
وفي هذا الموطن يشرع حمد اللَّه- تعالى- والثناء عليه، ثم يصلى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم،
خرج الإمام أحمد [ (1) ] وأبو داود [ (2) ] من حديث أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: كل كلام لا يبدأ فيه بحمد اللَّه- تعالى- فهو أجزم.
وروى أبو موسى المدني، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كل كلام لا يذكر اللَّه فيبدأ به وبالصلاة عليّ، فهو أقطع ممحوق من كل بركة.
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 3/ 43، حديث رقم (8495)
من مسند أبى هريرة- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ولفظه: «كل كلام أو أمر ذي بال لا يفتح بذكر اللَّه عز وجل فهو أبتر، أو قال:
أقطع.
[ (2) ] (سنن أبي داود) : 5/ 172، كتاب الأدب، باب (21) الهدى في الكلام، حديث رقم (4840) ، قال الخطابي:
قوله: «أجزم» :
معناه المنقطع الأبتر، الّذي لا نظام له، وفسره أبو عبيد فقال: الأجزم: المقطوع اليد، وقال ابن قتيبة: الأجزم بمعنى المجزوم، في
قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «من تعلم القرآن ثم نسيه لقي اللَّه وهو أجزم» .
وفي نسخة:
«لا يبدأ فيه بحمد اللَّه» .
وأخرجه ابن ماجة في النكاح، حديث رقم (1894) باب في خطبة النكاح، وقال فيه:
«أقطع» قال المنذري: وأخرجه النسائي مسندا ومرسلا.

(11/153)


الموطن الحادي والأربعون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] : في صلاة العيد
روى القاضي إسماعيل في كتابه من حديث مسلم بن إبراهيم، قال:
حدثنا هشام الدستوائى: حدثنا حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم، عن علقمة أن ابن مسعود وأبا موسى وحذيفة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- خرج عليهم الوليد بن عقبة قبل العيد يوما فقال لهم: إن هذا العيد قد دنا، فكيف التكبير فيه؟ قال عبد اللَّه بن مسعود: تبدأ فتكبر تكبيرة الفتح تفتح بها الصلاة، وتحمد ربك، وتصلى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم تدعو وتكبر فتفعل مثل ذلك، وتكبر، وتفعل مثل ذلك، ثم تقرأ ثم تكبر، وتركع ثم تقوم، وتقرأ، وتحمد اللَّه، وتصلى على النبي محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم تدعو وتكبر، وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تركع، فقال حذيفة وأبو موسى:
صدق أبو عبد الرحمن.
وفي هذا الحديث الموالاة بين القراءتين، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في رواية عنه، وفيه تكبيرات العيد الزوائد ثلاثا في كل ركعة، وإليه ذهب أبو حنيفة، وفيه حمد اللَّه والثناء عليه، والصلاة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو مذهب الشافعيّ وأحمد، فأخذ أبو حنيفة- رحمه اللَّه- به في عدد التكبيرات، والموالاة بين القراءتين.
وأخذ به الشافعيّ وأحمد- رحمهما اللَّه- في استحباب الذكر بين التكبيرات، وأبو حنيفة ومالك- رحمهما اللَّه- يستحبان سرد التكبيرات من غير ذكر بينهم، ومالك لم يأخذ به في هذا ولا هذا، ولبسط هذه المسألة موضع غير هذا، واللَّه الموفق.

(11/154)


الثامنة والتسعون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أن من صلّى عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم نال من اللَّه تعالى أربعين كرامة بصلاته عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم

أولها:
امتثاله أمر اللَّه- تعالى.

ثانيها:
موافقته للَّه تعالى- في الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم وإن اختلفت الصلاتان فصلاتنا عليه دعاء وسؤال، وصلاة اللَّه عليه ثناء وتشريف.

ثالثها:
موافقة الملائكة في الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم.

رابعها:
حصول عشر صلوات من اللَّه- تعالى- للمصلى عليه مرة واحدة.

خامسها:
أن اللَّه- تعالى- يرفع له بالصلاة عليه عشر درجات.

سادسها:
أنه يكتب له عشر حسنات.

سابعها:
أنه يمحى عنه عشر سيئات.

ثامنها:
أنه ترجى إجابة دعوته، إذا قدم الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمام دعائه فالصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم تصعد بالدعاء إلى اللَّه تعالى، وقد كان موقوفا بين السماء والأرض قبلها.

تاسعها:
أنها سبب لشفاعته صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا قرنها بسؤاله الوسيلة له أو أفردها.

عاشرها:
أنها سبب لمغفرة الذنوب.
روى رشدين بن سعد، حدثنا معاوية بن صالح، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن عليّ، عن أبي بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أمحق للخطايا من الماء للنار، والسلام على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أفضل من عتق الرقاب، وحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أفضل من ضرب بالسيف في سبيل اللَّه عز وجل.

الحادية عشرة:
أنها سبب لكفاية اللَّه- تعالى- المصلّي عليه ما أهمه.

الثانية عشرة:
أنها سبب لقرب المصلي عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم منه يوم القيامة.

الثالثة عشرة:
أنها تقوم للمصلي المعسر مقام الصدقة.

(11/155)


الرابعة عشرة:
أنها سبب لقاء الحوائج.

الخامسة عشرة:
أنها سبب لصلاة- اللَّه سبحانه وتعالى- وملائكته على المصلى عليه.

السادسة عشرة:
أنها زكاة وطهارة للمصلي عليه.

السابعة عشرة:
أنها سبب لبشارة المصلي عليه بالجنة قبل موته.

الثامنة عشرة:
أنها سبب للنجاة من أهوال يوم القيامة.

التاسعة عشرة:
أنها سبب لردّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الصلاة والسلام على من صلّى عليه وسلّم صلّى اللَّه عليه وسلّم.

الكرامة العشرون:
أنها سبب لتذكر المصلي ما نسيه.

الحادية والعشرون:
أنها سبب لطيب مجلس المصلي عليه، وأنه لا يعود حسرة عليه وعلى من كان معه يوم القيامة.

الثانية والعشرون:
أنها تنفى الفقر.

الثالثة والعشرون:
أنها تنفى عن المصلي عليه إذا ذكر اسم البخل.

الرابعة والعشرون:
نجاة المصلي عليه عند ذكره من الدعاء عليه برغم الأنف.

الخامسة والعشرون:
أنها ترمى بالمصلي عليه على طريق الجنة، وتخطئ بتاركها عن طريقها.

السادسة والعشرون:
أنها تنجى من نتن المجلس.

السابعة والعشرون:
أنها سبب لتمام الكلام الّذي تبدأ فيه مع حمد اللَّه- تعالى.

الثامنة والعشرون:
أنها سبب لزيادة نور المصلي عليه إذا جاز على الصراط.

التاسعة والعشرون:
أنها تخرج المصلي عليه من الجفاء والكراهة له صلّى اللَّه عليه وسلّم.

الكرامة الثلاثون:
أنها سبب لإلقاء اللَّه- تعالى- الثناء الحسن للمصلي عليه بين أهل السماء والأرض، لأن المصلى عليه طالب من اللَّه

(11/156)


- تعالى- أن يثنى على رسوله ويكرمه ويشرفه، والجزاء من جنس العمل، فلا بد أن ينال المصلى عليه نوعا من ذلك.

الحادية والثلاثون:
أنها سبب للبركة في ذات المصلي، وفي عمله، وفي عمره، وفي أسباب مصالحه، لأنه داع ربه أن يبارك على نبيه وعلى آله، وهذا الدعاء مستجاب، والجزاء من جنسه.

الثانية والثلاثون:
أنها سبب لنيل المصلي عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم رحمة اللَّه له، لأن الرحمة إما معنى الصلاة، وإما من لوازمها وموجباتها، فلا بد للمصلي عليه من رحمة تناله.

الثالثة والثلاثون:
أنها سبب لدوام محبة المصلي عليه له وزيادتها وتضاعفها، وقد تقرر أن محبته صلّى اللَّه عليه وسلّم عقد من عقود الإيمان الّذي لا يتم بدونه، وذلك أن العبد كلما أكثر من ذكر محبوبه، ومن استحضاره في قلبه، واستجلاء محاسنه، وتذكر معانيه الجالبة لحبه، تضاعف حبه، وتزايد شوقه إليه، واستولى على قلبه بأسره، وإن أعرض عن ذكره، وإحضاره قلبه، وغفل عن تذكر محاسنه، تناقص حبه من قلبه.
ومن المعلوم عند كل أحد أنه لا شيء أقر لعين المحب من رؤية محبوبه، ولا أسر لقلبه من ذكره وتذكر معانيه واستجلائه لجمال محياه وتصوره محاسنه، فإذا قوى ذلك في قلب المحب، جرى لسانه بمدح محبوبه والثناء عليه، وبث محاسنه بحسب زيادة حبه ونقصانه.
ولما كانت كثرة ذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم موجبة بدوام محبته ونسيانه سببا لزوال محبته أو ضعفها، وكان اللَّه- سبحانه وتعالى- هو المستحق من عباده نهاية المحبة ومع غاية التعظيم والإجلال، لكان ذكره تعالى أنفع.
أما للعبد فإن الذكر للقلب كالماء للزرع، بل كالماء للسمك، لا حياة له إلا به، وكانت محبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تابعة لمحبته- تعالى.

الرابعة والثلاثون:
أنها سبب لمحبته صلّى اللَّه عليه وسلّم للمصلي عليه، فإنّها لما كانت سببا لزيادة محبة المصلى عليه له، كانت سببا لمحبته هو المصلى عليه.

الخامسة والثلاثون:
أنها سبب لهداية المصلي عليه وإحياء قلبه، فإنه كلما أكثر من ذكره ومن الصلاة عليه استولت محبته على القلب حتى لا يبقى

(11/157)


فيه شك لما جاء به بكليته على امتثال ما أمر به واتباع سنته، كأنما صارت سنته كتابا مستورا في قلبه، لا يزال يقرؤه على تعاقب أحواله، ويقتبس الهدى والصلاح وجميع العلوم منه، فكلما ازداد في ذلك بصيرة وقوة ومعرفة، تزايدت صلاته وسلامه عليه، ولهذا كان فرق عظيم بين صلاة أهل العلم عليه القائمين بشريعته، العارفين بسنته وهديه المتبعين له، وبين صلاة العوام عليه، الذين حظهم منها إزعاج أعضائهم، وبها رفع أصواتهم، فصلاة العارفين بسنته عليه العالمين بما جاء به، نوع آخر، فكلما ازدادوا معرفة بما جاء به، ازدادوا له محبة ومعرفة بحقيقة الصلاة المطلوبة من اللَّه- تعالى.
فكلما كان العبد أعرف باللَّه- تعالى، وله- تعالى- أطوع، وله أحب مما سواه، كان ذكره له- تعالى- غير ذكر الغافلين اللاهين، وهذا أمر إنما يعرف بالذوق لا بالوصف، وفرق بين من يذكر صفات محبوبه الّذي قدم ملأ حبه جميع قلبه، ويثنى عليه ويمجده بها، وبين من حظه من ذكره التلفظ بما لا يدرى معناه، فلا يطابق فيه قلبه لسانه، كما أنه فرق بين بكاء النائحة وبكاء الثكلى.
فذكره صلّى اللَّه عليه وسلّم وذكر ما جاء به حمدا للَّه- تعالى- على إنعامه علينا، ومنّه بإرساله هو حياة الوجود، وروحه روح المجالس، ذكره وحديثه، وهدى لكل حيران، وإذا أخل بذكره في مجلس فأولئك الأموات في الجثمان.

السادسة والثلاثون:
أنها سبب لعرض اسم المصلى عليه وذكره عنده.

السابعة والثلاثون:
أنها سبب لتثبيت أقدام المصلى عليه على الصراط، لحديث سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن سمرة في رؤيا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وفيه:
ورأيت رجلا من أمتى يرجف على الصراط، ويحبو أحيانا، فجاءته صلاته عليّ فأقامته وأنقذتة، وسيأتي بطوله إن شاء- اللَّه تعالى- في مقامه صلّى اللَّه عليه وسلّم.

الثامنة والثلاثون:
أن المصلى عليه يؤدى بصلاته عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم أقل القليل من حقه، ويقوم بأيسر اليسير من شكره على نعمته، التي أنعم اللَّه- تعالى- بها عليه في بعثته إلينا وهدايتنا به، فإن الّذي يستحقه صلّى اللَّه عليه وسلّم من ذلك لا يحصى علما ولا قدرة منا ولا إرادة، ولكن اللَّه- تعالى- من كرمه يرضي من عبادة باليسر.

(11/158)


التاسعة والثلاثون:
أنها متضمنة لذكر اللَّه- تعالى- وشكره ومعرفة إنعامه على عبيده بإرساله صلّى اللَّه عليه وسلّم فالمصلي عليه قد تضمنت صلاته عليه ذكر اللَّه- تعالى- وذكر رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم، وسؤاله- تعالى- أن يجزيه بصلاته عليه ما هو عليه كما عرفنا ربنا- تعالى- وأسماءه وصفاته، وهدانا إلى طريق مرضاته تعالى، وعرفنا ما لنا بعد الوصول إليه والقدوم، فهي متضمنة للايمان كله، من وجود الرب المدعو سبحانه، وعلمه وسمعه وقدرته وإرادته وكلامه، وإرساله رسوله، وتصديقه فيما أرسل به كله وكمال صحبته صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهذه هي أصول الإيمان، والصلاة عليه متضمنة لعلم المصلي عليه ذلك وتصديقه به، ومحبته له، فكانت- من أجل ذلك- من أجلّ الأعمال.

الكرامة الأربعون:
الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم من المصلي عليه دعاء، وقد انقسم دعاء العبد وسؤاله ربه- تعالى- نوعين.

أحدهما:
سؤاله حوائجه ومهماته وما ينوبه في الليل والنهار، فهذا دعاء وسؤال، وإيثار لمحبوب العبد ومطلوبة.

والثاني:
سؤال العبد ربه- تعالى- أن يثنى على رسول وخليله وحبيبه وأن يزيد في تشريفه وقدره كرامته وإشادة ذكره ورفعه، ولا ريب أن اللَّه- تعالى- يحب ذلك، ورسوله أيضا يحبه، وفي هذا النوع من الدعاء يكون العبد قد آثر ما يحبه اللَّه ورسوله على طلبه حوائجه هو، بل كان هذا المطلوب من أحب الأمور إليه وآثرها عنده فقد آثر ما يحبه اللَّه ورسوله على ما يحبه هو ومن آثر اللَّه ومحابه على ما سواه، كان جزاؤه من جنس عمله، فدخل في زمرة من آثرة على غيره، ويا لها من رتبة، ما أجلها وأعلاها، واعتبر هذا بما تجد الناس يعتمدونه عند ملوكهم ورؤسائهم، إذا أرادوا التقرب إليهم، والمنزلة عندهم، فإنّهم يسألون المطاع أن ينعم على من يعلمونه أحب إليه، وكلما سألوه أن يزيد في وكرمه وتشريفه، علت منزلتهم عنده، وازداد قربهم منه، وحظوتهم عنده، لأنهم يعلمون منه إرادة الإنعام والتشريف والتكريم لمحبوبه، فأحبهم إليه أشدهم له سؤالا، ورغبة أن يتم عليه إنعامه وإحسانه ومراده، وهذا أمر مشاهد بالحس. ولا تكون منزلة هؤلاء، ومنزلة

(11/159)


من يسأل المطاع حوائجه منزلة واحدة، فكيف بأعظم محب وأجله لأكرم محبوب وأحقه بمحبة ربه؟ ولو لم يكن من فوائد الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا هذا المطلوب وحده لكفى المؤمن به شرفا فكيف ومعها أخواتها؟
واعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد خصه اللَّه- تعالى- من مزايا الشرف الرفيع بأن جعل له الأجر الزائد على أجر عمله مثل أجور من اتبعه منذ ابتعثه إلى قيام الساعة، فشرفه صلّى اللَّه عليه وسلّم الشرف الّذي لا فوقه غاية، ولا له نهاية، وصلاة أمته وسلامهم عليه ليس له فيها شيء يجدد، ولا شرف يتعدد، وإنما هي فضل من اللَّه يعود على أمته بتكفير سيئاتهم، ومحو خطيئاتهم، وزيادة حسناتهم، وارتفاع درجاتهم، ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [ (1) ] ، فمن دعا إلى سنته صلّى اللَّه عليه وسلّم وأرشد إلى دينه وعلم الخير أمته، إذا قصد توفير هذا الحظ على المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم وصرفه إليه، وقصد بدعائه الخلق إلى اللَّه أن يتقرب إلى اللَّه- تعالى- بإرشاد عباده، وأن يوفر أجور المطيعين له على الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم كان ذلك أرفع لقدره، وأعظم لأجره، فإن اللَّه- تعالى- يثيبه مع الأجر على دعوته وتعليمه بحسب هذه النية ثوابا جزيلا، ويؤتيه أجرا كبيرا، واللَّه الموفق بمنه وكرمه.
__________
[ (1) ] الجمعة: 4.

(11/160)


خاتمة فيها بيان وإرشاد لمعنى الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم
اعلم أن أصل لفظة الصلاة في اللغة يرجع إلى معنيين:

أحدهما: الدعاء والتبرك.

والثاني: العبادة.
فالأول: كقول اللَّه تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [ (1) ] .
وقوله تعالى: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ [ (2) ] ،
وقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان صائما فليصل، قيل: فليدع بالبركة، وقيل: يصلى عنده بدل أكله،
وقيل:
الصلاة لغة معناها الدعاء، والدعاء نوعان: دعاء عبادة، ودعاء مسألة.
فالعابد داع، كما أن السائل داع، وبهما فسر، قوله- تعالى: وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [ (3) ] ، قيل: أطيعوني أثبكم وقيل: ادعوني سلوني أعطكم، وبهما فسر قوله- تعالى: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ [ (4) ] ، والصواب أن الدعاء يعم النوعين، وهو لفظ متواطئ لا اشتراك فيه، فمن استعماله في دعاء العبادة قوله- تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ [ (5) ] ، وقوله- تعالى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ [ (6) ] وقوله- تعالى: ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ [ (7) ] ، والصحيح
__________
[ (1) ] التوبة: 103.
[ (2) ] التوبة: 84.
[ (3) ] غافر: 60.
[ (4) ] البقرة: 186.
[ (5) ] سبأ: 22.
[ (6) ] الفرقان: 3.
[ (7) ] الفرقان: 77.

(11/161)


من القولين لولا أنكم تدعونه أي شيء لعبأ بكم لولا عبادتكم إياه، سيكون المصدر مضافا إلى الفاصل. وقال تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ* وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً [ (1) ] .
وقال تعالى- إخبارا عن أنبيائه ورسله: إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً [ (2) ] ، وهذه الطريقة أحسن من الطريقة الأولى، وهذه دعوى الخلاف في مسمى الدعاء، وبهذا تزول الإشكالات الواردة على اسم الصلاة الشرعية، هل هو منقول عن موضعه في اللغة فيكون حقيقة في شرعته أو مجازا شرعيا؟ فعلى هذا تكون الصلاة باقية على مسماها في اللغة، وهو الدعاء، والدعاء دعاء عبادة، ودعاء مسألة، والمصلى من حين تكبيره إلى سلامه بين دعاء العبادة ودعاء المسألة فهو في صلاته حقيقة لا مجازا، ولا منقولة، لكن خصّ اسم الصلاة بهذه العبادة المخصوصة كسائر الألفاظ التي يخصها أهل اللغة ويخصها أهل العرف ببعض مسماها كالرأس ونحوها، فهذا غايته من تخصيص اللفظ وقصره على بعض موضوعة، وهذا لا يوجب نقلا ولا خروجا عن موضوعة الأصلي، وهذه هي الصلاة من الآدميّ،

وأما صلاة اللَّه- جل جلاله- على عبده فنوعان:
عامة وخاصة.

[فالصلاة] العامة:
صلاته- سبحانه- على جميع المؤمنين، قال تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ [ (3) ] ، ومنه دعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لآحاد المؤمنين
كقوله: اللَّهمّ صل على آل أبى أوفى،
وقوله للمرأة: صلى اللَّه عليك وعلى زوجك.
__________
[ (1) ] الأعراف: 55- 56.
[ (2) ] الأنبياء: 90.
[ (3) ] الأحزاب: 43.

(11/162)


والصلاة الخاصة:
صلاته- تعالى- على أنبيائه ورسله، خصوصا على خاتمهم وأفضلهم محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، اختلف في معناها. فقيل: إنها رحمته- تعالى-.
روى إسماعيل بن إسحاق من طريق جويبر عن الضحاك قال: صلاة اللَّه- تعالى- رحمته وصلاة الملائكة الدعاء، وقال المبرد: أصل الصلاة الرحمة فهي من اللَّه- تعالى- رحمة، ومن الملائكة استدعاء للرحمة من اللَّه، وهذا القول هو المعروف عند كثير من المتأخرين، وقيل: إن الصلاة مغفرته.
قال جويبر عن الضحاك: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ [ (1) ] صلاة اللَّه مغفرته، وصلاة الملائكة الدعاء، وهذا القول من جنس الّذي قبله، وردّ بوجوه:
أحدها: أن اللَّه- تعالى- قد فرق بين صلاته على عباده ورحمته، فقال تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ* أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [ (2) ] .
فعطف- تعالى- الرحمة على الصلاة، فاقتضى ذلك تغايرهما، وهذا أصل العطف.
وأما قول الشاعر:
فألفى قولها كذبا ومينا
فإنه شاذ لا يحمل عليه أفصح الكلام مع أن المين أخص من الكذب.
ثانيها: أن صلاة اللَّه- تعالى- خاصة بأنبيائه ورسله وعباده المؤمنين.
وأما رحمته فوسعت كل شيء فليست الصلاة مرادفة للرحمة، لكن الرحمة من لوازم الصلاة وموجباتها وثمراتها، فمن فسرها بالرحمة فقد فسرها ببعض ثمرتها وآحاد مقصودها، وهذا كثير ما يأتى في تفسير ألفاظ القرآن،
__________
[ (1) ] الأحزاب: 43.
[ (2) ] البقرة: 156- 157.

(11/163)


فتفسر اللفظة بملازمها وجزء معناها، كتفسير الريب بالشك، والشك جزء مسمى الريب، وتفسيره الرحمة بإرادة الإحسان، وهو إرادة لازم الرحمة، ونظير ذلك كثير.
ثالثها: أنه لا خلاف في جواز الترحم على المؤمنين، واختلف السلف والخلف في جواز الصلاة على غير الأنبياء على ثلاثة أقوال- كما تقدم- فقلنا: إنهما ليسا بمترادفين.
رابعها: أنها لو كانت الصلاة بمعنى الرحمة لقامت مقامها في امتثال الأمر، وأسقطت عند من أوجبها، إذا قال: اللَّهمّ ارحم محمدا وآل محمد، وليس الأمر كذلك.
خامسها: أنه لا يقال لمن رحم غيره ورق عليه فأطعمه وسقاه وكساه أنه صلّى عليه، ويقال: قد رحمه.
سادسها: أن الإنسان قد يرحم من يبغضه ويعاديه فيجد في قلبه له رحمة ولا يصلى عليه.
سابعها: أن الصلاة لا بدّ فيها من كلام، فهي ثناء من المصلى على المصلى عليه وتنويه به، وإشادة بمحاسنه التي فيه وذكره.
قال البخاري في صحيحه: عن أبي العالية قال: صلاة اللَّه على رسوله ثناؤه عليه عند الملائكة، وروى القاضي إسماعيل في كتابه من طريق الربيع بن أنس عن أبى العالية: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ، قال: صلاة اللَّه- عز وجل- وثناؤه عليه وصلاة الملائكة.
ثامنها: أن اللَّه فرق بين صلاته وصلاة ملائكته وجمعها في فعل واحد، فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ وهذه الصلاة لا تكون هي الرحمة، وإنما هو ثناؤه- سبحانه- وثناء ملائكته عليه، فإن قيل: الصلاة لفظ مشترك فيجوز أن تستعمل في معنييه معا، قيل: في ذلك محاذير:
أحدها: أن الاشتراك على خلاف الأصل، بل لا يعلم أنه وقع في اللغة من مواضع، وأحدها: نص على ذلك المبرد وغيره من أئمة اللغة، وإنما يقع في اللغة وقوعا عارضا اتفاقيا بسبب، ثم تختلط اللغة فيعرض الاشتراك.

(11/164)


ثانيها: أن الأكثرين لا يجوزون استعمال اللفظ المشترك في معنييه لا بطريق الحقيقة ولا بطريق المجاز، فإن قيل: قد حكى عن الشافعيّ- رحمه اللَّه- تجويزه، قيل: ممنوع صحة ذلك عنه وإنما نأخذ من قوله إذا أوصى لمواليه وله موال من فوق ومن أسفل تناول جميعهم فظن من ظن أن لفظ المولى مشترك بينهما وأنه عند الإطلاق يحمل عليهما- وليس كذلك- فإن لفظ المولى من الألفاظ المتواطئة، فالشافعي وأحمد- في ظاهر مذهبه- يقولان بدخول نوعي الموالي في هذا اللفظ، وهو عنده عام متواطئ الاشتراك.
فإن قيل: قد جاء عن الشافعيّ- رحمه اللَّه- أنه قال في مفاوضة جرت له: قوله تعالى: أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ وقد قيل: يراد بالملامسة الجماع، فقال: هي محمولة على المس باليد حقيقة وعلى الجماع مجازا.
قيل: هذا لا يصح عن الشافعيّ ولا من درس كلامه المألوف لمن عرفه وإنما هو كلام بعض الفقهاء المتأخرين، فإذا كان معنى الصلاة هو الصلاة على الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم والعناية به وإظهار شرفه وفضله وحرمته- كما هو المعروف من هذه اللفظة- لم يكن لفظ الصلاة في الآية مشتركا محمولا على معنييه، بل يكون مستقلا في معنى واحد، وهذا هو الأصل في الألفاظ.
الوجه التاسع: أنّ اللَّه أمر بالصلاة عليه عقيب إخباره بأنه- تعالى- هو وملائكته يصلون عليه، والمعنى إذا كان اللَّه تعالى وملائكته يصلون على رسوله فصلوا أيضا أنتم عليه، فأنتم أحق أن تصلوا عليه وتسلموا تسليما، لإيمانكم ببركة رسالته، ويمن سفارته من الخير والشرف في الدنيا والآخرة، ومن المعلوم أنه لو غير هذا المعنى بالرحمة لم يحسن موقعه ولم يحسن النظم، فإنه يكون تقديره يصير إلى أن اللَّه وملائكته يترحمون ويستغفرون لنبيه، فادعوا أنتم وسلموا، وهذا ليس مراد الآية قطعا، بل الصلاة المأمور بها في الآية هي الطلب من اللَّه- تعالى- ما أخبر به من صلاته وثناء ملائكته، وهي ثناء عليه، إظهار لشرفه، وفضله، وإرادته تكريمه، وتقريبه، فهي تتضمن الخبر والطلب، وسمى هذا السؤال والدعاء منا نحن صلاة عليه لوجهين:

(11/165)


أحدهما: أنه يتضمن ثناء المصلى عليه، والإشادة بذكر شرفه وفضله، والإرادة والمحبة لذلك من اللَّه- تعالى.
الثاني: أن ذلك سمى منا صلاة عليه لسؤالنا من اللَّه- تعالى- أن يصلى عليه، فصلاة اللَّه ثناؤه وإرادته لرفع ذكره وتقريبه، وصلاتنا نحن عليه سؤالنا اللَّه- تعالى- أن يفعل ذلك به، وضد ذلك في لعنة أعدائه الشانئين [ (1) ] لما جاء به، فإنّها تضاف إلى اللَّه- تعالى- وتضاف إلى العبد كما قال تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ [ (2) ] .
فلعنة اللَّه لهم تتضمن مقته وإبعاده وبغضه لهم، ولعنة العبد سؤال اللَّه- تعالى- أن يفعل ذلك بمن هو أهل اللعنة، وإذا ثبت هذا، فمن المعلوم أنه لو كانت الصلاة هي الرحمة لم يصح أن يقال لطالبها من اللَّه- تعالى- مصليا، وإنما يقال له مسترحما له، كما يقال لطالب المغفرة مستغفرا له، ولطالب العطف مستعطفا، ونظائره كثيرة، ولهذا يقال لمن سأل اللَّه المغفرة: قد عفى عنه، وهنا قد سمى العبد مصليا، فلو كانت الصلاة هي الرحمة، لكان العبد راحما لمن صلى عليه، وكان يقال رحمه يرحمه، ومن رحم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرة رحمه اللَّه- تعالى- بها عشرا، وهذا معلوم البطلان، فإن قيل: ليس معنى صلاة العبد عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم رحمه، إنما معناها طلب الرحمة له من اللَّه- تعالى، قيل هذا غير مسلم لأمرين:
أحدهما: أن طلب الرحمة مشروع لكل مسلم، وطلب الصلاة من اللَّه- تعالى- يختص بالأنبياء والرسل عند كثير من الناس كما تقدم.
الثاني: أنه لو سمى طالب الرحمة مصليا لسمى طالب المغفرة غافرا، وطالب العفو عافيا، وطالب الصفح صافحا، ونحوه، فإن قيل: فأنتم قد سميتم طالب الصلاة من اللَّه- تعالى- مصليا، قيل: إنما سمى مصليا
__________
[ (1) ] الشانئون: جمع شانئ، وهو المبغض، قال تعالى: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [الكوثر: 3] .
[ (2) ] البقرة: 159.

(11/166)


لوجود حقيقة الصلاة منه، فإن حقيقتهما الثناء، وإرادة الإكرام والتقريب، وإعلاء المنزلة، وهذا حاصل من صلاة العبد، لكن العبد يريد ذلك من اللَّه- تعالى- واللَّه- سبحانه- يريد ذلك من نفسه أن يفعله برسله.
وأما على الوجه الثاني: فإنه سمى مصليا لطلبه ذلك من اللَّه، لأن الصلاة من نوع الكلام الطلبى والخبرى، وقد وجد ذلك من المصلى بخلاف الرحمة، والرحمة أفعال لا تحصل من الطالب وإنما تحصل من المطلوب منه.
الوجه العاشر:
أنه قد ثبت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: من صلّى على مرة صلى اللَّه بها عشرا، وأن اللَّه تعالى قال: من صلّى عليك من أمتك مرة صليت عليه عشرا.
وهذا موافق للقاعدة المستقرة في الشريعة أن الجزاء من جنس العمل، وصلاة اللَّه تعالى على المصلى على رسوله جزاء لصلاته هو عليه، ومعلوم أن صلاة العبد على رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم ليست هي رحمة من العبد لتكون صلاة اللَّه من جنسها، وإنما هي ثناء على الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم وإرادة من اللَّه- تعالى- أن يعلى ذكره ويزيده تعظيما وتشريفا، والجزاء من [جنس] [ (1) ] العمل، فمن أثنى على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جزاه اللَّه- تعالى- من جنس عمله بأن يثنى عليه ويزيد تشريفة وتكريمة، فصح ارتباط الجزاء بالعمل ومشاكلته له، ومناسبته إياه،
كقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم من يسر على معسر يسر اللَّه عليه حسابه، ومن ستر مسلما ستره اللَّه في الدنيا والآخرة ومن نفس عن مؤمن كربه من كرب الدنيا نفس اللَّه عنه كربه من كرب يوم القيامة، واللَّه في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل اللَّه له به طريقا إلى الجنة. ومن سئل عن علم فكتمه ألجمه اللَّه يوم القيامة بلجام من نار، ومن صلّى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرة، صلى اللَّه عليه عشرا،
ونظائره كثيرة.
الوجه الحادي عشر: إنّ أحدا قال: إنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رحمه اللَّه، بدل صلّى اللَّه عليه وسلّم، لبادرت الأمة إلى الإنكار عليه، وعدوه مبتدعا غير موقر للرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم ولا
__________
[ (1) ] زيادة للسياق والبيان.

(11/167)


مصل عليه، ولا مثن عليه بما يستحق، ولا يستحق أن يصلى اللَّه عليه بذلك عشرا، ولو كانت الصلاة من اللَّه الرحمة لم يمتنع شيء من ذلك.
الوجه الثاني عشر: إن اللَّه- تعالى- قال: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [ (1) ] ، فأمر اللَّه- تعالى- أن لا يدعى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم بما يدعو الناس به بعضهم بعضا من مناداتهم ومخاطباتهم بأسمائهم، بل يقال:
يا رسول اللَّه ولا يقال: يا محمد، وما كان يسميه باسمه وقت مخاطبته إلا الكفار فقط: وأما المسلمون فكانوا يخاطبونه برسول اللَّه، وإذا كان هذا في خطابه مواجهة فهكذا يكون في مغيبه، فلا ينبغي أن يجعل ما يدعى له من جنس ما يدعون بعضا لبعض، بل يدعى له بأشرف الدعاء، وهو السلام عليه ومعلوم أن الرحمة يدعى بها لكل مسلم، نعم ولغير الآدمي من الحيوانات كما في الاستسقاء: اللَّهمّ ارحم عبادك، وبلادك، وبهائمك، فلا بد من تشريف يتميز به الرسول في الدعاء، وإلا فيكون قد سوى بهم، وفي عدم تشريفه ما قد علم من مقت اللَّه ونكاله.
الوجه الثالث عشر: أن هذه اللفظة لا تعرف في اللغة الأصلية بمعنى الرحمة أصلا، والمعروف عند العرب معناها إنما هو الدعاء والتبريك والثناء.
قال الشاعر:
وإن ذكرت صلّى عليها وزمزما
أي برك عليها ومدحها، ولا تعرف العرب قط صلّى عليه بمعنى رحمه، فالواجب حمل اللفظة على معناها المتعارف.
قال ابن سيدة: والصلاة والدعاء والاستغفار، وصلاة اللَّه على رسوله رحمته له وحسن ثنائه عليه وصلّى دعا، وفي الحديث من دعي إلى وليمة فليجب وإلا فليصل.
قال الأعشى:
عليك مثل الّذي صليت فاعتصمي ... يوما فإن لجنب المرء مضجعها
__________
[ (1) ] النور: 63.

(11/168)


معناه: يأمرها أن تدعو له مثل دعائها أي تعيد الدعاء له، ويردّ عليك مثل الّذي صليت فهو عليها أي عليك مثل صلاتك، أي أسالك من الخير مثل الّذي أردت لي ودعوت به لي.
الوجه الرابع عشر: أنه يستحب لكل أحد أن يسأل اللَّه- تعالى- أن يرحمه ولا يسوغ لأحد أن يقول: اللَّهمّ صلّ عليّ، بل الداعي بهذا معتد في دعائه، واللَّه لا يحب المعتدين، خلاف سؤاله الرحمة فإن اللَّه- تعالى- يحب أن يسأله عبده مغفرته ورحمته، فعلم أنه ليس معناها واحد.
الوجه الخامس عشر: أن أكثر المواضع التي تستعمل فيها الرحمة لا يحسن أن تقع فيها الصلاة، كقوله تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [ (1) ] وقوله: إن رحمتي سبقت غضبى، وقوله تعالى: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [ (2) ] وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً [ (3) ] ، وقوله تعالى: إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [ (4) ] ،
وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّه أرحم بالعباد من الوالدة بولدها،
وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء،
وقوله: من لا يرحم لا يرحم
وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تنزع الرحمة إلا من شقي،
وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: الشاة إن رحمتها رحمك اللَّه،
فمواضع استعمال الرحمة في حق اللَّه- تعالى- وفي حق العباد لا يحسن أن تقع الصلاة في كثير منها، بل في أكثرها فلا يصح تفسير الصلاة بالرحمة، فإن قيل: قد قال ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما:
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [ (5) ] قال: يباركون عليه. قيل: هذا لا ينافي تفسيرها بالثناء. وإرادة التبريك والتعظيم، فإن التبريك من اللَّه يتضمن ذلك، ولهذا فرق بين الصلاة عليه والتبريك عليه، وقالت الملائكة لإبراهيم
__________
[ (1) ] الأعراف: 156.
[ (2) ] الأعراف: 156.
[ (3) ] الأحزاب: 43.
[ (4) ] التوبة: 117.
[ (5) ] الأحزاب: 56.

(11/169)


صلّى اللَّه عليه وسلّم: رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ [ (1) ] وقال المسيح عليه السلام:
وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ [ (2) ] ، قال غير واحد من السلف: معناه معلما للخير أينما كنت، وهذا جزء المسمى، فالمبارك الكثير الخير في نفسه، الّذي يحصله لغيره تعليما وأقدارا ونصحا وإرادة واجتهادا، وبهذا يكون العبد مباركا، لأن اللَّه- تعالى- بارك، فيه وجعله كذلك، واللَّه تعالى يبارك لأن البركة منه كلها، فعبده المبارك، وهو المبارك، تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً [ (3) ] تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ (4) ] .
__________
[ (1) ] هود: 73.
[ (2) ] مريم: 31.
[ (3) ] الفرقان: 1.
[ (4) ] الملك: 1.

(11/170)


التاسعة والتسعون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: مطابقة اسمه لمعناه، الّذي هو شيمه وأخلاقه صلّى اللَّه عليه وسلّم فكان اسمه يدل على مسماه، وكانت خلائقه إنما هي تفصيل جملة اسمه وشرح معناه
وذلك أن أشهر أسمائه صلّى اللَّه عليه وسلّم محمد، وهو اسم منقول من الحمد الّذي هو يتضمن الثناء على المحمود، ومحبته، وإجلاله، وتعظيمه، وبنى على زنة مفعّل مثل: معظم ومحبب ومسود ومبجل، فإن هذا البناء موضوع للتكثير، فمحمد هو الّذي كثر حمد الحامدين له مرة بعد أخرى.
ويقال: حمد فهو محمد كما يقال: علم فهو معلم، وهذا علم وصفة اجتمع فيه الأمران في حقه صلّى اللَّه عليه وسلّم وإن كان علما محضا في حق كثير ممن سمى به غيره، وهذا شأن أسماء الرب- تعالى- وأسماء كتابه العزيز، وأسماء نبيه الكريم، فإنّها أعلام دالة على معان، هي بها أوصاف فلا تضاد فيها العلمية الوصف، بخلاف غيرها من أسماء المخلوقين، فهو اللَّه الخالق البارئ المصور القهار، فهذه أسماء له- تعالى- هي دالة على معان، هي صفاته، وكذلك القرآن والفرقان والكتاب المبين، وغير ذلك من أسمائه.
وكذلك أسماء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم محمد وأحمد والماحي وغيرها من أسمائه، وقد ذكر صلّى اللَّه عليه وسلّم منها عدة وبين ما خصه اللَّه- تعالى- من الفضل، وأشار إلى معانيها كما تقدم ذكره فيما مضى، ولو كانت أسماؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم أعلاما محضا لم تدل على مدح، ولهذا قال حسان بن ثابت- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه:
وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد
فتسميته صلّى اللَّه عليه وسلّم بهذا الاسم اشتمل عليه من مسماه وهو الحمد، فإنه صلّى اللَّه عليه وسلّم محمود عند اللَّه، محمود عند ملائكته، محمود عند إخوانه من المرسلين، محمود عند أهل الأرض كلهم، وإن كفر به بعضهم فإن ما فيه من صفات الكمال محمودة عند كل عاقل، وإن كابر عقله جحودا وعنادا، أو جهلا باتصافه، ولو علم باتصافه صلّى اللَّه عليه وسلّم بها لحمده، فإنه يحمد من اتصف بصفات

(11/171)


الكمال ويجهل وجودها فيه، فهو في الحقيقة حامد له صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد اختص صلّى اللَّه عليه وسلّم من مسمى الحمد بما لم يجتمع لغيره، فإنه اسمه محمد، وأحمد، وأمته الحامدون يحمدون اللَّه- تعالى- على السراء والضراء، وصلاته وصلاة أمته مفتتحة بالحمد، وخطبته مفتتحة بالحمد، وكتابه مفتتح بالحمد، هذا كان عند اللَّه- تعالى- في اللوح المحفوظ، أن خلفاءه وأصحابه يكتبون المصحف مفتتحا بالحمد، وبيده صلّى اللَّه عليه وسلّم لواء الحمد يوم القيامة، ولما يسجد بين يدي اللَّه- تعالى- للشفاعة، ويؤذن له فيها بحمد ربه، بمحامد يفتحها عليه حينئذ، وهو صاحب المقام المحمود الّذي يغبطه الأولون والآخرون، وإذا قام في ذلك المقام حمده حينئذ أهل الموقف كلهم، مسلمهم وكافرهم، أولهم وآخرهم، وهو محمود بما ملأ به الأرض من الهدى والإيمان، والعلم النافع، والعمل الصالح، وفتح به القلوب، وكشف به الظلمة عن أهل الأرض واستنقذهم من أسر الشياطين، ومن الشرك والكفر به، حتى نال به أتباعه شرف الدنيا والآخرة، فإن رسالته وافت أهل الأرض أحوج ما كانوا إليها، فإنّهم كانوا عباد أوثان، وعباد صلبان، وعباد نيران، وعباد كواكب، ومغضوب عليهم، باءوا بغضب من اللَّه، وحيران لا يعرف ربا يعبده، ولا بماذا يعبده، والناس يأكل بعضهم بعضا، من استحسن شيئا دعا إليه، وقاتل من خالفه، وليس في الأرض موضع قدم مشرقا بنور الرسالة، وقد نظر اللَّه- تعالى- إلى أهل الأرض، عربهم وعجمهم، إلا بقايا على دين صحيح، وأغاث اللَّه به العباد والبلاد، وكشف به تلك الظلم، وأحيا به الخليقة بعد موتها، وهدى به من الضلالة، وعلم به الجهالة، وكثر به من القلة، وأعز به بعد الذلة، وأغنى به بعد العيلة، وفتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، فعرف الناس ربهم ومصورهم، غاية مما يمكن أن تناله قواهم من المعرفة، وأبدى وأعاد، واختصر وأطنب، في ذكر أسمائه- تعالى- وصفاته، وأفعاله وأحكامه، حتى تجلت معرفته سبحانه في قلوب عباده المؤمنين، وانجابت سحائب الشك والريب، كما تنجاب السحاب عن القمر ليله إبداره، ولم يدع صلّى اللَّه عليه وسلّم لأمته حاجة في التعريف لا إلى من قبله ولا إلى من بعده، بل كفاهم وشفاهم، وأغناهم عن

(11/172)


كل من تكلم في هذا الباب أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ (1) ] .
فلم يدع صلّى اللَّه عليه وسلّم حسنا إلا أمر به، ولا قبيحا إلا نهى عنه، وعرفهم حالهم بعد القدوم على ربهم أتم التعريف، وكشف الأمر وأوضحه، ولم يدع بابا من العلم للعباد المقرب لهم إلى ربهم إلا فتحه، ولا مشكلا إلا بينه وشرحه، حتى هدى اللَّه- تعالى- به القلوب من ضلالها، وشفاها من أسقامها، وأغاثها من جهلها، فأى بشر أحق بأن يحمد منه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ كما قال تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [ (2) ] .
فإن أتباعه نالوا برسالته كرامة الدنيا والآخرة، وأعداءه الذين حاربوه عجل قتلهم وموتهم، فكان خيرا لهم من حياتهم، لأن حياتهم زيادة لهم في تغليظ العذاب عليهم في الدار الآخرة إذ كتب عليهم الشقاء، فموتهم إذا خير لهم من حياتهم، وطول أعمارهم في الكفر، وعاش المتعاهدون في الدنيا تحت ظله وفي ذمته، وحصل للمنافقين بإظهار الإيمان به حقن دمائهم وبقاء أموالهم وأهليهم بأيديهم، وجريان أحكام الإسلام عليهم في توارثهم وغيرها.
ودفع اللَّه- تعالى- برسالته العذاب العام على أهل الأرض فأصاب كل العالمين النفع برسالته، وكان رحمة عمت الجميع وخصت المؤمنين الذين قبلوا هذه الرحمة وانتفعوا بها دنيا وآخرة، وكانت الكفار الذين ردوها ولم يقبلوها كالدواء الّذي فيه دواء للمريض، لكنه لم يستعجله، فلم يخرجه عدم استعمال المريض له عن كونه دواء.
ومما يحمد عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما جبله اللَّه- تعالى- عليه من مكارم الأخلاق وكرائم الشيم، فمن نظر في أخلافه وشيمه علم أنها خير أخلاق، فإنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان أعلم الخلق وأعظمهم أمانة وأصدقهم حديثا، وأجودهم وأسخاهم، وأشدهم احتمالا وأعظمهم عفوا ومغفرة، فكان لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما، وكان أرحم الخلق وأرأفهم، وأعظم الخلق نفعا له في دينهم ودنياهم، وأفصح
__________
[ (1) ] العنكبوت: 51.
[ (2) ] الأنبياء: 107.

(11/173)


الخلق وأحسنهم تعبيرا عن المعاني الكثيرة، بالألفاظ الوجيزة، الدالة على المراد، وأصبرهم في مواطن الصبر، وأصدقهم في مواطن اللقاء وأوفاهم بالعهد والذمة، وأعظمهم مكافأة على الجميل بأضعافه وأشدهم تواضعا وأعظمهم إيثارا، وأشد الخلق ذبا عن أصحابه وحماية لهم، ودفعا عنهم، وأقوم الخلق بما يأمر به، وأتركهم لما ينهى عنه، وأوصل الخلق لرحمه، يتفجر الخير منه تفجيرا وينطوى على كل خير، ليس في الدنيا محل كان أكثر خيرا من صدره، قد جمع الخير بحذافيره، وأودع فيه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وكان أصدق لهجة بحيث أقر له بذلك أعداؤه المحاربون له، ولم يجرب عليه أحد من أعدائه كذبة واحدة، دع شهادة أوليائه كلهم، فقد حاربه أهل الأرض بأنواع المحاربات ما بين مشركيهم وأهل الكتاب، فما أحد منهم طعن فيه يوما من الدهر بكذبة واحدة، صغيرة ولا كبيرة، وكان سهلا لينا، قريبا من الناس، يجيب دعوة من دعاه، ويقضى حاجة من استقضاه، ويجبر قلب من قصده، ولا يحرمه، ولا يرده خائبا، إذا أراد أصحابه أمرا وافقهم عليه، وتابعهم فيه، وإن عزم على أمر لم يستبد به دونهم، بل يشاورهم ويؤامرهم، وكان يقبل من محسنهم، ويعفو عن مسيئهم، ولم يكن يعاشر جليسه إلا أتم وأحسنها وأكرمها، فكان لا يعبس في وجه، ولا يغلظ له في مقاله، ولا يطوى عنه بشره، ولا يمسك عليه فلتات لسانه، ولا يؤاخذه بما يصدر منه من جفوة ونحوها، بل يحسن إلى عشيرة غاية الإحسان، ويحتمله غاية الاحتمال، ولا يعاتب أحدا من أصحابه، ولا يلومه، ولا يبادئه بما يكره، مع احتمال الأذى والجفوة، يقول من خالطه في نفسه إنه أحب الناس إليه، من لطفه به، وقربه منه، وبره له، وإقباله عليه، واهتمامه بأمره، ونصيحته له وبذل إحسانه إليه، واحتمال جفوته، فأى عشرة كانت أو تكون أكرم من هذه العشرة، قد خصه اللَّه- تعالى- بصفتين، وهما: الإجلال ... والمحبة.
فكان قد ألقى عليه هيبة منه- تعالى- ومحبة، أن كل من يراه يجله ويملأ قلبه إجلالا وتعظيما- وإن كان عدوا له- فإذا خالطه وعاشره، كان أحب إليه من كل مخلوق فهو المبجل المعظم، المكرم المحبوب، ولم يكن بشر

(11/174)


أحب إلى بشر ولا أهيب ولا أجل في صدره من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في صدور أصحابه.
والفرق بين محمد وأحمد: أن محمدا: هو المحمود حمدا بعد حمد، فهو دال على كثرة حمد الحامدين له، وذلك يستلزم كثرة موجبات الحمد، كما قد سردنا من ذلك ما تيسر.
وأما أحمد فإنه أفعل تفضيل من الحمد، يدل على أن الحمد الّذي يستحقه أفضل مما يستحقه غيره، كما قد تبين لك.
فمحمد زيادة حمده في الكمية، وأحمد زيادة في الكيفية، فيحمد حمدا هو أكثر حمد، وأفضل حمد حمده البشر، وأيضا فمحمد هو المحمود حمدا متكررا، وأما أحمد هو الّذي حمده لربه أفضل من حمد الحامدين غيره، فدل محمد على كونه صلّى اللَّه عليه وسلّم محمودا، ودل أحمد على كونه أحمد الحامدين لربه- تعالى.
فقد تبين أن هذين الاسمين الكريمين إنما اشتقا من أخلاقه وخصائله المحمودة، التي لأجلها استحق أن يسمى محمدا وأحمدا، فهو الّذي استحق أن يحمده أهل الدنيا والآخرة، وأهل السماء وأهل الأرض، فلكثرة خصائله المحمودة التي تفوت عدد العادين، سمى باسمين من أسماء الحمد يقتضيان التفضيل والزيادة في القدر والصفة صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولو لم يكن في هذا الكتاب إلا هذا الفصل لكفى به منبها على شرف المصطفى، فكيف لا؟ وقد جمع اللَّه لي في ما لا أعلم أنه اجتمع في تأليف، ولكن اللَّه يمن على من يشاء من عباده.

(11/175)


المائة من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: وجوب حب أهل بيته
روى البخاري [ (1) ] في كتاب قرابة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وفي مناقب الحسن والحسين من طريق شعبة عن واقد بن محمد، سمعت أبي يحدث عن ابن عمر
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 119، كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم باب مناقب الحسن والحسين- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، حديث رقم (3751) .
قوله «مناقب الحسن والحسين» ، كأنه جمعهما لنا وقع لهما من الاشتراك في كثير من المناقب، وكان مولد الحسن في رمضان سنة ثلاث من الهجرة عند الأكثر، وقيل بعد ذلك، ومات بالمدينة مسموما سنة خمسين، ويقال قبلها، ويقال بعدها. وكان مولد الحسين في شعبان سنة أربع في قول الأكثر وقتل يوم عاشوراء سنة إحدى وستين بكربلاء من أرض العراق، وكان أهل الكوفة لما مات معاوية واستخلف يزيد كاتبوا الحسين بأنهم في طاعته، فخرج الحسين إليهم، قبله عبيد اللَّه بن زياد إلى الكوفة، فخذل الناس عنه فتأخروا رغبة ورهبة، وقتل ابن عمه مسلم بن عقيل، وكان الحسين قد قدمه قبله ليبايع له الناس، ثم جهز إليه عسكرا فقاتلوه إلى أن قتل هو وجماعة من أهل بيته، والقصة مشهورة فلا نطيل بشرحتها.
فقد روى الترمذي وابن حبان- من طريق هانئ بن هانئ- عن على قال: الحسن أشبه برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما بين الرأس إلى الصدر، والحسين أشبه بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ما كان أسفل من ذلك
ووقع في رواية عبد الأعلى عن معمر عند الإسماعيلي في رواية الزهري هذه، وكان أشبههم وجها بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو يؤيد حديث على هذا واللَّه أعلم، والذين يشبهون بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم غير الحسن والحسين: جعفر بن أبي طالب وابنه عبد اللَّه بن جعفر، وقثم بالقاف ابن العباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، ومسلم بن أبي طالب، ومن غير بنى هاشم:
السائب بن يزيد المطلبي الجد الأعلى للإمام الشافعيّ، وعبد اللَّه بن عامر بن كريز العبشمي، وكابس بن ربيعة بن عدي، فهؤلاء عشرة نظم منهم أبو الفتح بن سيد الناس خمسة، وأنشدنا محمد بن الحسن المقري عنه.
بخمسة أشبهوا المختار من مضر ... يا حسن ما خولوا من شبهه الحسن
بجعفر وابن عم المصطفى قثم ... وسائب وأبى سفيان والحسن
-

(11/176)


عن أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: ارقبوا محمدا في أهل بيته.
وخرّج الحاكم [ (1) ] من طريق إبراهيم بن الحسين بن ديزيل، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثنا أبى عن حميد بن قيس المكيّ، عن عطاء بن أبى رياح وغيره من أصحاب ابن عباس عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: يا بنى عبد المطلب إني سألت اللَّه لكم ثلاثا: أن يثبت قائمكم، وأن يهدى ضالكم، وأن يعلم جاهلكم وسألت اللَّه أن يجعلكم نجداء ورحماء، فلو أن رجلا صفن بين الركن والمقام فصلى وصام، ثم لقي اللَّه- وهو مبغض لأهل بيت محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل النار،
قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم.
ومن حديث صالح بن محمد قال: حدثنا يحيى بن معين، حدثنا هشام بن يوسف، حدثني عبد اللَّه بن سليمان النوفلي، عن محمد بن على بن عبد اللَّه بن عباس، عن أبيه، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى
__________
[ () ] وزادهم شيخنا أبو الفضل بن الحسين الحافظ اثنين، وهما الحسين وعبد اللَّه بن عامر بن كريز، ونظم ذلك في بيتين وأنشدنا هما وهما:
وسبعة شبهوا بالمصطفى فما ... لهم بذلك قدر قد زكا ونما
سبطا النبي أبو سفيان سائبهم ... وجعفر وابنه ذو الجود مع قثما
وزاد فيهم بعض أصحابنا ثامنا وهو عبد اللَّه بن جعفر، ونظم ذلك في بيتين أيضا، وقد زدت فيهما مسلم بن عقيل، وكابس بن ربيعة، فصاروا عشرة، ونظمت ذلك في بيتين وهما:
شبه النبي لعشر سائب وأبى ... سفيان والحسنين الطاهرين هما
وجعفر وابنه ثم ابن عامر هم ... ومسلم كابس يتلوه مع قثما
وقد وجدت بعد ذلك أن فاطمة ابنته عليها السلام كانت تشبهه.
[ (1) ] (المستدرك) : 3/ 161، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (4712) ، وقال الحافظ الذهبي في (التخليص) : على شرط مسلم.

(11/177)


عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أحبوا اللَّه لما يغذوكم به من نعمة، وأحبوني لحب اللَّه، وأحبوا أهل بيتي،
قال: حديث صحيح الإسناد [ (1) ] .
ومن حديث محمد بن فضيل الضبيّ، حدثنا أبان بن تغلب، عن جعفر ابن إياس عن أبى نضرة، عن أبى سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: والّذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله اللَّه النار.
قال: حديث صحيح على شرط مسلم [ (2) ] .
ومن حديث مفضل بن صالح، عن أبي إسحاق، عن حنش بن المعتمر الكتاني قال: سمعت أبا ذر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو آخذ بثياب الكعبة: من عرفني فأنا من عرفني، ومن أنكرنى فأنا أبو ذر، سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إلا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك،
قال: حديث صحيح الإسناد [ (3) ] .
وخرجه من حديث عبد اللَّه بن عبد القدوس، عن الأعمش، عن إسحاق، عن حنش بن المعتمر، قال: رأيت أبا ذر وهو آخذ بعضادتي الكعبة، وهو يقول: من عرفني فقد عرفني، ومن أنكرنى فأنا أبو ذر الغفاريّ، سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، ومثل حطة لبني إسرائيل.
ومن حديث إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن جعفر بن علي بن الحسين، قال: حدثني عمى علي بن جعفر، حدثني الحسين بن زيد عن عمر ابن علي عن أبيه على بن الحسين، قال: خطب الحسن بن علي الناس حين قتل علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وأثنى عليه، ثم قال: لقد قبض في هذه الليلة رجل لا يسبقه الأولون بعمل ولا يدركه الآخرون، وقد كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يعطيه رايته فيقاتل وجبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، فما يرجع حتى يفتح اللَّه عليه، وما ترك على ظهر الأرض صفراء ولا بيضاء إلا ستمائة
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4716) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4717) ، وسكت الحافظ الذهبي عنه في (التلخيص) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4720) ، ومفضل بن صالح واه.

(11/178)


درهم فضلت من عطائه، أراد أن يبتاع بها خادما لأهله، ثم قال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي، أنا ابن النبي، وأنا ابن البشير، وأنا ابن الوصي، وأنا النذير، وأنا ابن الداعي إلى اللَّه بإذنه، وأنا ابن السراج المنير، وأنا من أهل البيت الذين كان جبريل- عليه السلام- ينزل علينا ويصعد من عندنا، وأنا من أهل البيت الذين افترض اللَّه مودتهم على كل مسلم، فقال اللَّه- تعالى- لنبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً [ (1) ] ، فاقتراف الحسنة مودتنا- أهل البيت [ (2) ] .
ويروى عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- انه قال: لما نزلت قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قالوا: يا رسول اللَّه، من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي وفاطمة وابناهما [ (3) ] .
قال كاتبه: قد جاء في الحض على حب أهل البيت أحاديث كثيرة:
صحاح، وحسان، وضعيفة، وحبهم مما يجب على أهل الإسلام إلا أن الشيعة العلوية سيّما الطائفة الإمامية دخلت عليهم شياطين الجن أولا بحب أهل البيت والمبالغة في حبهم، فرأوا أن ذلك من أسنى القربات، وكذلك هو في نفس الأمر لوقفوا عند هذا الحد الشرعي إلا أنهم تحدّوا من حب أهل البيت إلى طريقين فمنهم من تعدى إلى بغض الصحابة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم، وسبهم وانتقاصهم بشنعاء هم بها أحق من الصحابة وأخروهم عما هو لهم، وتخيلوا أن أهل البيت أولى بالخلافة الدنياوية، وكان منهم من العظائم القبيحة
__________
[ (1) ] الشورى: 32.
[ (2) ] (المستدرك) : 3/ 188- 189، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (4802) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : ليس بصحيح.
[ (3) ] ونحوه ما
أخرجه الحاكم في (المستدرك) على شرط البخاري ومسلم، ووافقه الحافظ الذهبي في (التلخيص) : لما نزلت هذه الآية: نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ [آل عمران: 91] ، دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- فقال: «اللَّهمّ هؤلاء أهلي» .

(11/179)


ما كان، وطائفة زادت في الاعتداء والتعدي، فتركت الصحابة، وقدحت في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وفي جبريل عليه السّلام وفي اللَّه عز وجل، حيث لم يذعن على مرتبتهم للناس حتى لا يجهلونهم، فكان الأصل في حبهم لأهل البيت صحيحا، ولكن الغلو في ذلك أخرجهم عن الحد، فانعكس أمرهم إلى الضد، وقال: اللَّه تعالى: لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ [ (1) ] .
وقال علي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: يهلك فىّ رجلان: محب مفرط، ومبغض مفرط،
وفي رواية لهلك فىّ رجلان: محب مطري، ومبغض مفترى.
وعن حسن بن الحسن بن الحسن بن عليّ، أنه قال لرجل يغلو فيهم:
ويحكم! أحبونا للَّه فإن أطعنا اللَّه فأحبونا وإن عصينا اللَّه فأبغضونا فو اللَّه لو كان اللَّه نافعا أحدا بقرابته من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بغير طاعة اللَّه، لنفع بذلك أباه وأمه، قولوا فينا الحق فإنه أبلغ فيما تريدون ونحن نرضي به منكم.
وقال الزبير بن بكار: حدثني عبد اللَّه بن إبراهيم بن قدمة الجمحيّ، عن أبيه، عن جده، عن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، قال: قدم المدينة قوم من أهل العراق، فجلسوا إلى فذكروا أبا بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فمسوا منهما، ثم ابتركوا في عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ابتراكا، فقلت لهم: أخبرونى أنتم من المهاجرين الأولين الذين قال اللَّه- تعالى- فيهم: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [ (2) ] ؟ قالوا: لسنا منهم، قلت: فأنتم من الذين قال اللَّه- تعالى- فيهم: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [ (3) ] ، قالوا:
__________
[ (1) ] النساء: 171، المائدة: 77.
[ (2) ] الحشر: 8.
[ (3) ] الحشر: 9.

(11/180)


لسنا منهم، قال: قلت لهم: أما أنتم فقد تبرأتم عن أن تكونوا منهم، وأنا أشهد أنكم لستم من الفرقة الثالثة التي قال اللَّه- عز وجل: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [ (1) ] ، قوموا- لا قرب اللَّه دوركم- فأنتم مستترون بالإسلام ولستم من أهله.
وحدثني محمد بن يحيى قال: أخبرنى بعض أصحابنا، قال: قال رجل لعلى بن الحسين: كيف كان منزل أبى بكر وعمر- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما- من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال: منزلهما اليوم.
وقيل: لعمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: هل فيكم أهل البيت إنسان مفترضة طاعته؟ فقال: لا. واللَّه ما هذا فينا، من قال هذا، فهو كذاب، وذكرت له الوصية، فقال: واللَّه لمات أبي فما أوصى بحرفين، قاتلهم اللَّه- إن هم إلا يناكلون بنا.
__________
[ (1) ] الحشر: 10.

(11/181)