إمتاع
الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع فصل فيما جاء في آخر صلاة صلاها رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالناس، من أولها إلى آخرها، وأول صلاة أمر
أبا بكر الصديق أن يصليها بالناس، والصلاة التي حضرها صلى اللَّه عليه وسلم
حين وجد من نفسه خفة، وصلاة أبي بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بهم فيما
بينهما أياما
قال البيهقيّ: أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، وأبو القاسم الحسن بن محمد
ابن حبيب من أصله قالا: حدثنا أبو عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه الصفار
إملاء، قال: حدثنا عبيد بن شريك، قال: حدثنا يحيى بن عبد اللَّه بن بكير،
قال: حدثنا الليث بن سعد، عن عقيل بن خالد، عن ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن
عبد اللَّه، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- عن أم الفضل بنت
الحارث، أنها قالت:
سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقرأ في المغرب ب وَالْمُرْسَلاتِ
عُرْفاً [ (1) ]
ما صلى لنا بعدها، حتى قبضه اللَّه، قال البيهقيّ: رواه البخاريّ في الصحيح
عن ابن بكير.
وأخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال:
حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني، قال: حدثنا يوسف بن بهلول، قال:
حدثنا عبدة بن سليمان، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد اللَّه ابن
عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس، عن أم الفضل، قالت: خرج إلينا رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو عاصب رأسه في مرضه، فصلى بنا المغرب فقرأ
ب وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً فما صلى بعدها حتى لقي اللَّه تبارك وتعالى.
قال البيهقي: وإنما أرادت واللَّه- تبارك وتعالى عنه أعلم- بالناس مبتدأ
بها، فإنما توفي صلى اللَّه عليه وسلم نهارا. [ (2) ]
__________
[ (1) ] المرسلات: 1.
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 190.
(14/462)
قال البيهقي: أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان،
قال: أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار، قال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق، قال: حدثنا
أحمد بن يونس قال: حدثنا زائدة بن قدامة، قال: حدثنا موسي بن أبي عائشة، عن
عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، قال: دخلت على عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنها- فقلت: ألا تحدثيني عن مرض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فقالت:
بلي ثقل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: أصلى بالناس؟ فقلنا: لا،
هم ينتظرونك يا رسول اللَّه فقال صلى اللَّه عليه وسلم ضعوا لي ماء في
المخضب، قالت: ففعلنا، فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق، فقال:
أصلى الناس؟ فقلنا: لا هم ينتظرونك يا رسول اللَّه، فقال: ضعوا لي ماء في
المخضب. قالت: فعلنا، فاغتسل ثم ذهب لينوء، فأغمي عليه، ثم أفاق فقال: أصلى
الناس؟ فقلنا: لا هم ينتظرونك يا رسول اللَّه فقال: ضعوا لي ماء في المخضب.
قالت ففعلنا، فاغتسل، ثم ذهب لينوء، فأغمي عليه، ثم أفاق فقال: أصلى الناس؟
فقلنا: لا، وهم ينتظرونك، والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم صلاة العشاء قالت: فأرسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم إلى أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يصلى الناس، فقالت: فأتاه
الرسول فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس
فقالت: فأتاه الرسول فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأمرك أن
تصلي بالناس. فقالت: فأتاه الرسول فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم يأمرك أن تصلى بالناس. فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه
وكان رجلا رقيقا: يا عمر صل بالناس، فقال له عمر: أنت أحق بذلك مني قالت:
فصلى بهم أبو بكر تلك الأيام ثم إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجد
من نفسه خفة، فخرج بين رجلين أحدهما العباس، لصلاة الظهر، وأبو بكر- رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه يصلي بالناس. قالت: فما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر،
فأومأ إليه النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن لا يتأخر، وقال لهما: أجلسانى
إلى جنبه، فأجلساه إلى جنب أبي بكر، قالت: فجعل أبو بكر- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه- يصلي وهو قائم بصلاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم والناس
يصلون بصلاة بصلاة أبى بكر، والنبي صلى اللَّه عليه وسلم قاعد. قال عبيد
اللَّه: فدخلت على عبد اللَّه بن عباس، فقلت: ألا أعرض
(14/463)
عليك ما حدثتني عائشة- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنها- عن مرض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قال: هات، فعرضت
عليه حديثها. فما أنكر منه شيئا، غير أنه قال:، سمّت لك الرجل الآخر الّذي
كان مع العباس؟ قال: لا. قلت: هو عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- رواه
البخاري ومسلم في الصحيح، عن أحمد بن يونس.
قال البيهقيّ: وفي هذه الرواية الصحيحة، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم
تقدم في تلك الصلاة، وعلّق أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- صلاته
بصلاته.
وكذلك رواه الأسود بن يزيد، وابن أختها عروة بن الزبير، وكذلك رواه الأرقم
بن شرحبيل، عن عبد اللَّه بن عباس.
وقد أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين العلويّ، قال: أخبرنا أبو حامد ابن
الشرقيّ، قال حدثنا إبراهيم بن عبد اللَّه، قال: حدثنا شبابة بن سوار، قال:
حدثنا شعبة، عن نعيم بن أبي هند، عن أبي وائل، عن مسروق، عن عائشة- رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنها-: قالت: صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في
مرضه الّذي مات فيه خلف أبى بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قاعدا وكذلك
روى عن الأسود، عن عائشة في إحدى الرواتين عن الأعمش.
قال البيهقيّ: أخبرنا أبو الحسن بن الفضل بن القطّان ببغداد، قال:
أخبرنا عبد اللَّه بن جعفر درستويه، قال: حدثنا يعقوب بن سفيان، قال:
حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا شعبة، عن سليمان الأعمش، عن إبراهيم، عن
الأسود، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: أن النبي صلى اللَّه
عليه وسلم صلى خلف أبي بكر. وكذلك روى حميد، عن أنس بن مالك، ويونس عن
الحسن، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم مرسلا.
قال البيهقيّ: أخبرنا أبو الحسن عليّ بن محمد المقرئ، قال: أخبرنا الحسن بن
محمد بن إسحاق، قال: حدثنا يوسف بن يعقوب، قال: أخبرنا أبو الربيع قال:
حدثنا هشيم، قال: أخبرنا يونس، عن الحسن، قال: وأخبرنا حميد عن أنس بن
مالك، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خرج وأبو بكر يصلي بالناس، فجلس
إلى جنبه وهو في بردة قد خالف بين طرفيها، فصلى بصلاته.
وأخبرنا عليّ بن أحمد بن عبدان، قال: أخبرنا أحمد بن عبيد، قال:
(14/464)
حدثنا عبيد بن شريك، قال: حدثنا إبراهيم بن
أبي مريم، قال: حدثنا محمد ابن جعفر، قال: أخبرنا حميد، أنه سمع أنسا يقول:
آخر صلاة صلاها النبي صلى اللَّه عليه وسلم مع القوم في ثوب واحد، ملتحفا
به خلف أبى بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كذا قاله محمد بن جعفر بن
أبي كثير. ورواه سليمان بن بلال عن حميد عن ثابت البنانيّ، عن أنس بن مالك-
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكذلك قاله يحيى بن أيوب عن حميد.
أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسي بن الفضل، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن
يعقوب، قال: حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني، قال: حدثنا ابن أبي مريم، قال:
أخبرنا يحيى بن أيوب، قال: حدثنا حميد الطويل، عن ثابت البنانيّ، حدثه عن
أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم صلى خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في ثوب واحد، برد
مخالفا بين طرفيه. فلما أراد أن يقوم قال: ادع لي أسامه بن زيد، فجاء فأسند
ظهره إلي نحره. فكانت آخر صلاة صلاها.
وفي هذا دلالة على هذه الصلاة، هي التي صلاها خلف أبي بكر- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه- كانت صلاة الصبح. فإنّها آخر صلاة صلاها، وهي التي دعا
أسامة بن زيد حين فرغ منها، فأوصاه في مسيره بما ذكره أهل المغازي.
قال البيهقي: فالذي تدل عليه هذه الروايات مع ما تقدم، أن النبي صلى اللَّه
عليه وسلم صلي خلفه في تلك الأيام التي كان يصلي بالناس مرة، وصلى أبو بكر
خلفه مرة وعلى هذا حملها الشافعيّ- رحمه اللَّه- في مغازي موسى بن عقبة
وغيره، بيان الصلاة التي صلي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعضها خلف
أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهي صلاة الصبح من يوم الاثنين.
وفيما روينا عن عبيد اللَّه عن عائشة، وابن عباس بيان الصلاة التي صلاها
أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- خلفه بعد ما افتتحها بالناس وهي
صلاة الظهر من يوم السبت، أو الأحد فلا يتنافيان [ (1) ] واللَّه تعالى
أعلم. [ (2) ]
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 179- 183.
[ (2) ] زيادة للسياق.
(14/465)
ذكر تقرير النبي صلى اللَّه عليه وسلم أبا
بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في آخر صلاة صلاها بالناس في حياته،
وإشارته صلى اللَّه عليه وسلم إليهم قائما بها خلفه وارتضائه صلى اللَّه
عليه وسلم صنعهم وذلك في صلاة الفجر يوم الاثنين، وهو اليوم الّذي توفّي
فيه وقول من زعم أنه صلى اللَّه عليه وسلم خرج فصلى منها ركعة خلف أبي بكر-
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بعد ما أمره بالتقديم ثم صلى لنفسه أخرى خرج
البخاريّ من حديث أبى اليمان، قال: أخبرنا شعيب عن الزهريّ، قال: أخبرنى
أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكان تبع النبي صلى اللَّه عليه
وسلم وخادمه وصحبه قال: إن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان يصلى
لهم في وجع النبي صلى اللَّه عليه وسلم الّذي توفّي فيه، حتى إذا كان يوم
الاثنين- وهم صفوف في الصلاة- فكشف النبي صلى اللَّه عليه وسلم ستر الحجرة
ينظر إلينا وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف- ثم تبسّم يضحك. فهممنا أن نفتتن
من الفرح برؤية النبي صلى اللَّه عليه وسلم فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل
الصف، وظن أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم خارج إلى الصلاة، فأشار إلينا
النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن أتموا صلاتكم. وأرخى الستر، فتوفّي رسول
اللَّه من يومه. ذكره في باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة [ (1) ] .
وخرجه مسلم من حديث صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال: أخبرني أنس بن مالك-
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان يصلي في وجع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم الّذي توفى فيه، فذكره بنحوه أو قريب منه، وخرجه من حديث سفيان بن
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 2/ 209، كتاب الأذان، باب (46) أهل العلم والفضل
أحق بالإمامة، حديث رقم (680) .
(14/466)
عيينة، عن معمر عن الزهري.
وأخرج البخاري من حديث أبي معمر حدثنا عبد الوارث، حدثنا عبد العزيز عن
أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لم يخرج إلينا نبي اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم ثلاثا وأقيمت الصلاة فذهب أبو بكر- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنهما- يتقدم بالحجاب فلما وضح لنا وجه النبي صلى اللَّه عليه وسلم
حين وضح لنا قال:
فأومأ نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيده إلى أبي بكر- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه- أن يتقدم، وأرخى النبي صلى اللَّه عليه وسلم الحجاب فلم يقدر
عليه حتى مات [ (1) ] ، لفظهما فيه متقارب.
قال البيهقي: فهذان عدلان شهدا بذلك على أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه- وقد روى عبد اللَّه بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-
ما يؤكد رواية أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ويشهد لها بالصحة [ (2) ]
.
فذكر ما خرجه مسلم [ (3) ] وأبو داود [ (4) ] والنسائي [ (5) ] من حديث
سفيان بن عيينة قال: أخبرني سليمان بن سحيم، عن إبراهيم بن عبد اللَّه بن
معبد، عن أبيه، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: كشف رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه- فقال: أيها الناس إنه لم يبق من مبشّرات النبوة إلا
الرؤيا الصالحة، يراها المسلم أو ترى له، ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن
راكعا أو ساجدا. فأما
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (681) .
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 195، باب ما جاء في تقرير النبي صلى اللَّه
عليه وسلم أبا بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه على آخر صلاة صلاها بالناس
في حياته، وإشارته إليهم بإتمامها خلفه وارتضائه صنيعهم، وذلك في صلاة
الفجر من يوم الاثنين، وهو اليوم الّذي توفي فيه، وقول من زعم أنه خرج،
فصلى منها ركعة خلف أبي بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه بعد ما أمره
بالتقدم ثم زعم أنه خرج، فصلى منها ركعة خلف أبي بكر بعد ما أمره ثم صلى
لنفسه أخرى. خلف أبي بكر.
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 442، كتاب الصلاة، باب (41) النهي عن
قراءة القرآن في الركوع والسجود، حديث رقم (207) .
[ (4) ] (سنن أبي داود) : 1/ 545- 546، كتاب الصلاة، باب (152) الدعاء في
الركوع والسجود حديث رقم (876) .
[ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 442- 443، حديث رقم (208) قوله: قال أبو
بكر حدثنا سفيان
(14/467)
__________
[ () ] عن سليمان هذا من ورع مسلم وباهر علمه لأن في رواية اثنين عن سفيان
بن عيينة أنه قال: أخبرني سليمان بن سحيم وسفيان معروف بالتدليس وفي رواية
أبي بكر عن سفيان عن سليمان فنبه مسلم على اختلاف الرواة في عبارة سفيان.
قوله: كشف الستارة، هي بكسر السين وهي الستر الّذي يكون على باب البيت
والدار.
قوله صلى اللَّه عليه وسلم نهيت أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا فأما الركوع
فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء.
فقمن أن يستجاب لكم.
وفي حديث علي رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه نهاني رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم أن أقرأ راكعا أو ساجدا فيه النهى عن قراءة القرآن في الركوع
والسجود
وإنما وظيفة الركوع التسبيح ووظيفة السجود التسبيح والدعاء فلو قرأ في ركوع
أو سجود غير الفاتحة كره، ولم تبطل صلاته وإن قرأ الفاتحة ففيه وجهان
لأصحابنا:
أصحهما أنه كغير الفاتحة ولا تبطل صلاته، والثاني يحرم وتبطل صلاته هذا إذا
كان عمدا، فإن قرأ سهوا لم يكره سواء قرأ عمدا أو سهوا يسجد للسهو عند
الشافعيّ، رحمه اللَّه تعالى.
قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «فأما الركوع فعظموا فيه الرب»
أي سبحوه ونزهوه ومجدوه وقد ذكر مسلم بعد هذا الأذكار التي تقال في الركوع
والسجود واستحب الشافعيّ رحمه اللَّه تعالى وغيره من العلماء أن يقول في
ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى، ويكرر كل واحدة
منها ثلاث مرات، ويضم إليه ما جاء في حديث علي رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه
ذكره مسلم بعد هذا: اللَّهمّ لك ركعت، اللَّهمّ لك سجدت ... إلي آخره،
وإنما يستحب الجمع بينهما لغير الإمام وللإمام الّذي يعلم أن المأمومين
يؤثرون التطويل، فإن شك لم يزد على التسبيح، ولو اقتصر الإمام والمنفرد على
تسبيحه واحدة فقال: سبحان اللَّه حصل أصل سنة التسبيح لكن ترك كمالها
وأفضلها.
واعلم أن التسبيح في الركوع والسجود سنة غير واجب، هذا مذهب مالك، وأبي
حنيفة، والشافعيّ رحمهم اللَّه تعالى، والجمهور، وأوجبه أحمد رحمه اللَّه
تعالى، وطائفة من أئمة الحديث، لظاهر الحديث في الأمر به،
ولقوله صلى اللَّه عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي. وهو في صحيح البخاري
وأجاب الجمهور بأنه محمول على الاستحباب واحتجوا بحديث المسيء صلاته، فان
النبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يأمره به، ولو وجب لأمره به، فإن قيل: فلم
يأمره بالنية والتشهد والسلام؟ فقد سبق جوابه عند شرحه.
وقوله صلى اللَّه عليه وسلم: فقمن هو بفتح القاف وفتح الميم وكسرها لغتان
مشهورتان فمن فتح فهو عنده مصدر لا يثنى ولا يجمع، ومن كسر فهو وصف يثنى
ويجمع وفيه لغة ثالثة: قمين بزيادة ياء وفتح القاف وكسر الميم ومعناه: حقيق
وجدير.
وفيه الحث على الدعاء في السجود فيستحب أن يجمع في سجوده بين الدعاء
والتسبيح وستأتي الأحاديث فيه.
قوله «ورأسه معصوب» فيه عصب الرأس عند وجعه. قوله «عبد اللَّه بن حنين» هو
بضم الحاء
(14/468)
الركوع فعظموا فيه الرّب، وأما السجود
فاجتهدوا في الدعاء. فقمن أن يستجاب لكم.
وخرّج مسلم من حديث يحيي عن أيوب، حدثنا إسماعيل بن جعفر قال:
أخبرني سليمان بن سحيم، عن إبراهيم بن عبد اللَّه بن معبد عن ابن عباس- رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن أبيه، عن عبيد اللَّه بن عياض- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنهما- قال: كشف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الستر
ورأسه معصوب في مرضه الّذي مات فيه فقال: اللَّهمّ هل بلغت؟ ثلاث مرات، إنه
لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا. يراها العبد الصالح أو ترى له. ثم ذكر
بمثل حديث سفيان.
وخرجه النسائي من حديث علي بن حجر: حدثنا إسماعيل، وهو ابن جعفر، حدثنا
سليمان، وهو ابن سحيم بهذا الإسناد كما قال مسلم، ثم قال بعد ذلك: ألا وإني
نهيت عن القراءة في الركوع والسجود، فإذا ركعتم فعظموا اللَّه تعالى وإذا
سجدتم فاجتهدوا في الدعاء فإنه قمن أن يستجاب لكم [ (1) ] .
قال البيهقيّ: والّذي يدل عليه حديث أم الفضل بنت الحارث، ثم حديث عبيد
اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن عائشة وابن عباس- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنهم-، ثم حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه- قال: إن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- صلى
بالناس صلاة العشاء الآخرة، ليلة الجمعة. ثم صلى بهم خمس صلوات
__________
[ () ] وفتح النون. قوله فنهاني ولا أقول نهاكم ليس معناه إن النهي مختص به
وإنما معناه أن اللفظ الّذي سمعته بصيغة الخطاب لي فأنا أنقله كما سمعته،
وان كان الحكم يتناول الناس كلهم.
ذكر مسلم الاختلاف على إبراهيم بن حنين في ذكر ابن عباس بين علي وعبد
اللَّه بن حنين- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- قال الدارقطنيّ: من أسقط
ابن عباس أكثر وأحفظ، قلت: وهذا اختلاف لا يؤثر في صحة الحديث، فقد يكون
عبد اللَّه بن حنين سمعه من ابن عباس عن علي، ثم سمعه من علي نفسه، وقد
تقدمت هذه المسألة أوائل هذا الشرح مبسوطة. قوله «نهاني حبي (ص) » هو بكسر
الحاء والباء أي محبوبي. (5) سبق تخريجه.
[ (1) ] سبق تخريجه.
(14/469)
يوم الجمعة، ثم خمس صلوات يوم السبت، ثم
خمس صلوات يوم الأحد، ثم صلى بهم صلاة الصبح يوم الاثنين، وتوفي النبي صلى
اللَّه عليه وسلم من ذلك اليوم، وكان قد خرج فيما بين ذلك حين وجد من نفسه
خفة لصلاة الظهر، إما يوم السبت، وإما يوم الأحد، بعد ما افتتح أبو بكر-
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- صلاته بهم، فافتتح صلاته، وعلقوا صلاتهم
بصلاته، وهو قاعد، وهم قيام وصلى مرة أخرى خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه- في رواية نعيم بن أبي هند ومن تابعه، فيكون جمله ما صلّى بهم
أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في حياة رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم معهما ما افتتحها قبل خروجه سبع عشرة صلاة.
ثم ذكر من طريق الحسين بن الفرج، قال: حدثنا الواقدي قال: سألت أبا بكر بن
أبي سبرة: كم صلى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بالناس؟ قال: سبع
عشرة صلاة. قلت: من أخبرك؟ قال: أيوب بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن أبيه،
عن رجل من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم.
قال البيهقيّ: وقد ذهب موسى بن عقبة، في مغازيه إلي أن النبي صلى اللَّه
عليه وسلم في صلاة الصبح من يوم الاثنين، حتى وقف إلي جنب أبي بكر- رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه- فصلى خلفه ركعة، فلما سلم أبو بكر- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه- أتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الركعة الآخرة.
وكذلك هو في مغازي أبي الأسود عن عروة.
وذلك يوافق ما رويناه عن حميد، عن ثابت، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه- في صلاة النبي صلى اللَّه عليه وسلم خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه- ورواية نعيم بن أبي هند وغيره في حديث عائشة- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنها-، ولا ينافي ما روينا عن الزهري وغيره عن أنس- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه-.
ويكون الأمر فيه محمولا على أنه رآهم وهم صفوف خلف أبي بكر- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه- في الركعة الأولى من صلاة الصبح، فقال ما حكي هو وابن
عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، ثم خرج فأدرك معه الركعة الآخرة، أو
خرج فصلى، ثم قال ما حكيا، فنقلا بعض الخبر ونقل
(14/470)
غيرهما ما تركاه، كما نقل أحدهما فيما رواه
ما ترك صاحبه.
ثم ذكر من طريق محمد بن عتاب العبديّ، وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن
موسى بن عقبة قال: قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم المدينة يعني من
حجة الوداع، فعاش بالمدينة حين قدمها بعد صدرة المحرم واشتكى في صفر، فوعك
أشدّ الوعك، واجتمع إليه نساؤه كلهن يمرضنه، وقال نساؤه: يا رسول اللَّه
إنه ليأخذك وعك ما وجدنا مثله على أحد قط غيرك. فقال رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم: كما يعظم لنا الأجر، كذلك يشتد علينا البلاء.
واشتد عليه الوعك أياما وهو ينحاز إلى الصلوات حتى غلب فجاءه المؤذن، فأذنه
بالصلاة فنهض فلم يستطع من الضعف، ونساؤه حوله، فقال للمؤذن: اذهب إلي أبي
بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فأمره فليصل بالناس فقالت عائشة- رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه- عنها: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إن
أبا بكر رجل رقيق: وإنه إن قام في مقامك بكى فأمر عمر بن الخطاب- رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه- فليصل بالناس، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: مروا
أبا بكر فليصل بالناس. قالت: فعدت، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: مروا أبا
بكر فليصل بالناس، إنكن صواحب يوسف.
قالت فصمت عنه، فلم يزل أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يصلي
بالناس، حتى كانت ليلة الاثنين من شهر ربيع الأول فأقلع عن رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم الوعك، وأصبح مفيقا، فغدا إلى صلاة الصبح يتوكأ على الفضل
بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، وغلام له يدعى ثوبان، ورسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بينهما، وقد سجد الناس مع أبي بكر- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه- من صلاة الصبح، وهو قائم في الأخرى.
فتخلص رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الصفوف يفرجون له، حتى قام إلى جنب
أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فاستأخر أبو بكر- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه- عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأخذ رسول اللَّه بثوبه،
فقدمه في مصلاه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فصفا جميعا، ورسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم جالس، وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قائم
يقرأ القرآن، فلما قضى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قراءته قام
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فركع معه الركعة الآخرة، ثم جلس
(14/471)
أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حين
قضى سجوده يتشهد والناس جلوس فلما سلم، أتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم الركعة الآخرة، ثم انصرف إلى جذع من جذوع المسجد، والمسجد يومئذ سقفه
من جريد وخوص، ليس على السقف كثير طين، وإذا كان المطر امتلأ المسجد طينا،
إنما هو كهيئة العريش.
وكان أسامة بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قد تجهز للغزو، وخرج في
نقله إلى الجرف، فأقام تلك الأيام بشكوى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم،
وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد أمره على جيش عامتهم المهاجرون،
فيهم عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وأمره رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم يغير على مؤتة، وعلى جانب فلسطين حيث أصيب زيد بن حارثة،
وجعفر بن أبي طالب، وعبد اللَّه بن رواحة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-
فجلس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى ذلك الجذع، واجتمع إليه
المسلمون يسلمون عليه، ويدعون له بالعافية، ودعا رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم أسامة بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-.
فقال: أغد على بركة اللَّه، والنصر والعافية، ثم أغر حيث أمرتك أن تغير،
قال أسامة بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا رسول اللَّه قد أصبحت
مفيقا وأرجو أن يكون اللَّه عز وجلّ قد عافاك، فأذن لي فأمكث حتى يشفيك
اللَّه، فإنّي إن خرجت وأنت على هذه الحال، خرجت وفي نفسي منك قرحة، وأكره
أن أسأل عنك الناس.
فسكت عنه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وقام فدخل بيت عائشة- رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنها- ودخل أبو بكر على ابنته عائشة فقال: قد أصبح
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مفيقا وأرجو أن يكون اللَّه عز وجل قد
شفاه، ثم ركب فلحق بأهله بالسنح وهنالك كانت امرأته حبيبة بنت خارجة بن أبي
زهير بن أخي بني الحارث بن الخزرج، وانقلبت كل امرأة من نساء رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم إلى بيتها.
وذلك يوم الاثنين، ووعك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين وجع واشتد
الوعك واجتمع إليه نساؤه، وأخذ بالموت، فلم يزل كذلك حتى زاغت الشمس من يوم
الاثنين يغمى عليه الساعة ثم يفيق ثم يشخص بصره إلى السماء، فيقول في
الرفيق الأعلى مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ
النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ
(14/472)
وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ
رَفِيقاً [ (1) ] قال ذلك- زعموا مرارا- كلما أفاق من غشيته فظن النسوة أن
الملك خيره بين الدنيا والجنة فيختار رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
الجنة وما عند اللَّه تعالى من حسن الثواب.
واشتد برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الوجع، فأرسلت فاطمة إلى عليّ بن
أبي طالب- رضى اللَّه تبارك وتعالى- عنهما، وأرسلت حفصة إلى عمر بن الخطاب-
رضي اللَّه تبارك وتعالى- وأرسلت كل امرأة إلى حميمها، فلم يرجعوا حتى توفي
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على صدر عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنها- في يومها، يوم الاثنين حين زاغت الشمس، لهلال شهر ربيع الأول.
وذكر من طريق ابن لهيعة، فحدثنا أبو الأسود عن عروة قال: صدر رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم عن حجة التمام، فقدم المدينة، فاشتكى في صفر، ووعك
أشد الوعك، فذكر معنى ما روينا عن موسى بن عقبة.
ومن طريق يونس، عن ابن إسحاق قال: حدثنا ابن أبي مليكة، قال: صلى أبو بكر-
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بالناس صلاة الصبح، فجاءه رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم فجلس إلى جنب أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فصلى
وهو عاصب رأسه، فلما فرغ من الصلاة، أقبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
على الناس رافعا صوته، حتى خرج من باب المسجد يقول: أيها الناس! سعرت
النار، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم.
قال البيهقي من طريق سليمان بن بلال، عن أبى عبد العزيز الزبيدي، عن مصعب
بن محمد بن شرحبيل، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن عائشة- رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنها- عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قالت: كشف
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سترا أو فتح بابا لا أدرى أيهما، قال
مصعب فنظر إلى الناس وراء عنه أبى بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى- يصلون
فحمد اللَّه تعالى وسرّ بالذي رأى منه، وقال: الحمد للَّه، ما من نبي
يتوفاه اللَّه تعالى حتى يؤمه رجل من أمته، أيها الناس أيما عبد من أمتى
أصيب بمصيبتى من بعدي، فليتعزى بمصيبته عن مصيبته التي يصاب بها من بعدي،
فإن أحدا من أمتي
__________
[ (1) ] النساء: 69.
(14/473)
لن يصاب بمصيبة بعدي، أشد من مصيبته بي.
قال البيهقي: معني أول هذا الحديث موجود فيما روينا عن أنس بن مالك وابن
عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- وأما آخر الحديث فلم أجد له شاهدا
صحيحا واللَّه تعالى أعلم [ (1) ] .
وقال الواقدي: حدثني سليمان بن بلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن ابن
أبي مليكة عن عبيد اللَّه بن عمر قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم: ما هلك نبي حتى يؤمه رجل من أمته، فلما كان يوم الاثنين صلى أبو بكر-
رضي اللَّه تبارك وتعالى- بالناس الصبح وكان لا يلتفت، فأقبل رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم حتى جلس إلى جنب أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه- فصلى بصلاة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فلما قضى صلاته جلس
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وعليه خميصة له فقال: إنكم واللَّه لا
تمسكون عليّ بشيء إني لا أحلّ إلا ما أحلّ اللَّه تعالى في كتابه، يا فاطمة
بنت محمد، ويا صفية بنت عبد المطلب، اعملا لما عند اللَّه تعالى، لا أملك
لكما من اللَّه شيئا.
وقال: حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن عبد اللَّه بن أبي بكر بن حزم،
عن أبيه، عن عمرة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: لما كانت
ليلة الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول جاء رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم وجعا فلم يبق امرأة ولا رجل إلا أصبح في المسجد لوجع رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأتاه المؤذن يؤذنه بالصلاة صلاة الصبح فقال
صلى اللَّه عليه وسلم: قل لأبي بكر يصلى بالناس فكبر أبو بكر- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه- في صلاته فكشف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الستر
فرأى الناس يصلون فقال: إن اللَّه جعل قرة عيني في الصلاة، وأصبح صلى
اللَّه عليه وسلم يوم الاثنين مفيقا، فخرج يتوكأ على الفضل بن العباس
وثوبان غلامه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، حتى دخل المسجد وذكر
الحديث.
وقال سيف: عن محمد بن إسحاق عن الزهري، عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه- قال: خرج النبي صلى اللَّه عليه وسلم صبيحة اثنتي عشرة عاصبا
رأسه ما رأيته قط وأبو بكر في الصلاة، فلما رآه الناس ذهبوا
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 197- 202. 3
(14/474)
ليتحروا، وتأخر أبو بكر- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه- حتى سمع بخوار الناس وعرفت أنهم إنما صنعوا ذلك لرسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم فأشار إلي الناس أن صلوا، فصلوا ورجع النبي صلى
اللَّه عليه وسلم، فدخل البيت. قال سيف: عن محمد بن إسحاق قال: حدثني ابن
شهاب أنه صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ عن يمين أبي بكر- رضي اللَّه تبارك
وتعالى- وبذلك عرف أن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- هو الّذي يصلى
بهم، لم يصل بهم جالسا، وقد نهى عن ذلك، ولو لم ينه عنه، ولو كان صلى بهم
صلى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن يمينه، كذلك كان رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم يصنع، فلما فرغ أقبل على الناس فقال أبو بكر- رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أصبحت بنعمة من اللَّه وفضله، واليوم يوم ابنة
خارجة وهي في بني الحارث بن الخزرج، فدخل النبي صلى اللَّه عليه وسلم وذهب
أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- مسرورا. قال سيف: عن بكر بن وائل
والزهري عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: صلى أبو بكر-
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حتى إذا كان صبيحة اثني عشرة خرج النبي صلى
اللَّه عليه وسلم والناس في صلاة الصبح عاصبا رأسه حتى وقف على باب حجرة
عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فلما رآه الناس تحوروا، فذهب أبو
بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- والناس فدخل عليه أبو بكر والعباس وعلي-
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه-: قد رد اللَّه بك علينا عقولنا، وقد أصبحت بنعمة من اللَّه وفضل، وبات
الناس إلى الباب وقد باتت إليه عقولهم وقد رجوه ورأوا الّذي يخبئون فقال
أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- اليوم يوم بنت خارجة قال:
اذهب فأت أهلك، فقام أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فذهب وخرج أهل
البيت وجعل الناس يتلقون فيقولون لهم ما يرون من العافية فينصرفون.
قال سيف: عن سلمة بن نبيط عن نعيم بن شفيق بن سلمة، عن عائشة- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنها- قال: خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم انظر إلي
قدميه يخطان في المسجد حتى انتهينا فأجلساه في الصف فطفق الناس بأبي بكر-
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فذهب ليتأخر فدفعه النبي صلى اللَّه عليه
وسلم فقدمه
(14/475)
فصلى بهم أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه- ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جالس بحياله في الصف، وقال له رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعد ما انصرف: التصفيق للنساء والتسبيح
للرجال.
وقال سيف: عن سعيد بن عبد اللَّه الجماحي عن أبي سعيد الخدريّ قال: فمالوا
بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ إلى منبره فحمد اللَّه تعالى وأثنى
عليه وقال:
يا أيها الناس بارك اللَّه فيكم الثقلين فإنه لن تعمى أبصاركم، ولن تزل
أقدامكم، ولن تقصر أيديكم، ما أخذتم به كتاب اللَّه عز وجل، بينكم وبين
اللَّه تعالى، وطرق بيده وطرق بأيديكم، فآمنوا بمتشابه، واعملوا بمحكمه
وحرموا حرامه وأحلوا حلاله، ألا وسنتي، واللَّه لا يكرمها رجل ويوقرها على
هواه، إلا أعطاه اللَّه تعالى نورا حتى يرد عليّ يوم القيامة، وأيم اللَّه
لا يموت رجل وقد تركها إلا احتجبت منه يوم القيامة، ثم حمل حتى يرجع إلى
بيته ورأى الناس فيه الّذي كانوا يتمنون ويرجعون، فتفرق الناس وأخلوه
بأزواجه صلى اللَّه عليه وسلم.
(14/476)
|