بهجة
المحافل وبغية الأماثل في تلخيص المعجزات والسير والشمائل [الباب الثالث في ذكر نبوته وما بعدها الى
هجرته صلى الله عليه وسلم]
(الباب الثالث) في ذكر نبوته وما بعدها الى هجرته صلى الله عليه وعلى آله
وسلم.
(قال المؤلف غفر الله زلته) وأقال عثرته ولما بلغ صلى الله عليه وآله وسلم
أربعين سنة وقيل أربعين ويوما وتناهى صفاء قلبه بما اعتمده من الخلوة
وتأهلت قواه البشرية لاستجلاء تلك الجلوة وانفض ختام السر المكنون وانكشف
الغطاء عن الامر المصون جاءه الأمين جبريل برسالة من الملك الجليل فألقى
عليه القول الثقيل على ما ثبت في صحيح أبى عبد الله البخاري رحمه الله
بروايتي له من طرق عديدة أعلاها وأولاها ما أرويه عن شيخنا الامام القانت
الناسك الحافظ مسند الآفاق شرف الدين أبي الفتح محمد بن أبي بكر بن الحسين
بن العثمانى المراغي ثم المدنى نضر الله وجهه سماعا عليه لثلاثيات الجامع
الصحيح وإجازة ومناولة من يده لجميعه بالمسجد الحرام تجاه بيت الملك العلام
سنة خمس وثلاثين وثمانمائة بسماعه له على الامامين المسندين جمال الدين أبي
اسحق ابراهيم بن محمد بن عبد الرحيم اللخمى الاميوطي وبرهان الدين ابي اسحق
ابراهيم بن محمد بن صديق الدمشقى قالا أنا به المعمر ملحق (الباب الثالث)
(تناهي) أي تتام وتكامل (صفاء) بالمد هو ضد الكدر (الخلوة) مثلث الخاء
المعجمة والفتح أشهر (وتأهلت) أي صارت أهلا (قواه) بضم القاف جمع قوة
والهاء في موضع جر بالاضافة (البشرية) بالرفع صفة لقواه (الجلوة) بالجيم
وفيها ما مر في الخلوة (انفض) بالفاء المعجمة انفتح (ختام) بكسر المعجمة
مصدر كالختم وهو الطبع على الشئ (السر المكنون) أى الذى لم يظهر قبل فكانه
في كن (جاءه الامين جبريل) . قال ابن الاثير وكان ذلك يوم الجمعة سابع عشر
شهر رمضان قال وقال يونس عن بشر بن أبي طالب الكندى الدمشقى عن مكحول ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال ما معناه ألا تصوم يوم الاثنين
فاني ولدت فيه وأوحي الى فيه وهاجرت فيه انتهى (قلت) يجمع بينهما بان
الايحاء اليه يوم الاثنين كان منا ما ثم يوم الجمعة يقظة (في صحيح أبي عبد
الله البخاري) وصحيح مسلم وغيرهما (القانت) أي المطيع أو كثير القيام
(الناسك) أي العابد والنسك العبادة (الحافظ) عد بعضهم من خصائص رسول الله
صلى الله عليه وسلم تسمية ناقلى حديثه حفاظا من بين سائر العلماء (نضر الله
وجهه) أى حسنه وجمله كما مر (لثلاثيات الجامع) هي الاحاديث التي بين رسول
الله صلى الله عليه وسلم فيها وبين البخاري ثلاثة رجال فقط وجملتها تسعة
عشر حديثا خمسة عشر عن سلمة بن الاكوع وواحد عن عبد الله بن بشر المازني
وثلاثة عن أنس بن مالك (بالمسجد الحرام) يطلق على الكعبة وعلى المسجد حولها
وهو المراد هنا وعلى مكة وعلى الحرم كله وعلى ما دون مرحلتين منه (تجاه)
بضم الفوقية امام (اللخمي) نسبة الى لخم القبيلة المعروفة (الاميوطي) نسبة
الى أميوط بضم الهمزة آخره مهملة بلد بالشام (ابن صديق) بتشديد الدال
(الدمشقي) نسبة الى دمشق بكسر الدال وفتح الميم وقد يكسر قال في القاموس
قاعدة الشام سميت ببانيها دمشاق بن كنعان (المعمر) بفتح الميم
(1/59)
الاحفاد بالاجداد ابو العباس أحمد بن أبى
طالب بن أبي النعم نعمة الله بن على بن بيان الصالحي الحجار سماعا عليه قال
انابه أبو عبد الله الحسين بن المبارك بن محمد الزبيدى انا به أبو الوقت
عبد الاول عيسى بن شعيب السجزى قال انا به أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن
المظفر الداودي انا به ابو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه الحموى أنا به
أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر الفربرى انا به أمير المؤمنين في علم
الحديث النبوى محمد بن اسمعيل البخاري ثنا به يحيى بن بكير حدثنا الليث عن
عقيل (الاحفاد) جمع حفيد وهو ولد الولد (ابن أبى النعم) بضم النون وسكون
المهملة (نعمة) بكسر النون وسكون المهملة (ابن بيان) بفتح الموحدة بعدها
تحتية (الحجار) بفتح الحاء المهملة وتشديد الجيم آخره راء (الزبيدي) نسبة
الى زبيد المعروفة باليمن (السجزي) بكسر المهملة وسكون الجيم ثم زاى قال
ابن ماكولا هى نسبة الى سجستان على غير قياس وهو اقليم ذو مدائن بين خراسان
والسند وكرمان (ابن حمويه) قال ابن الصلاح أهل العربية يقولونه ونظائره أي
كنفطويه وسحنويه وريحويه وفيحويه وعلويه وراهويه بواو مفتوحة مفتوح ما
قبلها وساكن ما بعدها ومن ينحو بها نحو الفارسية يقولونها بواو ساكنة مضموم
ما قبلها مفتوح ما بعدها قال وسمعت الحافظ عبد القادر بن عبد الله يقول
سمعت الحافظ ابا العلاء يقول أهل الحديث لا يحبون ويه أي يقولون نفطويه
مثلا بواو ساكنة تفاديا من أن يقع في آخر الكلام ويه (الحموي) بفتح المهملة
وضم الميم المشددة وكسر الواو وياء النسبة الى جده حمويه (ابن مطر) كلفظ
المطر المعروف (الفربري) بكسر الفاء وفتح الراء بعدها موحدة ساكنة فراء
فياء النسبة إلي فربر قرية من قرى بخاري (أمير المؤمنين) في أوّل من سمى
بذلك من المحدثين خلاف وأوّل من سمى أمير المؤمنين على الاطلاق عمر بن
الخطاب (يحيى بن بكير) بالتصغير هو العبدي قاضى كرمان مات سنة سبع وعشرين
ومائتين (حدثنا الليث) هو ابن سعد بن عبد الرحمن الفقيه يكنى أبا الحارث.
قال الشمني نقلا عن أبي سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس يقال انه مولي بنى
فهم ثم لآل خالد بن ياسر بن طاعن الفهمي ثم من بني كنانة من فهم وأهل بيته
يقولون نحن من الفرس من أهل أصبهان وليس لما قالوه عندنا صحة انتهى. وأخرج
ابن يونس من طريق ابن عمرو بن طاهر بن السرح قال سمعت يحيى بن بكير يقول
سمعت والد الليث وقال يعقوب بن سفيان في تاريخه قال يحيي بن بكير سمعت شعيب
ابن الليث يقول كان الليث يقول لنا قال بعض أهلى اني ولدت سنة اثنين وتسعين
والذي أوقن اني ولدت سنة أربع وتسعين وقال أبو سعيد كاتب الليث سمعت الليث
يقول مات عمر بن عبد العزيز ولى سبع سنين وكانت وفاة عمر سنة احدي ومائة
وقال أبو نعيم في الحليلة أدرك الليث نيفا وخمسين من التابعين وأسند عن
محمد ابن رمح قال كان دخل الليث في كل سنة ثمانين ألف دينار ما أوجب عليه
الله درهما قط بزكاة وقال ابن لهيعة احترقت داره وحج بألف دينار فاهدى اليه
مالك طبقا فيه رطب فرد اليه على الطبق ألف دينار وكانت وفاته في شعبان سنة
خمس وسبعين ومائة عن احدي وثمانين (عن عقيل) هو ابن خالد الايلى وهو
(1/60)
[مطلب في بدء
نبوته صلي الله عليه وسلم وظهور جبريل له بغراء حراء]
عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أنها قالت اول ما بدئ به رسول الله
صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من الوحى الرؤيا الصالحة في النوم وكان لا
يرى رؤيا الا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب اليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء
فيتحنث فيه بالمهملة والقاف مصغر كان حافظا مأمونا مات سنة احدى وأربعين
ومائة (عن ابن شهاب) هو الزهري محمد ابن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن
شهاب الذي شج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ثم أسلم كان أحد أئمة
الدين. قال ابن المديني له نحو ألفى حديث وقال مرة أخري أسند أكثر من ألف
حديث وحديثه ألفان ومائتا حديث نصفها مسندة مات في رمضان سنة أربع وعشرين
ومائة (عن عائشة) هو مرسل صحابية فانها لم تدرك بدء الوحى فاما أن تكون
سمعته منه صلى الله عليه وسلم أو من غيره من الصحابة ويؤيد سماعها منه قال
الحافظ ابن حجر قولها في اثناء الحديث قال وأخذنى فغطني (أول ما) ما نكرة
موصوفة أي أوّل شئ (من الوحي) من بيانية أو تبعيضية أي من أقسام الوحي
وأوّل ما بديء به من دلائل النبوة مطلقا أشياء كثيرة وقد مر ذكر بعضها في
كلام المصنف منها تسليم الحجر (الرؤيا) مصدر كالرجعي وتختص بالنوم كاختصاص
الرأي بالقلب والرؤية بالعين (الصالحة) بالرفع وفي صحيح البخاري في التفسير
الصادقة وهما بمعنى وصلاحها اما باعتبار صورتها أو تعبيرها كما أشار اليه
الخطابي (فى النوم) صفة موضحة قال في التوشيح أو ليخرج رؤية العين في
اليقظة لاحتمال أن يطلق عليها مجازا (مثل) بالنصب على الحال (فلق الصبح)
بفتح الفاء واللام وحكي الزمخشري سكونها ويقال فرق بالراء بدل اللام من غير
الرواية وفلق الصبح ضياؤه يضرب مثلا للشئ الواضح البين قال العلماء انما
ابتدئ بالرؤيا كيلا يفجأه الملك بصريح النبوة بغتة فلا تحتملها قواه
البشرية فبدئ بأوائل خصال النبوة وتباشير الكرامات من صدق الرؤيا وحب
العزلة والصبر عليها (حبب اليه الخلاء) بالفتح والمد الخلوة وانما حببت
اليه لما فيها من فراغ القلب لما يتوجه اليه (بغار) هو النقب في الجبل
وجمعه غيران (حراء) بكسر المهملة في الافصح وتضم وتفتح وفي رواية الاصيلي
في البخاري بفتحها مع القصر وأكثرهم يقوله بالمد ويذكر ويؤنث فعلى الاول
يصرف وعلى الثانى لا يصرف قال بعضهم
حرا وقبا ذكر وأنثهما معا ... ومد أو اقصر واصرفن وامنع الصرفا
ومثلهما مني أيضا لكن ليس في أوله سوي الكسر وحراء جبل بينه وبين مكة نحو
ثلاثة أميال على يسار الذاهب من مكة الى مني قال ابن أبى حمزة وانما خصه
بالخلوة لان المقيم فيه يمكنه رؤية البيت فيجتمع له الخلوة والتعبد ورؤية
البيت (فيتحنث فيه) بمهملة وفي آخره مثلثة أي يتعبد ومعناه القاء الحنث عن
نفسه كالتأثم والتحوب القاء الاثم والحوب عن نفسه قال الخطابي وليس في
الكلام تفعل القي الشئ عن نفسه غير هذه الثلاثة والباقي بمعنى تكسب وزاد
غيره تحرج وتنجس وتجنب وتهجد وتجزع وتجنح اذا ألقي الحرج والنجس والجنابة
والهجود أي النوم والجزع والجناح عن نفسه وقيل ان تحنث بمعنى تحنف وقد وقع
كذلك في سيرة ابن هشام
(1/61)
وهو التعبد الليالى ذوات العدد قبل أن ينزع
الى أهله ويتزود لذلك ثم ينزع الى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو
في غار حراء فجاءه الملك فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذنى فغطنى حتي بلغ
مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذنى فغطني الثانية حتى
بلغ منى الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فغطنى الثالثة ثم
أرسلني فقال اقرأ بسم ربك الذى خلق خلق الانسان من علق اقرأ وربك الاكرم
الذى علم بالقلم فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرجف فؤاده
كما مر (وهو التعبد) مدرج في الحديث قطعا. قال ابن حجر وهو محتمل ان يكون
من كلام عروة أو من دونه قال وجزم الطيبى بأنه من تفسير الزهري ولم يذكر
دليله (الليالي) بالنصب على الظرف وتعلقه بيتحنث لا بالتعبد لما مر ان
التعبد مدرج (ذوات) بكسر التاء منصوب وفي مسلم أولات (العدد) في رواية ابن
اسحق انه كان يعتكف شهر رمضان. قال في الديباج وله شاهد قوي وفي صحيح مسلم
جاورت نحو شهر (قبل ان ينزع) بالزاي والمهملة كيرجع وزنا ومعنى (الى أهله)
يعني خديجة (لمثلها) أي الليالي (جاءه الحق) لمسلم فجئه بكسر الجيم وفتحها
وهمزة أي بغته الامر الحق (فجاءه) الفاء للتفسير لا للتعقيب لان مجيء الملك
ليس بعد مجيء الحق حتى يعقب به بل هو نفسه (ما) نافية وقيل استفهامية وهو
مردود بدخول الباء في الخبر (أنا بقارئ) أى ما أحسن القراءة (فائدة) أخبرنا
شيخنا وجيه الدين عبد الرحمن بن عبد الكريم ابن زياد عن شيخه وجيه الدين
عبد الرحمن الديبع عن مشايخه انه ورد في بعض المسندات انه صلى الله عليه
وسلم نطق فيها بقاف الحجاز المترددة بين القاف والكاف (فغطني) بمعجمة
فمهملة وللطبري وابن اسحق فغتني بالفوقية بدل الطاء ولابن أبي شيبة فعمني
ويروى سأبني والسأب بالمهملة والهمزة والموحدة ومعنى الكل عصرني وضمني
وخنقني كما في مسند الطيالسي فأخذ بحلقي (حتى بلغ مني الجهد) بفتح الجيم
وضمها لغتان والفتح أفصح وهو المشقة وبرفع الدال أي بلغ مني الجهد مبلغه
وغايته ونصبها أى بلغ جبريل أو الغط مني الجهد والحكمة في ذلك شغله عن
الالتفات لشيء آخر واظهار الشدة والجد في الامر تنبيها على ثقل القول الذى
سيلقى اليه وقيل ابعاد ظن التخييل والوسوسة لانهما ليسا من صفات الاجسام
فلما وقع ذلك بجسمه علم انه من أمر الله وللسهيلي في تأويل الغطات كلام
ذكره المصنف وذكر بعضهم ان هذا يعد من خصائصه اذ لم ينقل عن أحد من
الانبياء انه جرى له عند ابتداء الوحي مثل ذلك وذكر ابن اسحق عن عبيد بن
عمير انه وقع له قبل ذلك في المنام نظير ما وقع له في اليقظة من الغط
والامر بالقراءة وكان ذلك في شهر ربيع الاول كما أفاده بعضهم (ثم أرسلني)
أى أطلقني اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ أى لا بحولك وقوتك ومعرفتك (الذى خلق)
صفة تناسب ما حصل بالغط وجعله توطئة لقوله بعد خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ
عَلَقٍ إيذانا بأن الانسان أشرف المخلوقات عَلَّمَ بِالْقَلَمِ فيه تذكير
بأفضل النعم بعد الخلق وفيه اشارة الى حصول العلم له بلا واسطة بأنه صلى
الله عليه وسلم لم يكن يكتب حتى تعلم بالقلم عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ
يَعْلَمْ فيه اشارة الى العلم اللدني الحاصل بدون واسطة وإيذانا بان قوله
صلى الله عليه وسلم ما أنا بقارئ ما أحسن القراءة بواسطة التعليم بالقلم
(فرجع بها) أى بالآيات (يرجف) بضم الجيم أى يخفق ويضطرب (فؤاده) أى قلبه
وفي رواية بوادره بالموحدة
(1/62)
فدخل على خديجة بنت خويلد فقال زملونى
زملونى فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة وأخبرها الخبر لقد خشيت على
نفسى فقالت خديجة كلا والله ما يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل
وتكسب المعدوم وتقرى الضيف وتعين على نوائب الحق
[مطلب في أخبار صلى الله عليه وسلم لورقد بن
نوفل عن ظهور جبريل له]
فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم
خديجة وكان امرأ تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من
الانجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب والمهملة والراء وهي اللحمة بين
المنكب والعنق تضطرب عند الفزع (زملوني زملوني) أي غطونى ولفوني وتكرير ذلك
دليل على شدة الروع (الروع) بالفتح الفزع (خشيت على نفسي) قيل خشي الجنون
وان يكون من جنس الكهانة. قال الاسماعيلي وذلك قبل حصول العلم الضرورى له
ان ذلك الذى جاءه ملك وانه من عند الله وقيل الموت من شدة الرعب وقيل المرض
وقيل العجز عن حمل اعباء النبوة وقيل عدم الصبر على أذى قومه وقيل ان
يقتلوه وقيل ان يكذبوه وقيل ان يعيروه (كلا) هو نفي وابعاد أو قسم (ما)
ولمسلم لا (يخزيك الله أبدا) روي في الصحيحين بالمعجمة والتحتية من الخزى
وهو الفضيحة والهوان وبالمهملة والنون من الحزن وفي أوله الفتح من حزن لغة
قريش والضم من حزن لغة تميم وقرئ بهما معا في القرآن (لتصل الرحم) هو كل من
جمعتك أنت وهو أم (وتحمل الكل) بفتح الكاف وتشديد اللام من لا يستقل بأمره
كما قال تعالى وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ وقيل الثقل وقيل ما يتكلف. قال
النووى ويدخل في حمل الكل الانفاق على الضعيف واليتيم والعيال وغير ذلك
(وتكسب المعدوم) بفتح التاء في الاشهر أى تكسب المال المعدوم وتصيب ما لا
يصيب غيرك وكانوا يمدحون بكسب المال سيما قريش وكان النبي صلى الله عليه
وسلم محظوظا في التجارة وروي بضمها وعليه فالمعنى تكسب غيرك المال المعدوم
أى تعطيه اياه تبرعا فحذف أحد المفعولين وقيل تعطي الناس ما لا يجدونه عند
غيرك من نفائس الفوائد ومكارم الاخلاق (وتقرى الضيف) بفتح أوله بلا همز
(وتعين على نوائب الحق) قال السيوطي هي كلمة جامعة لافراد ما تقدم ولما لم
يتقدم. وفي التفسير من طريق يونس عن الزهرى زيادة وتصدق الحديث وفي رواية
هشام بن عروة عن أبيه وتؤدى الامانة انتهى. والنوائب جمع نائبة وهي الحادثة
(تنبيه) في الشفا ان الذى قاله له ورقة فان صح حمل على انه قال له أيضا
(ورقة) بفتح الراء (ابن عم خديجة) بنصب ابن ويكتب بالالف وهو بدل من ورقة
أو صفة أو بيان ولا يجوز جره لئلا يصير صفة لعبد العزي ولا كتبه بغير ألف
لانه لم يقع بين علمين (تنصر) بالنون أى صار نصرانيا وحكى الزركشى ان فيه
بالموحدة من التبصرة وهو ضعيف (وكان يكتب الكتاب العبراني) بكسر المهملة
وسكون الموحدة ثم راء هي لغة اليهود ويقال فيها العبرى ولمسلم والبخاري في
التفسير العربى (بالعبرانية) فيها أيضا بالعربية. قال النووى وابن حجر
والجميع صحيح لانه كان يعلم العبرانى والعربي من الكتاب واللسان معا
(1/63)
وكان شيخا كبيرا قد عمى فقالت له خديجة
يابن عم اسمع من ابن أخيك فقال له ورقة يابن أخى ماذا ترى فاخبره رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم خبر ما رأى فقال له ورقة هذا الناموس الذى أنزل
الله على موسى يا ليتنى فيها جذعا يا ليتني أكون حيا اذ يخرجك قومك فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو مخرجي هم قال نعم لم يأت رجل قط بمثل
ما جئت به الاعودى (يابن عم) هو الصواب كما مر في نسبه ووقع في مسلم أي عم
قال ابن حجر وهو وهم لانه وان صح ان تقوله توقيرا أي كما زعمه النووى لكن
القصة لم تتعدد ومخرجها متحد فلا يحمل على أنها قالت ذلك مرتين فيتعين
الحمل على الحقيقة قال وانما جوزنا ذلك فيما مضى في العبراني والعربي لانه
من كلام الراوي في وصف ورقة واختلفت المخارج فامكن التعدد قال وهذا الحكم
يطرد في جميع ما أشبهه. قال في الديباج وعندي انها قالت ابن عم على حذف حرف
النداء فتصحف ابن باي (اسمع) بهمز وصل (من ابن أخيك) قالته اما توقيرا لسنه
واما لان ورقة ووالده صلى الله عليه وسلم في عدد النسب الى قصي بن كلاب
الذي يجتمعان فيه سواء فكان في درجة اخوته (هذا الناموس) أى جبريل فهو اسم
من أسمائه كذا في الديباج ونزله منزلة القريب لقرب ذكره والناموس لغة صاحب
سر الخير والجاسوس صاحب سر الشر وقيل الناموس صاحب السر مطلقا المطلع على
باطن الامر يقال نمست الرجل أي ساررته ونمست السر كتمته (أنزل الله) في
رواية الكشميهنى في صحيح البخاري نزل الله وفي التفسير أنزل بالبناء
للمفعول (على موسى) في رواية عند أبي نعيم في الدلائل قال السيوطى بسند حسن
على عيسى. قال النووي وكلاهما صحيح قال ابن حجر فكانه قال عند إخبار خديجة
له على عيسى وعند إخباره صلى الله عليه وسلم على موسى (يا ليتنى فيها) أي
في أيام النبوة ومدتها (جذعا) أي شابا قويا حتى أقوى على نصرتك وأتمكن منها
وهو بفتح الجيم والمعجمة الصغير من البهائم ثم استعير للشاب وهو نصب على
الحال قاله السهيلي ورجحه عياض والنووي أو على انه خبر كان المقدرة قال
الخطابى أو بتقدير جعلت قاله ابن بري أو على ان ليت تنصب الاسم والخبر وفي
رواية الاصيلي في البخارى وابن ماهان في مسلم بالرفع خبر ليت وقال ابن بري
المشهور عند أهل اللغة والحديث جذع بسكون العين وهو رجز مشهور عندهم
يتمثلون به يقولون
يا ليتني فيها جذع ... أخب فيها وأضع
(أو مخرجي هم) بهمزة الاستفهام وواو العطف مفتوحة ومخرجى بتشديد الياء جمع
مخرج قلبت واو الجمع ياء وأدغمت في ياء الاضافة وهو خبر مقدم وهم مبتدأ
مؤخر قال في التوشيح نقلا عن ابن مالك ولا يجوز العكس لئلا يلزم الاخبار
بالمعرفة عن النكرة لان اضافة مخرجى غير محضة قال ويجوز كون هم فاعلا سد
مسد الخبر ومخرجى مبتدأ على لغة أكلونى البراغيث قال ولو روي بتخفيف الياء
على انه مفرد لجاز وجعل مبتدا وما بعده فاعل سد مسدا الخبر انتهي. ولابن
هشام ان ورقة قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليكذبنك فلم يقل شيئا ثم
قال وليؤذنك فلم يقل شيئا ثم قال وليخرجنك قال أو مخرجي هم قال ففي هذا
دليل على حب الوطن وشدة مفارقته على النفس وأيضا فانه حرم الله وجوار بيته
فلذلك تحركت نفسه عند ذكر الخروج بخلاف ما قبل
(1/64)
وان يدركنى يومك أنصرك نصرا مؤزرا ثم لم
ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحى وذكره البخارى في موضع آخر وزاد في السورة
الى قوله تعالى عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ وزاد في آخره قال
وفتر الوحى فترة حتي حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزنا غدا
منه مرارا يتردى من رؤس شواهق الجبال فكلما أو في بذروة لكى يلقى نفسه منها
تبدا له جبريل فقال يا محمد انك رسول الله حقا فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه
فيرجع فاذا طالت عليه فترة الوحى غدا لمثل ذلك فاذا أوفي بذروة جبل تبداله
جبريل فقال له مثل ذلك. ونقل القاضى مجد الدين في كتابه سفر السعادة أن
جبريل أخرج له قطعة نمط من حرير مرصعة بالجواهر ووضعها في يده وقال اقرأ
قال والله ما أنا بقاريء ولا أرى في هذه الرسالة كتابة قال فضمنى إليه
وغطنى وذكر الحديث الى قوله ما لَمْ يَعْلَمْ ثم قال انزل عن الجبل فنزلت
معه الى قرار الارض فأجلسنى على درنوك وعلىّ ثوبان أخضران
[مطلب في تعليم جبريل له عليه الصلاة والسلام
الوضوء والصلاة]
ثم ضرب برجله الارض فنبعت عين ماء فتوضأ جبريل منها وتمضمض واستنشق وغسل كل
عضو ثلاثا وأمر النبى صلى الله عليه وآله وسلم أن يفعل ذلك فقال أو مخرجي
هم والموضع الدال على تحرك النفس ادخال الواو بعد ألف الاستفهام مع اختصاص
الاخراج بالسؤال عنه وذلك ان الواو ترد الى الكلام المتقدم وتشعر المخاطب
بان الاستفهام على جهة الانكار والتفجع لكلامه والتألم منه (وان) شرطية
(يدركنى) مجزوم به (يومك) أي وقت خروجك زاد البخاري في التفسير حين ولابن
اسحاق وان أدركت ذلك اليوم (انصرك) مجزوم بالجزاء (مؤزرا) بهمزة قد تسهل أي
بالغا قويا من الازر وهو الشدة والقوة وأنكر الفراء أن يكون في اللغة مؤزرا
من الازر وانما هو موزر من وازره أي عاونه. وقال السيوطي نقلا عن أبي شامة
يحتمل أن يكون ذلك من الازار أشار بذلك الى تشميره في نصرته (ينشب) بفتح
المعجمة أي يلبث وأصل النشوب التعلق فكانه لم يتعلق بشيء غير ما ذكر (وفتر
الوحي) كانت مدة فترته ثلاث سنين كما نقله أحمد بن حنبل في تاريخه عن
الشعبي وبه جزم ابن اسحاق. قال في الديباج وورد عن ابن عباس ان مدتها كانت
أياما وعن الشعبي كانت سنتين ونصفا وبه حزم السهيلي انتهي ولا ينافيه ما مر
اذ لعل ذلك على عادة العرب من تسمية البعض باسم الكل (بذروة) بكسر الذال
وضمها ويجوز الفتح كما سبق نظيره وهى أعلاه (تبدا) بلا همز أى ظهر وهو
بمعنى بدا (جأشه) بجيم فهمزة ساكنة فمعجمة أى قلبه (وتقر) بكسر القاف
وفتحها (نفسه) بسكون الفاء (سفر السعادة) بكسر المهملة وسكون الفاء اسم
الكتاب (نمط) بفتح النون والميم ثم مهملة والنمط نوع من البسط ولا يستعمل
في غيره الا مقيدا (مرصعة) بالنصب صفة لقطعة والترصيع بالمهملة التحلية
(على درنوك) بضم المهملة والنون بينهما راء ساكنة هو بساط ذو خمل يشبه
الفروة
(1/65)
مثله فلما تم وضوؤه أخذ جبريل كفا من ماء
فرش به فرجه ثم قام فصلى ركعتين والنبي صلى الله عليه وآله وسلم مقتدبه ثم
قال الصلاة هكذا فجاء النبى صلى الله عليه وسلم الى مكة وقص ذلك على خديجة
وعلمها الوضوء والصلاة (قال المؤلف غفر الله زلته) وأقال عثرته وفي سيرة
ابن اسحاق أن تعليم الوضوء والصلاة كان في مرة أخرى وقد التقيا بأعلا مكة
وفيها ما يدل على أن فرض الصلوات الخمس كان يومئذ وليس كذلك فان فرضها انما
كان ليلة الاسراء وكان الواجب أولا قيام بعض الليل كما في صدر سورة المزمل
ثم نسخ بآخرها فاقرؤا ما تيسر منه ثم نسخ الجميع بفرض الخمس ليلة الاسراء
ذكره النووى رحمه الله في فتاويه
[فصل: في صفة جبريل عليه السلام وانه سفير
الانبياء وعدد نزوله على النبى صلي الله عليه وسلم وبيان كيفيات الوحي]
(فصل) واعلم أن جبريل عليه السلام ملك عظيم ورسول كريم مقرب عند الله أمين
على وحيه وهو سفيره الى أنبيائه كلهم ورسوله باهلاك من طغى من أممهم ووصفه
الله تعالى في القرآن العظيم بالقوة والامانة وقرب المنزلة عنده وعظم
المكانة وأخبر بطاعة الملائكة له في (فرش به فرجه) أي الجهة التى فيها
الفرج من الآدميين ويحتمل ان يخلق الله له فرجا عند تصوره في صورة الآدميين
تتميما للخلقة ثم اذا أعاده الى صورته التى جبل عليها زال عنه ذلك فلا
يستدل به على وجود فرج لجبريل ولا لغيره من الملائكة مع قيامهم في صورهم
الجبلية وانما فعل ذلك ليعلم النبى صلى الله عليه وسلم. ففي سنن ابن ماجه
من حديث زيد بن حارثة علمني جبريل الوضوء وأمرنى ان أنضح تحت ثوبي مما يخرج
من البول وفيه ندب فعل ذلك للمتوضيء (ثم قام فصلي ركعتين) قد يؤخذ منه ندب
سنة الوضوء وعددها (وكان الواجب) بالرفع اسم كان (قيام) بالنصب خبرها ويجوز
عكسه
(فصل واعلم ان جبريل) بكسر الجيم بوزن زنبيل وفتحها بوزن مهليل وبالهمز
فيهما مع المد واثبات الياء وحذفها وجبرال بالكسر والفتح أيضا وجبرايل
بالتحتية معهما وجبرال بتشديد اللام وجبراييل بألف وتحتيتين وجبراين بالنون
قيل ان جبروميك واسراف معناها العبد بالسريانية وال وايل اسمان لله تعالى
ورده أبو علي الفارسي بان ايل وال لا يعرفان من أسماء الله وانه لو كان
كذلك لم ينصرف آخر الاسم في وجوه العربية ولكان آخره مجرورا أبدا كعبد
الله. قال النووي وهذا هو الصواب انتهى. قال في الديباج ورد في أثر ان
تفسير جبريل عبد الله وميكائيل عبد الله واسرافيل عبد الرحمن وذكر الجزولي
من المالكية ان اسرافيل سمى بذلك لكثرة أجنحته وميكائيل لكونه وكل بالمطر
والنبات يكيله ويزنه. وذكر المجد في الصلاة والبشر ان جبريل يكني أبا
الفتوح واسرافيل أبا الغنائم (وهو سفيره) بالسين المهملة والفاء بوزن عظيم
هو الرسول (من طغي) أي جاوز الحد بالكفر (ووصفه الله تعالى في القرآن
العظيم بالقوة والامانة الى آخره) أى على القول بأنه المراد في قوله تعالى
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وهو ما قاله أكثر المفسرين وقال على بن
موسى وغيره انه محمد صلى الله عليه وسلم فجميع الاوصاف بعد هذا له وعليه
يبطل استدلال الزمخشرى بالآية على تفضيل جبريل على نبينا صلى الله عليه
وسلم بل وعلى الاول فان الثناء على
(1/66)
السماء وانه يؤيد به عباده الانبياء وسماه
روح القدس والروح الامين واختصه لوحيه من بين الملائكة المقربين وحكى في
قوله تعالى في حق النبى صلى الله عليه وآله وسلم وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا
رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لجبريل هل
أصابك من هذه الرحمة شيء قال نعم كنت أخشى العاقبة فامنت لثناء الله عز وجل
علىّ بقوله ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ
ووصفه الله سبحانه وتعالى بالقدس لانه لم يقترف ذنبا وسماه روحا للطافته
ولمكانته من الوحي الذي هو مسبب حياة القلوب* وأما عدد نزوله على النبى صلى
الله عليه وآله وسلم فرأيت في بعض التواريخ أنه نزل عليه ستا وعشرين ألف
مرة ولم يبلغ أحد من الانبياء هذا العدد وأما صفة مجيئه الى النبي صلى الله
عليه وآله وسلم فثبت في صحيح البخارى عن عائشة ان الحرث بن هشام سأل رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله كيف يأتيك الوحي فقال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم أحيانا يأتينى مثل صلصلة الجرس شخص لا يلزم
منه تفضيله على من سواه (وسماه روح القدس) في قوله تعالى إِذْ أَيَّدْتُكَ
بِرُوحِ الْقُدُسِ على القول بأن الروح جبريل وقوله تعالى قُلْ نَزَّلَهُ
رُوحُ الْقُدُسِ والقدس بضم القاف وفي الدال الضم والسكون الطهارة سمي
جبريل بذلك لانه لم يقارف ذنبا (وحكي في قوله تعالى في حق النبى صلى الله
عليه وآله وسلم الى آخره) ذكره عياض في الشفا بهذه الصيغة (كنت أخشى
العاقبة) قبل بعثتك فلما بعثت أثنى الله علي في الكتاب المنزل عليك بقوله
ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (فامنت)
العاقبة (لثناء الله عز وجل على) الذى كنت السبب في معرفتي اياه فكنت رحمة
لي من هذه الحيثية كسائر العالمين (نزل عليه ستا وعشرين ألف مرة) الذى ذكره
ابن عادل أربعا وعشرين ألفا (ولم يبلغ أحد من الانبياء هذا العدد) بل كان
نزوله على آدم اثنتي عشرة مرة وعلى ادريس أربع مرات وعلى ابراهيم اثنين
وأربعين مرة وعلى نوح خمسين مرة وعلى موسى أربعمائة مرة وعلى عيسى عشر مرات
ذكر ذلك ابن عادل أيضا (فثبت في صحيح البخارى) وصحيح مسلم وغيرهما ان الحرث
بن هشام هو شقيق أبي جهل أسلم يوم الفتح وحسن اسلامه واستشهد يوم اليرموك
أيام عمر في رجب سنة خمس عشرة وقيل في طاعون عمواس سنة سبع عشرة أو خمس
عشرة قولان وظاهر ذلك ان الحديث في مسند عائشة وعليه اعتمد أصحاب الاطراف
فكانها حضرت القصة ويحتمل كما قال السيوطي وغيره ان يكون الحرث أخبرها بذلك
ويكون مرسل صحابي وحكمه الوصل ويؤيده ان في مسند أحمد وغيره من طريق عامر
بن صالح الزبيرى عن هشام عن أبيه عن عائشة عن الحرث ابن هشام قالت سألت
ولكن عامر بن صالح ضعيف اعتضد بمتابعه عند ابن منده (صلصلة) بفتح المهملتين
وهي في الاصل صوت وقوع الحديد بعضه على بعض ثم أطلق على كل صوت له طنين
وقيل هو صوت متدارك لا يفهم في أوّل وهلة. قال النووى قال العلماء والحكمة
في ذلك ان يتفرغ سمعه ولا يبقى فيه ولا في قلبه مكان لغير صوت الملك انتهى
وقيل انما كان يأتيه كذلك اذا نزلت آية وعيد أو تشديد والصلصلة المذكورة هي
صوت الملك بالوحي وقيل صوت خفق أجنحته (الجرس) بفتح الجيم والراء آخره
مهملة
(1/67)
وهو أشده على فيفصم عنى وقد وعيت عنه ما
قال وأحيانا يتمثل لى الملك رجلا فيكلمنى فأعى ما يقول قالت عائشة ولقد
رأيته ينزل عليه الوحى في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وان جبينه ليتفصد
عرقا أى يسيل وورد في الصحيح أيضا انه كان يأتي النبي صلى الله عليه وآله
وسلم بين أصحابه فيكلمه في صورة سائل مستفت على صورة دحية بن خليفة وأصله
من الجرس بفتح الجيم وسكون الراء وهو الصوت الخفي ويقال بكسر أوله (وهو
أشده على) قال السيوطي سبب هذه الشدة ما يترتب على المشقة من زيادة الزلفى
والدرجات (فيفصم عني) بفتح أوله وسكون الفاء وكسر المهملة من فصم أى يقلع
وينجلي ما يغشاني والفصم هو القطع بلا ابانة وأما القصم بالقاف فقطع مع
ابانة وانفصال ومعنى الحديث ان الملك يفارقه على ان يعود ولا يفارقه مفارقة
قاطع لا يعود ويروى بضم أوله من افصم ويروى بالبناء للمفعول (وعيت) بفتح
المهملة أى فهمت وحفظت ويقال في المال والمتاع أوعيت (يتمثل) أى يتصور
بتصوير الله عز وجل (الملك) اللام فيه للعهد أى جبريل كما صرح به في رواية
عبيد بن سعيد (رجلا) أي مثل رجل فنصبه على المصدر وقيل تمييز وقيل حال على
تأويله بمشتق أي مرئيأ محسوسا قال المتكلمون الملائكة أجسام علوية لطيفة
تتشكل أي شكل أرادوا أي باذن الله عز وجل وقال عبد الملك إمام الحرمين معنى
تمثل جبريل ان الله تعالى أفنى الزائد من خلقه وأزاله عنه ثم يعيده اليه
وجزم ابن عبد السلام بالازالة دون الفناء وقال البلقيني يجوز ان يكون أتى
بشكله الاصلي من غير فناء ولا ازالة الا انه انضم فصار على قدر هيئة الرجل
واذا ترك ذلك عاد الى هيئته ومثال ذلك القطن اذا جمع بعد أن كان منتفشا
فانه بالنفش يحصل له صورة كبيرة وذاته لم تتغير وهذا على سبيل التقريب. قال
السيوطى والحق ان تمثل الملك رجلا ليس معناه ان ذاته انقلبت رجلا بل معناه
أنه ظهر بتلك الصورة تأنيسا لمن يخاطبه والظاهر أيضا ان القدر الزائد لا
يزول ولا يفنى بل يخفى على الرائى فقط (فيكلمنى) بالكاف وصحفه البيهقى
بالعين (فاعي ما يقول) عبر فى الشق الاول بلفظ الماضى وهنا بلفظ المستقبل
قال السيوطى لان الوعى حصل في الاول قبل الفصم وفي الثاني عقب المكالمة
وكان هذا أهون عليه كما أخرجه أبو عوانة في صحيحه وروي ابن سعد من طريق ابن
سلمة الماجشون أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول كان الوحي
يأتينى على نحوين يأتينى به جبريل فيلقيه على كما يلقى الرجل على الرجل
فذاك ينفلت منى ويأتينى في مثل صلصلة الجرس حتى يخالط قلبى فذاك الذي لا
ينفلت منى (الشديد البرد) بالاضافة غير المحضة (ليتفصد) بالفاء وتشديد
المهملة من الفصد وهو قطع العرق لاسألة الدم وصحف من رواها بالقاف. قال
العسكري ان ثبت فهو من قولهم تقصد الشيء اذا تكسر وتقطع ولا يخفي بعده
(عرقا) بالنصب على التمييز (أي يسيل) سيلان العرق المفصود من كثرة العرق
(وورد في) الحديث (الصحيح) في الصحيحين وغيرهما (دحية) بكسر الدال وفتحها
وسكون الحاء المهملتين ثم تحتية مخففة هو (ابن خليفة) بالمعجمة والفاء بوزن
عظيمة ابن فروة بن فضالة بن زيد بن امرئ القيس بن عامر
(1/68)
الكلبى أو غيره وكان دحية رجلا جميلا ولم
يره النبي صلى الله عليه وآله وسلم على صورته التي جبل عليها وهى ستمائة
جناح الامرتين مرة في الارض في الافق الاعلى وهى ناحية المشرق من حراء ومرة
في السماء عند سدرة المنتهي على ما تضمنته سورة النجم* ولم يره أحد من
الانبياء عليهم السلام على تلك الصورة الا محمد صلى الله عليه وآله وسلم
ومرة كان يأتيه الوحي صلى الله عليه وآله وسلم مناما ومرة ينفث في (الكلبي)
بالجر منسوب الى كلب بن وبرة الخزج بفتح المعجمة وسكون الزاى ثم جيم شهد
دحية أحدا وما بعدها أخرج ابن سعد عن الشعبي مرسلا دحية الكلبي يشبه جبريل
وعروة بن مسعود الثقفى يشبه عيسى بن مريم وعبد العزى يشبه الدجال ويشهد
لذلك حديث البخاري وغيره (التى جبل) أي خلق والجبلة الخلقة (وهى ستمائة
جناح) قال السهيلي قال العلماء في أجنحة الملائكة انها ليست كما يتوهم مثل
أجنحة الطير وانما هي صفة ملكية وقوة ربانية لا تفهم الا بالمعاينة واحتجوا
بقوله تعالى أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فكيف تكون كاجنحة
الطير ولا يري طائر له ثلاثة أجنحة ولا أربعة فكيف ستمائة جناح فدل على
انها صفة لا تنضبط كيفيتها بالفكر انتهي وسيأتي في ذلك مزيد كلام في ذكر
جعفر ذي الجناحين (مرة في الارض في الافق الاعلى) أى الناحية العليا (وهى
ناحية المشرق من حراء) قال البغوى في معالم التنزيل وذلك ان جبريل كان يأتي
النبي صلى الله عليه وسلم في صورة الآدميين كما كان يأتي النبيين فسأله
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريه نفسه على صورته التى جبل عليها فاراه
نفسه مرتين مرة في الافق الاعلى ومرة في السماء فاما التى في الارض ففى
الافق الاعلى والمراد بالاعلى جانب المشرق وذلك ان النبي صلى الله عليه
وسلم كان بحراء وطلع له جبريل من المشرق فسد الافق الى المغرب فخر رسول
الله صلى الله عليه وسلم مغشيا عليه فنزل جبريل في صورة الآدميين فضمه الى
نفسه وجعل يمسح التراب عن وجهه (عند سدرة المنتهى) سيأتي الكلام على محلها
وعلى سبب تسميتها بذلك. قال الشمني ان قيل لما اختيرت سدرة المنتهى لهذا
الامر دون غيرها من الاشجار. أجيب بان شجرة السدر تختص بالظل المديد والطعم
اللذيذ والرائحة الطيبة (ولم يره أحد من الأنبياء الى آخره) أي لعدم
اطاقتهم رؤيته في تلك الصورة (ومرة كان يأتيه الوحي مناما) ولم يذكره في
حديث الحرث بن هشام. قال النووى لان مقصود السائل ما يختص به النبي صلى
الله عليه وسلم ويخفى فلا يعرف الا من جهته وأما الرؤيا فمشتركة معروفة
انتهى ثم هل أنزل عليه شيء من القرآن في المنام أم لا قال الرافعى في
أماليه الاشبه لا وأما الحديث المشهور في سورة الكوثر انه اغفى اغفاءة فقال
الاولي أن تفسر الاغفاءة بالحالة التى كانت تعتريه عند الوحي ويقال لها
برحاء الوحى فانه كان يؤخذ عن الدنيا (ومرة ينفث) بالفاء والمثلثة مبني
للمفعول والنفث تفل خفيف لا ريق معه فعبر به عن الالقاء اللطيف والنافث
جبريل كما في الحديث ان روح القدس نفث في روعى ان نفسا لن تموت حتى تستكمل
أجلها وتستوعب رزقها أخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث أبي امامة (فى
(1/69)
روعه الكلام نفثا وأخرى يكلمه ربه من وراء
حجاب إما في اليقظة وإما في النوم. وقد قدمنا أن اسرافيل وكل به قبل
جبرائيل مدة (عدنا الى ما نحن بصدده)
[مطلب في تاريخ رسالته الى الخلق على ما حكاه أهل التاريح والدعوة اليها
سرا]
قال أهل التواريخ والسير جاء جبريل النبى صلى الله عليه وآله وسلم ليلة
السبت ثم ليلة الاحد وخاطبه بالرسالة يوم الاثنين لثمان أو لعشر خلون من
ربيع الاول بعد بنيان قريش الكعبة لخمس سنين وبعد قتل كسرى النعمان بن
المنذر بسبعة أشهر وقيل كان ذلك في رمضان ولم يذكر ابن اسحق غيره. وذلك
لستة آلاف سنة ومائة سنة وثلاث وعشرين سنة من هبوط آدم ذكره المسعودى قال
وذكر مثل هذا عن بعض حكماء العرب في صدر الاسلام ممن قرأ في الكتب السالفة
على حسب ما استخرج من غار الكنز وفي ذلك يقول في أرجوزة له طويلة
فى رأس عشرين من السنينا ... الى ثلاث حصلت يقينا
والمائة المعدودة التمام ... الى ألوف سدست نظام
أرسله الله لنا رسولا ... فنسخ التوراة والانجيلا
ولما بعث صلى الله عليه وآله وسلم أخفى أمره وجعل يدعو أهل مكة ومن أتاه
اليها سرا فاتبعه أناس من عامتهم ضعفاء من الرجال والنساء والموالى وهم
أتباع الرسل كما في حديث روعه) بضم الراء وبمهملة والروع القلب واما بفتح
الراء فالفزع (نفثا) مصدر أكد به لدفع توهم ان الالقاء اللطيف يشتبه بحديث
النفس (من وراء حجاب) أي وهولا يراه (فائدة) مما ينبغي التنبيه عليه ما
ذكره عياض في الشفا وغيره ان الحجاب في حق المخلوق أما الخالق فمنزه عنه اذ
الحجاب انما يحجبه بمقدار محسوس ولكن حجبه على ابصار خلقه وبصائرهم
وادراكاتهم بما شاء ومتي شاء (بصدده) هو من صد للامر يصد صدا وصددا اذا
تعرض له (ليلة السبت) كان يسمى في الجاهلية شيار و (الاحد) أول و (الاثنين)
أهون وهو بوصل الهمزة على بابه. وقال بعضهم الاولي فصلها ليكون فرقا بين
اليوم والعدد. والثلاثاء جبار والاربعاء دبار والخميس مؤنس والجمعة عروبة
والصحيح ان ترتيب أيام الاسبوع كما ذكرنا ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم
خلق الله التربة يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الاحد وخلق الشجر يوم
الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الاربعاء وبث فيها
الدواب يوم الخميس وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة في آخر ساعة من ساعات
الجمعة فيما بين العصر الى الليل أخرجه أحمد ومسلم من حديث أبي هريرة وما
ذكره المصنف من مجئ جبريل بالرسالة يوم الاثنين مر أوّل الباب بما فيه
(لعشر خلون من ربيع الاول) كان مجيء جبريل اليه حينئذ مناما لا يقظة فلا
ينافى ما ذكره ابن اسحاق وغيره ان ذلك كان في رمضان (وذلك لستة آلاف الى
آخر ما ذكره عن المسعودى) أصح منه ما نقله هشام الكلبي عن أبيه عن أبي صالح
عن ابن عباس انه ستة آلاف ومائة واحدى وستون سنة فمن آدم الي نوح ألفان
ومائتا سنة ومنه الى ابراهيم ألف ومائة وثلاث وأربعون سنة ومنه الى موسى
(1/70)
أبي سفيان مع هر قل فلقوا من المشركين في
ذات الله أنواع البلاء فما ارتد أحد منهم عن دينه ولا التوى
[الكلام على حديث ان هذا الدين بدأ غريبا
وسيعود كما بدأ]
(قال المؤلف غفر الله له) والى هذا الحال والله أعلم الاشارة بقوله صلى
الله عليه وآله وسلم إن هذا الدين بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى
للغرباء فاما غربته خمسمائة وخمس وسبعون سنة ومنه الى داود خمسمائة وتسعون
سنة ومنه الى عيسى ألف وثلاث وخمسون سنة ومنه الى محمد صلى الله عليه وسلم
وعليهم أجمعين ستمائة سنة والله أعلم (أبى سفيان) هو صخر ابن حرب بن أمية
بن عبد شمس بن عبد مناف يكنى أبا حنظلة بابن له قتل يوم بدر كافرا وأسلم
أبو سفيان عام الفتح كما سيأتي وشهد حنينا وفقئت عينه يوم الطائف فلم يزل
أعور حتي فقئت عينه الاخرى يوم اليرموك أصلها حجر فشدخها فعمى ومات سنة
ثلاث وثلاثين في خلافة عثمان وهو ابن ثمانين أو بضع وتسعين سنة ذكر ذلك ابن
عبد البر وابن مندة وأبو نعيم (هرقل) بكسر ففتح فسكون القاف كدمشق وقيل
بسكون الراء وكسر القاف كخروع (فلقوا) بضم القاف (في ذات الله) أى في الله
والذات يكنى بها عن نفس الشيء وحقيقته ويطلق على الخلق والصفة وأصلها اسم
الاشارة للمؤنث فمن ثم وقع خلاف للاصوليين في جواز اطلاقها على الله والاصح
الجواز وقد استعملها خبيب رضي الله عنه في شعر مشهور فقال
وذلك في ذات الاله وان يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع
(أنواع) بالنصب مفعول لقوا (ولا التوي) أي ولا انثنى ولا رجع (ان هذا الدين
الي آخره) أخرجه مسلم وابن ماجه من حديث أبي هريرة وأخرجه الترمذي وابن
ماجه من حديث ابن مسعود وأخرجه ابن ماجه من حديث أنس وأخرجه الطبراني من
حديث عثمان وسهل بن سعد وابن عباس (بدأ) بالهمزة من الابتداء (غريبا) أي في
آحاد من الناس وقلة ثم انتشر وظهر ولا حمد عن رجل ان الاسلام بدأ جذعا ثم
ثنيا ثم رباعيا ثم سدسا ثم بازلا (وسيعود غريبا كما بدأ) أى وسينتقص ويختل
حتي لا يبقي الا في آحاد وقلة أيضا كما بدأ (فطوبي) هي فعلي بالضم من الطيب
قيل معناه فرح وقرة عين وسرور لهم وغبطة وقيل دوام الخير وقيل الجنة وعن
ابن عباس انه اسم الجنة بالحبشية وقال الربيع بستان بلغة الهند وقيل انها
شجرة في الجنة تظل الجنان كلها أصلها في دار النبي صلى الله عليه وسلم وفي
كل دار منها وغرفة غصن لم يخلق الله لونا ولا زهرة الا وفيها منها الا
السوداء ولم يخلق الله فاكهة ولا ثمرة الا وفيها منها. وأخرج أحمد وابن
حبان من حديث أبى سعيد طوبي شجرة في الجنة مسيرة خمسمائة عام ثياب أهل
الجنة تخرج من اكمامها وأخرج ابن جرير من حديث قرة بن اياس طوبي شجرة غرسها
الله بيده ونفخ فيها من روحه تنبت بالحلى والحلل وان أغصانها لترى من وراء
سور الجنة وأخرجه ابن مردويه من حديث ابن عباس وأخرجه أيضا من حديث ابن عمر
وزاد فيه يقع عليها الطير كامثال البخت ولاحمد والبخارى والترمذى من حديث
أنس ان في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع في ظلها مائة عام
ما يقطعها. وأخرجه الشيخان من حديث سهل بن سعد وأخرجه احمد والشيخان
والترمذى من حديث أبي سعيد وأخرجه الشيخان والترمذي وابن ماجه من حديث أبي
هريرة (للغرباء) فسروه في الحديث بالنزاع من القبائل قاله النووى وقال
الهروى أراد بذلك المهاجرين الذين هجروا
(1/71)
الاولى فقد انتعشت على يدي المصطفى وأصحابه
النجباء الاتقياء الذين قواه بهم المولى ووصفهم في التوراة بأنهم أشداء على
الكفار فيما بينهم رحماء وفي الانجيل كزرع على سوقه استوى وما أحسن قول شرف
الدين محمد بن سعيد الابوصيرى رحمه الله
حتى غدت ملة الاسلام وهى بهم ... من بعد غربتها موصولة الرحم
مكفولة أبدا منهم بخير أب ... وخير بعل فلم تيتم ولم تئم
أوطانهم الي الله (قلت) وأحسن ما يفسر به الغرباء ما أخرجه احمد من حديث
عبد الله بن عمرو طوبي للغرباء أناس صالحين في أناس سوء كثير من يبغضهم
أكثر ممن يطيعهم وهو قريب المعنى مما أخرجه ابن مندة وأبو نعيم وابن عبد
البر في الاستيعاب من حديث عبد الرحمن بن سنة بفتح المهملة وتشديد النون
قالوا يا رسول الله ما الغرباء قال الذين يصلحون اذا فسد الناس (انتعشت) أي
ارتفعت وقامت (وأصحابه النجباء) جمع نجيب وهو الفاضل الكريم وهو بهذا
الاعتبار وصف لجميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذى أراده
المصنف (فائدة) قد عرف بهذا الاسم مضافا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم
أربعة عشر صحابيا وهم أبو بكر وعمر وعلي وحمزة وجعفر والحسن والحسين
والمقداد بن عمرو وحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وأبو
ذر الغفاري وسلمان الفارسي وبلال بن رباح كما في الشفا وغيره من حديث علي
لكن ليس فيه الا تسمية أبي بكر وعمر وابن مسعود وعمار وذكر أسماء بقيتهم في
الكوكب الدرى وقد نظمتهم فقلت
عتيق وفاروق علي وجعفر ... وحمزة والسلطان مقداد الكندى
حذيفة سلمان بلال وجندب ... وعمار الموعود من فاز بالوعد
كذاك ابن مسعود فهم ضعف سبعة ... كما عن علي القدر ذي الفضل والمجد
فهم نجباء المصطفى ذي الفضائل ال ... عديدة والاحسان والشرف العد
(الاتقياء) جمع تقى وهو ممتثل الاوامر مجتنب النواهي ما استطاع أو هو من لا
يرى نفسه خيرا من أحد أو هو من يرى كل أحد خيرا منه أو هو من خزن لسانه عن
التمضمض باعراض الخلق أو هو تارك مالا بأس به حذرا مما به بأس أقوال كلها
جديرة بالتصحيح (على سوقه) أي أصوله (استوى) أى تم وتلاحق نباته (وما أحسن
قول) بالنصب على التعجب (محمد بن سعيد) بن حماد بن محسن بن عبد الله بن
صنهاج بكسر المهملة وسكون النون آخره جيم ابن هلال الامام العارف الهمام
المتفنن المتقن المحقق البليغ الاديب المدقق إمام الشعراء وأشعر العلماء
بليغ الفصحاء وأفصح البلغاء ناظم البردة كان أحد أبويه من بوصير الصعيد
والآخر من دلاص فركبت النسبة منهما فقيل الدلاصيري ثم اشتهر بالبوصيرى
ويقال (الا بوصيري) بفتح الهمزة وضم الموحدة قيل ولعلها بلد أبيه فغلبت
عليه ولد سنة ثمان وستمائة وأخذ عنه العلم الامام أبو حيان وابن سيد الناس
والعز بن جماعة وغيرهم وتوفى سنة ست أو سبع وتسعين وستمائة على ما قاله
المقريزي لكن صوب الحافظ ابن حجر العسقلاني انه سنة أربع وتسعين (وخير بعل)
بالموحدة والمهملة أي. زوج (فلم تيتم) أي لم تكن يتيمة وهي التي لا أب لها
(ولم تئم) أي لم تصر ايما وهي المرأة التي لا زوج لها أو
(1/72)
والبلاء كل البلاء عند غربته الاخرى حيث لا
تتناهى ولا ينتهى الأمر منها الى مدى ولا يزال في انتكاس مرة بعد أخرى الى
انقضاء الدنيا والله المستعان فلا حول ولا قوة الا بالله حسبنا الله ونعم
الوكيل اللهم إنا نعوذ بك من الفتن وأن يدركنا البلاء والمحن ونسألك باسمك
العظيم ونور وجهك الكريم ان تميتنا على ملة نبينا غير مبدلين ولا محرفين
ولا فاتنين ولا مفتونين آمين آمين.
[مطلب في ذكر أول من آمن به صلي الله عليه وسلم]
وممن أسلم اولا خديجة ثم علي ثم زيد بن حارثة ثم ابو بكر والمشهور التي مات
عنها زوجها قولان (في انتكاس) افتعال من النكوس والانتكاس ان يخر الشخص على
رأسه وان يسقط فيستقل سقطته حتى يسقط أخرى (لا حول ولا قوة الا بالله) أي
لا حول عن معصية الله الا بعصمته وحفظه ولا قوة على طاعته الا بتوفيقه
ومعونته والحول القوة وقيل الحركة وقد تبدل واوه ياء (وحسبنا) أي يكفينا
(ونعم) فعل وضع للمدح كبئس للذم وفيه أربع لغات نعم بوزن حقب ونعم بوزن كبد
ونعم بوزن رجل ونعم بوزن حمل (الوكيل) أي المعين والكفيل أو الحفيظ أو
الموكول اليه كل أمر أو المفوض اليه أقوال (نعوذ بك) أى نعتصم ونمتنع من
الفتن أي مضلاتها (باسمك العظيم) هو الله كما عليه أكثر العلماء فمن ثم كان
اسما للذات دون غيره من سائر الاسماء الحسنى وانما لم يستحب بعض الدعاء به
لعدم استجماعه شروطه (ونور وجهك الكريم) الوجه صفة من صفاته تعالى عن
التجسيم ويعبر به عن ذاته (وممن أسلم أولا خديجة) أي لمامر أولا في ابتداء
الوحي من رجوعه صلى الله عليه وسلم اليها وقوله لها زملونى وأوّل امرأة
أسلمت بعدها أم الفضل لبابة بنت الحارث زوج العباس أو فاطمة بنت عمر بن
الخطاب أخت عمر (ثم علي) ابن أبي طالب بن عبد المطلب أي لانه كان كثير
الملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة وسبب ذلك ما ذكره ابن
عبد البر وغيره ان قريشا أصابتهم أزمة شديدة أى جوع وكان أبو طالب ذا عيال
كثير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس عمه وكان من أيسر بنى هاشم
يا عباس ان أخاك أبا طالب كثير العيال فانطلق بنا فنخفف عنه من عياله فقال
نعم فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا له انا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى
يكشف الله عن الناس ما هم فيه فقال لهم أبو طالب اذا تركتما لي عقيلا
فاصنعا ما شئتما فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا فضمه اليه وأخذ
العباس جعفرا فضمه اليه فلم يزل علي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
ابتعثه الله نبيا وحتى زوجه ابنته فاطمة (ثم زيد بن حارثة) بن شراحيل بن
كعب بن عبد العزي ابن امرئ القيس بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبد ود بن
عوف بن كنانة بن بكر بن عذرة بن زيد اللات ابن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة
بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة بن مالك بن عمر ابن مرة بن
مالك بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان هكذا نسبه ابن الكلبي وغيره
وسيأتى الكلام على كيفية دخوله في ملك النبي صلى الله عليه وسلم في محله ان
شاء الله تعالى (فوائد) الاولى أخرج ابن عبد البر في الاستيعاب عن الليث بن
سعد قال بلغنى ان زيد بن حارثة اكترى من رجل بغلا من الطائف فاشترط عليه
المكرى أن ينزله حيث شاء قال فمال به الى خربة فقال له انزل فنزل فاذا في
الخربة قتلى كثيرة
(1/73)
أن ترتيب اسلامهم كما ذكرناه قيل وطريق
الجمع بين الروايات الاولية أن يقال اول من اسلم من النساء خديجة ومن
الصبيان علي عليه السلام ومن الرجال البالغين ابو بكر ومن الموالى زيد ابن
حارثة وقد تنوزع في إسلام علي رضي الله عنه فقال قوم لم يشرك قط فيستأنف
الاسلام قال فلما أراد أن يقتله قال له دعني أصلى ركعتين قال صل فقد صلى
هؤلاء فلم تنفعهم صلاتهم شيأ قال فلما صليت أتانى ليقتلني فقلت يا أرحم
الراحمين قال فسمع صوتا لا تقتله قال فهاب ذلك فخرج يطلب فلم ير شيأ فرجع
الي فناديت يا أرحم الراحمين ففعل ذلك ثلاثا فاذا أنا بفارس على فرس في يده
حربة حديد في رأسه شعلة من نار فطعنه بها فأنفذه من ظهره فوقع ميتا ثم قال
لي لما دعوت المرة الاولى يا أرحم الراحمين كنت في السماء السابعة فلما
دعوت المرة الثانية يا أرحم الراحمين كنت في السماء الدنيا فلما دعوت
الثالثة يا أرحم الراحمين أتيتك وفي ذلك منقبة ظاهرة لزيد بن حارثة وقيل
دليل لاثبات كرامات الاولياء الذي أجمع علماء أهل السنة عليه (الثانية)
ضابط الكرامة انها أمر خارق للعادة غير مقارن لدعوى النبوة على يد من عرفت
ديانته واشتهرت ولايته باتباع نبيه صلى الله عليه وسلم في جميع ما جاء به
والا كانت استدراجا أو سحرا أو اذلالا كما وقع لمسيلمة الكذاب تفل في بئر
قوم سألوه تبركا فملح ماؤها ومسح رأس صبي فقرع قرعا فاحشا ودعا لرجل في
ابنين له بالبركة فرجع الى منزله فوجد أحدهما قد سقط في البئر والآخر قد
أكله الذئب ومسح على عيني رجل استشفى بمسحه فانتصبت عيناه وجاءه أعور ليدعو
له فدعاله فعميت الصحيحة أيضا ذكر ذلك السهيلي وغيره وسمى ذلك اهانة وربما
ظهر الخارق على يد عاص تخليصا له من نفسه ويسمى معونة (الثالثة) قال
العلماء ضابط الولي انه المداوم على فعل الطاعات واجتناب المعاصي المعرض عن
الانهماك في اللذات ويظهر ان هذا ضابط الولي الكامل اما أصل الولاية فتحصل
لمن وجدت فيه صفة العدالة الباطنة لاجتماع الشروط المذكورة عند الفقهاء
(تنبيه) قال الحافظ زين الدين العراقي ينبغي أن يقال أوّل من أسلم من
الرجال ورقة بن نوفل لما في الصحيحين من حديث عائشة في قصة بدء الوحي بان
فيه أن الوحي تتابع في حياة ورقة وانه آمن به. وقد ذكر ابن مندة ورقة في
الصحابة انتهى ولما نقل الذهبي كلام ابن مندة قال والاظهر انه مات قبل
الرسالة وبعد النبوة انتهى (قلت) يكفى ذلك في عده في الصحابة كما هو ظاهر
كلامهم حيث عدوا من لقى النبي صلى الله عليه وسلم ولو مرة مؤمنا ومات على
ذلك صحابيا وقد علم مما مر ايمان ورقة وتمنيه نصرة رسول الله صلى الله عليه
وسلم (الاولية) بفتح الهمزة والواو المشددة وكسر اللام وتشديد التحتية (ومن
الصبيان علي) كانت سنه يوم أسلم اثنتي عشرة سنة قاله ابن الزارع في مواليد
أهل البيت وهذا مبني على ما صوبه ان مدة عمره خمس وستون سنة أما على الصحيح
وهو ثلاث وستون فيكون سنه يوم أسلم عشر سنين وقد قيل ان سنه يومئذ كانت
ثمان سنين وقيل أربع عشرة وشذ من قال خمس عشرة أو ست عشرة (وقد تنوزع) أى
اختلف (فيستأنف الاسلام)
(1/74)
وقال قوم بخلاف ذلك وقد ذكرنا كيفية إسلامه
والخلاف فيه مستوفى في كتابنا الرياض المستطابه في جملة من روى في الصحيحين
من الصحابه. ولما أسلم أبو بكر جعل يدعو الناس الى الاسلام وكان رجلا
مألوفا بخلقه ومعروفه فمن قبل منه جاء به الى النبى صلى الله عليه وسلم
فاسلم على يديه. وممن أسلم بدعائه عثمان بن عفان والزبير بن العوام وعبد
الرحمن بن عوف وسعد بن أبى وقاص وطلحة بن عبيد الله. وفي السنة الرابعة نزل
قوله تعالى فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ فامتثل
صلى الله عليه وسلم ما أمر به وأظهر دعوة الحق وكفاه الله المستهزئين كما
وعده وهم خمسة نفر الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل السهمي وأبو زمعة
الاسود بن المطلب والاسود بن عبد يغوث والحارث بن قيس بن عيطلة قيل وكان
بفتح الفاء جواب لم (وقال قوم بخلاف ذلك) أي بخلاف قول من قال انه لم يكن
مشركا بحكم التبعية وان لم تعلم له عبادة غير الله وعليه فالجواب عن
استشكال صحة اسلامه مع صباه ان أحكام الصحبة انما أنيطت بالبلوغ بعد الهجرة
عام الخندق وكانت قبل ذلك منوطة بالتمييز (ومن الرجال البالغين أبو بكر)
كان سنه اذ ذاك سبعا وثلاثين سنة واشهرا كان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة
فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله قاله الزبير بن بكار (مألوفا
لخلقه) أي لحسنها قال عياض الخلق مخالقة الناس باليمين والبشر والتودد لهم
والاشفاق عليهم واحتمالهم والحلم عنهم والصبر عليهم في المكاره وترك الكبر
والاستطالة عليهم ومجانبة الغلظة والغضب والمؤاخذة وقال الحسن بن أبي الحسن
كيسان حسن الخلق بذل المعروف وترك الاذى وطلاقة الوجه واختلف السلف فيه هل
هو غريزة أو مكتسب كما سيذكره المصنف (عثمان بن عفان) ابن العاص بن أمية بن
عبد شمس بن عبد مناف (والزبير بن العوام) بن خويلد بن أسد بن عبد العزي بن
قصي (وعبد الرحمن بن عوف) بن عبد عوف بن الحارث بن زهرة بن كلاب (وسعد بن
أبى وقاص) مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة (وطلحة بن عبيد الله) بن عثمان
بن عمرو بن كعب بن سعد ابن تيم بن مرة وفي السنة الرابعة (فاصدع بما تؤمر)
أصل الصدع الفصل والفرق ومعناه هنا أظهر قاله ابن عباس ويروي عنه امضه أو
العن قاله الضحاك أو افرق بين الحق والباطل قاله الاخفش أو اقض قاله سيبويه
وروي عن عبد الله بن عبيدة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفيا
حتى نزلت هذه الآية فخرج هو وأصحابه ذكر ذلك البغوي وغيره (وأعرض عن
المشركين) هذه الآية منسوخة بآية القتال (كما وعده) أي بقوله إِنَّا
كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (الوليد بن المغيرة) قال البغوي وكان رأسهم
(والعاص بن وائل) بالمد والتحتية بوزن فاعل (وأبو زمعة) بفتح الزاي وسكون
الميم ثم مهملة (الاسود بن المطلب) بن حارث ابن أسد بن عبد العزي بن قصي
قال المفسرون وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا عليه فقال اللهم
اعم بصره وأثكله بولده (والاسود بن عبد يغوث) بن وهب بن عبد مناف بن زهرة
(والحارث بن قيس) بن
(1/75)
موتهم في يوم واحد بادواء متنوعة وقيل ان
العاص والوليد ماتا بعد الهجرة على ما سيأتي ان شاء الله تعالى قال ابن
اسحاق بعد أن عد الذين أسلموا أولا نحو أربعين قال ثم دخل الناس في الاسلام
أرسالا من الرجال والنساء حتى فشا الاسلام بمكة وتحدث به
[الكلام على منابذة قريش له حين أمره الله
باظهار الدعوة وان يصدع بما يؤمر]
ثم ان الله عز وجل أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يصدع بما جاءه منه وأن
ينادي الناس بأمره وأن يدعو اليه وكان بين ما أخفى رسول الله صلى الله عليه
وسلم أمره واستسر به الى أن أمره الله باظهاره ثلاث سنين فيما بلغني من
مبعثه ثم قال له اصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين وقال وأنذر عشيرتك
الاقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين وقل إنى أنا النذير المبين
وقال وقل إني برىء مما تعملون وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا
صلوا ذهبوا في الشعاب واستخفوا بصلاتهم من قومهم فبينا سعد بن أبى وقاص في
نفر معه يصلون إذ ظهر عليهم نفر من المشركين فناكروهم حتى قاتلوهم فضرب سعد
بن أبي وقاص رجلا من المشركين بلحيي بعير فشجه فكان أوّل دم أهريق في
الاسلام. ولما أظهر النبى صلى الله عليه وآله وسلم دعوة الحق لم يتفاحش
أمرهم حتى ذكر عيب آلهتهم فاشتدوا عليه وأجمعوا الشر له فحدب عليه عمه أبو
طالب وعرض نفسه عيطلة بفتح العين والطاء المهملتين بينهما تحتية ساكنة وأصل
العيطلة الطويلة العنق في حسن الجسم قاله في القاموس (بادواء) مصروف وهو
جمع داء (متنوعة) أى نوع داء كل واحد غير نوع داء الآخر قال الواحدي في
التفسير أومأ جبريل بأصبعه الى ساق الوليد والى عين أبي زمعة والى رأس
الاسود والى بطن الحارث والى قدم العاص بن وائل وقال للنبي صلى الله عليه
وسلم كفيت أمرهم فمر الوليد على قين الخزاعة وهو يجر ثيابه فعلقت بثوبه
شوكة فمنعه الكبر ان يخفض رأسه فينزعها فجعلت تضرب ساقه فخدشته حتى قطعت
كساءه فلم يزل مريضا حتى مات ووطيء العاص على شبرقة فحكت رجله فلم يزل
يحكها حتى مات وعمي أبو زمعة وأخذت الاكلة رأس الاسود وأخذ الحارث ألم في
بطنه فمات حينا (ارسالا) أي أفواجا (فشا) بالفاء والمعجمة أي ظهر (وتحدث
به) مبني للمفعول (وأنذر) أي أعلم مع تخويف (واخفض جناحك) أي ألن جنابك
(واستخفوا) من الاستخفاء ضد الاستظهار (فبينا) قال في القاموس هي بين اتسعت
فتحتها فجذبت الفا وبين أو بينما من حروف الابتداء والاصمعي يخفض بعد بينا
اذا صلح موضعه بين وغيره يرفع ما بعدها على الابتداء والخبر (فناكروهم) أي
أنكروا ذلك عليهم (بلحيي) تثنية لحي بفتح اللام أفصح من كسرها (فكان أوّل)
بالنصب خبر كان واسمها مضمر فيها أي فكان ذلك الضرب (أهريق) بضم الهمزة
وفتح الهاء وسكونها أى صب (فحدب) بفتح الحاء وكسر الدال المهملتين قال
الجوهري حدب عليه يحدب أي يعطف (أبو طالب) اسمه عبد مناف على الصحيح وقيل
اسمه كنيته (وعرض نفسه) أي جعل نفسه
(1/76)
للشر دونه
[خبر اشتداد قريش على أبي طالب ووثوب كل قبيلة
على من اسلم منها يعذبونه]
فلما رأت قريش ذلك اجتمع أشرافهم ومشوا الي أبى طالب وقالوا له ان ابن أخيك
قد سب آلهتنا وعاب ديننا وسفه أحلامنا وضلل آباءنا فاما أن تكفه عنا واما
أن تخلى بيننا وبينه فانك على مثل ما نحن عليه من خلافه فنكفيكه فقال لهم
أبو طالب قولا رفيقا وردهم ردا جميلا ومضى رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم على ما هو عليه فشرى الأمر بينهم وبينه حتى تولدت احن وضغائن ثم مشوا
الى أبى طالب مرة أخرى وأعذروا اليه في أمر النبى صلى الله عليه وآله وسلم
واشتد قولهم في ذلك فعظم على أبي طالب فراق قومه ولم يطب نفسا بخذلانه
النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم كلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فظن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قد بدا لعمه تركه والعجز عن
نصرته فقال يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يسارى على أن
اترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته ثم استعبر رسول الله
صلى الله عليه وسلم باكيا فقال له يابن أخى قل ما أحببت فو الله لا أسلمك
لشيء أبدا ثم مشوا الى أبى طالب مرة أخرى بعمارة بن الوليد بن المغيرة وكان
من أنهد شبانهم وأجملهم وعرضوا عليه أن يتخذه ولدا بدلا عن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم فقال لهم بئسما تسومونني به أتعطونى ابنكم أغذوه لكم
وأعطيكم ابنى تقتلونه هذا والله ما لا يكون ابدا فتنابذوا وتذامروا للحرب
ووثبت كل قبيلة على من اسلم منهم دونه عرضا يقيه بها المكاره (وسفه) أي نسب
الى السفاهة (أحلامنا) جمع حلم بكسر الحاء وسكون اللام وهو العقل (وضلل
آباءنا) أي نسبهم الى الضلالة (قولا رفيقا) بفاء ثم قاف أي لينا (فشري)
بفتح المعجمة وكسر الراء أي ثار وعظم (إحن) جمع إحنة كمحنة وهي الضغن
(وضغائن) بمعجمتين جمع ضغن بكسر أوله وهو البغض والعداوة (فعظم) مثلث الظاء
والضم أشهر (ولم يطب نفسا) أي لم تطب نفسه (قد بدا) بغير همز (والله لو
وضعوا الشمس في يميني الى آخره) علق ترك هذا الامر بأعلى درجات الاستحالة
تنبيها على ان ترك ذلك الامر بهذه المثابة وفيه اشارة الى ان الامر الذي
أراده أظهر من الشمس والقمر فكانه قال الامر الظاهر لا يحال عليه الا الى
ما هو أظهر منه وجعل الشمس في يميني والقمر في يساري تنحط درجته في الظهور
عن ذلك الامر (أو أهلك) بكسر اللام (ثم استعبر) أي أظهر العبرة (باكيا) حال
(اسلمك) بضم الهمزة وسكون المهملة مخفف (أنهد) أي أقوى كما مر (تسومونني)
أي ما تعرضون على من سام السلعة اذا عرضها للبيع (أتعطوني) بهمزة الاستفهام
الانكاري وضم أوله رباعي (اغذوه) بالمعجمتين من الغذاء أي اربيه (فتنابذوا)
أي تطارحوا العهود التي بينهم وأعلم كل منهم الآخر انه حرب له (وتذامروا
للحرب) بالمعجمة تفاعلوا من الذمار وهو الغضب أو الهلاك (ووثبت)
(1/77)
يعذبونه ثم اخذ ابو طالب يحشد بطون قريش
خصوصا بني عبد مناف لكونه أخص بهم وهم أربعة بطون بنو هاشم وبنو المطلب
وبنو عبد شمس وبنو نوفل فاجابه وقام معه بنو هاشم وبنو المطلب وخذله
البطنان الآخران وانسلخ معهم أبو لهب فلذلك يقول أبو طالب في قصيدته
المشهورة:
جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا ... عقوبة شر عاجلا غير آجل
بميزان قسط لا يخيس شعيرة ... له شاهد من نفسه غير عايل
وقال في قصيدة أخرى:
جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا ... وتيما ومخزوما عقوقا ومأثما
ولما ثبّت الله بني المطلب دخلوا مع بنى هاشم في خصائصهم التى اختصوا بها
بقرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الكفاءة وسهم ذوى القربي وتحريم
الزكاة فلم يفترقوا في جاهلية ولا إسلام دليله ما ثبت عن جبير بن مطعم قال
لما قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سهم ذوي القربى بين بنى هاشم
وبني المطلب أتيته أنا وعثمان بن عفان فقلنا يا رسول الله هؤلاء إخواننا من
بنى المطلب أعطيتهم وتركتنا أو منعتنا وإنما قرابتنا وقرابتهم واحدة فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما بنو هاشم وبنو المطلب شئ واحد وشبك
بين أصابعه* ولما رأى أبو طالب من قومه ما أعجبه قال فيهم:
اذا اجتمعت يوما قريش لمفخر ... فعبد مناف سرها وصميمها
أي قامت بسرعة (يحشد) باهمال الحاء واعجام الشين أى يحرش ويجمع (لكونهم
أخص) بالنصب اما خبر واما حال والثاني على ان الكون بمعنى الوقوع (في
قصيدته) هى كلمات يقصد بها الشاعر بيان مقصوده فهي فعيلة بمعنى مفعولة أي
مقصود ما فيها (عبد شمس ونوفلا) أي بينهما (عاجلا) صفة للعقوبة ذكره على ان
المراد بالعقوبة العقاب أو المصدر محذوف أي جزاء عاجلا أو حال لشر على لغة
مجيء الحال بعد النكرة (لا يخيس) باعجام الخاء واهمال السين من خاس أي غدر
قال الشمني ويقال يخوس (دليله ما ثبت) في صحيح البخاري وسنن أبي داود
والنسائي (جبير بن مطعم) بن عدي بن نوفل بن عبد مناف أسلم بعد الحديبية قبل
الفتح وقيل أسلم في الفتح مات سنة سبع وخمسين أو ثمان وخمسين أو تسع وخمسين
أقوال (أنا وعثمان) بالرفع للعطف والنصب على انه مفعول معه (شيء واحد) روي
بالمعجمة مع الهمز وبالمهملة المكسورة وتشديد الياء والسى المثل (اذا
اجتمعت يوما قريش لمفخر) أي للتفاخر بآبائها والتبذح بانسابها واحسابها
(فعبد مناف سرها) أي خيارها وسر كل شيء خياره (وصميمها)
(1/78)
فان حصلت أشراف عبد منافها ... ففي هاشم
أسرارها وقديمها
وإن فخرت يوما فان محمدا ... هو المصطفى من سرها وكريمها
تداعت قريش غثها وسمينها ... علينا فلم تظفر وطاشت حلومها
وكنا قديما لا نقر ظلامة ... اذا ما ثنوا صعرى الخدود نقيمها
ونحمى حماها كل يوم كريهة ... ونضرب عن أحجارها من يرومها
بنا انتعش العود الذواء وإنما ... باكنافنا تندى وتنمى أرومها
[خبر اجتماع قريش الى الوليد بن المغيرة وتآمرهم فيما يرمونه به صلي الله
عليه وسلم]
ثم ان قريشا اجتمعوا الى الوليد بن المغيرة وتآمروا بينهم فيما يرمون به
النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حضور الموسم لتكون كلمتهم فيه واحدة
فعرضوا على الوليد الشعر والكهانة والجنون والسحر كل ذلك لا يلوقه لهم وقال
والله لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الانس ولا هو من كلام
الجن وان له لحلاوة وان عليه لطلاوة وان أعلاه لمثمر وان أسفله لمغدق
بالمهملة والصميم الخالص من كل شيء (فان حصلت) بتشديد المهملة مبني للمفعول
أي جمعت (وقديمها) أي الذي له القدم في خصال الشرف (وكريمها) بالضم معطوف
على هو المصطفى (غثها) بمعجمة فمثلثة أى هزيلها (وسمينها) ضده واستعار ذلك
للفقير والغني والوضيع والشريف (وطاشت) باهمال الطاء واعجام السين أي خفت
(حلومها) أي عقولها (لا تقر) بضم أوله رباعي (اذا ماثنوا) أي أمالوا كبرا
(صعر الخدود) بصاد مضمومة وعين ساكنة مهملتين وهو من اضافة الصفة الى
الموصوف أي الخدود الصعر وهي المائلة (نقيمها) هو جار على رفع الجزاء بعد
الشرط الماضي قال ابن مالك
* وبعد ماض رفعك الجزا حسن* (ونحمى حماها) الحما ما يحميه السلطان من الكلا
لرعي مواشيه فلا يستطيع رعيه أحد من الناس (كل يوم كريهة) أي حرب عظيمة
تكرهها النفوس لشدتها (عن أحجارها) بتقديم المهملة على الجيم أى حصونها
وروى عكسه أى بيوتها ومساكنها (من يرومها) يطلبها بسوء (بنا انتعش) أى قام
(العود الذوا) بالمعجمة المفتوحة والمد أى الذاوى وهو الذابل اليابس
واستعير هنا (باكنافنا) بالنون أى جوانبنا (تندى) بفتح الفوقية وسكون النون
أى تترطب ومنه الارض الندية (وتنمى) بوزن الاول أى يكثر (أرومهاء) بضم
الهمزة والراء جمع أرومة وهي من أسماء الاصل كما مر (وتآمروا) تشاوروا وزنا
ومعنا (في حضور الموسم) بوزن المجلس مشتق من السمة وهي العلامة لانه جعل
علامة للاجتماع (والكهانة) بكسر الكاف وفتحها مر ذكرها (لا يلوقه) بضم أوله
وفتح ثانيه وكسر ثالثه بعده قاف أى لا يراه لائقا (آنفا) بمد الهمزة وقصرها
أى قريبا وقيل أوّل وقت كنا فيه وقيل الساعة. قال ابن حجر وكله بمعنى وهو
من الاستئناف (لحلاوة) بالنصب اسم ان والحلاوة ضد المرارة (لطلاوة) بضم
المهملة وفتحها أى حسنا وبهجة وقبولا (وان أسفله لمغدق) ولابن هشام لغدق
بفتح
(1/79)
وانه يعلو ولا يعلى وكان قد سمع من النبي
صلى الله عليه وآله وسلم أوّل حم غافر وكاد الوليد أن يسلم لولا ما سبق
عليه من تحتم الشقاء ثم قالوا وكيف نقول ففكر في نفسه ثم قال ان أقرب القول
أن تقولوا ساحر يفرق بين الرجل وأهله وزوجته ومواليه فتفرقوا على ذلك
وجعلوا يلقونه الى من يقدم عليهم من العرب ونزل في الوليد قوله تعالى
ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً الآيات كلها وفيما صنفوه من القول في
القرآن الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ
الغين المعجمة وكسر الدال المهملة من الغدق وهو الماء الكثير ولابن اسحق
بفتح العين المهملة وسكون الذال المعجمة والعذق النخلة بجملتها قال السهيلي
وهي أحسن لان بها آخر الكلام يشبه أوله (وكان قد سمع من رسول الله صلى الله
عليه وسلم الى آخره) أخرجه البيهقي في الشعب من حديث ابن عباس وذكره ابن
اسحق والمفسرون في كتبهم وابن عبد البر في الاستيعاب من غير اسناد وفي
الاحياء في أدب التلاوة ان القصة كانت مع خالد بن عقبة (أول حم غافر) الى
قوله الْمَصِيرُ كذا ذكره البغوي وغيره في سورة المدثر وذكر في سورة النحل
ان مسموع الوليد ان الله يأمر بالعدل والاحسان الآية فيحمل على تعدد
القصتين وقد جرى لعتبة بن ربيعة قريب مما جرى للوليد بن المغيرة وكان
مسموعه أوّل حم فصلت الى قوله تعالى فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ
أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ فأمسك عتبة على
فيه وناشده الرحم أخرجه البغوي من حديث جابر (وكاد) أي قرب (ان يسلم) لانه
لما سمع الآيات انصرف الى منزله فقالت قريش صبأ والله الوليد والله لتصبون
قريش كلها وكان يقال للوليد ريحانة قريش فقال لهم أبو جهل أنا أكفيكموه
فانطلق فقعد الى جنب الوليد حزبنا فقال له الوليد مالي أراك حزينا يابن أخى
قال وما يمنعني ان لا أحزن وهذه قريش يجمعون لك نفقة يعينونك على كبر سنك
ويزعمون انك زينت كلام محمد وتدخل على ابن أبى كبشة وابن أبى قحافة لتنال
من فضل طعامهم فغضب الوليد وقال ألم تعلم قريش إنى من أكثرهم مالا وولدا
وهل شبع محمد وأصحابه من الطعام فيكون لهم فضل ثم قام مع أبى جهل حتى أتى
مجلس قومه فقال لهم أتزعمون ان محمدا مجنون فهل رأيتموه يجن قط قالوا اللهم
لا قال تزعمون انه كاهن فهل رأيتموه يكهن قالوا اللهم لا قال تزعمون انه
شاعر فهل رأيتموه ينطق بشعر قط قالوا اللهم لا قال تزعمون انه كذاب فهل
جربتم عليه شيأ من الكذب قالوا لا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سمي
الامين قبل النبوة من صدقه فقالت قريش للوليد فما هو ففكر في نفسه ثم نظر
أي في طلب ما يدفع به القرآن ويرده ثم عبس وبسر أي كلح وكره وجهه ونظر
بكراهية شديدة كالمهتم المتفكر في نفسه (تنبيه) دخول ان على كاد لغة ضعيفة
والمشهور حذفها فكان ينبغي ان يقول وكاد الوليد يسلم (يلقونه) بضم أوله
رباعي (يقدم) بفتح أوله وثالثه من قدم بمعنا جاء وقدم (ذرني) أي اتركني وهو
متضمن للوعيد البليغ والتهديد الشديد (ومن خلقت) أي خلقته في بطن أمه
(وحيدا) منفردا لا مال له ولا ولد وكان يسمي الوحيد في قومه (و) نزل (فيما
صنفوه) اي نوعوه (من القول في القرآن الذين) بدل من المقتسمين وهم
(1/80)
عِضِينَ* ولما كان ذلك وخشى أبو طالب دهماء
العرب أن يركبوه مع قومه قال قصيدته التى يعوذ فيها بالحرم وبمكانه منه
وتودد فيها أشراف قومه وهو على ذلك يخبرهم أنه غير مسلم لرسول الله صلي
الله عليه وآله وسلم حتى يهلك دونه وجملتها أحد وثمانون بيتا تركناها
ايثارا للاختصار وعدم الاكثار وانما نشير الى أصول القصص ومقاصدها دون
فضولاتها وزوائدها وسنذكر ما استحسنا من القصيدة المذكورة فيما بعد ان شاء
الله تعالى* ولما شاع في البلاد تشاجر قريش وبلغ الاوس والخزرج بالمدينة
قال في ذلك أبو قيس بن الاسلت الواقفي قصيدة وبعث بها اليهم يذكرهم نعم
الله عليهم ويحذرهم شؤم الحرب وعواقبها ووخيم مشاربها وكان أبو قيس صهرا
لهم ذامودة وحياطة لهم ومنعنا من ذكرها ما ذكرنا في قصيدة أبي طالب*
[مطلب في مناواة قريش له صلى الله عليه وسلم
بالذي وذكر طرفا مما آذوه به]
ثم ان قريشا لم ينجع فيهم شئ من ذلك ولم يؤثر لما وقع في قلوبهم من الشنآن
والبغض لامر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولما تحتم لهم في علم الله
من دائرة الشقاء المشار اليه بقوله تعالى وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ
عَلَى الْهُدى وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يألو داعيا الى
سبيل ربه مرة بالترغيب ومرة بالترهيب ومرة بالقول اللين وأخرى بالتبكيت
والقول ستة عشر رجلا بعثهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم فاقتسموا عقار
مكة وطرقها وقعدوا على انقابها يقولون لمن جاء من الحجاج لا تغتروا بهذا
الرجل الخارج الذي يدعى النبوة يقول طائفة منهم انه مجنون وطائفة انه كاهن
وطائفة انه شاعر والوليد قاعد على باب المسجد نصبوه حكما فاذا سئل عنه قال
صدق (أولئك) يعنى المقتسمين قاله مقاتل وقيل ان الآية نزلت في اليهود
والنصارى حكى عن ابن عباس ومجاهد (عضين) قيل هو جمع عضو مأخوذ من قولهم
عضيت الشيء أعضيه اذا فرقته وقيل هي جمع عضه على وزن وجه وقيل عدة وهو
الكذب والبهتان (ولما كان ذلك) أي وقع (دهماء العرب) بفتح المهملة وسكون
الهاء وبالمد أى غائلتهم (غير مسلم) بالتخفيف (القصص) بالكسر جمع قصة وأما
بالفتح فمصدر (مقاصدها) أي المواضع المقصودة منها (فضولاتها) جمع فاضلة (ما
استحسنا) بهمز وصل ثم مهملة ساكنة من الاستحسان (فيما بعد) بالبناء على
الضم (شاع) أي ظهر (تشاجر قريش) بالمعجمة والجيم أي أي تخالفهم وتنازعهم
والشجر بالفتح الامر المختلف (وبلغ الاوس والخزرج) هما القبيلتان
المشهورتان من الانصار وسيأتي ذكرهما فيما بعد (ابن الاسلت) بالمهملة
والفوقية (الواقفى) نسبة الى واقف كفاعل من الوقوف فخذ من الاوس وهو لقب
مالك بن امرئ القيس (شؤم الحرب) بالهمز وهو نقيض اليمن (ووخيم مشاربها)
بالمعجمة اي وبيء (وحياطة) بمهملة مكسورة ثم مثناة وبعد الالف مهملة أى
نصرة وصيانة (لم ينجع) بفتح التحتية والجيم اي لم يؤثر (من الشنآن والبغض)
مترادفان وفي نون الشنآن التحريك والسكون (المشار) بالكسر (ولو شاء الله
لجمعهم على الهدى) أي فمن كفر منهم كفر لسابق علم الله فيه (لا يألو) أى لا
يقصر ومنه لا يألونكم خبالا (داعيا) حال (بالتبكيت) بفوقية فموحدة وبعد
الكاف تحتية ثم فوقية هو والتقريع
(1/81)
الخشن فسبحان من شدد عزائمه وقوى دعائمه
وشرح صدره وأعلى قدره وسدده بتسديده وأيده بتأييده وكفاه وحماه حيث نصب
وجهه وقام وحده يدعو الى أمر مستغرب لا يعرف الا من جهته ولا يسمع الا منه
ولولا كفاية العزيز الوهاب لما أغنى عنه سطته في عشيرته ولا شرف أبي طالب*
ومع ذلك فقد نالوه بضروب من الاذى في بعض الاحيان وكان في ذلك سر تحقيق
الامتحان الذى هو مدرجة التعبد ومظنة الصبر ومضمار التكليف ورأس التأسى
وعنوان الايمان وتحقيق مقام النبوة الذين هم أشد الناس بلاء وبذلك تتبين
جواهر الرجال فمن أعظم ما بلغنا في ذلك ما رويناه بسندنا السابق صدر الباب
الى أبى عبد الله البخارى رحمه الله قال حدثني عياش بن الوليد بن مسلم
حدثني الاوزاعى حدثني يحيى بن أبى كثير عن محمد ابن ابراهيم التيمي حدثني
عروة بن الزبير قال سألت عبد الله بن عمرو بن العاص قلت اخبرنى والتوبيخ
متقارب (الخشن) ضد اللين (شدد) بالمعجمة أي قوي (وسدده) بالاهمال اي وفقه
(وأيده) أي قواه ونصره (حيث) مبنية على الضم (سطة) بكسر السين وفتح الطاء
المهملتين اي توسطه (سر) بالرفع (مدرجته) بفتح الميم وسكون المهملة وفتح
الراء وهي الطريق والمذهب (ومظنة) بفتح الميم وكسر المعجمة ومظنة الشيء
الموضع الذي يظن حصوله فيه (ومضمار) أي محل جريان (التكليف) والمضمار في
الاصل موضع جري الفرس (التأسى) أي الاقتداء (وعنوان) بضم المهملة وكسرها هو
ما يكتب على رأس الكتاب من اسم المكتوب اليه (الذين هم أشد الناس بلاء)
أخرج أحمد والبخارى والترمذى من حديث سعد رضي الله عنه قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم أشد الناس بلاء الانبياء ثم الامثل فالامثل يبتلى الرجل
على حسب دينه فان كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه وان كان في دينه رقة ابتلى
على قدر دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الارض وما عليه
خطيئة وأخرجه البخاري في التاريخ من حديث أزواج النبى صلى الله عليه وسلم
بلفظ أشد الناس بلاء في الدنيا نبي أو صفي. وأخرجه الطبراني في الكبير من
حديث أخت حذيفة وأخرجه ابن ماجه وأبو يعلى والحاكم من حديث أبي سعيد بلفظ
أشد الناس بلاء الانبياء ثم الصالحون لقد كان أحدهم يبتلي بالفقر حتى ما
يجد الا العباءة يحويها فيلبسها ويبتلي بالفقر وبالقمل حتى يقتله ولأحدهم
كان أشد فرحا بالبلاء من أحدكم بالعطاء (عياش بن الوليد) بالتحتية والمعجمة
هو الرقام مات سنة ست وعشرين ومائتين (الوليد بن مسلم) هو الحافظ أبو
العباس عالم أهل الشام مات سنة مائة وخمس وتسعين (الاوزاعى) اسمه عبد
الرحمن بن عمرو امام الشام في عصره. قال الذهبي كان رأسا في العلم والعبادة
مات في الحمام في صفر سنة سبع وخمسين ومائة. قال النووي وهو منسوب الى موضع
بباب الفراديس يقال له الاوزاع وقيل الى قبيلة وقيل غير ذلك (يحيى بن أبي
كثير) هو الامام أبو نصر اليمني الطائي مولاهم قال أيوب ما بقى على وجه
الارض مثل يحيى بن أبي كثير وكان عابدا عالما ثبتا مات سنة مائة وتسع
وعشرين (محمد بن ابراهيم التيمى) هو المدني أبو عبد الله الفقيه ثقة قال
أحمد روي مناكير مات سنة اثنتي عشرة ومائة (عبد الله بن عمرو بن العاص) ابن
وائل السهمي يكنى أبا محمد وأبا عبد الرحمن أسلم قبل أبيه
(1/82)
بأشد شئ صنعه المشركون برسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم قال بينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلى في حجر
الكعبة اذ أقبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقا شديدا فاقبل
أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه ودفعه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال
أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله الآية* وبه قال حدثنا أحمد بن اسحق حدثنا
عبد الله بن موسي قال حدثنا اسرائيل عن أبي اسحق عن عمرو بن ميمون عن عبد
الله بن مسعود قال بينما رسول الله صلى وكان فاضلا عالما قرأ القرآن والكتب
المتقدمة. قال أبو هريرة ما كان أحد أحفظ لحديث رسول الله صلى الله عليه
وسلم مني الا عبد الله بن عمرو فانه كان يكتب ولا أكتب قال سعى بن مانع قال
لى عبد الله حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف مثل توفي بالطائف
وقيل بمصر سنة خمس وستين (ابن أبي معيط) بمهملتين مصغر (خنقا) بكسر النون
وسكونها (احمد بن اسحاق) هو السلمي السرماري البخاري من يضرب بسخائه المثل.
وقال الذهبى وغيره قتل ألفا من الترك توفي سنة اثنتين وأربعين ومائتين. قال
أبو محمد الاصيلي ينسب الى قرية تدعي سرمار بفتح السين ويقال بكسرها (عبيد
الله بن موسي) هو ابو محمد العبسي الحفاظ وثقه ابن معين وأبو حاتم والعجلي
وعثمان بن أبي شيبة وآخرون. قال ابن سعد كان ثقة صدوقا حسن الهيئة على
تشيعه وبدعته. وروى أحاديث في التشيع منكرة فمن ثم ضعفه كثير وعاب عليه
أحمد غلوه في التشيع مع تقشفه وعبادته مات في ذي القعدة سنة ثلاث عشرة
ومائتين (اسرائيل) هو ابن يونس بن أبى اسحاق الشيعى أحد الاثبات. قال أحمد
ثقة وتعجب من حفظه وقال مرة هو وابن معين وأبو داود كان أثبت من شريك وقال
أبو حاتم هو من أتقن أصحاب أبي اسحاق وضعفه ابن المدنى توفي سنة اثنتين
وستين ومائة (أبي اسحاق) اسمه عمرو بن عبد الله الهمذانى الشيعي أحد
الاعلام. قال الذهبي وكان صواما قواما عاش خمسا وتسعين سنة ومات سنة سبع
وعشرين ومائة وهو منسوب الى سبيع بوزن سميع. ابن سبيع بطن من العرب قاله في
القاموس (عمرو بن ميمون) هو الاودي أبو عبد الله ادرك الجاهلية وأسلم في
زمان النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره فهو معدود من كبار التابعين وكان
كثير الحج والعبادة مات سنة أربع وسبعين (عن عبد الله بن مسعود) هو ابن
غافلة بالمعجمة والفاء ابن غنم بن سعد بن قريم بن صاهلة بن كاهل بن سعد بن
هذيل بن مدركة قديم الاسلام شهد بدرا والمشاهد كلها قال صلى الله عليه وسلم
لو كنت مؤمرا أحدا على أمتى من غير مشورة لامرت عليهم ابن أم عبد أخرجه
أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم من حديث على وأم عبد أمه هى بنت عبد ود من
هذيل. أيضا قال الذهبى روي ان عبد الله خلف تسعين ألف دينار سوى الرقيق
والمواشى وكانت وفاته بالمدينة كما سبق قال فيه عمر رضي الله عنه كنيف ملئ
علما. قال النووى في التهذيب الكنيف تصغير كنف وهو الوعاء الذى يجعل فيه
الخياط أداته كانه أشار الى قصر ابن مسعود وكان قصيرا حتى يكاد الجالس
يوازيه وهو تصغير تحبب وتعظيم لا تصغير تحقير. ونقل بعضهم عن أهل التواريخ
ان طول عبد الله كان ذراعين
(1/83)
الله عليه وآله وسلم قائم يصلى عند باب
الكعبة وجمع قريش في مجالسهم اذ قال قائل منهم ألا تنظرون الى هذا المرائى
أيكم يقوم الى جزور آل فلان فيعمد الى فرثها ودمها وسلاها فيجئ به ثم يمهله
حتى اذا سجد وضعه بين كتفيه فانبعث أشقاهم فلما سجد رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم وضعه بين كتفيه فثبت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ساجدا
فضحكوا حتى مال بعضهم على بعض من الضحك فانطلق منطلق الى فاطمة وهي جويرية
فاقبلت تسعى وثبت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ساجدا حتى ألقته عنه
وأقبلت عليهم تسبهم فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة قال
اللهم عليك بقريش ثلاثا ثم سمى اللهم عليك بعمرو بن هشام وعتبة بن ربيعة
وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبى معيط وعمارة ابن
الوليد قال عبد الله والله لقد رأيتهم صرعى يوم بدر ثم سحبوا الى القليب
قليب بدر ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأتبع أهل القليب لعنة.
وبه قال حدثنا الحميدى حدثنا سفيان (عند باب الكعبة) لمسلم عند البيت (وجمع
قريش في مجالسهم) له وأبو جهل في أصحاب له جلوس وقد نحروا جزورا بالامس (اذ
قال قائل منهم) فيه انه أبو جهل (جزور) بفتح الجيم (فيعمد) بفتح الميم في
المستقبل وكسرها في الماضي أفصح من عكسه (فرثها) بفتح الفاء وسكون الراء ثم
مثلثة أى رجيعها (وسلاها) بفتح المهملة وتخفيف اللام والقصر اللفافة التى
يكون فيها الولد في بطن الناقة وسائر الحيوانات وهي من الآدميين المشيمة
(فانبعث أشقاهم) في احدي روايات مسلم انه عقبة بن أبي معيط (فوضعه بين
كتفيه) قال في الديباج. فان قيل كيف لم يخرج من الصلاة بهذه النجاسة. أجاب
النووي بانه لم يعلم ما هي (حتي مال) أي سقط (من) شدة (الضحك) زاد مسلم
والبخاري في رواية وانا قائم أنظر لو كانت لى منعة طرحته عن ظهر رسول الله
صلى الله عليه وسلم (فانطلق) أى ذهب (جويرية) اي صبية تسعي أي تعدو (اللهم
عليك بقريش ثلاثا) زاد مسلم والبخاري في رواية وكان اذا سأل سأل ثلاثا وانه
رفع صوته وانهم لما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته ففيه ندب تثليث
الدعاء ورفع الصوت به اذا ترتب على ذلك ارهاب للكفار (بعمرو بن هشام) يعنى
أبا جهل وبدأ به لانه كان السبب في ذلك كما مر (والوليد بن عتبة) ووقع في
مسلم عقبة بالقاف وهو غلط (فو الله لقد رأيتهم) أي معظمهم فان عمارة بن
الوليد هلك بالحبشة وعقبة بن أبي معيط حمل من بدر أسيرا وقتل بعرق الظبية
كما سيأتي (صرعى) جمع صريع بالاهمال بوزن سميع أي هالك زاد مسلم والبخاري
في بعض الروايات قد غيرتهم الشمس وكان يوما حارا (ثم سحبوا) أي ما عدا أمية
بن خلف فانه تقطعت أوصاله فلم يلق في البئر (الفليب) بالقاف والموحدة البئر
التي لم تطو (الحميدي) مصغر هو عبد الله بن الزبير القرشي الاسدي المكي
الفقيه أحد الاعلام. قال الفسوي ما لقيت أنصح للاسلام وأهله منه مات سنة
تسع عشرة ومائتين (سفيان) هو ابن عيينة أبو محمد الهلالي مولاهم الكوفي
الاعور أحد الاعلام ثقة ثبت حافظ امام
(1/84)
حدثنا بيان واسماعيل قالا سمعنا قيسا يقول
سمعت خبابا يقول أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد برده وهو في ظل
الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة فقلت ألا تدعو الله تعالى فقعد وهو محمر
وجهه فقال لقد كان من قبلكم ليمشط بامشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو
عصب ما يصرفه ذلك عن دينه ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ما
يصرفه ذلك عن دينه وليتمنّ الله عز وجل هذا الامر حتى يسير الراكب من صنعاء
الى حضرموت ما يخاف الا الله عز وجل او الذئب على غنمه. وهذا من احسن
الاحاديث الدالة على التأسى وهو في ضمن قوله تعالى أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ
تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ
قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى
يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ
على تدليس فيه مات في رجب سنة سبع وتسعين ومائة (بيان) بفتح الموحدة
والتحتية هو ابن نسر المؤذن يكنى أبا بشر (واسمعيل) هو ابن أبي خالد الكوفي
الحافظ الطحان توفي سنة ست وأربعين ومائة (قيسا) هو ابن أبي حازم أبو عبد
الله البجلي الاخمسي أسلم في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يره
وهو من كبار التابعين روي عن العشرة الا عبد الرحمن بن عوف وثقوه الا يحيى
بن سعيد فانه قال هو منكر الحديث ثم ذكر له حديث نباح كلاب الحوأب مات سنة
سبع وتسعين (خبابا) هو ابن الارت أبو عبد الله التميمى ويقال الخزاعي حليف
بني زهرة قال الكاشغري وهو عربي سبي في الجاهلية فبيع بمكة وهو ممن سبق الى
الاسلام سادس ستة وعذب في الله تعالى مات سنة سبع وثلاثين وهو ابن ثلاث
وسبعين سنة وصلى عليه علي بن أبى طالب (برده) نوع من أكسية اليمن اسود مربع
فيه صغر يلبسه الاعراب وجمعه برد قاله الجوهري (فقعد وهو محمز وجهه) قيل من
النوم وقيل من الغضب (بامشاط) في رواية للبخاري بمشاط جمع مشط كرمح ورماح
وارماح (المنشار) بكسر الميم مع الهمز وقد يترك همزه وقد يبدل نونا (من
صنعاء) بالمد قصبة اليمن قيل هي أوّل مدينة بنيت بعد الطوفان بناها سام بن
نوح (حضرموت) مدينة باليمن يجوز فيها بناء الاسمين وبناء الاول واعراب
الثاني قيل سميت بذلك لان هودا أو صالحا لما دخلها حضره الموت وقيل ان
صالحا مات بمكة وبين حضرموت وصنعاء نحو اثنتي عشرة مرحلة والمراد من ذلك
بيان انتفاء الخوف عن المسلمين من الكفار فانتفاء ما قيل من عدم المبالغة
في الامن لقرب المسافة بينهما ويحتمل ان المراد صنعاء الروم أو صنعاء دمشق
(تنبيه) أخرج هذا الحديث أيضا من حديث خباب مسلم وأبو داود والنسائى (ما
يخاف الا الله الى آخره) هذا من اعلام النبوة قيل يقع في آخر الزمان وقيل
بل وقع (التأسى) هو الاقتداء والاتباع (أم حسبتم) أى حسبتم والميم صلة قاله
الفراء أو بل حسبتم قاله الزجاج ومعناه أظننتم أيها المؤمنون (ولما) أي ولم
وما صلة (مثل) أي شبه (خلوا) أي مضوا وسلفوا (من قبلكم) أي من النبيين
والمرسلين (مستهم) أي أصابتهم (البأساء) أى الفقر والشدة والبلاء (والضراء)
أي المرض والزمانة (وزلزلوا) أي حركوا بأنواع البلايا والرزايا وخوفوا (حتى
يقول) أي حتى قال فمن ثم قرأ نافع برفع اللام لان حتى تستعمل في المستقبل
الذى بمعنى الماضى على أحد وجهين له (متى نصر الله)
(1/85)
أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ وقوله
تعالى وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما
وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ الآيات الثلاث وقوله تعالى فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ
أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ والآيات في هذا المعنى كثيرة مشهورة. ومن
ذلك ما رويناه في صحيح مسلم بروايتي له عن شيخي الامام الحافظ المسند تقى
الدين محمد بن محمد بن محمد بن محمد القرشى الهاشمى العلوى عرف بابن فهد
إجازة مشافهة بالمسجد الحرام سنة خمس وثلاثين وثمانمائة وهو ما سمعته على
غيره قال انا الشيخ الامام العلامة زين الدين ابو بكر بن الحسين بن عمر
العثماني المراغي ثم المدنى سماعا عليه انا به ابو الفتح عبد الرحمن بن
محمد بن عبد الحميد المقدسى انا به ابو العباس احمد بن عبد الدائم المقدسي
انا به ابو عبد الله محمد بن علي بن صدقة الحراني انا به مسند الآفاق محمد
بن الفضل الفراوي ما زال بهم البلاء حتى قالوا ذلك استبطاء للنصر (الا ان
نصر الله قريب) لان كل ما سيجيء فهو قريب وكان نزول هذه الآية في غزوة
الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد وشدة البرد والخوف وضيق العيش
وأنواع الاذى كما قال تعالى وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ قاله قتادة
والسدي وقيل بل في شأن الهجرة وما تركوا لله عز وجل من الاموال والديار
بمكة في أيدي المشركين ووقعوا فيه من المحنة باليهود قاله عطاء بن أبي رباح
وقيل نزلت في حرب أحد (وقوله) بالجر عطف على الاول (وَكَأَيِّنْ) قرأه
الجمهور بوزن كعين وقرأه ابن كثير على وزن فاعل ومعناه وكم (قاتَلَ مَعَهُ)
وقاتل قراءتان مشهورتان (رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) أى جموع كثيرة (فَما
وَهَنُوا) أى فما جبنوا (أُولُوا الْعَزْمِ) أي ذوو الحزم والجد والصبر
(مِنَ الرُّسُلِ) تبعيضية وأولو العزم هم نجباء الرسل المذكورون في سورة
الانعام وهم الذين أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم ان يقتدى بهم وقيل هم
ستة نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى المذكورون على النسق فى سورة الاعراف
والشعراء وقال مقاتل هم ستة نوح صبر على أذى قومه وابراهيم صبر على النار
واسحاق صبر على الذبح ويعقوب صبر على فقد ولده وذهاب بصره ويوسف صبر على
البئر والسجن وأيوب صبر على الضر وقال ابن زيد هم جميع الرسل ما عدا يونس
وقال ابن عباس وقتادة وهم نوح وابراهيم وموسى وعيسى أصحاب الشرائع فهم مع
محمد صلى الله عليه وسلم خمسة وسيأتي ذكرهم في كلام المصنف (المسند) اسم
فاعل من الاسناد وهو ان تنسب الحديث الى غيرك (تقي الدين) بالفوقية (عرف)
بالتخفيف والتشديد (بابن فهد) على لفظ الفهد المعروف (المقدسي) بكسر الدال
نسبة الى بيت المقدس (صدقة) بالمهملتين والقاف بوزن شجرة (الحرانى) بفتح
المهملة وتشديد الراء وبعد الالف نون كمامر (الفراوي) بفتح الفاء وتخفيف
الراء.
قال النووي منسوب الى فراوة بليدة من ثغر خراسان قال وهو بفتح الفاء وضمها
فاما الفتح فهو المشهور المستعمل بين أهل الحديث وغيرهم ونقل عن السمعاني
وغيره انه ضبطه بفتح الفاء فقط وكانت وفاته في
(1/86)
انابه أبو الحسين عبد الغافر بن محمد
الفارسي انا به ابو احمد الجلودى حدثنا ابو اسحق ابراهيم بن محمد بن سفيان
(ح) وكما يرويه شيخنا تقى الدين اعلا من هذه الدرجة عن شيخه المسند ابراهيم
بن محمد بن صديق الدمشقى عن ابي النون يونس بن ابراهيم ان ابا الحسن على بن
عبد الله انبأه عن الحافظ ابى الفضل محمد بن ناصر ان الحافظ ابا القاسم عبد
الرحمن بن محمد بن منده أنبأه عن محمد بن زكرياء النيسابوري ثنا به مكى بن
عبدان قال وابن سفيان ثنا به الحافظ ابو الحسين مسلم بن الحجاج القشيرى
رحمه الله. قال وحدثني ابو الطاهر احمد بن عمرو بن سرح وحرملة بن يحيى وعمر
بن سواد العامرى والفاظهم متقاربة قالوا انا ابن وهب أخبرنى يونس عن ابن
شهاب حدثنى عروة بن الزبير ان عائشة زوج العشر الاواخر من شوال سنة ثلاثين
وخمسمائة (عبد الغافر الفارسي) هو ابن أحمد بن محمد بن سعيد الفارسي الفسوي
النيسابورى التاجر كان شيخا ثقة صالحا محفظوظا دينا ودنيا عاش خمسا وتسعين
سنة وألحق احفاد الاحفاد بالاجداد. وتوفي يوم الثلاثاء ودفن يوم الاربعاء
السادس من شهر شوال سنة ثمان وأربعين وأربعمائة على الصحيح (أبو أحمد) هو
محمد بن عيسى بن محمد بن عبد الرحمن بن عمرويه بن منصور النيسابوري
(الجلودى) بضم الجيم منسوب الى الجلود المعروفة أو الى حلة الجلوديين
بنيسابور الدارسة قولان. وغلط ابن السكيت وابن قتيبة فقالا ان الجلودى بفتح
الجيم منسوب الى جلود اسم قرية بافريقية أو بالشام الا أن يريدا من نسب الى
هذه القرية فهو مفتوح وقد مر ان الجلودي ليس منسوبا اليها وكان الجلودى
شيخا صالحا زاهدا من كبار عباد الصوفية صحب أكابر المشايخ من أهل الحقائق
وكان ينسخ الكتب ويأكل من كسب يده وكان متمذهبا بمذهب سفيان الثوري مات يوم
الثلاثاء الرابع والعشرين من ذى الحجة سنة ثمان وستين وثلثمائة عن ثمانين
سنة. قال الحاكم أبو عبد الله وختم بوفاته سماع صحيح مسلم (أبو اسحق
ابراهيم بن محمد بن سفيان) النيسابوري الفقيه الزاهد العابد المجتهد
المستجاب الدعوة مات فى رجب سنة ثمان وثلاثمائة (صديق) بالتشديد (ابن منده)
بفتح الميم والمهملة بينهما نون ساكنة (زكريا) بالمد والقصر (ابن عبدان)
بفتح المهملة وكسرها ثم موحدة (قال وابن سفيان) أي قال مكى بن عبدان
المذكور في السند الثاني ومحمد بن سفيان المذكور في السند الاول (أحمد بن
عمرو) بن عبد الله بن عمرو (ابن سرح) بمهملات هو المصرى مولي بني أمية توفي
سنة خمس وعشرين ومائتين (حرملة بن يحيى) ابن عبد الله بن حرملة بن عمران
التجيبي. قال فيه سفيان كان صندوقا من أوعية العلم. وقال أبو حاتم لا يحتج
به مات سنة ثلاث وأربعين ومائتين عن سبع وسبعين سنة (عمرو بن سواد) بفتح
المهملة وتشديد الواو هو العامري كان ثقة مأمونا مات سنة خمس وأربعين
ومائتين (ابن وهب) بفتح الواو وسكون الهاء ثم موحدة هو أبو محمد الفهري
مولاهم أحد الاعلام. قال يونس بن عبد الاعلى طلب للقضاء فجنن نفسه وانقطع
توفي سنة سبع وتسعين ومائة (يونس) بن يزيد الايلي أحد الاثبات توفي سنة تسع
وخمسين
(1/87)
النبى صلى الله عليه وآله وسلم حدثته أنها
قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من
يوم أحد فقال لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة اذ عرضت
نفسى على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني الى ما أردت فانطلقت وأنا
مهموم على وجهى فلم أستفق الا بقرن الثعالب فرفعت رأسى فاذا أنا بسحابة قد
اظلتنى فنظرت فاذا فيها جبريل عليه السلام فنادانى فقال يا محمد ان الله قد
سمع قول قومك وما ردوا عليك وقد بعث اليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم
قال فناداني ملك الجبال وسلم على فقال يا محمد ان الله قد سمع قول قومك لك
وأنا ملك الجبال وقد بعثنى ربك اليك لتأمرنى بما شئت إن شئت ان اطبق عليهم
الاخشبين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل ارجو ان يخرج الله من
اصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيأ وابن عبد ياليل هذا وإخوته رؤساء
أهل الطائف وكان هذا حين قدم عليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعوهم
الى الله تعالى فأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون خلفه حتي اجتمع
عليه الناس وسيأتى خبرهم فيما بعد ان شاء الله تعالى عند ذكر عرض نفسه على
القبائل صلى الله عليه وآله وسلم.
ومائة (وكان أشد) بالضم والفتح (ياليل) بالتحتية بوزن هابيل (كلال) بضم
الكاف وتخفيف اللام واسم ابن عبد ياليل هذا كنانة أسلم وحسن اسلامه على
الصحيح وقيل لم يسلم ومات بأرض الروم (مهموم) أي قد غشينى الهم (فلم أستفق)
أى لم أتفطن لنفسى (بقرن الثعالب) هو قرن المنازل ميقات أهل نجد على
مرحلتين من مكة أضيف الى الثعالب لكثرتها به (أظلتني) بالمعجمة فقط (ملك
الجبال) أي الموكل بها.
قال ابن حجر ولم يسم (الاخشبين) تثنية أخشب بمعجمتين وموحدة بوزن أحمد
والاخشبان جبلا مكة أبو قبيس ومقابله المشرف على قعيقعان سمى الجنحتان أو
الخط بضم المعجمة بعدها مهملة. وقال أبو وهب الاخشبان الجبلان اللذان تحت
العقبة بمنى تحت المسجد (ارجوان يخرج الله من أصلابهم الى آخره) فيه مع
صبره وحلمه وشفقته ورأفته ورحمته وحرصه على هداية أمته صلى الله عليه وسلم
معجزة له فقد وقع الامر كما رجا أسلم كثير ممن خرج من أصلابهم وهذا الحديث
في صحيح البخاري وغيره أيضا (الطائف) بلد على مرحلتين أو ثلاث من مكة من
جهة المشرق. قال في التوشح قيل ان أصلها ان جبريل اقتلع الجنة التي كانت
لاصحاب الصريم فسار بها الى مكة فطاف بها حول البيت ثم أنزلها حول الطائف
فسمى الموضع بها وكانت أولا بنواحي صنعاء انتهى. قال السهيلي وكانت تلك
الجنة بحوران على فراسخ من صنعاء فمن ثم كان الماء والشجر بالطائف دون ما
حولها من الارضين انتهى وقيل سميت بذلك لان رجلا من كندة من حضرموت أصاب
دما من قومه فلحق بثقيف فأقام فيهم وقال لهم ألا أبني لكم حائطا يطيف
ببلدكم فبناه فسمى به الطائف ذكره البكري وغيره وفي تفسير البغوى وغيره ان
جبريل اقتلع أرض الطائف من الاردن وفلسبطين والله أعلم (فأغروا) من الاغراء
وهو التحريش (يسبونه) السب هو ذكر الشخص بما ليس فيه
(1/88)
ولما نزل قوله تعالى وَأَنْذِرْ
عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ صعد صلى الله عليه وآله وسلم على الصفا فجعل
ينادى يا بنى فهر يا بنى عدي لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل اذا لم
يستطع ان يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو فجاء أبو لهب وقريش فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم أرأيتكم لو أخبرتكم ان خيلا بالوادي تريد ان تغير
عليكم أكنتم مصدقي قالوا نعم ما جربنا عليك الا صدقا قال فانى نذير لكم بين
يدي عذاب شديد فقال أبو لهب تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا فنزلت تبت يدا
ابى لهب وتب ما اغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارا الآية رواه البخارى وفي
رواية فيه قال يا معشر قريش او كلمة نحوها اشتروا انفسكم لا أغنى عنكم من
الله شيأ يا بنى عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيأ يا عباس بن عبد المطلب
لا أغنى عنك من الله شيأ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ زاد
البخارى ومسلم وغيرهما في بعض الروايات ورهطك منهم المخلصين وكان ذلك قرآنا
ثم نسخ (صعد) بكسر العين في الماضى وفتحها في المستقبل (فجعل ينادي يا بني
عدي الى آخره) للبغوي وغيره انه نادى يا صباحاه (أبو لهب) اسمه عبد العزى
وكني بذلك لان وجهه كان يتلهب جمالا.
قال بعضهم وذلك لما علم الله انه من أهل النار ذات اللهب (أرأيتكم) أي
ارأيتم والكاف للتأكيد معناه الاستخبار أى أخبرونى وفوقيته مفتوحة في
الواحد والمثنى والجمع ويقال للمؤنث بكسر الفوقية والكاف وفي الجمع كجمع
المذكر لكن بنون بدل الميم (لو اخبرتكم الى آخره) فان قلت لم قدم النبي صلى
الله عليه وسلم ذلك قبل الابلاغ (قلت) جعله توطئة له وليعلم بذلك أنهم لا
يتهمونه بالكذب وان كفرهم مجرد جحود (خيلا) اسم جنس لا واحد له من لفظه
(بالوادي) فيه الاشارة الى قرب العذاب الذى جعل هذا مثلا له (ان تغير) بضم
أوله رباعى وفي رواية صحيحة لو أخبرتكم ان العدو مصبحكم أو ممسيكم أما كنتم
تصدقوني قالوا بلى (مصدقى) بتشديد الياء مكسورة أو مفتوحة (نعم) بفتح العين
وكسرها قرئ بهما في القرآن والرواية بالفتح (تبت) أى خابت وخسرت والتباب
الهلاك والخسار (يدا أبي لهب) أى هو واليدان صلة (وتب) قرئ شاذا وقد تب
الاول دعاء والثاني خبر كما يقال أهلكه الله وقد فعل (رواه) من حديث ابن
عباس (البخارى) ومسلم والترمذي (يا معشر قريش) المعشر الجماعة (أو) قال
(كلمة) شك من الراوى اشتروا أنفسكم أى آمنوا فاشتروا بالايمان نفوسكم لا
أغنى عنكم من الله شيأ معنى ذلك اني لا أنفع بمحض القرابة من لم يؤمن منكم
كابى طالب وأبى لهب والتخفيف من العذاب عنهما في النار ليس هو لمحض القرابة
بل لامر آخر مذكور في نص الحديث وهذا يوافق معنى قوله صلى الله عليه وسلم
من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه أخرجه مسلم وغيره ولا ينافيه قوله صلى
الله عليه وسلم أوّل من أشفع له يوم القيامة من أمتي أهل بيتي ثم الاقرب
فالاقرب من قريش ثم الانصار ثم من آمن بي واتبعنى من اليمن ثم من سائر
العرب ثم الاعاجم ومن أشفع له أولا أفضل أخرجه الطبراني في المعجم الكبير
من حديث ابن عمرو لان هذا فيمن تتأتى فيه الشفاعة وأما من لم يؤمن ولو كان
في أعلا درجات القرب منه صلى الله عليه وسلم فليس بهذه المثابة
(1/89)
ويا صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم لا أغنى عنك من الله شيأ ويا فاطمة بنت محمد سلينى ما شئت من مالى لا
أغنى عنك من الله شيأ
[تتمة لهذا المطلب في العوارض البشرية التى
لحقته صلى الله عليه من جراء ذلك]
(قال المؤلف) كان الله له جميع ما ذكرناه مما اصابه صلى الله عليه وآله
وسلم من الامتحان على تبليغ الرسالة قال في معناه القاضى عياض رحمه الله
وفيما أصابه أيضا من الاوجاع والاسقام قال وهذا كله ليس بنقيصة فيه لان
الشىء انما يسمى ناقصا بالاضافة الى ما هو أتم منه وأكمل من نوعه وقد كتب
الله على أهل هذه الدار فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون وخلق جميع
البشر بمدرجة الغير فقد مرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واشتكي
وأصابه الحر والقر وأدركه الجوع والعطش ولحقه الغضب والضجر وناله الاعياء
والتعب ومسه الضعف والكبر وسقط فجحش شقه وشجه الكفار وكسروا رباعيته وسقي
السم وسحر وتداوى واحتجم وتنشر وتعوذ ثم قضى نحبه ولحق بالرفيق الاعلى
وتخلص من دار الامتحان والبلوى وهذه سمات البشر التي لا محيص عنها وأصاب
غيره من الانبياء ما هو أعظم منها فقتلوا قتلا ورموا في النار ونشروا ولا
ينافي الحديث الآخر قوله صلى الله عليه وسلم كل نسب وصهر ينقطع يوم القيامة
الا نسبي وصهرى أخرجه ابن عساكر من حديث ابن عمر لان معناه عدم ظهور آثار
النسب يومئذ الا اليه صلى الله عليه وسلم فان أثره يظهر في شفاعته لقرابته
قبل باقى الامة كما مر (يا بني عبد) بالجر بالاضافة (يا عباس ابن) بنصب ابن
وفي الاول الرفع والنصب وكذا يا صفية عمة ويا فاطمة بنت (وخلق البشر) هو من
أسماء بنى آدم (بمدرجة) بالدال المهملة والراء بوزن ترجمة هى المذهب
والمسلك والطريق كما مر (الغير) بكسر المعجمة وفتح التحتية. قال الشمنى هو
الاسم من قولك غيرت الشيء فتغير (والقر) بضم القاف هو البرد (فجحش) بضم
الجيم وكسر المهملة ثم معجمة أي خدش (وسقى السم) بتثليث السين والفتح والضم
أفصح (وتنشر) من النشرة وهي الرقية والتعويذ وسميت بذلك لأنها تنشر عن
صاحبها أى تجلي عنه. قال ابن الانصارى وفي كتب وهب بن منبه ان النشرة ان
يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر فيدقه بين حجرين ثم يضربه بالماء ويقرأ فيه آية
الكرسي وذوات قل أى قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد والمعوذتين ثم
يحسو منه ثلاث حسوات ويغتسل به فانه يذهب كل عاهة ان شاء الله وهو جيد
للرجل اذا حبس عن أهله. وذكر النووى خلافا للسلف في جوازها وان الصحيح
الجواز. قال السهيلي وذكر البخاري عن سعيد بن المسيب انه سئل عن النشرة
للذى يؤخذ عن أهله فقال لا بأس لم ينه عن الصلاح انما نهي عن الفساد ومن
استطاع ان ينفع أخاه فلينفع انتهى وأخرج أبو داود حديثا مرفوعا ان النشرة
من عمل الشيطان وذلك محمول على نشرة فيها شئ من الاسماء العجمية والطلاسم
التي لا برهان عليها فقد صرح العلماء بتحريم استعمال ما كان من الاسماء
بهذه المثابة (وتعوذ) أى استرقى (بالرفيق الاعلى) قال ابن الاثير هم
الانبياء والصديقون والشهداء والصالحون وقيل هو مرتفق الجنة وقيل الرفيق
الاعلى الله سبحانه وتعالى لانه رفيق بعباده. وقال ابن قرقول أهل اللغة لا
يعرفون هذا ولعله تصحيف من الرفيع (سمات البشر) علاماتهم جمع سمة وهى
العلامة (فقتلوا قتلا) أى كزكريا ويحيى (ونشروا)
(1/90)
بالمناشير ومنهم من وقاه الله ذلك في بعض
الاوقات ومهم من عصمه الله كما عصم نبينا صلي الله عليه وآله وسلم بعد نزول
قوله تعالى وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فلئن لم يكف نبينا ربه يد
ابن قميئة يوم أحد ولا حجبه عن عيون عداه عند دعوته أهل الطائف فلقد أخذ
على عيون قريش عند خروجه الى ثور وأمسك عنه سيف غورث بن الحارث وحجر أبى
جهل وفرس سراقة* ولئن لم يقه من سحر ابن الاعصم فلقد وقاه الله ما هو أعظم
منه من سم اليهودية وهكذا سائر أنبيائه صلوات الله عليهم وسلامه مبتلى
ومعافي وذلك من تمام حكمته ليظهر شرفهم في هذه المقامات ويبين أمرهم وتتم
كلمته فيهم وليحقق بامتحانهم بشريتهم ويرفع الالتباس (بالمناشير) أي ككالب
بن نوفيا ولفظ الشفا ونشروا بالمناشير وقد تقدم ان المناشير بالهمز وتركه
وبالنون (ومنهم من وقاه الله ذلك) أي كابراهيم وموسى وقاهم الله عز وجل شر
عدويهما نمروذ وفرعون مع حرص كل منهما على قتل كل منهما من يوم ولادته الى
بلوغ أمد رسالته (والله يعصمك) اى يحفظك ويمنعك (من الناس) أي ممن أرادك
منهم بسوء وقيل معناه والله يخصك بالعصمة من بين الناس نزلت بعد أحد بل
سورة المائدة من آخر ما نزل من القرآن فلا يحتاج الى الجواب عما أصابه قبل
ذلك وأخرج الترمذي وغيره من حديث عائشة انه صلى الله عليه وسلم كان يحرس
حتى نزلت هذه الآية والله يعصمك من الناس فأخرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم رأسه من القبة فقال لهم يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله (نبيا)
مفعول (يد) فاعله (ابن قميئة) بفتح القاف وكسر الميم ثم همزة ممدودة على
وزن فعيلة وسيأتي ذكره في غزوة أحد (عداه) بكسر العين والقصر أي أعدائه
(الى ثور) كاسم الثور المعروف جبل من أسفل مكة مكث فيه النبي صلى الله عليه
وسلم وأبو بكر يوم الهجرة كما سيأتي (غورث بن الحرث) بمعجمة مفتوحة وقد تضم
فواو ساكنة فراء مفتوحة فمثلثة. قال البغوي والشمني وغيرهما أسلم وصحب
النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ولم يذكره ابن عبد البر وابن منده وأبو
نعيم في الصحابة وستأتي قصته (وحجر أبي جهل) أي الذي أراد ان يرمي به رسول
الله صلى الله عليه وسلم اذ رآه يصلي كما في سيرة ابن اسحاق وفي الصحيحين
من حديث أبي هريرة قال أبو جهل هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم قالوا نعم قال
واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لاطأن على رقبته أولا عفرن وجهه في
التراب فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي زعم ليطأ على رقبته فما
فجئه منه الا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه فقيل له مالك قال ان بيني
وبينه لخندقا من النار وهولا وأجنحة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو
دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا (وفرس سراقة) الفرس يقع على الذكر
والانثى وكانت فرس سراقة أنثى كما يدل عليه لفظ الحديث وسيأتى خبره في حديث
الهجرة (سحر ابن الاعصم) هو لبيد بن الاعصم من يهود بني زريق بالتصغير
وتقديم الزاي وقصته مشهورة في الصحيحين وغيرهما وكان ذلك في منصرف رسول
الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية (اليهودية) هي زينب بنت الحرث امرأة
سلام بن مشكم وسيأتي ذكرها في كلام المصنف (بشريتهم)
(1/91)
على أهل الضعف فيهم لئلا يضلوا بما يظهر من
العجائب على أيديهم ضلال النصارى بعيسى بن مريم ولتكون في محنتهم تسلية
لاممهم ووفور لاجورهم عند ربهم تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ اليهم
[مطلب في الكلام على تعذيب قريش للمستضعفين من
المؤمنين]
قال أهل السير ولما امتنع صلى الله عليه وآله وسلم بوقاية الله له ثم بعمه
أبي طالب وامتنع ذوو الاقدار بعشائرهم وحلفهم وجوارهم وبقى قوم من الضعفاء
والموالى في أيدى المشركين يعذبونهم أنواع العذاب فكانوا يأخذون عمار بن
ياسر وأباه وأمه وأخته فيقلبونهم فى الرمضاء ظهرا لبطن فيمر عليهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم وهم يعذبون فيقول صبرا آل ياسر فان موعدكم الجنة
وماتت سمية أم عمار بذلك فكانت أوّل قتيل في الاسلام في ذات الله ومات ياسر
وابنته بعدها وكان أمية بن خلف يخرج بلالا أي كونهم بشرا (ضلال النصارى)
سموا به لقول الحواريين نحن أنصار الله أو لانهم نزلوا قرية تسمى ناصره أو
لاغرابهم الى نصرة وهي قرية كان ينزلها عيسى (بعيسى بن مريم) وكان سبب
ضلالهم به ما ظهر على يديه من الخوارق ولكونه خلق من غير أب فقالوا هو ابن
الله كما أخبر الله عنهم قال أهل التاريخ حملت مريم بعيسى ولها ثلاث عشرة
سنة وقيل عشر سنين وولدته ببيت لحم من أرض أورشليم لمضي خمس وستين سنة من
غلبة الاسكندر على أرض بابل فأوحى الله اليه على رأس ثلاثين سنة ورفعه الله
من بيت المقدس ليلة القدر في شهر رمضان وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة وكانت
نبوته ثلاث سنين وعاشت أمه مريم بعد ان رفع ست سنين (فائدة) بيت لحم
بالعبرانية هو بيت المقدس وهو بكسر اللام وسكون المهملة وأما أورشليم فقال
ابن الاثير في النهاية هو بيت المقدس أيضا ومثله في القاموس ورواه بعضهم
بالمهملة وكسر اللام كانه عربه بالعبرانية السلام وروى عن كعب ان الجنة في
السماء السابعة بازاء بيت المقدس والصخرة لو وقع حجر منها لوقع على الصخرة
فمن ثم دعيت أورشليم ودعيت الجنة دار السلام (تسلية) بالرفع اسم يكون
(بوقاية الله) هي بكسر الواو مصدر (ثم بعمه) أتي بثم لدفع الشريك المنهي
عنه في المشيئة وهو قوله صلى الله عليه وسلم لا يقولن أحدكم ما شاء الله
وشاء فلان ولكن ما شاء الله ثم ما شاء فلان أخرجه أبو داود من حديث حذيفة
والنهي للتنزيه في حق سليم العقيدة والا فللتحريم بل قد يفضي الى الكفر
والعياذ بالله (وحلفهم) بكسر المهملة أى أهل حلفهم (أنواع) منصوب بنزع
الخافض (ابن ياسر) بالتحتية والمهملة والراء بوزن فاعل وهو مصروف (وأمه)
اسمها سمية بنت خياط وكانت سابع سبعة في الاسلام (وأخته) لم أقف على اسمها
(في الرمضاء) بفتح الراء وسكون الميم مع المد هي الارض الشديدة الحر (صبرا)
مصدر أي اصبروا صبرا (آل ياسر) بالنصب لانه منادى حذفت أداته (سمية)
بالمهملة وتشديد التحتية مصغر (أمية بن خلف) بن وهب بن حذافة بن جمح بن
عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤى والد صفوان رضي الله عنه قتل يوم بدر كافرا
وأخو أبي الذى قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد (يخرج بلالا) هو
ابن رباح بفتح الراء والموحدة واسم أمه حمامة هو المؤذن كان صادق الاسلام
طاهر القلب شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة حيث قال يا بلال
أخبرني
(1/92)
فيضع الصخور على صدره ويتركها كذلك حتى
يخشى أن يموت فيرفعها وبلال يقول أحد أحد وكان ورقة بن نوفل يمر عليه
فيقولى أحد أحد والله يا بلال ثم يقول ورقة والله لئن قتلتموه على هذا
لاتخذنه حنانا فاشتراه أبو بكر منه فأعتقه وأعتق أبو بكر على مثل ذلك ست
رقاب سابعهم عامر بن فهيرة فقال له أبوه يا بني لو أعتقت رجالا جلداء
يمنعونك فقال يا أبت انما أريد ما أريد فيقال ان هذه الآية نزلت فيه
فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى الى قوله وَما
لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى
بأرجى عمل عملته في الاسلام فاني سمعت دق نعليك قبلي في الجنة أخرجه
الشيخان وغيرهما وأخرج ابن عساكر عن الاوزاعي مفصلا خبر السودان أربعة
طهمان وبلال والنجاشى ومهجع وأخرجه ابن ماجه بدون ذكر النجاشي وذكر ابن حزم
انه لا يكمل حسن الحور العين في الجنة الا بسواد بلال فانه يعرف سواده
بشامتين في خدودهن شهد رضي الله عنه بدرا والمشاهد كلها وتوفى بدمشق ودفن
بباب الصغير سنة عشرين وهو ابن بضع وستين سنة وقيل مات سنة سبع عشرة وقيل
ثماني عشرة وقيل مات بحلب ودفن على باب الاربعين (فيضع الصخور) في سيرة ابن
اسحاق كان أمية يطرح بلالا على ظهره ببطحاء مكة ثم يأمر بالصخرة العظيمة
فتوضع (على صدره) ثم يقول لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد (فكان يمر
عليه ورقة بن نوفل) هذا وهم تبع فيه ابن هشام وابن اسحاق وغيرهما لان ورقة
يومئذ لم يكن حيا (أحد أحد) خبر مبتدأ محذوف أي الله أحد وكرره تأكيدا
(حنانا) بفتح المهملة ثم نونين بينهما ألف هو العطف قاله الجوهرى أو الرحمة
قاله ابن الاثير. وفي سيرة ابن سيد الناس أى لأتمسحن به وهو هنا أليق
(فاشتراه أبو بكر) قيل ببردة وعشر أواق وقيل بغلام له كما سيأتى قريبا وفي
سيرة ابن اسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه قال مر به أبو بكر يوما وهم يصنعون
به ذلك فقال لامية الاتتقى الله في هذا المسكين قال أنت أفسدته فانقذه مما
تري قال أبو بكر أفعل عندي غلام اسود أجلد منه وأقوى وهو على دينك أعطيكه
قال قد فعلت فاعطاه أبو بكر غلامه واسمه سبطاس وأخذ بلالا فاعتقه (ست رقاب)
وهم بلال وأم عميس وزبيرة وهي التي ذهب بصرها ثم رده الله اليها والنهدية
وابنتها وريحانة بني المؤمل (سابعهم عامر بن فهيرة) بالف وراء مصغر هو
البدرى الاحدى يكنى أبا عمرو وكان من مولدى الازد ومن السابقين الى الاسلام
كان قبل أبي بكر للطفيل بن عبد الله واستشهد يوم بئر معونة كما سيأتي (يا
بنى) بالتصغير وفي يائه الكسر والفتح (جلداء) بضم الجيم وفتح اللام فمهملة
فمد جمع جليد وهو القوى الشديد ويقال في جمعه جلاد وأجلاد (يا أبت) بكسر
آخره وفتحه (انما أريد) بعتقي هؤلاء (ما أريد) أي الذي أريده وهو طلب رضي
الله تعالى والدار الآخرة (فيقال ان هذه الآية نزلت فيه) وقيل في قصة أبي
الدحداح وهى قصة مشهورة ذكرها أهل التفسير والنووي في شرح مسلم على قول
النبي صلى الله عليه وسلم كم من عذق في الجنة معلق لابي الدحداح أخرجه أحمد
ومسلم وأبو داود والترمذي من حديث جابر بن سمرة (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى) أى
أنفق ماله في سبيل الله (وَاتَّقى) ربه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه
(وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى) أي بلااله الا الله أو بالجنة أو بموعود الله
أقوال (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ) أي يد (تُجْزى) أي يجازيه
(1/93)
إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى
وَلَسَوْفَ يَرْضى * قال سعيد بن جبير قلت لابن عباس أكان المشركون يبلغون
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يعذرون به في ترك دينهم قال
نعم والله ان كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر على أن
يستوي جالسا من الضر حتى يقولوا له اللات والعزى إلهك من دون الله فيقول
نعم وكذلك فعل معهم عمار حين غطوه في بئر ميمون وقالوا له اكفر بمحمد
فاعطاهم ذلك فاخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال كلا ان عمارا
ملئ إيمانا من قرنه الى قدمه واختلط الايمان بلحمه ودمه ثم أتي رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم فاخبره فقال كيف وجدت قبلك قال مطمئنا بالايمان
فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمسح دمعه وقال ان عادوا لك فعد
لهم بما قلت ونزل فيه وفي أمثاله قوله تعالى مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ
بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ الآية.
[مطلب في الكلام على الهجرة الأولى الى الحبشة وبيان من هاجر إليها من
الأصحاب]
وفي رجب في الخامسة من المبعث كانت هجرة الحبشة. وقد ذكر ابن اسحق وغيره
فيها أخبارا عجيبة عليها نزلت حين قال المشركون ما فعل ذلك أبو بكر لبلال
الاليد كانت له عنده (الا) أى لكن فعل ذلك (ابتغاء) أي طلب (وجه ربه
الاعلى) وطلب رضاه (ولسوف يرضي) في الآخرة بما يعطيه الله عز وجل من الجنة
والكرامة جزاء على ما فعل. واذا كانت الآية في أبي بكر كان فيه معنى لطيف
وهو مشاكلة موعوده وهو ولسوف يرضي بموعود رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
ولسوف يعطيك ربك فترضى ويكون فيه اشارة الى مقام الشفاعة وان أبا بكر يكون
له فيها أثرة على الصديقين كما لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيها أثرة
على سائر المرسلين والله أعلم (قال سعيد بن جبير) هو الوائلى مولاهم يكني
أبا محمد وأبا عبد الله أحد اعلام الدين قتل بشعبان شهيدا سنة خمس وتسعين
(من الضر) بضم الضاد وفتحها (كلا) هو نفى وابعاد (ملئ ايمانا من قرنه الى
قدمه) للنسائي من حديث عمرو بن شرحبيل عن رجل من أصحاب النبى ملئ عمار
ايمانا من قرنه الى مشاشه وهو بضم الميم ثم بمعجمتين بينهما ألف ساكنة جمع
مشاشة وهي رؤس العظام وهذا للمبالغة في وصف قوة ايمان عمار أي لو كان
الايمان جسما لملأ ما ذكر وخالط لحمه ودمه (ثم انى رسول الله صلي الله عليه
وسلم) في تفسير البغوي وغيره قال له النبي صلى الله عليه وسلم ما وراءك قال
شر يا رسول الله نلت منك وذكره (فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح
دمعه) فيه ما كان عليه صلي الله عليه وسلم من شدة الرحمة والشفقة (ان عادوا
لك) أي بالاكراه على الكفر (فعدلهم) بمقالتك فإنها لا تضرك مع كون قلبك
مطمئنا بالايمان والامر فيه للاباحة والا فمن اكره على الكفر فالترك في حقه
أولى (فائدة) أخرج الترمذي والحاكم من حديث عائشة ما خير عمار بين شيئين
الا اختار أيسرهما فلعل الاشارة منه الى الواقع له في هذه القصة وفيه منقبة
له فان ذلك من وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في شمائله
(ونزلت فيه وفي أمثاله) أي كصهيب وبلال وخباب وسالم (من كفر بالله من بعد
ايمانه) جوابه فعليهم غضب والاستثناء متوسط بينهما وعدم كفر المكره
بالاجماع. حديث هجرة
(1/94)
والملخص مما قالوه ان رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم لما رأى ما بأصحابه من البلاء ولم يكن أمر بالجهاد حينئذ
أمرهم بالمهاجرة الى الحبشة وقال لهم ان بها معايش وسعة وملكا عادلا لا
يسلم جاره فخرج اليها أولا سرا أحد عشر رجلا وأربع نسوة وهم عثمان بن عفان
وامرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والزبير وعبد الله بن
مسعود وعبد الرحمن ابن عوف وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وامرأته سهلة بنت
سهيل بن عمرو ومصعب بن عمير وأبو سلمة بن عبد الاسد وامرأته أم سلمة التي
صارت أم المؤمنين آخرا وعثمان بن مظعون وعامر بن ربيعة وامرأته ليلى بنت
أبى حثمة وحاطب بن عمرو وسهيل بن بيضاء وكان عليهم عثمان بن مظعون
واستأجروا سفينة بنصف دينار ثم خرج جعفر بن أبى طالب رضي الله عنه وتتابع
المسلمون حتى بلغوا اثنين وثمانين رجلا سوى النساء والصبيان وهي أوّل
الحبشة (عادلا) للبغوي في التفسير صالحا (لا يسلم جاره) أى لا يخذله
وللبغوي لا يظلم ولا يظلم عنده أحد فاخرجوا اليه حتى يجعل الله للمسلمين
فرجا (أبو حذيفة) اسمه كنيته (سهلة بنت سهيل) بن عمرو بن عبد شمس بن عبدود
بن نضر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤى احدى المستحاضات في زمنه صلى الله
عليه وسلم وكن احدي عشرة سودة بنت زمعة وزينب بنت جحش واختاها حمنة وأم
حبيبة بنتا جحش وأم حبيبة بنت أبي سفيان وأم سلمة وأسماء بنت عميس وأسماء
بنت مرثد وفاطمة بنت قيس وبادية بنت غيلان وسهلة المذكورة (ومصعب بن عمير)
بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصى (وأبو سلمة) بن عبد الاسد مضى ذكر
نسبه وان الاسد بالمهملة والمعجمة (أم سلمة) هند بنت أبي أمية بن المغيرة
ابن عبد الله بن عمرو بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب (وعثمان بن مظعون)
باعجام الظاء واهمال العين الجمحي أبو السائب الصائم القائم أوّل ميت
بالمدينة من المسلمين سنة اثنتين من الهجرة (بنت أبي حثمة) بمهملة مفتوحة
فمثلثة ساكنة اسمها ليلى وهى أم عبد الله بن عامر أخرج ابن منده وأبو نعيم
من حديث عبد الله هذا قال دعتنى أمي يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم
عندنا فقالت تعال أعطك فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أردت أن
تعطيه قالت تمرا فقال لها اما انك لو لم تعطه شيئا كتبت عليك كذبة (سهيل)
بن وهب بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن مالك بن منبه بن الحارث بن فهر القرشى
الفهري توفي سهل بالمدينة سنة تسع من الهجرة وصلى عليه رسول الله صلى الله
عليه وسلم في المسجد أخواه سهل وصفوان توفي سهل بالمدينة أيضا وصلى عليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد أيضا كما في صحيح مسلم وغيره من
حديث عائشة ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل وأخيه ابني
(بيضاء) الا في المسجد وسيأتى ان صفوان استشهد ببدر وأمهم بيضاء من بنى
الحارث بن فهر واسمها دعد لقبت البيضاء لشدة جمالها ذكرها ابن شاهين فيمن
له صحبة من النساء
(1/95)
هجرة في الاسلام ولما وصلوا الحبشة واستقرت
بهم الدار وأحسن لهم النجاشي الجوار
[مطلب في تعقب قريش لمهاجرى الحبشة وعودتهم
بالخيبة]
ونمت بذلك الاخبار اجتمع رأي من بمكة من المشركين الاغمار ان يوجهوا خلفهم
من يردهم عليهم ليفتنوهم فبعثوا عبد الله بن ابى ربيعة المخزومي وعمرو بن
العاصي السهمي ووجهوا معهم هدايا للنجاشي وخواصه فقدما على النجاشى وقدما
له ما عندهما من الهدايا وكلماه في شأنهم وصدقهما وزراؤه لما أصابوا من
الهدايا فعصم الله النجاشى وثبته وردهم خائبين بهداياهم* ولما علم ابو طالب
بما أجمعوا عليه من البعث الى النجاشى قال أبياتا وبعث بها الى النجاشى
يحضه على حسن جوارهم والدفع عنهم قال
الا ليت شعري كيف في النأي جعفر ... وعمرو وأعداء العدو الاقارب
وهل نالت افعال النجاشي جعفرا ... واصحابه او عاق ذلك شاغب
(النجاشي) بفتح النون وكسرها وآخره مشدد ومخفف كما مر (ونمت) بالنون مخفف
ومشدد (الاغمار) بالمعجمة جمع غمر بالضم وهو الجاهل (الهدايا) كانت من أدم
وغيره (وخواصه) هو من يختصه لقربه ومشورته. وللبغوي وبطارقته بفتح الموحدة
جمع بطريق بكسر الباء. قال الشمنى نقلا عن ابن الجواليقي هو بلغة الروم
القائد أي مقدم الجيوش وأميرها (وزراؤه) بضم الواو وفتح الزاي ممدود جمع
وزير وهو في الاصل المعين والموازر ثم استعمل في كل من كان مقربا عند
السلطان (فعصم الله) أي فحفظ (النجاشى) من الكفر قال البغوي وذلك ان كلا من
الفريقين عرض عليه دينه فقال لجعفر تكلمت بامر عظيم فعلى رسلك ثم أمر بجمع
كل قسيس وراهب فأنشدهم بالله هل تجدون بين عيسى وبين القيامة نبيا مرسلا
فقالوا اللهم نعم فسأل النجاشى جعفرا عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأمره ونهيه فاخبره بانه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقرأ عليهم كتاب
الله فقال اقرأ على مما يقرأ عليكم فقرأ عليهم سورة العنكبوت والروم وقيل
سورة مريم ففاضت عينا النجاشي وأصحابه من الدمع فاستزاده فقرأ سورة الكهف
فقال عمرو انهم يشتمون عيسى وأمه فسأل النجاشي عن ذلك فقرأ عليه سورة مريم
فلما أتى ذكرهما رفع النجاشي نفثة من سواكه وأقسم ما زاد المسيح على ما
يقولون هذا ثم أقبل على جعفر وأصحابه فقال اذهبوا فانتم سيوم بارضي بضم
المهملة أى آمنون ثم بشرهم وقال ابشروا ولا تخافوا فلا دهورة اليوم على حزب
ابراهيم فقال عمرو ومن حزب ابراهيم قال هؤلاء وصاحبهم ومن اتبعهم فانكر ذلك
المشركون ثم رد النجاشى عليهما المال الذى حملوه وقال انه رشوة وقال ان
الله ملكني ولم يأخذ مني رشوة قال جعفر وانصرفنا فكنا في خير دار واكرام
جوار وأنزل الله ذلك اليوم في خصومتهم في ابراهيم ان أولى الناس بابراهيم
الآية (يحضه) باهمال الحاء واعجام الضاد يحثه وزنا ومعنى (ألا) هي كلمة
تنبيه (ليت) تمن (شعرى) أى علمي (في النأي) أى في البعد مصدر نأى ينأى اذا
بعد (نالت أفعال) بكسر التاء من نالت وبوصل الهمزة ليتزن البيت وان كانت
التاء في الاصل ساكنة والهمزة مفصولة (أو عاق) بالمهملة والقاف أي منع (ذلك
شاغب) بالمعجمتين فالموحدة صائح بأعلى صوته
(1/96)
تعلم أبيت اللعن انك ماجد ... كريم ولا
يشقى لديك المجانب
تعلم بان الله زادك بسطة ... واسباب خير كلها بك لازب
وانك فيض ذو سجال غزيرة ... ينال الاعادي نفعها والاقارب
(قال المؤلف كان الله له) هكذا ذكره ابن هشام رواية عن ابن اسحق ان المرسل
مع عمرو هو عبد الله بن ابي ربيعة. وذكر في تفسير البغوى نقلا عن ابن اسحق
ايضا ان المرسل معه عمارة بن الوليد ولعل ذلك من رواية غير ابن هشام عنه
وكان عمارة معهما او في رسالة اخرى لكن في سياق القصتين إيهام من حيث اتحاد
جنس الهدية واشتباه اللفظ من جعفر والنجاشى وهما في القصتين واحسن ما يقال
تعدد الرسالتين فالاولى عقيب هجرتهم والثانية بعد بدر لطلب الثأر بمن اصيب
منهم بها كما هو مصرح به في القصة وفيها ان عمرا وعمارة تخلونا في سفرهما
ثم تكايدا عند النجاشى فكاد عمرو عمارة عنده حتى اتهمه ببعض نسائه فتحاشا
النجاشي من قتله وأمر السواحر فسحرنه فتوحش من الانس وهام على وجهه مع
الوحش حتى هلك هناك والله أعلم ثم ان مهاجرة (تعلم) بمعنى اعلم (أبيت
اللعن) أي الذم. قال ابن السكيت أي أبيت ان تأتي من الامور بما تلعن عليه
وهي تحية الملوك التي عناها من قال
ولكل ما نال الفتي ... قد نلته الا التحيه
(ماجد كريم) مترادفان (فلا يشقى) أي لا يخيب ولا يتعب (لديك) أي عندك
(المجانب) أى الذى جانبك (بسطة) أى فضلة وسعة في الملك (لازب) أى لازمة لك
لاصقة بك والباء والميم يتعاقبان (فيض) أى ذو فيض وهو الماء الكثير استعاره
لكثرة جوده وعطائه (ذو سجال) بكسر المهملة بعدها جيم جمع سجل بالفتح وهو
الدلو المملوءة ماء واستعير أيضا لما مر (غزيرة) بتقديم الزاى على الراء
والغزير الكثير من كل شيء (ينال الاعادي) فاعل (نفعها) مفعول (والاقارب)
عطف على الاعادى (وذكر في تفسير) الامام الحافظ محيى الدين حسين بن مسعود
الفراء (البغوى) قال النووى منسوب الى بغ مدينة بين هراة ومرو. وفي القاموس
ان اسمها بغشوب بفتح الموحدة قال وهي بلد بين هراة وسمرقند النسبة اليها
بغوى على غير قياس معرب كرسور أى الحفرة المالحة (نقلا عن ابن اسحاق) عن
ابن شهاب باسناده ورواه أيضا عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس (في سياق)
بكسر المهملة فتحتية خفيفة مصدر ساق يسوق (ايهام) مصدر أوهم يوهم (الثار)
بالمثلثة والراء مهموز (اتهمه) الضمير للنجاشى (فتحاشا من قتله) أى قال
حاشا ما أقتله (فأمر السواحر) جمع ساحرة وهو المتعاطي عمل السحر (مهاجرة)
جمع مهاجر كمقاتلة (بلغهم ان أهل مكة قد أسلموا) كان سبب ذلك سجودهم مع
النبى صلى الله عليه وسلم لما قرأ سورة
(1/97)
الحبشة بلغهم ان أهل مكة أسلموا فاستخف ذلك
الخبر منهم ثلاثة وثلاثين رجلا فأقبلوا راجعين حتى اذا دنوا من مكة بان لهم
فساد ذلك الخبر فلم يدخل احد منهم مكة الا بجوار أو مستخفيا فمنهم من أقام
بها حتى هاجر الى المدينة وشهد بدرا ومنهم من حبس حتى فاتته ومنهم من مات
بها وكان عثمان بن مظعون دخل في جوار الوليد بن المغيرة فانفذت قريش جواره
ودخل أبو سلمة بن عبد الاسد في جوار أبى طالب لكونه ابن أخته برة بنت عبد
المطلب فتعرضت له بنو مخزوم وأبت ان تنفذ جواره وقالوا لابى طالب هذا منعت
ابن اخيك محمدا فما لك ولصاحبنا فقال انه استجار بى وأنا ان لم أمنع ابن
اختى لم امنع ابن اخى فقام أبو لهب فقال يا معشر قريش والله لقد اكثرتم على
هذا الشيخ ما تزالون توثبون عليه في جواره من بين قومه والله لتنتهن عنه او
لنقو من معه في كل ما قام فيه حتى يبلغ ما اراد فتركوه مراعاة لابي لهب
فطمع ابو طالب حينئذ بابى لهب وقال يحرضه على نصرته ونصرة رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم
وان امرأ لابو عتيبة عمه ... لفى روضة ما ان يسام المظالما
والنجم وكانت أوّل سجدة نزلت في القرآن على ما قيل وكان سبب سجود المشركين
ليعارضو المسلمين بالسجود لمعبودهم أو كان ذلك منهم بلا قصد أو خافوا في
ذلك المجلس من مخالفتهم أقوال وقيل سبب ذلك ما ألقى الشيطان في أثناء قراءة
النبي صلى الله عليه وسلم من قوله تلك الغرانيق العلى وان شفاعتها لترتجي
قال البرماوى وغيره ولا صحة لهذا الخبر عقلا ولا نقلا انتهى (قلت) وتبع
القائل بذلك عياضا والفخر الرازى والبيهقى فانهم أنكروها أشد انكار وقالوا
هي من وضع الزنادقة وقد رد ذلك الحافظ ابن حجر بان طرقها كثيرة فقد أخرجها
ابن أبى حاتم والطبري وابن المنذر وابن مردويه والبزار وابن اسحاق في
السيرة وموسى بن عقبة في المغازى وأبو معشر. قال وثبت من طرق رجالها رجال
الصحيح وباقيها إما ضعيف وإما منقطع وبعضها تفرد بوصله أمية بن خالد وهو
ثقة مشهور فزعم عياض ومن مر أن رواياتها كلها لا أصل لها مندفع اذ من حفظ
حجة على من لم يحفظ فحينئذ يتعين تأويل ما وقع فيها مما يستنكر بمالا يخفى
على ذي بصر نافذ وأحسن ما يقال إن ابليس لعنه الله لما قال صلى الله عليه
وسلم أفرأيتم اللات والعزي ومناة الثالثة الاخرى قال بلسان نفسه تلك
الغرانيق العلي الى آخره مشبها صوته بصوت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فسمع ذلك من سمعه من المشركين فظن انه صلى الله عليه وسلم تلفظ به ولا مانع
يمنع هذا من قبل العقل لا سيما وقد صح به النقل والله أعلم (فاستخف ذلك
الخبر) فاعل (ثلاثة وثلاثين) مفعول (فأنفذت) بالفاء والمعجمة أى أجازت (ان
ينفذ) بضم أوله رباعي (استجاربي) بموحدة أو نون (توثبون) بفوقية فواو
فمثلثة مشددة مفتوحات أي تتوثبون (يحرضه) بالمهملة فالراء فالمعجمة أي يحضه
(ان امرأ) مثلث الراء مطلقا لكن الاولى اتباعها الهمزة ضما وفتحا وكسرا
(لابو) يزحف قليلا ليتزن البيت (عتيبة) بالفوقية والموحدة مصغر هو أحد
أولاد أبي لهب (لفي روضة) هي في الاصل البستان في غاية النضارة والحسن
واستعير للدعة والرفاهية (ما) هي نافية (وان) زائدة (يسام) مبنى للمفعول أي
ما ان يكلف ان يتحمل (المظالما)
(1/98)
أقول له وأين منه نصيحتي ... أبا معتب ثبت
سوادك قائما
ولا تقبلن الدهر ما عشت خطة ... تسب بها إما هبطت المواسما
وول سبيل العجز غيرك منهم ... فانك لم تخلق على العجز لازما
وحارب فان الحرب نصف ولن ترى ... اخا الحرب يعطى الخسف حتى يسالما
وكيف ولم يجنوا عليك عظيمة ... ولم يخذلوك غانما او مغارما
جزي الله عنا عبد شمس ونوفلا ... وتيما ومخزوما عقوقا ومأثما
قال اهل السير ثم اقام بقية المهاجرين بارض الحبشة في خير دار واحسن جوار
الى ان هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلا امره وانتشر صيته
[مطلب في مكاتبته صلى الله عليه وسلم للنجاشى
ليزوجه ام حبيبة بنت أبي سفيان وخبر ذلك]
فلما كان سنة ست من الهجرة كتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الي
النجاشى على يد عمرو بن امية الضمرى ليزوجه ام حبيبة بنت ابى سفيان وكانت
قد هاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش فتنصر هناك ومات وسيأتي خبر تزويجها
لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند ذكر ازواجه صلى الله عليه وآله
وسلم وكتب اليه ايضا ليبعث من عنده من المهاجرين قالت ام حبيبة رضى الله
عنها قدمنا المدينة ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخيبر حين افتتحها
فخرج من خرج اليه فأقمت بالمدينة حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم المدينة فدخلت عليه وبعث النجاشي بعد قدوم جعفر واصحابه الى رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم ابنه ارها بألف الاطلاق جمع مظلمة بفتح أوله وكسر
ثالثه (وأين منه نصيحتى) أي هل تنجع وتؤثر فيه أم لا وفي أين تزحيف أيضا
(أبا) بحذف حرف النداء (معتب) بسكون العين وكسر الفوقية ثم موحدة (ثبت) أمر
من التثبيت (سوادك) أي شخصك (الدهر) منصوب على الظرف (خطة) بضم المعجمة
بعدها مهملة أي أمرا وخصلة (هبطت) أي وردت والهبوط في الاصل النزول من أعلى
الى أسفل (المواسما) بألف الاطلاق وهي جمع موسم كمجلس وأصله من السمة وهي
العلامة سمى الموسم بذلك لانه جعل علامة للاجتماع (نصف) بفتح النون وسكون
المهملة أي انصاف (ويعطي الخسف) بفتح المعجمة وسكون المهملة بعدها فاء أى
الدناءة (حتى يسالما) بكسر اللام أي حتى يصالح وألفه للاطلاق أيضا (عظيمة)
بالنصب صفة لجناية مقدر (ولم يخذلوك) في الكاف تزحيف أيضا (وانتشر صيته)
بكسر المهملة وسكون التحتية بعدها فوقية وهو الذكر والثناء الجميل (عمرو بن
أمية) هو ابن خويلد الضمري الصحابى ابن الصحابى كان ممن هاجر الهجرتين
وأوّل مشاهده بئر معونة توفي آخر أيام معاوية (أم حبيبة) اسمها رملة بفتح
الراء وسكون الميم وقيل اسمها هند بنت أبى سفيان بن حرب الاموية (ليبعث) هي
لام كى لا لام الامر (بخيبر) على وزن جعفر مذينة على ثمانية برد من المدينة
الى جهة الشام سميت باسم رجل من العماليق نزل بها (ارها)
(1/99)
ابن أصحمة بن أبجر في ستين رجلا من الحبشة
وافدين الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باسلامهم واسلام النجاشي
فغرقوا في البحر وكان قدم منهم مع جعفر واصحابه سبعون رجلا وفيهم نزل قوله
تعالى وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ
قالُوا إِنَّا نَصارى وما بعدها.
ولما مات النجاشى قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لاصحابه مات اليوم رجل
صالح فقوموا وصلوا على اخيكم اصحمة قالت عائشة لمامات النجاشى كان يتحدث
انه لا يزال يرى على قبره نور وقد ذكرنا خبر هجرة الحبشة الى آخره وان كان
في ازمان متفرقة حرصا على تمام الفائدة واجتماعها
[فصل وكان صلى الله عليه وسلم يكرم مهاجرة
الحبشة ويلاطفهم ويذكر من فضلهم]
(فصل) وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكرم مهاجرة الحبشة ويلاطفهم
ويداعب صغارهم برطانة الحبشة ولمافجئه خبر قدوم جعفر وأصحابه خرج مسرعا
فرحا يجر ثوبه وارتاح له وعانقه وقال ما أدرى بأيهما أسر أكثر بفتح خيبر أم
بقدوم جعفر وأسهم لهم من خيبر كمن شهدها ولم يسهم لأحد غاب عنها غيرهم*
والجامع في فضلهم ما روينا في صحيح البخاري عن أبى موسى الأشعري قال بلغنا
مخرج النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين اليه
أنا واخوان لي بفتح الهمزة وسكون الراء مقصور (ابن أصحمة) بفتح الهمزة
وسكون الصاد وفتح الحاء المهملتين ومعناه بالعربية عطية كما سيذكره المصنف
(ابن أبجر) بالموحدة والجيم والراء بوزن أحمد (في ستين رجلا من الحبشة) زاد
البغوي وكتب النجاشي الى رسول الله أشهد انك رسول الله صادقا مصدقا وقد
بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت لله رب العالمين وقد بعثت اليك ابني أرها فان
شئت ان آتيك بنفسى فعلت والسلام عليك يا رسول الله (سبعون رجلا) زاد البغوى
عليهم ثياب الصوف ومنهم اثنان وستون من أهل الحبشة وثمانية من أهل الشام
فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة يس الى آخرها فبكوا حين
سمعوا القرآن وآمنوا وقالوا ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى فأنزل الله
هذه الآية ولتجدن أقربهم مودة.
الى آخر الآيات (ولما مات النجاشي) أخرجه الشيخان وابن ماجه كما سيأتي (رجل
صالح) هو القائم بحقوق الله وحقوق العباد ما استطاع المتلافي ما بدر منه من
هفوة في ذلك (قوموا فصلوا على أخيكم أصحمة) زاد ابن ماجه فخرج بهم الى
البقيع (قالت عائشة الى آخره) أخرجه عنها أبو داود
(فصل) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم (ويداعب) بالمهملتين والموحدة
يمازح وزنا ومعنا (برطانة الحبشة) بفتح الراء وكسرها واهمال الطاء هي
الكلام غير العربى (فجئه) بكسر الجيم ثم همزة مفتوحة أى بغته (وارتاح له)
بالراء والفوقية أي هش له (لاحد غيرهم) بالكسر والفتح (في صحيح البخاري)
وصحيح مسلم وغيرهما (عن أبي موسى) اسمه عبد الله بن قيس كما مر (الاشعري)
نسبة الى الاشعر
(1/100)
أنا أصغرهم أحدهما أبو بردة والآخر ابو رهم
إما قال بضع وإما قال في ثلاثة وخمسين أو في اثنين وخمسين رجلا من قومنا
فركبنا سفينة فألقتنا الى النجاشى بالحبشة فوافينا جعفر بن أبى طالب فأقمنا
معه حتى قدمنا جميعا فوافينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين افتتح خيبر
وكان أناس من الناس يقولون لنا أعني لاهل السفينة سبقناكم بالهجرة ودخلت
أسماء بنت عميس وهي ممن قدم معنا على حفصة زوج النبى صلى الله تعالى عليه
وآله وسلم زائرة وقد كانت هاجرت الى النجاشي فيمن هاجر فدخل عمر على حفصة
وأسماء عندها فقال عمر حين رأى أسماء من هذه قالت أسماء بنت عميس قال عمر
آلحبشية هذه آلبحرية هذه قالت أسماء نعم قال سبقناكم بالهجرة فنحن أحق
برسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم منكم فغضبت وقالت كلا والله كنتم
مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم وكنا
في دار أو في أرض البعداء البغضاء بالحبشة وذلك في الله وفي رسوله وأيم
الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت للنبى صلى الله تعالى
عليه وآله وسلم وكنا نؤذي أو نخاف وسأذكر ذلك للنبى صلى الله تعالى عليه
وآله وسلم وأسأله والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه فلما جاء النبي صلى
الله تعالى عليه وآله وسلم قالت يا نبي الله ان عمر قال كذا وكذا قال فما
قلت له قالت قلت كذا وكذا قال ليس بأحق بى منكم وله ولأصحابه هجرة واحدة
ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان قالت فلقد رأيت ابا موسى وأصحاب السفينة
يأتونى أرسالا يسألونى عن هذا الحديث مامن الدنيا قال في القاموس لقب بنت
ادد لانه ولد وعليه شعر (انا أصغرهم) لمسلم انا أصغرهما. قال النووي وهكذا
هو في النسخ والوجه أصغر منهما (أبو بردة) اسمه عامر بن قيس وأخرج ابن منده
وأبو نعيم وابن عبد البر من حديثه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
اللهم اجعل فناء أمتي قتلا في سبيلك بالطعن والطاعون (أبو رهم) بضم الراء
وسكون الهاء. قال ابن عبد البر قيل اسمه مجدي على وزن نجدي وقيل ان مجديا
أخ لهم آخر (أسماء بنت عميس) بالمهملتين ابن عميس (هاجرت الى النجاشى فيمن
هاجر) أي مع زوجها جعفر بن أبي طالب (آلحبشية آلبحرية) بالاستفهام فيهما
(وقالت كلا والله) لمسلم كذبت كلا والله. قال النووي قولها كذبت معناه
أخطأت وقد استعملوا كذب بمعنى أخطأ (البعداء) جمع بعيد أى البعداء في النسب
(البغضاء) أى في الدين لانهم كفار الا النجاشي وكان يستخفى باسلامه عن قومه
ويوري عليهم (وأيم الله) بضم الميم وكسرها ووصل الهمزة ويجوز قطعها ويقال
أم يحذف الياء مع فتح الهمزة وكسرها و (أيم كذلك) وأوم بالواو بدل الياء مع
تثليث أوله ومعناها القسم (أهل السفينة) بالنصب على الاختصاص ويجوز الرفع
(ارسالا) أي أفواجا فوجا بعد فوج. قال النووى يقال أورد الله ارسالا أى
متقطعة متتابعة وأوردها عراكا
(1/101)
شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال
لهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال أبو بردة قالت لي أسماء
فلقد رأيت أبا موسى وانه ليستعيد هذا الحديث منى
[فصل في حكم الفرار بالدين والعجز عن مقاومة
المشركين]
(فصل) كانت هجرة الحبشة أوّل هجرة في الاسلام* وبعدها الهجرة الكبرى الى
المدينة ثم حكم الهجرة باق الى الآن متى وجد معناها وهو الفرار بالدين
والعجز عن مقاومة المشركين أو الملحدين. ونقل القرطبى عن ابن العربي
المالكي رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً فائدة حسنة وأنا
أوردها على معنى ما ذكر متحريا لبعض اللفظ قال رحمه الله تعالى قسم العلماء
رضى الله عنهم الذهاب في الارض قسمين هربا وطلبا فالاول ينقسم الى ستة
أقسام. الاول الخروج من دار الحرب وهي باقية مفروضة الى يوم القيامة فان
بقى في دار الحرب عصى ويختلف في حاله.
الثانى الخروج من أرض البدعة الذي يعجز عن تغييرها. الثالث الخروج من أرض
غلب عليها الحرام فان طلب الحلال فرض على كل مسلم الرابع الفرار من الأذى
في البدن رخصة من الله تعالى قال الله تعالى مخبرا عن موسى فَخَرَجَ مِنْها
خائِفاً يَتَرَقَّبُ. الخامس الخروج من البلاد الوخيمة وقد أذن النبى صلى
الله تعالى عليه وآله وسلم للعرنيين حين استوخموا المدينة ان يخرجوا وقد
استثنى من ذلك الخروج من الطاعون لقيام الدليل عليه. السادس أى مجتمعة (قال
أبو بردة) هو ابن أبي موسى واسمه عامر على الصحيح (ليستعيد) بالاهمال أى
سألني اعادة ذلك الحديث سرورا به
(فصل) كانت هجرة الحبشة (أول) بالنصب خبر كان (أو الملحدين) أى المائلين عن
الحق (ونقل القرطبى) هو شارح مسلم وهو غير مصنف التذكرة وكلاهما منسوب الى
قرطبة بضم القاف والمهملة بينهما راء ساكنة وبعد الطاء موحدة تشدد وتخفف
بلد عظيم بالمغرب (ابن العربي) هو الامام الجليل أبو بكر شارح الترمذي
الآلة ملازمة له وهي الفرق بينه وبين ابن عربي الصوفي المشهور (مُراغَماً)
أي متحولا يتحول اليه وقيل متزحزحا عما يكره (متحريا) أى قاصدا ويرادفه
التوخي والاجتهاد (الخروج من دار البدعة) أي المحرمة (طلب الحلال فريضة على
كل مسلم) هو حديث أخرجه الطبراني من حديث ابن مسعود وأخرجه الديلمي في مسند
الفردوس. وللقضاعي من حديث ابن عباس ولابى نعيم في الحلية من حديث ابن عمر
طلب الحلال جهاد (للعرنيين) بضم العين وفتح الراء سيأتي ذكرهم بعد في كلام
المصنف (لقيام الدليل عليه) أي على النهى عن الخروج فرارا منه وهو قوله صلى
الله عليه وسلم واذا وقع وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه
(1/102)
خوف الاذى في المال فان حرمة مال المسلم
كحرمة دمه والاهل آكد منه. وأما قسم الطلب فينقسم. قسمين طلب دين ودنيا
وطلب الدين تتعدد أنواعه الى تسعة أقسام. الاول سفر العبرة بدليل قوله
تعالى أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ. الثانى سفر الحج عند الاستطاعة فهو فرض والأوّل
ندب. الثالث سفر الجهاد وله احكامه. الرابع سفر المعاش فقد يتعذر مع
الاقامة فيطلب كفايته بصيد أو احتطاب او احتشاش وهو فرض.
الخامس سفر التجارة لطلب زائد على القوت وذلك جائز فضلا من الله تعالى.
السادس طلب العلم وفضله مشهور. السابع قصد البقاع قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم لا تشد الرحال الا الى ثلاثة مساجد. الثامن الثغور للرباط
بها وثوابه عظيم. التاسع زيارة الاخوان ونفعها حاصل وثوابها واصل والله
اعلم.
[مطلب في إسلام سيدنا حمزة عمه صلى الله عليه
وسلم وسبب ذلك]
وفي السنة السادسة وقيل في الخامسة أسلم سيدنا أبو عمارة حمزة بن عبد
المطلب رضى الله عنه وكان شديدا ذا شكيمة لا يرام ما وراء ظهره ولا يطمع
طامع عند المخاشنة بكسره فاستوثقت باسلامه عرى الدين وذل لوطأته عتاة
المشركين وانما كان ابتداء اسلامه حمية أفضت به الى السعادة وختمت له بنيل
الشهادة واكسبته حسن المنقلب لا كحمية أبي لهب التى ذكرناها آنفا وذلك انه
رجع يوما من قنصه فلقيته مولاة لابن جدعان فأخبرته ان أبا جهل نال من رسول
الله صلى الله عليه وسلم وآذاه وسبه كل ذلك لا يجيبه رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم ولا يرد عليه شيئا فغضب عند ذلك عمه حمزة رضى الله عنه
(حرمة مال المسلم كحرمة دمه) هو حديث أخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث ابن
مسعود وهو تشببه لاصل الحرمة ولا شك ان حرمة الدم أغلظ من حرمة المال (لا
تشد الرحال الا الى ثلاثة مساجد) أخرجه الشيخان وأحمد وأبو داود والنسائي
وابن ماجه من حديث أبي هريرة وأخرجه أحمد والشيخان والترمذى وابن ماجه من
حديث أبي سعيد وأخرجه ابن ماجه من حديث ابن عمر وسيأتى الكلام عليه حيث
ذكره المصنف بتمامه (الثغور) جمع ثغر بفتح المثلثة وسكون المعجمة هو الموضع
الذي يلي دار العدو* ذكر اسلام حمزة (أبو عمارة) بضم المهملة وتخفيف الميم
كنى بابنة له اسمها عمارة كذا قاله الواقدي. قال الخطيب وسماها غيره امامة
وذكر غير واحد من العلماء ان حمزة كان له ابن اسمه عمارة وبه كني قال وهو
الصواب (ذا شكيمة) بالمعجمة بوزن عظيمة قال الجوهري يقال فلان شديد الشكيمة
اذا كان شديد النفس أنفا أبيا وفلان ذو شكيمة اذا كان لا ينقاد (المخاشنة)
بالمعجمتين والنون المقابلة بالكلام الخشن وهو ضد اللين (عرى الدين) جمع
عروة وهو العقد الوثيق (لوطأته) أي لبأسه (عتاة) جمع عات وهو الشديد في
الشر (من قنصه) بفتح القاف والنون ثم مهملة أي صيده والقناص الصياد (نال
منه) بالنون أي سبه* ذكر
(1/103)
لما أراد الله به من الكرامة وأقبل يسعى
حتى وقف على أبى جهل جالسا في القوم فضربه بقوسه فشجه شجة منكرة ثم قال
أتسبه وأنا علىّ دينه فاردد ذلك على ان استطعت فقامت رجل من بنى مخزوم الى
حمزة فقال أبو جهل دعوا أبا عمارة فاني والله قد سببت ابن أخيه سبا قبيحا
وأتم حمزة رضي الله عنه اسلامه*
[مطلب في إسلام سيدنا عمر بن الخطاب وتعزيز
الله به ضعفة المسلمين]
وفيها وقيل في الخامسة أسلم عمر بن الخطاب فعزز الله به ضعفة المسلمين وكان
اسلامه متمما لاربعين وبقدر شدته التي كانت على المسلمين صار باضعاف ذلك
على المشركين. قال ابن مسعود كان اسلام عمر فتحا وهجرته نصرا وإمارته رحمة
ولقد كنا وما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر فلما أسلم قاتل قريشا حتى صلى
عند الكعبة وصلينا معه وعنه قال ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر قال سعيد بن
جبير أسلم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة وثلاثون رجلا وست نسوة
ثم أسلم عمر فتم به الاربعون فنزل قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ
حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وسبب اسلامه انه
كان شديدا على من أسلم فلما علم أن اخته فاطمة وزوجها سعيد بن زيد اسلما
جاء اليها وعندهما خباب يقرئهما فاختبأ خباب فبطش بختنه واقبلت أخته لتكفه
عن زوجها فشجها فأدماها ثم ندم فقال اعطني هذه الصحيفة التى سمعتكم تقرؤن
آنفا فقالت له انك نجس مشرك وانه لا يمسها الا الطاهر فقام فاغتسل ثم قرأ
منها سطرا واحدا وقال ما احسن هذا الكلام وأكرمه يقال هى سورة طه ولما قال
ذلك خرج اليه خباب ووعظه وقال له سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
أمس يقول اللهم أيد الاسلام بأبي الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب فالله
الله يا عمر فقال له دلنى على محمد فقال له هو في بيت عند الصفا مع نفر من
أصحابه فجاء فاستأذن فارتاع من هناك لاستئذانه فقال حمزة رضى الله عنه نأذن
له فان كان يريد خيرا بذلناه له وان كان يريد شرا اسلام عمر (ما زلنا أعزة)
جمع عزيز (منذ أسلم عمر) أى لما كان فيه من الجلد والقوة في دين الله
(خباب) هو ابن الارت (فبطش بختنه) أى صهره قال الجوهري الختن أبو الزوجة
وأخوها قال وعند العامة اصهار الرجل مطلقا واستعمله المصنف (سورة طه) هي
مكية ومن فضائلها ما أخرجه البغوي من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال أعطيت السورة التي ذكرت فيها البقرة من الذكر الاول وأعطيت
طه والطواسين من ألواح موسى وأعطيت فواتح القرآن وخواتم السورة التي ذكرت
فيها البقرة من تحت العرش وأعطيت المفصل نافلة وأخرجه الحاكم والبيهقى من
حديث معقل بن يسار (أمس) مبني على الكسر (اللهم أيد الاسلام الى آخره)
أخرجه الترمذي من حديث ابن عمر (بأبي الحكم) هو أبو جهل اللعين (الله الله)
بالنصب على التحذير (فارتاع) أى رهقته روعة وهي الفزع
(1/104)
قتلناه بسيفه ولما دخل لقيه رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم وجبذه بحجزته جبذة شديدة وقال ما جاء بك يابن الخطاب
فو الله ما أرى أن تنتهى حتى ينزل الله بك قارعة فقال جئتك لأومن بالله
فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فرحا. وفي صحيح البخارى عن عبد الله بن
عمر قال لما أسلم عمر اجتمع الناس عند داره وقالوا صبأ عمر وأنا غلام فوق
ظهر بيتي فجاء رجل عليه قباء من ديباج فقال صبأ عمر فما ذاك فأنا له جار
قال فرأيت الناس قد انصدعوا عنه فقلت من هذا فقالوا العاص بن وائل. وروى عن
عبد الله بن عمر انه قال لابيه بعد الهجرة يا أبت من الذى زجر عنك القوم
وهم يقاتلونك جزاه الله خيرا قال يا بنى ذاك العاص بن وائل لا جزاه الله
خيرا وكان للعاص بن وائل في آل الخطاب حلف وولاء.
[مطلب في اجتماع بطون قريش على مقاطعة بني هاشم
وبني المطلب وكتبهم بذلك الصحيفة ودخول أبي طالب ومن انحاذ معه الشعب
محاصرين من قريش]
وفي ليلة هلال المحرم من السنة السابعة من المبعث اجتمعت قريش وتعاهدوا على
قطيعة بنى هاشم وبنى المطلب ومقاطعتهم في البيع والشراء والنكاح وغير ذلك
فكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في جوف الكعبة توكيدا لامرها ويحكى ان كاتبها
شلت يده قيل هو منصور بن عكرمة وقيل النضر بن الحرث وقيل بغيض بن عامر ولما
تم ذلك انحاز البطنان المذكوران الى أبي طالب ودخلوا معه في شعبه وبقوا
هناك محصورين مدة وخرج عنهم أبو لهب وتضور المسلمون بذلك جوعا وعريا
ولحقتهم (ما أرى) بالضم والفتح (قارعة) بالقاف والراء أى عذاب يقرع القلب
لشدته (فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه ندب التكبير لحدوث الامر
الذى يسر (فرحا) يجوز فيه كسر الراء حالا وفتحها مصدرا (لما أسلم عمر اجتمع
الناس) أى بعد ان فشا اسلامه وكان الذي أفشاه جميل بن معمر الجمحي الذي نزل
فيه ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وذلك بعد ان
ذكر له عمر اسلامه وهو يريد ان يفشيه ذكره ابن اسحاق وغيره (صبأ) أي خرج من
دين الى دين وهو بالهمز وتركه فعلى الاول جمعه كقتلة وعلى الثاني كرماة
(غلام) كان سنة اذ ذاك خمس سنين (قباء) بفتح القاف والمد (ديباج) بكسر
الدال وفتحها عجمي معرب نوع من الحرير (زجر عنك) قال في الصحاح الزجر المنع
والنهى وزجر البعير ساقه (فائدة) أخرج ابن ماجه من حديث ابن عباس ان عمر
لما أسلم نزل جبريل على النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد لقد استبشر
أهل السماء باسلام عمر وأخرج الطبراني في الكبير من حديث أبي قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال لي جبريل ليبك الاسلام على موت عمر* ذكر كتب
الصحيفة (وكتبوا بذلك صحيفة) كان كتبها أوّل يوم من المحرم (شلت) بفتح
المعجمة أي يبست (بغيض) بالموحدة والمعجمتين بوزن عظيم (انحاز) بهمز وصل
فنون ساكنة فمهملة آخره زاي أى انضم (وبقوا) بضم القاف وأصله بقيو فترك
لاستثقاله (قال السهيلي) هو الامام الحافظ عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد
الخثعمى مات سنة ثمانين وخمسمائة وهو منسوب الى السهيلية قرية بالاندلس
سميت باسم الكوكب لانه لا يرى في جميع بلاد الاندلس الامن
(1/105)
مشقة عظيمة قال السهيلى وهى احدى الشدائد
الثالث التي دل عليها تأويل الغطات الثلاث من جبريل حين ابتدأ الوحى قال
وان كان ذلك في اليقظة ولكن مع ذلك له في مقتضى الحكمة تأويل وإيماء والله
أعلم وفي الصحيحين ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال عام حجة
الوداع مرجعه من منى منزلنا ان شاء الله غدا بخيف بنى كنانة حيث تقاسموا
على الكفر وهو المحصب والابطح وهو شعب أبي طالب المذكور وفي نزوله صلى الله
عليه وسلم حينئذ فيه وذكره لما جرى به إشارة الى الظهور بعد الخمول وامتثال
لما أمر به من التحدث بالنعم وفي ذلك الشكر لمنعمها ولما رأى أبو طالب ما
اجمعوا عليه من القطع والقطيعة قال في ذلك
ألا ابلغا عنى على ذات بيننا ... لؤيا وخصا من لؤي بني كعب
ألم تعلموا انا وجدنا محمدا ... نبيا كموسى خط في اللوح والكتب
وان عليه في العباد محبة ... ولا خير فيمن خصه الله بالخب
وان الذى لصّقتم من كتابكم ... لكم كائن نحسا كراغية السقب
أفيقوا أفيقوا قبل ان يحفر الثرا ... ويصبح من لم يجن ذنبا كذى الذنب
ولا تتبعوا أمر الوشاة وتقطعوا ... أو اصرنا بعد المودة والقرب
وتستحلبوا حربا عوانا وربما ... أمر على من ذاقه حلب الحرب
فلسنا ورب البيت نسلم أحمدا ... لعزاء من عض الزمان ولا كرب
جبل مشرف عليها (وهي احدي الشدائد الثلاث) والثانية يوم أحد والثالثة يوم
الخندق (بخيف) بفتح المعجمة وسكون التحتية ثم فاء هو الوادى المنهبط (وهو
المحصب) بالمهملتين والموحدة بوزن مكرم (والابطح) بالموحدة والمهملتين
ويسمى البطحاء وقيل ان الابطح واد بجانب المحصب (الخمول) بالمعجمة ضد
الظهور والخمول السقوط أيضا* شعر أبى طالب (ذات بيننا) أي فراقنا والبين
الفراق ويسمي به الوصل أيضا فهو من الاضداد (محبة) بالنصب اسم ان (لصقتم)
بتشديد الصاد المهملة وسكون القاف وضم الفوقية والتزحيف ليتزن البيت (لكم
كائن) أي سيكون (نحسا) ضد السعد (السقب) بفتح المهملة واسكان القاف الفصيل
وهو الصغير من أولاد الابل والمراد به هنا فصيل ناقة صالح دعا اذ عقرت
فهلكت ثمود فضرب به المثل لكل مهلكة (الوشاة) جمع واش وهو المحرش بالكذب
(أو اصرنا) جمع أصر وهو العهد الثقيل أو جمع آصار فيكون جمع جمع
(ويستحلبوا) بالمهملة أي يستدروا بالتسبب الي الحرب (عوانا) بفتح المهملة
أى شديدة (لعزاء) بفتح المهملة وضمها فزاي مشددة ممدودة الداهية العزيزة
(عض الزمان) بمهملة فمعجمة شبه نوائب الزمان وما يحدث فيها من الكرب بالعض
(ولا كرب) أي هم شديد يأخذ بالنفس
(1/106)
ولما تبن منا ومنكم سوالف ... وايد أترت
بالقساسية الشهب
بمعترك ضنك ترى كسر القنا ... به والنسور الضخم يعكفن كالشرب
كان مجال الخيل في حجراته ... ومعمعة الابطال معركة الحرب
أليس ابونا هاشم شد أزره ... واوصي بنيه بالطعان وبالضرب
ولسنا نمل الحرب حتي تملنا ... ولا نتشكى ما يئوب من النكب
ولكننا اهل الحفائظ والنهي ... اذا طار أرواح الكماة من الرعب
وقال في أخري
اطاعوا ابن المغيرة وابن حرب ... كلا الرجلين متهم مليم
(ولما) أي ولم وما زائدة (تبن) أى تنقطع (سوالف) بالمهملة والفاء جمع سالفة
وهي صفجة العنق ومنه قوله صلى الله عليه وسلم حتي تنفرد سالفتى وكل جمع
ثالثه ألف وبعد الالف حرفان فاكثر أو حرف مشدد غير مصروف الا في الشعر
للضرورة (وأيد) جمع يد (أترت) بضم الهمزة وكسر الفوقية الاولى وتشديد الراء
أي أندرت ورميت (بالقساسية) بضم القاف والاهمال جمع قساسي وهو نوع من
السيوف ينسب الي معدن بار مينية اسمه قساس كغراب قاله في القاموس أو الى
جبل بديار بني نمير كانت تعمل فيه السيوف (الشهب) أى البيض (بمعترك)
بالمهملة والفوقية والراء على وزن مشترك موضع غمرات الحرب (ضنك) بفتح
المعجمة وسكون النون أي ضيق (تري) يجوز بناؤه للفاعل مع نصب كسر وما بعده
وللمفعول مع ضمه وما بعده (كسر) جمع كسرة كعبر وعبرة (القنا) أي الرماح
(والنسور) جمع نسر مثلث النون الطائر المعروف (الضخم) بمعجمتين الاولى
مضمومة والثانية ساكنة أى العظام وروي بالطاء المهملة بدل الضاد وهى السود
الرؤس (يعكفن) أي يقمن (كالشرب) بالمعجمة والراء على وزن حرب وهو جمع شارب
شبه عكوف النسور في المعترك على أكل لحم المقتولين وشرب دمائهم بالجماعة
العاكفين على شرب الخمر (مجال) بفتح الميم والجيم موضع جول الفرسان أى
نفورهم وزوالهم عن المواقف (في حجراته) بضم الجيم جمع حجرة (معمعة)
بالمهملتين هى فى الاصل صوت الحريق في نحو القصب سمى به القتال قال في
القاموس والمعا مع الحروب والفتن والعطائم وميل بعض الناس على بعض وتظللهم
وتحزبهم احزابا لوقوع العصبية (الابطال) جمع بطل وهو الشجاع (معركة) ومعترك
مترادفان (شدازره) بفتح الهمزة وهو عبارة عن الحزم والجد في الحرب
(بالطعان) بكسر المهملة مصدر (ولا نتشكي) نتفعل من الشكوي وفي بعض النسخ
نشتكى (ما) قد (ينوب) أي يحدث (من النكب) أي الجراح وهو على وزن الحرب
(والنهى) جمع نهية وهي العقل (الكماة) بضم الكاف على وزن الرماة جمع كمي
بفتح الكاف وكسر الميم وتشديد الياء وهو الشجاع المتكمي في سلاحه أي
المستتر فيه كانه جمع كام كقاض وقضاة (ابن المغيرة) هو الوليد (وابن حرب)
هو أبو سفيان (مليم) هو الذي يأتي بما
(1/107)
وقالوا خطة حمقا وجورا ... وبعض القول ابلج
مستقيم
لتخرج هاشم فيصير منها ... بلاقع بظن مكة والحطيم
[ذكر خبر نقض الصحيفة المذكورة]
ولما أراد الله سبحانه وتعالى حل ما عفدوه ونقض ما أبرموه وذلك لقريب من
ثلاث سنين من حين كتبت الصحيفة اجتمع خمسة نفر من سادات قريش عند خطيم
الحجون بأعلى مكة ليلا وتعاقدوا وتحاشدوا على نقض الصحيفة وهتكها وهم هشام
بن عمرو العامرى وهو الذى تولى كبر ذلك وأبلى فيه وسعى الى كل منهم. وزهير
بن أمية المخزومي وهو تلوه في العنية وأمه عاتكة بنت عبد المطلب. والمطعم
بن عدى النوفلى. وابو البخترى بن هشام. وزمعة بن الاسود الأسدى ولما أصبحوا
من ليلتهم جاء زهير فطاف بالبيت ثم قال يا أهل مكة أنأ كل الطعام يلام عليه
وهو بضم الميم (خطة) بضم المعجمة وتشديد المهملة أي خصلة كما مر (حمقا) بضم
المهملة وسكون الميم لغة في الحمق بفتحهما وهو فعل الشيء القبيح مع العلم
بقبحه (وجورا) هو الميل عن الحق (أبلج) بالموحدة والجيم على وزن أحمد أي
مشرق نير (لتخرج) مجزوم بلام الامر (هاشم) أراد القبيلة فمن ثم أنث قوله
منها (بلاقع) بالموحدة والمهملة جمع بلقع وهي الارض الخالية وهى بالفتح خبر
يصير (بطن مكه) بالضم اسمها مؤخر (والحطيم) عطف عليه* تاريخ نقض الصحيفة
(ابرموه) بالموحدة والراء والابرام الاحكام (اجتمع خمسة نفر) نظمتهم في
ثلاثة أبيات فقلت
تمالى على نقض الصحيفة يافتى ... هشام بن عمرو العامري فاحفظ النظما
يليه زهير وهو نجل حذيفة ... كذا المطعم التالى الى نوفل ينمى
أبو البختري ثم ابن الاسود زمعة ... فهم خمسة ما ان لهم سادس ينمى
(خطيم) بمعجمة فمهملة أى طرف (الحجون) بمهملة مفتوحة بعدها جيم موضع بأعلى
مكة (وتحاشدوا) باهمال الحاء والدال واعجام السين كما مر (هشام بن عمرو
العامري) من بنى عامر بن لؤي. قال ابن مندة وأبو نعيم كان هشام من المؤلفة
(كبر ذلك) بكسر الكاف وضئمها والكسر أفصح أي معظمه (ابلى) بالموحدة أي سعى
وكد فيه (وزهير) تصغير زهر (ابن أبي أمية المخزومي) هو أخو عبد الله وأم
سلمة. قال ابن مندة وأبو نعيم كان من المؤلفة قلوبهم وفي رواية قال له
النبي صلى الله عليه وسلم ألم تكن شريكى في الجاهلية قال فقلت بلى بابي
وأمى فنعم الشريك كنت لا تداري ولا تماري (العنية) مثلث العين اسم من اعتني
بالشىء اذا جد فيه ولحقه فيه العناء أي المشقة (عاتكة) بالمهملة والفوقية
بوزن فاعلة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلف في
اسلامها كما ذكره المصنف حيث عد عمات رسول الله صلى الله عليه وسلم
(والمطعم بن عدى) هو والد جبير بن مطعم ومات على الشرك (وأبو البخترى) بفتح
الموحدة وسكون المعجمة بعدها فوقية فراء فتحتية مشددة قتل أبو البختري يوم
بدر كافرا وأصل البختري الحسن المشى والجسم المختال كالمتبختر قاله في
القاموس (وزمعة) بفتح الزاي وسكون الميم
(1/108)
ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى والله لا أقعد
حتى تشق هذه الصحيفة فقال له أبو جهل كذبت والله فقال له زمعة بن الاسود
وأنت والله أكذب ما رضينا كتابتها حيث كتبت وقال الآخرون مثله فقال أبو جهل
هذا أمر قضى بليل تشوّر فيه بغير هذا المكان ثم قام المطعم الى الصحيفة
فشقها فوجد الارضة قد أكلت جميعا الا ما كان فيه اسم الله وكان قبل ذلك قد
أخبر جبريل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بفعل الارضة بها وأخبر النبي صلى
الله عليه وآله وسلم عمه أبا طالب واخبرهم أبو طالب ووجدوه كما ذكر لهم فلم
يؤثر ذلك فيهم لقسوتهم. وهنا ذكر ابن هشام إسلام الطفيل بن عمرو الدوسى
وخبر الاعشى الشاعر حين اقبل يريد الاسلام وقد امتدح النبى صلى الله عليه
وسلم بقصيدته المشهورة التي أولها* الم تغتمض عيناك ليلة ارمدا* فاعترضه
بعض المشركين بمكة فأخبره ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحرم الخمر
فقال أرجع فاتروى منها عامى هذا ثم آتيه فرجع ومات من عامه*
[109- الكلام على وقعة بعاث بين الأوس والخزرج وقدوم سويد بن الصامت الأوسى
عليه صلي الله عليه وسلم وأول خبر الأنصار]
وفي السابعة ايضا كانت وقد تفتح ثم مهملة (ونلبس) بفتح الموحدة في المستقبل
وكسرها ومصدره بضم اللام بخلاف اللبس الذي هو بمعنى الخلط فانه بكسر
الموحدة في المستقبل وفتحها في الماضي ومصدره بفتح اللام (تشور فيه) تفوعل
من التشاور وهو استخراج ما عند كل واحد من الرأي كما مر (الارضة) بفتح
الراء دويبة معروفة (لشقوتهم) بكسر الشين المعجمة أي شقاوتهم* ذكر اسلام
الطفيل وهو بالمهملة والفاء مصغر (ابن عمرو) بالواو (الدوسي) نسبة الى دوس
بفتح المهملة وسكون الواو ثم مهملة. قال ابن عبد البرانه لما وصل الى رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال له يا محمدان قومك قالوا لي كذا وكذا أي انك
ساحر ثم ان الله أبي الا ان أسمع قولك فسمعت قولا حسنا فاعرض علي أمرك قال
فعرض علي الاسلام وتلى علي القرآن فو الله ما سمعت قولا قط أحسن منه ولا
أمرا أعدل منه فأسلمت وقلت يا رسول الله اني أمرؤ مطاع في قومي وأنا راجع
اليهم وداعيهم للاسلام فادع الله أن يجعل لى آية تكون لى عونا عليهم فقال
اللهم اجعل له آية فاظهر الله فيه نورا كان ساطعا بين عينيه فقال يا رب
أخاف ان يقولوا مثلة فتحول الى طرف سوطه وكان يضيء كالقنديل المعلق فسمي ذا
النور. واستشهد يوم اليمامة وجرح ابنه عمرو وقيل استشهد يوم اليرموك في زمن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه (فائدة) خمسة من الصحابة كان كل منهم يسمي ذا
النور وهم أسيد بن حضير وعباد بن بشر وحمزة بن عمرو الاسلمي وقتادة بن
النعمان والطفيل بن عمرو الدوسى هكذا ذكر ذلك الشمنى وغيره وقد نظمتهم في
بيت فقلت
وأهل النور عباد أسيد ... وحمزة والطفيل كذا قتاده
(وخبر الاعشي) بالنصب عطف على اسلام الطفيل (ليلة أرمدا) بضم الهمزة مع كسر
الميم أى أصيبا بالرمد (يحرم الخمر) فيه أشكال من حيث ان تحريم الخمر انما
كان بالمدينة بعد الاحزاب فيحتمل ان بعض المشركين سمع من النبي صلى الله
عليه وسلم بعض التقديم في تحريمها فاطلق عليه التحريم مجازا* ذكر وقعة بعاث
(وفي السابعة)
(1/109)
وقعة بعاث وبعاث اسم حصن للاوس كانت به حرب
عظيمة بينهم وبين الخزرج وكانت الغلبة فيها للاوس وكان على الاوس يومئذ
حضير والد اسيد بن حضير النقيب وعلى الخزرج عمرو بن النعمان البياضى فقتلا
معا قال ابو اسحاق وغيره من اهل الاخبار كان الاوس والخزرج اخوين لاب وام
فوقعت بينهما عداوة بسبب قتيل وتطاولت فتنتهم عشرين ومائة سنة وآخر وقعة
بينهم يوم بعاث وهو مما قدمه الله لرسوله صلي الله عليه وآله وسلم في أسباب
دخولهم في الاسلام فقدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد افترق ملأهم
وقتلت سراتهم وتأسست الاحن والعداوة بينهم فألفهم الله به وعليه حمل
المفسرون قوله تعالى وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا
تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ
أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ
إِخْواناً» مع ما كانوا يسمعون من جيرانهم وخلطائهم من اليهود من صفته صلى
الله عليه وعلى آله وسلم ونعته وقرب مبعثه وتخويفهم لهم وانهم سيكونون معه
عليهم وهو معنى قوله تعالى في حق اليهود وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ
عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ
يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى
أى قبل الهجرة بخمس سنين وقيل بأكثر (وقعة بعاث) بموحدة مضمومة فمهملة قيل
ويجوز اعجامها وهو شاذ وبعد الالف مثلثة يصرف ويمنع مكان عند بني قريظة على
ميلين من المدينة (حضير) باهمال الحاء واعجام الضاد مصغر (والد أسيد)
بالمهملتين مصغر أيضا وهو (النقيب) المشهور يكنى أبا يحيى بابنه وقيل أبا
عيسى وقيل أبا عتيك وقيل أبا حضير وقيل أبا عمر وكان اسلامه بعد العقبة
الاولى وقيل الثانية ووفاته في شعبان سنة عشرين وحمل عمر بن الخطاب سريره
حتى وضعه بالبقيع (أخوين لاب وأم) لانهما ابنا حارثة بن ثعلبة العنقاء بن
مزيقيا بالضم فزاى مفتوحة فتحتيه ساكنة فقاف مكسورة فتحتية فالف ابن عامر
ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امريء القيس البطريق بن ثعلبة البهلول بن
مازن بن الازد (ملأهم) أى اشرافهم ورؤساؤهم واصله كل متسع من الارض
(سراتهم) بفتح المهملة وتخفيف الراء جمع سري وهو السيد (الاحن) أى الحقد
والضغن كما مر (قوله تعالى) بالنصب مفعول (وَاعْتَصِمُوا) أى استمسكوا
(بِحَبْلِ اللَّهِ) أى بدينه أو بعهده أو بامره وطاعته أو بالقرآن أو
بالجماعة أقوال (وَلا تَفَرَّقُوا) أى كما تفرقت اليهود والنصارى
(وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ) قبل أن تسلموا
(أَعْداءً فَأَلَّفَ) بالاسلام (بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ) أى
فصرتم (بِنِعْمَتِهِ) أى برحمته ودينه (إِخْواناً) أى في الدين والولاية
(وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) يعني القرآن (مُصَدِّقٌ)
أى موافق (لِما مَعَهُمْ) يعني التوراة (وَكانُوا) أى اليهود (مِنْ قَبْلُ)
أي قبل بعث محمد صلى الله عليه وسلم (يَسْتَفْتِحُونَ) أى يستنصرون (عَلَى
الَّذِينَ كَفَرُوا) أى مشركي العرب بقولهم عند دهماء العدو اللهم انصرنا
عليهم بالنبى المبعوث في آخر الزمان الذى نجد صفاته في التوراة فكانوا
ينصرون وكانوا يقولون لاعدائهم من المشركين قد أظل زمان نبى يخرج بتصديق ما
قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وارم (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا) أي
(1/110)
الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما
عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ» فلما بعث
صلى الله عليه وآله وسلم انعكس الامر عليهم فصار الانصار معه على اليهود
وقد كان للنبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل ذلك في الانصار نسب وولادة
وولاء سابق والاصل في ذلك كله ما أتيح لهم في سابق علم الله من السعادة
والسبق الى الاسلام ونصره حتى غلب على أكثرهم الشهادة.
ولعظائم الامور مقدمات: فمن مقدمات دخولهم في الإسلام (أولا) مع ما ذكرناه
ان النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي عمه أبو طالب جعل يتصدى في المواسم
لاشراف العرب يدعوهم الى الله ونصر دينه فكان ممن قدم سويد بن الصامت
الاوسى حاجا او معتمرا وكان سويد يسمونه الكامل لما استجمع من خصال الشرف
وهو يقول
الارب من تدعو صديقا ولو ترى ... مقالته بالغيب ساءك ما يفرى
مقالته كالشحم ما كان شاهدا ... وبالغيب مأثور على ثغرة النحر
يسرك باديه وتحت أديمه ... تميمة عشر تبتري عقب الظهر
تبين لك العينان ما هو كاتم ... من الغل والبغضاء بالنظر الشزر
فلما قدم سويد جاءه النبى صلى الله عليه وآله وسلم فعرض عليه الاسلام فقال
فلعل الذى معك مثل الذى معي فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما
الذى معك فقال مجلة لقمان يعنى حكمته فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم ان هذا الكلام حسن والذى معي أفضل منه قرآنا أنزله الله علىّ هدى ونور
وتلا عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم القرآن الذي عرفوا نعته
وصفته وأراد محمدا صلى الله عليه وسلم (كَفَرُوا بِهِ) بغيا وحسدا (ما
اتيح) بالفوقية مبنى للمفعول أي ما قدر واتاح الله كذا أي قدره (يتصدى) أي
يتعرض (سويد) بالتصغير (ابن الصامت) كضد الناطق (يسمونه الكامل) بالنصب
(ساءك) بالمد أي أحزنك (ما يفرى) بالفاء أي ما يقطع ويمزق من عرضك (مقالته
كالشحم) أي لينة بيضاء لا يظهر لك فيها خشونة ولا كدر (ما كان) أى ما دام
(شاهدا) أي حاضرا (وبالغيب) أي ومتى غاب عنك فهو (مأثور) بالمثلثة والراء
من أسماء السيف (يسرك) أي يفرحك (باديه) أى ما يبدو لك منه (وتحت أديمه) أي
جلده وأراد في قلبه (غش) بمعجمتين الاولى مكسورة ويجوز ضمها هو ضد النصح
(تبترى) بفوقية مكررة مفتوحة بينهما موحدة ساكنة ثم راء أى تقطع (عقب
الظهر) بالمعجمة وأراد به الابهر الذى اذا انقطع مات صاحبه والمعنى ان هذا
المخادع يظهر لك النصح ويخفى الغش الذي ربما كان سببا لقتلك وانقطاع عقب
ظهرك (الغل) بكسر المعجمة (والبغضاء) بالمد وهي البغض (بالنظر الشرر) بفتح
المعجمة فزاى فراء وهو نظر العداوة بمؤخر العين (مثل) بالرفع خبر لعل (مجلة
لقمان) بفتح الميم واللام المشددة هي الصحيفة التي فيها الحكمة قاله في
القاموس (اعرضها على «1» ) بهمز وصل وبكسر الراء وضمها
__________
(1) ليس هذا في المتن فلعله وقع في نسخة الشارح
(1/111)
فلم يبعد وقال ان هذا القول حسن ثم انصرف
راجعا الى المدينة فقتله الخزرج قبل يوم بعاث فكانوا يرون انه قتل مسلما ثم
قدم بعد ذلك جماعة من الاوس يلتمسون من قريش الحلف على قومهم من الخزرج
فعرض لهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وقال لهم هل لكم في خير مما
جئتم له فقالوا وما ذاك فقال انا رسول الله بعثنى الله الى العباد ادعوهم
الى ان يعبدوا الله وحده وأنزل علىّ الكتاب ودعاهم الى الاسلام فقال اياس
بن معاذ وكان شابا حدثا أى قوم هذا والله خير مما جئتم له فأخذ أبو الحيسر
انس بن رافع حفنة من البطحاء فضرب بها وجه اياس وقال دعنا منك فلعمرى لقد
جئنا لغير هذا فصمت اياس وقام عنهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وانصرفوا راجعين الي المدينة وكانت وقعة بعاث ثم لم يلبث اياس ان هلك ولا
يشكون انه مات مسلما لما كانوا يسمعون منه ثم انتشر الخبر في الانصار فلقي
صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ستة نفر منهم عند العقبة فأسلموا ثم في
قابلها اثني عشر رجلا فأسلموا وبايعوا بيعة النساء ثم في قابلها سبعين رجلا
وبايعوا على ما سيأتى قريبا ان شاء الله تعالى ثم هاجر صلى الله عليه وآله
وسلم اليهم فكانوا أهل حروبه وفتوحه ومغازيه وتمهدت لهم بصحبته الفضائل
والسبق وكان منهم السادة النقباء والسادات الشهداء والقادة العلماء
والكرماء النجباء والشعراء الفصحاء وسماهم الله الانصار حتى غلب عليهم هذا
الاسم فلم يعرفوا بعد بغيره لنصرهم نبيه ودينه وورد في فضلهم من الآيات
الكريمات والاحاديث النبويات ما لا ينحصر بالتعداد وينفذ دون بلوغ نهايته
الاقلام والمداد. فسبحان من خصهم بذلك علي بعدهم وزواه عن غيرهم مع قربهم
انه هو الخبير اللطيف الحكم العدل الذي لا يحيف: وفي الثامنة نزلت سورة
الروم وسبب نزولها على ما ذكر المفسرون انه كان بين فارس والروم قتال وكان
المشركون يحبون ظهور فارس لكونهم وإياهم أميين ولان الفرس كانوا مجوسا وكان
المسلمون (قتلته الخزرج) كان الذي تولى ذلك المجذر بن زياد البلوى وكان
حليفا للخزرج وأسلم المجذر رضى الله عنه وشهد بدرا واستشهد باحد كما سيأتى
وكان الذي قتله الحارث بن سويد بابيه (وكانوا يرون) بالضم أي يظنون (انه
قتل مسلما) فمن ثم عده ابن شاهين في الصحابة وكذا أبو الحسن العسكرى ثم قال
أنا أشك في اسلامه (اياس) بكسر الهمزة وتخفيف التحتية آخره مهملة (أبو
الحيسر) بفتح المهملتين بينهما تحتية ساكنة آخره راء (البطحاء) هو الموضع
المتسع (ولا يشكون انه مات مسلما) فمن ثم عده ابن منده وأبو نعيم وابن عبد
البر في الصحابة (النقباء) جمع نقيب وهو رئيس القوم (بالتعداد) بفتح
الفوقية وكسرها قال في الصحاح ان تفعالا بالفتح مصدر وبالكسر اسم (والمداد)
بكسر الميم (لا يحيف) أى لا يظلم* ذكر سبب نزول سورة الروم وهي ستون آية
مكية
(1/112)
يحبون غلبة الروم لكونهم وإياهم أهل كتاب
وكانت الروم نصارى فالتقوا مرة في أدنى الارض على ما نطق به التنزيل أى
أقرب أرض الشام الى فارس وهى أذرعات وكسكر فغلبت الروم فخزن المسلمون وفرح
الآخرون وقالوا قد غلب اخواننا فلئن قاتلتمونا لنظهرن عليكم فأنزل الله
تعالى الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ
غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ فخرج أبو بكر الصديق رضى الله
عنه حينئذ وقال لهم لا تفرحوا فو الله لتظهرن الروم على فارس أخبرنا بذلك
نبينا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فما راه أبيّ بن خلف في ذلك
وراهنه على عشر قلائص من كل واحد منهما وجعلوا الأجل ثلاث سنين ثم أخبر ابو
بكر النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بذلك فقال ما هكذا ذكرت انما
البضع من الثلاث الى التسع فخرج أبو بكر فلقى أبيا فزايده في الخطر والاجل
وكان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمره بذلك وذلك قبل تحريم
القمار فجعلا الخطر مائة قلوص من كل واحد منهما والاجل في ذلك تسع سنين
ولما خشى أبى خروج أبي بكر من مكة طالبه بكفيل فكفل له ابنه عبد الله بن
أبى بكر وحين أراد أبي الخروج الى أحد لزمه عبد الله بن أبي بكر فكفل له
فلما رجع من أحد ومات من جراحته التي أصابته من رسول الله صلى الله تعالى
عليه وآله وسلم حين بارزه وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية على رأس سبع
سنين من مناحبتهم وقيل كان ذلك يوم بدر فقهر (فالتقوا مرة) يعني فارس
والروم. قال البغوي بعث كسرى جيشا الى الروم وأمر رجلا يقال له شهريار وبعث
قيصر جيشا واستعمل عليهم رجلا يقال له نحيس فالتقيا فغلبت فارس الروم
(اذرعات) بهمزة مفتوحة فمعجمة ساكنة فراء مكسورة فمهملة فالف ففوقية بلد في
أقصى الشام مشهورة مصروفة وقد تمنع قاله في القاموس (وكسكر) بفتح الكافين
بينهما مهملة ساكنة وفي آخره راء بوزن جعفر. قال في القاموس كورة قصبتها
واسط كان خراجها اثني عشر الف مثقال كاصبهان (ألم) من المتشابه الذي استأثر
الله بعلمه والخلاف فيه منتشر (في أدنى الارض) أي أقرب الشام الى فارس وهي
اذرعات وكسكر كما ذكر المصنف وهو قول عكرمة وقيل هي أرض الجزيرة وقيل
الاردن وفلسطين (وهم) أى الروم (من بعد غلبهم) أى من بعد غلبة فارس اياهم
(سيغلبون) فارس (في بضع سنين) البضع ما بين الثلاث الى التسع أو الى السبع
أو هو ما دون العشرة أو من واحد الى أربعة أقوال أصحها الاول (فما راه) أى
جادله (أبي بن خلف) قال البغوي قال له كذبت قال فقال انت كذبت باعدو الله
فقال اجعل بيننا وبينك اجلا انا حبك عليه (وراهنه) أي خاطره وقامره (على
عشر قلائص) جمع قلوص بالقاف والمهملة وهي الناقة الفتية كما مر (فكفل له
ابنه) عبد الله هو ابن أبي بكر وكان يومئذ كافرا ثم أسلم بعد ذلك وحسن
اسلامه وهو أخو أسماء لابويها مات في شوال سنة إحدي عشرة في أوّل خلافة
ابيه وشهد الفتح وحنينا والطائف كما سيأتى (فكفل له) بالتشديد (من
مناحبتهم) بالنون والمهملة والموحدة أى مفاخرتهم* ذكر خروجه صلى الله عليه
وسلم هو وأهله
(1/113)
أبو بكر أبيا وأخذ الخطر من ورثته وجاء به
الى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فقال له تصدق به* وفي التاسعة خرج
صلى الله تعالى عليه وآله وسلم هو وأهله من حصار الشعب ونقضت الصحيفة
بتمالئ النفر الخمسة على نقضها حسبما تقدم.
[الكلام على وفات عمه أبى طالب والسيدة خديجة
وحزنه صلى الله عليه وسلم لذلك وما ناله من أذى قريش عقب ذلك]
ولثمانية أشهر واحد عشر يوما من العاشرة مات عمه أبو طالب فاشتد حزنه صلى
الله تعالى عليه وآله وسلم عليه ثم ماتت خديجة رضي الله عنها بعده ثلاثة
أيام فتضاعف حزنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وكان الله له خلفا عنهما
وعن كل أحد وثبت في الصحيحين من رواية سعيد بن المسيب عن ابيه من حصار
الشعب (بتمالئ) بفتح الفوقية وتخفيف الميم وكسر اللام وهو التعاون بالشيء
والتشاور فيه قبل فعله (النفر) هم عدة رجال من ثلاثة الى عشرة كما مر عن
الجوهري (حسبما تقدم) بفتح السين أشهر من سكونها أي على قدره كما مر. ذكر
موت أبي طالب وخديجة (مات عمه أبو طالب) كان موته في أوّل ذي القعدة أو
النصف من شوال قولان وعمر بضعا وثمانين سنة (ثم ماتت خديجة بعده بثلاثة
أيام) أو شهر أو شهر وخمسة أيام أو خمسين يوما أقوال. قال ابن الاثير ودفنت
بالحجون ولم يصل عليها لان صلاة الجنائز كانت لم تشرع يومئذ وقيل ماتت قبل
أبي طالب وكان عمرها خمسا وستين سنة وأقامت مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم بعد ما تزوجها أربعا وعشرين سنة وستة أشهر وكان موتها قبل الهجرة
بثلاث سنين وثلاثة أشهر ونصف. وقيل قبل الهجرة بسنة وقال عروة ما ماتت الا
بعد الاسراء وبعد ان صلت مع رسول الله صلي الله عليه وسلم (فاشتد حزنه)
بفتح المهملة والزاي وبضم المهملة وسكون الزاي لغتان مشهورتان (سعيد بن
المسيب) بفتح التحتية عن العراقيين وهو المشهور وبكسرها عن المدنيين قال
ابن قرقول قال الصيدلاني دكر لنا ان سعيدا كان يكره أن يفتح الياء من اسم
أبيه وأما غير والد سعيد فبفتح الياء بلا خلاف انتهى وهو سعيد بن المسيب بن
حزن بن وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب والده
وجده صحابيان أسلما يوم الفتح ولد سعيد لسنتين مضتا من خلافة عمر وقيل
لاربع وكان يقال له سيد التابعين. قال بعضهم ان مراسيله حجة مطلقا لانها
فتشت فوجدت مسندة. قال البيهقي والخطيب وغيرهما وليس كما قال فانه وجد فيها
ما ليس بمسند وعلى الاول فقد نظر ابن الصلاح في القليل بانها فتشت فوجدت
مسانيد بانها اذا ظهرت مسندة كان الاحتجاج بالمسند لا بالمرسل قال والتحقيق
ان مراسيل سعيد كغيره وانما قال الشافعي ارسال سعيد عندنا حسن ولا يلزم من
هذا ان يكون حجة وانما استحسنها لان سعيدا قل ما يرسل الا عن أبي هريرة
فانه صهره فانه يرسل عمن لو سماه كان مقبولا. قال واستقراء مذهب الشافعي
يدل على انه انما يحتج بما وجد مسندا من أحاديث سعيد مثل حديث بيع اللحم
بالحيوان جاء مرسلا وجاء مسندا عن أبي سعيد وعن أبي هريرة وقل ما يرسله
سعيد ولا يوجد مسندا انتهى. توفي سعيد سنة أربع وتسعين عن تسع وسبعين سنة
وسميت سنة الفقهاء لكثرة من مات فيها منهم وأراد رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن يغير اسم جده فقال انت سهل فقال لا أغير اسمى فما زالت الحزونة في
ولده ففيهم سوء
(1/114)
انه لما احتضر أبو طالب جاءه النبي صلى
الله تعالى عليه وآله وسلم وعنده ابو جهل وعبد الله ابن أبى أمية فقال له
أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاجّ لك بها عند الله فقالا له يا أبا طالب
أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر شيء كلمهم به هو
على ملة عبد المطلب فقال النبى لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فنزلت ما كان
للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى الآية ونزلت
انك لا تهدي من أحببت وفي رواية لمسلم قال لولا أن تعيرنى قريش يقولون انما
حمله على ذلك الجزع لأقررت بها عينك وان العباس ابن عبد المطلب قال للنبي
صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ما أغنيت عن عمك فانه كان يحوطك ويغضب لك
قال هو في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه تغلي منه أم دماغه* وهذا مطابق لقوله
خلق (فائدة) اختلف في الافضل من التابعين هل هو سعيد أم أويس القرني وجمع
النووي وغيره بين القولين بان كلا منهما أفضل من الآخر من حيثية فالاول من
حيثية العلم والثاني من حيثية الزهد في الدنيا (قلت) وهذا الجمع محتاج الى
أن يقال بافضلية أحدهما أو الى استوائهما ويظهران سعيدا أفضل من أويس على
الاطلاق لان فضيلة العلم لا توازيها فضيلة الزهد على انا نقول بغلية الظن
ان سعيدا شارك أويسا في تلك الفضيلة ولا عكس (احتضر) بالبناء للمفعول أي
حضرته الوفاة (كلمة) بالنصب على انه بدل وبالرفع خبر مبتدإ محذوف (أحاج لك)
أي أقيم لك بها الحجة عند الله عز وجل بالشهادة لك على انك قلتها ومنه يؤخذ
صحة اسلام الكافر قبيل موته اذا كان قبل الغرغرة وهو كذلك (ما كان) أي ما
ينبغى (ولو كانوا) الواو هنا حالية (انك لا تهدى) أي لا توفق وترشد فلا
تنافيه الآية الاخرى وانك لتهدي الى صراط مستقيم اذ المراد هنا بالهداية
الدلالة (من أحببت) قال النووي يحتمل من أحببته ومن أحببت هدايته (وهو أعلم
بالمهتدين) أي بمن قدر له الهدى (الجزع) بفتح الجيم والزاي في جميع الاصول
والروايات وذهب جماعة من أهل اللغة الى أنه بفتح المعجمة والراء وهو الضعف
والخور وقيل الجزع الدهش واختار ذلك أبو القاسم الزمخشري. قال عياض ونبهنا
غير واحد من شيوخنا على انه الصواب (لاقررت بها عينك) قال ثعلب أقر الله
عينه معناه بلغه أمنيته حتى ترضى نفسه وتقر عينه أي تسكن فلا تشترف لشئ.
وقال عبد الملك بن قريب بالقاف والراء مصغر ابن أصمع الاصمعي معناه أبرد
الله دمعه لان دمعة الفرح باردة (يحوطك) أي يصونك ويمنعك من كل من أرادك
بسوء (ضحضاح) بفتح المعجمتين بينهما مهملة وهو مارق من الماء على وجه الارض
واستعير في النار (تغلى منه أم دغلمه) زاد مسلم وغيره ولولاي لكان في الدرك
الاسفل من النار (تنبيه) لا خلاف بين العلماء في ان أبا طالب مات على الكفر
ولم يأت في رواية يعتمد عليها فيه ما أتي في أبوي النبي صلى الله عليه وسلم
ان الله تعالى أحياهما له فآمنا به نعم ذكره القرطبي في التذكرة بلفظ وقد
سمعت ان الله تعالى أحياله أبا طالب وآمن به والله أعلم (وهذا مطابق) أي
موافق (الذنوب ثلاثة الى آخره) أخرجه الطبراني في الكبير من حديث سلمان
بلفظ ذنب لا يغفر وذنب لا يترك وذنب يغفر فاما الذي لا يغفر
(1/115)
صلى الله تعالى عليه وآله وسلم الذنوب
ثلاثة ذنب يغفره الله وذنب لا يغفره الله وذنب لا يتركه الله وفسر الاول
بظلم العباد لأنفسهم فيما بينهم وبين خالقهم والثانى بالشرك واستشهد عليه
بقوله تعالى إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ والثالث مظالم العباد فيما
بينهم وفي معناه ما ثبت في الصحيح من رواية أنس ان رجلا قال لرسول الله صلى
الله عليه وسلم يا رسول الله أين أبي قال في النار قال فلما قفا الرجل دعاه
فقال ان ابى وأباك في النار ومثله ما روت عائشة قالت قلت يا رسول الله ابن
جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه قال لا ينفعه
انه لم يقل يومارب اغفرلي خطيئتي يوم الدين رواهما مسلم. وروي عن ابن عباس
ومقاتل في قوله وَهُمْ يَنْهَوْنَ
فالشرك بالله وأما الذي يغفر فذنب العبد بينه وبين الله عز وجل وأما الذي
لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضا وأخرجه في الاوسط من حديث أبى هريرة بلفظ
ذنب يغفر وذنب لا يغفر وذنب يجازي به فاما الذى لا يغفر فالشرك بالله وأما
الذي يغفر ففعلك بينك وبين ربك وأما الذي يجازى به فظلمك أخاك (ان الشرك)
أي عبادة غير الله (لظلم عظيم) أي لان الظلم وضع الشيء في غير موضعه وهو
صادق على الشرك لان المشرك وضع العبادة في غير موضعها (ان رجلا) لم يسم
(فلما قفا) أي ولي قفاه (ان أبى وأباك في النار) هذا محمول على القول
بايمان أبويه على ان المراد عمه كما تقدم أو على انه قال ذلك قبل احياء
أبيه فيكون اخباره عن الحالة الراهنة (ابن جدعان) بالجيم ومهملتين بوزن
عثمان واسمه عبد الله (في الجاهلية) هي زمن الفترة سموا بذلك لكثرة
جهالاتهم (انه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين) أي لم يؤمن فيقول
ذلك لانه لا يقوله الا المؤمن المشفق من عذاب يوم القيامة وهذا من جملة
دعاء ابراهيم كما في القرآن حكاية عنه (عن ابن عباس) هو عبد الله بن عباس
ترجمان القرآن الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم اللهم علمه الكتاب
اللهم فقهه في الدين كان يكنى أبا العباس بابيه أمه لبابة بنت الحارث بن
حرب الهلالية وعلمه وفضله أشهر من أن يذكر ومناقبه أكثر من أن تحصر كان له
حين توفي النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة أو خمس عشرة سنة قولان
توفي سنة ثمان وستين أو تسع وستين بالطائف وهو ابن سبعين أو احدى وسبعين أو
ثلاث وسبعين سنة أقوال وكف بصره في آخر عمره فقال في ذلك بيتين كما مر
(فائدة) كان للعباس رضي الله عنه من الولد عشرة سبعة منهم ولدتهم أم الفضل
بنت الحرث الهلالية أخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله
عنهما وهم الفضل وعبد الله وعبيد الله ومعبد وقثم وعبد الرحمن وأم حبيب
وعوف قال ابن عبد البر لم أقف على اسم أمه وتمام وكثيرا مهما أم ولد له
والحارث أمه من هذيل كان أصغرهم تمام وكان العباس يحمله ويقول
تموا بتمام فصاروا عشره ... يا رب فاجعلهم كراما برره
واجعل لهم ذكرا وأنم الثمره
وكل بني العباس لهم رواية وللفضل وعبد الله وعبيد الله سماع ورواية
(ومقاتل) هو ابن سليمان البلخي المفسر
(1/116)
عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ انه أبو طالب
كان ينهي الناس عن أذى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وينأى عن
الايمان أي يبعد ويمنعهم. وروي في كتب السير ان العباس بن عبد المطلب نظر
الى أبى طالب حين الموت وهو يحرك شفتيه فأصغي اليه بأذنه فقال يابن أخى
والله لقد قال أخى الكلمة التي أمرته بها أن يقولها فقال النبى صلى الله
تعالى عليه وآله وسلم لم أسمع والله أعلم ولكن لم يقلها العباس رضى الله
عنه ولم تؤثر عنه بعد ان أسلم ولا يستقيم ذلك مع ما ثبت من النقل الصحيح
الصريح انه مات على الشرك* قال السهيلي ومن باب النظر في حكمة الله تعالى
ومشاكلة الجزاء للعمل ان أبا طالب كان مع رسول الله صلى الله تعالى عليه
وآله وسلم بجملته متحزبا له الا انه كان مثبتا لقدمه على ملة عبد المطلب
فسلط العذاب على قدميه خاصة لتثبيته إياهما على ملة آبائه* اللهم ثبت
قلوبنا على دينك حتى تميتنا عليه في غير محنة ولا فتنة وذكر في وصيته لقريش
عند موته في أمر النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم والله لا يسلك أحد
سبيله الا رشد ولا يأخذ أحد بهديه الاسعد ولو كان لنفسي مدة ولأجلى تأخير
لكففت عنه الهزاهز ولدافعت عنه الدواهى واشتهرت الاخبار بتوليه للنبى صلى
الله تعالى عليه وآله وسلم والمدافعة عنه والذب عنه وتحمل الضر لأجله* ومن
أحسن ما روي عنه في ذلك انه قال
والله لن يصلوا اليك بجمعهم ... حتى أوسد في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة ... وابشر وقر بذاك منك عيونا
ودعوتني وعرفت انك ناصحي ... ولقد صدقت وكنت ثم أمينا
وعرضت دينا قد عرفت بأنه ... من خير أديان البرية دينا؟؟؟
صاحب الضحاك. قال الذهبي متروك وأما مقاتل بن حبان البلخي الخراز فقيه عالم
صالح (ولم تؤثر) أي لم تنقل (ومشاكلة الجزاء) بالمعجمة كالمماثلة وزنا
ومعنى (متحزبا له) بالزاي والموحدة أي ناصرا له فكان من حزبه (الارشد) بفتح
الراء وكسر المعجمة أي اهتدى (بهديه) أي بطريقته كما مر (الاسعد) بفتح أوله
وضمه كما في القرآن (الهزاهز) الاضطراب والتحرك. قال في القاموس الهزاهز
تحريك البلايا والحروب وهزهزه ذلله وحركه انتهى ومعناه لا أدع أحدا يهزه
ويزلزله (الدواهي) جمع داهية بالمهملة والتحتية كفاعله وهي كل أمر عظيم
مفظع (بتوليه) بفتح الواو وتشديد اللام المكسورة أي بنصرته (والذب عنه) أي
الطرد (الاصر) بكسر الهمزة هو العهد الثقيل كما مر (حتى أوسد) أي يجعل لي
وسادة من التراب أو نحوه تحت راسي (دفينا) حال (غضاضة) بفتح أو له
وبالاعجام أي نقص وازدراء (وابشر) بوصل الهمزة وفتح المعجمة من بشر
(1/117)
لولا الملامة أو حذار مسبة ... لوجدتنى
سمحا بذاك مبينا
ومن محاسن قصيدته الكبرى قوله
كذبتم وبيت الله نترك مكة ... ونظعن الا أمركم في بلابل
كذبتم وبيت الله نبزا محمدا ... ولما نطاعن حوله ونناضل
ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل
وينهض قوم في الحديد اليكم ... نهوض الروايات تحت صل الصلاصل
وحتى نرى ذا الضغن يركب ردغه ... من الطعن فعل الانكب المتحامل
وانا لعمر الله ان جدما أرى ... لتلتبسن أسيافنا بالانامل
بكفي فتى مثل الشهاب سميدع ... أخى ثقة حامي الحقيقة باسل
بكذا يبشر بكسر الشين في الماضي وفتحها في المستقبل لغة فصيحة في ابشر يبشر
(لولا الملامة) بالرفع أي اللوم ومعناه لولا خوف الملامة (أو حذار) بكسر
المهملة مصدر كالحذر (مسبة) أي سب وهو الشتم بما ليس في الشخص (لوجدتنى
سمحا) أي سامحا بما تطلبه منى* شرح ما ذكره المصنف من قصيدة أبى طالب
المشهورة (الا أمركم) أي لكن أمركم (في بلابل) أي في هموم وأحزان (نبزا
محمدا) بضم النون وسكون الموحدة وفتح الزاي أي نغلب عليه ونقهر (ونناضل)
بالمعجمة أي نرامي بالسهام (ونسلمه) بضم عطف على نبزا (حتى نصرع) أي نقتل
(والحلائل) أي الزوجات والسراري (قوم) أى جماعة من الرجال أو من الناس
قولان لا واحد له من لفظه ولا يدخل فيه النساء على الاول (في الحديد) أراد
الدروع وغيرها من أداة الحرب (نهوض) بالفتح مصدر (الروايا) بالراء جمع
راوية وهي في الاصل البعير الذى يسقى عليه ثم قد يستعمل في غيره من الابل
(الصلاصل) جمع صلصلة وهي الصوت المسموع عند ضرب الحديد بعضه بعضا وأراد هنا
صوت خضخضة الماء في المرادات التي على الروايا (الضغن) بالمعجمتين الاولى
مكسورة الحقد كما مر (ردغه) بفتح الراء وبالمعجمة ويجوز اهمالها أى ما يرشه
من الدم (فعل الانكب) هو المتحامل مأخوذ من قولهم بعير انكب اذا كان يمشى
في شق وقيل اذا طالت رجلاه وقصرت يداه (لعمر الله) أى وبقاء الله وحياته
(ان جد) بجيم ومهملة أى ان مضي الامر بيننا وبينكم على ما هو عليه من
الشقاق والمخالفة (لتلتبسن) بنون التوكيد الخفيفة فيكتب بالالف (بالانامل)
جمع أنملة بتثليث الهمزة مع تثليث الميم فهذه تسع لغات (بكفي) تثنية كف
(فتى) من أسماء الشباب كما مر (مثل) بالكسر (الشهاب) شعلة النار ومن أسماء
النجم أيضا (سميدع) بفتح المهملة وكسر الميم وفتح الدال المهملة وهو السيد
(أخي) أى ذي (ثقة) أي يوثق بقوله وأمانته (حامي الحقيقة) بالمهملة والقافين
بوزن العظيمة. قال أهل اللغة حقيقة الرجل ما لزمه الدفع عنه من أهل بيته*
قال عباس بن مرداس السلمي
فلم أر مثل الحي حيا مصبحا ... ولا مثلنا يوم التقينا فوارسا
أكر واحمي للحقيقة منهم ... وأضرب منا بالسيوف القوانسا
(باسل) بالموحدة والمهملة
(1/118)
شهورا وأياما وحولا مجرما ... علينا وتأتى
حجة بعد قابل
وما ترك قوم لا أبالك سيدا ... يحوط الذمار غير ذرب مواكل
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للارامل
يلوذ به الهلاك من آل هاشم ... فهم عنده في نعمة وفواضل
لعمري لقد كلفت وجدا باحمد ... واخوته دأب المحب المواصل
كفاعل أى شجاع (لا أبالك) قال في البحر كلمة تقولها العرب للحث على فعل
الشيء ومعناه ان الانسان اذا كان له أب ووقع في شدة عاونه أبوه ورفع عنه
بعض الكل فلا يحتاج من الجد والاهتمام الى ما يحتاج اليه حالة الانفراد
وعدم الاب المعاون فاذا قيل لا أبا لك فمعناه جد في هذا الامر وشمر وتأهب
تأهب من ليس له معاون وقد يقال لا أم لك كذلك أيضا (سيدا) مأخوذ من السؤدد
وهو الرياسة والزعامة ورفعة القدر ويطلق السيد على الرب والمالك والرئيس
الذي يتبع وينتهي الى قوله والمطيع لربه والفقيه والعالم والحليم الذى لا
يغضبه شيء والكريم على الله والتقى والبريء من الحسد والفائق قومه في جميع
خصال الخير والقانع بما قسم الله والسخي والنسيب (يحوط) أي يمنع (الذمار)
بكسر المعجمة الهلاك أو الغضب قولان وفي راء الذمار تزحيف (ذرب) بمعجمة
مكسورة فراء ساكنة فموحدة أي غير حديد اللسان فاحشه (مواكل) أى يكل أموره
الى غيره غباوة منه وجهلا (وأبيض) بالفتح معطوف على قوله سيدا (يستسقى
الغمام) أي السحاب (بوجهه) قال ذلك لما رأى في وجهه من علامات ذلك وان لم
يشاهد وقوعه قاله الحافظ ابن حجر. قلت بل شاهد أبو طالب ذلك فقد أخرج ابن
عساكر من حديث عرفطة قال قدمت مكة وهم في قحط فقالت قريش يا أبا طالب أقحط
الوادي وأجدب العيال فهلم فاستسق فخرج أبو طالب ومعه غلام كانه شمس دجن
تجلت عنه سحابة غيم وحوله أغيلمة فأخذه أبو طالب وألصق ظهره بالكعبة ولاذ
الغلام باصبعه وما في السماء قزعة فاقبل السحاب من هاهنا وهاهنا وأغدق
واغدودق وأخصب النادي والبادي وفي ذلك يقول أبو طالب
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامي عصمة للرامل
انتهى (ثمال اليتامي) بالنصب نعت لما تقدم وهو بكسر المهملة العماد أو
الملجأ أو الكافي أو المغيث أو المعين أو مطعم الجائعين أقوال نظمتها فقلت
عماد ملجأ كاف مغيث* ... معين مطعم ذاك الثمال
(عصمة) أى ملاذ (للارامل) جمع أرملة وهي المرأة الفقيرة التي لا زوج لها
(يلوذ به) أي يلجأ اليه (الهلاك) جمع هالك (فى نعمة) بفتح النون وكسرها
ومعناه بالفتح المنعة والعيش الرغد وبالكسر واحد النعم (لقد كلفت) كملت
وزنا ومعنى وهو مبنى للمفعول (وجدا) بفتح الواو أى حبا شديدا (باحمد)
بالصرف لضرورة الشعر (واخوته) أراد بهم أولاد نفسه (دأب) أى عادة (المحب
المواصل) اسم فاعل أو مفعول فهو بكسر المهملة
(1/119)
فمن مثله في الناس أى مؤمل ... اذا قاسه
الحكام عند التفاضل
حليم رشيد عادل غير طائش ... بوالى إلها ليس عنه بغافل
فو الله لولا أن أجئ بسبة ... تجر على أشياخنا في المحافل
لكنا اتبعناه على كل حالة ... من الدهر جدا غير قول التهازل
لقد علموا ان ابننا لا مكذب ... لدينا ولا يعبا؟؟؟ بقول الاباطل
فأصبح فينا أحمد في أرومة ... تقصر عها سورة المتطاول
حدبت بنفسى دونه وحميته ... ودافعت عنه بالذري والكلاكل
وقال ابنه طالب بن أبى طالب
فما إن جنينا في قريش عظيمة ... سوى ان حمينا خير من وطئ التربا
أخا ثقة في النائبات مرزأ ... كريما نثاة لا بخيلا ولا ذربا
يطوف به العافون يغشون بابه ... يؤمون نهرا لا نزورا ولا ضربا
قال ابن اسحاق فلما مات ابو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه
وعلى آله من الاذى مالم تكن تطمع به في حياة أبي طالب حتى اعترضه سفيه من
سفهاء قريش فنثر على رأسه ترابا ودخل على أحدي بناته فجعلت تغسله وتبكى
ورسول الله صلى الله عليه على الاول وفتحها على الثاني (مؤمل) بفتح الميم
أى مرجو (حليم) أى لا يعجل بمكافأة ذى الشر (رشيد) أى عاقل مهتد (غير طائش)
باهمال الطاء واعجام الشين أى خفيف (بسبة) بضم المهملة أى خصلة أسب بها (في
المحافل) جمع محفل بالمهملة والفاء وهو المجمع (جدا) هو نقيض الهزل
(التهازل) هو التفاعل من الهزل أى كنا اتبعناه جدا لا هزلا (لقد علموا) أى
بالاختبار (ان ابننا) أطلق ذلك عليه مجازا (لا يعنى) أي لا يعتني وروى
بالموحدة أى لا يبالي (في أرومة) بفتح الهمزة هى من أسماء الاصل كما مر
(سورة المتطاول) بفتح المهملة أى مبالغته في التطاول (حدبت) مر شرحه
(بالذري) جمع ذروة بكسر المعجمة وضمها وذروة كل شيء أعلاه (والكلاكل) هي
عظام الصدر (وقال ابنه طالب) كاسم فاعل من الطلب وهو أكبر أولاده وبه كان
يكنى وسيذكره المصنف فيما بعد (فما) نافية (ان) زائدة (عظيمة) أى جناية
عظيمة (التربا) بالف الاطلاق والترب لغة في التراب (مرزأ) أى مسئولا وأصل
الرزء النقص ثم استعمل في السؤال لانه ينقص به مال المسئول (يطيف به) بضم
أوله رباعي (العافون) جمع عاف وهو الطالب لما يأكل (يغشون) بفتح الشين
(يؤمون) أي يقصدون (نهرا) بسكون الهاء وفتحها لكنه في النظم بالسكون وهو
مستعار لكثرة خيره صلى الله عليه وسلم ويروى عدا أي لا انقطاع له (لا
نزورا) بفتح النون والنزور كثير النزر وهو زجر مع الغضب (ولا ضربا) أى
(1/120)
وآله وسلم يقول لها لا تبكي يا بنية فان
الله مانع أباك ويقول بين ذلك ما نالت قريش مني ما نالت حتى مات ابو طالب*
وذكر أيضا ان النفر الذين كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
بجوار المنزل لم يسلم منهم أحد الا الحكم بن ابى العاص مع ان إسلامه كان
مضطربا فكان أحدهم يطرح عليه رحم الشاة وهو يصلى ويطرحها في برمته اذا نصبت
له حتى اتخذ رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم حجرا يستتر به منهم
اذا صلى وكان اذا طرحوا عليه ذلك خرج به على عود وقال يا بنى عبد مناف أى
جوار هذا ثم يلقيه (قلت) وجميع ذلك انما هو أذى يتأذى به مع قيام العصمة
لجملته ليناله حظه من البلاء وليحقق فيه مقام الصبر الذي أمر به كما صبر
أولو العزم من الرسل الانبياء ومع ذلك فكل من قومه قد كان حريصا على الفتك
به واستئصاله والفراغ منه لو يقدر على ذلك فسبحان من كفاه وقاه وآواه وأظهر
دينه على الاديان كلها وأسماه*
[مطلب في خروجه صلى الله عليه وسلم لثقيف
بالطائف وخبر ما لقي من أذاهم وخبر جن نصيبين]
ولثلاثة أشهر من موت أبى طالب خرج النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم الى
ثقيف أهل الطائف وحده وقيل كان معه زيد بن حارثة فأقام بها شهرا يدعوهم
فردوا قوله واستهزؤا به وسألهم أن يكتموا عليه اذ لم يقبلوا فلم يفعلوا
وعند انصرافه عنهم أغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون خلفه حتى اجتمع
عليه الناس وألجؤه الى جنب حائط لعتبة وشيبة بنى ربيعة وكانا حينئذ هناك
فلما اطمأن صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في ظله ورجع عنه عامة السفهاء
دعا فقال اللهم انى أشكو اليك ضعف قوتى وقلة حيلتي وهوانى على الناس يا
أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربى الى من ولا يضرب ضربا (ويقول بين
ذلك) أى في أثنائه (ما نالت قريش مني ما نالت) ما الاولى نافية والثانية
اسم أى الذي نالت (حجرا) بكسر المهملة وسكون الجيم أى شيأ يحتجر به عنهم أى
يمتنع (على الفتك به) الفتك أن يأتي الرجل الى آخر ليقتله وهو غافل
(واستئصاله) أى اذهابه من أصله* ذكر خروجه صلى الله عليه وسلم الى ثقيف وهو
جد هوازن. قال في القاموس واسمه قصى بن منبه بن بكر بن هوازن وهو مصروف
(أهل) بالكسر على البدل (فردوا عليه) كان الراد عليه ثلاثة اخوة عبد ياليل
ومسعود وحبيب بنو عمرو بن عمير وذلك ان أحدهم قال هو يمرط ثياب الكعبة ان
كان الله أرسلك وقال الآخر اما وجد الله أحدا يرسله غيرك وقال الثالث والله
لا أكلمك كلمة أبدا لئن كنت رسولا من الله كما تقول فانت أعظم خطر امن ان
أرد عليك الكلام ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي ان أكلمك فقام رسول
الله صلى الله عليه وسلم من عندهم (ان يكتموا) بضم الفوقية (اللهم اني أشكو
اليك ضعف قوتي الي آخره) أخرجه الطبراني في الكبير من حديث عبد الله بن
جعفر (انت رب المستضعفين) انما خصهم مع انه رب الكل لانهم لا يتشوفون
(1/121)
تكلنى الى بعيد يتجهمنى أو الى عدو ملكته
أمري ان لم يكن بك غضب على فلا أبالي ولكن عافيتك هى أوسع لى أعوذ بنور
وجهك الذى أشرقت به الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بى غضبك
أو يحل عليّ سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة الا بك ولما رأى ابنا
ربيعة ما لقى تحركت له رحمهما وبعثا اليه غلاما لهما اسمه عداس بطبق عنب
فلما وضعه بين يديه سمى وأكل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم سأل
عداسا عن دينه وبلده فقال أنا نصرانى من أهل نينوى فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم من قرية الرجل الصالح يونس بن متى فقال عداس وما يدريك فقال ذاك
أخي كان نبيا وأنا نبي فاكب عليه عداس يقبل رأسه ويديه ورجليه فقال ابنا
ربيعة أحدهما لصاحبه أما غلامك فقد أفسده ولما جاءهم عداس سألاه فقال ما
على الارض خير من هذا الرجل فقالا يا عداس لا يصرفنك عن دينك فانه خير من
دينه (قال المؤلف كان الله له) وقد تعدد الحديث في صحيح مسلم من رواية
عائشة عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ان هذا الموقف بالطائف أشد ما لقى
في الى نصرة سواه بخلاف غيرهم (يتجهمني) بالجيم وتشديد الهاء أى يقابلنى
بوجه غليظ (أو يحل) قال الجوهري حل العذاب يحل بالكسر أى وجب ويحل بالضم أى
ينزل (العتبى) بضم المهملة على وزن العقبي أى لك على ان استرضيك (حتى ترضى)
عني والعتبى الرضى واستعتبه أعطاه العتبي كاعتبه قاله في القاموس (عداس)
بالمهملات بوزن كتاب قاله في القاموس أو بوزن غراب قاله غيره عده ابن مندة
وأبو نعيم في الصحابة (بطبق عنب) بالاضافة (نينوى) بنونين بينهما تحتية
ساكنة الاولى منهما مكسورة والثانية مفتوحة ثم واو مفتوحة قرية بالشام
(يونس بن متى) بتشديد الفوقية على وزن حتى وهي أمه ولم يشتهر نبى بأمه سوى
عيسى ويونس قاله ابن الاثير في الكامل قال الشمني وان قيل قد ورد في الصحيح
لا تفضلوني على يونس بن متي ونسبه الى أبيه وهو يقتضي ان متى أبوه. أجيب
بأن ابن متى مدرج في الحديث من كلام الصحابي لبيان يونس بما اشتهر به لا من
كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولما كان ذلك موهما ان الصحابي سمع هذه
النسبة من النبي صلى الله عليه وسلم دفع الصحابى ذلك بقوله ونسبه الى أبيه
أى لا كما فعلت أنا من نسبته الى أمه انتهى. وقال عدة من الحفاظ ان متى
أبوه وعليه اقتصر في القاموس وهو الصحيح اذ هو مدلول الحديث وتأويله بما مر
تعسف لا يجدى (فاكب) أي أهوى (يقبل رأسه ويديه ورجليه) فيه ان ذلك لا بأس
به لاهل الفضل كالعلماء والزهاد والعباد وأهل ذي نسب شريف تبركا واقتداء
بالسلف (ولما جاء عداس سألاه) في سيرة ابن اسحق قالا له ويلك ما لك تقبل
قدمى هذا الرجل قال يا سيداي (ما على الارض خير من هذا الرجل) لقد أخبرني
بأمر ما يعلمه الا نبي (فقالا) ويحك يا عداس الى آخره (الموقف) بالنصب
(أشد) بالرفع
(1/122)
ذلك والله أعلم بما لحقه من التعيير
والتبكيت والاستهزاء وخيفة شماتة قريش وخشية أن ينالوه بمثلها ودعاؤه حينئذ
مبين عما وقع في نفسه من الكرب العظيم صلى الله عليه وعلى آله وسلم أفضل
الصلاة وأزكى التسليم وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يتأذى منهم بالقول
أعظم من تأذيه بالفعل ولما عكسوا اسمه الكريم وسموه مذمما بدلا عن محمد قال
ألا ترون ما يدفع الله عنى من أذى قريش يسبون ويهجون مذمما وأنا محمد صلى
الله عليه وآله وسلم يعني انهم يوقعون سبهم على وصف ولم يكن بذلك الوصف صلى
الله عليه وعلى آله وسلم ثم ان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
انصرف من الطائف راجعا مغموما مهموما فلما بلغ قرن الثعالب وهو قرن المنازل
أتاه جبريل عليه السلام ومعه ملك الجبال واستأذنه أن يطبق على قريش
الاخشبين وهما جبلا مكة فكره صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد تقدم الحديث
في ذلك مستوفي ثم أخذ راجعا الى مكة حتى اذا كان بنخلة قام من جوف الليل
يصلي فمر به نفر تسعة وقيل سبعة من جن نصيبين وهي مدينة بالشام مباركة
وجنها سادات الجن وأكثر عددا وهم أوّل بعث بعثه ابليس حين بعث جنوده
ليتعرفوا له الاخبار عن سبب منعهم من استراق السمع فلما سمعوا قراءة النبي
صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولوا الى قومهم منذرين قد آمنوا وأجابوا لما
سمعوا فقص الله على نبيه خبرهم فقال واذ صرفنا اليك نفرا من الجن الآية.
وذكر من أسمائهم منشى وماشى وشاصر وماصر والاحقب وزوبعة وحكى أنهم من
نصيبين قرية باليمن غير التي في العراق وقيل انهم من نينوى وان جن نصيبين
أتوه بعد ذلك بمكة والصواب انه لم يرهم ليلتئذ (قال المؤلف كان الله له)
هكذا ينقل عن ابن اسحق رحمه الله وتبعه غيره أن استماع الجن بنخلة كان عند
مرجعه صلى الله عليه وآله وسلم (من التعيير) مصدر عيره بكذا اذا انتقصه به
(والتبكيت) مصدر بكت يبكت بالموحدة وتشديد الكاف وفوقية وهو التوبيخ
والملامة (شماتة قريش) بفتح المعجمة مصدر شمت يشمت بكسر الميم في الماضي
وفتحها في المستقبل وهي فرح الضد بمصيبة ضده (مبين) مخفف ومثقل (أفضل
الصلاة) الخلاف فيه مشهور (وأزكى) أى انمي (الا ترون) بفتح الفوقية (بنخلة)
غير مصروف (نصيبين) بنون مفتوحة فمهملة مكسورة فتحتية ساكنة فموحدة مكسورة
فتحتية ساكنة فنون بوزن قريبين بلد من بلاد الجزيرة (عن سبب منعهم من
استراق السمع) أى برمي الشهب وظاهره انها لم تكن پرمي بها قبل ذلك والتحقيق
انها كانت يرمي بها لكن مع قلة ثم كثرت لما بعث صلى الله عليه وسلم كما مر
(منشي) كاسم المنشي الذي هو بمعنى المبتديء (وماشي) كاسم الماشي الذى هو ضد
الراكب (وشاصر) باعجام الشين واهمال الصاد فراء كفاعل (وماصر) بالمهملة
بوزن الاول (والاحقب) بالمهملة والقاف
(1/123)
من الطائف وحده وثبت في صحيح البخارى عن
ابن عباس ان ذلك كان عند انطلاقه في طائفة من أصحابه عامدين الى سوق عكاظ
فسمعوه وهو يصلى بهم صلاة الفجر وما ثبت فيه مقدم على غيره ويدل عليه ما
رواه الترمذي عن ابن عباس وصححه أنهم لما رأوه يصلي بأصحابه وهم يصلون
بصلاته ويسجدون معه تعجبوا من طواعية أصحابه له قالوا لقومهم وانه لما قام
عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا* وثبت في صحيح مسلم انه أتاه داعى
الجن مرة أخرى بمكة وذهب معه وقرأ عليهم القرآن وسألوه الزاد فقال لهم لكم
كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما وكل بعرة علف
لدوا بكم فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فلا تستنجوا بهما
فانهما طعام اخوانكم قال عكرمة وكانوا اثنى عشر ألفا من جزيرة الموصل ووردت
أحاديث أخر تدل على تكرر اجتماعهم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان ابن
مسعود معه في احدى المرات والله أعلم.
[فصل في الكلام على الجن واختلاف الناس فيهم]
(فصل) واختلف في أصل الجن فقيل هم والشياطين ولد ابليس وقيل هم ولد الجان
والشياطين ولد ابليس ثم انهم متجسمون محتاجون الى التغذية كالانس خلافا لمن
أنكره من كفرة الاطباء والفلاسفة ويتصورون في الصور المختلفة وأكثر ما
يتصورون حيات وعقارب وروي في حديث انهم ثلاثة أصناف صنف لهم أجنحة يطيرون
في الهواء وصنف حيات والموحدة على وزن الاغلب (وزوبعة) بالزاي والموحدة
والمهملة بوزن صومعة وكان رئيسهم (فائدة) حكى عن أبي حمزة الثمالي انهم من
بنى الشيصران بفتح المعجمة والمهملة بينهما تحتية ساكنة واختلف في اطلاق
اسم الصحبة على من لقيه صلى الله عليه وسلم من الجن والصحيح الاطلاق فقد عد
ابن شاهين وغيره جماعة من الجن في أسماء الصحابة (عكاظ) بضم المهملة وآخره
معجمة سوق من أسواق الجاهلية وهو مصروف قال الازرقي وراء قرن المنازل
بمرحلة على طريق صنعاء في عمل الطائف على بريد منها (طواعية) بفتح المهملة
وتخفيف الواو وتشديد التحتية أى طاعة (وانه لما قام عبد الله) أي النبي صلى
الله عليه وسلم (يدعوه) الهاء ضمير الله عز وجل أي يعبده (كادوا يكونون
عليه لبدا) أصل اللبد الجماعة بعضها فوق بعض أي يركب بعضهم بعضا ويزدحمون
حرصا على استماع القرآن وقيل هو من قول النفر لما رجعوا إلى قومهم من الجن
أخبروهم بما رأوا من طاعة أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم واقتدائهم في
الصلاة به. وقيل لما قام بالدعوة تلبدت الانس والجن وتظاهروا عليه ليبطلوا
الحق الذى جاء به ليطفؤا نور الله وأبى الله الا أن يتم نور هذا الامر
وينصره على من ناواه (ذكر اسم الله عليه) قيل هذا خاص بمؤمنيهم وأما غيرهم
فانما طعامهم فيما لم يذكر اسم الله عليه (الموصل) بفتح الميم وسكون الواو
وكسر المهملة من جزائر الشام فصل واختلف في أصل الجن (والفلاسفة) بفاء
مكررة وسين مهملة فرقة من الفرق الضالة يحكمون علم الفلك وينسبون القدرة
الى النجوم وسموا فلاسفة وعملهم فلسفة اشتقاقا من فيلاسوفا ومعناه محب
الحكمة (وورد في حديث انهم ثلاثة أصناف الي آخره) أخرجه الطبراني
(1/124)
وكلاب وصنف يحلون ويظعنون وسموا جنا
لاستتارهم عن أعين الناس وجائز رؤيتهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم
مبعوثا اليهم كالانس قيل ولم يكن ذلك لنبي قبله والصواب ان مؤمنهم يدخل
الجنة وكافرهم يدخل النار وروى انهم قبائل متكاثرة وأصناف متباينة وأهواء
مختلفة حتى قيل ان فيهم قدرية ومرجئة ورافضة والله أعلم. ثم انهم يعمرون
الاعمار الطويلة ومن أعجب ما روى في ذلك ما حكاه القاضى عياض عن غير واحد
من المصنفين عن عمر بن الخطاب قال بينا نحن جلوس مع النبي صلى الله عليه
وآله وسلم اذ أقبل شيخ ذو عصا فسلم على النبى والحاكم والبيهقي في الاسماء
من حديث أبي ثعلبة الخشنى (قيل ولم يكن ذلك لنبي قبله) قاله مقاتل (والصواب
ان مؤمنهم يدخل الجنة وكافر هم يدخل النار) ممن قال به الشافعي ومالك وابن
أبي ليلى ورواه جويبر عن الضحاك وذكر النقاش في تفسيره حديثا انهم يدخلون
الجنة فقيل هل يصيبون من نعيمها قال يلهمهم الله تسبيحه وذكره ويصيبون من
لذته ما يصيب بني آدم من نعيم الجنة واستدل على ذلك بقوله تعالى لَمْ
يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ.
قال سمرة بن حبيب فالانسيات للانس والجنيات للجن وفي رؤيتهم الباري تعالى
في الآخرة خلاف قال بعضهم ويكون الانس يرونهم في الآخرة وهم لا يرون الانس
عكس ما كانوا في الدنيا وقيل ليس للجن ثواب سوى النجاة من النار وذهب اليه
أبو حنيفة وحكى سفيان عن ليث قال الجن ثوابهم ان يجاروا من النار ثم يقال
لهم كونوا ترابا مثل البهائم وحكي عن أبي الزناد أيضا وقال عمر بن عبد
العزيز ان مؤمنهم حول الجنة في ربض ورحاب وليسوا فيها (فائدة) أخرج أبو
يعلى والطبراني في الكبير من حديث غريب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الجن لا يصل أحدا في بيته عتيق من الخيل (قدرية) بالنصب اسم ان. قال
النووي وهم طائفة ينكرون ان الله سبحانه قدر الاشياء في القدم وقد انقرضوا
وصار القدرية لقبا للمعتزلة لاسنادهم أفعال العباد الى قدرتهم وانكارهم
القدر فيها (ومرجئة) لقبوا بذلك لارجائهم العمل عن النية أي تأخيرهم العمل
في الرتبة عنها وعن الاعتقاد من ارجأه أخره وهو مهموز. وقيل لانهم يقولون
لا يضر مع الايمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة فهم يعظمون الرجاء
وعليه لا يهمز لفظ المرجئة (ورافضة) سموا به لرفضهم زيد بن علي بن زين
العابدين بن الحسين رضي الله عنهم أي تركهم اياه قيل سببه انهم طلبوا منه
أن لايقول بحقية خلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضى الله عنهم فأبى وقد أخبر
النبى صلى الله عليه وسلم بان هذا الاسم نبزلهم حيث قال لعلي يا أبا الحسن
أنت وشيعتك في الجنة وان قوما يزعمون انهم يحبونك يظهرون الاسلام ثم
يلفظونه يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية لهم نتن يقال لهم الرافضة فان
أدركتبم فقاتلهم فانهم مشركون وفي رواية قالوا يا رسول الله ما العلامة
فيهم قال لا يشهدون جمعة ولا جماعة ويطعنون على السلف أخرجه علي بن عمر
الدارقطني من حديث على قال وله عنده طرق كثيرة (ما حكاه القاضى) هو عياض بن
موسى اليحصبي (بينا نحن) أي بين أوقات جلوسنا كما مر (عصا) مقصورة منون
(1/125)
صلى الله عليه وآله وسلم فرد عليه وقال
نغمة الجن من أنت قال أنا هامة بن الهيم بن الاقيس بن ابليس فذكرانه لقى
نوحا ومن بعده في حديث طويل (رجعنا الى القصة) ولما بلغ صلى الله عليه وآله
وسلم في مرجعه من الطائف حراء بعث الى الاخنس بن شريق ليجيره قال أنا حليف
والحليف لا يجير فبعث الى سهيل بن عمر وفقال ان بنى عامر لا تجير على بنى
كعب فبعث الى المطعم بن عدي فلبس سلاحه هو وأهل بيته وخرجوا الى المسجد
وبعث الى رسول الله صلى الله عليه وآله (وقال نغمة الجن) بالمعجمة وهي
مرفوعة على الخبر لمبتدأ محذوف أي هذه نغمة الجن أي صوتهم (انا هامة)
بالتخفيف كلفظ الهامة الطائر المعروف (ابن الهيم) كاسم الجمع من الابل
المهيومة (الاقيس) بقاف مكسورة فتحتية ساكنة وفي بعض النسخ بحذفها فمهملة
(ابن ابليس) هذا مما يدل على ان الجن من ذرية ابليس وقد ذكر المصنف الخلاف
في ذلك (فائدة) قال الكاشغرى عد أبو موسى الاصبهاني هامة في الصحابة قال
ولما انتسب قال له النبي صلى الله عليه وسلم لا أرى بينك وبينه الا أبوين
قال أجل قال كم أتى عليك قال أكلت عمر الدنيا الا أقلها كنت ليالي قتل
قابيل هابيل غلاما وذكر أنه تاب على يد نوح ومن معه وانه لقى شعيبا
وابراهيم الخليل ولقى عيسى فقال عيسى ان لقيت محمدا فاقرأه مني السلام فقد
بلغت وآمنت بك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على عيسى السلام وعليك يا
هامة السلام وعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سور من القرآن فقال
عمر رضى الله عنه فمات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينعه لنا ولا أراه
الا حيا انتهى. وفي شرح الفقه الاكبر لابى حنيفة تأليف أبي مطيع ما مثاله
الشياطين خلقوا للشر الا واحدا منهم وهو هامة وانه أسلم ولقى النبي صلى
الله عليه وسلم فعلمه سورة الواقعة والمرسلات وعم يتساءلون واذا الشمس كورت
وقل يا أيها الكافرون وسورة الاخلاص والمعوذتين فهو مخصوص بذلك من بين
الشياطين انتهى (قلت) وهو شيطان النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخبر في
الصحيح ان الله أعانه عليه فأسلم وقد وقع الخلاف في اسلامه هل هو حقيقي أم
مجازي والصحيح الاول ويؤيده هذا الحديث وحديث فضلت على آدم بخصلتين كان
شيطاني كافرا فأعاننى الله عليه حتى أسلم وكان أزواجى عونا لي وكان شيطان
آدم كافرا وكانت زوجته عونا على خطيئته أخرجه البيهقي في الدلائل من حديث
ابن عمر (حراء) مرضبطه (الى الاخنس) اسمه وسمى الاخنس لانه خنس يوم بدر
بثلاثمائة رجل من بني زهرة عن قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم عده ابن
شاهين في الصحابة وظاهر كلام البغوي في التفسير انه لم يسلم وان قوله تعالى
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا الآية
نزلت فيه والله أعلم (ابن شريق) بالمعجمة والراء والقاف على وزن قتيل (الى
سهيل بن عمرو) بن عامر بن عبد شمس بن عبدود ابن النضر بن مالك بن حسل بن
عامر بن لؤي وهو الذي جرى بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلح
يوم الحديبية أسلم يوم الفتح وحسن اسلامه واستشهد يوم اليرموك وقيل يوم مرج
الصفر وقيل مات في طاعون عمواس (الى المظعم بن عدي) هو بن نوفل بن عبد مناف
كما مر (فلبس) بكسر الموحدة (وبعث الى رسول الله صلى الله عليه
(1/126)
وسلم ان ادخل فدخل صلى الله عليه وسلم فطاف
وانصرف الى منزله فلذلك قال صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر وكانوا سبعين
لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمنى في هولاء النتني لتركتهم له ولذلك أيضا
يقول حسان بن ثابت في المطعم حين رثاه
أجرت رسول الله مهم فأصبحوا ... عبيدك ما لبى مهل وأحرما
فلو سئلت عنه معد باسرها ... وقحطان أو باقي بقية جرهما
لقالوا هو الموفى بخفرة جاره ... وذمته يوما اذا ما تذمما
وفي هذه السنة وهى سنة عشر من المبعث وخمسين من المولد تزوج صلى الله عليه
وسلم سودة بنت زمعة وبنى بها ثم عائشة بنت أبي بكر وبنى بها بالمدينة
وسيأتى خبر تزويجها عند ذكر أزواجه صلى الله عليه وآله وسلم
[مطلب في عرض نفسه صلى الله عليه وسلم على
القبائل لحمايته من أذى قريش وليتمكن من نشر دعوته وخبر ذلك]
وفي سنة احدى عشرة اجتهد صلى الله عليه وسلم في عرض نفسه على القبائل في
مجامعهم في المواسم منى وعرفات ومجنة وذى المجاز فكان من خبر وسلم ان ادخل
فدخل) وكان دخوله لثلاث وعشرين ليلة خلت من ذي القعدة ذكره ابن الاثير
وغيره (قال النبي صلى الله عليه وسلم في اساري بدر الى آخره) أخرجه البخاري
وغيره (النتني) جمع نتن بفتح النون وكسر الفوقية أراد بهم أسارى بدر وسماهم
نتنى أي مستقذرين لكفرهم (لتركتهم له) أي بلا فداء مكافأة لما صنع (حسان)
مصروف وممنوع (ابن ثابت) بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي ابن
عمرو بن مالك بن النجار وهوتيم اللات بن ثعلبة بن عمرو النجاري يكنى أبا
الوليد وأبا عبد الرحمن وأبا الحسام لمناضلته عن رسول الله صلي الله عليه
وسلم مات في خلافة علي قبل الاربعين وقيل مات سنة خمس وخمسين وقيل سنة أربع
وخمسين وهو ابن مائة وعشرين سنة عاش ستين في الجاهلية وستين في الاسلام
وكذلك أبوه وجده وجد أبيه كل منهم عاش كذلك (فائدة) ممن عاش كذلك من
الصحابة سوى حسان حكيم بن حزام وسعد بن يربوع القرشي وحويطب بن عبد العزي
ومخرمة بن نوفل والد المسور ونوفل بن معاوية الدئلى وحمير بن عوف أخو عبد
الرحمن بن عوف وأما من عاش مائة وعشرين منهم على الاطلاق فجماعة منهم حمل
بن النابغة وعبد خير بن يزيد الهمداني وعدي بن حاتم في آخرين (فلو سئلت
عنه) فيه التفات من الخطاب الى الغيبة (بخفرة جاره) بضم المعجمة وسكون
الفاء أي بذمة* ذكر زواج سودة بنت زمعة احدى أمهات المؤمنين (سودة) بفتح
المهملة وسكون الواو (زمعة) بفتح الزاي وسكون الميم وقد يفتح ابن قيس
العامرية وأمها الشموس بنت قيس النجارية (بنى بها) أي دخل عليها* ذكر عرضه
صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل (وعرفات) بالصرف (ومجنة) بفتح الجيم
مع فتح الميم وكسرها وبفتح الميم وكسر الجيم والنون مشددة وهي سوق أسفل مكة
على بريد منها أرضها من أرض كنانة وهي التي أرادها بلال في شعره الآتي (وذي
المجاز) بفتح الميم والجيم وبالزاي وهو سوق لهذيل
(1/127)
ذلك ما ذكره محمد بن اسحق انه لما رجع صلى
الله عليه وسلم من الطائف وجد قومه اشد ما كانوا عليه فكان ممن عرض عليه
كندة فلم تجبه ثم بنو عبد الله بطن من كلب وكان مما قال لهم قد أحسن الله
اسم أبيكم فلم يقبلوا منه ثم بنو حنيفة فردوا أقبح رد وكان عمه أبو لهب
يقفو أثره فكلما أتى قوما ودعاهم كذبه وحذرهم منه وممن دعا أيضا بنو عامر
بن صعصعة فشارطوه على أن يكون لهم الأمر من بعده فقال الأمر لله يضعه حيث
يشاء وذكر محمد بن الحسن الكلاعى في سيرته قبائل كثيرة. فممن ذكر زيادة على
ما نقل بن هشام بنو كنانة وحين لم يجيبوا انصرف عنهم يتلو انك لا تهدى من
أحببت ثم بنو فزارة فلم يجيبوا وانصرف عنهم يتلو انك لا تسمع الموتي ثم بنو
تميم وحين أبوا انصرف عنهم يتلو قل يا قوم اعملوا على مكانتكم الآية ثم بنو
أسيد فرد عليه رئيسهم طليحة الاسدى ردا قبيحا وانصرف عنهم يتلو فان كذبوك
فقل لي عملي ولكم عملكم الآية ثم أتى بكر بن وائل ومعه على وأبو بكر فكان
لابى بكر مع دغفل بن حنظلة النسابة أخبار طريفة في الانساب ثم وقف على بنى
شيبان فتلا عليهم «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ»
الآية ثم استزادوه فتلا قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ
عَلَيْكُمْ الى آخر الثلاث الآيات وكان له ولهم مراجعة حسنة طريفة لطيفة ثم
وعدوه أن يمنعوه من جميع الجوانب الا ما يلى انهار كسرى فقال صلى الله عليه
وسلم انه لا يقوم بأمر الله الا من منعه من جميع جوانبه وما أسأتم في الرد
ولا تجهمتم في القول أفرأيتم ان لم يأت عليكم الا يسير حتى تستخدموا رجال
القوم وتقسموا أموالهم اتعطون عهدا لتعبدنه ولا تشركن به شيئا فقال النعمان
بن شريك وبدرهم الى القول نعم علينا بذلك عهد الله لنعبد ولا نشركن به شيئا
فقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم اللهم انصرهم فقال أمير المؤمنين علي
بن أبى طالب رضي الله على يمين عرفة على فرسخ منها (قد أحسن الله اسم
أبيكم) أى حيث كان اسمه عبد الله (يقفو) أي يتبع (أثره) بالمثلثة والراء
على وزن شجرة أو على وزن إبرة (بنو فزارة) بفتح الفاء وبزاي وراء (وبنو
أسيد) بالتصغير (دغفل) بضم المهملة والفاء وبينهما معجمة ساكنة (النسابة)
صفة مبالغة للعالم بالانساب كالعلامة والرواية وهو (بن حنظلة) الشيباني
ويقال السدوسي بصري اختلف في صحبته ويقال انه عرف يوم دولاب من فارس في
قتال الخوارج قال الكاشغري روى عنه قال مات النبى صلى الله عليه وسلم وأنا
ابن خمس وستين سنة (طريقة) بالمهملة والفاء بوزن عظيمة وهى التى لم يسمع
بمثلها (النعمان) بضم النون (بن شريك)
(1/128)
عنه أتينا قوما ذوي حجي يحسنون الجواب فقال
النبى صلى الله عليه وآله وسلم ان لاهل الجاهلية احلاما ومقدرة على الكلام
يتحاجزون بها ويدفع بها بعضهم عن بعض وانصرف عنهم وهو يقول فانما يسرناه
بلسانك لعلهم يتذكرون*
[مطلب في بدء اسلام الأنصار وقصة الإسراء]
وفي هذه السنة بدء اسلام الانصار وقد قدمنا عند ذكر وقعة بعاث سبب مقدمات
اسلامهم وخبر سويد بن الصامت واياس بن معاذ وحين اراد الله سبحانه اعزاز
نبيه وسياقة خير الدنيا والآخرة الى الانصار لقى النفر الستة الخزرجيين عند
العقبة فعرض عليهم ما عرض على غيرهم فقالوا فيما بينهم والله انه للنبي
الذي تواعدنا به اليهود فلا تسبقنا اليه ثم صدقوه وآمنوا بما جاء به
وأخبروه انهم خلفوا قومهم وبينهم العداوة والبغضاء وقالوا ان جمعنا الله بك
فلا رجل أعز منك وهم فيما ذكر ابن اسحق وغيره أبو امامة أسعد بن زرارة وعوف
بن الحارث وهو ابن عفراء ورافع بن مالك بن عجلان وقطبة ابن عامر وعقبة بن
عامر وجابر بن عبد الله بن رئاب ولما قدموا المدينة وأخبروا قومهم بذلك
فشافيهم الاسلام فلم يبق دار من دورهم الا وفيها ذكر رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم* ولتسعة أشهر من الثانية عشرة قبل الهجرة بسنة أسرى بالنبي
صلى الله عليه وآله وسلم من المسجد الحرام من بين زمزم والمقام الى المسجد
الاقصى وهو بيت المقدس ثم الى السماوات العلى الى مالا يعلمه الا الله
وفارقه بوزن عظيم الشيباني عده بن مندة وأبو نعيم في الصحابة (ذوي حجي)
بكسر المهملة وفتح الجيم المخففة مقصور أي عقل (أحلاما) جمع حلم أي عقل
(ومقدرة) بضم المهملة أي قدرا رفيعا (يتحاجزون) يتفاعلون من الحجز بالزاي
أو الراء وهو المنع أي يمنع بعضهم بعضا* ذكر بدء اسلام الانصار (بدء) بفتح
الموحدة وسكون المهملة ثم همزة أى ابتداء (سياقة) بكسر المهملة مصدر ساق
يسوق (فلا رجل) بالفتح (أعز) بالضم هذا هو الافصح (أسعد) بالمهملات بوزن
أحمد (ابن زرارة) بضم الزاي وتكرير الراء هو النجاري يقال له أسعد الخير
مات في السنة الاولى من الهجرة في شوال. قال ابن عبد البر وغيره بمرض يقال
له الريحة فكواه النبى صلى الله عليه وسلم (وعوف) بفتح المهملة وسكون الواو
ثم فاء (ابن الحرث) وسيأتي ذكر تتمة نسبه في غزوة بدر وغيرها (ورافع) بن
مالك (بن العجلان) بن عمر الزرقى يكنى أبا مالك وأبا رفاعة شهد العقبتين
وبدرا (وقطبة) بضم القاف وسكون المهملة ثم موحدة (ابن عامر) بن حديدة
السلمي يكنى أبا بدر شهد العقبتين وبدرا وما بعدها وكانت بيده راية بني
سلمة يوم الفتح مات في خلافة عثمان (وعقبة) بوزن قطبة وهو أخوه شهد العقبة
الاولى وبدرا واحدا (ابن رئاب) بن النعمان السلمي بفتحتين وهو غير جابر بن
عبد الله ابن عمرو بن حرام شهد بدرا واحدا والخندق وسائر المشاهد مع النبى
صلى الله عليه وسلم ورئاب بكسر الراء بعدها همزة* حديث الاسرا (قبل الهجرة
بسنة) قاله مقاتل وغيره وجزم به النووي (الى المسجد الاقصى) سمى بذلك لانه
أبعد المساجد الثلاثة (وهو بيت المقدس) ضبطوه على وزن المغرب وعلى وزن
المهذب
(1/129)
جبريل وانقطعت عنه الاصوات وسمع صريف
الاقلام في اللوح المحفوظ ثم سمع كلام المولى فأوحى اليه ما أوحى واتحفه
بأنواع التحف والزلفي ورأى من آيات ربه الكبرى على ما نطق به الكتاب العزيز
في قوله تعالى «وَالنَّجْمِ إِذا هَوى» وأثبت رؤيته لربه ليلتئذ جماهير
الصحابة والعلماء من غير إدراك ولا إحاطة ولا تكييف بحد ولا انتهاء صلى
الله عليه وآله وسلم أفضل ما صلى على احد من عباده الذين اصطفي وقيل كان
الاسراء سنة ست أو خمس من المبعث وقيل لسنة وثلاثة أشهر منه والصواب ما
قدمناه أولا وجزم النووي في شرح صحيح مسلم انه كان ليلة الاثنين ليلة سبع
وعشرين من شهر ربيع الاول وكذلك في فتاويه وفي سيرة الروضة له انه كان في
رجب وقال غيره في رمضان واختلف هل كان بروحه وجسده يقظة أو بروحه فقط مناما
مع اتفاقهم ان رؤيا الانبياء وحي واختلافهم بحسب اختلاف الروايات في ذلك
والصحيح الاول انه بالروح والجسد وطريقة الجمع بينهما أن يقال كان ذلك
مرتين أولاهما مناما قبل الوحي كما في حديث شريك ثم اسرى به يقظة بعد الوحي
تحقيقا لرؤياه والاشهر الاول (صريف الاقلام) بمهملة مفتوحة فراء مكسورة
فتحتية صوت جريانها على اللوح (فأوحي اليه ما أوحي) أوحي جبريل الى رسول
الله صلى الله عليه وسلم ما أوحي اليه ربه هذا معنى ما روى عن ابن عباس قيل
أوحي اليه ألم يجدك يتيما فآوى الى قوله وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ وقيل
أوحي اليه ان الجنة محرمة على الانبياء حتى تدخلها انت وعلى الامم حتى
تدخلها أمتك (وأتحفه) التحفة ما يهيأ للمسافر عند قدومه (والزلفى) هي
القربة (والنجم) أي الثريا (اذا هوى) أي سقطت وغابت هذا ما في رواية عن ابن
عباس وروى عكرمة عنه انها الرجوم من النجوم وهى التي ترمى بها الشياطين عند
استراقهم السمع وروي عطاء عنه انه القرآن وقيل أراد النجوم كلها وقيل النجم
النبت الذى لا ساق له كاليقطين وهويه سقوطه على الارض. وقال جعفر الصادق
يعني محمدا صلى الله عليه وسلم اذ نزل من السماء ليلة المعراج (وأثبتت) ماض
من الاثبات (رؤيته) بالنصب مفعول وفاعله جماهير (ليلتئذ) أى ليلة الاسراء
(من غير ادراك ولا احاطة) هما هنا واحد والثانى تفسير للأوّل وفيه اشارة
الى الرد على مانع الرؤية بقوله لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وسيأتي ما فيه
(عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى) يعني الانبياء والمرسلين (وقيل كان
الاسراء) قبل البعثة كما في رواية شريك ابن أبي نمرو قيل (سنة ست أو خمس من
المبعث وقيل لسنة) وشهرين وقيل (وثلاثة أشهر) وقيل وخمسة أشهر وقيل لسنة
ونصف وقيل لثلاث سنين (انه كان في رجب) أى ليلة سبع وعشرين منه (وقال غيره)
كالواقدي (في رمضان) وقال الماوردي في شوال (والصحيح الاول انه بالروح
والجسد) أى لتواتر الاخبار الصحيحة بذلك وهو ظاهر القرآن (وطريقة الجمع
بينهما ان يقال كان ذلك مرتين) بل ذكر أبو شامة ان مجموع أحاديث الاسراء
وما فيها من الاختلاف يقتضي ان الاسراء كان أربع مرات (كما في حديث شريك)
(1/130)
كما رأى صلى الله عليه وآله وسلم فتح مكة
قبل عام الحديبية سنة ست من الهجرة ثم كان تحقيقه سنة ثمان ونزل في ذلك
قوله تعالى لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ الآية
وتوسط آخرون فقالوا كان الاسراء بجسده الى بيت المقدس ومن هناك الى السموات
بروحه.
قال النووى في فتاويه ثبت انه صلى الله عليه وآله وسلم صلى بالانبياء صلوات
الله وسلامه عليهم ليلة الاسراء بيت المقدس ثم يحتمل انها قبل صعوده الى
السماء ويحتمل انها بعده واختلف العلماء فيها فقيل هى الصلاة اللغوية وهي
الدعاء والذكر وقيل الصلاة المعروفة ورجح الثاني وكانت الصلاة واجبة قبل
ليلة الاسراء وكان الواجب منها قيام بعض الليل كما في سورة المزمل ثم نسخ
ذلك ليلة الاسراء بافتراض الخمس وقد سبق ذلك ورأى رسول الله صلي الله عليه
وآله وسلم ربه ليلة الاسراء بعيني رأسه هذا هو الصحيح وعليه أكثر الصحابة
والعلماء وليس للمانع دليل ظاهر وانما احتجت عائشة بقوله لا تُدْرِكُهُ
الْأَبْصارُ. وأجاب الجمهور ان الادراك هو الاحاطة والله سبحانه لا يحاط به
ويراه المؤمنون في الآخرة بغير احاطة وكذلك رآه رسول الله صلى الله تعالى
عليه وسلم ليلة الاسراء انتهى ما ذكره مختصرا. قال القاضى عياض ومن خصائصه
صلى الله عليه وآله وسلم قصة الاسراء وما انطوت عليه من درجات الرفعة مما
نبه عليه الكتاب العزيز وشرحته صحاح الاخبار. قال الله سبحانه سبحان
بالمعجمة والراء بوزن عظيم هو ابن أبي نمر المزني الراوي عن أنس وابن
المسيب قال ابن معين لا بأس به وقال النسائي ليس بالقوي ينسب الى جده واسم
أبيه عبد الله (ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الاسراء بعينى
رأسه) كما قاله أكثر العلماء منهم أنس والحسن وعكرمة وابن عباس قال ان الله
اصطفى ابراهيم بالخلة واصطفى موسى بالكلام واصطفى محمدا صلى الله عليه وسلم
بالرؤية (وانما أحتجت عائشة) أى وغيرها من مانعي الرؤية (بقوله لا
تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) وقد ذكر المصنف نقلا عن النووى الجواب عن الآية
بقوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مسلم من حديث أبي ذر وقد سأله هل رأيت
ربك قال نور أنى أراه وفي رواية أخرى رأيت نورا وقد أجاب الماذري بان معناه
ان النور منعني عن الرؤية كما جرت العادة باعشاء الانوار الابصار ومنعها من
ادراك ما حالت بين الرائي وبينه فليس في ذلك الا منع الادراك المجاب عنه
وهو أحسن من قول النووى حجابه نور فكيف أراه والمشهور في ضبطه نورمنون اني
بفتح الهمزة وتشديد النون أراه بفتح الهمزة وروى نوراني أراه بفتح الراء
وكسر النون وتشديد الياء أى خالق النور المانع من رؤيته فيكون من صفات
الافعال قال عياض هذه الرواية لم تقع الينا ومن المستحيل أن يكون ذات الله
نورا اذ النور من جملة الاجسام والله تعالى متعال عن ذلك علوا كبيرا
(سبحان) تنزيه الله من كل
(1/131)
الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى
المسجد الاقصى الآية وقال تعالى وَالنَّجْمِ إِذا هَوى الآيات فلا خلاف بين
المسلمين في صحة الاسراء به صلى الله عليه وآله وسلم اذ هو نص القرآن وجاءت
بتفصيله وشرح عجائبه وخواص نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيه أحاديث
كثيرة منتشرة رأينا أن نقدم أكملها ونشير الى زيادة من غيره يجب ذكرها ثم
ذكر حديث ثابت عن أنس من طريق مسلم قلت وقد اخترت ما اختاره القاضى لدرايته
وتقدمه في هذا الشأن مع انى قد امتحنت الاحاديث غيره فوجدته من أعدلها متنا
وأصحها سندا وها أنا اذا أذكره مقتصرا عليه وأحذف الزيادات من غيره اختصارا
وهو ما رويناه بسندنا السابق الى مسلم. قال حدثنا شيبان بن فروخ ثنا حماد
بن سلمة ثنا ثابت البنانى عن أنس بن مالك ان رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم قال أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره
عند منتهي طرفه قال فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط
بها الانبياء ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءنى جبريل باناء
من خمر واناء من لبن فاخترت اللبن فقال اخترت الفطرة ثم عرج بنا الى السماء
فاستفتح جبريل فقيل من أنت قال جبريل قيل فمن معك قال محمد قيل وقد بعث
اليه قال قد بعث اليه ففتح لنا فاذا أنا بآدم صلى الله عليه وسلم فرحب بى
ودعا لى بخير ثم عرج بنا الى السماء الثانية فاستفتح جبريل فقيل من أنت قال
جبريل قيل من معك قال محمد قيل وقد بعث اليه قال سوء ووصف له بالبراءة من
كل نقص على المبالغة ويكون بمعنى التعجب الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ يعني
محمدا صلى الله عليه وسلم واسراؤه به معناه سيره بالليل (ليلا من المسجد
الحرام) أي مسجد مكة وقيل من دار أم هانئ (لدرايته) بكسر الدال مصدر درى
يدري (امتحنت) أى اختبرت (شيبان) بفتح المعجمة وسكون التحتية (ابن فروخ)
بفتح الفاء وتشديد الراء في آخره معجمة هو أبو محمد بن أبى شيبة الحنطي
مولاهم الايلي قال عبدان كان عنده خمسون الف حديث وقال أبو زرعة صدوق وقال
أبو حاتم أضطر الناس اليه أخيرا (حماد ابن سلمة) بن دينار البصرى أبو سلمة
ثقة عابد أثبت الناس في ثابت (البنانى) بضم الموحدة ونونين مخففين يكنى أبا
محمد وبنانة هم بنو سعد بن لؤى (البراق) بضم الموحدة وخفة الراء كذا ضبطه
الحافظ ابن حجر وغيره وكثيرا ما يقرأ بكسر الباء وهو خطأ (عند منتهى طرفه)
بسكون الراء أي نظره ووقع في بعض الروايات خطوه من باب المجاز لانه مصدر
وهو لا يتصف بالوضع (ثم خرجت فجاءني جبريل باناء من خمر واناء من لبن) وفي
بعض الروايات واناء من عسل (فاخترت اللبن فقال) القائل جبريل (اخترت
الفطرة) وفي رواية هي الفطرة التي انت عليها وأمتك وفي حديث أبى هريرة عند
البخارى في الاشربة ولو أخذت الخمر
(1/132)
قد بعث اليه ففتح لنا فاذا أنا بابنى
الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا صلى الله عليهما وسلم فرحبا بى ودعوا
لي يخير ثم عرج بنا الى السماء الثالثة فذكر مثل الاول ففتح لنا فاذا أنا
بيوسف صلى الله عليه وسلم فاذا هو قد أعطي شطر الحسن فرحب بي ودعا لى بخير
ثم عرج بنا الى السماء الرابعة وذكر مثله واذا إدريس فرحب بى ودعا لى بخير
قال الله تعالى وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا ثم عرج بنا الى السماء
الخامسة فذكر مثله فاذا أنا بهارون فرحب بى ودعالى بخير ثم عرج بنا الى
السماء السادسة فذكر مثله فاذا أنا بموسى فرحب بى ودعالى بخير ثم عرج بنا
الى السماء السابعة فذكر مثله فاذا أنا بابراهيم مسندا ظهره الى البيت
المعمور واذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون اليه ثم ذهب بى الى
سدرة المنتهي فاذا ورقها كآذان الفيلة واذا ثمرها كالقلال قال فلما غشيها
من أمر الله ما غشى تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع ان ينعتها من حسنها
فأوحى الله الىّ ما أوحى ففرض على خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت الى
موسى فقال ما فرض ربك على أمتك قلت خمسين صلاة قال ارجع الى ربك فاسئله
التخفيف فان أمتك لا يطيقون ذلك فانى قد بلوت بني اسرائيل قبلك وخبرتهم قال
فرجعت الى ربى فقلت يا رب خفف عن أمتى فحط عني خمسا فرجعت الى موسى فقلت حط
عني خمس صلوات فقال ان أمتك لا يطيقون فارجع الى ربك وأسأله التخفيف فلم
أزل ارجع بين ربى وبين موسى حتى قال يا محمد انهن خمس صلوات كل يوم وليلة
بكل صلاة عشر فتلك خمسون صلاة ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فان
عملها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم يكتب عليه شئ فان عملها
كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتي انتهيت الى موسى فأخبرته فقال ارجع الى ربك
فأسأله التخفيف فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد رجعت الى ربى
حتي استحييت منه انتهى الحديث ولما أصبح صلى الله عليه وآله وسلم وأخبر خبر
ليلته وما جري له فيها كذبه كفار قريش ومقتوه غوت أمتك وعند البيهقي من
حديث أنس ولو شربت الماء غرقت وغرقت أمتك (واذا ثمرها كالقلال) أي الجرة
العظيمة وفي القاموس القلة بالضم الحب العظيم أو الجرة العظيمة (ولما أصبح
صلى الله عليه وسلم وأخبر خبر ليلته وما جرى له فيها كذبه كفار قريش
ومقتوه) في السيرة لابن هشام فلما أصبح غدا على قريش فاخبرهم الخبر فقال
أكثر الناس هذا والله الإمر البين والله ان العير لتطرد شهرا من مكة الى
الشام مدبرة وشهرا مقبلة أفيذهب ذلك محمد في ليلة واحدة ويرجع الى مكة قال
فارتد كثير ممن كان أسلم وذهب الناس الى أبي بكر فكان من قوله لهم رضى الله
عنه لقد صدق فما يعجبكم من ذلك فو الله انه ليخبرنى ان
(1/133)
واستبعد ذلك كثير من الناس حتى ارتد من ضعف
ايمانه ورق دينه ثم استوصفوه بيت المقدس ولم يكن أثبت صفاته فكرب صلى الله
عليه وآله وسلم كربا عظيما فرفعه الله له فجعل يخبرهم عنه وهو يبصره وفي
رواية يونس بن بكير عن ابن اسحق انه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لما
أخبر قومه بالرفقة والعلامة في عيرهم قالوا متي تجئ قال يوم الاربعاء فلما
كان ذلك اليوم وأشرفت قريش ينظرون وقد ولى النهار ولم تجيء فدعا رسول الله
صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فزيد له في النهار ساعة وحبست عليه الشمس
صلى الله عليه وآله وسلم*
[مطلب فى قدوم الأنصار اليه صلى الله عليه وسلم
وخبر بيعة العقبة الأولى]
وفي موسم هذه السنة وافاه من الانصار اثني عشر رجلا وهم أسعد بن زرارة وعوف
ومعاذ ابنا عفراء ورافع بن العجلان وذكوان بن عامر وعبادة بن الصامت ويزيد
بن ثعلبة الخبر ليأتيه من الله من السماء الى الارض في ساعة من ليل أو نهار
فأصدقه فهذا أعجب مما تعجبون منه (ثم استوصفوه بيت المقدس ولم يكن أثبت
صفاته) أي لم يكن عرفه حق المعرفة لان الاسراء وقع ليلا (فكرب صلى الله
عليه وسلم كربا عظيما) فكان من اكرام الله تعالى له (فرفعه الله له) وفي
السيرة ان أبا بكر قال يا نبي الله أحدثت هؤلاء القوم انك جئت بيت المقدس
هذه الليلة قال نعم قال يا نبي الله فصفه لي فانى قد جئته قال الحسن فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع لي حتى نظرت اليه فجعل رسول الله صلى
الله عليه وسلم يصفه لابي بكر ويقول أبو بكر صدقت أشهد انك رسول الله قال
حتى انتهى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابي بكر وانت يا أبا بكر
الصديق فيومئذ سماه الصديق (يونس بن بكير) بن واصل الشيباني أبو بكر الجمال
الكوفي صدوق يخطئ ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب (يوم الاربعاء)
بالمد وهو بتثليث الباء والاجود كسرها وقال ابن هشام فيه لغات فتح الهمزة
وكسر الباء وكسر الهمزة وفتح الباء وكسرهما قال وهذه أفصح اللغات (وأشرفت
قريش) أي أقبلت (وحبست عليه الشمس) أي ببطء تحركها وقيل توقفت وقيل ردت على
ادراجها وحديث يونس هذا في حبس الشمس ذكره القاضي عياض في كتاب الشفاء في
آخر فصل انشقاق القمر وحبس الشمس له صلى الله عليه وسلم ونوزع القاضي في
هذا الباب والله أعلم بالصواب
(وفي موسم هذه السنة) أي السنة العاشرة من البعثة أراد الله عز وجل اظهار
دينه واعزاز نبيه صلى الله عليه وسلم وانجاز موعده له (وافاه من الانصار
اثني عشر رجلا) فلقوه بالعقبة (وهم أسعد بن زرارة) ابن عدس بن عبيد بن
ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار أبو امامة (وعوف ومعاذ) ابنا الحارث بن
رفاعة بن سواد بن مالك بن غنم بن النجار وهما (ابنا عفراء) وهؤلاء الثلاثة
من بنى النجار ثم من بني مالك بن النجار (ورافع) بن مالك (بن العجلان) بن
عمرو بن عامر بن زريق (وذكوان) بن عبد قيس بن خلدة بن مخلد (بن عامر) بن
زريق وذكوان هذا مهاجري انصارى قاله ابن هشام والسادس (عبادة ابن الصامت)
بن قيس بن اصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم (و) السابع أبو عبد الرحمن (يزيد بن
ثعلبة) بن
(1/134)
وعياش بن عبادة وعقبة بن عامر وقطبة بن
عامر هؤلاء خزرجيون ومن الاوس أبو الهيثم بن التيهان وعويم بن ساعدة فلقوا
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالعقبة وهى العقبة الاولى فبايعوه بيعة
النساء أن لا يشركوا بالله شيئا ولا يسرقوا ولا يزنوا الى آخر ما قص الله
في آية بيعة المؤمنات وذلك قبل ان تفرض الحرب وبعث معهم رسول الله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم مصعب بن عمير العبدري يقرئهم القرآن ويعلمهم الاحكام
فكانوا يسمونه المقريء وكان منزله عند أسعد بن زرارة ودخل به أسعد بن زرارة
يوما حائطا لبني ظفر من الاوس واجتمع اليهما نفر ممن أسلم فقال سعد بن معاذ
لا سيد بن حضير انطلق بنا الى هذين الرجلين اللذين أتيا ديارنا ليسفها
ضعفاءنا فازجرهما فلولا أن أسعد بن زرارة ابن خالتي لكفيتك فأخذ أسيد حربته
وأقبل نحوهما وحين رأياه قال أسعد بن زرارة لمصعب هذا سيد قومه قد جاءك
فاصدق الله فيه فقال مصعب ان يجلس أكلمه فوقف عليهما متشتما فقال ما جاء
بكما تسفهان ضعفاءنا اعتزلا ان كان لكما بأنفسكما حاجة فقال له مصعب أو
تجلس فتستمع فان رضيت أمرا قبلته وان كرهت أمرا كف عنك ما تكره قال أنصفت
فركز حربته وجلس فتلا عليه القرآن ودعاه الى الاسلام فأسلم ثم قال لهما ان
ورائى رجلا ان اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه وسأرسله اليكما فلما أقبل
أسيد راجعا الى سعد قال سعد احلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب
به عنكم فلما وقف عليهم سأله سعد فقال والله ما رأيت بهما بأسا وقد حدثت ان
بنى حارثة خرجوا الى أسعد بن زرارة ليقتلوه فقام سعد خزمة بن اصرم بن عمرو
بن عمارة من بنى غصينة من بلي حليف لهم (و) الثامن (عياش بن عبادة) كذا في
الاصل وفي السيرة لابن هشام قال ابن اسحاق ومن بني سالم بن عوف بن عمرو بن
الخزرج ثم من بني العجلان بن زيد بن غنم بن سالم العباس بن عبادة وفي
الاصابة للحافظ ابن حجر العباس بن عبادة ابن نضلة بن مالك بن العجلان بن
زيد بن غنم بن سالم بن عوف الانصاري الخزرجى (و) التاسع (عقبة بن عامر) بن
نابي بن زيد بن حرام (و) العاشر (قطبة بن عامر) بن حديدة بن عمرو بن غنم بن
سواد (وهؤلاء) جميعهم (خزرجيون و) شهدها (من الأوس أبو الهيثم بن التيهان)
قال ابن هشام واسمه مالك والتيهان يخفف ويثقل كقوله ميت وميت قاله ابن حجر
(وعويم) بصيغة التصغير ليس في آخره راء (ابن مساعدة) من بني عمرو بن عوف بن
مالك بن الأوس (مصعب بن عمير) بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصى بن
كلاب (العبدري) أحد السابقين في الاسلام يكنى أبا عبد الله وكان ممن هاجر
الى الحبشة الهجرة الاولى ثم رجع الى مكة ثم هاجر الى المدينة هجرته هذه
(حائطا) أي بستانا (فركز حربته) الحربة بفتح الحاء آلة للحرب
(1/135)
مغضبا حتى وقف عليهما متشتما وقال لأسعد
لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت ذلك منى تغشانا في ديارنا بما نكره
فقالا له ما قالا لصاحبه وفعل مثل فعله ولما رجع سعد الى قومه. قال يا بنى
عبد الاشهل كيف تعلمون أمري فيكم قالوا سيدنا وأفضلنا قال فان كلام نسائكم
ورجالكم على حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله فما أمسى في دارهم مشرك ثم فشا
الاسلام في دور الانصار كلها الا ما كان من بنى أمية بن زيد وخطمة وواقف
فانهم انتظروا باسلامهم اسلام أبى قيس بن الاسلت وكان شاعرا مطاعا فيهم
فوقف بهم حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ومضي بدر واحد
والخندق وقال حين رأى الاسلام
أرب الناس أشياء المت ... يلف الصعب منها بالذلول
في أبيات له وقد كان أهل مكة قيل اسلام سعد بن معاذ سمعوا هاتفا يقول
فان يسلم السعدان يصبح محمد ... بمكة لا يخشى خلاف مخالف
يعني سعد بن معاذ
من الحديد قصيرة محددة الرأس وركزها غرزها (الا ما كان من بني أمية بن زيد)
في السيرة لابن هشام الا ما كان من دار بني أمية الخ (وخطمة) بخاء معجمة
مفتوحة ومهملة ساكنة بطن من الانصار (وواقف) بكسر القاف المثناة وفاء بطن
من الأوس وزاد ابن هشام بينهما ووائل بكسر التحتية بطن من الانصار أيضا
(أبي قيس بن الأسلت) قال ابن حجر في الاصابة واسم الاسلت عامر بن جشم بن
وائل بن زيد بن قيس ابن عامر بن مرة بن مالك بن الأوس الأوسي مختلف في اسمه
فقيل صيفي وقيل الحارث وقيل عبد الله وسماه ابن هشام في السيرة صيفي قال
ابن حجر وكان يعدل بقيس بن الخطيم في الشجاعة والشعر ومن محاسن شعره قوله
في صفة امرأة
وتكرمها جاراتها فيزرنها ... وتعتل من اتيانهن فتعذر
(يلف) في بعض النسخ بالكاف بدل اللام من الكف وكلاهما بمعنى المنع (الذلول)
الدمث الاخلاق (فى أبيات له) ذكرها ابن هشام في السيرة وهي
ارب الناس اما ان ضللنا ... فيسرنا لمعروف السبيل
فلولا ربنا كنا يهودا ... وما دين اليهود بذي شكول
ولولا ربنا كنا نصارى ... مع الرهبان في جبل الخليل
ولكنا خلقنا إذ خلقنا ... حنيفا ديننا في كل جيل
نسوق الهدى ترسف مذعنات ... مكشفة المناكب في الجلول
(سعد بن معاذ) بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الاشهل بن جشم بن
الحارث بن الخزرج بن البنيت بن مالك بن الأوس الانصاري الاشهلي سيد الأوس
وأمه كبشة بنت رافع هاصحبة: يكنى أبا عمر وشهد بدرا
(1/136)
وسعد بن عبادة رضي الله عنهما*
[مطلب فى قدوم الأنصار اليه ثانية وبيعة العقبة
الثالثة المتفق على صحتها]
وفي سنة ثلاث عشرة خرج حجاج الانصار من المسلمين مع حجاج قومهم من أهل
الشرك فلما قدموا مكة واعدوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العقبة من
أوسط أيام التشريق وهي العقبة الثالثة المتفق على صحتها وها أنا أذكرها
مختصرة على معنى ما ذكره أهل السير مع مراعاة بعض الالفاظ كما أفعل في
غيرها من القصص قالوا فلما كانت ليلة الميعاد باتوا مع قومهم فلما مضى ثلث
الليل خرجوا مستخفين ولما اجتمعوا بالشعب عند العقبة جاءهم رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم ومعه العباس عمه وهو يومئذ مشرك فتكلم العباس وقال يا
معشر الخزرج وكانت العرب تسمى الانصار أوسها وخزرجها الخزرج ان محمدا منا
حيث قد علمتم وقد منعناه من قومنا فهو في عز ومنعة من قومه في بلده وقد أبى
الا الانقطاع اليكم واللحوق بكم فان كنتم ترون أنكم وافون له باتفاق ورمي
بسهم يوم الخندق فعاش بعد ذلك شهرا ثم انتقض جرحه فمات أخرج ذلك البخاري
وذلك سنة خمس (سعد بن عبادة) بن دليم بن حارثة بن حرام بن خزيمة بن ثعلبة
بن طريف بن الخزرج بن ساعدة ابن كعب بن الخزرج الانصاري سيد الخزرج يكنى
أبا ثابت وأمه عمرة بنت مسعود لها صحبة ماتت في زمن النبي صلى الله عليه
وسلم وشهد سعد العقبة الثالثة كما سيذكره المصنف قريبا واختلف في شهوده
بدرا فأثبته البخاري وكان يكتب بالعربية ويحسن العوم والرمي فكان يقال له
الكامل وكان مشهورا بالجود هو وأبوه وجده وولده مات بحوران سنة خمس عشرة
وقيل سنة ست عشرة (أيام التشريق) الايام الثلاثة التي بعد يوم النحر
(العقبة الثالثة المتفق على صحتها) من أهل السير والحديث (بالشعب) بكسر
الشين وسكون المهملة قال الجوهري الطريق في الجبل وقال غيره ما انفرج بين
جبلين فهو شعب (عند العقبة) بالتحريك وهو الجبل الطويل قال ياقوت العقبة
التى بويع فيها النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فهى عقبة بين منى ومكة بينها
وبين مكة نحو ميلين وعندها مسجد ومنها ترمى جمرة العقبة
(العباس بن عبد المطلب) بن هاشم بن عبد مناف كنيته أبو الفضل وأمه نتيلة
بنت جناب بن كلب.
ولد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين وضاع وهو صغير فنذرت أمه ان
وجدته ان تكسو البيت فوجدته فكست البيت الحرير فهي أوّل من كساه ذلك وكان
اليه في الجاهلية السفارة والعمارة (وهو يومئذ على دين قومه) قال ابن حجر
في الاصابة حضر بيعة العقبة مع الانصار قبل ان يسلم وشهد بدرا مع المشركين
مكرها فاسر فافتدى نفسه وافتدى ابن أخيه عقيل بن أبي طالب ورجع الى مكة
فيقال انه اسلم وكتم قومه ذلك وصار يكتب الى النبى صلى الله عليه وآله وسلم
بالاخبار ثم هاجر قبل الفتح بقليل وشهد الفتح وثبت يوم حنين وقال فيه صلى
الله عليه وآله وسلم من آذى العباس فقد آذاني فانما عم الرجل صنو أبيه
أخرجه الترمذي وقال البغوي كان العباس أعظم الناس عند رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم والصحابة يعترفون للعباس بفضله ويشاورونه ويأخذون رأيه ومات
بالمدينة في رجب أو رمضان سنة اثنتين وثلاثين وكان
(1/137)
بما وعدتموه اليه ومانعوه ممن خالفه فأنتم
وما تحملتم وإن كنتم مسلموه وخاذلوه فمن الآن فقالوا تكلم يا رسول الله وخذ
لربك ولنفسك ما شئت فتكلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتلى عليهم
شيئا من القرآن ثم قال أبايعكم على ان تمنعوني بما تمنعون به أنفسكم
ونساءكم وأبناءكم فقال البراء بن معرور نعم والذي بعثك بالحق نبيا لنمنعنك
بما نمنع به أزرنا فبايعنا يا رسول الله فنحن أهل الحلقة والسلاح ورثناها
كابرا عن كابر فقال أبو الهيثم بن التيهان يا رسول الله ان بيننا وبين
الناس حبالا وإنّا قاطعوها فهل عسيت ان فعلنا ذلك ثم أظفرك الله أن ترجع
الى قومك وتدعنا فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال بل الأيد
الأيد الدم الدم والهدم الهدم وأنتم منى وأنا منكم أحارب من حاربتم وأسالم
من سالمتم ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اخرجوا الي منكم
اثنى عشر نقيبا كفلاء على قومهم فاخرجوا تسعة من الخزرج وثلاثة من الاوس
ونقب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على النقباء أسعد بن زرارة فقال
لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنتم كفلاء على قومكم ككفالة
الحواريين لعيسى بن مريم وأنا الكفيل على قومي قالوا نعم فبايعوه ووعدهم
على الوفاء الجنة طويلا جميلا أبيض (بما وعدتموه اليه) كذا في الاصل من
الوعد وفي السيرة لابن هشام بما دعوتموه اليه من الدعوة (البراء) بموحدة
ومهملة مخففتين (بن معرور) بمهملات بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد ابن
عدي بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بمثناة
فوقية بن جشم بن الخزرج هكذا ساق نسبه ابن هشام وفي الاصابة سابق بدل خنساء
ويزيد بدل تزيد الانصاري الخزرجي السلمي ابو بشر أحد النقباء كما سيذكره
المؤلف (أزرنا) بضم الهمزة والزاي وفتح ما بعدهما واحده ازار يذكر ويؤنث أي
نساءنا وأهلنا (أهل الحلقة) بفتح الحاء المهملة وسكون اللام قال في اللسان
قال ابن سيده الحلقة اسم لجملة السلاح والدروع وما أشبهها. وفي السيرة لابن
هشام فنحن والله أهل الحروب وأهل الحلقة ورثناها كابرا عن كابر (وبين
الناس) المراد بالناس هنا اليهود (حبالا) كناية عن ما بين الحيين من العهود
(الايد الايد) بفتح الهمزة واسكان الياء المثناة من تحت أى القوة ولم
يذكرها ابن هشام (الدم الدم والهدم والهدم) قال في اللسان بعدان ساق الحديث
يروي بسكون الدال وفتحها فالهدم بالتحريك القبر يعنى أقبر حيث تقبرون وقيل
هو المنزل أي منزلكم منزلى أي لا افارقكم والهدم بالسكون وبالفتح أيضا هو
اهدار دم القتيل يقال دماؤهم بينهم هدم أى مهدرة والمعنى ان طلب دمكم فقد
طلب دمى وان اهدر دمكم فقد اهدر دمي لاستحكام الالفة بيننا ثم قال وهو قول
معروف والعرب تقول دمي دمك وهدمي هدمك وذلك عند المعاهدة والنصرة ثم قال
وكان ابو عبيدة يقول هو الهدم واللدم اللدم أي حرمتي مع حرمتكم وبيتي مع
بيتكم وأنشد:
- ثم الحقي بهدمي ولدمي- (نقيبا) أي عريفا للقوم والجمع نقباء والعريف شاهد
القوم وضمينهم
(1/138)
[مطلب في أسماء
النقباء من الأوس والخزرج وطرفا من أحوالهم ومواخذة قريش لهم في ذلك]
وأوّل من بايع البراء بن معرور ثم تتابع الناس وكانوا ثلاثة وسبعين رجلا
وامرأتين وقيل سبعين (أسماء النقباء) أبو امامة أسعد بن زرارة عبد الله بن
رواحة سعد بن الربيع رافع بن مالك بن العجلان البراء بن معرور سعد بن عبادة
عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر وكان اسلامه ليلتئذ والمنذر بن عمرو
وعبادة بن الصامت هؤلاء من الخزرج ومن الاوس أسيد بن حضير وسعد بن خيثمة
قوله (وامرأتين) هما نسيبة بنت كعب أم عمارة احدى نساء بنى مازن بن النجار
واسماء بنت عمرو بن عدي ابن نابي احدى نساء بني سلمة وهي أم منيع (عبد الله
بن رواحة) بالتخفيف ابن امرئ القيس بن عمرو بن امريء القيس بن مالك بن
ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج كذا في السيرة لابن هشام وفي
الاصابة ابن امريء القيس الاغر بن ثعلبة الى آخر النسب الانصاري الخزرجي
الشاعر المشهور يكني أبا محمد ويقال كنيته ابو رواحة ويقال أبو عمرو أمه
كبشة بنت واقد بن عمرو بن الاطنابة خزرجية أيضا وليس له عقب شهد بدرا وما
بعدها الى أن استشهد بمؤتة. قال ابن سعد في الطبقات ولما نزلت والشعراء
يتبعهم الغاوون قال عبد الله بن رواحة قد علم الله اني منهم فانزل الله الا
الذين آمنوا وعملوا الصالحات الآية (وسعد بن الربيع) بن عمرو بن أبي زهير
بن مالك بن امريء القيس الى آخر الذي قبله الانصاري الخزرجي استشهد باحد
باتفاق وفيه نزل قوله تعالى الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ الآية
(عبد الله بن عمرو بن حرام) بن ثعلبة بن حرام بن كعب بن غنم وباقى النسب
تقدم في ترجمة البراء بن معرور (والد جابر) بن عبد الله الصحابي المشهور
شهد عبد الله بدرا واحدا فاستشهد رضي الله عنه وهو الذي جفر السيل عن قبره
بعد ست واربعين سنة فوجد لم يتغير كانه مات بالامس (وكان اسلامه ليلتئذ)
وذلك فيما رواه ابن اسحق عن معبد بن كعب أن أخاه عبد الله بن كعب حدثه أن
أباه كعب بن مالك حدثه قال كعب ثم خرجنا الى الحج وواعدنا رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم ايانا العقبة من أوسط أيام التشريق قال فلما فرغنا من
الحج وكانت الليلة التى أوعدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لها
ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر سيد من ساداتنا وشريف من أشرافنا
أخذناه معنا وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا فكلمناه وقلنا
له يا أبا جابر انك سيد من ساداتنا وشريف من أشرافنا وإنا نرغب بك عما أنت
فيه أن تكون حطبا للنار غدا ثم دعوناه الى الاسلام وأخبرناه بميعاد رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم ايانا العقبة قال فاسلم وشهد معنا العقبة
وكان نقيبا اه (المنذر بن عمرو) بن خنيس قال ابن هشام ويقال بن خنبش بن
حارثة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن
الخزرج الانصاري الخزرجي الساعدى قال في الاصابة ومنهم من أسقط حارثة من
نسبه بدري استشهد يوم بئر معونة (اسيد بن حضير) بن سماك بن عتيك بن رافع
ابن امريء القيس بن زيد بن عبد الاشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو
بن مالك بن الاوس الانصاري الاوسي الاشهلى قال في الاصابة يكنى ابا يحيى.
وأبا عتيك وأبوه الحضير فارس الاوس ورئيسهم يوم بعاث وكان أسيد من السابقين
إلي الإسلام أسلم على يد مصعب بن عمير كما تقدم وقيل على يد سعد بن معاذ
واختلف في شهوده بدرا أرخ البغوي وفاته سنة عشرين وقال المدائني سنة احدى
وعشرين (سعد بن خيثمة)
(1/139)
ورفاعة بن عبد المنذر وعد بعضهم بدل رفاعة
أبا الهيثم بن التيهان وعلى ذلك عمل كعب بن مالك حيث يقول في جوابه لأبى بن
خلف وأبى سفيان حين كتبا الى الانصار في أمر النبي صلى الله عليه وآله
وسلم:
ألا فابلغ أبيا أنه فال رأيه ... وحان غداة الشعب والحين واقع
أبا الله ما منتك نفسك انه ... بمرصاد أمر الناس راء وسامع
وأبلغ أبا سفيان أن قد بدا لنا ... باحمد نور من هدى لاح ساطع
فلا ترغبن في حشد أمر تريده ... وألب وجمع كل ما أنت جامع
ابن الحارث بن مالك بن كعب بن النحاط بالنون والمهملة بن كعب بن حارثة بن
غنم بن السلم بن امريء القيس ابن مالك بن الاوس الانصاري الاوسي يكنى أبا
خيثمة ذكره ابن اسحاق وغيره فيمن شهد بدرا واستشهد.
قال أبو جعفر بن جيب في قول حسان بن ثابت
أرونى سعودا كالسعود التى سمت ... بمكة من أولاد عمرو بن عامر
أقاموا عماد الدين حتى تمكنت ... قوائمه بالمرهفات البوائر
قال أراد بالسعود سبعة أربعة من الاوس وثلاثة من الخزرج فمن الخزرج سعد بن
عبادة وسعد بن الربيع وسعد بن عثمان أبو عبادة ومن الاوس سعد بن معاذ وسعد
بن خيثمة وسعد بن عبيد وسعد بن زيد انتهى (رفاعة بن عبد المنذر) بن زنبر
بزاي ونون وباء بموحدة كذا في السيرة لابن هشام ابن زيد بن أمية بن زيد بن
مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الاوس الانصاري الاوسى ثم قال ابن
هشام وأهل العلم يعدون فيهم أبا الهيثم بن التيهان ولا يعدون رفاعة وساق
أبيات كعب العينية كما سيذكرها المؤلف وقال ابن حجر في الاصابة رفاعة بن
عبد المنذر أحد ما قيل في اسم أبي لبابة ثم قال في باب الكنى منه أبو لبابة
بن عبد المنذر الانصاري مختلف في اسمه قيل بشير وزن عظيم بمعجمة وقيل
بالمهملة أوله ثم التحتانية ثانيه كذا ثم قال وقال ابن اسحاق اسمه رفاعة
وكذا قال ابن نمير وغيره ثم قال ذكره ابن عقبة في البدريين وقالوا كان أحد
النقباء ليلة العقبة ونسبوه الى عبد المنذر بن زر بن زيد بن أمية الى آخر
النسب المتقدم مات في خلافة على رضى الله عنهما ويقال عاش الى بعد الخمسين
(ألا فابلغ) كذا في الاصل باثبات اداة الاستفتاح وفي السيرة لابن هشام من
روايته عن أبي زيد سعيد بن أوس الانصاري أحد أئمة اللغة بحذفها و (أبيا) هو
أبي بن خلف أحد أشداء قريش على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وممن
آذوه كثيرا قتل مشركا قتله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما تقدم
(وفال رأيه) أي خاب والرأى معروف (وحان) قرب (والحين) بفتح الحاء المهملة
وسكون الياء الهلاك والعرب تقول والنفس قد حان حينها أى قرب هلكها (وأبلغ
أبا سفيان) بن حرب بن أمية والد معاوية من مسلمة الفتح سيأتي له ذكر (بدا)
ظهر (ساطع) سطع الصبح ارتفع يسطع بفتح العين في الماضى
(1/140)
ودونك فاعلم ان نقض عهودنا ... اباه عليك
الرهط حين تبايع
اباه البراء وابن عمرو كلاهما ... واسعد يأباه عليك ورافع
وسعد اباه الساعدي ومنذر ... لانفك ان حاولت ذلك جادع
وما ابن ربيع ان تناولت عهده ... بمسلمه لا يطمعن ثم طامع
وأيضا فلا يعطيكه ابن رواحة ... واخفاره من دونه السم ناقع
وفاء به والقوقلي ابن صامت ... بمندوحة عما يحاول باقع
ابو هيثم أيضا وفيّ بمثلها ... وفاء لما أعطى من العهد خانع
وما ابن حضير ان أردت بمطمع ... فهل أنت عن احموقة ألغي نازع
وسعد اخو عمرو بن عوف فانه ... ضروح بما حاولت ملأ مر مانع
أولاك نجوم لا يغبّك منهم ... عليك بنحس في دجى الليل طالع
وأنشدنا فيهم الشيخ الصديق بن محمد المقرى المعروف والده بالمدوّح وكنت
سألته ذلك فقال:
سألتنى نظم أسامى النقبا ... الفاضلين الماجدين الأدبا
رؤس أنصار النبى أحمد ... أهل السماح والحجى والسؤدد
أعدادهم اثنى عشر نقيبا ... كالنقباء من بنى يعقوبا
تبايعوا بالليل عند العقبه ... منقبة ما مثلها من منقبه
والمضارع (الرهط) قوم الرجل وقبيلته والرهط ما دون العشرة من الرجال لا
يكون فيهم امرأة قال الله تعالى وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ
فجمع وليس له واحد من لفظه (والقوقلى) الشديد من الرجال (وابن الصامت) هو
عبادة بن الصامت وتقدم نسبه وشيء من سيرته (بمندوحة) أى بسعة (باقع)
بالموحدة والقاف أى حاذق داهية (وخانع) بالخاء المعجمة والنون أى خاضع ذليل
(ضروح) الضروح بالمعجمة والمهملات شديد الدفع كذا في هامش السيرة لابن هشام
وفي طرة نسخة من الاصل الضريح بفتح المعجمة البعد وهذا التفسير أشبه
بالمعنى وقوله (ملأمر) أصله من الأمر حذفت النون وألف الوصل تخفيفا (لا
يغبك) بالمعجمة أى لا يغيب عنك حتى يأتيك عائدا لا يزال طالعا عليك بالنحس
دائما والكاف كاف الخطاب لابي سفيان وأبي بن خلف (الحجى) بالكسر والقصر
العقل وقوله (كالنقباء من بني يعقوبا) يريد بهم الاسباط الاثني عشر من بني
اسرائيل
(1/141)
فتسعة هم من رؤس الخزرج ... كاسعد نعم رجاء
المرتجى
ومنذر ورافع وسعد ... ابن الربيع والبرا ذى المجد
وعد من عبادة أبوه ... سعد وعبد الله فانسبوه
ذاك ابو جابر خير ثابت ... فى الحرب مع عبادة بن الصامت
وإن تسلني عن شهيد مؤته ... فذاك عبد الله ان نسبته
والأوس منهم واحد وثاني ... وثالث فاقت به المعانى
فمنهم رفاعة وسعد ... وابن حضير من نماه المجد
اسيد من قاموا له قياما ... لانه أبركهم إسلاما
هم هؤلاء النقبا الاثنى عشر ... خيرة خلق الله من خير البشر
هذا وصلى ربنا وسلما ... ما دامت الارض وما دام السما
على النبي وآله وعظما ... ماشن سحب بامزان وما
والآل والاصحاب والازواج ... ما غطمط العجاج بالامواج
وروي ان جبريل كان الى جنب النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند مبايعتهم وهو
(عبادة) أصله غير مصروف وصرفه هنا لضرورة الشعر (شهيد مؤتة) هو عبد الله بن
رواحة رضى الله عنه ومؤتة بالضم ثم واو مهموزة ساكنة وفوقية وبعضهم لا
يهمزه قرية من قرى البلقاء في حدود الشام وقيل من مشارف الشام بعث النبى
صلى الله عليه وآله وسلم اليها جيشا في سنة ثمان وأمر عليهم زيد بن حارثة
مولاه وقال ان أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب الامير وان أصيب جعفر فعبد الله
بن رواحة فساروا حتى اذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم
والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال لها مشارف ثم دنا العدو وانحاز المسلمون
الى قرية يقال لها مؤتة فالتقى الناس عندها فلقيتهم الروم في جمع عظيم
فقاتل زيد حتى قتل فأخذ الراية جعفر فقاتل حتى قتل فاخذ الراية عبيد الله
بن رواحة فكانت تلك حاله فاجتمع المسلمون الى خالد بن الوليد فانحاز بهم
حتى قدم المدينة فجعل الصبيان يحثون عليهم التراب ويقولون يا فرار فررتم في
سبيل الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم ليسوا بالفرار لكنهم الكرار إن
شاء الله. وقال حسان بن ثابت:
فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا ... بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر
وزيد وعبد الله هم خير عصبة ... تواصوا وأسباب المنية تنظر
(غطمط) بمعجمة ومهملتين أى اضطرب وتحرك حتى سمع له صوت كصوت غليان القدر و
(العجاج) بتشديد الجيم الذي يسمع له ضجيج أى صوت والمراد به البحر
(1/142)
يشير اليهم واحدا بعد واحد قال مالك وكنت
أعجب كيف جاء هذا رجلان من قبيلة ورجل من أخرى ختى حدثت بهذا الحديث وأن
جبريل هو الذي ولاهم وأشار بهم فعلمت* ولما تمت البيعة صاح ابليس لعنه الله
صيحة منكرة مشبها صوته بصوت منبه بن الحجاج السهمى يا أهل منى هذا محمد
وأهل يثرب قد اجتمعوا لحربكم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أي
عدوّ الله أما والله لافرغن لك ثم تفرقوا فلما أصبحوا غدت عليهم رؤساء قريش
فقالوا يا معشر الخزرج بلغنا أنكم جئتم الى صاحبنا تستخرجونه من بين أظهرنا
وتبايعونه على حربنا وانه والله ما حى من العرب أبغض الينا ان تنشب الحرب
بيننا وبينهم منكم فحلف له مشركو الانصار ما كان من هذا شئ ولا علمناه
وصدقوا لم يعلموا هم وداروهم بالقول ثم تفرقوا وتفرق الناس من منى ثم فتشت
قريش عن الخبر فوجدوه قد كان فخرجوا في طلب القوم ففاتوهم وأدركوا سعد بن
عبادة والمنذر بن عمرو باذاخر فاعجزهم المنذر وادركوا سعدا فرجعوا به الى
الى مكة أسيرا يضربونه فاستنقذه منهم جبير بن مطعم والحارث بن حرب بن أمية
لصنائع وقوله (قال مالك) لعله كعب بن مالك الانصارى فان حديث العقبة مخرج
عنه كما في السيرة لابن هشام (منبه بن الحجاج) بن عامر بن حذيفة بن سعد بن
سهم السهمى أحد صناديد قريش وممن كان يؤلب المشركين على رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم قتل مشركا يوم بدر قتله أبو اليسر أخو بني سلمة (تنشب) أى
تعلق من قولهم نشبت بكسر الشين المعجمة الحرب بينهم نشوبا اذا اشتبكت (ثم
فتشت) أى بحثت (اذاخر) بالفتح والخاء المعجمة مكسورة كأنه جمع الجمع موضع
بين مكة والمدينة (فاستنقذه منهم) أي فخلصه منهم وقصة ذلك كما ساقها ابن
اسحاق. وأما سعد فأخذوه فربطوا يديه الى عنقه بنسع رحله ثم أقبلوا به حتى
أدخلوه مكة يضربونه ويجذبونه بجمته وكان ذا شعر كثير قال سعد فو الله أنى
لفى أيديهم إذ طلع على نفر من قريش فيهم رجل وضيء أبيض شعشاع حلو من
الرجال. والشعشاع الطويل الحسن. قال قلت في نفسى ان يك عند أحد من القوم
خير فعند هذا قال فلما دنا منى رفع يده فلكمني لكمة شديدة قال قلت في نفسى
لا والله ما عندهم بعد هذا من خير قال فو الله اني لفي أيديهم يسحبوننى اذ
أوى لي رجل ممن كان معهم فقال ويحك أما بينك وبين أحد من قريش جوار ولا عهد
قال قلت بلى والله لقد كنت أجير لجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف
تجارة وامنعهم ممن أراد ظلمهم ببلادي وللحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن
عبد مناف قال ويحك فاهتف باسم الرجلين واذكر ما بينك وبينهما قال ففعلت
وخرج ذلك الرجل اليهما فوجدهما في المسجد عند الكعبة فقال لهما ان رجلا من
الخزرج الآن يضرب بالابطح ليهتف بكما ويذكران بينه وبينكما جوارا قالا ومن
هو قال سعد بن عبادة قالا صدق والله إن كان ليجير لنا تجارنا ويمنعهم ان
يظلموا ببلده قال فجاءا فخلصا سعدا من أيديهم فانطلق وكان الذي لكم سعدا
سهيل بن عمرو أخو بنى عامر بن لؤي وكان الرجل الذى أوي له أبا البختري بن
(1/143)
كانت في رقابهما. وقال ضرار بن الخطاب
الفهرى يفتخر بما فعلوا بسعد وهو أوّل شعر قيل بعد الهجرة:
تداركت سعدا عنوة فاخذته ... وكان شفاء لو تداركت منذرا
ولو نلته طلّت هناك جراحة ... وكان حقيقا أن يهان ويهدرا
هشام اه (ضرار بن الخطاب) بن مرداس بن كثير بن عمرو بن سفيان بن محارب بن
فهر القرشى الفهرى.
قال ابن حبان له صحبة وكان فارسا شاعرا وكان أبوه رئيس بنى فهر في زمانه
قاله الزبير قال وكان ضرار من الفرسان ولم يكن في قريش أشعر منه وبعده ابن
الزبعرى وقال ابن سعد كان يقاتل المسلمين في الوقائع أشد القتال وكان يقول
زوجت عشرة من أصحاب النبى صلى الله عليه وآله وسلم بالحور العين وله ذكر في
أحد والخندق ثم أسلم في الفتح وقتل باليمامة شهيدا وقال الخطيب بل عاش الي
ان حضر فتح المدائن ونزل الشام وقال ابن مندة في ترجمته له ذكر وليس له
حديث وحكى عنه عمر بن الخطاب وتعقبه أبو نعيم بانه لم يذكره أحد في الصحابة
ولا فيمن أسلم وتعقبه ابن عساكر بان الصواب مع ابن مندة وروى الذهلي في
الزهريات من حديث الزهري عن السائب بن يزيد قال بينا نحن مع عبد الرحمن بن
عوف في طريق مكة اذ قال عبد الرحمن لرياح بن المعترف غننا فقال له عمر فان
كنت آخذا فعليك بشعر ضرار ابن الخطاب وقال أبو عبيدة كان الذى شهر وفاء أم
جميل الدوسية من رهط أبي هريرة أن هشام بن الوليد بن المغيرة قتل أبا أزيهر
الدوسي وكان صهر أبى سفيان فبلغ ذلك قومه فوثبوا على ضرار بن الخطاب
ليقتلوه فسعى فدخل بيت أم جميل فعاذبها فرآه رجل فلحقه فضربه فوقع ذباب
السيف على الباب وقامت أم جميل في وجوههم ونادت في قومها فمنعوه فلما قام
عمر بالخلافة ظنت انه أخوه فاتته فلما انتسبت عرف القصة فقال لست باخيه الا
في الاسلام وهو غاز وقد عرفنا منتك عليه فاعطاها على أنها ابنة سبيل فهذا
صريح في اسلامه فلا معنى لتعقب أبي نعيم وذكر الزبير بن بكار أن التى أجارت
ضرارا أم غيلان الدوسية وفيها يقول ضرار:
جزى الله عنى أم غيلان صالحا ... ونسوتها اذ هن شعث عواطل
وعوفا جزاه الله خيرا فما وني ... وما بردت منه لدي المفاصل
قال وعوف ولدها وأنشد الزبير لضرار بن الخطاب يخاطب النبى صلى الله عليه
وآله وسلم يوم الفتح:
يا نبي الهدى اليك لجا ... حي قريش ولات حين لجاء
حين ضاقت عليهم سعة الارض ... وعاداهم اله السماء
والتقت حلقتا البطان على القوم ... ونودوا بالصيلم الصلعاء
ان سعدا يريد قاصمة الظهر ... باهل الحجون والبطحاء
الابيات قال وكان ضرار قال لابي بكر نحن خير لقريش منكم أدخلناهم الجنة
وأنتم أدخلتموهم النار
(عنوة) بمهملة مفتوحة ونون ساكنة أي قسرا (طلت) بمهملة أي ذهب هدرا فلم تود
يقال طل دمه وأطل دمه وطله الله تعالى وأطله أى اهدره (يهان) بتحتية من
الهوان ضد الاحترام
(1/144)
فاجابه حسان بن ثابت رضي الله عنه
ولست الى سعد ولا المرء منذر ... اذا ما مطايا القوم أصبحن ضمرا
فلولا ابو وهب لمرت قصائد ... الى شرف البرقاء يهوين حسرا
أتفخر بالكتان لما لبسته ... وقد تلبس الانباط ريطا مقصرا
فلا تك كالوسنان يحلم أنه ... بقرية كسرى أو بقرية قيصرا
ولا تك كالثكلى وكانت بمعزل ... عن الثكل لو كان الفؤاد تفكرا
ولا تك كالشاة التى كان ذبحها ... بحفر ذراعيها فلم ترض محفرا
ولا تك كالعادى فاقبل نحره ... ولم يخشه سهم من النبل مضمرا
فانا ومن يهدي القصائد نحونا ... كمستبضع تمرا الى أهل خيبرا
[الكلام على بدء الهجرة الى المدينة وأول من هاجر من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم]
ولما كان ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاصحابه ان الله قد
جعل لكم (مطايا القوم) رواحلهم (أبو وهب) كنية جبير بن مطعم وقد ذكرنا نسبه
قال البغوي أسلم جبير قبل فتح مكة ومات في خلافة معاوية وكان من أكابر قريش
وعلماء النسب في الجاهلية والاسلام قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في
وفد أساري بدر فسمعه أي سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ والطور قال
فكان ذلك أوّل ما دخل الايمان في قلبي روي ذلك البخارى في الصحيح (الى شرف
البرقاء) الابرق والبرقاء والبرقة بضم الموحدة في الاخيرة كلها واحد قال
الاصمعي الابرق والبرقاء وكذلك البرقة حجارة ورمل مختلطة وقال ابن الاعرابي
جبل مخلوط برمل وكل شيء خلط من لونين فقد برق (حسرا) مكشوفات (الانباط) جمع
نبطى والنبط اسم جيل من الناس كانوا ينزلون سواد العراق ثم استعمل في اخلاط
الناس وعوامهم وقال الليث ورجل نبطى ومنعه الاعرابي (والريط) بفتح المهملة
واسكان التحتية الثوب الرقيق أو كل ملاءة ليست ذات لفقين (والوسنان) النائم
(والحلم) ما يراه النائم في نومه (كسرى) بكسر الكاف قاله أبو عمرو بن
العلاء وقيل بالفتح والكسر افصح وهو ملك الفرس (وقيصر) ملك الروم (والثكلي)
من مات ولدها بفتح الثاء والاسم بضمها (ولاتك كالعادي) أي الساعي الى حتفه
(مضمرا) منصوب على الحال عند من يجوز الحال بعد النكرة ويروي موترا أى
مشدودا. ورواية البيت في السيرة لابن هشام
ولاتك كالعاوي فاقبل نحره ... ولم يخشه سهم من النبل مضمرا
والبيت الاخير من القصيدة ضربه مثلا وقوله فيه (ومستبضع) أي جاعل التمر
بضاعة بكسر الباء أى مالا للتجارة من قولهم استبضعت الشئ جعلته بضاعة لنفسى
وأبضعته غيري بالالف جعلته له بضاعة
(1/145)
إخوانا ودارا تأمنون فيها فأول من هاجر الى
المدينة بعد بيعة العقبة ابو سلمة بن عبد الاسد ثم عامر بن ربيعة ثم عبد
الله بن جحش ثم تتابعوا أرسالا آحادا وثلاثا فلقوا من الانصار دارا وجوارا
وآثروهم على أنفسهم في أقواتهم وقاسموهم أموالا وأقام رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم خلفهم ينتظر الاذن في الهجرة ولم يتخلف معه أحد الا من حبس
أو فتن الا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وأبو بكر الصديق فانهما حبسا
أنفسهما على صحبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فاما أبو بكر فصحبه في
هجرته وأما أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضى الله عنه فتخلف عنه قليلا
بأمره لأمر اقتضى ذلك بأمر ربه تعالى على ما سيأتي خبره ولما رأت قريش ما
لقى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من طيب الحال وحسن الجوار من
الانصار رهبوا ذلك وحذروا خروج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاجتمعوا
في دار (أبو سلمة) اسمه عبد الله (بن عبد الاسد) بن هلال بن عبد الله بن
عمر بن مخزوم المخزومي (بعد بيعة العقبة) لعله أراد بيعة العقبة الاولى فقد
حكى ابن هشام انه أوّل من هاجر الى المدينة من أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم من المهاجرين من قريش من بني مخزوم أبو سلمة وذلك قبل بيعة أصحاب
العقبة بسنة وكان قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة من أرض الحبشة
فلما آذته قريش وبلغه اسلام من أسلم من الانصار خرج من المدينة مهاجرا وساق
ابن هشام عن ابن اسحق قصة هجرته رضي الله عنه وقال الحافظ ابن حجر بعد ان
ساق نسبه من السابقين الاولين الى الاسلام أسلم بعد عشرة أنفس وكان أخا
النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة كما ثبت في الصحيحين وأمه برة بنت عبد
المطلب فيكون ابن عمته صلى الله عليه وسلم مات بالمدينة بعد ان رجعوا من
بدر وقال ابن زنجويه توفي أبو سلمة في سنة أربع بعد منصرفه من أحد انتقض به
جرح كان أصابه باحد فمات منه وكذا قال ابن سعد انه شهد بدرا واحدا قال ابن
حجر وقاله الجمهور وزوجه أم سلمة تزوجها بعده صلى الله عليه وسلم (ثم عامر
بن ربيعة) حليف بني عدي بن كعب ومعه امرأته ليلى بنت أبي حثمة وكان ممن
هاجر بامرأته هذه إلي الحبشة. قال ابن حجر كان أحد السابقين الاولين شهد
بدرا وما بعدها وكان صاحب عمر لما قدم الجابية واستخلفه عثمان على المدينة
لما حج قال الواقدى كان موته بعد قتل عثمان بايام وقيل غير ذلك (ثم عبد
الله بن جحش) بن رئاب كذا في ابن هشام بالهمز بعد الراء وفي الاصابة ابن
رياب براء وتحتانية وآخره موحدة ابن يعمر الاسدي حليف بني عبد شمس أحد
السابقين شهد بدرا واحدا ودعا الله ان يرزقه الشهادة فقتل يوم أحد وكان
سيفه انقطع يوم أحد فاعطاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عرجونا فصار في
يده سيفا ودفن هو وحمزة في قبر واحد وكان له يوم قتل نيف واربعون سنة. وقال
ابن هشام احتمل باهله وباخيه عبد بن جحش وهو أبو أحمد الضرير الشاعر وكانت
عنده الفرعة ابنة أبي سفيان ابن حرب وكانت أمه أميمة بنت عبد المطلب بن
هاشم فغلقت دار بنى جحش هجرة فمر بها عتبة بن
(1/146)
الندوة وتشاوروا في أمره فتصور لهم ابليس
لعنه الله في صورة شيخ نجدى مشاركا لهم في الرأي فتحدثوا أن يربطوه في
الحديد ويغلقوا دونه الابواب حتى يموت أو ان يخرجوه من بين أظهرهم
فيستريحوا منه او ان يجمعوا من كل قبيلة رجلا فيقتلونه دفعة واحدة فيفترق
دمه بين القبائل حتى يعجز قومه عن طلب الثأر وهو رأى أبى جهل فحسنه لهم
الشيخ النجدى وتفرقوا على ذلك ولما قصدوا لذلك أخبر جبريل النبى صلى الله
تعالى عليه وآله وسلم وأمره أن يغير فراشه فقال النبى صلى الله تعالى عليه
وآله وسلم لعلي نعم على فراشى وتسج ببردى هذا الحضرمي الاخضر فنم فيه فانه
لن يخلص اليك شيء تكرهه ولما قعدوا على بابه لذلك خرج عليهم صلى الله تعالى
عليه وآله وسلم وبيده حفنة من التراب فجعل ينثره على رؤسهم وهو يتلو صدر
سورة يس فأتاهم آت فقال لهم ما تنتظرون قالوا محمدا قال لهم خيبكم الله قد
خرج والله عليكم محمد ثم ما ترك رجلا منكم الا وقد وضع على رأسه ترابا
فتفقدوا ذلك فوجدوه كما قال ثم نظروا الى الفراش فوجدوا عليا عليه السلام
مسجي بالبرد فبقوا حينئذ متحيرين حتى أصبحوا فقام على عليه السلام فحين
رأوه قالوا والله لقد صدقنا الذى حدثنا فنزل في ذلك قوله تعالى وَإِذْ
يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ
يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ
الْماكِرِينَ وقوله تعالى أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ
الْمَنُونِ
ربيعة والعباس بن عبد المطلب وأبو جهل بن هشام بن المغيرة فنظر اليها عتبة
تخفق أبوابها يبابا ليس فيها ساكن فلما رآها كذلك تنفس الصعداء ثم قال:
وكل دار وان طالت سلامتها ... يوما ستدركها النكباء والحوب
(دار الندوه) هي دار قصى بن كلاب التى كانت قريش لا تقضي أمرا الا فيها
(فتصور لهم ابليس في صورة شيخ نجدي) قال ابن اسحاق فيما يرويه عن ابن عباس
رضى الله عنهما قال لما أجمعوا لذلك واتعدوا ان يدخلوا في باب الندوة
ليتشاوروا فيها في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم غدوا في اليوم الذي
اتعدوا فيه وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة فاعترضهم ابليس لعنه الله في
هيئة شيخ جليل عليه بت له فوقف على باب الدار فلما رأوه واقفا على بابها
قالوا من الشيخ قال شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما
تقولون وعسى ان لا يعدمكم منه رأيا ونصحا قالوا أجل فادخل فدخل معهم لعنه
الله وقد اجتمع فيها أشراف قريش ثم عدهم واحدا واحدا (تسج) أي تغط (ببردي
هذا الحضرمي) بالفتح ثم السكون وفتح الراء نسبة إلي حضرموت بفتح الميم
ناحية واسعة في شرقي عدن بقرب البحر وحولها رمال كثيرة تعرف بالاحقاف وقال
أبو عبيدة حضرموت ابن قحطان نزل هذا المكان فسمي به فهو اسم موضع واسم
قبيلة
(1/147)
|