إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع

فصل في ذكر مآكل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وشئونه فيها
اعلم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أكل على مائدة، وعلى الأرض، وكانت له قصعة كبيرة، وأكل خبز الشعير، وائتدم بالخل، وأكل القثاء، والدباء، والتمر، والأقط، والحيس، والثريد، واللحم، والقديد، والشواء، ولحم الدجاج، ولحم الحباري، وأكل الخبيص، والهريسة وعافى أكل الضبّ، واجتنب ما تؤذى رائحته، وأكل الجمار، والتمر، والعنب، والرطب، والبطيخ، وكان يحب الحلواء والعسل، وجمع بين إدامين ولم يأكل متكئا، ولا صدقة.

وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم على مائدة وسفرة
فقد خرج البخاري من حديث الحسين بن مهران قال: سمعت فرقدا [ (1) ] صاحب النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقول: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأكلت على مائدته.
ومن حديث قتادة، عن أنس قال: ما علمت النبي صلى اللَّه عليه وسلم أكل لي سكرجة قط، ولا خبز له مرقق قط، ولا أكل على خوان قط. قيل لقتادة: فعلى ما كانوا يأكلون؟ قال: على السفر. ذكره في الأطعمة [ (2) ]
__________
[ (1) ] فرقد، صاحب النبي صلى اللَّه عليه وسلم، ذكره البخاري وغيره، وقال: أدرك النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم، وكذا قال ابن أبي حاتم، ويذكر أنه رأى النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم وطعم على مائدته.
قال البخاري: حدثنا محمد بن سلام، قال: حدثني الحسين بن مهران الكرماني، قال: رأيت فرقدا صاحب النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: رأيت محمدا صلى اللَّه عليه وسلم وطعمت معه على مائدته.
وقال ابن مندة: روى عنه حديثه محمد بن سلام، فذكره. وقال في الترجمة: فرقد أكل على مائدة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وتعقبه أبو نعيم بأن الحسن هو الّذي أكل على مائدة فرقد.
قال الحافظ: وهو تعقب مردود، فقد أخرجه ابن السكن من وجه آخر عن محمد بن سلام عن الحسن.. عن رجل من الصحابة، قال أكلت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ورأيت عليه قلنسوة بيضاء في وسط رأسه، قال: وكان قد أتى على فرقد مائة وخمس سنين.
وكذا أخرجه الحكيم الترمذي في (نوادر الأصول) ، فالواهم فيه أبو نعيم. (الإصابة) : 5/ 363 364، ترجمة رقم (6979) ، (الاستيعاب) : 3/ 1259، ترجمة رقم (2072) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 9/ 662، كتاب الأطعمة، باب (8) الخبز المرفق، والأكل على الخوان والسفرة، حديث.

(14/275)


وخرّج ابن حبان من حديث مسلم الأعور، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يجلس على الأرض، ويأكل على الأرض، قال الحكيم الترمذي: الخوان هو المرتفع عن الأرض بقوائمه والمائدة ما مدّ وبسط، والسفر ما أسفر عما في جوفه وذلك أنها مضمومة معاليقها.

وأما قصعته صلى اللَّه عليه وسلم
فخرّج ابن حبان من حديث عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي، حدثنا محمد ابن عبد الرحمن الحمصي. قال: سمعت عبد اللَّه بن بشر قال: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جفنة لها أربع حلق. قال مؤلفه: سيأتي ذكر القصعة الغراء في المعجزات عند ذكر إخباره صلى اللَّه عليه وسلم بما يفتح اللَّه لأمته إن شاء اللَّه تعالى.

وأما خبزه صلى اللَّه عليه وسلم
فخرّج البخاري في كتاب الأطعمة [ (1) ] من حديث محمد بن فضيل، عن أبيه، عن أبى حازم، عن أبى هريرة قال: ما شبع آل محمد صلى اللَّه عليه وسلم من طعام منذ قدم المدينة ثلاث أيام حتى قبض. وخرّجه مسلم من حديث يزيد بن كيسان، عن أبى حازم، عن أبى هريرة قال: والّذي نفسي بيده ما أشبع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أهله ثلاثة أيام تباعا من خبز حنطة حتى فارق الدنيا [ (2) ] . وللترمذىّ في (الشمائل) من حديث قتادة، عن أنس أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يجتمع عنده غداء ولا عشاء من خبز ولحم إلا على ضفف [ (3) ] قال عبد اللَّه بن عبد الرحمن: قال بعضهم: هو
__________
[ () ] ورقم (5386) . في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب (24) الأحكام التي تعرف بالدلائل، وكيف معنى الدلالة وتفسيرها ... وسئل النبي صلى اللَّه عليه وسلم عن الضب فقال: لا آكله ولا أحرمه،
وأكل على مائدة النبي صلى اللَّه عليه وسلم الضب، فاستدل ابن عباس بأنه ليس بحرام، حديث رقم (7358) .
[ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 686، كتاب الأطعمة، باب (23) ما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه يأكلون، حديث رقم (5416) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النوويّ) : 18/ 318، كتاب الزهد والرقائق، باب (53) الزهد والرقاق، حديث رقم (32) .
[ (3) ] (الشمائل المحمدية) : 318- 319، حديث رقم (377) ، وأخرجه أيضا في (مسند أحمد) : 4/ 175، حديث رقم (13447) .

(14/276)


كثرة الأيدي: وقال مالك بن دينار: سألت رجلا من أهل البادية: ما الضفف؟
قال: يتناول مع الناس.
وللبخاريّ من حديث ابن أبى ذئب، عن سعيد المقبري عن أبى هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه مرّ بقوم بين أيديهم شاة مصلية فدعوه، فأبى أن يأكل وقال: خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير.
ذكره في الأطعمة [ (1) ] في باب ما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه يأكلون.
وللترمذي من حديث هلال بن حباب، عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة طاويا هو وأهله لا يجدون عشاء، وكان أكثر خبزهم الشعير [ (2) ] . قال:
هذا حديث حسن صحيح.
وخرج البخاري [ (3) ] ومسلم [ (4) ] من حديث هشام الدستوائى، عن قتادة، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه مشى إلى النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم بخبز شعير وإهالة سنخة، ولقد رهن النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم درعا له بالمدينة عند يهوديّ وأخذ منه شعيرا لأهله. ولقد سمعته يقول: ما أمسى عند آل محمد صلى اللَّه عليه وسلم صاع برّ ولا صاع حب وإن عنده لتسع نسوة. ذكره البخاري في كتاب البيوع في باب شراء النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالنسيئة، وخرجه الترمذي [ (5) ] وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وللبخاريّ من حديث همام بن يحيى حدثنا قتادة قال: كنا نأتي أنس بن مالك وخبّازه قائم وقال: كلوا، فما أعلم النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم رأى رغيفا مرفقا حتى لحق
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 686، كتاب الأطعمة، باب (23) ما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه يأكلون، حديث رقم (5414) .
[ (2) ] (الشمائل المحمدية) : 147، باب (25) ما جاء في صفة خبز رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (146) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 4/ 379، حديث رقم (2069) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 43- 44، كتاب المساقاة، باب (24) الرهن وجوازه في الحضر والسفر، حديث رقم (124) ، (125) ، (126) بطرق مختلفة.
[ (5) ] (سنن الترمذي) : 3/ 519- 520، كتاب البيوع، باب (7) ما جاء في الرخصة في الشراء إلى أجل، حديث رقم (1215) .

(14/277)


باللَّه، ولا أرى شاة سميطا بعينه قط، ذكره في الرقاق [ (1) ] ، في باب كيف كان عيش النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه، وتخليهم من الدنيا.
وذكره بهذا الإسناد في كتاب الأطعمة في باب شاة [ (2) ] مسموطة والكتف والجنب وذكره في الأطعمة أيضا في باب الخبز المرقق والأكل [ (3) ] على الخوان والسفرة، ولفظه: ما أكل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خبزا مرققا، ولا شاة مسموطة، حتى لقي اللَّه.
وللبخاريّ والنسائي من حديث عبد الوارث حدثنا سعيد بن أبى عروبة، عن قتادة، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لم يأكل النبي صلى اللَّه عليه وسلم على خوان حتى مات، وما أكل خبزا مرققا حتى مات، ذكره البخاري في باب [ (4) ] فضل الفقر، وذكره النسائي في كتاب الوليمة [ (5) ] .
وللبخاريّ من حديث أبى حازم قال: سألت سهل بن سعد فقلت: هل أكل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم النقي؟ قال: ما رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم النقي من حين ابتعثه اللَّه حتى قبضه اللَّه. قال: فقلت: هل كانت لكم في عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مناخل؟ قال: ما رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منخلا من حين ابتعثه اللَّه حتى قبضه اللَّه. قال: قلت: كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا نطحنه وننفخه، فيطير ما طار، وما بقي نثريه فأكلناه. ذكره في الأطعمة [ (6) ] .
وذكره من حديث جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام البر ثلاث ليال تباعا حتى قبض [ (7) ] . ذكره في الأطعمة، وفي الرقاق [ (8) ] ،
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 11/ 340، حديث رقم (6457) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 9/ 688- 689، حديث رقم (5421) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : 9/ 662، حديث رقم (5385) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : 11/ 329) ، حديث رقم (6450) .
[ (5) ] كتاب الوليمة من (الكبرى) .
[ (6) ] (فتح الباري) : 9/ 685- 686، حديث رقم (5413) .
[ (7) ] سبق تخريجه قريبا.
[ (8) ] سبق تخريجه قريبا.

(14/278)


وخرّجه مسلم من حديث الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما شبع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثلاثة أيام تباعا من خبز بر حتى مضى لسبيله [ (1) ] .
ومن حديث أبى إسحاق قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد يحدث عن الأسود، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أنها قالت: ما شبع آل محمد صلى اللَّه عليه وسلم من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] .
وللبخاريّ [ (3) ] ومسلم [ (4) ] من حديث سفيان، عن عبد الرحمن بن عباس، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما شبع آل محمد من خبز البرّ فوق ثلاث ليال. ولمسلم به قال: ما شبع آل محمد من خبز برّ فوق ثلاث ليال.
وله من حديث هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- ما شبع آل محمد بن خبز البر ثلاثا حتى مضى لسبيله.
وللبخاريّ من حديث مسعر بن كدام عن هلال، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما أكل آل محمد أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر [ (5) ] .
وخرجه مسلم ولفظه: ما شبع آل محمد يومين من خبز بر إلا وأحدهما تمر [ (6) ] .
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 315، كتاب الزهد والرقاقة، باب (53) ، حديث رقم (200) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (22) .
[ (3) ] سبق تخريجه قريبا.
[ (4) ] سبق تخريجه قريبا.
[ (5) ] (فتح الباري) : 11/ 240، كتاب الرقاق، باب (17) كيف كان عيش النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه وتخليهم عن الدنيا، حديث رقم (6455) ، وفيه إشارة إلى أن التمر كان أيسر عندهم من غيره، وفيه إشارة إلى أنهم ربما لم يجدوا في اليوم إلا أكلة واحدة، فإن وجدوا أكلتين فإحداهما تمر.
ووقع عند مسلم من طريق وكيع عن مسعد بلفظ: «ما شبع آل محمد يومين من خبز البرّ إلا وأحدهما تمر» .
وقد أخرج ابن سعد من طريق عمران بن يزيد المدني، حدثني والدي قال: دخلنا على عائشة فقالت: «خرج- تعنى النبي صلى اللَّه عليه وسلم- من الدنيا ولم يملأ بطنه في يوم من طعامين، كان إذا شبع من التمر لم يشبع من الشعير، وإذا شبع من الشعير لم يشبع من التمر» . وليس في هذا ما يدل على ترك الجمع بين لونين. (فتح الباري) .
[ (6) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 316، كتاب الزهد والرقاق، حديث رقم (2971) .

(14/279)


وأما ائتدامه بالخلّ
فخرج ابن حبان من حديث ياسين بن معاذ، وعن عطاء، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان أحب الصباغ إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الخل.
وللترمذي من حديث أبى بكر بن عياش، عن أبى حمزة الثمالي، عن الشعبىّ، عن أم هانئ بنت أبى طالب قالت: دخل عليّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال:
هل عندكم شيء؟ فقلت: لا، إلا اكسر يابسه وخلّ، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم:
قربيه فما أقفر بيت من أدم فيه خلّ.
قال هذا حديث حسن غريب من حديث أم هانئ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وأبو حمزة الثمالي اسمه ثابت بن أبى صفية، وأم هانئ ماتت بعد عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بزمان [ (1) ] .
ولمسلم من حديث أبى عوانة، عن أبى بشر، عن أبى سفيان، عن جابر بن عبد اللَّه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم سأل أهله الأدم فقالوا: ما عندنا إلا خلّ، فدعا به، فجعل يأكل، به ويقول: نعم الأدم الخل، نعم الأدم الخل [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 4/ 246، كتاب الأطعمة، باب (25) ما جاء في الخل، حديث رقم (1841) . ثم قال:
وسألت محمدا عن هذا الحديث فقال: لا أعرف للشعبيّ سماعا من أم هانئ، فقلت: أبو حمزة كيف هو عندك؟ فقال: أحمد بن حنبل تكلم فيه، وهو عندي مقارب الحديث.
وحديث (1482) عن جابر عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: نعم الإدام الخل.
قال أبو عيسى: وهذا أصح من حديث مبارك بن سعيد.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 249- 250، كتاب الأشربة، باب (30) فضيلة الخل والتأدم به، حديث رقم (166) . وفي الحديث فضيلة الخل، وأنه يسمى أدما، وأنه أدم فاضل جيد، قال أهل اللغة: الإدام بكسر الهمزة ما يؤتدم به. يقال: أدم الخبز يأدمه بكسر الدال، وجمع الإدام أدم بضم الهمزة والدال، كإهاب وأهب، وكتاب وكتب.
وفيه النهى عن التأنق في الشهوات، فإنّها مفسدة للدين، سقمة للبدن، هذا كلام الخطابىّ ومن تابعه.
والصواب الّذي ينبغي أن يجزم به أنه مدح للخل نفسه، وأما الاقتصار في المطعم وترك الشهوات فمعلوم من قواعد اخر. واللَّه تعالى أعلم.
وأخرجه أبو داود في كتاب الأطعمة، باب (40) في الخل، حديث رقم (3820) ، (3821) . معنى.

(14/280)


ومن حديث إسماعيل بن علية، عن المثنى بن سعيد قال: حدثنا طلحة بن نافع أنه سمع جابر بن عبد اللَّه يقول: أخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيدي ذات يوم إلى منزله، فأخرج إليه فلقا من خبز فقال: ما من أدم؟ قالوا: إلا شيء، من خل، قال: فإنّ الخل نعم الأدم.
قال جابر: فما زلت أحبّ الخلّ منذ سمعتها من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وقال طلحة: ما زلت أحب الخل منذ سمعتها من جابر. [ (1) ]
ومن حديث يزيد بن هارون قال: حدثنا حجاج بن أبى زينب قال: حدثني أبو سفيان طلحة بن نافع قال: سمعت جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كنت جالسا في داري فمرّ بي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأشار إليّ فقمت إليه، فأخذ بيدي فانطلقنا حتى أتى بعض حجر نسائه فدخل، ثم أذن لي فدخلت الحجاب عليها، فقال: هل من غداء؟ فقالوا: نعم، فأتى بثلاثة أقرصة فوضعن على نبي [ (2) ] ، فأخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قرصا فوضعه بين يديه وأخذ
__________
[ () ] هذا الكلام: الاقتصاد في المأكل ومنع النفس عن ملاذ الأطعمة، كأنه يقول: ائتدموا بالخل، وما كان في معناه مما تخف مؤنته ولا يعزّ وجوده. (معالم السنن) .
وأخرجه الترمذي في كتاب الأطعمة، باب (35) ما جاء في الخل، حديث رقم (1839) وقال: وفي الباب عن عائشة وأم هانئ، ثم قال: حدثنا عبدة بن عبد اللَّه الخزاعيّ البصري، حدثنا معاوية بن هشام عن سفيان عن محارب بن دثار عن جابر، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: نعم الإدام الخلّ، قال أبو عيسى هذا أصح من حديث مبارك بن سعيد [الحديث رقم (1839) ] .
وحديث رقم (1840) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، لا نعرفه من حديث هشام بن عروة إلا من حديث سليمان بن بلال.
وأخرجه ابن ماجة في كتاب الأيمان، باب (21) إذا حلف أن لا يأتدم فأكل خبزا بخلّ، حديث رقم (3805) .
وأخرجه ابن ماجة في كتاب الأطعمة، باب (33) الائتدام بالخل، حديث رقم (3316) ، (3317) ، (3318) وفيه: «نعم الإدام الخل، اللَّهمّ بارك في الخل فإنه كان إدام الأنبياء على قبلي، ولم يفتقر بيت فيه خل.
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 250، كتاب الأشربة، باب (30) فضيلة الخل والتأدم به، حديث رقم (167) .
[ (2) ] النبي: مائدة أو طبق من خوص.

(14/281)


قرصا آخر فوضعه بينه ثم أخذ الثالث فكسره باثنين، فجعل نصفه بين يديه، ونصفه بين يديى ثم قال: هل من أدم؟ فقالوا: لا، إلا شيء من خل قال:
هاتوه، فنعم الأدم هو [ (1) ] .

وأما أكله القثاء
فخرج البخاري [ (2) ] من حديث إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن جعفر بن أبى طالب عنهما قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكل الرطب بالقثاء وخرجه مسلم [ (3) ] بهذا السند ولفظه رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل القثاء بالرطب وخرجه أبو داود [ (4) ] مثله سواء.
وللترمذي [ (5) ] من حديث محمد بن إسحاق، عن أبى عبيدة بن [محمد] بن
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (169) ، وفيه استجاب مواساة الحاضرين على الطعام، وأنه يستحب جعل الخبز ونحوه بين أيديهم بالسوية، وأنه لا بأس بوضع الأرغفة والأقراص صحاحا غير مكسورة.
[ (2) ] (فتح الباري: 9/ 704، كتاب الأطعمة، باب (39) القثاء بالرطب، حديث رقم (5440) ، باب (45) اقثاء (حديث رقم 54470) ، باب (47) جمع اللونين أو الطعامين بمرّة، حديث رقم (5449) . ويؤخذ منه جواز مراعاة صفات الأطعمة وطبائعها واستعمالها على الوجه اللائق بها على قاعدة الطب، لأن في الرطب حرارة، وفي القثاء برودة، فإذا أكلا معا اعتدلا، وهذا أصل كبير في المركبات من الأدوية.
وترجم أبو نعيم في (الطب) باب الأشياء التي توكل مع الرطب ليذهب ضرره، فساق هذا الحديث. (فتح الباري) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 238- 239، كتاب الأشربة، باب (33) أكل القثاء بالرطب، حديث رقم (147) . وقد جاء في غير (مسلم) زيادة قال: يكسر حرّ هذا برد هذا، فيه جواز أكلهما معا، وأكل الطعامين معا، والتوسع في الأطعمة، ولا خلاف بين العلماء في جواز هذا، وما نقل بعض السلف من خلاف هذا، فمحمول على كراهة اعتياد التوسع والترفة لغير مصلحة دينية. واللَّه تعالى أعلم. (شرح النووي) .
[ (4) ] (سنن أبى داود) : 4/ 176، كتاب الأطعمة، باب (45) في الجمع بين لونين في الأكل، حديث رقم (3835) .
وفي سنن الترمذي) : 4/ 247، كتاب الأطعمة، باب (37) ما جاء في أكل القثاء بالرطب، حديث رقم (1844) .
[ (5) ] (شمائل الترمذي) : 167- 168، باب 300) ما جاء في فاكهة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم 2030) ، وهو حديث ضعيف تفرديه المصنف والقناع: الطبق الّذي يؤكل عليه، وأجر زغب، اجر: جمع جرو، وهو

(14/282)


عمار بن ياسر، عن الربيع بن معوذ بن عفراء قالت: بعثني معاذ بن عفراء بقناع من رطب وعليه أجر من قثاء زغب وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يحب القثاء، فأتيته به وعنده حلية قد قدمت عليه من البحرين فملأ يده منها فأعطانيه.
ولابن حبان من حديث معاوية بن هشام حدثنا سفيان عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- عنها قالت: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يجمع البطيخ بالرطب [ (1) ] [والقثاء بالبلح] [ (2) ]

وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم الدّباء
فخرج البخاري من حديث ابن عون حدثنا ثمامة بن عبد اللَّه بن أنس عن أنس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كنت غلاما أمشى مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فدخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على غلام له خياط فأتاه بقصعة فيها طعام وعليها دباء فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتتبع الدباء، وقال: فلما رأيت ذلك جعلت أجمعه بين يديه صلى اللَّه عليه وسلم، قال: فأقبل الغلام على عمله. قال: أنس لا أزال أحب الدباء بعد ما رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صنع ما صنع. ترجم عليه باب من أضاف رجلا إلى طعام وأقبل هو على عمله [ (3) ] ، أخرجه في باب الدباء. [ (4) ]
__________
[ () ] الصغير منكل شيء، وقيل: من القثاء خاصة وزغب، جمع أزغب، وهو الّذي عليه زغبة، والزغب. هو الشعيرات الدقيقة التي تكون على الثمرة عند بدء ظهورها.
[ (1) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 12/ 51- 52، كتاب الأطعمة، باب (1) آداب الأكل، ذكر الإباحة للمرء أن يجمع في أكله بين الشيئين من المأكول، حديث رقم (5246) .
[ (2) ] ما بين الحاصرتين من (الأصل) فقط.
[ (3) ] (فتح الباري) : 9/ 701، كتاب الأطعمة، باب (35) من أضاف رجلا إلى طعام، وأقبل هو على عمله، حديث رقم (5435) .
[ (4) ] (المرجع السابق) باب (33) الدباء، حديث رقم (5433) مختصرا، وأخرجه أيضا في باب (36) المرق، حديث رقم (5436) ، وفي باب (38) من ناول أو قدم إلى صاحبه على المائدة شيئا، قال: وقال ابن المبارك:
لا بأس أن يناول بعضهم بعضا، ولا يناول من هذه المائدة إلى مائدة أخرى، حديث رقم (5439) . وفي باب (37) القديد، حديث رقم (5437) . والدّبّاء: هو القرع.

(14/283)


وخرّجه مسلم من حديث أبي أسامة عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس، قال: دعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رجل فانطلقت معه فجيء بمرقة فيها دبّاء فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل من ذلك الدباء وتعجبه، قال: فلما رأيت ذلك جعلت ألقيه إليه ولا أطعمه. قال: فقال أنس: فما زلت بعد ذلك يعجبني الدّبّاء [ (1) ] .
ومن حديث عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن ثابت البنانيّ وعاصم الأحول، عن أنس، أن رجلا خياطا دعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فذكره، وزاد ثابت:
سمعت أنسا يقول فما صنع لي طعام بعد أقدر على أن يصنع فيه دباء إلا صنع [ (2) ] .
وخرّجه مالك في (الموطأ) [ (3) ] ، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: إن خياطا دعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لطعام صنعه قال أنس: فذهبت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى ذلك الطعام، فقرّب إليه خبزا من شعير ومرقا فيه دبّاء قال أنس: فرأيت رسول اللَّه
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 236، كتاب الأشربة، باب (21) جواز أكل المرق، واستحباب أكل اليقطين، وإيثار أهل المائدة بعضهم بعضا، وإن كانوا ضيفانا، وإذا لم يكره ذلك صاحب الطعام، حديث رقم (145) ، وفيه فوائد: منها إجابة الدعوة، وإباحة كسب الخياط، وإباحة المرق، وفضيلة أكل الدباء، وأنه يستحب أن يحب الدباء، وكذلك كل شيء كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحبه، وأنه يحرص على تحصيل ذلك، وأنه يستحب لأهل المائدة إيثار بعضهم بعضا إذا لم يكرهه صاحب الطعام.
وأما تتبع الدباء من حوالي الصحفة فيحتمل وجهين: أحدهما، من حوالي جانبه، وناحيته من الصحفة لا من حوالي جميع جوانبها، إنما نهى عن ذلك لئلا يتقذره جليسه. ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لا يتقذره أحد، بل يتبركون بآثاره صلى اللَّه عليه وسلم فقد كانوا يتبركون ببصاقه صلى اللَّه عليه وسلم ونخاته، ويدلكون بذلك وجوههم، وشرب بعضهم بوله، وبعضهم دمه، وغير ذلك، مما هو معروف من عظيم اعتنائهم بآثاره التي يخالفه فيها غيره.
والدباء: هو اليقطين، وهو بالمد- هذا هو المشهور- وحكى القاضي عياض فيه القصر أيضا، الواحدة دباءة، أو دباة. واللَّه تعالى أعلم. (شرح النووي) .
[ (2) ] سبق تخريجه.
[ (3) ] (موطأ مالك) : 272، كتاب النكاح، ما جاء في الوليمة، حديث رقم (1150) ، وقال في هامشه: الدباء:
هو القرع، وقيل: هو خاصّ بالمستدير منه.

(14/284)


صلى اللَّه عليه وسلم يتتبع الدباء من حول القصعة، فلم أزل أحب الدباء بعد ذلك اليوم.
قال ابن عبد البر: هكذا هذا الحديث في (الموطأ) عند جميع رواته فيما علمت بهذا الإسناد، وزاد بعضهم في ذكر القديد.
قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد، عن حكيم بن جابر، عن أبيه قال: دخلت على النبي صلى اللَّه عليه وسلم في بيته وعنده هذه الدباء فقلت: أي شيء هذا؟ قال: هذا القرع، هو الدباء تكثر به طعامنا [ (1) ] .
وخرجه النسائيّ [ (2) ] ولفظه: فرأيت عنده دباء يقطع فقلت: ما هذا؟ قال: نكثر به طعامنا.
وللترمذي [ (3) ] من حديث الليث عن معاوية بن أبي صالح، عن أبي طالوت، قال: دخلت على أنس بن مالك وهو يأكل القرع وهو يقول: يا لك [من] شجرة ما أحبك إلا لحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إياك. قال: وفي الباب عند حكيم بن جابر، عن أبيه. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب من هذا الوجه.
قال ابن عبد البر: من صريح الإيمان حبّ ما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحبه، واتباع ما كان يفعله، ألا ترى إلى قول أنس: فلم أزل أحب الدباء بعد ذلك اليوم؟،

وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم السمن والأقط
فخرج البخاري [ (4) ] من حديث شعبة قال: حدثنا جعفر بن إياس قال:
سمعت سعيد بن جبير، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال:
__________
[ (1) ] (سنن ابن ماجة) : 2/ 1098، كتاب الأطعمة، باب (26) الدباء، حديث رقم (3304) ، قال في مجمع الزوائد) : هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات.
[ (2) ] راجع التعليق السابق، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 5/ 469، حديث رقم (18621) ، وفيه: «وعنده الدباء» ، وحديث رقم (18622) وفيه: «فرأيت عنده قرعا كلاهما من حديث جابر الأحمسيّ- رضي اللَّه تبارك تعالى عنه.
[ (3) ] (سنن الترمذيّ) : 4/ 250، كتاب الأطعمة، باب (42) ما جاء في أكل الدباء، حديث رقم (1849) .
[ (4) ] (فتح الباري) : 5/ 254، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (7) قبول الهدية، حديث رقم (2575) .

(14/285)


أهدت أم حفيد- خالة ابن عباس- إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم أقطا وسمنا وأضبّا، فأكل النبي صلى اللَّه عليه وسلم من الأقط والسمن وترك الأضبّ تقذرا قال ابن عباس: فأكل على مائدة رسول صلى اللَّه عليه وسلم ولو كان حراما ما أكل على مائدة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
وخرجه أبو داود [ (1) ] بهذا الإسناد وقال: إن خالته أهدت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. ذكره البخاري في كتاب الهبة [ (2) ] . وخرجه مسلم [ (3) ] من حديث شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير- قال: سمعت ابن عباس يقول: أهدت خالتي أم حفيد [ (4) ] إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الحديث بنوه. وذكره البخاري أيضا في كتاب الأطعمة [ (5) ] ، وفي كتاب الاعتصام [ (6) ] ، ومن حديث أبي عوانه، عن أبي بشر.
__________
[ (1) ] (سنن أبي داود) : 4/ 153، كتاب الأطعمة، باب (28) في أكل الضبّ، حديث رقم (3793) . وقد اختلف الناس في أكل الضب، فرخص فيه جماعة من أهل العلم. روى ذلك عن عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وإليه ذهب مالك بن أنس، والأوزاعيّ والشافعيّ، وكرهه قوم. روى ذلك عن على- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وبه قال أبو حنيفة وأصحابه. وقد روي في النهي عن أكل الضب حديث ليس إسناده بذلك، ذكره أبو داود في هذا الباب. (معالم السنن) .
[ (2) ] سبق تخريجه.
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 157، كتاب الصيد والذبائح، باب (7) إباحة الضب، حديث رقم (1947) .
وفيه تصريح بما اتفق عليه العلماء، وهو إقرار النبي صلى اللَّه عليه وسلم الشيء وسكوته عليه إذا فعل بحضرته، يكون دليلا لإباحته، ويكون بمعنى قوله: أذنت فيه وأبحته، فإنه صلى اللَّه عليه وسلم لا يسكت على باطل، ولا يقر منكرا. واللَّه تعالى أعلم. (شرح النووي) .
[ (4) ] اسمها هزيلة، ذكرها ابن عبد البر وغيره في الصحابة.
[ (5) ] باب (8) الخبز المرقق، والأكل على الخوان والسفرة، حديث رقم (5389) وباب (16) الأقط، حديث رقم (5402) .
[ (6) ] باب (24) الأحكام التي تعرف بالدلائل، وكيف معنى الدلالة وتفسيرها، وقد أخبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم أمر الخيل وغيرها، ثم سئل عن الحمر فدلهم على قوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ،
وسئل النبي صلى اللَّه عليه وسلم عن الضب فقال: لا آكله ولا أحرمه، وأكل على مائدة النبي صلى اللَّه عليه وسلم الضبّ،
فاستدل به ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بأنه ليس بحرام، حديث رقم (7358) .

(14/286)


وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم الحيس [ (1) ]
فخرج أبو داود [ (2) ] من حديث عمر بن سعيد، عن رجل من أهل البصرة، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان أحب الطعام إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الثريد من الخبز والثريد من الحيس.
وخرجه ابن حبان ولفظه: كان أحب الطعام إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الثريد من التمر وهو الحيس.
وخرجه النسائي [ (3) ] من حديث أبي الأحوص، عن طلحة بن يحيى، عن مجاهد، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: دخل عليّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوما فقال: هل عندكم شيء؟ فقلت: لا، قال: فإنّي صائم، ثم مرّ بى بعد ذلك اليوم وقد أهدى إليّ حيس فخبأت له منه- وكان يحب الحيس- قلت: يا رسول اللَّه إنه أهدى لنا حيس فخبأت لك منه، قال: أدنيه، أما إني قد أصبحت وأنا صائم فأكل منه، ثم قال: إنما مثل صوم المتطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة، فإن شاء أمضاها، وإن شاء حبسها.

وأما حبّه صلى اللَّه عليه وسلم الثريد.
فقال أبو بكر بن أبي شيبة عن السدي: أول من ترد الثريد إبراهيم الخليل عليه السلام [ (4) ] .
وخرج الحاكم من حديث عباد بن العوام [ (5) ] ، عن حميد، عن أنس، أن
__________
[ (1) ] الحيس: التمر البرنيّ والأقط يدقان ويعجنان بالسمن عجنا شديدا حتى يندر النوى منه نواة نواة، ثم يسوى كالثريد، وهي الوطبة أيضا، إلا أن الحيس ربما جعل فيه السويق، وأما الوطبة فلا. وفي الحديث أنه صلى اللَّه عليه وسلم أولم على بعض نسائه بحيس. (لسان العرب) : 6/ 61.
[ (2) ] (سنن أبي داود) : 4/ 147، كتاب الأطعمة، باب (23) في أكل الثريد، حديث رقم (3783) . قال أبو داود: وهو ضعيف.
[ (3) ] (سنن النسائي) : 4/ 506- 507، كتاب الصيام، باب (67) النية في الصيام والاختلاف على طلحة بن يحيى بن طلحة في خبر عائشة فيه، حديث رقم (2321) .
[ (4) ] (المصنف) : 7/ 254، كتاب الأوائل، حديث رقم (35806) .
[ (5) ] (المستدرك) : 4/ 129، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7116) .

(14/287)


النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم كان يعجبه الثفل، قال: فسمعت أبا محمد يقول: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق يقول: الثفل هو الثريد.
ومن حديث المبارك بن سعيد [ (1) ] ، عن عمر بن سعيد كذا، عن عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان أحب الطعام إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الثريد.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، فإن عمر بن سعيد هذا هو أخو سفيان والمبارك ابنا سعيد.
وخرجه ابن حبان من حديث المبارك هذا عن عمر عن عكرمة قال: صنع سعيد بن جبير طعاما، ثم أرسل إلى ابن عباس: ائتني أنت ومن أحببت من مواليك، فجاءوا وجئنا معه، قالوا له: ائتنا بالثريد، فإنه كان أحب الطعام إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، الثريد من الخبز.
وللترمذي [ (2) ] من حديث العلاء بن الفضل بن عبد الملك بن أبى سوية أبو الهذيل، قال: حدثنا عبيد اللَّه بن عكراش عن أبيه عكراش بن ذؤيب، قال: بعثني بنو مرّة بن عبيد بصدقات أموالهم إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقدمت عليه المدينة فوجدته جالسا بين المهاجرين والأنصار، قال: ثم أخذ بيدي فانطلق بي إلى بيت أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقال: هل من طعام؟
فأتينا بجفنة كثيرة الثريد والوذر [ (3) ] وأقبلنا نأكل منها، فخبطت بيدي من
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (7117) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. ثم قال الحاكم:
فأما
قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» ، فإنه مخرج في الصحيحين.
[ (2) ] (سنن الترمذي) : 4/ 249- 250، كتاب الأطعمة، باب (41) ما جاء في التسمية في الطعام، حديث رقم (1848) .
وأخرجه ابن ماجة في كتاب الأطعمة، باب (11) الأكل مما يليك، حديث رقم (3274) .
[ (3) ] الوذر: قطع اللحم التي لأعظم فيها، الواحدة وذرة.

(14/288)


نواحيها، وأكل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من بين يديه، فقبض بيده اليسرى على يدي اليمنى ثم قال: يا عكراش! كل من موضع واحد، فإنه طعام واحد، ثم أتينا بطبق فيه ألوان من الرطب أو من التمر- شك عبيد اللَّه- قال: فجعلت آكل من بين يديه، وجالت يد رسول اللَّه. ص) في الطبق وقال: يا عكراش! كل من حيث شئت، فإنه غير لون واحد، ثم أتينا بماء فغسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يديه ومسح ببلل كفيه وجهه وذراعيه ورأسه وقال: يا عكراش هذا الوضوء مما غيّرت النار.
قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث العلاء بن الفضل، وقد تفرد العلاء بهذا الحديث ولا نعرف لعكراش عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلا هذا الحديث.
وقال زيد بن ثابت- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: لم يدخل منزل النبي صلى اللَّه عليه وسلم هدية، أول هدية دخلت بها عليه قصعة مثرورة خبزا وسمنا ولبنا فأضعها بين يديه، فقلت: يا رسول اللَّه، أرسلت بهذه القصعة أمي، فقال عبادة: على رأس غلام بارك اللَّه فيك، فدعا أصحابه فأكلوا، فلم أرم البيت حتى جاءت قصعة سعد بن عبادة على رأس غلام مغطاة، فوضعت على باب أبي أيوب، وأكشف غطاءها لأنظر، فرأيت عراق لحم، فدخل بها على رسول اللَّه فقال زيد: فلقد كنا بني النجار لا تمر ليلة إلا على باب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منا الثلاثة يخلفون الطعام يتناوبون بينهم، حتى تحرك رسول اللَّه من بيت أبي أيوب، وكان مقامة فيه تسعة أشهر، وكانت [لا] تخطئه جفنة سعد بن عبادة، وجفنة سعد بن زرارة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- كل ليلة.

(14/289)


وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم اللحم
فقد اتفقا على حديث الزهريّ عن جعفر بن أمية عن أبيه، أنه رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحتز من كتف شاة في يده فدعي إلى الصلاة فألقاها والسكين التي يحتز بها، ثم قام فصلى ولم يتوضأ [ (1) ] .
وفي لفظ: أنه رأى رسول اللَّه يحتز من كتف شاة يأكل منها، ثم صلى ولم يتوضأ [ (2) ] .
وفي آخر: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل ذراعا يحتز منها فدعى إلى الصلاة، فقام، فطرح السكين ولم يتوضأ [ (3) ] .
ولمسلم من حديث بكير بن الأشج عن كريب عن ميمونة- رضى اللَّه تعالى عنها- أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أكل عندها كتفا ثم صلى ولم يتوضأ [ (4) ] .
ومن حديث سعيد بن أبي هلال عن عبد اللَّه [بن عبيد اللَّه] بن أبي رافع عن أبي غطفان عن أبي رافع، قال: أشهد لكنت أشوى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بطن الشاة ثم صلى ولم يتوضأ [ (5) ] .
ولأبي داود من حديث مسعر، عن أبي صخرة جامع بن شداد، عن المغيرة بن عبد اللَّه عن المغيرة بن شعبة قال: ضفت النبي صلى اللَّه عليه وسلم ذات ليلة فأمر بحنب فشوي، وأخذ الشفرة فجعل يحزّ بها منها، قال فجاء بلال فآذنه
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 683، كتاب الأطعمة، باب (20) قطع اللحم بالسكين، حديث رقم (5408) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 126، كتاب الجهاد، باب (92) ما يذكر في السكين، حديث رقم (2923) .
[ (3) ] زيادة عقب الحديث السابق من حديث أبي اليمان، أخبرنا شعيب عن الزهريّ وزاد: «فألقي السكين» .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 285، كتاب الحيض، باب (24) نسخ الوضوء مما مسته النار، حديث رقم (356) .
[ (5) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (357) .

(14/290)


بالصلاة، قال: فألقى الشفرة وقال: ما له؟ تربت يداه وقام يصلي [ (1) ] .
ولأبي داود من حديث ابن عليه عن عبد الرحمن بن إسحاق عن عبد الرحمن بن معاوية عن عثمان بن أبي سليمان عن صفوان بن أمية، قال: كنت آل مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم فآخذ اللحم من العظم فقال ادن العظم من فيك، فإنه أهنأ وأمرأ [ (2) ] وخرجه الحاكم وقال حديث صحيح [ (3) ] .
ومن حديث زهير عن أبي إسحاق عنه سعيد بن عياض عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كان أحب العراق إلى رسول اللَّه عراق الشاة [ (4) ] .
وبهذا الإسناد قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم تعجبه الذراع [ (5) ] .
__________
[ (1) ] وأخرجه الترمذي في (الشمائل) : 139، حديث رقم (167) ، وفيه: «ضفت مع رسول اللَّه» أي نزلت عليه ضيفا.
وأخرجه أيضا الإمام أحمد في (المسند) ، والطبراني في (الكبير) ، والبغوي في (شرح السنة) ، كلهم من طريق مسعر عن أبي صخرة به.
[ (2) ] (سنن أبي داود) : 4/ 145، كتاب الأطعمة، باب (21) في أكل اللحم، حديث رقم (3779) . قال أبو داود: عثمان لم يسمع من صفوان، وهو مرسل.
[ (3) ]
(المستدرك) : 4/ 126، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7103) ، وفيه: «قرب اللحم من فيك فإنه أهنأ وأمرأ» قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) :
صحيح.
و [ (4) ] (سنن أبي داود) : 4/ 146، كتاب الأطعمة، باب (21) في أكل اللحم، حديث رقم (37800) .
والعراق: بضم العين وسكون الراء جمع عرق، العظم إذا أخذ عنه معظم اللحم، وهو جمع نادر. وهذا الحديث نسبه المنذري للنسائي أيضا.
[ (5) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (3781) .

(14/291)


وللدارميّ من حديث سفيان قال: حدثنا مسعد قال: سمعت رجلا من بني فهم قال: سمعت عبد اللَّه بن جعفر- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- يقول: كنا عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأتي بلحم فجعل القوم يلقمونه اللحم، فقال صلى اللَّه عليه وسلم أطيب اللحم لحم الظهر [ (1) ] .
ومن حديث خالد بن عبد اللَّه، عن أبى حيان [التيمي عن أبي زرعة، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أتى بلحم فرفعت إليه الذراع وكانت تعجبه [ (2) ] .
وللترمذيّ من حديث زبان بن يزيد، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن أبي عبيد، قال طبخت للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم قدرا وكان يعجبه الذراع فناولته الزراع، ثم قال: ناولني الذراع فناولته، ثم قال: ناولني الذراع فقلت: يا رسول اللَّه! وكم للشاة من ذراع؟ فقال: والّذي نفسي بيده لو سكتّ لنا ولتني الذراع ما دعوت [ (3) ] .
ولابن حبان من حديث طالوت بن عباد قال: حدثنا سعيد بن راشد حدثنا محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يكن يعجبه في الشاة إلا الكتف.
وخرج الحاكم من حديث العباس عبدان قال: أخبرنا الفضل بن موسى. حدثنا عبد اللَّه ابن كيسان حدثنا عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأبا بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أتوا بيت أبي أيوب فلما أكلوا وشبعوا
__________
[ (1) ] لم أجده (سنن الدارميّ) ، لكنه في (المستدرك) : 4/ 124، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7097) ، وصرح فيه باسم الفهميّ وقال: أري اسمه محمد بن عبد الرحمن، ثم قال: وقد رواه رقبة بن مصقلة عن ذا الفهميّ ولم ينسبه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح، ورواه عن هذا الفهميّ رقبة بن مصقلة.
وحديث رقم (7098) وقال: قد صح الخبر بالإسنادين ولم يخرجاه، ووافقه الحافظ الذهبي في (التلخيص) .
وأخرجه أيضا الترمذي في (الشمائل) : 143، حديث رقم (172) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : 140، حديث رقم (168) ، وفيه: «وكانت تعجبه فنهس منها» ، أي أخذ منها بفمه صلى اللَّه عليه وسلم.
[ (3) ] (المرجع السابق) : 141، حديث رقم (170) ، تفرد به الترمذيّ وهو صحيح لغيره.

(14/292)


قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: خبز ولحم وتمر وبسر ورطب! إذا أصبتم مثل هذا فضربتم بأيديكم فكلوا بسم اللَّه وبركة اللَّه.
قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ (1) ] .
ومن حديث مسدد حدثنا يحيى بن سليم المكيّ، حدثنا إسماعيل بن كثير، عن عاصم بن لقيط بن صبرة، عن أبيه قال: كنت وافد بني المنتفق إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقدمنا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فلم نصادفه في منزله، وصادفنا عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فأمرت لنا بحريرة فصنعت لنا، وأتينا بقناع- والقناع الطبق فيه تمر- ثم جاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: هل أصبتم شيئا؟ أو آمر لكم بشيء؟ فقلنا: نعم يا رسول اللَّه.
قال: فبينما نحن مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جلوس قال: فدفع الراعي غنمه إلى المراح ومعه سخلة ينفر، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما ولدت يا فلان؟ قال: بهمة، قال: فاذبح لنا مكانها شاة، ثم أقبل علينا، فقال: لا تحسبن أنا من أجلك ذبحناها، لنا غنم مائة ولا نريد أن تزيد فإذا ولدت بهمة ذبحنا مكانها شاة! يا رسول اللَّه! إن لي امرأة فذكر من طول لسانها وبذائها، فقال: طلقها، فقلت إن لي منها ولدا، قال: فمرها، يقول: عظها فإن يك فيها خير فستفعل، ولا تضرب ظعينتك كضربك أمتك.
قال: قلت: يا رسول اللَّه أخبرني عن الوضوء، قال: أسبغ الوضوء، وخلل الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (2) ] .
ومن حديث عفان بن مسلم حدثنا أبو عوانة، عن أسود بن قيس، عن نبيح العنزي، عن جابر بن عبد اللَّه- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه-، قال: لما قتل أبي ... فذكر الحديث بطوله، وقال فيه: قلت لامرأتى: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يجيئنا اليوم نصف النهار، فلا تؤذي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولا تكلميه. قال: فدخل وفرشت له فراشا ووسادة، فوضع رأسه ونام، فقلت لمولى لي: اذبح هذه العناق
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 120، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7084) وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) :
صحيح.
[ (2) ] (المستدرك) : 4/ 123، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7094) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) :
صحيح.

(14/293)


- وهي داجن سمينة- والوحا والعجل، افرغ قبل أن يستيقظ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأنا معك، فلم نزل فيها حتى فرغنا [منها] وهو نائم: فقلت له: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا استيقظ يدعو بالطهور، وإني أخاف إذا فزع أن يقوم فلا يفرغن من وضوئه حتى نضع العناق بين يديه، فلما قام قال: يا جابر ائتني بطهور، فلم يفرغ من طهوره [ (1) ] حتى وضعت العناق بين يديه، فنظر إليّ فقال: كأنك قد علمت حبنا اللحم [ (2) ] ! أدع لي أبا بكر، ثم دعا حواريه الذين معه فدخلوا فضرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيده وقال: بسم اللَّه كلوا، فأكلوا حتى شبعوا وفضل منها لحم كثير، وذكر باقي الحديث. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (3) ] .
وخرجه ابن حبان في (صحيحه) من حديث يحيى بن مسلم به [ (4) ] .
وخرج الحاكم [ (5) ] من حديث حبيب بن الشهيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر قال: أمرني أبي بخزيرة فصنعت، ثم أمرني فحملتها إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فإذا هو في منزله فقال: ما هذا يا جابر؟ ألحم هذا؟ قلت: لا يا رسول اللَّه ولكنها خزيرة أمرنى بها أبي فصنعت، ثم أمرني فحملتها إليك، ثم رجعت إلي أبي فقال: هل رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قلت: نعم، قال: فما قال لك؟ قلت:
__________
[ (1) ] (في الأصل) : «وضوئه» .
[ (2) ] كذا في (الأصل) ، وفي (المستدرك) : «كأنك علمت حبنا للحم» .
[ (3) ] (المستدرك) : 4/ 123- 124، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7096) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) :
صحيح.
[ (4) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 15/ 487- 488، كتاب إخباره صلى اللَّه عليه وسلم عن مناقب الصحابة، رجالهم ونسائهم، ذكر عبد اللَّه بن عمرو بن حرام أبو جابر رضوان اللَّه عليه، حديث رقم (7020) ، وقال في (هامشه) : إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح غير إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، وهو ثقة، روى له النسائي. عمرو بن دينار هو المكيّ.
[ (5) ] (المستدرك) : 4/ 124- 125، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7099) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. والخزيرة: لحم يقطع صغارا، ويصب عليه ماء كثير، فإذا نضج ذرّ عليه الدقيق.
والداجن: الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم.

(14/294)


قال: ألحم هذا يا جابر؟ قال أبي: عسى أن يكون رسول اللَّه اشتهى اللحم!! فقام إلى داجن له فذبحها وشواها، ثم أمرني بحملها إليه، فقال: حملتها إليه فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: جزى اللَّه الأنصار عنا خيرا، ولا سيما عبد اللَّه بن عمرو بن حرام، وسعد بن عبادة.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.
ومن حديث علي بن عاصم حدثنا عبيد اللَّه بن أبي بكر بن أنس قال:
سمعت أنسا يقول: أنفجت أرنبا بالبقيع فاشتدّ في أثرها فكنت فيمن اشتدّ فسبقته إليها، فأخذتها، فأتيت بها أبا طلحة، فأمر بها فذبحت ثم شويت، فأخذ عجزها، فأرسل به معي إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: ما هذا؟ قلت عجز أرنب بعث بها أبو طلحة إليك فقبله مني.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (1) ] .

وأما أكله عليه السلام القلقاس
فقال الدولابي: أهدى أهل أيلة إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم القلقاس، فأكله وأعجبه وقال: ما هذا؟ فقالوا: شحمة الأرض، فقال: إن شحمة الأرض لطيبة [ (1) ] .

وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم القديد
فخرج البخاري من حديث مالك، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة أنه سمع أنسا يقول: إن خياطا دعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لطعام صنعه له، قال أنس: فذهبت مع رسول اللَّه إلى ذلك الطعام، فقرب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خبزا من شعير ومرقا فيه دباء وقديد.. الحديث. ترجم عليه باب من ناول أو قدّم إلى صاحبه على المائدة شيئا [ (2) ] وذكره في باب من تتبع حوالي القصعة مع
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 125، كتاب الأطعمة، حديث رقم (71000) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) :
صحيح.
[ (2) ] (فتح الباري) : 9/ 703، كتاب الأطعمة، باب (38) من ناول أو قدم إلى صاحبه على المائدة شيئا، حديث رقم (54390) .

(14/295)


صاحبه [ (1) ] إذا لم يعرف منه كراهة، وذكره في البيوع في باب الخياط [ (2) ] وفي الأطعمة، في باب المرق [ (3) ] .
وخرجه مسلم [ (4) ] وأبو داود [ (5) ] بنحوه أو قريبا منه.
ولابن حبان من حديث الحسين بن واقد، قال: أخبرنا أبو الزبير، عن جابر قال: أكلنا القديد مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (6) ] .
وقد أورد مالك رحمه اللَّه هذا الحديث كما تقدم أولا، وليس فيه إلا:
فقرب له خبزا من شعير ومرقا فيه دباء [ (7) ] .. الحديث.
قال ابن عبد البر: هكذا هذا الحديث في (الموطأ) عنه، جميع رواته القعنبي، وابن بكير، في حديث مالك هذا عن إسحاق، عن أنس ذكر القديد فقالا: بطعام فيه دباء وقديد، وتابعهم على ذلك قوم منهم أبو نعيم.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم. (5379) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2092) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (5436) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 335- كتاب الأشربة، باب (21) جواز أكل المرق، واستحباب اليقطين، وإيثار أهل المائدة بعضهم بعضا وإن كانوا ضيفانا، وإذا لم يكره ذلك صاحب الطعام، حديث رقم (144) .
[ (5) ] (سنن أبي داود) : 4/ 146- 147، كتاب الأطعمة، باب في أكل الدباء، حديث رقم. (3782) .
وحديث رقم. (3773) ، وفيه: كان للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم قصعة يقال لها الغراء يحملها أربعة رجال، فلما أضحوا وسجدوا الضحى أتي بتلك القصعة- يعني وقد ثرد فيها- فالتفوا عليها.. الحديث. وأخرجه ابن ماجة في الأطعمة باب الأكل متكئا، حديث رقم. (3263) .
[ (6) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 13/ 253- 254، كتاب الأضحية، باب إباحة اتخاذ المرء القديد من لحم أضحيته لسفره، حديث رقم (5930) .
[ (7) ] (الموطأ) : 372، كتاب النكاح، ما جاء في الوليمة.
وفيه أن الموكل لأهله وخدمه بأكل ما يشتهيه حيث رآه في ذلك الإناء إذا علم أن مؤاكله لا يكره ذلك، وإلا فلا يتجاوز ما يليه، وقد علم أحدا لا يكره منه شيئا، بل كانوا يتبركون بريقه وغيره مما مسه، بل كانوا يتبادرون إلى نخامته فيتدلكون بها. (شرح الزرقانى على الموطأ) : 3/ 211، كتاب النكاح، باب (381) ما جاء في الوليمة، حديث رقم (1188) .

(14/296)


وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم المنّ [ (1) ]
فخرج الإمام أحمد من حديث يزيد بن هارون حدثنا سفيان، عن حسين بن علي، عن زيد، عن أنس قال: أهدي الأكيدر لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جرة من منّ فلما انصرف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الصلاة مرّ على القوم فجعل يعطي كل رجل منهم قطعة، فأعطى جابرا قطعة، ثم إنه رجع إليه فأعطاه قطعة أخرى، فقال:
إنك قد أعطيتني مرة! فقال: هذه لبنات عبد اللَّه [ (2) ] .

وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم الجبن
فخرج الإمام أحمد من حديث شريك، عن جابر، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: أتي النبي صلى اللَّه عليه وسلم يحبنة في غزاة، فقال: أين صنعت هذه؟ فقالوا: بفارس، ونحن نرى أنه يجعل فيها ميتة فقال صلى اللَّه عليه وسلم: اطعنوا فيها بالسكين، واذكروا اسم اللَّه، وكلوا [ (3) ] .
ومن حديث وكيع حدثنا إسرائيل، عن جابر، عن عكرمة، عن ابن عباس أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أتي بجبنة فجعل أصحابه يضربونها بالعصي، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ضعوا السكين واذكروا اسم اللَّه وكلوا [ (4) ] .
وقال الواقدي وأتي رسول اللَّه بجنبة بتبوك، فقالوا: يا رسول اللَّه! إن هذا طعام تصنعه فارس وإنا نخشى أن يكون فيه ميتة. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم:
ضعوا فيه السكين، واذكروا اسم اللَّه [ (5) ] .
__________
[ (1) ] المنّ كل طلّ ينزل من السماء على شجر أو حجر، ويحلو وينعق عسلا، ويجف جفاف الصمغ، (القاموس المحيط) : 4/ 288.
[ (2) ] (مسند أحمد) : 3/ 571، حديث رقم (11815) ، من مسند أنس بن مالك- رضى اللَّه تعالى-.
[ (3) ] (المرجع السابق) : 1/ 498، حديث رقم (2750) ، من مسند عبد اللَّه بن عباس- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما-
[ (4) ] راجع التعليق السابق، وزاد في آخر الحديث السابق: ذكره شريك مرة أخرى فزاد فيه: فجعلوا يضربونها بالعصيّ.
[ (5) ] (مغازي الوافدى) : 3/ 1019، غزوة تبوك.

(14/297)


وخرّج أبو داود من حديث إبراهيم بن عيينة، عن عمرو بن منصور، عن الشعبي، عن ابن عمر قال: أتي النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم بجبنة في تبوك فدعا بسكين، فسمي وقطع [ (1) ] .
ولفظ ابن حبان قال: أتي النبي صلى اللَّه عليه وسلم بجبنة من جبن تبوك، فدعا بالسكين فسمى وقطع [ (2) ] .
قال الخطّابي [ (3) ] : إنما جاء به أبو داود من أجل أن الجبن كان يعمله قوم الكفار لا تحل ذكاتهم، وكانوا يعقدونها بالنافح، وكان من المسلمين من يشاركهم في صنعة الجبن، فأباحه النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم على ظاهر الحال ولم يمتنع من أكله من أجل مشاركة الكفار المسلمين فيه.
قال: مؤلفه: في دعوى أبي سليمان [ (4) ] رحمة اللَّه أن من المسلمين من كان يشارك المشركين في عمل الجبن يتوقف على النقل ولم يكن إذ ذاك بفارس ولا بالشام أحد من المسلمين فتأمله [ (5) ] .
__________
[ (1) ] (سنن أبي داود) : 4/ 169، كتاب الأطعمة، باب (39) أكل الجبن، حديث رقم (3819) .
[ (2) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 12/ 46، كتاب الأطعمة، باب آداب الأكل، ذكر إباحة قطع المرء الأشياء التي تؤكل، ضدّ قول من كرهه، حديث رقم (5241) ، وإسناده حسن.
وأخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) : 10/ 6، كتاب الضحايا، باب أكل الجبن، وذكر ستة أحاديث بألفاظ متقاربة من طرق.
[ (3) ] (معالم السنن) : 4/ 169، تعليقا على الحديث رقم (3819) .
[ (4) ] هو الإمام حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب، من ولد زيد بن الخطاب، والخطابي بفتح الخاء وتشديد الطاء، نسبة إلى جده الخطاب المذكور. يكنى أبو سليمان البستيّ بضم الباء وسكون السين نسبة إلى بست، وهي مدينة من بلاد كابل، له مكانة علمية مرقوقة بين أقرانه، من مؤلفاته: غريب الحديث، وإعلام السنن شرح البخاري، ومعالم السنن شرح سنن أبي داود، وكتاب إصلاح غلط المحدثين، وكتاب شأن الدعاء، وكتاب العزلة، وغير ذلك. ولد في رجب سنة 139 هـ في بلدة بست، وتوفي فيها سنة 388 هـ. رحمة اللَّه (معالم السنن) على هامش (سنن أبي داود) ، المقدمة.
[ (5) ] خرّج البيهقي في (السنن البري) : 10/ 6- 7، كتاب الضحايا، باب ما يحل من الجبن وما لا يحل، ومن حديث شعبة عن رجل من بنى عقيل عن عمه، قال: قرئ علينا كتاب عمر بن الخطاب- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أن كلوا الجبن مما صنعه أهل الكتاب قال الشيخ: هو إبراهيم العقيلي، وعمه ثور بن قدامة، رواه الثوريّ عنه. وله من حديث قيس بن السكن قال: قال عبد اللَّه- هو ابن مسعود- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه-: كلوا الجبن ما صنع المسلمون وأهل الكتاب. (المرجع السابق) .

(14/298)


وقد خرج هذا الحديث أبو حاتم البستي، وقال أبو حاتم الرازيّ: الشعبيّ لم يسمع من ابن عمر، وقال غير واحد: إنه سمع، قلت: وإبراهيم بن عيينة أخو سفيان بن عيينة، قال أبو حاتم الرازيّ: شيخ يأتي يمينا وسئل عنه أبو داود فقال: صالح.

وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم الشواء [ (1) ]
فقد تقدم حديث أبى رافع: أشهد لكنت أشوى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بطن الشاة، وحديث المغيرة: صنعت للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم فأمر بجنب فشوى، وحديث أنس:
أنفجت أرنبا وفيه: فذبحت ثم شوبت.
وخرج الترمذي من حديث ابن أبى لهيعة عن سليمان بن ذوبان عن عبد اللَّه بن الحارث قال: أكلت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شواء في المسجد.

وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم الدجاج
فخرج البخاري من حديث عبد الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة [والقاسم التميمي] عن زهدم بن الحارث عن أبي موسى قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكل دجاجا لم يأكل غير هذا. ذكره بطوله في باب لا تحلفوا بآبائكم [ (2) ] ، وفي كتاب [فرض] الخمس [ (3) ] . وذكره مسلم من طرق [ (4) ] .
__________
[ (1) ] سبق تخريج هذه الأحاديث.
[ (2) ] (فتح الباري) : 11/ 650، كتاب الأيمان والنذور، باب (4) لا تحلفوا بآبائكم، حديث رقم (6649) وفيه:
«فقرب إليه طعام فيه لحم دجاج» .
[ (3) ] (المرجع السابق) : 6/ 291، كتاب فرض الخمس، باب (15) ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين ما سأل هوازن النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم برضاعة فيهم فتحلل من المسلمين، وما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم بعد الناس أن يعطيهم من الفيء والأنفال من الخمس، وما أعطى الأنصار، وما أعطى جابر بن عبد اللَّه من تمر خيبر، حديث رقم (3133) وفيه: «فأتى ذكر دجاجة وعنده رجل من بني تيم اللَّه أحمر كأنه من الموالي، فدعاه للطعام» .
وأخرجه في كتاب الصيد والذبائح، باب (26) لحم الدجاج، حديث رقم (5517) ، وحديث رقم (5518) .
وفي كتاب التوحيد، باب (56) قوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) ، حديث رقم (7555) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 121- 123، كتاب الأيمان، باب (3) ندب من حلف يمينا فرأى غيرها-

(14/299)


وخرجه الدارميّ [ (1) ] بهذا السند ولفظه. قال: كنا عند أبي موسى فقدم في طعامه لحم دجاج وفي القوم رجل من بنى تميم أحمر فلم يدن فقال له أبو موسى: فإنّي رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل منه.
وفي رواية عن ابن موسى أنه ذكر الدجاج فقال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكله.

وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم الحبارى [ (2) ]
فخرج أبو داود [ (3) ] والترمذي [ (4) ] من حديث برية بن عمر بن سفينة، عن أبيه، عن جده قال: أكلت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لحم الحباري. ورواه عن بريّه هذا إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهديّ، فعبد الرحمن هذا يروى عن برية بن عمر، وجعفر بن سليمان، وعبد السلام بن حرب، وسفيان بن عيينة، وأبى بكر بن عياش، وعن الفضل بن سهل الأعرج، وأبى أمية محمد بن إبراهيم الطرسوى، ويعقوب الفسوي، وجماعة.
قال ابن عدي: روي عن الثقات أحاديث مناكير ولم أر له حديثا منكرا يحكم من أجله على ضعفه، وأما برية فقال البخاري: إسناده مجهول. وقال ابن عدي: رأيت أحاديثه لا يتابعه عليها الثقات، وأرجو أنه لا بأس به [ (5) ] .
__________
[ () ] خيرا منها، وأن يأتى الّذي هو خيرا منها، ويكفر عن يمينه، حديث قم (9) ، وثلاثة أحاديث بعده بدون أرقام من طرق كلها تدور على زهدم الجرمي،
[ (1) ] (سنن الدارميّ) : 2/ 102، 103 باب في أكل الدجاج، عن زهدم الجرميّ أيضا.
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 5/ 536، حديث رقم (19025) وحديث رقم (19060) ، وحديث رقم (19094) ، وحديث رقم (19142) كلهم من حديث أبى موسى الأشعري- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه-.
[ (2) ] الحبارى بضم الحاء بعدها ياء موحدة مفتوحة: طائر كبير العنق، رماديّ اللون، لحمه بين الدجاج والبط، وهو من أشد الطير طيرانا.
[ (3) ] (سنن أبي داود) : 4/ 155، كتاب الأطعمة، باب (9) في أكل لحم الحبارى حديث رقم (3797) .
[ (4) ] (سنن الترمذي) : 4/ 329، كتاب الأطعمة، باب (26) ما جاء في أكل الحبارى، حديث رقم (1828) .
[ (5) ] (الكامل في الضعفاء لابن عدي) : 2/ 64، ترجمة برية بن عمر.

(14/300)


وقال النسائي في قضاء علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في كتابه (المجتبى) : حدثنا زكريا بن يحيي قال: حدثنا الحسن بن حماد قال أخبرنا بشر بن عبد الملك، عن عيسى بن عمر، عن السّدّيّ، عن أنس بن مالك- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان عنده طائر فقال: اللَّهمّ ائتني بأحب خلقك إليك، يأكل معى من هذا الطير، فجاء أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، رضي فردّه، وجاء عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فردّه، ثم جاء على- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- فأذن له، كان الطائر حبارى أهدى للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم.
قلت: حديث أنس هذا روي من طرق وقد روي أيضا عن جاب ابن عبد اللَّه عن على بن أبي طالب وعبد اللَّه بن عباس وعن سفينة.

وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم الخبيص
فخرج الحاكم من حديث الوليد بن مسلم عن محمد بن حمزه بن عبد اللَّه ابن سلام عن أبيه، عن جده- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم في بعض أصحابه إذا أقبل عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقود بعيرا عليه غرارتان محتجزا بعقال ناقته، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم: ما معك؟
قال: دقيق وسمن وعسل فقال له: أنخ، فأناخ، فدعا النبي صلى اللَّه عليه وسلم ببرمة عظيمة فجعل فيها من ذلك الدقيق والسمن والعسل، ثم أنضجه فأكل النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأكلوا، ثم قال لهم: كلو فإن هذا يشبه خبيص أهل فارس [ (1) ] .
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.
قلت: محمد بن حمزة من يوسف بن عبد اللَّه بن سلام هذا يروي عنه معمر ابن راشد والوليد بن مسلم وعبد اللَّه بن سالم الحمصيّ، قال أبو حاتم: لا يوثق به، له حديث واحد، يعني حديث الخبيص هذا، وخرج له ابن ماجة، وقد روي له هذا الحديث عن محمد بن حمزة والوليد بن مسلم، وعنه محمد بن عبد العزيز الرمليّ، وكلاهما خرجا له في الصحيحين،
خرج الحافظ أبو بكر بن
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 122- 123) كتاب الأطعمة، باب (33) ، حديث رقم (7093) .
وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح.

(14/301)


ثابت من حديث داود ابن رشيد حدثنا الهيثم بن عمران قال: سمعت عبيد اللَّه بن أبي عبد اللَّه قال: صنع عثمان بن عفان خبيصا بالعسل والسمن والبرّ، فأتي به في قصعة إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما هذا؟ قال:
هذا يا نبي اللَّه شيء تصنعه الأعاجم من البر والعسل والسمن، تسميه الخبيص [ (1) ] قال: فأكل.
عبد اللَّه بن أبى عبد اللَّه العنسيّ من أفاضل أهل دمشق، يروي أحاديث مراسيل، حدث عنه الهيثم بن عمران. قلت: وخرجه الحارث بن أبي أمامة في مسندة عن داود بن رشيد بن سواء.

وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم الهريسة والطفشل
قال الواقدي: ولما نزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وادي القرى أهدي له بنو عريض اليهودي هريسا فأكلها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] وأطعم ما كنا نعهد فقال: كلا ورب المشارق والمغارب لا يأتون بخير ما كنت أعلم،
وكان مالك بن أنس- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- كلهم على منبر من طين يقول: إن أول من خطب الناس في المصلى على منبر عثمان بن عفان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- كلهم على منبر من طين بناه كثير بن الصلت.
وللبخاريّ من حديث أبي عمرو قال: حدثني نافع، عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يغدو إلى المصلى والعنزة بين يديه تحمل وتنصب بالمصلى بين يديه فيصلي إليها، ترجم عليه حمل العنزة أو الحربة بين يدي الإمام يوم العيد [ (3) ] ، وذكره في باب الصلاة إلى [ (4) ] الحرية،
__________
[ (1) ] (المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية) : 2/ 324، باب الخبيص، حديث رقم (382) .
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1006.
[ (3) ] (فتح الباري) : 20/ 588، كتاب العيدين، باب (14) حمل العنزة- أو الحربة بين يدي الإمام يوم العيد، حديث رقم (973) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : 10/ 756- 757، كتاب الصلاة، باب (92) الصلاة إلي الحربة ولفظة: «إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان تركز له الحربة فيصلي إليها»

(14/302)


من حديث عبيد اللَّه، عن نافع، عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يركز الحربة قدامه يوم الفطر، ويوم النحر يصلي إليها.
وخرجه أبو داود بهذا السند ولفظه: عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه فيصلي إليها والناس وراءه، وكان يفعل ذلك في السفر فمن، ثم اتخذها الأمراء [ (1) ] .
وخرّجه مسلم من حديث عبيد اللَّه، عن نافع، عن ابن عمر. أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه فيصلي إليها والناس وراءه، وكان يفعل ذلك في السفر، فمن ثم اتخذها الأمراء [ (2) ] .
ومن حديث أبى بكر بن أبي شيبة وابن نمير قالا: حدثنا أبو خالد، عن عبيد اللَّه، عن نافع، عن ابن عمر. أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يصلي إلى راحلته. وقال ابن نمير: إن النبي (ص) صلى إلى بعير [ (3) ] .
والبخاري من حديث فليح بن سليمان، عن سعيد بن الحارث، عن جابر ابن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق [ (4) ] .
وخرّجه أبو داود من حديث عبد اللَّه- يعني ابن عمر- عن نافع، عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أخذ يوم العيد في طريق، ثم رجع من طريق آخر [ (5) ] .
__________
[ (1) ] (سنن أبي داود) : 10/ 442- 443، كتاب الصلاة، باب (102) ما يستر المصلي، حديث رقم (687)
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 464، كتاب الصلاة باب (47) رقم (245) سترة المصلي، حديث رقم (245)
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (248) .
[ (4) ] (فتح الباري) : 2/ 599، كتاب العيدين، باب (24) من خالف الطريق إذا رجع يوم العيد، حديث رقم (986) .
[ (5) ] (سنن أبي داود) : 1/ 683- 684، كتاب الصلاة، باب (54) الخروج إلى العيد في طريق، ويرجع في طريق، حديث رقم (1156) .

(14/303)


وخرّج عمر بن شبّة من حديث خالد بن إلياس، عن يحيي بن عبد اللَّه بن الرحمن، عن أبيه، قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: كان يأتى العيد ماشيا على باب سعد بن أبي وقاص، ويرجع على أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-.
وخرّج البخاري من حديث الليث، عن ابن فرقد، عن نافع، أن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أخبره قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يذبح بالمصلي [ (1) ] .
ولعمر بن أبى شيبة من حديث عبد العزيز بن عمران، عن ابن قسط الليثي، عن أبيه، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا قدم من سفر فمرّ بالمصلي استقبل القبلة، ووقف يدعو.
وله من حديث يزيد بن هارون قال: أنبأنا ابن أبي ذؤيب، عن الزهري أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يكبر يوم الفطر من حين يخرج من منزلة حتى يأتى المصلى وحتى يفرغ من الصلاة، فإذا فرغ من الصلاة قطع.
ومن حديث حماد بن سلمة، عن أبي التياح، عن عبيد اللَّه بن الهزيل- أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم صلى الفجر في مسجده، ثم ذهب إلى المصلي فقعد يحثهم ويذكرهم، فلما بسطت الشمس- قال: لو صلينا، فصلى ثم خطب.
وخرّج البخاري من حديث سفيان بن عيينة، عن عبيد اللَّه بن أبي بكر سمع عباد بن تميم، عن عمه قال: خرج النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى المصلى يستسقي واستقبل القبلة. فصلى ركعتين وقلب رداءه- قال سفيان: فأخبرني المسعودي، عن أبي بكر- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: جعل اليمين على الشمال. ترجم عليه باب الاستسقاء في المصلى [ (2) ] ، وذكره في باب تحويل الرداء في الاستسقاء [ (3) ] .
وخرّجه مسلم ولفظه: خرج النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلي المصلي فاستسقي واستقبل.
القبلة وقلب رداءه وصلي ركعتين [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 10، كتاب الأضاحي، باب (6) الأضحى والنحر بالمصلي، حديث رقم (5552) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 2/ 654، كتاب الاستسقاء، باب (19) الاستسقاء في المصلي، حديث رقم (1027) .
وأبو بكر هو ابن محمد بن عمرو بن حزم.
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (1012) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 6/ 440، كتاب صلاة الاستسقاء، حديث رقم (2) .

(14/304)