إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع

فصل في ذكر أنه كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دار ينزل بها للوفود، ويقال لها اليوم: دار الضيافة
ذكر الواقدي، عن حبيب بن عمر السلاماني كان يحدث قال: قدمنا وفد سلامان علي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ونحن سبعة نفر، فانتهينا إلى باب المسجد، فصادفنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خارجا من المسجد إلى جنازة دعي إليها، فلما رأيناه قلنا: السلام عليكم يا رسول اللَّه ... فذكر القصة: وفيها: أنه أمر ثوبان بإنزالهم في دار رملة بنت الحارث، وأنهم لما سمعوا الظهر أتوا المسجد فصلوا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأنه سأل النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فقال: يا رسول اللَّه، ما أفضل الأعمال؟ قال: الصلاة في وقتها. وأنه سأل عن رقية العين وذكرها، فأذن له فيها [ (1) ] .
وذكر ابن إسحاق، والواقدي في خبر بنى قريظة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حبسهم في دار رملة بنت الحارث النجاريّة. وذكر الواقدي أن وفد تميم نزل على رملة بنت الحارث وهم عيينة بن حصن وخارجة بن حصين، وقيس بن الحارث، وذلك حين قدموا المدينة علي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مسلمين.
وذكر أبو جعفر محمد بن جرير الطبري أن وفد بني كلاب وهم ثلاثة عشر، فيهم لبيد بن ربيعة، إذ وفدوا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فنزلوا على رملة [ (2) ] هذه.
__________
[ (1) ] (الإصابة) : 2/ 22 ترجمة رقم (1594) .
[ (2) ] رملة بنت الحارث بن ثعلبة بن الحارث بن زيد الأنصارية النجارية.
ذكرها ابن حبيب في المبايعات، وذكر ابن إسحاق في (السيرة النبويّة) : أن بني قريظة لما حكم فيهم سعد بن معاذ حبسوا في دار رملة بنت الحارث امرأة من الأنصار من بني النجار.
قلت: وتكرر ذكرها في السيرة. وأما الواقدي فيقول: رملة بنت الحدث، بفتح الدال المهملة بغير ألف قبلها. وقال ابن سعد: رملة بنت الحارث، وهو الحارث بن ثعلبة ابن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، تكنّى أم ثابت وأمها كبشة بنت ثابت بن النعمان بن حرام، وزوجها معاذ بن الحارث بن رفاعة.
(الإصابة) : 7/ 651، ترجمة رقم (11183) .

(14/305)


وذكر عمر بن شيبة في كتاب (أحياء المدينة) أن الدار التي يقال لها الدار الكبرى إنما سميت بذلك لأنها أول دار بناها أحد من المهاجرين بالمدينة وكان عبد الرحمن بن عوف ينزل فيها ضيفان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وكانت أيضا تسمى دار الضيفان، وقد بنى فيها النبي صلى اللَّه عليه وسلم بيده. وذكر السهيليّ أن وفد بني حنيفة نزلوا في دار كبشة بنت الحارث.

(14/306)


فصل في ذكر من كان يلي أمر الوفود على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وإجازته الوفد [ (1) ]
اعلم أنه ولي أمر الوفود لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم غير واحد، منهم: خالد بن
__________
[ (1) ] بوب البخاري في كتاب الجهاد باب جوائز الوفود، وخرج عن ابن عباس: أوصى النبي صلى اللَّه عليه وسلم عند موته بثلاث منها: أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم. وفي طبقات ابن سعد أجاز رسول فروة بن عمرو الجذامي عامل قيصر على عمان باثني عشر أوقية ونشّ، قال: وذلك خمسمائة درهم، وفيها أيضا: أن وفد تميم لما وردوا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أمر لهم بالجوائز، كما كان يجيز الوفد، وذكر أن امرأة من بني النجار قالت: أنا انظر إلى الوفد يومئذ يأخذون جوائزهم عند بلال ثنتى عشرة أوقية ونشا، قلت: وقد رأيت غلاما أعطاه يومئذ وهو أصغرهم خمس أوراق يعني عمرو بن الأهتم وفيها أيضا: أن وفد عبد القيس لما قدموا عليه عليه السلام أمر لهم بجوائز وفضل عليهم عبد اللَّه الأشجّ فأعطاه اثنى عشر أوقية ونشا.
وفي (المواهب أن وفد بهرام- وهم قبيلة من قضاعة- وكانوا ثلاثة عشر رجلا أقاموا أياما ثم ودعوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأمر لهم بوائز قال الزرقانى: لم يبين قدرها. وفي (المواهب) أيضا أن وفد غسان وكانوا ثلاثة عشر نفرا فأسلموا وأجزهم عليه السلام بجوائز وانصرفوا. وذكر فيها أيضا وفد سلامان- بطن من قضاعة- كانوا سبعة نفر فأمر لهم بالجوائز. ذكر الزرقانى: فأعطيت خمس أواقي فضة لكل رجل منا، واعتذر إلينا بلال وقال: ليس عنده مال اليوم فقلنا ما أكثر هذا وأطيبه.
وترجم فيها أيضا لوفد عامر- بطن من الأزد باليمن- وكانوا عشرة فأقروا بالإسلام، وكتب لهم كتابا فيه شرائع الإسلام وأمر أبيّ بن كعب أن يعلمهم القرآن، وأجازهم عليه السلام.
قال الزرقاني. كما كان يجيز الوفود وهو تشبيه في أصل الجائزة لأنه لم يكن له جائزة مخصوصة وإنما يدفع ما اتفق وجوده وهو يتفاوت قلة وكثرة، فقد أجاز بخمس أواق، وبعشر، وباثني عشر وبأزيد، وفي (طبقات ابن سعد) لدى الكلام على وفد بني حنيفة: فلما أرادوا الرجوع إلى بلادهم أمر لهم النبي صلى اللَّه عليه وسلم بجوائزهم خمس أواق لكل رجل فقالوا: يا رسول اللَّه إنا خلفنا صاحبا لنا في رحالنا يبصرها لنا وفي ركابنا يحفظها علينا فأمر له بمثل ما أمر به لأصحابه، وقال: ليس بشركم مكانا لحفظه ركابكم، ورحالكم، وكان الرجل المذكور مسيلمة الكذاب. وفي (الطبقات) أيضا لدى ترجمة أشج عبد القيس: وأمر عليه السلام للوفد بالجوائز وفضل عليهم عبد اللَّه الأشجّ، فأعطاه اثني عشر أوقية ونشا، وكان ذلك أكثر ما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يجيز به الوفد. (التراتيب الإدارية) : 1/ 451- 452.

(14/307)


سعيد بن العاصي [ (1) ] ، وبلال المؤذن [ (2) ] ، وثوبان [ (3) ]- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-.
__________
[ (1) ] سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف.
ذكره ابن حبان في (الصحابة) : فوهم فيه وهما شنيعا، وأعجب من ذلك أنه قال: هو المكبر الّذي زوج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أم حبيبة.
وقال ابن أبي داود في (المصاحف) : حدثنا العباس بن الوليد بن زيد أخبرنى أبي، أنبأنا سعيد بن عبد العزيز أن عربية القرآن أقيمت على لسان سعيد بن العاص، لأنه كان أشبههم لهجة برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وقتل العاص أبوه يوم بدر مشركا، ومات جده سعيد بن العاص قبل بدر مشركا. (الإصابة) : 3/ 288- 289، ترجمة رقم (3768) .
[ (2) ] بلال بن رباح الحبشي المؤذن، وهو بلال بن حمامة، وهي أمه اشتراه أبو بكر الصديق من المشركين لما كانوا يعذبونه على التوحيد، فأعتقه، فلزم النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأذّن له، وشهد معه جميع المشاهد، وآخى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح، ثم خرج بلال بعد النبي (ص) مجاهدا قال أبو نعيم: كان ترب أبي بكر، وكان خازن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
وروى أبو إسحاق الجوزجاني في (تاريخه) ، من طريق منصور، عن مجاهد، قال: قال عمار- كلّ فذ قال: ما أرادوا- يعني المشركين- غير بلال.
ومناقبه كثيرة مشهورة، قال ابن إسحاق: كان لبعض بني جمح مولد من مولديهم، واسم أمه حمامة. وكان أمية بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة، ويطرحه على ظهره في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة علي صدره، ثم يقول: لا يزال على ذلك حتى يموت أو يكفر بمحمد، فيقول- وهو في ذلك: أحد أحد. فمرّ به أبو بكر فاشتراه منه بعبد له أسود جلد. قال البخاري: مات بالشام زمن عمر. وقال ابن كثير: مات في طاعون عمواس. وقال عمرو بن علي: مات سنة عشرين. وقال ابن زبر: مات بدارنا.
وفي (المعرفة) لابن مندة: أنه دفن بحلب. (الإصابة) : 1/ 326- 327، ترجمة رقم (736) .
[ (3) ] ثوبان- مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، صحابيّ مشهور. يقال: إنه من العرب حكمي من حكم بن سعد بن حمير، وقيل من السراة، اشتراه، ثم أعتقه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فخدمه إلى أن مات، ثم تحول إلى الرملة ثم حمص، ومات بها سنة أربع وخمسين، قاله ابن سعد وغيره.
وروى ابن السكن، من طريق يوسف بن عبد الحميد، قال: لقيت ثوبان فحدثني أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دعا لأهله، فقلت، أنا من أهل البيت، فقال في الثالثة: نعم ما لم تقم علي باب سدة أو تأتي أميرا تسأله.

(14/308)


فذكر ابن إسحاق والواقدي أن خالد بن سعيد بن العاصي كان يمشي بين وفد ثقيف وبين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى كتبوا كتابهم بيده، وأنهم كانوا لا يطعمون طعاما يأتيهم من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى يأكل منه خالد حتى أسلموا وفرغوا من كتابهم.
وذكر في وفد ثقيف أيضا أن بلالا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان يأتيهم بفطرهم ويخيل إليهم أن الشمس لم تغب فيقولون: ما هذا من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلا لننظر كيف إسلامنا؟ فيقولون: يا بلال ما غابت الشمس بعد؟ فيقول بلال ما جئتكم حتى أفطر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وكان بلال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يأتيهم بسحورهم [ (1) ] .
وقد تقدم خبر ثوبان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في وفد سلامان أنه أنزلهم في دار رملة.

ذكر ما كان صلى اللَّه عليه وسلم يجيز به الوفود
قال ابن دريد: الجائزة [ (2) ] كلمة إسلامية محدثة، أصلها أن أميرا قالها
__________
[ () ] وروى أبو داود من طريق عاصم، عن أبي العالية، عن ثوبان، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: من يتكفل لي ألا يسأل الناس وأتكفل له بالجنة؟ فقال ثوبان: أنا، فكان لا يسأل أحدا شيئا. (الإصابة) : 1/ 413، ترجمة رقم (968) .
[ (1) ] في بعض النسخ: «وطن» ، وفي بعضها: «فطن» وقال يونس بن بكير في (زيادات المغازي) : حدثني إسماعيل بن إبراهيم الأنصاري، حدثني عبد الكريم، حدثني علقمة بن سفيان، قال: كنت في الوفد من ثقيف، فضربت لنا قبة، فكان بلال يأتينا بفطرنا من عند النبي صلى اللَّه عليه وسلم. (الإصابة) : 4/ 552، ترجمة رقم (5675) ، علقمة بن سفيان.
[ (2) ] والجائزة: العطية، وأصله أن أميرا واقف عدوا وبينهما نهر فقال: من جاز هذا النهر فله كذا، فكلما جاز منهم واحد أذخ جائزة. أبو بكر في قولهم: أجاز السلطان فلانا بجائزة: أصل الجائزة: أن يعطي الرجل الرجل ماء ويجيزه ليذهب لوجهه، فيقول الرجل إذا ورد ماء يقول لقيم الماء: أجزنى ماء أي أعطني ماء حتى أذهب لوجهي وأجوز عنك، ثم كثر هذا حتى سموا العطية جائزة. (لسان العرب) : 5/ 327.

(14/309)


لعدوّ بينه وبينهم جائزة، فقال: من جاز هذا النهر فله كذا، وكان الرجل يعبر فيأخذه، فيقال: أخذ جائزة.
وقال ابن أبي طاهر: كان أمير الجيش فطن [ (1) ] بن عوف الهيلاني، كان عبد اللَّه بن عامر استعمله علي كرمان وكان فطن أعطي على جواز النهر أربعة آلاف ألف. فأتى ابن عامر أن تحسها له، فكتب إليه عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن يحسبها أجبها، وقتل في ذلك، فدى للأكرس بن بني هلال على علاتهم أهلي ومالي هم سبوا الجوائز في معد فصارت سنة في إحدى الليالي.
وقال ابن قتيبة: أصل الجائزة أن وطنا هذا ولي فارس لعبد اللَّه بن عامر فمر به الأحنف في حبسه غازيا فوقعه لهم على قنطرة الكرّ فيعطي الرجل على قدره فلما كثروا قال: أجيزوهم، فأجيزوا فهو أول من سنّ الجوائز.
خرج أبو نعيم، عن محمد بن عمر الواقدي قال: قدم وفد بني مرة بن [ (2) ] قيس ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في المسجد فقال الحارث بن عوف: يا رسول اللَّه نحن قومك وعشيرتك من بني لؤيّ بن غالب، فتبسم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ثم قال للحارث بن عوف: أين تركت أهلك؟ قال: بسلام [ (2) ] ، وما والاها، قال:
وكيف البلاد؟ قال: واللَّه إنا لمسنتون [ (3) ] وما في المال مح [ (4) ] ، فادع اللَّه تبارك وتعالى لنا قال: فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اللَّهمّ اسقهم الغيث [ (5) ] ، فأقاموا أياما، ثم أرادوا الانصراف إلى بلادهم، فجاءوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مودعين له، فأمر بلالا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن يجيزهم فأجازهم بعشر أواق من فضة لكل واحد، وفضّل الحارث بن عوف فأعطاه اثنتي عشرة أوقية، ورجعوا إلى بلادهم فوجدوا البلاد مطيرة، فسألوا: متى مطرتم؟ فإذا هو ذلك اليوم الّذي دعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لهم، فقدم عليه قادم وهو يتجهز لحجة الوداع فقال:
__________
[ (1) ] (قدم وفد بني مرة لرسول اللَّه. ص) ، مرجعه من تبوك في سنة تسع، وهم ثلاثة عشر رجلا، ورأسهم الحارث ابن عوف. (طبقات ابن سعد) : 1/ 297- 298.
[ (2) ] في (الأصل) : «بسلام» ، وفي (طبقات ابن سعد) : «بسلاح»
[ (3) ] لمسنتون: لمجدبون، من الجدب والقحط.
[ (4) ] المح: الثوب البالي الخلق.
[ (5) ] (البداية والنهاية) : 5/ 103- 104.

(14/310)


يا رسول اللَّه رجعنا إلى بلادنا فوجدناها مضبوبة مطرا في ذلك اليوم الّذي دعوت لنا فيه، مما قلد بنا أقلاد الزرع في كل خمس عشرة مطرا جوذا، ولقد رأيت الإبل تأكل وهي تروك، وإن غنمنا ما تواري بين أبنائنا، فرجع فيقبل في أهلها، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: الحمد للَّه الّذي صنع ذلك.
قال: وذكر الواقدي بإسناده أيضا أن وفد سلامان قدم على النبي صلى اللَّه عليه وسلم في شوال سنة عشر، فقال لهم: كيف البلاد عندكم؟ قالوا: مجدبة فادع اللَّه تعالى أن يسقينا في بلادنا، فنقر في أوطاننا.
فقال بيده: اللَّهمّ اسقهم الغيث في دارهم، فقالوا: يا رسول اللَّه ارفع يديك فإنه أكثر وأطيب، فتبسم ورفع يديه حتى بدا بياض إبطيه. قالوا:
فأقمنا ثلاثا، وضيافته تجري علينا، ثم جئنا فودعناه، فأمر لنا بالجوائز فأعطانا خمس أواق. كل واحد منا، وتعذر بلال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلينا وقال: ليس عندنا اليوم مال؟ فقالوا: ما أكثر هذا وأطيبه قالوا:
ثم رحلنا إلى بلادنا فوجدناها قد مطرت في ذلك اليوم الّذي دعا فيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في تلك الساعة.
وقال سيف: عن أبي حباب الكلبي، عن زياد بن لقيط، عن الحارث بن حسان الذهلي، ثم العامري [ (1) ] قال: وقع بيننا وبين تميم أمرا بالبحرين
__________
[ (1) ] هو الحارث بن حسان بن كلدة البكريّ، ويقال: الربعيّ والذهليّ، من بني ذهل بن شيبان. ويقال: الحارث ابن يزيد بن حسان، ويقال: حريث بن حسان البكري، والأكثر يقولون: الحارث بن حسان البكري، وهو الصحيح إن شاء اللَّه تعالى.
وفي حديثه قصة وافد عاد، وهو صاحب حديث قيلة- فيما ذكر أبو حاتم- والحارث بن حسان هذا هو الّذي سأله رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن حديث قوم عاد، وكيف هلكوا بالريح العقيم، فقال له: يا رسول اللَّه على الخبير سقطت، فذهبت مثلا.
وكان قد قدم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يسأله أن يقطعه أرضا من بلادهم، فإذا عجوز من بني تميم تسأله ذلك، فقال الحارث: يا رسول اللَّه! أعوذ باللَّه أن أكون كقيل بن عمرو وافد عاد. فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كما قال الأول، فقال: على الخبير سقطت. فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أعالم أنت بحديثهم؟ قال: نعم، نحن ننتجع بلادهم، وكان آباؤنا يحدثوننا عنه، يروى ذلك الأصغر عن الأكبر. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إيه! يستطعمه.

(14/311)


اعترضنا فيه على العلاء بن الحضرميّ، وجلسنا عنده، فبعث رجل من بني تميم إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بأن ربيعة قد كفرت ومنعت الصدقة فبلغ ذلك ربيعة فبعثوا إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بطاعتهم فمررت بالربذة فإذا أنا بامرأة من بني تميم قد بقيت [ (1) ] راحلتها تريد النبي صلى اللَّه عليه وسلم فحملتها حتى أدخلتها المدينة وسبقني التميمي إلي النبي صلى اللَّه عليه وسلم فحملتها حتى أدخلتها المدينة وسبقني التميمي إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى المدينة يخبر العلاء، فأمر عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وعقد له لواء وخرج إلى منبره يحث الناس على غزو ربيعة بالبحرين، فانتهى إلى المسجد وإذا اللواء تزكون، وإذا النبي صلى اللَّه عليه وسلم على المنبر عصب رأسه بخرقة حمراء شال، وهو يقول: إن العلاء والمنذر كتبا إليّ أن ربيعة قد كفرت وضعت الزكاة، فمن ينتدب مع عمرو بن العاص؟ فناديته والناس بيني وبينه:
أبا الحرث بن حسان، رسول ربيعة إليك بالطاعة، فأعوذ باللَّه أن أكون كوافد عاد، فنزل واديا ينبت منه، فوضع يده على منكبي، وذهب في نحو منزله ووضع البعث وسرح عمرا، - رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، في وجه غيره وقال لي: ما وافد عاد؟ فحدثته بحديثهم، فأدخلنى فسألني، فأخبرته، فقال لي: ما يصلح بينكم وبين تميم؟ فقلت له: إن الدهناء وفلانة وفلانة كانت لنا في أمن الدهر فدخلوا علينا فيهن، ولا يصلح ما بيننا وبينهم حتى نجد لنا ولهم حدا لا يجوزه أحد من الفريقين إلى الآخر، الا ناد به، فدعا بلالا- رضي اللَّه
__________
[ () ] الحديث. فذكر الخبر أهل الأخبار وأهل التفسير للقرآن: سنيد وغيره.
روى له أحمد، والترمذي، والنسائيّ وابن ماجة، وفي بعض طرق حديثه أنه وفد على النبي صلى اللَّه عليه وسلم. وروي عنه أو وائل وسماك بن حرب وإياد بن لقيط.
وقال البغوي: كان يسكن البادية، روي الطبراني من طريق سماك بن حرب قال: تزوج الحارث بن حسان وكانت له صحبة. وكان الرجل إذا عرّس تخدّر أياما، فقيل له في ذلك، فقال: واللَّه إن امرأة تمنعني صلاة الغداة في جمع لامرأة سوء.
وفي حديثه أن قدومه كان أيام بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عمرو بن العاص في غزوة السلاسل. ووقفت في (الفتوح) أن الأحنف لما فتح خراسان بعث الحارث بن حسان إلى سرخس، فكأنه هذا. (الإصابة) : 1/ 569 570، ترجمة رقم (13970) (الاستيعاب) : 1/ 285- 286، ترجمة رقم (399) .
[ (1) ] كذا في (الأصل) ، ولعله: «نفقت» .

(14/312)


تبارك وتعالى عنه- برق وإداوة، واستأذنت التميمة [......] وإن الكتاب ليكتب: أن لبني تميم ما دون الدهناء ولم يبعه ما وراءها إلى البحرين، فقالت:
إن ما بين الدهناء والبحرين لبني تميم في الجاهلية، وأسلموا عليها فأين تضيق يا محمد على مضرك؟ فعاد النبي صلى اللَّه عليه وسلم لصفة أخرى، قالته المرأة وصدقت، وكتب ما بين البحرين إلى الشام من بياض العراق، فناديت فوددت أن لا أكون تركتها حتى تأكلها السباع! ألا أرى كحامل جيفة في طلعة، فضحك النبي صلى اللَّه عليه وسلم مني ومنها وقال: أذكرا حاجتكما فقضي [ (1) ] لنا حوائجنا وأجازوا إجازتي بفراش من ذهب وفضة وكساءها، وأجاد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم العلاء بفراش من ذهب وفضة وكساءه، ثم رجعنا بالعافية [ (2) ] .
وذكر الواقدي وفد بني تميم، قال: حدثني ربيعة بن عثمان، عن شيخ أخبره أن امرأة من بني النجار قالت: أنا انظر إلى الوفد يومئذ يأخذون جوائزهم من عند بلال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- اثنتي عشرة أوقية ونشا، وقالت: وقد رأيت غلاما أعطاه يومئذ وهو أصغرهم خمس أواق ونشّا قلت: وما النشّ؟ قالت: نصف أوقية [ (3) ] .
__________
[ (1) ] في (الأصل) : «بعض» .
[ (2) ]
وهذا الكتاب أخرجه صاحب (مجموعة الوثائق السياسية) : 146، وثيقة رقم (142) كما يلي: عن قيلة أن حريث بن حسان الشيباني كان وافد بنى بكر بن وائل فبايعه صلى اللَّه عليه وسلم على الإسلام عليه وعلى قومه، ثم قال: يا رسول اللَّه، اكتب بيننا وبين بنى تميم بالدهناء، لا يجاوزنا إليها منهم أحد إلا مسافر أو مجاور.
فقال: اكتب له يا غلام بالدهناء. قالت قيلة: فلما رأيته قد أمر له بها لشخص بى وهي وطني وداري، فقلت: يا رسول اللَّه! إنه لم يسألك السوية من الأرض إذ سألك، إنما هي هذه الدهناء مقيد الجمل، ومرعى الغنم، ونساء تميم وأبناؤها وراء ذلك.
قال صلى اللَّه عليه وسلم: أمسك يا غلام، صدقت المسكينة. المسلم أخو المسلم، يسعهما الماء والشجر، ويتعاونان على الفتان ... وكتب لها في قطعة من أديم أحمر: لقيلة وللنسوة بنات قيلة، أن لا يظلمن حقا، ولا يكرهن على منكح، وكل مؤمن مسلم لهن نصير، أحسنّ ولا تسئن.
والخبر بتمامة في: (مسند أحمد) : 4/ 531- 532، حديث رقم (15523) ، (15524) من حديث الحارث بن حسان البكري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وابن كثير في (البداية والنهاية) : 5/ 99، وفادة الحارث بن حسان البكري إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
[ (3) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 294- 295.

(14/313)


وقال الواقدي: حدثني يعقوب بن محمد الظفري، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه قال: رأيت تحته من زوجة صاحب أيلة يوم أتي به النبي صلى اللَّه عليه وسلم من ذهب وهو معقود الناصية فلما رأي النبي صلى اللَّه عليه وسلم كفّر [ (1) ] وأومأ برأسه فأومأ إليه صلى اللَّه عليه وسلم: ارفع رأسك، وصالحة يومئذ وكساه برد يمنة، وأمر له بمنزل بلال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-

فصل في ذكر ضيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
قال ابن سيدة: والضيف المضيف يكون للواحد والجمع كعدل وخصم [ (2) ] ، وفي التنزيل: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ [ (3) ] . وفيه: قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ [ (4) ] .
وقد كان أبو أيوب [ (5) ] خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة الأنصاري النجّاريّ ضيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في خروجه صلى اللَّه عليه وسلم من بني عمرو بن عوف، حين قدم المدينة مهاجرا من مكة، فلم يزل عنده حتى بني مسجده ومساكنه، فانتقل إليها.
قال الليث. عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير، عن أبي رهم السماعيّ قال: إن أبا أيوب الأنصاريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- حدثه قال: نزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في بيتنا الأسفل وكنت في الغرفة، فأمر يوما في الغرفة فقمنا أنا وأم أيوب بقطيفة نتبع الماء شفقه أن يخلص إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ونزلت إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقلت: يا رسول اللَّه إنه ليس ينبغي أن نكون فوقك! انتقل إلى الغرفة، فأمر صلى اللَّه عليه وسلم بمتاعه أن ينقل، ومتاعه قليل. وذكر الحديث، وتوفي أبو أيوب- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- غازيا بالقسطنطينية من بلاد الروم سنة اثنين وخمسين، وقيل غير ذلك، وكان مع عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في حروبه كله [ (6) ] .
__________
[ (1) ] كفّر: انحنى، وكانت هذه تحيتهم.
[ (2) ] (لسان العرب) : 9/ 209.
[ (3) ] الذاريات: 24.
[ (4) ] الحجر: 68.
[ (5) ] له ترجمة في: (الإصابة) : 2/ 234- 235، ترجمة رقم (2165) .
[ (6) ] (عن الأصمعي، عن أبيه أن أبا أيوب قبر مع سور القسطنطينية وبني عليه، فلما أصبحوا، قالت الروم:.

(14/314)