بهجة
المحافل وبغية الأماثل في تلخيص المعجزات والسير والشمائل [الباب الرابع في هجرته صلى الله عليه
وسلم وما بعدها الى وفاته]
الباب الرابع (في هجرته صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وما بعدها الى
وفاته) قال المؤلف زكى عمله وختم بخيرا جله اعلم رحمك الله واياى ان هذا
الباب اوسع تاريخا من الابواب قبله لحلول الجهاد فيه وترادف الغزوات
وانتشار اعلام النبوة وارتفاع صيتها وتوالى الفتوحات وخمول اهل البغي
والعناد والجهالات ووفود العرب من الآفاق المتباينات وختام ذلك بوفاته صلى
الله عليه وسلم* قال أهل التواريخ أمر الله سبحانه وتعالى رسوله بالهجرة
وفرض عليه الجهاد وذلك في سنة احدى من سني الهجرة وهى سنة أربع عشرة من
النبوة واربعا وخمسين من المولد ومنها ابتداء التاريخ الاسلامي ففي ربيع
الاول منها يوم الاثنين هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم* وها أنا ان شاء
الله اذكر حديث الهجرة مختصرا من الصحيحين مع زيادات من غيرهما معبرا عن
تلك الزيادات بصيغة من صيغ التمريض كروي وحكي ونحوهما مع احتمال ان يكون
بعضها لاحقا بدرجة الصحيحين والله المسدد فأول ذلك انه صلى الله عليه وسلم
لما عقد البيعة مع الانصار ليلة العقبة أقام ينتظر أمر الله بالهجرة وبقوا
منتظرين لوروده عليهم في كل حين وكان ابو بكر قد خرج قبل ذلك مهاجرا نحو
أرض الحبشة حتى اذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة فحكى له
ما لقى من قومه فقال له ابن الدغنة ان مثلك لا يخرج ولا يخرج ارجع فانا لك
جار فرجع وارتحل معه حتي قدما مكة (الباب الرابع في هجرته صلى الله عليه
وآله وسلم وما بعدها) أي بعد الهجرة (اعلام النبوة) الاعلام جمع علامة
واعلام النبوة ما يدل على صدق النبى من الحوادث وقد ألف العلماء في ذلك
كتبا كثيرة (صيت) بمهملة مكسورة وتحتية ساكنة الذكر الحسن كالصات والصوت
والصيتة (الخمول) بمعجمة مضمومة بوزن حمول وهو السقوط يقال فلان خامل اذا
كان ساقطا لا نباهة له (الوفود) جمع وافد القادم يقال وفد اليه وعليه يفد
وفدا ووفودا ووفادة وافادة كذا في القاموس (التاريخ الاسلامي) أول ما بدأ
التاريخ بالهجرة في خلافة عمر رضى الله عنه وقد بسط المؤرخون سبب ذلك (برك
الغماد) بموحدة مكسورة وراء ساكنة ثم معجمة مكسورة وقد تضم الاخيرة والكسر
أشهر موضع وراء مكة بخمس ليال مما يلي البحر وقيل بلد باليمن والاول الصحيح
وفي حديث عمار لو ضربونا حتى بلغوا بنا برك الغماد لعلمنا اننا على الحق
وانهم على الباطل (ابن الدغنة) بفتح الدال المشددة وكسر الغين المعجمة
وتخفيف النون وعليه عامة الرواة وأهل السير يقولون الدغنة بضم المهملة
والمعجمة والنون مشددة وهو بفتح الدال وسكون الغين تقييد أهل اللغة واسمه
ربيعة بن رفيع والدغنة أمه وهو من القارة سيد الاحابيش والدغنة الدجنة يقال
دغن يومنا أي دجن (القارة) بقاف ممدودة فراء مخففة قبيلة وهم رماة وفي
المثل انصف القارة من راماها (حتى قدما مكة) في رواية فارتحل ابن الدغنة
ورجع مع أبي بكر فطاف ابن الدغنة في كفار قريش
(1/148)
فأنفذت له قريش جواره بشرط أن لا يعلن
بقراءته ولا صلاته فعمل بشرطهم أياما ثم بدا له أن يعلن فأعلن فأخبرت قريش
ابن الدغنة فقدم عليه ولازمه على شرطه الاول أو يرد عليه جواره فرد عليه
أبو بكر ذمته ورضي بجوار الله عز وجل وتجهز أبو بكر قبل المدينة. فقال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم على رسلك وانى أرجو أن يؤذن لى فأحتبس أبو
بكر لذلك وعلف را حلتين كانتا عنده الخبط أربعة أشهر. قالت عائشة فبينما
نحن يوما جلوس في نحر الظهيرة قال قائل لابى بكر هذا رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم متقنعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها فقال أبو بكر فدا له أبى
وأمي والله ما جاء به في هذه الساعة الا أمر. فلما دخل رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم. قال لأبى بكر اخرج من عندك فقال انما هم أهلك قال فانى قد
أذن لى في الخروج قيل بكى أبو بكر حينئذ فرحا. وقال بأبى أنت وأمى يا رسول
الله فخذ احدى راحلتى هاتين. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
بالثمن قالت عائشة فجهزنا هما أحث الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب فقطعت
أسماء بنت أبى بكر قطعة من نطاقها فربطت بها على فم الجراب فبذلك سميت- ذات
النطاقين- واستأجرا رجلا فقال ان أبا بكر لا يخرج ولا يخرج مثله اتخرجون
رجلا يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق
فانفذت قريش جواره وأمنوا أبا بكر وقالوا لابن الدغنة مر أبا بكر فليعبد
ربه في داره ويصل مهما شاء وليقرأ مهما شاء ولا يؤذينا ولا يشنغلن بالصلاة
والقراءة في غير داره ففعل ثم بدا لابي بكر فابتنى مسجدا في فناء داره فكان
يصلي ويقف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون اليه وكان أبو
بكر رجلا بكاء لا يملك دموعه حين يقرأ القرآن فافزع ذلك أشراف قريش فأرسلوا
الى ابن الدغنة فأتاهم ورد عليه أبو بكر جواره (على رسلك) الرسل بكسر الراء
الرفق والتؤدة كالرسلة والترسل (الخبط) بمعجمة وموحدة مفتوحتين ورق السمر
(نحر الظهيرة) وقت زوال الشمس (متقنعا) منصوبه على الحال وفي القرآن الكريم
وهذا بعلي شيخا ومتقنع ومقنع مغط وجهه ورأسه (الا أمر) أي الا أمر عظيم
جليل فالتنوين للتعظيم كما في قولهم شر أهر ذا ناب أي شر عظيم جعله يهر
(احث جهاز) أي أسرعه والجهاز بمعجمة مكسورة ما يحتاج اليه المسافر في طريقه
من طعام وغيره (سفرة) بمهملة مضمومة والسفرة طعام المسافر وقد يراد بها
الجلد الذى يجعل عليه الطعام (نطاقها) النطاق ككتاب شقة تلبسها المرأة وتشد
وسطها فترسل الاعلى على الاسفل الى الارض والاسفل ينجر على الارض ليس لها
حجزة ولا نيفق ولا ساقان (فبذلك سميت ذات النطاقين) في غير هذا الكتاب وذات
النطاقين أسماء بنت أبي بكر لانها شقت نطاقها ليلة خروج النبي صلى الله
عليه وسلم الى الغار فجعلت واحدة لسفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم
والاخرى عصاما
(1/149)
من بنى الدئل دليلا ماهرا قيل اسمه عبد
الله بن أريقط وهو يومئذ كافر ولا يعرف له فيما بعد اسلام فأمناه ودفعا
اليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال ثم لحقا بالغار فمكثا فيه
ثلاثا يبيت عندهما عبد الله بن أبى بكر وهو غلام شاب ثقف لقن فيدلج من
عندهما بسحر فيصبح مع قريش بمكة كبائت فلا يسمع أمرا يكادان به إلا وعاه
حتي يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى
أبى بكر منحة من غنم فيريخها عليهما عشا وينعق بها من عندهم بغلس. قيل
وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما بالطعام اذا أمست بما يصلحهما وطلبهم
المشركون بجميع وجوه الطلب ومروا على غارهما فلم يأبنوه بشئ ففى لقربته
(الدئل) بمهملة مضمومة وهمزة مكسورة قبيلة معروفة والنسبة اليها دؤلي ودولى
بفتح عينيهما (واستأجرا رجلا من بني الدئل دليلا ماهرا قيل اسمه عبد الله
بن اريقط) تصغير أرقط والرقطة سواد يشوبه نقط بيض وجزم ابن هشام في السيرة
بان اسمه عبد الله بن أرقط رجل من بني الدئل بن بكر وقال كانت أمه امرأة من
بني سهم بن عمرو. وفي اللسان في رقط والارقيط دليل النبي صلى الله عليه
وسلم. وفي الاصابة عبد الله بن أريقط ويقال أريقد بالدال بدل الطاء
المهملتين الليثي ثم الدئلى دليل النبى صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر
لما هاجرا الى المدينة ثبت ذكره في الصحيح فانه كان على دين قومه ولم أر من
ذكره في الصحابة الا الذهبي في التجريد وقد جزم عبد الغنى المقدسي في
السيرة له بانه لم يعرف له اسلاما وتبعه النووي في تهذيب الاسماء (غار ثور)
الغار آخره راء مغارة في الجبل كأنه سرب وثور بلفظ الثور فحل البقر اسم جبل
بمكة فيه الغار المذكور (عبد الله بن أبي بكر) شقيق أسماء بنت أبي بكر ذكره
ابن حبان في الصحابة وقال مات قبل أبيه وثبت ذكره في البخاري في قصة الهجرة
هذه قال ابن عبد البر لم أسمع له بمشهد الا في الفتح وحنين والطائف فان
أصحاب المغازي ذكروا انه رمي بسهم فجرح ثم اندمل ثم انتقض عليه فمات في
خلافة أبيه في شوال سنة احدى عشرة وذكره المرزباني في معجم الشعراء وقال
أصابه حجر في حصار الطائف فمات شهيدا وذكر له شعرا في عاتكة وكان قد تزوجها
وشغف بها (ثقف) بفتح المثلثة وكسر القاف الذي يفهم الحديث بسرعة (لقن) بوزن
الذي قبله ومرادف له (يدلج) بالتشديد اذا خرج آخر الليل وأدلج وزان أكرم
اذا سار الليل كله (كبائت) أي مثل البائت يظنه من لا يعرف حقيقة أمره انه
بات بمكة لشدة تغليسه في رجوعه (يكادان به) أي يطلب لهما فيه المكروه من
الكيد والاصل فيه كاده كيدا خدعه ومكر به (الاوعاه) أي حفظه وتدبره (عامر
بن فهيرة) بالتصغير التيمى مولى أبي بكر الصديق قال ابن حجر أحد السابقين
وكان ممن يعذب في الله له ذكر في الصحيح وقال ابن اسحاق كان عامر بن فهيرة
مولدا من الأزد وكان للطفيل بن عبد الله بن سخبرة فاشتراه أبو بكر منه
فاعتقه وكان حسن الاسلام استشهد ببئر معونة (منحة) المنحة بكسر أوله الشاة
أو الناقة يعطيها صاحبها رجلا يشرب لبنها ثم يردها إذا انقطع اللبن هذا في
الاصل ثم كثر استعماله حتى اطلق على كل عطاء (فلم يأبنوه)
(1/150)
البخارى عن أبي بكر قال رفعت رأسى فاذا أنا
باقدام القوم فقلت يا رسول الله لو ان بعضهم طأطأ بصره رآنا قال اسكت يا
أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما وبعد الثلاث جاءهم الدليل بالراحلتين
فارتحلوا فكانوا ثلاثة ركب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر
والدليل واردف أبو بكر خلفه عامر بن فهيرة ليخدمهما فأخذ بهم طريق السواحل
وأخذت قريش عليهم بالرصد والطلب وجعلوا دية كل واحد منهما لمن أسره أو قتله
قال أبو بكر أخذ علينا بالرصد فخرجنا ليلا فأحيينا ليلتنا ويومنا حتى قام
قائم الظهيرة ثم رفعت لنا صخرة فآتيناها ولها شئ من ظل قال ففرشت لرسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم فروة كانت معى ثم اضطجع ثم انطلقت أنقض ما
حوله فاذا أنا براع قد أقبل في غنيمة يريد من الصخرة مثل الذى أردنا فسألته
لمن أنت يا غلام فقال أنا لفلان فقلت له فهل في غنمك من لبن قال نعم قلت هل
أنت حالب لي قال نعم فأخذ شاة من غنمه فقلت له انفض الضرع قال فحلب كثبة من
لبن ومعى اداوة من ماء عليها خرقة قد روّأتها لرسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم فصببت على اللبن حتى برد أسفله ثم أتيت به النبى صلى الله عليه
وآله وسلم فقلت اشرب يا رسول الله فشرب حتى رضيت ثم ارتحلنا بعد ما زالت
الشمس والطب في أثرنا فاتبعنا سراقة بن مالك بن جعشم ونحن في جلد من الارض
فقلت يا رسول الله آتينا قال لا تحزن إن الله معنا فدعا عليه رسول الله
فارتطمت به فرسه الى بطنها فقال انى قد علمت انكما قد دعوتما على فادعوا لي
والله لكما ان أرد عنكما الطلب فدعا الله فنجا فرجع لا يلقى أحدا الا قال
قد كفيتم ما هاهنا فلا يلقى أحد الا رده قال ووفى لنا. وروي أنهم مروا على
خيمتى بتقديم الباء الموحدة على النون أي لم يظنوا أحد فيه (طريق السواحل)
قال ابن هشام في السيرة قال ابن اسحاق فلما خرج بهما دليلهما عبد الله بن
أرقط سلك بهما أسفل مكة ثم مضى بهما على الساحل. قال ياقوت الساحل بعد
الالف حاء مهملة وآخره لام موضع من أرض العرب بعينه كذا قال الازدي فيكون
تعبير المؤلف بالسواحل جمع ساحل المراد به ساحل البحر غلطا وقد استوفي ابن
هشام الطريق مكانا مكانا الى المدينة فانظره (كثبة) بضم الكاف قال أبو زيد
الكثبة ملء القدح من اللبن (سراقة) بضم المهملة (بن مالك بن جعشم) بضم
الجيم بن مالك بن عمرو بن تيم بن مدلج بن مرة بن عبد مناة بن كنانة المدلجي
الكناني وقد ينسب الى جده يكنى أبا سفيان ذكر البخاري قصته هذه أسلم يوم
الفتح ومات في خلافة عثمان سنة أربع وعشرين (جلد من الارض) قال في اللسان
أرض جلد صلبة مستوية المتن غليظة (فارتطمت به فرسه)
(1/151)
أم معبد الخزاعية ثم الكعبية فسألوها الزاد
فلم يصيبوا عندها شيئا وكانوا مسنتين فنظر رسول الله صلى الله تعالى عليه
وآله وسلم الى شاة في خيمتهم وسألها هل بها من لبن قالت هى أجهد من ذلك
انما خلفها عن الغنم الجهد فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فمسخ بيده ضرعها وسمى الله فدعا لها في شاتها فتفاجت عليه ودرت ودعا باناء
يربط الرهط فحلب وسقاها وسقى أصحابه وشرب آخرهم ثم ملأه وغادزه عندها
وبايعها وارتحلوا عنها وأصبح صوت بمكة عال يسمعونه ولا يدرون من صاحبه قيل
هو من الجن وهو يقول
جزى الله رب العرش خير جزائه ... رفيقين قالا خيمتي أم معبد
هما نزلاها بالهدى فاهتدت به ... فقد فاز من أمسى رفيق محمد
فيال قصي ما زوى الله عنكم ... به من فخار لا يجارى وسؤدد
ليهن بني كعب مكان فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها ... فانكم ان تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاة حائل فتحلبت ... له بصريح ضرة الشاة مزبد
قيل ولما هبطوا العرج أبطأ عليهم بعض ظهرهم فحمل رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم بالطاء المهملة أي غاصت قوائمها في الارض (أم معبد) كنيتها
واسمها عاتكة بنت خالد (فمسخ) بالخاء المعجمة مثل مسح بالحاء المهملة
(باناء يربط الرهط) أي يرويهم (وبايعها) هذا يدل على أن اسلامها كان عند
نزولهم بها وحكى الحافظ ابن حجر في ترجمتها عن الواقدي انها قدمت بعد ذلك
على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأسلمت وبايعت (قيل هو من الجن) عند
ابن هشام ونصه حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة يتغنى بابيات من شعر غناء
العرب وان الناس ليتبعونه يسمعون صوته وما يرونه حتى خرج من أعلا مكة وهو
يقول الابيات وقوله (قالا) من القيلولة وهى نومة الضحي ويروى حلا أي نزلا
ورواية البيت الثاني عند ابن هشام
هما نزلا بالبر ثم تروحا ... فأفلح من أمسى رفيق محمد
(فيال قصي) يريد فيا آل قصى يعني بهم قريشا (ما زوى الله عنكم) زوي الشئ
يزويه زيا وزويا فانزوي نحاه فتنحى يريد ما أبعد الله عنكم من الفخار الذي
لا يجارى والسؤدد الذى لا يباري (سلوا اختكم) يريد بها أم معبد وقصة أم
معبد أخرجها أصحاب المغازي جميعهم وهى احدى معجزاته صلى الله عليه وآله
وسلم التى تناقلتها الرواة (الصريح) الخالص (والضرة) لحمة الضرع ورواه
بعضهم بالصاد المهملة والاول اليق بالمعنى (العرج) بفتح العين المهملة
واسكان الراء قال ياقوت قرية جامعة في واد من نواحي الطائف وهي أوّل
(1/152)
رجل يقال له أوس بن حجر على حمل له اسمه
الرداح أو الرداء وبعث معه غلاما يقال له مسعود ابن هنيدة ثم سلكوا من
العرج ثنية الغاير عن يمين ركوبة وهبطوا بطن ريم ثم قدموا قباء على بنى
عمرو بن عوف.
[مطلب في الكلام على وصوله صلى الله عليه وسلم
المدينة]
وفي صحيح البخارى انه لما سمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم من مكة فكانوا يغدون كل غداة الى الحرة فينتظرونه حتى يردهم
حر الظهيرة وانقلبوا يوما بعد ما أطالوا انتظارهم فلما أووا الى بيوتهم أو
في رجل من اليهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر اليه فبصر برسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب فلم يتمالك اليهودي أن
قال بأعلى صوته يا معشر العرب هذا جدكم الذي تنتظرون فثار المسلمون الى
السلاح فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بظهر الحرة فعدل بهم ذات
اليمين حتى نزل بهم في بنى عمرو بن عوف وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الاول
قيل لثنتي عشرة منه وقيل لثمان وذلك في شهر أيلول فقام أبو بكر للناس وجلس
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صامتا فطفق من جاء من الانصار ممن لم
يكن ير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحيى أبا بكر حتى أصابت الشمس
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه فعرف
الناس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند ذلك فلبث فيهم رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم أربع عشر ليلة وقيل ثلاثا وقيل خمسا وأسس المسجد الذي
أسس على التقوى وصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قيل وكان مربدا
تهامة وبينها وبين المدينة ثمانية وسبعون ميلا (أوس بن حجر) بضم المهملة
واسكان المعجمة (على حمل له اسمه الرداح أو الرداء) الذي في السيرة لابن
هشام على جمل له يقال له ابن الرداء (ثنية الغائر) بالغين المعجمة ويروى
بالمهملة الثنية في الاصل كل عقبة في الجبل مسلوكة والغائر جبل بالمدينة
وأورده ياقوت بالعين المهملة والمعجمة روايتان (ركوبة) بفتح أوله وبعد
الواو باء موحدة وهى ثنية بين مكة والمدينة عند العرج صعبة. قال ياقوت
سلكها النبى صلى الله عليه وآله وسلم عند مهاجرته الى المدينة قرب جبل
ورقان (بطن ريم) بكسر الراء قال ياقوت وهمز ثانيه وسكونه وقيل بالياء
مهموزة واد قرب المدينة يصب فيه ورقان ثم قال وقيل بطن ريم على ثلاثين ميلا
من المدينة (ثم قدموا قباء) بالضم وهي مساكن بنى عمرو بن عوف من الانصار
وألفه واو يمد ويقصر ويصرف ولا يصرف وأنكر البكري فيه القصر ولم يحك فيه
القالى سوي المد وكذا في ابن هشام وأهل قباء يقولون ان مسجدهم هو الذي أسس
على التقوى كما سيذكره الؤلف قريبا (يزول بهم السراب) السراب ما تراه نصف
النهار في المفازة كأنه ماء وليس بماء ويزول يتحرك (مربدا) المربد بكسر
الميم موضع تجعل فيه الابل والغنم وموضع للتمر ينشف فيه
(1/153)
لكلثوم بن الهدم وورد في فضله أحاديث كثيرة
وكان صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يأتيه في كل اثنين وخميس راكبا وماشيا
ويصلى فيه وأثنى الله سبحانه وتعالى عليه وعلى أهله بالطهارة وهو أوّل مسجد
بني في الاسلام قيل وكان نزوله بقباء على كلثوم بن الهدم وقيل على سعد بن
خيثمة وسار من قباء يوم الخميس وقيل يوم الجمعة فأدركته الصلاة في بني سالم
بن عوف فصلاها في بطن وادى رانوناء وكانت أوّل جمعة صلاها بالمدينة. قلت
واتخذ موضع مصلاه مسجدا وسمى مسجد الجمعة وهو مسجد عتبان بن مالك الذى شكى
الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه يحول بينه وبينه السيل ولما ركب
رسول الله صلى الله عليه وسلم من قباء كان كلما حاذى أومر على دار من دون
الانصار اعترضوه ولزموا بزمام ناقته يقولون هلم يا رسول الله صلى الله عليه
وسلم الى القوة والمنعة فيقول لهم خلوا سبيلها فانها مأمورة وقد أرخى لها
زمامها وما يحركها وهى تنظر يمينا وشمالا والناس كنفتيها حتى بركت حيث بركت
على باب مسجده ثم ثارت وهو عليها فسارت حتى بركت على باب أبى أيوب الانصاري
ثم التفتت يمينا وشمالا ثم ثارت وبركت في مبركها الاول والقت جرانها بالارض
وأرزمت فنزل عنها وقال هذا المنزل ان شاء الله تعالى فاحتمل أبو أيوب رحله
وأدخله بيته فاختار الله له (كلثوم بن الهدم) بكسر الهاء وسكون الدال بن
امريء القيس بن الحارث بن زيد بن مالك بن عوف بن مالك بن الاوس الأوسي
الانصاري أوّل من مات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ثم
مات بعده أسعد بن زرارة (سعد بن خيثمة) بن الحارث تقدم نسبه وذكره واختلف
أصحاب المغازي على أيهما نزل صلى الله عليه وسلم قال ابن اسحاق نزل رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم بقباء على كلثوم بن الهدم وكان اذا خرج منه
جلس للناس في بيت سعد بن خيثمة وكان يقال له بيت العزاب (عبان) بكسر أوله
وقيل بالضم (ابن مالك) ابن عمرو بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم بن عوف
بن عمرو بن عوف بن الخزرج الانصاري الخزرجي السالمى قال ابن حجر بدرى عند
الجمهور ولم يذكره ابن اسحاق فيهم وحديثه في الصحيحين وانه كان امام قومه
بنى سالم وذكر ابن سعد ان النبي صلى الله عليه وسلم آخي بينه وبين عمر ابن
الخطاب مات في خلافة معاوية وقد كبر (كنفتيها) الكنف بفتحتين الجانب
واكتنفه القوم كانوا منه يمنة ويسرة (جرانها) بكسر الجيم مقدم عنق البعير
من مذبحه الى منحره فاذا برك البعير ومد عنقه على الارض قيل القى جرانه
بالارض (أبو ايوب) خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد عوف بن غنم بن مالك
بن النجار أبو أيوب الانصاري النجاري معروف باسمه وكنيته وامه هند بنت سعيد
بن عمرو من بنى الحارث بن الخزرج وأبو أيوب هذا من السابقين شهد العقبة
وبدرا وما بعدهما قال ابن حجر نزل عليه النبى
(1/154)
ما كان يختاره. فقد كان يحب النزول على بني
النجار لنسبه فيهم وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال خير دور الانصار
دار بني النجار فهم أوسط دور الانصار وأخوال عبد المطلب ولم يزل صلى الله
عليه وآله وسلم في منزل أبى أيوب حتى ابتنى مسجده ومساكنه قيل كانت اقامته
عنده شهرا ولما اطمأن صلى الله تعالى عليه وآله وسلم اشتد سرور الانصار به
وأظهروا الاسف على ما فاتهم من نصره ففي ذلك يقول أبو قيس صرمة بن أبى أنس
احد بنى عدي بن النجار
ثوى في قريش بضع عشرة حجة ... يذكر لو يلقي صديقا مواتيا
ويعرض في أهل المواسم نفسه ... فلم يلق من يؤوى ولم يرداعيا
فلما أتانا أظهر الله دينه ... فأصبح مسرورا بطيبة راضيا
وألفى صديقا واطمأن به الثوى ... وكان له عونا من الله باديا
يقص لنا ما قال نوح لقومه ... وما قال موسى اذ أجاب المناديا
فأصبح لا يخشى من الناس واحدا ... قريبا ولا يخشى من الناس نائيا
بذلنا له الاموال من جل مالنا ... وأنفسنا عند الوغى والتآسيا
ونعلم ان الله لا شئ غيره ... ونعلم ان الله أفضل هاديا
نعادي الذى عادى من الناس كلهم ... جميعا وان كان الحبيب المصافيا
فو الله ما ندرى الفتى كيف يتقى ... اذا هو لم يجعل له الله واقيا
صلى الله عليه وآله وسلم لما قدم المدينة فاقام عنده حتى بني بيوته ومسجده
وآخى بينه وبين مصعب بن عمير وشهد الفتوح وداوم الغزو واستخلفه علي المدينة
لما خرج الي العراق ثم لحق به بعد وشهد معه قتال الخوارج ولزم الجهاد إلى
ان توفي في غزاة القسطنطينية سنة خمسين وقيل احدي وخمسين وقيل غير ذلك وكان
أمير الجيش يزيد بن معاوية ودفن أبو أيوب خارج القسطنطينية في قرية معروفة
به وعليه جامع مكلف وللاتراك فيه عناية وقد أفردت مناقبه وسيرته بالتأليف
(صرمة) بكسر الصاد المهملة (ابن أبي أنس) وقيل ابن أنس ويقال ابن قيس بن
مالك بن عدى بن عامر بن غانم بن عدى بن النجار أبو قيس الأوسى مشهور بكنيته
أنشد أبياته الآتية ابن اسحاق في المغازي لما قدم رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم المدينة وأمن بها هو وأصحابه قال المرزباني في معجم الشعراء عاش
أبو قيس عشرين ومائة سنة وقال ابن اسحاق وهو الذي نزلت فيه وكلوا واشربوا
حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر وقوله (ثوي) أي مكث
(بضع عشرة حجة) الحجة العام أخرج الحاكم من طريق ابن عيينة عن عمرو بن
دينار قال قلت لعروة كم لبث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قال عشر سنين
قلت فابن عباس يقول لبث بضع عشرة
(1/155)
ولا تحمل النخل المقيمة ربها ... اذا أصبحت
ريا وأصبح ثاويا
وكان أبو قيس هذا قد ترهب في الجاهلية وهم بالنصرانية واعتزل من الجاهلية
ودخل بيتا له واتخذه مسجدا وقال أعبد رب ابراهيم وقدم النبي صلى الله عليه
وسلم وهو شيخ كبير فأسلم وحسن اسلامه وله أشعار حسان من محاسنها قوله.
يقول أبو قيس وأصبح غاديا ... ألا ما استطعتم من وصاتي فافعلوا
وأوصيكم بالله والبر والتقى ... واعراضكم والبر بالله أوّل
وان قومكم سادوا فلا تحسدونهم ... وان كنتم أهل الرياسة فاعدلوا
وان نزلت احدى الدواهي بقومكم ... فأنفسكم دور العشيرة فاجعلوا
وان ناب غرم فادح فارفدوهم ... وما حملوكم في الملمات فاحملوا
وان انتم أمعرتم فتعففوا ... وان كان فضل الخير فيكم فافضلوا
[فصل: في المسجد الشريف النبوى وعمارته]
«فصل» اعلم ان المسجد الشريف في دار بنى غنم بن مالك بن النجار وهو حيث
مبرك الراحلة وكان كما ورد في الصحيح مربدا للتمر لسهل وسهيل بني رافع بن
عمرو غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة وكان يصلى فيه يومئذ رجال من
المسلمين وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى بنى النجار فقال ثامنونى
بحائطكم هذا فقالوا لا والله ما نطلب ثمنه الا الى الله ولما كان لليتيمين
لم يقبله الا بالثمن قيل اشتراه بعشرة دنانير ذهبا دفعها عنه أبو بكر ثم
ابتدأ صلى الله عليه وسلم حجة قال انما أخذه من قول الشاعر وذكر البيت
(ثاويا) أي هالكا (غاديا) بمعجمة ممدودة من الغدو وهو الذهاب بكرة وقد يراد
به مطلق الخروج أي وقت كان ويريد هنا بقوله غاديا الغدو الى القبر (وصاتي)
الوصاة الوصية (فلا تحسدونهم) باثبات النون في تحسدونهم وكان حقها أن تسقط
بلا الناهية الا انها قد تهمل حملا على أختها ما (فانفسكم) منصوب على انه
مفعول لقوله فاجعلوا (غرم) بغين معجمة مضمومة فراء ساكنة هو ما يجب أداؤه
كالدين ونحوه (فادح) ما يفدح حمله أي يشق حمله ومنه قولهم خطب فادح أي لا
تطيقه النفوس ويشق عليها احتماله (أرفدوهم) من الرفد بكسر الراء العطاء
(الملمات) جمع ملمة وهي الحادثة التى تلم بالانسان أي تنزل به (أمعرتم)
بعين مهملة فراء أي افتقرتم يقال أمعر الرجل اذا خلت يده من المال (فضل)
بالضاد المعجمة الفضل الزيادة يقول اذا افتقرتم فكونوا اعفة واذا كان عندكم
في أموالكم فضل فتفضلوا بها على غيركم.
(فصل) واعلم ان المسجد الشريف (حيث مبرك الراحلة) كما تقدم ذكره (ثامنونى)
بمثلثة ممدودة أى اتفقوا معي على ثمنه في السيرة فقال له معاذ بن عفراء هو
يا رسول الله لسهل وسهيل بني عمرو وهما
(1/156)
في بنائه واعانه عليه المسلمون وكان ينقل
معهم اللبن ويقول
هذا الحمال لاحمال خيبر ... هذا أبر ربنا واطهر
فقال قائل من المسلمين
لئن قعدنا والنبى يعمل ... لذاك منا العمل المضلل
وأرتجز أمير المؤمنين على كرم الله وجهه في الجنة شعرا فقال
لا يستوى من يعمر المساجدا ... يدأب فيها قائما وقاعدا
ومن يرى عن الغبار حائدا
قيل دخل عمار بن ياسر وقد اثقلوه باللبن فقال يا رسول الله قتلونى يحملون
علىّ مالا يحملون فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفض عنه التراب ويقول
ويح ابن سمية ليسوا بالذين يقتلونك إنما تقتلك الفئة الباغية وبناه رسول
الله صلى الله عليه وسلم مربعا وجعل قبلته الى بيت المقدس وطوله سبعين
ذراعا في ستين أو يزيد وجعل له ثلاثة أبواب ولم يسطحوه فشكوا الحر فجعلوا
خشبه وسواريه جذوعا وظللوا بالجريد ثم بالخصف فلما وكف طينوه بالطين وجعلوا
وسطه رحبة وكان جداره قبل أن يظلل قامة وأشبرا وبقي كذلك الى خلافة عمر
فزاد فيه وقال بعضهم بناه حينئذ أقل من مائة في مائة فلما فتح خيبر زاد
عليه مثله والله أعلم. وأما دار أبي أيوب الانصارى التي نزلها رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال المطرى في تاريخه هي اليوم مدرسة للمذاهب الاربعة
اشترى عرصتها الملك المظفر احد بنى أيوب بن شادي وبناها ووقفها على أهل
المذاهب الاربعة من أهل السنة والجماعة ووقف عليها أوقافا بميافارقين.
يتيمان لى وسأرضيهما فدفعها عنه أبو بكر (هذا الحمال) بكسر الحاء أي
المحمول وهو اللبن وقوله (لاحمال خيبر) أى ما يحمل منها من تمر وزبيب وغير
ذلك (يدأب) أي يستمر في عمله لا ينقطع عنه (حائدا) بمهملة ممدودة من حاد عن
الشىء اذا ابتعد عنه ولم يتعرض له (انما تقتلك الفئة الباغية) الفئة
الجماعة من الناس تقل وتكثر والباغية الخارجة عن سنن الاستقامة وقد قتلته
فئة معاوية يوم صفين ويقال ان عليا رضى الله عنه كتب الى معاوية يحتج عليه
بقتل عمار فكتب اليه انما قتله من أخرجه (الملك المظفر) هو السلطان صلاح
الدين يوسف بن أيوب بن شادي بالشين المعجمة والدال المهملة وفي هامش نسخة
من الاصل بالشين والذال المعجمتين والاول حكاه السبكي في طبقات الشافعية
ابن مروان الدويني الاصل التكريتى المولد المشهور بالسلطان صلاح الدين ولد
سنة 532 وأقام في السلطنة 24 سنة يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله وكان ملكا
عظيما عادلا شجاعا مظفرا صنف في سيرته القاضى ابن شداد وابن واصل وآخرون
عدة مؤلفات (ميافارقين) بفتح أوله وتشديد ثانيه ثم فاء وبعد الالف راء وقاف
مكسورة وياء ونون كذا ضبطه ياقوت في المعجم وقال هي أشهر مدينة بديار بكر
(1/157)
[فصل: في ذكر
منازل المهاجرين على الأنصار ومواساتهم لهم]
(فصل) قد قدمنا قبلا عن أصحاب السير ان أوّل من هاجر ابو سلمة بن عبد الاسد
وعبد الله بن جحش وعامر بن ربيعة وفي صحيح البخاري عن البراء بن عازب رضى
الله عنهما قال أوّل من قدم علينا مصعب بن عمير وابن ام مكتوم وكانوا
يقرءون الناس فقدم بلال وسعد وعمار بن ياسر ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين
ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشىء
فرحهم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونقل البخارى أولى قيل وحين
قدومه صلى الله عليه وآله وسلم صعد الرجال والنساء فوق البيوت وتفرق
الغلمان والخدم في الطرق ينادون جاء محمد جاء رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم اما منازلهم في الانصار فنزل عثمان بن عفان على أوس بن ثابت أخى حسان
بن ثابت فلذلك كان حسان يحب عثمان ويرثيه حين قتل ونزل العزاب على سعد بن
خيثمة وكان سعد رجلا عزبا فنزل عليه العزاب من أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين نزل قباء يخرج
الى بيته فيتحدث فيه مع أصحابه ونزل بنو جحش على عاصم بن ثابت ونزل الزبير
وزوجته أسماء بنت أبى بكر على سفيان بن الحارث وولد لهما عبد الله بن
الزبير في تلك السنة بقباء فكان أوّل مولود للمهاجرين بالمدينة وأوّل شيء
دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وفرح المسلمون به
لأنهم قيل لهم ان اليهود قد سحرتكم فلا يولد لكم ونزل مصعب بن عمير على
أسعد بن زرارة وقيل على خبيب بن عدي وعبد الرحمن ابن عوف على سعد بن الربيع
وسعد بن أبى وقاص على سعد اليمانى وطلحة بن عبيد الله على عمير ابن معبد
وأبو سلمة وزوجته أم سلمة على عبادة رجل من بنى عبيد بن زيد وعياش بن أبى
ربيعة (فصل) حكاية المؤلف رحمه الله في صحيح البخاري لا مناقضة بينها وبين
ما حكاه قبلا عن أصحاب السير فان مقدم مصعب بن عمير المدينة كان بعد البيعة
الاولى كما تقدم وحكاية أصحاب السير لاول من هاجر يريدون بذلك بعد بيعة
العقبة الثالثة وبذلك يندفع التعارض (في عشرين) أي انسانا ممن لحق به من
أهله وقومه وهم كما في السيرة لابن هشام أخوه زيد بن الخطاب وعمرو وعبد
الله بنا سراقة بن المعتمر وخنيس بن حذافة السهمى وكان صهره على ابنته حفصة
فخلف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده وسعيد بن زيد بن عمرو بن
نفيل وواقد بن عبد الله التميمى حليف لهم وخولى بن أبي خولى ومالك بن أبي
خولى حليفان لهم وبنو البكير أربعتهم إياس وعاقل وعامر وخالد حلفاؤهم من
بنى سعد بن ليث (فكان أوّل مولود للمهاجرين بالمدينة) وأما أوّل مولود من
الانصار بعد الهجرة فسلمة بنت مخلد وقيل اليعمر بن بشير (خبيب) بالتصغير
بخاء معجمة ثم باء موحدة تليها تحتية وآخره باء موحدة
(1/158)
على أبي لبابة وعثمان بن مظعون وزوجته على
خوات بن جبير وعمر بن الخطاب وأخوه زيد ومن معه من أصهاره وعشيرته على
رفاعة بن عبد المنذر وحمزة وزيد بن حارثة ومن تبعهم على كلثوم بن الهدم
ونزل أبو بكر على خارجة بن زيد ونزل على على عويم بن ساعدة وكان أمره النبي
صلى الله عليه وآله وسلم حين هاجر أن يتخلف بعده ليؤدى عنه الامانات
والودائع التي كانت عنده فتخلف ثلاثا ثم هاجر فأدرك النبي صلى الله تعالى
عليه وآله وسلم بقباء ونزل عتبة بن غزوان على عباد بن بشر ونزل عبيدة بن
الحارث بن المطلب وأخواه طفيل وحصين ومسطح ابن أثاثة في آخرين على عبد الله
بن سلمة أخى بنى العجان فهؤلاء من سمى لنا من مشاهير المهاجرين وفي بعضهم
خلاف وكان نزولهم عليهم بالقرعة كما في حديث أم العلاء الانصارية وهي من
افراد البخارى ففيه ان عثمان بن مظعون طار لهم في السكنى حين أقرعت الانصار
على سكنى المهاجرين ونزل كثير منهم الصفة وهو مظلل الى جانب المسجد
كالسقيفة نزلها من كان خفيف الحال من لا يأوى الى أهل ولا مال فكانوا مرة
تسعين ومرة أكثر من ذلك ولما نزل هؤلاء لفقرهم وغربتهم على هؤلاء مع قرارهم
وثروتهم آخي النبى صلى الله عليه وآله وسلم (غزوان) بفتح المعجمة وسكون
الزاى ابن جابر بن وهب المازني حليف بني عبد شمس أو بنى نوفل من السابقين
الاولين هاجر الى الحبشة ثم رجع مهاجرا الى المدينة شهد بدرا وما بعدها
وولاه عمر في الفتوح فاختط البصرة وفتح فتوحا وقدم على عمر يستعفيه من
الامرة فابى فرجع في الطريق فمات وذلك سنة 18 وقيل سنة عشرين وقيل قبل ذلك
(مسطح بن اثاثة) بن عباد بن المطلب بن عبد مناف بن قصى المطلبي. قال في
الاصابة كان اسمه عوفا وأما مسطح فلقبه وهو ممن خاض مع أهل الافك مات سنة
34 في خلافة عثمان ويقال عاش الى خلافة علي وشهد معه صفين ومات في تلك
السنة سنة سبع وثلاثين (أم العلاء الانصارية) قال ابن حجر قال أبو عمر هي
من المبايعات حديثها عند أهل المدينة ثم قال ابن حجر ونسبها غيره فقال بنت
الحارث بن ثابت الخزرجي يقال انها والدة خارجة بن زيد بن ثابت الراوي عنها
روي حديثها الشيخان من رواية الزهرى عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أم العلاء
الانصارية
(تتمة) نذكرها هنا لتعلقها بهذا الباب بذكر من آخي رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم بينهم من أصحابه من المهاجرين والانصار. قال ابن اسحاق فيما
بلغنا ونعوذ بالله أن نقول عليه ما لم يقل تآخوا في الله أخوين أخوين ثم
أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال هذا أخي فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
سيد المرسلين وامام المتقين ورسول رب العالمين الذي ليس له خطير ولا نظير
من العباد وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أخوين* وكان حمزة بن عبد المطلب
أسد الله وأسد رسوله صلى الله عليه وسلم وعم رسول الله صلى الله عليه وسلم
وزيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخوين واليه
(1/159)
بينهم فآووهم في منازلهم وقاسموهم في
أموالهم وآثروهم بأقواتهم وتلقوا المكاره دونهم وصار أحدهم أرأف وأرحم
بنزيله وأخيه في الدين من أخيه في النسب واتخذوا ذلك الإخاء والحلف والولاء
لحمة وسببا أعلى من كل سبب لذلك ما أثنى الله سبحانه على الفريقين في مواضع
متعددة في كتابه العزيز وجماع ذلك في الآيات المعمّة لهم ولجميع السابقين
واللاحقين من أوصى حمزة يوم احد حين حضر القتال ان حدث به حادث الموت*
وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين الطيار في الجنة ومعاذ بن جبل أخو بني سلمة
أخوين (قال ابن هشام) وكان جعفر بن أبي طالب يومئذ غائبا بارض الحبشة* قال
ابن اسحق وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه ابن أبي قحافة وخارجة بن زيد بن
أبي زهير أخو بلحارث بن الخزرج أخوين* وعمر بن الخطاب رضي الله عنه وعتبان
بن مالك أخو بني سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج أخوين* وأبو عبيدة
بن عبد الله بن الجراح واسمه عامر بن عبد الله وسعد بن معاذ بن النعمان أخو
بني عبد الاشهل أخوين* وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع أخو بلحارث بن
الخزرج أخوين* والزبير بن العوام وسلامة بن سلامة بن وقش أخو بنى عبد
الاشهل أخوين ويقال بل الزبير وعبد الله بن مسعود حليف بنى زهرة أخوين*
وعثمان بن عفان وأوس بن ثابت بن المنذر أخو بنى النجار أخوين* وطلحة بن
عبيد الله وكعب بن مالك أخو بني سلمة أخوين* وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل
وأبي بن كعب أخو بنى النجار أخوين* ومصعب بن عمير بن هاشم وأبو أيوب خالد
بن زيد أخو بنى النجار أخوين* وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وعباد بن بشر بن
وقش أخو بنى عبد الاشهل أخوين* وعمار بن ياسر حليف بنى مخزوم وحذيفة بن
اليمان أخو بنى عبد عبس حليف بنى عبد الاشهل أخوين ويقال بل ثابت بن قيس بن
الشماس أخو بالحارث بن الخزرج خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمار بن
ياسر أخوين* وأبو ذر وهو برير بن جنادة الغفارى والمنذر بن عمرو المعنق
ليموت أخو بنى ساعدة بن كعب بن الخزرج أخوين (قال ابن هشام) وسمعت غير واحد
من العلماء يقول أبو ذر جندب بن جنادة* قال ابن اسحق وكان حاطب بن أبي
بلتعة حليف بنى أسد بن عبد العزى وعويم بن ساعدة أخو بني عمرو بن عوف
أخوين* وسلمان الفارسي وأبو الدرداء عويمر بن ثعلبة أخو بلحارث بن الخزرج
أخوين (قال ابن هشام) عويمر بن عامر ويقال عويمر بن زيد* قال ابن اسحق
وبلال مولى أبي بكر رضي الله عنهما مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو
رويحة عبد الله بن عبد الرحمن الخثعمي ثم أحد الفزع أخوين فهؤلاء من سمى
لنا ممن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخي بينهم من أصحابه فلما دون
عمر ابن الخطاب الدواوين بالشام وكان بلال قد خرج الى الشام فأقام بها
مجاهدا فقال عمر لبلال الى من نجعل ديوانك يا بلال قال مع أبي رويحة لا
أفارقه أبدا للاخوة التى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد بينه وبيني
فضم اليه وضم ديوان الحبشة الي خثعم لمكان بلال منهم فهو في خثعم الى هذا
اليوم بالشام
(1/160)
مؤمنى هذه الامة فقال تعالى في بيان من له
الحق في الفىء لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ
دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً
وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ثم قال في
حق الانصار وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ
يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً
مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ
خَصاصَةٌ ثم قال في حق من تبعهم باحسان الى يوم القيامة وَالَّذِينَ جاؤُ
مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا
الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ الآية.
[فصل: في ان الله تعالى أوعد الوعيد العظيم على
من أسلم قبل الهجرة ولم يهاجر والكلام على ذلك]
«فصل» واعلم انه ما قبل الله اسلام أحد بعد هجرة النبى صلى الله عليه وآله
وسلم الا بالهجرة واللحوق به وعاب على من أمكنه ذلك ولم يهاجر وأوعد عليه
الوعيد العظيم فقال تعالى إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ
ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ الآية ثم استثنى وعذر من لم يمكنه فقال إِلَّا
الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا
يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا قال ابن عباس رضي الله
عنهما كنت انا وأمى من المستضعفين وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو
لهؤلاء فى قنوته فيقول اللهم انج عياش بن أبى ربيعة والوليد بن الوليد
وسلمة بن هشام اللهم انج المستضعفين من المؤمنين ولما فتحت مكة وصارت دار
اسلام نسخت الهجرة الى المدينة فقال صلى الله عليه وآله وسلم لا هجرة بعد
الفتح وأما حكم الهجرة من غير مكة فقد قدمنا ذكره وما يتعلق به عند ذكر
هجرة الحبشة ثم بعد الفتح لم يرخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم لاحد من
مهاجرة مكة في الرجوع اليها للاستيطان بل كره لغيرهم من مهاجرة الآفاق
الرجوع الى أوطانهم وقال اللهم امض لاصحابى هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم
وشكى ورثي لمن مات منهم بمكة كسعد بن خولة ورخص لهم في حجهم وعمرتهم في
إفاضة ثلاثة أيام بعد قضاء نسكهم وبهذا استدرك أصحابنا ان المسافر اذا نوى
ببلد إقامة ثلاثة أيام غير يومى دخوله وخروجه لا يعد مقيما ولا ينقطع ترخصه
في القصر وغيره ولم يطيب لهم أيضا الرجوع في دورهم التى اغتصبها المشركون
وباعوها بعد مخرجهم حتى قال له أسامة عام الفتح يا رسول الله أين ننزل غدا
انشاء الله تعالى قال وهل ترك لنا عقيل من منزل وكان عقيل تخلف عنهم في
الاسلام والهجرة وباع دورهم فلم يرجع النبى صلى الله عليه وآله وسلم في شيء
منها* وروى انه لما هاجر بنو جحش بأجمعهم باع أبو سفيان دارهم فذكر ذلك عبد
الله بن جحش للنبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فقال له رسول الله صلى
الله تعالى عليه وآله وسلم أما ترضى أن يعطيك الله
(1/161)
بها دارا خيرا منها في الجنة قال بلى قال
فذلك لك ثم كلمه فيها ابو أحمد بن جحش عام الفتح فلم يرد عليه شيئا فقال
الناس له ان رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يكره لكم ان ترجعوا
في شيء من أموالكم أصيب منكم في الله فأمسك عن كلام رسول الله صلى الله
تعالى عليه وآله وسلم وقال
أبلغ أبا سفيان عن ... أمر عواقبه ندامه
دار ابن عمك بعتها ... تقضي بها عنك الغرامه
وحليفكم بالله رب ال ... ناس مجتهد القسامه
اذهب بها اذهب بها ... طوقتها طوق الحمامه
ولما دخل صلى الله تعالى عليه وآله وسلم مكة عام الفتح عنوة ورفع عن قريش
القتل وقد كانت الانصار ظنوا انه مستأصلهم قتلا لسالف اساءتهم فتوهموا
رجوعه مكة واستيطانها فأخذهم من الغيرة (أبو أحمد بن جحش) الاسدي أخو أم
المؤمنين زينب بنت جحش تقدم شىء من ذكره في ترجمة أخيه وان اسمه عبد بن جحش
بغير اضافة كان من السابقين الاولين وقيل انه ممن هاجر الي الحبشة وأنكر
البلاذري هجرته الى الحبشة. قال ابن اسحاق كان أبو أحمد ضريرا يطوف بمكة
أعلاها وأسفلها بغير قائد وفي ذلك يقول
حبذا مكة من واد ... بها أهلى وعوادي
بها ترسخ أوتادي ... بها أمشى بلا هاد
اختلف في موته فجزم ابن الاثير بانه مات بعد أخته زينب قال ابن حجر وفيه
نظر وحكى ما يؤيد خلافه وحكي المرزباني في معجم الشعراء عنه انه أنشد النبي
صلى الله عليه وآله وسلم
لقد حلفت على الصفا أم أحمد ... ومروة بالله وبرّت يمينها
لنحن الألى كنابها ثم لم نزل ... بمكة حتى كاد عنا سمينها
الى الله نعود بين مثني وموحد ... ودين رسول الله والحق دينها
(أبلغ أبا سفيان) هذه كنيته بهااشتهر واسمه صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس
والد معاوية ويكني أيضا أبا حنظلة (الغرامة) الدين والغريم الذى عليه الدين
قال كثير:
قضى كل ذى دين فوفي غريمه ... وعزة ممطول معنى غريمها
(القسامة) بالفتح مصدر قسم الشئ فانقسم وبالكسر الحظ والنصيب والاسم منه
القسمة وهي مؤنثة والقسم بفتحتين اليمين وهو المراد هنا (وطوق الحمامة)
الطوق وأحد الاطواق معروف وطوقته فتطوق أى ألبسته الطوق والمطوقة الحمامة
التى في عنقها الطوق وذلك ما يكون شبه الطوق في عنقها مخالفا للونها وهذا
مثل فقوله طوقتها طوق الحمامة يعني البست هذه الغرامة وستوفيها ولا محالة
كما ان الحمامة
(1/162)
والوجد ما يأخذ مثلهم على مثله وقالوا أما
الرجل فقد أخذته رأفة بعشيرته ورغبة في قريته فأخبره جبريل بمقالتهم وحين
قررهم النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بذلك اعترفوا فقال صلى الله
تعالى عليه وآله وسلم كلا انى عبد الله ورسوله وفي رواية قال ألا فما اسمي
اذا ثلاث مرات أنا محمد عبد الله ورسوله هاجرت الى الله واليكم فالمحيا
محياكم والممات مماتكم قالوا والله ما قلنا إلا ضنا بالله وبرسوله قال فان
الله ورسوله يعذرانكم ويصدقانكم رواه مسلم.
[فصل: فى مناواة يهود المدينة الاذي للنبى صلي
الله عليه وسلم بعد ما قدم اليها]
(فصل) ولما تخلص رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وأصحابه من اذى
المشركين بمكة وصاروا بالمدينة وقعوا في محنة أخرى من اليهود ومنافقى
الانصار بالشنآن والبغض والمقت والغيبة والسم والسحر والغوائل لكن من غير
مجاهرة ولا مكابرة تتميما لامتحانهم ووفورا لاجورهم وتحقيقا لقوله تعالى
وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ
الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً فكانت الغلبة لهم وكان أعداؤهم
مكبوتين مقهورين يرون طوقت هذا الطوق ولا ينفك عنها (ضنا) بكسر الضاد أي
شحا بك ان نفارقك ويختص بك غيرنا
(فصل) (ولما تخلص رسول الله وأصحابه من أذى المشركين بمكة) أي ما وقع لهم
من المعاداة والمناواة لاظهار دين الله ودين رسوله قبل الهجرة الى الفتح
(في محنة أخرى) بكسر الميم واحدة المحن وهي ما يمتحن به الانسان من البلايا
(الشنآن) بالشين المعجمة والمد مهموز والنون تفتح وتسكن من شنأه اذا أبغضه
(والمقت) البغض أيضا (السم) الاسم منه مثلث السين معروف وقد سم صلى الله
عليه وسلم وسيحكى المؤلف ذلك وما لاقاه من سمهم له صلى الله عليه وسلم
وسحرهم إياه (الغوائل) الدواهى (من غير مجاهرة) أى كانوا يأتون ذلك سرا
مبطنين ذلك غير مجاهرين به (مكبوتين) من كبته اذا أخزاه وصرفه فانه صلى
الله عليه وسلم كان في كنف الله وحفظه بدليل قوله تعالى وَاللَّهُ
يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فكان اليهود ومنافقو المدينة مخزيين في جميع ما
ناووه فيه وكادوه به. ويجمل ان نذكر هنا أسماء أعدائه من رؤساء اليهود ومن
انضاف اليهم من رجال الاوس والخزرج على ما حكاه ابن هشام عن ابن اسحاق قال
ابن اسحق ونصبت عند ذلك أحبار يهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم العداوة
بغيا وحسدا وضغنا لما خص الله تعالى به العرب من أخذه رسوله منهم وأضاف
اليهم رجال من الاوس والخزرج ممن كان عسى على جاهليته فكانوا أهل نفاق على
دين آبائهم من الشرك والتكذيب بالبعث الا أن الاسلام قهرهم بظهوره واجتماع
قومهم عليه فظهروا بالاسلام واتخذوه جنة من القتل ونافقوا في السر وكان
هواهم مع يهود لتكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم وجحودهم الاسلام وكانت
أحبار يهودهم الذين يسئلون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتعنتونه ويأتونه
باللبس ليلبسوا الحق بالباطل فكان القرآن ينزل فيهم فيما يسئلونه غنه الا
قليلا من المسائل في الحلال والحرام وكان المسلمون يسئلون عنها منهم حيي بن
أخطب وأخوه أبو ياسر
(1/163)
في طى الايام والليالى أنواع المكاره من
ارتفاع شأن الاسلام والمسلمين وتجدد فتوحهم وعلو كلمتهم وظهور دينهم فمن
ذلك قول عبد الله بن أبىّ رأس المنافقين وقد رد عليه بعض قومه بعض الاذى
لرسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ورأى منهم ما يكره فقال شعرا:
ابن أخطب وجدى بن أخطب وسلام بن مشكم وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وسلام
بن أبي الحقيق أبو رافع الاعور وهو الذي قتله أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم بخيبر والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق وعمرو بن جحاش وكعب بن
الاشرف وهو من طيء ثم أحد بنى نبهان وأمه من بني النضير والحجاج بن عمرو
حليف كعب بن الاشرف وكردم بن قيس حليف كعب بن الاشرف فهؤلاء من بنى النضير*
ومن بني ثعلبة بن الفطيون عبد الله بن صوريا الاعور ولم يكن بالحجاز في
زمانه أحد أعلم بالتوراة منه وابن صلوبا ومخيريق وكان حبرهم* ومن بنى
قينقاع زيد بن اللصيت ويقال ابن اللصيت فيما قال ابن هشام وسعد بن حنيف
ومحمود بن سيحان وعزيز بن أبي عزيز وعبد الله بن صيف (قال ابن هشام) ويقال
ابن ضيف* قال ابن اسحق وسويد بن الحرث ورفاعة بن قيس وفنحاص وأشيع ونعمان
بن أضا وبحري ابن عمرو وشاس بن عدي وشاس بن قيس وزيد بن الحرث ونعمان بن
عمرو وسكين بن أبي سكين وعدى ابن زيد ونعمان بن أبى أوفي أبو أنس ومحمود بن
دحية ومالك بن الصيف (قال ابن هشام) ويقال ابن الضيف* قال ابن اسحق وكعب بن
راشد وعازر ورافع بن أبي رافع وخالد وأزار بن أبي أزار (قال ابن هشام)
ويقال آزر بن آزر* قال ابن اسحق ورافع بن حارثة ورافع بن حريملة ورافع بن
خارجة ومالك بن عوف ورفاعة بن زيد بن التابوت وعبد الله بن سلام بن الحرث
وكان حبرهم وأعلمهم وكان اسمه الحصين فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله
عليه وسلم عبد الله فهؤلاء من بنى قينقاع* ومن بني قريظة الزبير بن باطا بن
وهب وعزال بن سموأل وكعب بن أسد وهو صاحب عقد بني قريظة الذى نقض عام
الاحزاب وسمويل بن زيد وجبل بن عمرو بن سكينة والنحام بن زيد وقردم بن كعب
ووهب بن زيد ونافع بن أبى نافع وأبو نافع وعدي بن زيد والحرث بن عوف وكردم
بن زيد واسامة ابن حبيب ورافع بن زميلة وجبل بن أبى قشير ووهب بن يهوذا
فهؤلاء من بني قريظة* ومن يهود بنى زريق لبيد بن أعصم وهو الذى أخذ رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه* ومن يهود بنى حارثة كنانة بن صوريا* ومن
يهود بنى عمرو بن عوف قردم بن عمرو* ومن يهود بني النجار سلسلة بن برهام
فهؤلاء أحبار اليهود وأهل العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه
وأصحاب المسئلة والنصب لامر الاسلام الشرور ليطفؤه الا ما كان من عبد الله
بن سلام ومخبريق (وقد رد عليه بعض قومه) هو عبد الله بن رواحة رضي الله عنه
وهو ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه ذات يوم وهو في قومه والنبي صلى
الله عليه وسلم على حمار فقال اليك عني والله لقد آذانى نتن حمارك فقال عبد
الله بن رواحة والله لنتن حمار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أطيب
ريحا منك (ورأى منهم
(1/164)
متى ما يكن مولاك خصمك لا تزل ... تذل
ويصرعك الذى لا تضارع
وهل ينهض البازي بغير جناحه ... وان جز يوما ريشه فهو واقع
وقال سعد بن عبادة وقد شكى اليه النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يوما
بعض أذاه فقال يا رسول الله اعف عنه واصفح فو الذى أنزل عليك الكتاب لقد
جاء الله بالحق الذى أنزل عليك ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه
فيعصبونه بالعصابة فلما أتى الله بالحق الذى أعطاك الله شرق بذلك فلذلك فعل
به ما رأيت ولما غزا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدرا وأظفره الله
قال ابن أبىّ ومن معه من المشركين هذا أمر قد توجه فاسلموا ظاهرا وبقى ناس
على النفاق حتى ماتوا منهم عبد الله بن أبى.
[فصل: فى ذكر ما أصاب المهاجرين من حمي المدينة
ودعائه صلى الله عليه وسلم بان يصح هواءها ويجببها اليهم]
(فصل) وقدم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وأصحابه المدينة وهى أوبأ أرض
الله تعالى فمرض منهم كثير فكان أبو بكر ومولياه عامر بن فهيرة وبلال مرضى
في بيت واحد فكان أبو بكر اذا أصابته الحمى يقول:
كل امرئ مصبح في أهله ... والموت أدني من شراك نعله
وكان عامر بن فهيرة يقول:
لقد وجدت الموت قبل ذوقه ... ان الجبان حتفه من فوقه
كل امرئ مجاهد بطوقه ... كالثور يحمى جلده بروقه
وكان بلال يقول:
ألا ليت شعري هل ابيتن ليلة ... بواد وحولى إذخر وجليل
وهل أردن يوما مياه مجنة ... وهل يبدون لى شامة وطفيل
ما يكره) أى عبد الله بن أبي (مولاك) يريد به ابن عمك قاله غير واحد من أهل
السير (ويصرعك) من الصرع بفتح الصاد المهملة ويكسر الطرح على الارض
(البازي) من سباع الطير معروف (وجز ريشه) الجز بالزاي المعجمة القطع
المستأصل (البحيرة) المدينة قاله صاحب القاموس (شرق) بفتح المعجمة وكسر
الراء أى غص وهو كناية عن الحسد (مصبح) بالرفع خبر كل (وشراك) بكسر المعجمة
وتخفيف الراء والمعنى ان الموت أقرب الى الشخص من شراك نعله الذى برجله
(ذوقه) بفتح الذال المعجمة معلوم (والحتف) الموت ومات فلان حتف أنفه أى من
غير قتل ولا ضرب (وطوقه) طاقته (وروق) الثور قرنه (الوادى) مكة (إذخر
وجليل) نبتان (ومجنة وشامة وطفيل) اسماء أماكن باعيانها بمكة وما
(1/165)
ثم يقول اللهم العن عتبة بن ربيعة وشيبة بن
ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا من أرضنا الى أرض الوباء قالت عائشة فذكرت
ما سمعت منهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقلت له انهم ليهذون وما
يعقلون من شدة الحمى قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اللهم
حبب الينا المدينة كحبنا مكة أو أشد وصححها لنا وبارك لنا في صاعها ومدها
وانقل حماها فاجعلها بالجحفة فبعد دعوته صلى الله عليه وآله وسلم طاب لهم
الحال وانصرف عنهم البؤس والوباء والاقتار والاقلال وتم لهم موعد ربهم
فاستخلفهم في الارض ومكن لهم في الدين الذي ارتضى لهم وأبدلهم من الخوف
أمنا ومن الوحشة أنسا وكره اليهم وحظر عليهم الرجوع الى مكة فصاروا لا
يأتونها الا حجاجا أو معتمرين أو مسافرين على قدم مستوفزين
[فصل ولما اطمأن برسول الله الدار وأعز الله
جنده أذن له بقتال قريش ومن ناواه من غيرهم]
(فصل) ولما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة واستقر به
القرار واقر الله عينه بالفة المهاجرين والانصار وأعز الله جنده باجتماع
الكلمة والدار أذن الله له في الانتقام من أعدائه والانتصار فعقد صلى الله
عليه وآله وسلم الألوية للامراء وجهز السرايا وشن الغارات على من داناه من
مشركي العرب وحين فرغ منهم تطاول الى تخوم الشام وبلاد العجم مرة بنفسه
كغزوة تبوك ومرة سراياه وبعوثه كغزوة مؤتة وحتى كتب آخرا الى ملوك الاقاليم
يخوفهم ويتهددهم ويدعوهم الى طاعته فمنهم من اتبعه على دينه كالنجاشى وملوك
اليمن وملك عمان ومنهم من هادنه واتحفه بالهدايا كهرقل وملك ايلة والمقوقس
صاحب مصر ومنهم من يعصي فأظفره الله به ووفدت الوفود من حولها (يهذون)
بالذال المعجمة من هذى يهذي تكلم بغير معقول (الجحفة) بالضم ثم السكون
والفاء قرية كبيرة على طريق المدينة من مكة على أربع مراحل وهى ميقات أهل
مصر والشام ان لم يروا على المدينة ذكر ذلك ياقوت وقال روي ان النبي صلى
الله عليه وآله وسلم نعس ليلة في بعض أسفاره إذ استيقظ فايقظ أصحابه وقال
مرت بي الحمى في صورة امرأة ثائرة الرأس منطلقة الى الجحفة (الاقتار) الضيق
في النفقة (مستوفزين) غير مطمئنين من قولهم استوفز في قعدته اذا قعد قعودا
منتصبا غير مطمئن فيه وهو كناية عن العجلة (الالوية) جمع لواء وهو العلم
(السرايا) جمع سرية بمهملة فراء الطائفة من الجيش تكون من خمسة أنفس الى
ثلثمائة أو اربعمائة كذا في القاموس (شن) بمعجمة فنون أي صبها عليهم من كل
وجه (داناه) قرب اليه (تطاول) أي امتد نظره (تخوم) جمع تخم بتاء فوقية
مضمومة فخاء معجمة ساكنة الفصل بين الارض من المعالم والحدود (هادنه) من
المهادنة وهى المصالحة
(1/166)
جميع الجهات وقال زويت لي الارض فرأيت
مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لى منها وقال أتيت بمفاتيح خزائن
الارض فوضعت في يدى فكان تمام ذلك على أيدى أصحابه الخلفاء الراشدين
والأئمة المهديين رضى الله عنهم أجمعين وها نحن نذكراهم حوادث ما بعد هجرته
مرتبا على السنين كما سبق وبالله التوفيق*
[مطلب في كتبه صلي الله عليه وسلم الكتاب بين
المهاجرين والأنصار ومواخاته بينهما وموادعته يهود المدينة]
ففي السنة الاولى بني صلى الله تعالى عليه وآله وسلم مسجده ومساكنه وكتب
الكتاب بين المهاجرين والانصار وفيه انهم أمة واحدة (زويت) طويت أي ان الله
طوى لى الارض فاطلعنى منها على ما سيبلغه ملك أمتى (وكتب الكتاب) قال ابن
اسحاق وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بين المهاجرين والانصار
وادع فيه يهود وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم واشترط عليهم وشرط لهم
بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبى صلى الله عليه وسلم بين
المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم انهم أمة
واحدة من دون الناس المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم وهم يفدون
عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم
الاولي وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو ساعدة على
ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف
والقسط بين المؤمنين وبنو الحرث على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى وكل
طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو جشم على ربعتهم
يتعاقلون معاقلهم الاولى وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين
المؤمنين وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولي وكل طائفة منهم
تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم
يتعاقلون معاقلهم الاولى وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين
المؤمنين وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى وكل طائفة
تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو النبيت على ربعتهم يتعاقلون
معاقلهم الاولى وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو
الاوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى وكل طائفة منهم تفدي عانيها
بالمعروف والقسط بين المؤمنين وان المؤمنين لا يتركون مفرجا بينهم ان يعطوه
بالمعروف في فداء أو عقل (قال ابن هشام) المفرج المثقل من الدين الكثير
والعيال قال الشاعر
اذا أنت لم تبرح تؤدي أمانة ... وتحمل أخرى أفرجتك الودائع
ولا يحالف مؤمن مولى مؤمن من دونه وان المؤمنين المتقين على من بغي منهم أو
ابتغى دسيعة ظلم أو اثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين وان أيديهم عليه
جميعا ولو كان ولد أحدهم ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر ولا ينصر كافر على
مؤمن وان ذمة الله واحدة يحير عليهم أدناهم وان المؤمنين بعضهم موالي بعض
دون الناس وانه من تبعنا من يهود فان له النصر والاسوة غير مظلومين ولا
متناصر عليهم وان سلم المؤمنين واحدة لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في
سبيل الله الا على سواء وعدل بينهم وان كل غازية غزت معنا تعقب بعضها بعضا
وان المؤمنين يبيء بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله وان المؤمنين
المتقين على أحسن هدي وأقومه وان لا يجير مشرك ما لا لقريش ولا نفسا ولا
يحول دونه على مؤمن وانه من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فانه قود به الى ان
يرضى ولى المقتول وان المؤمنين عليه كافة ولا يحل لهم الا قيام عليه
(1/167)
من دون الناس وان الجار كالنفس غير مضار
ولا آثم وما كان بينهم من حدث أو شجار يخاف فساده فان مرده الى الله والى
محمد رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم* وفيها وادع يهود وشرط عليهم
ولهم والحق كل قبيلة منهم بحلفائهم من الانصار ثم آخى صلى الله تعالى عليه
وآله وسلم بين المهاجرين فقال لهم تآخوا في الله أخوين أخوين ثم أخذ بيد
أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي الله عنه فقال هذا أخى ثم آخى أيضا
بينهم وبين الانصار وجملة من تآخى من الفريقين تسعون رجلا وخمسة واربعون من
المهاجرين ومثلهم من الانصار وانه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة
وآمن بالله واليوم الآخر ان ينصر محدثا ولا يؤويه وان من نصره أو آواه فان
عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل وانكم مهما
اختلفتم فيه من شيء فان مرده الى الله عز وجل والى محمد صلى الله عليه وسلم
وان اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاريين وان يهود بنى عوف أمة مع
المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم الا من ظلم وأثم
فانه لا يوتغ الا نفسه وأهل بيته وان ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني
عوف وان ليهود بني الحرث مثل ما ليهود بنى عوف وان ليهود بنى ساعدة مثل ما
ليهود بني عوف وان ليهود بني جشم مثل ما ليهود بنى عوف وان ليهود بنى الاوس
مثل ما ليهود بني عوف وان ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف الا من ظلم
وأثم فانه لا يوتغ الا نفسه وأهل بيته وان جفنة بطن من ثعلبة كانفسهم وان
لبنى الشنطة مثل ما ليهود بني عوف وان البردون الاثم وان موالى ثعلبة
كانفسهم وان بطانة يهود كانفسهم وانه لا يخرج منهم أحد الا باذن محمد صلى
الله عليه وسلم وانه لا ينحجز على ثار جرح وانه من فتك فبنفسه فتك أهل بيته
الا من ظلم وان الله على أبر هذا وان على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين
نفقتهم وان بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة وان بينهم النصح
والنصيحة والبردون الاثم وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه وان النصر للمظلوم وان
اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين وان يثرب حرام جوفها لاهل هذه
الصحيفة وان الجار كالنفس غير مضار ولا آثم وانه لا تجار حرمة الا باذن
أهلها وانه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث واشتجار يخاف فساده فان مرده
الى الله عز وجل والى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وان الله على أتقي
ما في هذه الصحيفة وأبره وانه لا تجار قريش ولا من نصرها وان بينهم النصر
على من دهم يثرب واذا دعوا الى صلح يصالحونه ويلبسونه فانهم يصالحونه
ويلبسونه وانهم اذا دعوا الى مثل ذلك فان لهم على المؤمنين الا من حارب في
الدين على كل أناس حصتهم من جانبهم الذى قبلهم وان يهود الاوس مواليهم
وأنفسهم على مثل ما لاهل هذه الصحيفة مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة
(قال ابن هشام) ويقال مع البر المحسن من أهل هذه الصحيفة* قال ابن اسحق وان
البردون الاثم لا يكسب كاسب الا على نفسه وان الله على أصدق ما في هذه
الصحيفة وابره وانه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم وانه من خرج أمن ومن
قعد أمن بالمدينة الا من ظلم أو اثم وان الله جار لمن بر واتقى ومحمد رسول
الله صلى الله عليه وسلم
(1/168)
وقيل جملتهم ثلاثمائة والله أعلم. وفيها
بعث صلى الله عليه وآله وسلم زيد بن حارثة وأبا رافع مولييه الى مكة ليأتيا
بيناته وزوجته سودة وبعث معهم أبو بكر عبد الله بن أريقط لعائشة وأمها
وجاؤوا بهم وصحبهم طلحة بن عبد الله وفي سيرة ابن هشام ان زينب انما لحقت
بأبيها بعد وقعة بدر وذلك ان زوجها أبا العاص بن الربيع استؤسر ببدر فأطلقه
النبي صلى الله عليه وآله وسلم بغير فداء وأخذ عليه ان يخلى سبيل زينب اليه
وبعث صلى الله عليه وآله وسلم زيد ابن حارثة ورجلا من الانصار وقال لهما
كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فلما قدم أبو العاص مكة بعث بها مع أخيه
كنانة بن الربيع فالحقها بهما وسيأتى خبرهما ان شاء الله تعالى في ترجمتهما
في فصل بناته صلى الله عليه وسلم* وفيها صام رسول الله صلى الله عليه وسلم
عاشوراء وأمر بصومه وكانت اليهود في الجاهلية يصومونه فأمر صلى الله عليه
وسلم بصومه وحض عليه وأكد (أبا رافع) القبطي مولى رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم يقال اسمه ابراهيم ويقال أسلم وقيل سنان وقيل يسار وقيل صالح
وقيل عبد الرحمن وقيل قرمان وقيل يزيد وقيل ثابت وقيل هرمز قال ابن حجر قال
ابن عبد البر اشهر ما قيل في اسمه أسلم قيل كان مولى العباس بن عبد المطلب
فوهبه للنبى صلى الله عليه وسلم فاعتقه لما بشره باسلام العباس بن عبد
المطلب والمحفوظ انه أسلم لما بشر العباس بان النبى صلى الله عليه وسلم
انتصر على أهل خيبر وذلك في قصة جرت وكان اسلامه قبل بدر ولم يشهدها وشهد
أحدا وما بعدها قال الواقدى مات أبو رافع بالمدينة قبل عثمان بيسير أو بعده
وقال ابن حبان مات في خلاف على رضي الله عنهم قوله (وفي سيرة ابن هشام) قلت
وكذلك حكاه الواقدى ونقله عنه ابن حجر في الاصابة من ان أبا العاص شهد مع
المشركين بدرا فاسر فقدم أخوه عمرو في فدائه وارسلت معه زينب قلادة من جزع
كانت خديجة أدخلتها بها علي أبى العاص فلما رآها رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم عرفها ورق لها وذكر خديجة فترحم عليها وكلم الناس فاطلقوه ورد
عليها القلادة واخذ على أبى العاص ان يخلى سبيلها ففعل قال الواقدى هذا
أثبت عندنا. وزينب رضي الله عنها أكبر بناته صلى الله عليه وآله وسلم وأوّل
من تزوج منهن ولدت قبل البعثة بمدة قيل انها عشر سنين وزوجها أبو العاص هذا
ابن خالتها أمه هالة بنت خويلد قال ابن سعد في الطبقات ان زينب هاجرت مع
أبيها يعنى عقب هجرته صلى الله عليه وسلم كما ذكره المؤلف وأبي زوجها ان
يسلم فلم يفرق النبى صلى الله عليه وآله وسلم بينهما الى ان اسر فاجارته
زوجه رضي الله عنها فامضي رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون جوارها
وسألته زينب ان يرد عليه ما أخذ منه ففعل وامره ان لا يقربها ومضي أبو
العاص الى مكة فادى الحقوق لاهلها ورجع فاسلم فرد عليه زينب بالنكاح الاول
اه وسيذكر المصنف ما هو أبسط من ذلك (وحض عليه وأكد) أى حث على صيامه وندب
اليه قلت وما يروي فى فضائله مما يتخذ عبادة خلا صومه فانه غير وارد قال
الشيرازى في خاتمة كتابه سفر السعادة فضائل
(1/169)
فلما فرض رمضان خف ذلك التأكيد وبقى مسنونا
وقيل كان واجبا ثم نسخ برمضان*
[مطلب في مشروعية في الأذان]
وفيها شرع الأذان وكان أوّل مشروعيته أنهم لما قدموا المدينة تشاوروا فيما
يجمعهم للصلاة فتوامروا ان يتخذوا ناقوسا أو قرنا أو بوقا أو يوروا نارا
فقال عمر أولا تبعثون رجلا ينادى عاشوراء واستحباب صيامه وسائر الاحاديث في
فضله وفضل الصلاة فيه والانفاق والخضاب والادهان والا كتحال وطبخ الحبوب
وغير ذلك مجموعه موضوع ومفتري قال أئمة الحديث الاكتحال فيه بدعة ابتدعها
قتلة الحسين ثم قال غير انه صلى الله عليه وسلم صام يوم عاشوراء وأمر
بصيامه وقال انه صومه تكفير سنة (وفيها شرع الاذان) قال ابن اسحق فلما
اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة واجتمع اليه اخوانه من
المهاجرين واجتمع أمر الانصار واستحكم أمر الاسلام فقامت الصلاة وفرضت
الزكاة والصيام وقامت الحدود وفرض الحلال والحرام وتبوّأ الاسلام بين
أظهرهم وكان هذا الحى من الانصار هم الذين تبوّؤا الدار والايمان وقد كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدمها انما يجتمع الناس اليه للصلاة لحين
مواقيتها بغير دعوة فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدمها أن يجعل
بوقا كبوق يهود الذى يدعون به لصلاتهم ثم كرهه ثم أمر بالناقوس فنحت ليضرب
به للمسلمين للصلاة فبينا هم على ذلك إذ رأي عبد الله بن زيد ابن ثعلبة بن
عبد ربه أخو بلحارث بن الخزرج النداء فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال له يا رسول انه طاف بي هذه الليلة طائف مر بي رجل عليه ثوبان أخضران
يحمل ناقوسا في يده فقلت له يا عبد الله أتبيع هذا الناقوس قال وما تصنع به
قلت ندعو به الى الصلاة قال أفلا أدلك على خير من ذلك قال قلت وما هو قال
تقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله
أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله
حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله
أكبر لا إله الا الله فلما أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال انها
لرؤيا حق ان شاء الله فقم مع بلال فألقها عليه فليؤذن بها فانه أندى صوتا
منك فلما أذن بها بلال سمعها عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج الى رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو يجر رداءه وهو يقول يا نبى الله والذي بعثك بالحق
لقد رأيت مثل الذي رأي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلله الحمد على
ذلك* قال ابن اسحق حدثنى بهذا الحديث محمد بن ابراهيم بن الحارث عن محمد بن
عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه عن أبيه (قال ابن هشام) وذكر ابن جريج
قال قال لى عطاء سمعت عبيد بن عمير الليثى يقول ائتمر النبي صلى الله عليه
وسلم وأصحابه بالناقوس للاجتماع للصلاة فبينما عمر بن الخطاب يريد ان يشتري
خشبتين للناقوس اذ رأى عمر بن الخطاب في المنام لا تجعلوا الناقوس بل أذنوا
للصلاة فذهب عمر الى النبى صلى الله عليه وسلم ليخبره بالذي رأى وقد جاء
النبى صلى الله عليه وسلم الوحي بذلك فما راع عمر إلا بلال يؤذن فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم حين أخبره بذلك قد سبقك بذلك الوحي* قال ابن اسحق
وحدثني محمد ابن جعفر بن الزبير عن امرأة من بنى النجار قالت كان بيتى من
أطول بيت حول المسجد فكان بلال يؤذن عليه للفجر كل غداة فيأتي بسحر فيجلس
على البيت ينتظر الفجر فاذا رآه تمطي ثم قال اللهم انى
(1/170)
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قم
يا بلال فناد بالصلاة وظاهر هذه انه مجرد اعلام ليس على صفة الاذان المشروع
ثم رأى عبد الله بن زيد بن عبد ربه في منامه شخصا يؤذن بالاذان المشروع
ويقيم فاخبر النبى صلى الله عليه وسلم فأمره النبى صلى الله عليه وسلم ان
يلقيه على بلال فقال عمر والذي بعثك بالحق نبيا لقد رأيت مثل الذي رأى قال
النووى فشرعه النبى صلى الله عليه وآله وسلم إما بوحى واما باجتهاد منه صلى
الله عليه وسلم على مذهب الجمهور في جواز الاجتهاد له صلى الله عليه وآله
وسلم وليس هو عملا بمجرد المنام هذا ما لا شك فيه بلا خلاف وورد في حديث
مسندا ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان قد أريه ليلة الاسراء واستمعه
مشاهدة ولذلك قال في رؤيا عبد الله بن زيد انه رؤيا حق والله أعلم*
[مطلب في إسلام عبد الله بن سلام وخبر ذلك]
وفيها أسلم عبد الله بن سلام الاسرائيلى وسلمان الفارسى وفيها مات من رؤساء
الانصار أسعد بن زرارة أحمدك وأستعينك على قريش ان يقيموا على دينك قالت ثم
يؤذن قالت والله ما علمته كان يتركها ليلة واحدة (عبد الله بن سلام) قال
ابن اسحق وكان من حديثه كما حدثني بعض أهله عنه وعن اسلامه حين أسلم وكان
حبرا عالما قال لما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت صفته واسمه
وزمانه الذي كنا نتوكف له فكنت مسرا لذلك صامتا عليه حتى قدم رسول الله صلى
الله عليه وسلم المدينة فلما نزل بقباء في بني عمرو بن عوف أقبل رجل حتى
أخبر بقدومه وأنا في رأس نخلة لى أعمل فيها وعمتى خالدة ابنة الحارث تحتي
جالسة فلما سمعت الخبر بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم كبرت فقالت لي
عمتى حين سمعت تكبيرى خيبك الله والله لو كنت سمعت بموسى بن عمران قادما ما
زدت قال فقلت لها أي عمة هو والله أخو موسى بن عمران وعلى دينه بعث بما بعث
به قال فقالت أي ابن أخي أهو النبي الذى كنا نخبر انه يبعث مع نفس الساعة
قال فقلت لها نعم قال فقالت فذاك إذ قال ثم خرجت الى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فاسلمت ثم رجعت الى أهل بيتى فأمرتهم فأسلموا قال وكتمت اسلامي
عن يهود ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له يا رسول الله ان يهود
قوم بهت واني أحب ان تدخلنى في بعض بيوتك وتغيبني عنهم ثم تسألهم عني حتى
يخبروك كيف أنا فيهم قبل أن يعلموا باسلامي فانهم ان علموا به بهتوني
وعابونى قال فادخلنى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض بيوته ودخلوا
عليه فكلموه وسألوه ثم قال لهم أي رجل الحصين بن سلام فيكم قالوا سيدنا
وابن سيدنا وحبرنا وعالمنا قال فلما فرغوا من قولهم خرجت عليهم فقلت لهم يا
معشر يهود اتقوا الله وأقبلوا ما جاءكم به فو الله انكم لتعلمون إنه لرسول
الله تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة باسمه وصفته فاني أشهد أنه رسول الله
وأومن به وأصدقه واعرفه فقالوا كذبت ثم وقعوا بى فقلت لرسول الله صلى الله
عليه وسلم ألم أخبرك يا رسول الله أنهم قوم بهت أهل غدر وكذب وفجور قال
وأظهرت اسلامى واسلام أهل بيتى وأسلمت عمتى خالدة بنت الحارث فحسن اسلامها
(سلمان) أبو عبد الله الفارسي ويقال له سلمان بن الاسلام وسلمان الخير وقال
ابن حبان من زعم أن
(1/171)
والبراء بن معرور نقيبان وكلثوم بن الهدم
ومن صناديد المشركين من قريش العاص بن وائل والوليد بن المغيرة.
[مطلب في غزوة ودان وتحويل القبلة]
«السنة الثانية» قال ابن اسحاق وفي صفر على رأس اثنى عشر شهرا من الهجرة
غزا صلى الله تعالى عليه وآله وسلم غزوة ودّان يريد قريشا وبنى ضمرة من
كنانة فوادعه سلمان الخير آخر فقد وهم أصله من رام هرمز وقيل من أصبهان
وكان قد سمع بان النبى صلى الله عليه وآله وسلم سيبعث فخرج في طلب ذلك فأسر
وبيع بالمدينة فاشتغل بالرق حتى كان أوّل مشاهده الخندق وشهد بقية المشاهد
وفتوح العراق وولى المدائن وقال ابن عبد البر يقال انه شهد بدرا وكان عالما
زاهدا روى عنه أنس وكعب بن عجرة وابن عباس وأبو سعيد وغيرهم من الصحابة ومن
التابعين أبو عثمان النهدي وطارق بن شهاب وسعيد بن وهب وآخرون بعدهم قيل
كان اسمه ما به بكسر الموحدة ابن بود قاله ابن مندة بسنده وساق له نسبا
وقيل اسمه بهبود ويقال انه أدرك عيسى بن مريم وقيل بل أدرك وصي عيسي ورويت
قصته من طرق كثيرة من أصحها ما أخرجه أحمد من حديثه نفسه واخرجها الحاكم من
وجه آخر عنه أيضا واخرجه الحاكم من حديث بريدة وعلق البخارى طرفا منها وفي
سياق قصته في اسلامه اختلاف يتعسر الجمع فيه وروي البخاري في صحيحه عن
سلمان أنه تناوله بضعة عشر سيدا قال الذهبى وجدت الاقوال في سنه كلها دالة
على أنه جاوز المائتين وخمسين والاختلاف انما هو في الزائد قال ثم رجعت عن
ذلك وظهر لى أنه ما زاد على الثمانين* قلت لم يذكر مستنده في ذلك واظنه
أخذه من شهود سلمان الفتوح بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتزوجه امرأة
من كندة وغير ذلك مما يدل علي بقاء بعض النشاط لكن ان ثبت ما ذكروه يكون
ذلك من خوارق العادات في حقه وما المانع من ذلك فقد روى أبو الشيخ في طبقات
الاصبهانيين من طريق العباس بن يزيد قال أهل العلم يقولون عاش سلمان
ثلاثمائة وخمسين سنة فاما مائتان وخمسون فلا يشكون فيها قال أبو ربيعة
الايادي عن أبى بريدة عن أبيه ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ان
الله يحب من أصحابى أربعة فذكره فيهم وقال سليمان بن المغيرة عن حميد بن
هلال آخي النبى صلى الله عليه وآله وسلم بين أبي الدرداء وسلمان ونحوه في
البخاري من حديث أبى جحيفة في قصته ووقع في هذه القصة فقال النبي صلى الله
عليه وآله وسلم لابى الدرداء سلمان أفقه منك مات سنة ست وثلاثين في قول أبى
عبيد أو سبع في قول خليفة وروى عبد الرزاق عن جعفر ابن سليمان عن ثابت عن
أنس دخل ابن مسعود على سلمان عند الموت فهذا يدل على أنه مات قبل ابن مسعود
ومات ابن مسعود قبل سنة أربع وثلاثين فكأنه مات سنة ثلاث أو سنة ثنتين وكان
سلمان اذا خرج عطاؤه تصدق به وينسج الخوص ويأكل من كسب يده (ودان) قال
ياقوت بالفتح كانه فعلان قرية جامعة من نواحي الفرع بينها وبين هرشي ستة
أميال وبينها وبين الأبواء نحو من ثمانية أميال قرية من الجحفة وهي لضمرة
وغفار وكنانة (وبنى ضمرة) بفتح الضاد المعجمة واسكان الميم بن بكر بن عبد
مناة بن كنانة
(1/172)
مخشى بن عمرو الضمري ورجع وهى أوّل غزوة
غزاها صلى الله تعالى عليه وآله وسلم واستعمل على المدينة سعد بن عبادة
وتسمى غزوة الأبواء وقال المحب الطبرى في خلاصة السير كانت لسنة من الهجرة
وشهرين وعشرة أيام والله أعلم* وفيها حولت القبلة وكان تحويلها في صلاة
الظهر يوم الثلاثاء نصف شعبان وقيل في رجب على رأس ستة عشر أو سبعة عشر
شهرا من الهجرة وكان ذلك فى منازل بنى سلمة وذلك ان النبى صلى الله عليه
وآله وسلم زار امرأة منهم يقال لها أم بشر قال ابن اسحاق فوادعته فيها بنو
ضمرة وكان الذي وادعه تاركه وصالحه قال في المواهب وكانت نسخة الموادعة
فيما ذكر ابن اسحاق بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله
لبنى ضمزة بأنهم آمنون على أموالهم وأنفسهم وان لهم النصر على من رامهم ان
لا يحاربوا في دين الله ما بلّ بحر صوفة وان النبي اذا دعاهم لنصر أجابوه
عليهم بذلك ذمة الله ورسوله (مخشى) بفتح الميم وسكون الخاء وكسر الشين
المعجمتين ثم ياء مشددة (ابن عمر والضمري) قال ابن سحاق وكان سيدهم في
زمانه (الابواء) بالفتح ثم السكون وواو وألف ممدودة قال قوم سمى بذلك لما
فيه من الوباء قال ياقوت ولو كان كذلك لقيل الاوباء الا ان يكون مقلوبا.
وقال غيره الابواء فعلاء من الابرة أو أفعال كانه جمع بوّ وهو الجلد الذى
يحشى ترأمه الناقة فتدر عليه اذا مات ولدها أو جمع بوي وهو السواء والابواء
قرية من أعمال الفرع من المدينة وقال السكرى جبل شامخ مرتفع ليس عليه شئ من
النبات غير الخزام والبشام وهو لخزاعة وضمرة وبالابواء قبر آمنة بنت وهب أم
النبى صلى الله عليه وسلم كما تقدم وسيأتي (وفيها حولت القبلة) أى
الاستقبال لا ما يستقبله المصلى اذ لا يتعلق به تحويل (في صلاة الظهر) وذلك
على ما رواه النسائي من رواية أبي سعيد بن المعلى وفي البخاري انها كانت
صلاة العصر كذا حكاه القسطلاني في المواهب اللدنية (يوم الثلاثاء نصف
شعبان) قاله محمد بن حبيب وجزم به النووي في الروضة (وقيل في رجب) في
المواهب وقيل يوم الاثنين نصف رجب رواه الامام أحمد عن ابن عباس باسناد
صحيح قال الواقدي وهذا أثبت قال الحافظ وهو الصحيح وبه جزم الجمهور (على
رأس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا) هذه رواية البخاري والترمذي عن البراء بن
عازب ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا بالشك وروى مسلم والنسائي عن البراء
ستة عشر شهرا رواه البزار والطبراني من حديث ابن عباس وقيل ثمانية عشر شهرا
رواه ابن ماجه عن البراء قال الحافظ وهذا الاخير شاذ وأما الروايات الاول
فسهل الجمع بينها فان من جزم بستة عشر لفق من شهري القدوم والتحويل شهرا
والغى الزائد ومن جزم بسبعة عدهما معا ومن شك تردد في ذلك وذلك ان القدوم
كان في شهر ربيع الاول بلا خلاف وكان التحويل في نصف شهر رجب من السنة
الثانية على الصحيح (بنى سلمة) بكسر اللام والنسبة اليها بالفتح على
المشهور (أم بشر) بنت البراء بن معرور وتقدم ذكر البراء ونسبه. قال ابن حجر
قيل اسمها خليدة وقيل السلاف والذي ظهر لى بعد البحث ان خليدة والدة بشر بن
البراء ثم ذكر اختلافا في ذلك
(1/173)
فصنعت له طعاما فحانت صلاة الظهر فصلى بهم
وأنزل عليه وهو راكع في الثانية قوله تعالى قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ
فِي السَّماءِ الآية فاستدار صلى الله تعالى عليه وآله وسلم واستدارت
الصفوف خلفه وتحول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال ثم صلى ما بقي
من صلاته الى الكعبة ولم يستأنف فسمي ذلك المسجد مسجد القبلتين وأخبر أهل
مسجد قباء بذلك وهم في صلاة الصبح فاستداروا كما هم الى الكعبة وبهذا استدل
أصحابنا في جواز الصلاة الواحدة الى جهات متعددة بالاجتهاد وكان أمر القبلة
اول منسوخ من أمور الشرع وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان
قبل الهجرة يصلي الى الكعبة فلما هاجر استقبل صخرة بيت المقدس ليكون أقرب
الى تصديق اليهود واختلف العلماء هل كان ذلك بوحي أم اجتهاد ونقل القاضي
عياض عن الاكثرين انه كان بسنة لا بقرآن ففيه دليل لمن يقول ان القرآن ينسخ
السنة قلت بل الصواب والله أعلم ان توجهه الى بيت المقدس تلك الاشهر كان
بوحي من الله بدليل قوله تعالى وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ
عَلَيْها مع ما ورد انه صلى الله عليه وسلم حين كان يصلي الي بيت المقدس
كان يقول لجبريل عليه السلام وددت لو حولنى ربي الى الكعبة فانها قبلة ابي
ابراهيم فقال له جبريل عليه السلام انما انا عبد مثلك وأنت كريم على ربك
فسل أنت ربك فانك عند الله بمكان وعرج جبريل الى السماء وجعل صلى الله عليه
وآله وسلم يقلب طرفه الى السماء منتظرا فنزل في ذلك قوله تعالى قَدْ نَرى
تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ الآية وكل هذا يدل
على انه لم يكن باجتهاد ويحتمل ان يكون أوّل ذلك اجتهاد الموافقة اليهود
رجاء اسلامهم ثم نزل الوحي بتقريره والله أعلم. وحين عدل صلى الله عليه
وسلم قبلة مسجده اماط جبريل عليه السلام كل جبل بينه وبين الكعبة فعدلها
وهو ينظر الى الكعبة وصارت قبلته الى الميزان ولما حولت القبلة وقع في ذلك
القالة من اليهود وارتد من رق ايمانه وقالوا رجع محمد الى دين آبائه ونزل
في ذلك قوله تعالى (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها
إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى
عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ) اى التحويلة (لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى
الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ) وكان (وهم في صلاة الصبح) أي من اليوم الثاني
وذلك الي ان وصلهم الخبر لانهم خارج المدينة. قال في المواهب وفي هذا ان
الناسخ لا يلزم حكمه الا بعد العلم به وان تقدم نزوله لانهم لم يؤمروا
باعادة العصر والمغرب والعشاء (وقع في ذلك القالة) أى القيل والقال كناية
عن الارتياب والشك (من اليهود) وقالوا ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها
(وارتد) عن دينه (من رق إيمانه) من المنافقين فانزل الله في جوابهم قل لله
المشرق
(1/174)
قد مات على القبلة الأولى ناس من المسلمين
فسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن حالهم فى صلاتهم تلك فنزل
قوله تعالى وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ اى في صلاتكم ان الله
بالناس لرؤف رحيم*
[مطلب في مشروعية صيام رمضان]
وفي شعبان منها أيضا فرض الله رمضان قيل كان الواجب قبله صيام ثلاثة أيام
في كل شهر وصوم عاشوراء ثم نسخ ذلك برمضان فأنزل الله تعالى يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ الى قوله فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فكان من شاء
صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا ثم نزلت العزيمة في الصوم بقوله فَمَنْ
شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ فأوجبه الله على الصحيح المقيم
وثبتت الرخصة في الاطعام للكبير العاجز وكان في ابتداء الأمر اذا أفطروا
عند المغرب حل لهم كل شئ ما لم يصلوا العشاء أو يرقدوا قبلها فاذا صلوا أو
رقدوا قبلها حرم عليهم كل شئ الى الليلة القابلة فشق ذلك عليهم ووقع جماعة
منهم في المحظور منهم عمر بن الخطاب فنزل الترخيص في ذلك بقوله تعالى
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ الآية فأحل
الله لهم ما كان حرم عليهم وتاب عليهم وعفى عما سلف منهم قال ابن عباس رضى
الله عنهما أوّل ما نسخ بعد الهجرة أمر القبلة والصوم وقال الشيخ أبو
القاسم هبة الله بن سلامة في كتابه الناسخ والمنسوخ اعلم ان اول النسخ في
الشريعة أمر الصلاة ثم أمر القبلة ثم الصيام ثم الزكاة ثم الاعراض عن
المشركين ثم الأمر بجهادهم ثم اعلام الله نبيه ما يفعل به ثم أمره تعالى
بقتال المشركين ثم امره بقتال اهل الكتاب حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ
يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ ثم ما كان عليه اهل العقود من الموارثة فنسخ بقوله
تعالى وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ثم هدم منازل
الجاهلية وان لا يخالطوا المسلمين في حجهم ثم نسخت المعاهدة التي كانت بينه
وبينهم بالاربعة الاشهر بعد يوم النحر قال فهذا أكمل الترتيب ونزول المنسوخ
بمكة كثير وأكثر الناسخ مدني والله أعلم*
[مطلب في بنائه صلى الله عليه وسلم بعائشة
وتزويج علي بفاطمة رضى الله عنهم ومشروعية صدقة الفطر]
وفي شوال منها دخل صلى الله عليه الآية (وفي) شهر (شعبان) أي على رأس
ثمانية عشر شهرا من مقدمة المدينة عليه الصلاة والسلام (فرض الله) صوم
(رمضان) روى الواقدي عن عائشة وابن عمر وأبى سعيد الخدري قالوا نزل فرض شهر
رمضان بعد ما حولت القبلة الى الكعبة بشهر في شعبان (في المحظور) أي من
مباشرة النساء (أبو القاسم هبة الله بن سلامة) أحد أعلام المائة الخامسة
المفسر الفقيه الشافعى وكتابه هذا من أجمع الكتب على اختصاره مشهور متداول
(وأكثر الناسخ مدني) لانها دار قرار الاسلام وبها استجمع للنبي صلى الله
عليه وآله وسلم أمره فاقتضت الحكمة الالهية أن ينسخ ما ينسح ويثبت ما يثبت
(وفي شوال منها)
(1/175)
وآله وسلم بعائشة وهي بنت تسع سنين وكان
عقد بها بمكة قبل ذلك وهي بنت ست وقيل سبع وعنها قالت تزوجت رسول الله صلى
الله تعالى عليه وآله وسلم في شوال وبنى بى في شوال وأي نساء رسول الله صلى
الله تعالى عليه وآله وسلم كانت احظى عنده مني وكانت عائشة تستحب ان تدخل
نساؤها في شوال رواه مسلم* وفي صفر منها تزوج أمير المؤمنين علي فاطمة رضى
الله عنهما ولها خمس عشر سنة وخمسة أشهر ونصف وقيل ثمانية عشر سنة والله
أعلم ولعلي يومئذ احدى وعشرون سنة ودخل بها في ذى الحجة بعد وقعة احد
وسيأتي خبر تزويج فاطمة وعائشة في موضعه من هذا الكتاب* وفيها فرضت صدقة
الفطر قيل والاصل في وجوبها من كتاب الله تعالى قوله تعالى قَدْ أَفْلَحَ
مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ذهب كثير من المفسرين الى
ان المراد بذلك صدقة الفطر وصلاة العيد بعدها قلت وفيه حديث مرفوع خرجه
الدار قطنى والله اعلم واعترض بعضهم على هذا بأن السورة مكية ولم يكن بمكة
عيد ولا زكاة فطر قال الامام الحسين بن مسعود البغوي يحتمل ان يكون النزول
سابقا على الحكم كما في غيره والله اعلم واما من السنة فما ثبت في الصحيحين
وغيرهما من رواية ابن عمر قال فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زكاة
الفطر صاعا من تمر أوصاعا من شعير على العبد والحر والذكر والانثى والكبير
والصغير من المسلمين وأمر بها ان تؤدى أي من السنة الثانية والذي في
الاصابة وكان دخوله بها في شوال في السنة الاولى كما أخرجه ابن سعد عن
الواقدي عن أبي الرجال عن أبيه عن أمه عمرة عنها رضى الله عنها قالت اعرس
بى على رأس ثمانية أشهر ثم حكى ما ذكره المصنف وسيأتى تفصيل ذلك عن المؤلف
(ان تدخل نساؤها) كذا بالبناء للمجهول فيكون المعنى نساء ذويها وأقاربها
(وفي) شهر (صفر منها) أى من السنة الثانية (تزوج) أى عقد عليها وفي الاصابة
في أوائل المحرم وفي تاريخ الخميس عقد عليها في رجب على الاصح وقيل في
رمضان (ودخل في ذى الحجة بعد وقعة أحد) حكى ذلك ابن عبد البر ووقعة أحد
كانت في شوال سنة ثلاث اتفاقا ورده في الاصابة وسيأتى تفصيل ذلك كما وعد به
المؤلف (وفيها) أي في هذه السنة (صدقة الفطر) في المواهب قبل العيد بيومين
(ابن عمر) هو عبد الله بن عمر بن الخطاب واذا أطلق لا يراد الا هو (صاعا)
الخ وعند أبي داود وأحمد والترمذي وحسنه صاع من تمر أو صاع من شعير أو صاع
من زبيب أو صاع من برأي فمح وذكر أبو داود أن عمر بن الخطاب جعل نصف صاع من
بر مكان هذه الاشياء وفي الصحيحين ان معاوية هو الذي قوم ذلك وعند
الدارقطني عن عمر أمر صلى الله عليه وسلم عمرو بن حزم بنصف صاع من حنطة
ورواه أبو داود والنسائي عن ابن عباس مرفوعا وفيه فقال علي اما اذا وسع
الله فاوسعوا اجعلوه صاعا من بر وغيره
(1/176)
قبل خروج الناس الى الصلاة*
[مطلب في إسلام سيدنا العباس والكلام على أول
راية عقدها رسول الله]
وفيها أسلم العباس رضى الله عنه وكان أسر ببدر وفادى نفسه وابنى اخوته عقيل
بن أبى طالب ونوفل بن الحارث ثم أسلم عقيب ذلك وقد ذكرناه مستوفى فى ترجمته
في كتابنا الرياض المستطابة والله أعلم* وفيها كان من الغزوات والسرايا
سرية عبيدة ابن الحارث بن المطلب بن عبد مناف وهى أوّل راية عقدها رسول
الله صلى الله عليه وسلم لم يعقد قبلها لاحد قيل بعثه صلى الله عليه وسلم
مرجعه من غزوة الأبواء قبل أن يصل الى المدينة وكان عددهم ستين أو ثمانين
راكبا من المهاجرين ليس فيهم انصارى ولقوا جمعا من قريش بالحجاز فلم يكن
بينهم قتال الا أن سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه رمى بسهم فكان أوّل سهم
رمي به فى سبيل الله ثم انصرفوا وللمسلمين حامية وفرّ الى المسلمين يومئذ
المقداد بن عمرو البهرانى وعتبة بن غزوان المازنى وكانا من المستضعفين بمكة
وكان على المشركين يومئذ عكرمة بن أبي جهل وقيل مكرز بن حفص. ثم سرية حمزة
بن عبد المطلب الى سيف البحر من ناحية العيص في ثلاثين راكبا من المهاجرين
فلقى أبا جهل بذلك الساحل في ثلاثمائة راكب فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهنى
وكان موادعا للفريقين ثم غزوة بواط من ناحية رضوى قال البكرى واليها انتهى
النبى صلى الله عليه وآله وسلم في غزوته الثانية ولم يلق كيدا وذلك في شهر
ربيع الأوّل واستعمل على المدينة السائب بن مظعون وروينا في صحيح مسلم عن
جابر قال سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يطلب في غزوة بواط
مجدي بن عمرو الجهنى وكان الناضح يعتقبه منا الخمسة والستة والسبعة ثم ساق
فيها الحديث الطويل المشتمل (وفيها) أي في هذه السنة (كان من الغزوات) جمع
غزوة (والسرايا) مثل عطايا جمع (سرية) بتشديد الياء مثل عطية القطعة من
الجيش (عبيدة) بضم العين وفتح الموحدة واسكان التحية فدال مهملة فهاء وهذه
السرية بهذا التاريخ ذكرها ابن هشام في السيرة وأبو الربيع في كتاب
الاكتفاء وقال في المواهب في شوال على رأس ثمانية أشهر (وهي أوّل راية
عقدها) هذا مختلف فيه فان بعض الناس يقول راية حمزة أوّل راية لانها كانت
على رأس سبعة أشهر في رمضان خلافا للمصنف (بسيف البحر) بكسر المهملة وسكون
التحتية وبالفاء ساحل البحر من ناحية العيص قاله في المواهب وجزم بأن هذه
السرية قبل سرية عبيدة ثم قال فلما تصافوا حجز (بينهم مجدي) بفتح الميم
وسكون الجيم وكسر الدال المهملة وياء كياء النسب (بواط) بالضم وآخره طاء
مهملة ورواه العذري والمستملى بفتح أوله والاول أشهر وقالوا هو جبل من جبال
جهينة بناحية رضوى (السائب بن مظعون) هو أخو عثمان بن مظعون (الناضح)
البعير
(1/177)
على معجزات ظاهرة باهرة لرسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم فلما رجع منها أقام بالمدينة بقية شهر ربيع الآخر وبعض
جمادى الاولى ثم غزا العشيرة وقال ابن سعد غزا رسول الله صلى الله تعالى
عليه وآله وسلم ذا العشيرة في جمادى الأخرى على رأس ستة عشر شهرا من مهاجره
في خمسين ومائة وقيل مائتين من المهاجرين على ثلاثين بعيرا يعتقبونها وحمل
لواءه حمزة بن عبد المطلب واستخلف على المدينة أبا سلمة المخزومى يطلب عيرا
لقريش التي كانت وقعة بدر بسببها حين رجعت من الشام فبلغ ذا العشيرة من بطن
ينبع وبين المدينة وينبع سبعة برد فوجد العير قد مضت الى الشام قبل ذلك
بأيام فوادع بنى مدلج وحلفاءهم من بنى ضمرة ثم رجع ولم يلق كيدا وفي صحيح
البخارى عن زيد بن أرقم انها أوّل الغزوات وهو خلاف المشهور عن أهل النقل
وجمع بينهم بأن زيدا زاد أوّل ما غزوت أنا معه ويضعفه رواية مسلم قلت فما
أوّل غزوة غزاها قال ذات العشيرا أو العشيرة والله اعلم قال ابن اسحق وقد
كان بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فيما بين ذلك من غزوة سعد
بن ابى وقاص في ثمانية رهط من المهاجرين حتى بلغ الخرار من أرض الحجاز ثم
رجع ولم يلق كيدا. ثم خرج صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في طلب كرز بن
جابر الفهري وكان اغار على سرح المدينة وانتهى فيها الى واد يقال له سفوان
من ناحية بدر وفاته كرز بن جابر وتسمى بدرا الاولى وفي مرجعه منها بعث ابن
(العشيرة) بالتصغير واعجام الشين ووقع في رواية الصحيحين بحذف الهاء قال
السهيلى والصواب بالهاء (برد) جمع يريد في الاصل البريد الرسول ثم استعمل
في المسافة التى يقطعها وهى اثني عشر ميلا (أبا سلمة المخزومى) اسمه عبد
الله بن عبد الاسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي أحد
السابقين الي الاسلام (عيرا) بالكسر الاصل الابل تحمل الميرة ثم غلب
استعماله فاطلق على كل قافلة (الخرار) بمعجمة مضمومة على ما في القاموس
ومفتوحة على ما في المعجم والنهاية فراء آخره قال ياقوت موضع بالحجاز قرب
الجحفة وقيل واد من أودية المدينة (ثم خرج صلى الله عليه وسلم) أي ولم يقم
بالمدينة حين قدم من غزوة العشيرة الا ليالى قلائل لا تبلغ العشر قاله ابن
اسحاق واستعمل على المدينة زيد بن حارثة فيما قال ابن هشام (في طلب كرز)
بضم الكاف وسكون الراء وبالزاي (ابن جابر الفهري) نسبة الي جده الاعلى فهر
بن مالك بن النضر كان من رؤساء المشركين ثم أسلم وصحب وامر على سرية
واستشهد في غزوة فتح مكة (سرح المدينة) بفتح السين وسكون الراء وبالحاء
المهملات الابل والمواشى التى تسرح للرعي بالغداة (سفوان) بفتح المهملة
والفاء (وتسمى بدرا الاولى) وسماها ابن اسحاق غزوة سفوان باسم المكان الذي
انتهى اليه صلى الله عليه وآله وسلم (وفي مرجعه منها) أى من سفوان في رجب
فيما حكاه ابن
(1/178)
عمته عبد الله بن جحش الاسدي في ثمانية رهط
من المهاجرين وكتب له كتابا أمره فيه أن ينزل ببطن نخلة بين مكة والطائف
فيرصد بها عير قريش ولا يستكرهن أحدا من أصحابه وقال له لا تفتح الكتاب حتى
تسير يومين فمضى عبد الله ومعه أصحابه لم يتخلف أحد منهم الا ان سعد بن أبي
وقاص وعتبة بن غزوان تخلفا فوق الفرع في طلب بعير لهما أضلاه ولما نزلوا
بنخلة مرت بهم عير لقريش تحمل تجارة وفيها عمرو بن الحضرمي وثلاثة معه
فقتلوا ابن الحضرمي وأسروا اثنين وفروا حدو ذلك آخر يوم من جمادى وكانوا
يرون انه من جمادى وهو من رجب وكان ذلك أوّل قتل وأسر في المشركين وأوّل
غنيمة في الاسلام فقال المشركون قد استحل محمد الشهر الحرام وعيروا
المسلمين بذلك فشق ذلك على رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ووقف
العير والاسيرين حتى نزل قوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ
الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ الآية فقسم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم الغنيمة
ووقف الاسيرين حتى قدم سعد وصاحبه وفاداهم. ثم غزا اسحاق وقيل في جمادى
الآخرة على رأس سبعة عشر شهرا من مهاجره (في ثمانية رهط) وهم أبو حذيفة بن
عتبة العبشمى. وعكاشة بن محصن الاسدي. وعتبه بن غزوان. وسعد بن أبي وقاص.
وعامر بن ربيعة. وواقد بن عبد الله. وخالد بن البكير. وسهل بن البيضاء.
وجميعهم (من المهاجرين) وقيل اثنا عشر رجلا حكاه في المواهب ليس فيهم من
الانصار أحد يعتقب كل اثنين منهم بعيرا (تخلفا فوق الفرع) وفي السيرة حتي
اذا كان بمعدن فوق الفرع يقال له بحران (تحمل تجارة) في السيرة والمواهب
تحمل زبيبا وادما وزاد ابن هشام وتجارة (ابن الحضرمى) بمهملة ومعجمة ساكنة
قال ابن هشام واسم الحضرمى عبد الله بن عباد (وثلاثة معه) وهم عثمان بن عبد
الله بن المغيرة وأخوه نوفل بن عبد الله المخزوميان والحكم بن كيسان مولى
هشام بن المغيرة (فقتلوا ابن الحضرمى) رماه واقد بن عبد الله التميمى بسهم
فقتله (وأسروا اثنين) عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان (وفرواحد) وهو
نوفل بن عبد الله (آخر يوم من جمادى) الآخرة وفي السيرة وذلك في آخر يوم من
رجب ويقال أوّل يوم من شعبان (فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم)
لان القتال وقع في الشهر الحرام قال ابن اسحاق فلما قدموا على رسول الله
صلى الله عليه وسلم المدينة قال ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام (ووقف
العير والاسيرين) ليتبين له الحكم في ذلك من ربه (فقسم صلي الله عليه وآله
وسلم الغيمة) أى بعد نزول الآية (وقف الاسيرين) قال ابن هشام وبعثت اليه
قريش في فداء عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لانفديكموهما حتي يقدم صاحبانا يعني سعد بن أبي وقاص وعتبة بن
غزوان فانا نخشاكم عليهما فان قتلتموهما فقتل صاحبيكم فقدم سعد وعتبة
ففداهما رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم فاما الحكم فاسلم فحسن اسلامه
وأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل يوم بئر معونة شهيدا وأما
عثمان بن عبد الله فلحق بمكة فمات بها كافرا
(1/179)
النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
[مطلب فى غزوة بدر الكبري والكلام عليها تفصيلا]
غزوة بدر الكبرى وهي الرابعة من غزواته وكانت وقعتها يوم الجمعة السابع عشر
من رمضان وذلك على رأس سنة من الهجرة وثمانية أشهر وسبع عشرة ليلة وثبت في
عدد المسلمين فيها ما رواه المحدثون في كتبهم واللفظ للبخاري عن البراء بن
عازب قال كنا أصحاب محمد نتحدث ان عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين
جاوزوا معه ولم يجاوز معه مؤمن الا بضع عشرة وثلاثمائة فسر البضع هنا
بأربعة فمن المهاجرين ثلاثة وثمانون رجلا وبقيتهم من الانصار فمن سائر بطون
الاوس ابن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر احد وستون ومن سائر بطون الخزرج
بن حارثة مائة وسبعون وعد منهم من ضرب له رسول الله صلى الله تعالى عليه
وآله وسلم بسهمه وأجره ولم يحضرها فجعله كمن حضرها وكان معهم ثمانون بعيرا
يعتقبونها وفرس واحد للمقداد بن الاسود قيل وآخران للزبير وابي مرثد الغنوي
وعدد المشركين ما بين التسع المائة والالف (غزوة بدر الكبرى) وتسمى العظمى
وبدر الثانية وبدر القتال لوقوعه فيها دون الاولى والثانية وتسمى أيضا بدر
الفرقان وهى قرية مشهورة بين مكة والمدينة على نحو أربع مراحل من المدينة
قاله النووى في تهذيب الاسماء واللغات وفي معجم ما استعجم للبكرى على
ثمانية وعشرين فرسخا من المدينة يذكر ولا يؤنث جعلوه اسم ماء وفي المعجم
لياقوت بدر بالفتح ثم السكون ماء مشهور بين مكة والمدينة أسفل وادي الصفراء
(وهى الرابعة من غزواته) التي غزاها صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه. قال في
المواهب وكان خروجهم يوم السبت وعند ابن سعد يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة
خلت من رمضان على رأس تسعة عشر شهرا ويقال لثمان خلون منه قاله ابن هشام
واستخلف أبا لبابة وقيل رفاعة بن عبد المنذر الاوسى رده من الروحاء واليا
على المدينة قاله ابن اسحاق وقال الحاكم لم يتابع على ذلك وقال ابن هشام
واستعمل على الصلاة ابن أم مكتوم وقال ابن القيم استخلفه على المدينة
والصلاة معا حتى رد أبا لبابة من الروحاء (وكانت وقعتها يوم الجمعة) أي
القتال (بضع عشرة وثلاثمائة) هذا هو المشهور عند ابن اسحاق ورواه أحمد
والبزار والطبرانى عن ابن عباس وللطبرانى والبيهقي عن أبي أيوب قال خرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم الى بدر فقال لاصحابه تعادوا فوجدهم ثلاثمائة
وأربعة عشر رجلا ثم قال لهم تعادوا فتعادوا مرتين فأقبل رجل على بكر له
ضعيف وهم يتعادون فتمت العدة ثلاثمائة وخمسة عشر وفي حديث عمر عند مسلم
ثلاثمائة وتسعة عشر فمن المهاجرين ثلاثة وثمانون رجلا ذكرهم ابن اسحاق
بأسمائهم وحلفائهم ومواليهم فبلغوا ذلك وزاد ابن هشام ثلاثة وسردهم وعند
الواقدي خمسة وثمانين رجلا ولاحمد والبزار والطبراني عن ابن عباس ان
المهاجرين ببدر كانوا سبعة وسبعين قال من تعقب ذلك فلعله لم يذكر من ضرب له
بسهم ممن لم يشهدها حسا وقال الداودي كانوا على التحرير أربعة وثمانين
ومعهم ثلاثة أفراس (وبقيتهم من الانصار) قال في المواهب وخرجت معه
(1/180)
قيل تسعمائة وخمسون وكان معهم ثمانون فرسا
وجملة من استشهد بها من المسلمين أربعة عشر رجلا ستة من المهاجرين وثمانية
من الانصار وقتل من المشركين سبعون وأسر سبعون وتلخيص خبرها على ما ذكر ابن
اسحق وغيره ان النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم سمع بأبى سفيان صخر بن
حرب خرج في تجارة الى الشام معه ثلاثون او أربعون رجلا فلما فاتته فى
ذهابها طمع بها في إيابها وجعل العيون عليها فحين جاءه عينه بسيسة بن عمرو
الجهنى بخبرها خرج بمن خف معه من المسلمين واستعمل على الصلاة ابن أم مكتوم
وعلى المدينة أبا لبابة ودفع لواءه وكان أبيض الى مصعب بن عمير العبدري
وكان له رايتان سوداوان إحداهما مع علي رضى الله عنه والأخرى بيد رجل من
الانصار ثم ان أبا سفيان لما قارب الحجاز اشتد خوفه وجعل يتجسس الاخبار
فلما أخبر بمخرج النبى صلى الله عليه وآله وسلم بعث الى قريش يستنفرهم
فأوعبت قريش في الخروج فلم يتخلف من بطونها أحد الا بنو عدى ولا من أشرافها
الا ان أبا لهب استأجر مكانه العاص بن هشام بن المغيرة فقتل العاص فيمن قتل
ولم تمتد حياة أبى لهب بعده رماه الله بالعدسة بعد مصاب أهل بدر بليال ولما
كان النبى صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق وصح له نفير قريش استشار أصحابه
في طلب العير وحرب النفير وكانت العير أحب اليهم كما قال الله تعالى
وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ فتكلم أبو بكر
فأعرض عنه ثم عمر فأعرض كذلك ثم المقداد فأحسن القول وأجاده وهو في كل ذلك
يقول أشيروا وانما يريد الانصار لانهم العدد الكثير وأيضا فكان يتخوف منهم
انهم لا يرون نصرته الا على من دهمه بالمدينة كما هو في أصل بيعتهم ليلة
العقبة وكان اذ ذاك الايمان قد تمكن في قلوبهم وتحققوا وجوب طاعته فلو
أمرهم بقتل آبائهم وأبنائهم لفعلوا فقام سعد بن عبادة وقال ايانا تريد يا
رسول الانصار ولم تكن قبل ذلك خرجت معه (بسيسة) بضم الموحدة وبمهملتين
بينهما تحتية ساكنة (يستنفرهم) الاستنفار طلب النصرة من الناس لينفروا معه
الى مقصده ويساعدوه فيما ندبهم اليه (بالعدسة) بعين مهملة هي بثرة تشبه
العدسة قل ان يسلم من يصاب بها يقال انها تشبه الطاعون والصحيح انها الجدري
(وتودون أن غير ذات الشوكة) أي ترغبون ان تصادفوا العير لا الخيل التى خرجت
لتدفع عنه كما مر (كما هو في أصل بيعتهم ليلة العقبة) قال أهل السير قالوا
يا رسول الله انا نبرأ من ذمامك حتى تصل الى ديارنا فاذا وصلت الينا فانت
في ذمامنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا فلما استشهارهم أجابوه أحسن
جواب بالموافقة التامة رضى الله عنهم قال النووي ففيه استشارة الاصحاب وأهل
الرأي والخبرة (فقام سعد بن عبادة وقال الى آخره) للبغوي وغيره سعد بن معاذ
وجمع بينهما بانهما قالا ذلك يومئذ (ايانا)
(1/181)
الله والذى نفسى بيده لو أمرتنا ان نخيضها
البحر لاخضناها ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها الى برك الغماد لفعلنا فسر رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله ونشطه ثم قال سيروا على بركة الله
وابشروا فان الله وعدنى احدى الطائفتين والله لكانى أنظر الآن الى مصارع
القوم ولما نزل صلى الله عليه وآله وسلم بدرا وكان بالعدوة الدنيا وهو شفير
الوادى الادنى الى المدينة والمشركون بالعدوة القصوى وهو شفير الوادى
الاقصى من المدينة وكان الركب حينئذ أسفل منهم الى ساحل البحر على ثلاثة
اميال من بدر ولا علم عند أحد منهم بالآخر وقد حجب الوادى بينهم. وأوّل
العلم بهم ماورد في صحيح مسلم أنها وردت عليهم روايا قريش وفيهم غلام أسود
لبني الحجاج فأخذوه فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسئلونه
عن أبى سفيان وأصحابه فيقول مالى علم بأبى سفيان ولكن هذا أبو جهل وعتبة
وشيبة وأمية بن خلف في الناس فاذا قال ذلك ضربوه فقال نعم انا أخبركم هذا
أبو سفيان فاذا تركوه فسئلوه قال مالى بأبى سفيان علم ولكن هذا أبو جهل
وعتبة وشيبة وامية بن خلف فاذا قال هذا ضربوه ورسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم قائم يصلي فلما رأى ذلك انصرف وقال والذي نفسى بيده لتضربونه اذا
صدقكم وتتركونه اذا كذبكم وروى انهما غلامان وان النبى صلى الله عليه وسلم
حين أخبراه قال لاصحابه هذه مكة قد ألقت اليكم افلاذ كبدها وكان النبي صلى
الله عليه وسلم حين نزل بدرا نزل على أدنى ماء الى العدوة وترك المياه كلها
خلفه بمشورة استفهام حذفت اداته (ان نخيضها) يعني الخيل (برك الغماد) بفتح
الموحدة وكسرها وسكون الراء والغين معجمة مكسورة ويجوز ضمها موضع من وراء
مكة بخمس ليال من ناحية الساحل وقيل بثمان وقيل موضع في اقاصي هجر وقيل
مدينة بالحبشة كما مر آنفا قال النووى وقال ابراهيم الحربى برك الغماد
وسمفات هجر كناية يقال فيما تباعد (الى مصارع القوم) أي مواضع سقوطهم قتلى
(وأوّل العلم بهم ما في صحيح مسلم) وسنن أبي داود من حديث أنس (روايا قريش)
جمع رواية وهي في الاصل البعير الذي يسقى عليه ثم استعمل توسعا في غيره
(انصرف) أي سلم من صلاته (والذي نفسى بيده) فيه انه لا بأس بالحلف على
تأكيد أمر وقد جمع بعضهم حلفه صلى الله عليه وآله وسلم على مثل هذا فناف
على ثمانين (فيهم غلام اسود لبني الحجاج) سماه ابن سيد الناس في سيرته أسلم
وكان حبشيا عده ابن شاهين في الصحابة (وروي) في كتب السير (انهما غلامان)
واسم الثانى عريص أبو يسار غلام بني العاص بن سعيد كما في سيرة ابن اسحاق
(لتضربونه اذا صدقكم وتتركونه اذا كذبكم) فيه معجزة له صلى الله عليه وسلم
(أفلاذ كبدها) بالفاء والمعجمة وأصل الفلذة القطعة من كبد البعير قاله ابن
السكيت وقال غيره القطعة من اللحم (بمشورة)
(1/182)
الحباب بن المنذر وبنى له عريش يستظل فيه
بمشورة سعد بن معاذ ولما أصبحت قريش ارتحلت فلما رآها النبى صلى الله عليه
وآله وسلم نصوب من العقنقل وهو الكثيب المتراكم الذي هبطوا منه الى الوادي
قال اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك اللهم
فنصرك الذي وعدتنى اللهم احنهم الغداة اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل
الاسلام لا تعبد في الارض وما زال يهتف بربه مادا يديه حتى سقط رداؤه. وفي
صحيح البخارى ان أبا بكر أخذ بيده فقال حسبك يا رسول الله فقد ألححت على
ربك وهو في الدرع فخرج وهو يقول سيهزم الجمع ويولون الدبربل الساعة موعدهم
والساعة أدهى وأمر. وروى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا مصرع
فلان ويضع يده على الارض هاهنا وهاهنا فما ماط أحد عن موضع يد رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يعدّل الصفوف وأمر
أصحابه أن لا يحملوا حتى يأمرهم وقال اذا أكثبوكم فعليكم بالنبل واستبقوا
نبلكم ثم رجع الى العريش ومعه أبو بكر فخفق خفقة ثم انتبه فقال يا أبا بكر
أتاك نصر الله هذا باسكان المعجمة وفتح الواو وبضم المعجمة وسكون الواو
(والحباب) بضم المهملة وتخفيف الباء الموحدة (ابن المنذر) ابن الجموح بن
زيد السلمي بفتحتين من بنى سلمة يكني أبا عمرو قال ابن عبد البر شهد بدرا
ومات فى خلافة عمر رضى الله عنه (تصوب) بفتح الفوقية والمهملة والواو
المشددة أصله تتصوب (من العقنقل) بمهملة قافين مفتوحات وبينهما نون ساكنة
أصله كل رمل منعقد (يحادك) يشاقك وخالفك (اللهم فنصرك) بالفتح على المصدر
(اللهم احنهم) أي أهلكهم والحين الهلاك (اللهم ان تهلك) بفتح أوله ورفع
العصابة وبضمه ونصبها (وما زال يهتف) بكسر المثناة فوق أي يصيح ويستغيث
بالدعاء وكان ذلك الدعاء مع استقبال القبلة (مادا يديه) كما في الصحيحين
وغيرهما ففيه استحباب الاستقبال للدعاء ورفع اليدين وأنه لا بأس برفع الصوت
في الدعاء (ان أبا بكر أخذ بيده الى آخره) قال أحمد بن محمد بن ابراهيم
الخطابي لا يجوز ان أحد يتوهم ان أبا بكر كان أوثق بربه من النبي صلى الله
عليه وآله وسلم في تلك الحال بل الحامل له على ذلك شفقته على أصحابه وتقوية
قلوبهم لانه كان أوّل مشهد شهدوه فبالغ في التوجه والابتهال لتسكن نفوسهم
عند ذلك لانهم كانوا يعلمون ان وسيلته مستجابة فلما قال أبو بكر ما قال علم
انه أستجيب له لما وجد عند أبي بكر من القوة والطمأنينة فكف عن ذلك (حسبك)
أي كفاك وهو كذلك في رواية مسلم (فما ماط) بالمهملة أي ما عدل ففيه معجزة
له صلى الله عليه وسلم (اذا أكثبوكم) بمثلثة فموحدة أي قربوا منكم ولابي
داود يعنى غشوكم بمعجمتين قال في التوشيح وهو أشبه بالمراد (واستبقوا)
بسكون الموحدة أمر من الاستبقاء أى طلب
(1/183)
جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه
النقع وفي رواية عليه اداة الحرب ولما تزاحف الناس ودنا بعضهم من بعض قال
أبو جهل اللهم اقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرف فاحنه الغداة فكان هو
المستفتح على نفسه وآخر ذلك أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حفنة من
الحصباء ورماهم بها وقال لاصحابه شدوا فكانت الهزيمة ولما فرغ رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم من أمرهم أسرا وقتلا قال النبى صلى الله عليه وآله
وسلم من ينظر لنا ما صنع أبو جهل فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا
عفراء حتى برد البقي أي لا تبادروا بالرمي حتى يقربوا منكم لئلا تضيع
النبال في غير فائدة (بعنان) بكسر العين الحبل الذي يربط في اللجام من
الجانبين (فرسه) اسمه حيزوم وكان ذكرا كما يدل عليه سياق الحديث والتي تقدم
بها قبل فرعون كانت انثي وانما جاء راكبا ليكون على عادة امداد الجيوش
رعاية لصور الاسباب كما سيأتي عن السبكى (النقع) بنون فقاف ساكنة فمهملة أي
الغبار (اداة) الحرب بفتح الهمزة وتخفيف المهملة أي آلتها (اللهم اقطعنا)
أي من كان اقطعنا كما في تفسير البغوى وغيره (وآتانا) بمد الهمزة على وزن
أفعلنا للتفضيل (وكان هو المستفتح على نفسه) في الحقيقة لانه دعا على
الاقطع للرحم والآتى بما لا يعرف وهذا الوصف له لا لرسول الله صلى الله
عليه وسلم وان كان اراده في دعائه فأنزل الله عز وجل «إِنْ تَسْتَفْتِحُوا»
أي تستنصروا «فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ» أى النصر وقيل الخطاب في الآية
للمسلمين وذلك انهم كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم الا تدعو
تستنصر لنا كما في حديث خباب رضي الله عنه (حفنة) بفتح المهملة واسكان
الفاء ما علا الكفين من تراب عليه في تفسير البغوي وغيره من الحصا وفيه ان
ذلك كان باشارة جبريل حين دعاه صلى الله عليه وسلم قل له خذ قبضة من تراب
فارمهم بها (ورماهم بها) زاد البغوى وغيره وقال شاهت الوجوه أي قبحت فلم
يبق منهم مشرك الا دخل في عينيه وفمه ومنخريه منها شئ وقال قتادة بن زيد
ذكر لنا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ يوم بدر ثلاث حصيات فرمي
بحصاة في ميمنة القوم وحصاة في مسيرة القوم وحصاة في اظهرهم وقال شاهت
الوجوه فانهزموا ونزل قوله تعالى وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ أى ما بلغت
اذ رميت بقوتك لان ذلك ليس في وسعك وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى أي بلغ وقيل وَما
رَمَيْتَ بالرعب في قلوبهم إِذْ رَمَيْتَ بالحصا وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى
بالرعب في قلوبهم حتي انهزموا (من ينظر لنا ما صنع أبو جهل) أى هل قتل أم
لا اللهم لا يعجزنك كما في سيرة ابن اسحاق عن عبد الله بن أبى بكر عن معاذ
بن أبي عمرو بن الجموح قال معاذ فلما سمعتها جعلتها من شأني فعمدت نحوه
فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه قال فضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي
فتعلقت بجلدة من جنبي فاجهضتني وتمطيت بها حتى طرحتها ثم مر بأبي جهل وهو
عقير معوذ بن عفراء وهو أخو الاول فضربه حتى أثبته وتركه وبه رمق (فوجده قد
ضربه ابنا عفراء) المذكوران آنفا (حتي برد) بفتح الموحدة والراء أى مات أو
حتى صار في حالة من سيموت وقيل معناه فتر وفي رواية لمسلم برك بالكاف أي
سقط على
(1/184)
فأخذ بلحيته وقال أنت أبو جهل فقال وهل فوق
رجل قتلتموه أو قال قتله قومه رواه الشيخان وفي رواية لهما قال فلو غير
أكار قتلنى وروى انه قال لابن مسعود لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا
قال ابن مسعود ثم احتززت رأسه ثم جئت به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فقلت يا رسول الله هذا رأس عدو الله أبى جهل فقال آلله الذي لا إله غيره
وكانت يمين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت نعم والله الذي لا إله
غيره ثم ألقيت رأسه بين يديه فحمد الله تعالى وممن تبارز يومئذ حمزة وعلي
وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب وعتبة وشيبة بنا ربيعة والوليد بن عتبة
فقتل حمزة رضي الله عنه شيبة وعلي رضي الله عنه الوليد واختلف بين عبيدة
وعتبة ضربتان كلاهما أثبت صاحبه فكر حمزة وعلي على عتبة فذففا عليه واحتملا
عبيدة وقد قطعت رجله فقال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الارض (فأخذ
بلحيته) إهانة له وفي سيرة ابن اسحاق أنه وضع رجله على عنقه وقال هل أخزاك
الله (وقال أنت) بالاستفهام (أبو جهل) كذا للمستملى في صحيح البخارى
والثابت في أكثر النسخ أبا جهل قال في التوشيح وهو علي لغة كنانة أو منصوب
بأعني أو بالنداء أي أنت المقتول يا أبا جهل أقوال أصحها الثالث (وهل فوق
رجل قتلتموه) أي لا عار على قتلكم إياي (أو قال قتله قومه) شك من التيمى
زاد ابن اسحاق ثم قال أخبرنى لمن الدائرة قال قلت لله ولرسوله (فلو غير
أكار قتلني) جواب لو محذوف أي لكان أحب الي والاكار الفلاح والزراع وهو عند
العرب ناقص أشار الى أن الذين قتلوه من الانصار وهم أصحاب نخل وزرع (وروي
أنه قال لابن مسعود لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا) ذكره ابن اسحاق
في السيرة قال السهيلي وهو يعارض ما وقع في سيرة ابن شهاب وفي مغازى ابن
عقبة أن ابن مسعود وجده جالسا لا يتحرك ولا يتكلم فسلبه درعه فاذا في بدنه
نكت سود مثل سبيعة البيضة وهو لا يتكلم فاخترط سيفه يعني سيف أبي جهل فضرب
به عنقه ثم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين احتمل رأسه اليه عن تلك
النكت السود التي رآها في بدنه فاخبره الرسول صلى الله عليه وسلم ان
الملائكة قتلته وأن تلك آثار ضرب الملائكة له (آلله الذي لا اله غيره)
بهمزة ممدودة للاستفهام والهاء مكسورة بتاء القسم المقدرة (وكانت) هذه
اليمين (يمين) بالنصب خبر كانت (فحمد الله) سرورا بقتله (وممن تبارز يومئذ
الى آخره) كان سبب المبارزة كما ذكره ابن اسحاق ان عتبة وشيبة والوليد دعوا
الى المبارزة فخرج اليهم عوف ومعوذ بنا عفراء وعبد الله بن رواحة فقالوا من
أنتم فقالوا رهط من الانصار فقالوا حين انتسبوا أكفاء كرام ثم طلبوا ان
يخرج اليهم أكفاؤهم من قومهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا
عبيدة بن الحارث ويا حمزة بن عبد المطلب ويا على بن أبي طالب فلما دنوا
قالوا من أنتم فذكروا قالوا نعم أكفاء كرام (وعبيدة بن الحرث بن عبد
المطلب) صوابه ابن المطلب كما سبق ذكره (اثبت) فعل ماض من الاثبات أى ترك
كل واحد صاحبه لا يتحرك ولا يزول من موضعه (وقد قطعت رجله) زاد
(1/185)
ألست شهيدا قال بلى فقال عبيدة لو كان أبو
طالب حيا لعلم أنا أحق بما قال منه حيث يقول
ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن ابنائنا والحلائل
وكان أبو ذر يقسم قسما ان هذه الآية نزلت فيهم (هذان خصمان اختصموا في
ربهم) قال علي رضي الله عنه وأرضاه انا أوّل من يجثو بين يدي الرحمن عز وجل
للخصومة يوم القيامة رواه البخاري وفيه ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم
أمر بأربعة وعشرين رجلا فقذفوا في القليب وكان اذا ظهر على قوم أقام
بالعرصة ثلاث ليالي فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها ثم
مشى واتبعه أصحابه وقالوا ما نراه ننطلق الا لبعض حاجته حتى قام على شفير
الركي فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم ويقول أيسركم انكم أطعتم الله
ورسوله فانا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا فقال
عمر يا رسول الله ابن اسحاق ومخها يسيل (الست شهيدا) كانه أيقن ان موته
فيها لما يجده من الالم وعرف انه لا يموت فيها الآن بل بعد انقضاء الحرب
فسأل هل يكون ذلك شهادة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بلي) وكان موته
بالصفراء كما سبق. قال ابن عبد البر ويروى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
لما نزل مع أصحابه بالمأزمين قال له أصحابه انا نجد ريح مسك فقال وما
يمنعكم وهاهنا قبر أبى معاوية يعنى عبيدة رضى الله عنه (لعلم أنا أحق منه)
لانا مؤمنون وهو غير مؤمن
(ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل
هذا البيت معطوف على الذي قبله
كذبتم وبيت الله نبزي محمدا ... ولما نطاعن دونه ونناضل
(كان أبوذر يقسم قسما ان) بكسر الهمزة (هذان خصمان اختصموا في ربهم) أي
جادلوا في دينه وأمره والخصم اسم شبيه بالمصدر فلذلك قال اختصموا بلفظ
الجمع وقال ابن عباس وقتادة نزلت الآية في المسلمين وأهل الكتاب وقيل هم
المؤمنون والكافرون كلهم وقيل هما الجنة والنار (أنا أوّل من يجثو) بالجيم
والمثلثة أى يقعد على ركبتيه مخاصما قال في التوشيح والمراد بهذه الاولية
تقييده بالمجاهدين لان هذه أوّل مبارزة وقعت في الاسلام (فقذفوا) أي رموا
(فى القليب) بالقاف وهي البئر التى لم تطو. قال الواقدى وكان حفرها رجل من
بنى النار فناسب ان يلقى فيها هؤلاء الكفار (ما نراه) بضم النون أى نظن
(على شفير الركى) أى على طرف البئر وفي بعض نسخ البخارى شفة الركي وهو بفتح
الراء وكسر الكاف وتشديد آخره البئر التى لم تطو وفي صحيح البخارى قيل ذلك
انهم القواطوي وهي البئر التي طويت وبنيت بالحجارة قال في التوشيح والجمع
بين ذكر اللفظين فيما يظهر من تصرف الرواة (فجعل يناديهم باسمائهم واسماء
آبائهم) يا أبا جهل بن هشام يا أمية بن خلف يا عتيبة بن ربيعة يا شيبة بن
ربيعة (فقال عمر) مستفيدا لا معترضا
(1/186)
ما تكلم من اجساد لا أرواح فيها فقال النبى
صلى الله عليه وسلم والذي نفس محمد بيده ما أنتم باسمع لما أقول منهم قال
قتادة أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما وروى
ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قيل له بعد الهزيمة هذه العير ليس دونها
شيء فانهض في طلبها فناداه العباس وهو أسير لا يصلح ذلك فقال له النبي صلى
الله عليه وآله وسلم ولم ذاك قال لان الله وعدك احدى الطائفتين وقد أعطاك
ما وعدك فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم صدقت. ولما انتصر النبي صلى
الله عليه وآله وسلم بعث عبد الله بن رواحة وزيد بن حارثة الى المدينة
يبشران قال أسامة فأتانا الخبر حين سوينا على رقية ابنة رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم التراب ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
راجعا فلما كان بمضيق الصفراء قسم النفل ولما كان بالروحاء لقيه المسلمون
يهنونه وأمر بقتل النضر بن الحارث بالصفراء وبقتل عقبة بن أبى معيط بعرق
الظبية وقدم النبى صلى الله عليه وآله وسلم قبل الاسارى بيوم ولما قدم
بالأسارى فرقهم بين الصحابة وقال استوصوا بهم خيرا واستمر فداؤهم على أربعة
آلاف درهم ومنهم من نقص عنه ومنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على
بعضهم بغير فداء والله أعلم.
(فصل) واعلم ان بدرا ملحمة شريفة عظيمة من ملاحم الجنة العظام وأوّل فتح
(ما تكلم من أجساد لا أرواح فيها) أي فما الفائدة في ذلك (ما أنتم باسمع
لما أقول منهم) زاد مسلم غير انهم لا يستطيعون ان يردوا على شيأ ففيه تحقيق
سماعهم ولا تعارض بينه وبين قوله تعالى فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى
قال القرطبي في التذكرة لانه جائز ان يكونوا يسمعون في وقت ما أوفي حال ما
فان تخصيص العموم ممكن وصحيح اذا وجد مخصص وقد وجد هنا على ان المراد
بالموتي في الآية الكفار مجازا فلا تعارض فيها أصلا (وقال قتادة) هو ابن
دعامة بكسر المهملة وفتحها السدوسي المفسر (بمضيق الصفراء) بفتح الميم وكسر
المعجمة واسكان التحتية أي بالقرب منها (النفل) بفتح النون والفاء وهو لغة
الزيادة سميت الغنائم نفلا لانها زيادة من الله تعالى لهذه الامة خاصة
(وأمر بقتل النضر بن الحرث بالصفراء) فضرب عنقه عامر بن ثابت بن أبي الافلح
وقيل عاصم أخوه ذكره ابن عبد البر وغيره (بعرق الظبية) بضم المعجمة واسكان
الموحدة ثم تحتية قال الواقدي هى من الروحاء على ثمانية أميال مما يلي
المدينة (واستمر فداؤهم على أربعة آلاف درهم) وقال ابن عبد البر وابن منده
وأبو نعيم وأوّل من فدى بذلك يومئذ أبو وداعة بن ضميرة بن سعيد*
(فصل) واعلم ان بدرا (ملحمة) بفتح الميمين والمهملة واسكان اللام وهي موضع
القتال العظيم
(1/187)
للمسلمين في غزوة الاسلام وأوّل قتال
الملائكة عليهم أفضل الصلاة والسلام وفض عناد قلوب المشركين صدمتها حتى ورد
في صحيح البخاري انه لم يظهر عبد الله بن أبى ومن معه من المنافقين الاسلام
تقية الا بعدها وتظاهرت نصوص الكتاب والسنة على فضلها وعظم موقعها وفضل
شاهديها ومزاياهم على بقية الصحابة والله أعلم.
[مطلب فى خبر حاطب بن أبي بلتعة ومكاتبة لمشركي
قريش]
من ذلك قصة حاطب بن أبى بلتعة حيث كتب الى أهل مكة ينذرهم بمسير النبى صلى
الله عليه وآله وسلم عام الفتح فاستأذن عمر رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم في ضرب عنقه فقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم أليس هو من أهل بدر
لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة أو فقد
غفرت لكم فدمعت عين عمر وقال الله ورسوله أعلم. وعن أنس قال أصيب حارثة يوم
بدر وهو غلام فجاءت أمه الى النبى صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله
قد عرفت (وأوّل قتال الملائكة عليهم الصلاة والسلام) قال السبكى سئلت عن
الحكمة في قتال الملائكة مع النبى صلى الله عليه وآله وسلم مع ان جبريل
قادر على أن يدفع الكفار بريشة من جناحه فقلت وقع ذلك لارادة أن يكون الفعل
للنبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويكون الملائكة مددا على عادة مدد الجيوش
رعاية لصورة الاسباب التي أجراها الله في عباده والله تعالى فاعل الجميع
(وفض) بالفاء والمعجمة أى كسر (قلوب) مفعول (صدمتها) فاعل (تقية) بفتح
الفوقية وكسر القاف وتشديد التحتية أى خوفا (قصة حاطب) بالمهملتين (ابن أبى
بلتعة) بفتح الموحدة والفوقية والمهملة واسكان اللام. قال ابن عبد البر
واسم أبي بلتعة عمرو بن راشد بن معاذ اللخمى وكان حاطب حليفا لقريش ويقال
انه من مذحج وقيل هو حليف الزبير بن العوام وقيل بل كان عبدا لعبد الله بن
جميل شهد بدرا والحديبية مات سنة ثلاثين بالمدينة وهو ابن خمس وستين سنة
وصلى عليه عثمان (حيث كتب الي أهل مكة) ستأتي قصته ان شاء الله تعالى (لعل)
حرف ترج وهو هنا واجب وللحاكم من حديث أبى هريرة ان الله اطلع (اعملوا ما
شئتم) فقد سبقت لكم العناية ومن سبقت له العناية لا تضره الجناية فبشرهم
بحسن الخاتمة وكان الامر كذلك فلم يمت أحد منهم بحمد الله الا على أعمال
أهل الجنة تحقيقا لقوله (فقد وجبت لكم الجنة) وقد ثبت أنه لم يشهدها الا
مؤمن كما أنه لم يجاوز النهر مع طالوت الا مؤمن (فقد غفرت لكم) قال العلماء
معناه الغفران لهم في الآخرة والا فلو توجه على أحد منهم حد أقيم عليه في
الدنيا كما نقل عياض الاجماع عليه وضرب النبى صلى الله عليه وآله وسلم
مسطحا الحد وكان بدريا وأقامه عمر أيضا على بعضهم (فدمعت عينا عمر) يحتمل
أن يكون ذلك فرحا وأن يكون ذلك حزنا على مبادرته (حارثة) بالمهملة والمثلثة
هو ابن سراقة الانصاري استشهد يوم حنين كما سيأتي (وهو غلام) ليس المراد
أنه صبي بل العرب تطلق لفظ الغلام على غيره توسعا (أمه) هى الربيع بالتصغير
بنت النضر بن أنس بن مالك وأخت أنس بن النضر (قد عرفت) بتاء الخطاب
(1/188)
منزله حارثة منى فان يكن في الجنة فاصبر
واحتسب وان تكن الاخرى ترى ما أصنع فقال ويحك أو هبلت أو جنة هي واحدة انها
جنان كثيرة وانه في جنة الفردوس وعن رفاعة بن رافع الزرقي وكان بدريا قال
جاء جبريل عليه السلام الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما تعدون أهل بدر
فيكم قال من أفضل المسلمين أو كلمة نحوها قال وكذلك من شهد بدرا من
الملائكة وروى جميعها البخارى وكان عطاء البدريين في ديوان عمر خمسة آلاف
وقال عمر لأفضلنهم على من بعدهم وكان مدد فيها من الملائكة خمسة آلاف وقال
ابن عباس ومجاهد لم تقاتل الملائكة في معركة الا يوم بدر وفيما سواه يشهدون
القتال ولا يقاتلون انما يكونون عددا ومددا قيل كانت خيلهم يومئذ بلقا على
خلق فرس المقداد وكانت سيماهم عمائم صفرا وقيل بيضا قد أرسلوها بين أكتافهم
وعلموا بالعهن في نواصى الخيل وأذنا بها
[فصل: وسمى يوم بدر باسم المكان]
(فصل) وسمى يوم بدر باسم المكان الذي جرت فيه الوقعة وهو ماء معروف وقرية
عامرة على نحو أربع مراحل من المدينة قال ابن قتيبة هي بئر لرجل سمى باسمه
ومن (وإن تكن الاخري) هذا من جنس التصرف في العبارة (ويحك) من ذكرها وهى
هنا كلمة زجر (وهبلت) بضم الهاء وفتحها وكسر الباء الموحدة أي ثكلت. قال في
التوشيح وأصله موت الولد في الهبل وهو موضع الولد في الرحم فكان أمه وجع
هبلها بموت الولد فيه وفسره الداودي بجهلت ولا يعرف في اللغة (وعن رفاعة بن
رافع) ابن مالك بن عجلان بن عمرو (الزرقى) قال ابن عبد البر شهد بدرا
والمشاهد كلها وهو أخو خلاد ومالك ابنى رافع (وكان المدد فيها من الملائكة
خمسة آلاف) كان الامداد أولا بألف كما في سورة الانفال. قال البغوى فروي أن
قول جبريل في خمسمائة ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم خمسة آلاف كما في سورة آل
عمران قاله قتادة (ومجاهد) هو ابن جبير بفتح الجيم وقيل جبير المخزومى مولى
عبد الله بن السائب. قال ابن الانصاري رأي هاروت وماروت وكاد يتلف مات سنة
مائة على الصحيح عن ثلاث وثمانين سنة (بلقا) بضم الموحدة واسكان اللام
وبالقاف جمع ابلق وهو الذي بعضه أبيض وبعضه اسود (وكانت سيماهم) أي علامتهم
(عمائم) لا تنصرف وجعله المصنف خبر كان وسيماهم اسمها ويجوز عكسه (صفراء)
قاله هشام بن عروة والكلبي (وقيل بيضاء) قاله ابن عباس رضى الله عنهما وهو
الصحيح ويؤيده قول البغوى ويروي أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه
يوم بدر تسوموا فان الملائكة قد تسومت بالصوف الابيض في قلانسهم ومعافرهم
(وعلموا بالعهن) قاله قتادة والضحاك وهو بكسر العين المهملة واسكان الهاء
الصوف المندوف وعن مجاهد انهم جزوا أذناب خيلهم (فصل) وسمى يوم بدر (قال
ابن قتيبة) والشعبي (هي بئر لرجل يسمى بدرا) أي ابن مخلد بن النضر بن كنانة
وقيل بدر بن المحارب وقيل هي اسم البئر التى بها لاستدارتها ولصفاء مائها
فكان البدر يري فيها
(1/189)
أسمائه في الكتاب العزيز يوم الفرقان يوم
التقى الجمعان ويوم اللزام ويوم البطشة الكبرى والله أعلم* الخامسة بعد بدر
غزوة بنى قينقاع يهود المدينة رهط ابن سلام وكانوا أوّل ناقض للعهد من
اليهود فحاصرهم النبى صلى الله عليه وآله وسلم حتى نزلوا على حكمه فوهبهم
في أنفسهم لحليفهم عبد الله بن أبى وأخذ أموالهم وكان لعبادة بن الصامت
منهم من الحلف مثلما لعبد الله ابن أبى فتبرأ منهم قيل نزل فيه وفي ابن أبي
قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ
وَالنَّصارى أَوْلِياءَ الآية* السادسة غزوة السويق وسببها ان أبا سفيان
بعد بدر حلف ان لا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمدا فخرج في مائتي
راكب فلما كان على بريد من المدينة خرج فى الليل حتى أتى حيى بن اخطب فضرب
بابه فخافه وابى ان يخرج اليه فانصرف الى سلام بن مشكم فأطعمه وسقاه وحادثه
بالاخبار ثم خرج عنه واتى اصحابه فبعث رجالا منهم فوجدوا رجلا من الانصار
وحليفا له في حرث لهما فقتلوهما فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في طلبهم
واستعمل على المدينة أبا لبابة الانصارى وانتهى النبى صلى الله عليه وآله
وسلم الى قرقرة الكدر وفاته ابو سفيان وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم
اصاب اذوادا كثيرة مما طرحها ابو سفيان واصحابه يتخففون عنها اكثرها السويق
ولذلك سميت غزوة السويق* السابعة غزوة بنى سليم بالكدر على ثمانية برد من
المدينة وكان لواء النبي صلى الله عليه وسلم مع على عليه السلام واستخلف
على المدينة ابن أم مكتوم وغنم النبى صلى الله عليه وسلم فيها خمسمائة بعير
فقسم اربعمائة على الغانمين فأصاب كل واحد بعيرين واخذ صلى الله عليه وآله
وسلم مائة وكانت مدة غيبته عن المدينة خمس عشرة ليلة* الثامنة غزوة*
والخامسة (بني قينقاع) بفتح القافين واسكان التحتية وفتح النون وضمها يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى الآية
وقيل نزلت فيمن قال من المسلمين يوم بدر انا الحق بفلان اليهودي أو
النصراني وقيل نزلت في أبى لبابة* السادسة غزوة السويق (ان لا يمس رأسه ماء
من جنابة) هذا دليل على انهم كانوا في الجاهلية يغتسلون منها (حيى) بضم
الحاء المهملة وقد تكسر والتحتيتين على وزن أبى (أخطب) بالمعجمة فالمهملة
فالموحدة على وزن أحمد (فخافه) بالمعجمة أي خاف من رؤية مكروه (سلام)
بالتشديد على الصحيح (ابن مشكم) بكسر الميم واسكان المعجمة وفتح الكاف
(فاطعمه) الطعام (وسقاه) الخمر وكان سلام حمارا في الجاهلية (قرقرة) بالقاف
والمهملة المكررتين على وزن حيدرة والقرقرة الارض المطمئنة اللينة قاله في
القاموس* السابعة غزوة بني سليم بالتصغير (بالكدر) بضم الكاف واسكان
المهملة موضع على ثمانية برد من المدينة كما ذكره المصنف فيما بعد. قال
السهيلى والقرقرة أرض ملساء والكدر طير في
(1/190)
ذى امر وهي غزوة انمار بنجد يريد صلى الله
عليه وسلم غطفان واستعمل على المدينة عثمان بن عفان وأقام صلى الله عليه
وسلم بنجد شهر اثم رجع من غير قتال وهذه الاربع بعد بدر في بقية السنة
الثانية. وفيما بين ذلك سرية زيد بن حارثة وكان من حديثها ان قريشا بعد بدر
تجنبوا طريق الشام وسلكوا طريق العراق فبعث النبى صلى الله عليه وآله وسلم
زيد بن حارثة فلقى ابا سفيان في رفقة يحملون تجارة فيها فضة كثيرة فغنم زيد
ما في العير واعجزه الرجال هربا ففي ذلك يقول حسان يعير قريشا بأخذهم تلك
الطريق قال
دعوا فلجات الشام قد حال دونها ... جلاد كافواه المخاض الاوارك
بأيدى رجال هاجروا نحو ربهم ... وانصاره حقا وايدى الملائك
اذا سلكت للغور من بطن عالج ... فقولا لها ليس الطريق هنالك
وهنا ذكر ابن اسحق قتل كعب بن الطاى وأمه من بنى النضير وذكره غير واحد في
الثالثة قبل غزوة بني النضير وكان من حديثه ان النبى صلى الله عليه وسلم
لما انتصر ببدر اشتد حسده وبغضه وقدم مكة وجعل يحرضهم ويرثى من قتل منهم
[مطلب في الكلام على قتل كعب بن الأشرف وأبي
رافع بن أبى الحقيق]
ثم رجع المدينة فشبب بنساء المسلمين فقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم من
لكعب بن الاشرف فانه قد آذى الله ورسوله قال محمد ابن مسلمة يا رسول الله
اتحب ان اقتله قال نعم قال فاذن لى ان أقول شيئا قال قل فأتاه محمد بن
مسلمة ألوانها كدرة عرف بها ذلك الموضع* الثامنة (ذي أمر) بفتح الهمزة
والميم بعدها راء موضع من ديار غطفان خرج اليه رسول الله صلى الله عليه
وسلم لجمع محارب قاله ابن الأثير (أنمار) بفتح الهمزة واسكان النون (غطفان)
بفتح المعجمة والمهملة والفاء (فلجات) بالفاء والجيم جمع فلجة وهي الطريق
بين الجبلين كالفج (جلاد) بكسر الجيم أي قوة (المخاض) جمع ماخض وهي قريبة
العهد بالنتاج (الاوراك) نوع من الابل لونها أبيض (الغور) بفتح المعجمة
(عالج) بالمهملة والجيم موضع ذو كثب وهنا ذكر ابن اسحق (من لكعب بن الاشرف
فانه قد آذى الله ورسوله) أخرجه الشيخان وأبو داود لانه نقض عهد النبي صلى
الله عليه وآله وسلم وأعان عليه وبه قاله المازنى قال في التوشيح وفي
الاكليل للحاكم فقد آذانا شعره وقوي المشركين (فشبب بنساء المسلمين)
بالمعجمة والموحدة المكررة أي تغزل بهن وهجاهن في شعره وكان ممن شبب بها أم
الفضل زوج العباس في أبيات رواها يونس عن ابن اسحق (أتحب أن أقتله قال نعم)
زاد البغوى فمكث ثلاثا لا يأكل ولا يشرب الا ما تعلقت به نفسه فذكر ذلك
لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه فقال لم تركت الطعام والشراب قال يا
رسول الله انه لابد لنا من أن نقول قال قولوا ما بدا لكم فانتم في حل من
ذلك (فاتاه محمد بن مسلمة) هو وأصحابه زاد البغوي فمشى معهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم
(1/191)
فقال ان هذا الرجل قد سألنا صدقة وانه قد
أعيانا وانى قد أتيتك استسلفك قال وأيضا والله لتملنه قال انا قد اتبعناه
فلا نحب ان ندعه حتى ننظر الى أى شئ يصير شأنه وقد أردنا ان تسلفنا وسقا او
وسقين فقال نعم ارهنونى نساءكم قال كيف ترهنك نساءنا وانت اجمل العرب قال
فارهنوني ابناءكم قال كيف نرهنك ابناءنا فيسب احدهم فيقال رهن بوسق او
وسقين هذا عار علينا ولكن نرهنك اللامة يعني السلاح فواعده ان يأتيه فجاءه
ليلا ومعه أبو نائلة وهو أخو كعب من الرضاعة وأبو عبس بن جبر والحرث بن أوس
وعباد بن بشر فلما دعوه قالت امرأته أين تخرج هذه الساعة وقالت اسمع صوتا
كأنه يقطر منه الدم فقال انما هو أخي محمد بن مسلمة ورضيعى ابو نائلة ان
الكريم اذا دعى الى طعنة بليل لاجاب فنزل اليهم متوشحا وهو ينفح منه ريح
الطيب فقال محمد ما رأيت كاليوم ريحا أطيب قال كعب عندى اعطر نساء العرب
فقال أتأذن لي ان اشم راسك قال نعم فشمه ثم اشم اصحابه ثم قال أتأذن لي قال
نعم فلما استمكن منه قال دونكم فقتلوه واتوا النبي صلى الله عليه وسلم
واخبروه خرجه البخاري بهذا الى بقيع الغرقد ثم وجههم وقال انطلقوا على اسم
الله اللهم أعنهم ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في ليلة مقمرة
(فقال ان هذا الرجل الي آخره) في تفسير البغوي انهم قدموا أبا نائلة وان
الخطاب كان بينه وبينه فيحتمل ان الخطاب وقع له ولمحمد بن مسلمة أيضا
(أعيانا) أي أتعبنا. قال النووى هذا من التعريض الجائز بل المستحب لان
معناه في الباطن أدبنا بادب الشرع التى فيها تعب لكنها تعب في مرضاة الله
تعالى وهو محبوب لنا وفهم منه المخاطب العناء الذى ليس بمحبوب (والله
لتملنه) بفتح الفوقية والميم أي لتضجرن منه أكثر من هذا الضجر (وسقا أو
وسقين) بفتح الواو واسكان المهملة والوسق ستون صاعا (كيف نرهنك نساءنا وأنت
أجمل العرب) زاد ابن سعد ولا نأمنك وأي امرأة تمتنع منك لجمالك (ولكن نرهنك
اللأمة) بالهمز وأرادوا بذلك أن لا ينكر اذا جاؤا متسلحين (يعني السلاح)
كذا عن الازهري ان اللأمة السلاح كله وقيل هي الدرع فقط. وقد استدل البخاري
بذلك على جواز رهن السلاح من الحربي فقال باب رهن السلاح من الحربيين وساق
القصة واعترض عليه ابن بطال بانه ليس في قولهم نرهنك اللامة ما يدل على
جواز رهن الحربيين السلاح وانما ذلك من معاريض الكلام المباحة في الحرب
وغيره (أبو نائلة) بالنون والتحتية اسمه سلكان بن سلامة. قال ابن عبد البر
وسلكان لقب واسمه سعد (أخو كعب من الرضاعة) أي وأخو محمد بن مسلمة أيضا
(وأبو عبس بن جبر) بالجيم والموحدة اسمه عبد الرحمن وقيل عبد الله ويقال
ابن جابر. قال ابن عبد البر انصارى أوسى (قالت امرأته) اسمها عقيلة (اسمع
صوتا يقطر منه الدم) زاد البغوي وغيره وانك رجل محارب وان صاحب الحرب لا
يبرز في مثل هذه الساعة فكلمهم من فوق الحصن (فقال انما هو أخي محمد بن
مسلمة ورضيعى أبو نائلة) وان هؤلاء لو وجدوني نائما ما أيقظونى (ينفح)
بالفاء والمهملة (ان أشم) بفتح المعجمة (قال دونكم فقتلوه) لفظ البغوى ثم
قال اضربوا
(1/192)
المعنى وذكر بعده قتل ابى رافع عبد الله بن
ابى الحق تاجر اهل الحجاز وكان بخيبر وكان يؤذي رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم ويعين عليه فبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقتله رجالا من
الانصار وامر عليهم عبد الله بن عتيك فدنوا من حصنه وقد غربت الشمس وراح
الناس بسرحهم فدخل عبد الله بن عتيك مع آخر من دخل من اهل الحصن فكمن داخل
الباب وابصر المفاتيح حيث وضعت فلما هدأت الاصوات قام واخذ المفاتيح وجعل
يفتح الابواب بابا بابا وكلما فتح بابا اغلقه عليه قال قلت ان القوم نذروا
بى لم يخلصوا الي حتى اقتله قال فانتهيت اليه وهو في بيت مظلم وسط عياله لا
ادري اين هو من البيت قلت ابا رافع قال من هذا فأهويت نحو الصوت فاضربه
ضربة بالسيف وانا دهش فما اغنت شيئا وصاح فخرجت من البيت فامكث غير بعيد ثم
دخلت عليه فقلت ما هذا الصوت يا ابا رافع فقال لأمك الويل ان رجلا فى البيت
ضربنى قبل بالسيف قال فاضربه ضربة اثخنته فيها ولم اقتله ثم وضعت صبيب
السيف في بطنه حتى اخذ في ظهره فعرفت اني قتلته فجعلت افتح الابواب بابا
بابا حتى انتهيت الى درجة وقعت منها الى الارض فانكسرت رجلي فعصبتها بعمامة
ثم انطلقت حتى جلست على الباب فقلت لا اخرج الليلة حتى اعلم اقتلته ام لا
فلما صاح الديك قام الناعي على السور فانطلقت الى اصحابى فقلت النجاء فقد
قتل الله ابا رافع فانتهيت الى النبى صلى الله عليه وسلم فحدثته فقال ابسط
رجلك فبسطت رجلى فمسخ عدو الله فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيأ فذكر محمد
بن مسلمة مغولا في سيفه فاخذه وقد صاح عدو الله صيحة لم يبق حوله حصن الا
أوقدت عليه نارا فوضع المغول في ثندؤته ثم تحامل عليه حتى بلغ غايته ووقع
عدو الله وقد أصيب الحارث بن أوس بجرح في رأسه أصابه بعض أسياف أصحابه
فخرجوا وقد أبطأ عليهم الحارث بن أوس ونزفه الدم فوقفوا له ساعة ثم أتي
يتبع آثارهم فاحتملوه فجاؤا به رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الليل وهو
قائم يصلي فسلموا عليه فخرج اليهم فأخبروه بقتل كعب وجاؤا برأسه اليه وتفل
على جرح صاحبهم أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود من حديث جابر (رجال من
الانصار) سمى منهم عبد الله بن أنيس وابن عيينة ومسعود بن سنان وخزاعي بن
اسود واسود بن حرام وأبو قتادة (ابن أبي الحقيق) بمهملة وقافين مصغر (ابن
عتيك) بالمهملة والفوقية والتحتية مكبر (وراح الناس) أى رجعوا (بسرحهم)
بسين وحاء مهملتين أي مواشيهم التي ترعى (فكمن) بفتح الميم أي اختفي (نذروا
بي) بكسر المعجمة أى علموا (فأهويت) أي قصدت (دهش) بكسر الهاء ثم معجمة
(صبيب) بموحدتين بوزن رغيف وهو حرفه قال عياض بمهملة لابى ذر وكذا ذكره
الحربي وهو طرفه ولابي بدر والنسفي بمعجمة وهو حرف طرفه وقال الخطابى
الصواب ضبيبه وهو حرف حده (فانكسرت رجلي) في رواية للبخاري فانخلعت قال
الداودي الخلع زوال المفصل من غير كسر وقد يتجوز بالتعبير باحدهما عن الآخر
(النجاء)
(1/193)
عليها فكأنها لم اشكها قط خرجه البخاري من
ثلاث طرق كلها عن البراء بن عازب وفي الفاظها اختلاف والله اعلم* قال ابن
اسحق عقيب ذكره لقتل كعب بن الاشرف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من
ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه فوثب محيصة بن مسعود على رجل من رجال يهود
كان يلا بسهم فقتله فجعل حويصة اخوه يضربه ويقول اي عدو الله اقتلته اما
والله لرب شحم فى بطنك من ماله فقال محيصة والله لقد أمرني بقتله من لو
أمرني بقتلك لضربت عنقك قال والله ان دينا بلغ بك هذا لعجيب فأسلم حويصة*
السنة الثالثة فيها تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حفصة بنت عمر
بن الخطاب وكانت قبله تحت خنيس بن حذافة السهمى البدرى توفي عنها بالمدينة.
وفي صحيح البخارى وغيره انها لما تأيمت بعد وفاة زوجها عرضها أبوها علي
عثمان فاعتذر له ثم على أبي بكر فصمت فلم يرجع اليه شيئا فلما تزوجها النبي
صلى الله عليه وآله وسلم اعتذر اليه ابو بكر بأنه لم يمنعه من اجابته الى
ما سأل الا انه علم ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكرها. وروى أن
النبى صلى الله عليه وآله وسلم طلقها فقال له جبريل ان الله يأمرك أن تراجع
حفصة فانها صوامة قوامه* وفيها تزوج عثمان أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم بعد أختها رقيه.
بالنصب أي اسرعوا (فكانما لم أشتكها قط) فيه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى
الله عليه وسلم (من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه الى آخره) أخرجه أبو
داود عن بنت محيصة (محيصة) بضم الميم وفتح المهملة وكسر التحتية المشددة
بعدها صاد مهملة (على رجل من اليهود) اسمه شبيبة بمعجمة فموحدتين بينهما
تحتية أو سنينة مصغرا أقوال (حويصة) بالمهملتين والتحتية على وزن أخيه*
السنة الثالثة (حفصة بنت عمر بن الخطاب) هي شقيقة عبد الله أمها زينب بنت
مظعون (خنيس) بمعجمة ونون آخره مهملة مصغر (ابن حذافة) بن قيس بن عدي بن
سعد بن سهم وهو أخو عبد الله بن حذافة السهمي (وفي صحيح البخاري وغيره)
أخرجه النسائي أيضا كلاهما من حديث عمر (لما تأيمت) بفتح الهمزة وتشديد
التحتية أي صارت أيما وهي التي مات زوجها أو فارقها وقيل التى لا زوج لها
مطلقا (عرضها أبوها) فيه ندب عرض المولية على أهل الصلاح (وروي ان النبي
صلى الله عليه وسلم طلقها) مجازاة لها على ان أفشت سره الذي أسر اليها الى
عائشة. زاد البغوي وغيره فلما بلغ ذلك عمر قال لو كان في آل الخطاب خير لما
طلقك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نقل عن مقاتل بن حبان انه قال لم
يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة وانما هم بطلاقها فأتاه جبريل وقال
لا تطلقها فانها صوامة قوامة لكن أخرج الحاكم عن أنس وعن قيس ابن زيد قال
لي جبريل راجع حفصة فانها صوامة قوامة وانها زوجتك في الجنة وهذا يدل على
انه طلقها (وفيها تزوج عثمان أم كلثوم) بضم الكاف اسمها كنيتها (بعد أختها
رقية) فلذلك قيل له ذو النورين
(1/194)
وروى ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال
لو ان عندى أربعون بنتا لزوجت عثمان واحدة بعد واحدة حتى لا يبقى منهن
واحدة وفي رواية مائة بدل أربعين* وفيها تزوج صلى الله عليه وآله وسلم زينب
بنت خزيمة أم المساكين الهلالية ولبثت عنده شهرين أو ثلاثة وماتت.
[الكلام على ولادة سيدنا الحسن بن على رضى الله
عنهما]
وفيها ولد الحسن بن على بن أبى طالب رضي الله عنهما في منتصف رمضان ولما
ولد دعا به النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وأذن في أذنه اليمنى وأقام
في اليسرى وطلا رأسه بالخلوق بعد أن عق عنه كبشا وتصدق بزنة رأسه ورقا
وأعطى القابلة فخذ شاة ودينارا وكذلك فعل بأخيه الحسين. وروى الطبراني انه
فعل ذلك يوم سابعهما وسماهما (وروى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لو كان
عندي أربعون بنتا لزوجت عثمان واحدة بعد واحدة الى آخره) لم أقف على مخرجه
(وفيها تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت خزيمة) بن الحارث بن عبد
الله بن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معوية بن بكر بن
هوازن بن منصور ابن عكرمة بن خضفة بالمعجمتين والفاء بن قيس عيلان بن مضر
وكانت قبله تحت عبد الله بن جحش الاسدي. قال الشمنى تزوجها في شهر رمضان
على رأس أحد وثلاثين شهرا من الهجرة (ولبثت عنده ثلاثة أشهر) أو شهرين أو
ثلاثة أقوال أصحها الاول (وماتت) ودفنت بالبقيع وفيها ولد الحسن (اذن فى
اذنه اليمنى) أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح والحكمة في ذلك ما أخرجه ابن
السنى وأبو يعلي من حديث الحسين بن على من ولد له مولود فأذن في أذنه
اليمنى وأقام في اليسرى لم تضره أم الصبيان التابعة من الجن وليكون اعلامه
بالتوحيد أوّل ما يقرع سمعه عند قدومه الى الدنيا كما يلقن عند خروجه منها
ولما فيه من طرد الشيطان عنه فانه يدبر عند سماع الاذان كما ورد في الخبر
(فائدة) في مسند رزين انه صلى الله عليه وسلم قرأ في اذن مولود سورة
الاخلاص قال العلماء والمراد أذنه اليمنى قيدت قراءتها أيضا (بخلوق) بفتح
المعجمة وهو طيب مجموع من الزعفران وغيره (بعد ان عق عنه كبشا) أخرجه أبو
داود باسناد صحيح ولفظه عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا والعق لغة الشق
وسميت عقيقة لان مذبحها يعق أى يشق وفي هذا الحديث أجاز العقيقة بشاة عن
الذكر وان كان الشاتان أفضل لحديث عائشة أمرنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم ان نعق عن الغلام شاتين متكافئتين وعن الجارية بشاة أخرجه الترمذي
وقال حسن صحيح (فائدة) استشكل الفقهاء ما تقرر معهم ان العقيقة تسن لمن
عليه النفقة بعقه صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين. وتأوله النووي
وغيره بان النبي صلى الله عليه وسلم أمر أباهما بذلك وأعطاه ما عق به أو ان
أبويهما كانا عند ذلك معسرين فيكونان في نفقة جدهما رسول الله صلى الله
عليه وسلم أو لعل ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم (وتصدق بزنة) أي بوزن
شعر (رأسه ورقا) أي فضة وقيس بها الذهب (وأعطى القابلة فخذ شاة ودينارا)
أخرج ذلك الحاكم وصححه ما عدا الدينار (وكذلك فعل بأخيه الحسين) أخرجه أبو
داود كما مر آنفا (وروي الطبراني) والبيهقى باسناد حسن (انه فعل ذلك يوم
(1/195)
حسنا وحسينا ولم يسم بذلك أحد قبلهما وروى
انه سمى أولاد فاطمة حسنا وحسينا ومحسنا بأولاد هرون بن عمران النبى صلى
الله تعالى عليه وآله وسلم وانما قدم مولد الحسن هنا وان كان في الحقيقة
بعد أحد لاني اقدم غالبا حوادث السنة قبل غزواتها وسراياها وقد وقع في
تاريخ تزويج على لفاطمة ودخوله بها ومولد ابنيها تردد يؤدى الى تغليط بعض
النقلة والله أعلم.
[الكلام على غزوة أحد تفصيلا]
وفي هذه السنة كانت من الغزوات غزوة احد وهى التاسعة من غزواته صلى الله
تعالى عليه وآله وسلم وكانت وقعتها يوم السبت النصف من شوال وقيل السابع
منه على رأس أحد وثلاثين شهرا من الهجرة وكان عدد المسلمين فيها سبعمائة
لاخيل معهم والمشركين ثلاثة آلاف معهم مائتا فارس وكان على خيلهم خالد بن
الوليد قال ابن اسحق وغيره من اهل السير وجملة من استشهد بها من المسلمين
خمسة وستون (قلت) والصواب ما ثبت في صحيح للبخاري انهم سبعون وفي رواية له
أخرى ان هذا العدد من الانصار دون المهاجرين فمن المهاجرين اربعة وبقيتهم
من الانصار وقتل من المشركين يومئذ اثنان وعشرون تسعة قتلهم قزمان سابعهما
وسماهما حسنا وحسينا) وأمر ان يماط عن رأسهما الاذى (ولم يسم) مبني للمفعول
(محسنا) كاسم الفاعل من التحسين قيل انه مات في حياة رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأرسلت أمه فاطمة الى أبيها تدعوه وتخبره ان صبيا لها في الموت
والصحيح ان ذلك علي بن العاص بن الربيع والمرسلة أمه زينب بنت رسول الله
صلى الله عليه وسلم كما قاله الدمياطى وغيره (بأولاد هرون بن عمران) كان
أسماؤهم بشرا بالمعجمة والموحدة فالراء بوزن حسن وشبيرا كذلك بوزن حسين
ومبشرا كذلك بوزن محسن أخرج ذلك البغوي وعبد الغني في الايضاح وابن عساكر
من حديث سلمان بلفظ سمى هرون ابنيه بشيرا وشبيرا وانى سميت ابنى الحسن
والحسين كما سمي به هرون (وان كان في الحقيقة بعد أحد) باحد عشر شهرا (وفي
هذه السنة) من الغزوات (احد) مصروف قال السهيلى سمى احدا لتوحده وانقطاعه
عن جبال أخر هناك (فائدة) اخرج الزبير بن بكار في فضائل المدينة عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم ان قبر هرون في احد قال وكان مر به هو وموسى حاجين
أو معتمرين (وكانت وقعتها يوم السبت النصف من شوال) فيومها وشهرها يليان
يوم وقعة بدر وشهرها لانها يوم الجمعة في رمضان كما مر (سبعمائة لا خيل
فيهم) عد منهم ابن عبد البر في الاستيعاب نحو ثلثمائة ولا ينافيه ما أخرجه
البيهقى في الدلائل انهم كانوا زهاء ألف وله في رواية أخرى انهم كانوا
تسعمائة وخمسين لان من قال سبعمائة عد المتبوع فقط وغيره عد التابع
والمتبوع (وكان على ميمنة خيلهم خالد بن الوليد) وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي
جهل قلت والصواب ما ثبت في صحيح البخاري انهم سبعون سيأتي ذكرهم فيما بعد
ان شاء الله تعالى (قزمان) بضم القاف واسكان الزاي كعثمان هو ابن الحارث
العبسى نسبا الظفرى حلفا
(1/196)
الكافر واثنان قتلهم عاصم بن ابي الاقلح
الانصاري فلقزمان وعاصم نصف القتلى وكان من حديث احد ان أبا سفيان وأولاد
من قتل ببدر تحاشدوا بينهم وأنفقوا الاموال في طلب الثأر بمن أصيب منهم
ببدر وخرجوا لغزو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بظعنهم وبمن أطاعهم من
الاحابيش وكنانة فلما نزلوا بأحد وهو شامي المدينة الى جهة المشرق قليلا
على ثلاثة أميال منها أو نحوها ولما علم بهم رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم استشار أصحابه في الخروج اليهم والاقامة أو قال لهم انى رأيت في منامي
ان في سيفى ثلمة وان بقرا لي تذبح وانى ادخلت يدي في درع حصينة وتأولها ان
نفرا من أصحابه يقتلون وان رجلا من أهل بيته يصاب والدرع الحصينة المتينة
أخرجه مسلم قال لهم ان رأيتم ان تقيموا بها وتدعوهم حيث نزلوا فان أقاموا
أقاموا بشر مقام وان دخلوها قاتلناهم فيها فاختلفت آراؤهم في ذلك حتى غلب
رأي من أحب الخروج فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلبس لأمته فخرج
عليهم فوجدهم قد رجحوا رأى القعود فأبى عليهم وقال ما ينبغي لنبي اذا لبس
لأمته أن يضعها حتى يقاتل فسار (الكافر) الذي اخبره رسول الله صلى الله
عليه وسلم انه من أهل النار فقتل نفسه (ابن أبي الاقلح) بالقاف والمهملة
(الثأر) بالمثلثة والهمز (بظعنهم) بفتح العين واسكانها وقريء بهما في
القرآن (فلما نزلوا باحد) كان ذلك يوم الاربعاء كما في سيرة ابن اسحاق
(استشار أصحابه في الخروج اليهم والاقامة) زاد ابن اسحاق ودعا عبد الله بن
أبى ولم يدعه قط قبلها فاستشارهم فقال ابن أبي واكثر الانصار يا رسول الله
اقم بالمدينة لا تخرج اليهم فو الله ما خرجنا منها الى عدو قط الا أصاب منا
ولا دخلها علينا الا أصبنا منه فكيف وانت فينا فدعهم يا رسول الله فان
أقاموا أقاموا بشر مجلس وان دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم ورماهم النساء
والصبيان بالحجارة من فوقهم فان رجعوا رجعوا خائبين فاعجب رسول الله صلى
الله عليه وسلم هذا الرأي (وقال لهم انى رأيت في منامى) ذكر ابن عائذ ان
تلك الرؤيا كانت ليلة الجمعة (ثلمة) بضم المثلثة أى كسرا (حصينة) بفتح
الحاء وكسر الصاد المهملتين أي منيعه قوية (وتأولها ان نفرا من اصحابه
يقتلون) وهذا تاويل ما رآه يذبح من البقر (وان رجلا من أهل بيته يصاب) وهذا
تأويل الثلمة في السيف قال العلماء لان سيف الرجل ولده أو والده أو عمه أو
أخوه قال النووي وقد يدل السيف على انصار الرجل الذين يصول بهم كما يصول
بسيفه وعلى الولاية أو الوديعة على لسان الرجل وحجته وقد يدل على سلطان
جائر وكل ذلك بحسب قرائن تنضم تشهد لاحد هذه المعاني في الرأي أو في الرؤية
(أخرجه مسلم) والبخارى أيضا (فاختلفت آراؤهم) فقال بعضهم اخرج بنا الى هذه
الا كلب لا يرون انا حبنا عنهم وضعفنا (فلبس لامته) بالهمز ساكنا كما مر
(فوجدهم قد رجحوا رأي القعود) وقالوا بئس ما صنعنا نشير على رسول الله صلى
الله عليه وسلم والوحي ياتيه فقاموا واعتذروا اليه وقالوا اصنع ما رأيت (ما
ينبغي لنبي اذا لبس لامته ان يضعها حتى يقاتل) اخرجه أحمد والدارمي
(1/197)
بهم وذلك بعد صلاة الجمعة وبعد ان صلي على
ميت من الانصار واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم ولما بلغوا الشوط انخزل
عبد الله بن ابى بثلث الناس أنفة ان خولف رأيه وكان رأيه القعود وحينئذ هم
بنو حارثة من الاوس وبنو سلمة من الخزرج بالرجوع من الفشل فتولاهم الله
وثبتهم وفيهم نزلت اذهمت طائفتان منكم ان تفشلا والله وليهما وفي صحيح
البخارى عن جابر قال فينا نزلت وما أحب انها لم تنزل لقوله وَاللَّهُ
وَلِيُّهُما ونزل صلي الله عليه وسلم بالشعب من أحد على شفير وادى قناة
وجعل ظهره الى احد ورتب أصحابه وبوأهم مقاعد للقتال وكانوا مشاة فجعل عبد
الله بن جبير أخا خوات بن جبير على الرماة وهم خمسون رجلا واقعدهم على جبل
عينين وقال لهم لا تبرحوا مكانكم ان غلبنا أو غلبنا وظاهر رسول الله صلى
الله عليه وسلم بين درعين ودفع اللواء الى مصعب بن عمير وتعبأت قريش وجعلوا
على ميمنتهم وخيلهم خالد بن الوليد وعلى ميسرتهم عكرمة بن أبي جهل وقال أبو
سفيان لبنى عبد الدار وكان اليهم لواء قريش انكم وليتم لواءنا يوم بدر
فأصابنا ما قد رأيتم وانما يؤتى الناس من قبل راياتهم اذا زالت زالوا وكانت
قريش قد سرحت رواعيها في زرع الانصار بقناة قال العلماء والمعنى فيه ان نزع
الدرع قبل القتال أو ما يسقط به وجوب القتال مؤذن بالحين الناشئي عن ضعف
اليقين المنافي لمقام النبوة (ولما بلغوا الشوط) بمعجمة وقيل بمهملة وسكون
الواو آخره مهملة قال ابن حجر ويقال أيضا معجمة حائط عند جبل أحد بالمدينة
(وبعد ان صلى على ميت من الانصار) اسمه مالك ابن عبيد النجارى هكذا سماه
أبو الحسن العسكرى وغيره (بثلث الناس) للبغوي في تفسيره ورجع في ثلثمائة
وقال علام نقتل أنفسنا وأولادنا فتبعه أبو جابر السلمي فقال أنشدكم الله في
بنيكم وفي أنفسكم فقال عبد الله بن أبي لو نعلم قتالا لاتبعناكم (والفشل)
بفتح الفاء واسكان الشين الجبن (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ) أى خطر
لهما ذلك وحدثت به أنفسهما لا عزمتا عليه كما قاله الزمخشرى والبيضاوى
وغيرهما قال القاضي زكريا وهو اليق بحال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
واوفق بقوله وَاللَّهُ وَلِيُّهُما (أَنْ تَفْشَلا) أي تجبنا وتضعفا
وتتخلفا (وَاللَّهُ وَلِيُّهُما) أي ناصرهما وحافظهما (وادى قناة) بالقاف
(وبواهم) أي انزلهم (مَقاعِدَ لِلْقِتالِ) أي مواطن ومواضع (خوات) بفتح
المعجمة وتشديد الواو آخره فوقية (ابن جبير) بن نعمان بن أمية من بني ثعلبة
الاوسي يكني خوات أبا عبد الله وأبا صالح توفي بالمدينة سنة أربعين عن أربع
وتسعين أو أربع وسبعين سنة قولان وكان يخضب بالحناء والكتم ولابنه جبير
صحبة ورواية كما ذكره أبو موسى الاصبهانى (على جبل عينين) بفتح المهملة
وكسرها تثنية عين جبل صغير قبلي مشهد حمزة (وظاهر صلى الله عليه وسلم بين
درعين) أخرجه أبو داود عن السائب بن يزيد عن رجل ومعنى ظاهر لبس احداهما
فوق الاخرى
(1/198)
فحميت الانصار لذلك وحمل النبي صلى الله
عليه وسلم واصحابه على المشركين فهزموهم روينا في صحيح البخارى عن البراء
بن عازب قال فانا والله رأيت النساء يعنى هندا وصواحباتها يشددن في الجبل
يرفعن عن سوقهن قد بدت خلاخلهن فقال أصحاب عبد الله بن جبير الغنيمة يا قوم
الغنيمة ظهر اصحابكم فما تنتظرون وأقبلوا على الغنيمة وثبت عبد الله بن
جبير في نفر دون العشرة فلما رأى خالد بن الوليد ذلك ورأى ظهور المسلمين
خالية من الرماة صاح في خيله فحملوا على بقية الرماة فقتلوهم ثم اتى
المسلمين من خلفهم وحالت الريح فصارت دبورا بعدان كان صبا فصرخ ابليس الا
ان محمدا قد قتل فانفضت صفوف المسلمين وتزاحفت قريش بعد هزيمتها وبعد ان
قتل على لوائها احد عشر رجلا من بنى عبد الدر وبقى لواؤهم صريعا حتى رفعته
لهم عمرة بنت علقمة الكنانية فلاثوابه وخلص العدو الى رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم ورموه بالحجارة حتى وقع لشقه وكسر عتبة بن ابى وقاص رباعيته
السفلى اليمنى وجرح شفته السفلي وجرح ابن قميئة الليثي وجهه فدخلت حلقتان
من حلق المغفر (فحميت الانصار لذلك) أى غضبت (وروينا في صحيح البخاري عن
البراء) وأخرجه أبو داود ايضا عنه (يشددن) بالمعجمة والفوقية أي يسرعن
المشى وللكشميهني يسندن بضم أوله وسكون المهملتين بينهما نون مكسورة أي
يصعدن (سوقهن) جمع ساق (الغنيمة) بالنصب على الاغراء (دبورا) هي الريح
الغربية التي تأتي من دبر الكعبة (صبا) هي الرياح الشرقية التى تأني من
قبلها وتسمى القبول أيضا (فصرخ ابليس لعنه الله) قال ابن عبد البر وكان
يومئذ متصورا في صورة جعال ويقال جعيل بن سراقة الضمري رضي الله عنه وكان
حينئذ قائما على جبل عينين قاله في القاموس (فانفضت) بالفاء (فلا ثوابه)
بالمثلثة أي اجتمعوا اليه (وخلص العدو الى رسول الله صلى الله عليه وسلم)
قال عبد الرزاق عن معمر عن الزهري ضرب وجه النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ
بالسيف سبعين ضربة وقاه الله شرها كلها (عتبة بن أبي وقاص) هو أخو سعد بن
أبى وقاص واختلف في اسلامه والصحيح انه لم يسلم وورد في حديث سنده صحيح
لكنه مرسل انه صلى الله عليه وسلم دعا عليه وقال اللهم لا تحل عليه والحول
حتي يموت كافرا فكان كذلك (رباعيته) بفتح الراء وتخفيف الموحدة والمثناة
التحتية وهي السن التي بين الثنية والناب قال السهيلى ولم يولد لعتبة بعد
ذلك من نسله ولد الا وهو ابخر واهتم فعرف ذلك في عقبة انتهى ولما فعل عتبة
ما فعل جاء حاطب بن أبي بلتعة فقال يا رسول الله من فعل هذا بك فاشار الي
عتبة فتبعه حاطب حتى قتله وجاء بفرسه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم
أخرجه الحاكم في المستدرك ولا منافاة بين هذا الحديث وبين الحديث الذي قبله
فتأمله (وجرح ابن قميئة) بفتح القاف وكسر الميم وبالمد والهمز اسمه عبد
الله رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر فكسر أنفه (وجهه فدخلت حلقتان)
بفتح الحاء المهملة افصح من كسرها (من حلق) بفتحها وفتح اللام (المغفر)
(1/199)
في وجنته صلى الله عليه وآله وسلم وشجه
ايضا عبد الله بن شهاب الزهرى وهشم البيضة على رأسه وكان هؤلاء ومعهم أبى
بن خلف الجمحي تعاقدوا على قتله صلى الله عليه وآله وسلم أو ليقتلن دونه
فمنعه الله منهم. وروينا في صحيح البخاري عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه
قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد ومعه رجلان يقاتلان
عنه عليهما ثياب بيض كاشد القتال ما رأيتهما قبل ولا بعد وهما جبريل
وميكائيل وكان أوّل من عرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ان أشيع
قتله كعب بن مالك الانصاري قال رأيت عينيه تزهران تحت المغفر فصحت يا معشر
المسلمين ابشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأشار الى أن اسكت
فعطف عليه نفر من المسلمين ونهضوا الى الشعب فأدركهم أبى خلف وهو يقول أين
محمد لا نجوت ان نجا وقد كان يقول للنبي صلى الله عليه وآله وسلم حين افتدى
يوم بدر عندي فرس أعلفها كل يوم فرقا من ذرة أقتلك عليها فقال له النبي صلى
الله عليه وآله وسلم انا اقتلك ان شاء الله تعالى فلما رآه يوم أحد شد أبي
علي فرسه فاعترضه رجال من المسلمين فقال النبى صلى الله عليه وسلم هكذا أي
خلوا طريقه وتناول النبى صلى الله عليه وآله وسلم الحربة بكسر الميم واسكان
المعجمة وفتح الفاء (في وجنته) أي جانب جبهته فانتزعهما عقبة بن وهب بن
كلدة الغطفانى وقيل أبو عبيدة بن الجراح. قال ابن عبد البر قال الواقدي.
قال عبد الرحمن بن أبى الزناد نرى انهما جميعا عالجاهما فاخرجاهما من وجنتي
رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات ابن قميئة كافرا وكان سبب موته انه نطحه
تيس فتردى من شاهق فمات (عبد الله بن أبى شهاب) بن الحارث بن زهرة (الزهري)
أسلم وحسن اسلامه وهو جد محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب
الزهرى شيخ الامام مالك.
وقد سئل ابن شهاب عنه هل شهد بدرا فقال نعم ولكن كان من ذلك الجانب يعنى مع
الكفار (أبي بن خلف) ابن وهب بن حذافة بن جمح (وروينا في صحيح البخاري) وفي
صحيح مسلم أيضا (وهما جبريل وميكائيل) وللحاكم من حديث أبي هريرة لقد
رأيتني يوم أحد وما في الارض قربى مخلوق غير جبريل عن يمينى وطلحة عن يساري
(وكان أوّل) بالنصب خبر كان مقدم (كعب بن مالك) بالرفع اسمها مؤخر (تزهران)
بالفوقية (فيعطف عليه نفر من المسلمين) زاد البغوي فلامهم النبي صلى الله
عليه وسلم على الفرار فقالوا يا نبى الله فديناك بآبائنا وأمهاتنا أتانا
الخبر بانك قد قتلت فرعبت قلوبنا فولينا مدبرين (اين محمد لا نجوت ان نجا)
فكان هو المستفتح على نفسه (عندي فرس) اسمها العود بفتح المهملة وسكون
الواو ثم دال مهملة (فرقا) بفتح الفاء والراء ويجوز اسكانها وهو بالفتح
مكيال يسع ستة عشر رطلا وهى اثنى عشر مدا وثلاثة آصع عند أهل الحجاز
وبالسكون مائة وعشرون رطلا قاله ابن الاثير في النهاية
(1/200)
من الحارث بن الصمة فانتفض بها انتفاضة
تطايروا منه تطاير الشعراء عن ظهر البعير اذا انتفض ثم استقبله فطعنه في
عنقه طعنة تدأدأ منها عن ظهر فرسه مرارا ورجع الى أصحابه وهو يقول قتلنى
محمد وهم يقولون لا بأس بك فقال لو كان ما بى بجميع الناس لقتلهم أليس قد
قال انا أقتلك والله لو بصق علي لقتلنى فمات بسرف. وفي هذا أدل دليل على
شجاعته صلى الله عليه وآله وسلم وثبات قلبه ولم ينقل أنه قتل أحدا غير أبى
والله أعلم. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اشتد غضب الله على رجل
يقتله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سبيل الله يعني الجهاد رواه
مسلم وكان يوم أحد يوم بلاء وتمحيص أكرم الله فيه من أكرم بالشهادة وكان
المسلمون فيه أثلاثا ثلثا سليما وثلثا طريدا وثلثا جريحا وممن ابلى حينئذ
وعظم نفعه طلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص والزبير بن العوام حتى قال
النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حق طلحة هذا اليوم كله لطلحة وفدى سعدا
والزبير بأبيه وأمه ولما لجأ النبى صلى الله عليه وسلم بمن معه الى الشعب
هم بهم العدو فلم يجدوا اليهم مساغا روينا في صحيح البخاري من رواية البراء
ابن عازب قال أشرف أبو سفيان فقال أفى القوم محمد فقال لا تجيبوه فقال أفي
القوم ابن أبي قحافة فقال لا تجيبوه فقال أفي القوم ابن الخطاب فقال لا
تجيبوه فقال ان هؤلاء قد قتلوا فلو كانوا أحياء لأجابوا فلم يملك عمر نفسه
فقال كذبت يا عدو الله ابقي الله لك ما يحزنك فقال (ابن الصمة) بكسر
المهملة وتشديد الميم انصاري من بني النجار (فانتفض بها انتفاضة) أي هزها
هزا قويا (تطايروا عنه) أي نفروا (تطاير) بالنصب على المصدر (الشعراء) بفتح
المعجمة وسكون المهملة ثم راء ثم همزة ممدودة قال في الصحاح الشعر ذبابة
يقال هي التى لها ابرة. وقال القتيبي هى ذبابة حمراء تقع على الابل والحمير
فتؤذيها (تدأدأ) بفتح الفوقية والمهملة ثم همزة ساكنة ثم مهملة أخري ثم
همزة أي تدحرج (منها مرارا) زاد في الشفاء وقيل بل كسر ضلعا من أضلاعه
(ورجع الى أصحابه) زاد البغوى وهو يخور كما يخور الثور (لو كان ما بى بجميع
الناس) في تفسير البغوى لو كانت هذه الطعمه بربيعة ومضر (فمات بسرف) بفتح
المهملة وكسر الراء بعدها فاء موضع على ستة أميال من مكة وقيل بل سبعة وقيل
تسعة (قال صلى الله عليه وسلم) يوم أحد اشتد غضب الله على قوم فعلوا بنبيه
هكذا ويشير الى رباعيته (اشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله صلى الله
عليه وسلم يعني في الجهاد رواه البخارى ومسلم) من حديث أبي هريرة واحترز
بقوله في سبيل الله عمن يقتله في حد أو قصاص لان من يقتله في سبيل الله كان
قاصدا قتل النبى صلى الله عليه وسلم (وكان يوم أحد) بالرفع اسم كان (يوم)
بالنصب خبرها (تمحيص) أي تطهير من الذنوب (روينا في صحيح البخارى) من رواية
البراء وأخرجه عنه أبو داود أيضا (أفي القوم محمد) زاد البغوى ثلاث مرات
(أبقى الله لك ما يخزيك) بالمعجمة والتحتية أي ما يهينك
(1/201)
ابو سفيان اعل هبل فقال اجيبوه قالوا ما
نقول قال قولوا الله اعلا واجل قال ابو سفيان لنا العزي ولا عزى لكم فقال
النبي قولوا الله مولانا ولا مولى لكم قال ابو سفيان يوم بيوم بدر والحرب
سجال وتجدون مثلة لم آمر بها ولم تسؤني وطفق نساء المشركين يمثلن بالقتلى
وبنبقير البطون وقطع المذاكير وجدع الآذان والاناف لم يحترموا أحدا منهم
غير حنظلة الغسيل فان اباه ابا عامر الراهب الذي سماه النبي صلى الله تعالى
عليه وآله وسلم الفاسق بدل الراهب كان مع المشركين فتركوه لذلك ولما نظر
النبي صلى الله عليه وآله وسلم الى ذلك من عمه حمزة لم ينظر الى شيء قط كان
أوجع لقلبه منه وترحم عليه وأثني وقال أما والله لئن أظفرنى الله بهم
لامثلن منهم بسبعين فأنزل الله تعالى وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا
بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ
لِلصَّابِرِينَ فكان صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك ينهى عنها ويوصي من
يبعث من السرايا أن لا يمثلوا ولما انصرفت قريش وعلم الله سبحانه وتعالى ما
في قلوب أصحاب رسول الله صلى (اعل هبل) اسم صنم كانت تعبده قريش بمكة أى
أظهر دينك (والحرب سجال) بكسر المهملة أي تكون لنا مرة ولكم مرة كما يكون
للسبقين بالسجل بفتح المهملة وهى الدلو لهذا سجل ولهذا سجل (وتجدون)
للكشميهني وستجدون (مثلة) بضم الميم وسكون المثلثة تشويه خلقة القتيل بجدع
أو قطع من مثل بالقتيل اذا جدعه (ولم تسؤني) أي لم أكرهها زاد رزين فقال
صلى الله عليه وسلم اجيبوه قالوا ما نقول قال قولوا لا سوء قتلانا في الجنة
وقتلاكم في النار (يمثلن) بالتشديد (المذاكير) جمع يطلق على الذكر
والانثيين (والاناف) بكسر الهمزة كالانوف جمع انف زاد البغوي حتى اتخذت هند
من ذلك قلائد وأعطتها وحشيا وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع تسيغها
فلفظتها فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أما انها لو أكلتها لم
تدخل النار أبدا حمزة أكرم على الله من ان يدخل شيئا من جسده النار (حنظلة)
بالحاء المهملة والظاء المعجمة (الغسيل) بفتح الغين المعجمة أي الذي غسلته
الملائكة كما سيأتى (أبا عامر الراهب) قال البغوى كان قد ترهب في الجاهلية
وتنصر ولبس المسوح فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال له أبو
عامر ما هذا الذي جئت به قال جئت بالحنيفية دين ابراهيم قال له أبو عامر
فانا عليها فقال النبى صلى الله عليه وسلم لست عليها قال بلى ولكنك أنت
أدخلت في الحنيفية ما ليس فيها فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما فعلت ولكن
جئت بها بيضاء نقية فقال له أبو عامر أمات الله الكاذب منا طريدا وحيدا
غريبا فقال النبي صلى الله عليه وسلم آمين وسماه أبا عامر (الفاسق) بدل
الراهب (وترحم عليه) فقال رحمة الله تعالى عليك أبا السائب كما في تفسير
البغوي (وأثنى) فقال انك ما علمت منك ما كنت الا فعالا للخيرات وصولا للرحم
ولولا حزن من بعدك عليك ليسرني ان أدعك حتى تحشر من أفواج شتى (وان عاقبتم
فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) من غير زيادة (ولئن صبرتم) أي عفوتم (لهو خير
للصابرين) أي للعافين زاد
(1/202)
الله تعالى عليه وآله وسلم من تراكم الغموم
والهموم ومما أصابهم وخوف كرة العدو عليهم تفضل عليهم بالنعاس أمنة منه
سبحانه للمؤمنين منهم واهل اليقين ولم يغش أحدا من المنافقين* وروينا في
صحيح البخاري عن ابى طلحة قال غشينا النعاس ونحن في مصافنا فجعل سيفى يسقط
من يدي وآخذه ويسقط وآخذه* وعنه قال رفعت رأسي فجعلت ما أرى أحدا الا وهو
يميل تحت جحفته من النعاس قال الزبير والله انى لاسمع قول معتب بن قشير
والنعاس يتغشانى ما اسمعه الا كالحلم يقول لو كان لنا من الامر شيء ما
قتلنا هاهنا
[فصل في فضل الشهادة ومزية شهداء أحد]
(فصل في فضل الشهادة ومزية شهداء أحد) قال الله تعالى إِنَّ اللَّهَ
اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ
الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ
الآية وقال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى
تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ الآيات وقال تعالى وَلا
تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ
أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ
مِنْ فَضْلِهِ الآيات فتظاهرت الآيات الصريحة والاحاديث الصحيحة البغوي
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل نصبر وامسك عما أراد وكفر عن يمينه
(أبي طلحة) اسمه زيد بن سهل (مصافنا) بالمد وتشديد الفاء (حجفته) أي ترسه
(معتب) بضم الميم وفتح المهملة وكسر الفوقية ثم موحدة (بن قشير) بضم القاف
وفتح المعجمة (كالحلم) باسكان اللام
(فصل) في فضل الشهادة (ومزية) بفتح الميم وكسر المعجمة وتشديد التحتية أي
فضيلة (شهداء أحد) جمع شهيد سمى به لانه مشهود له بالجنة فهو فعيل بمعنى
مفعول أو لان الملائكة تشهده أو لان أرواحهم أحضرت دار السلام فهو بمعنى
الشاهد أى الحاضر أو لسقوطه في الارض والارض الشاهدة أو لانه شهد على نفسه
لله عز وجل حين لزمه الوفاء بالبيعة المذكورة في قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ
اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ الآية أو لانه شهد عند خروجه ما
أعد له من الكرامة أو لانه شهد له بالامان من النار أو لانه الذى يشهد يوم
القيامة بابلاغ الرسل أقوال (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) قال البغوي قال
عمر ان الله بايعك وجعل الصفقتين لك وقال قتادة ثامنهم الله فاغلى لهم وقال
الحسن فاسعوا الى بيعة ربيحة بايع الله بها كل مؤمن وعنه انه قال ان الله
أعطاك الدنيا فاشتر الجنة ببعضها قال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ الآيات
قال البغوي نزل هذا حين قالوا لو نعلم أي الاعمال أحب الى الله لعملناها
فجعل ذلك بمنزلة التجارة لانهم يربحون فيها رضى الله ونيل جنته والنجاة من
النار وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً
بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ الآية قيل نزلت في شهداء أحد
أخرجه الحاكم في المستدرك وفيل نزلت في شهداء بدر. قال القاضى زكريا وغيره
وهو غلط انما نزلت فيهم آية البقرة وقيل في شهداء بئر معونة (والاحاديث
الصحيحة) فى الصحيحين وغيرهما
(1/203)
على حياتهم وانهم يرزقون في الجنة من وقت
القتل حتى كان حياة الدنيا دائمة لهم فانهم لا يجدون مس القتل الا كما يجد
احدنا مس القرصة وانهم يتمنون على ربهم الرجوع الى الدنيا لتكرر لهم
الشهادة* وفي النسائى ان رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما بال
المؤمنين يفتنون في قبورهم الا الشهيد قال كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة
وفي صحيح البخاري عن جابر ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يجمع
بين الرجلين من قتلى احد في ثوب واحد ثم يقول أيهم أكثر اخذا للقرآن فاذا
أشير له الى أحدهما قدمه في اللحد وقال أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة
وأمر بدفنهم بدمائهم ولم يصل عليهم ولم يغسلوا وفيه عن جابر قال لما قتل
أبي جعلت أبكي واكشف الثوب عن وجهه فجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم ينهونى والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينهنى وقال النبي صلى
الله عليه وآله وسلم لم تبكيه اولا تبكه ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها
حتى رفع وعن جابر أيضا قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان
الله احيا اباك وكلمه كفاحا وما كلم احدا قط الا من وراء الحجاب قال يا
عبدي تمن على اعطك فقال يا رب تردنى الى الدنيا (وانهم لا يجدون مس القتل
الى آخره) رواه النسائي عن أبي هريرة والطبراني في الاوسط عن أبى قتادة
(القرصة) بفتح القاف والمهملة واسكان الراء بينهما (وانهم يتمنون الرجوع
الى الدنيا) رواه الشيخان والترمذي والنسائي عن أنس (وفي سنن النسائي) هو
أحمد بن شعيب مات سنة ثلاث وثلاثمائة (كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة)
قال الترمذى الحكيم معناه انه لو كان في هؤلاء المقتولين نفاق كانوا اذا
التقى الزحفان وبرقت السيوف فروا لان من شأن المنافق الفرار والروغان عند
ذلك ومن شأن المؤمن البذل والتسليم لله نفسا وهيجان حمية الله والتعصب له
لاعلاء كلمته فهذا قد ظهر صدق ما في ضميره حيث برز للحرب والقتل فلم يعد
عليه السؤال في القبر (ولم يصل) بكسر اللام وفتحها. قال العلماء في ترك
الصلاة على الشهداء شعار باستغنائه عن الدعاء (ولم يغسلهم) ابقاء لاثر
الشهادة وروي أحمد وأبو داود وغيرهما ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر
يومئذ بالشهداء ان ينزع عنهم الحديد والجلود وقال ادفنوهم بدمائهم وثيابهم
(وفيه) أي في صحيح البخاري (عن جابر) وأخرجه عنه مسلم والنسائي أيضا
(والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينهني) رحمة له وشفقة عليه لعلمه ان بكاه لم
يكن فيه جزع ولا سخط لقضاء الله عز وجل (تبكيه أو لا تبكه) قيل هو تخيير
وقيل شك من الراوي وفي بعض طرق الصحيحين ان التي بكته أخته فقال لها النبي
صلى الله عليه وسلم ذلك فيجمع بينهما بانه قال لهما معا (ما زالت الملائكة
تظله بأجنحتها حتى رفع) أي تزاحما عليه لصبره برضا الله عنه ما أعدله من
الكرامة أو اكراما له وفرحا به أو اظلوه من حر الشمس لئلا يتغير ريحه أو
جسمه أو لانه من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله (كفاحا)
بكسر الكاف وبالفاء والحاء المهملة أي من غير حجاب وهو عبارة عن
(1/204)
فأقتل فيك ثانية فقال تعالى انه قد سبق مني
أنهم اليها لا يرجعون قال يا رب فأبلغ من ورائى فأنزل الله تعالى وَلا
تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ
أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ
مِنْ فَضْلِهِ الآيات رواه ابن ماجه والترمذى وقال حديث حسن غريب وروى ابن
اسحق خارج عن رواية ابن هشام ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في قتلى
احد يا ليتنى عذت مع أصحابي بحصن الجبل وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
للشهيد عند الله ست خصال يغفر له في أوّل دفعة ويرى مقعده من الجنة ويجار
من عذاب النار ويأمن من الفزع الاكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار ولياقوتة
منها خير من الدنيا وما فيها ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين
ويشفع في سبعين من أقاربه رواه ابن ماجه والترمذي وصححه قلت هكذا الرواية
فيها ست خصال وهي في العدد سبع والله أعلم
[فصل فى الكلام من أكرم بالشهادة يوم أحد]
(فصل) ومن أعيان من أكرم الله بالشهادة يومئذ من السادة المهاجرين الاخيار
المنتخبين أسد الله وأسد رسوله أبو يعلى عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وأخوه من الرضاعة السيد الاجل الحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه قتله وحشى
بن حرب الحبشى مولى جبير بن مطعم بعم مولاه طعيمة بن عدى بن الخيار وكان
حمزة رضي الله عنه قتله ببدر والسيد القانت الاواب ختن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم وابن عمته عبد الله بن جحش بن رئاب الاسدى رضي الله عنه ويعرف
بالمجدع دفن مع خاله حمزة في قبر واحد ولا يعلم من قبور الشهداء غير
قبريهما وعليهما قبة عالية وشاهدت حول مشهدهما ببطن الوادي آراما من حجارة
متفرقة يقال انها قبور الشهداء والله أعلم* والسيد القرم قربه من الله
تعالى (رواه ابن ماجه) محمد بن يزيد توفي سنة ثلاث وسبعين ومائتين
(والترمذي) وغيرهما عن المقدام بن معديكرب (وصححه) قال حديث حسن صحيح غريب
(بحصن الجبل) بكسر المهملة وضمها واسكان المعجمة أي أصله (وهي في العدد
سبع) لعله صلي الله عليه وسلم قال ست خصال قبل ان يعلم بالسابعة ثم أعلم
بها اثناء عد الست فنسقها عليها وزاد ابن ماجه وتحلي حلة الايمان فيكون
العدد ثمانيا والجواب مامر
(فصل) ومن أعيان (السيد الاجل حمزة) أخرج الحاكم من حديث جابر والطبرانى من
حديث على سيد الشهداء عند الله يوم القيامة حمزة بن عبد المطلب (وحشي) بفتح
الواو واسكان المهملة وكسر المعجمة وتشديد التحتية (طعيمة) بالمهملتين مصغر
(الخيار) بكسر المعجمة وتخفيف التحتية آخره راء (ابن رئاب) بكسر الراء ثم
همزة ممدودة ثم موحدة (الاسدي) من أسد خزيمة كما سبق (القرم) بفتح القاف
(1/205)
الهمام قديم الهجرة والاسلام معلم الخير
مصعب بن عمير العبدري رضي الله عنه قتله ابن قميئة الليثي أخزاه الله كان
مصعب رضي الله عنه قبل الهجرة بمكة انهد فتى في قريش وأكثرهم رفاهية فحمله
حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم على مفارقة ذلك فكان يلبس بالمدينة
إهاب كبش وصار فيمن أخر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قدوة للزاهدين
ونهية للمترفهين كما ورد في صحيح البخارى وغيره ان عبد الرحمن بن عوف اتى
بطعام وكان صائما فقال قتل مصعب بن عمير وهو خير مني وكفن في بردة ان غطى
رأسه بدت رجلاه وان غطى رجلاه بدا رأسه وأراه قال قتل حمزة وهو خير مني ثم
بسط لنا من الدنيا ما بسط أو قال اعطينا من الدنيا ما أعطينا وقد خشينا ان
تكون حسناتنا قد عجلت لنا ثم جعل يبكى حتى ترك الطعام وروى البخارى أيضا عن
خباب نحره* رابعهم البائع نفسه من مولاه غير مغبون ولا ملوم شهيد بني مخزوم
شماس المخزومي رضي الله عنه* ومن السادة النجباء الابرار الجم الغفير
واسكان الراء وهو السيد وأصله فحل الابل المكرم الذي لا يحمل عليه قال
الخطابي معناه المقدم في المعرفة والرأى (الهمام) بضم الهاء وتخفيف الميم
قال القاضي في حاشية البيضاوي وهو من أسماء الملوك لعظم همتهم أو لانهم اذا
هموا بامر فعلوه (قتله ابن قميئة) وذلك انه لما أقبل يريد قتل رسول الله
صلى الله عليه وسلم ذب مصعب بن عمير عن رسول الله عليه وسلم فقتله ابن
قميئة وهو يري انه قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم (رفاهية) بفتح الراء
وتخفيف التحتية أي رفاهة وهي السعة (اهاب) بكسر الهمزة أي جلد وروي الترمذي
عن على رضي الله عنه قال بينما نحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
اذ طلع علينا مصعب بن عمير ما عليه الابردة مرقعة بفروة فلما رآه رسول الله
صلى الله عليه وسلم بكا للذي كان فيه من النعمة ثم قال كيف بكم اذا غدا
أحدكم في حلة وراح في حلة أخرى ووضعت بين يديه صحفة ورفعت أخري وسترتم
بيوتكم كما تستر الكعبة قالوا يا رسول الله نحن يومئذ خير منا اليوم يكفي
المؤمن ويتفرغ للعبادة فقال بل أنتم اليوم خير منكم يومئذ (أخر) بالخاء
المعجمة أي أخر له أجره في الآخرة ولم يعط منه في الدنيا شيئا (في صحيح
البخاري) وصحيح مسلم أيضا وغيرهما (في بردة) بضم الموحدة واسكان الراء كساء
مخطط وفي رواية في الصحيحين بدله نمرة بفتح النون وكسر الميم (ان غطى رأسه
بدت رجلاه وان غطي رجلاه بدا رأسه) فامرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
نغطى بها رأسه ونجعل على رجليه من الاذحر ففيه وجوب تعميم البدن كما هو أحد
وجهين في مذهبنا وقد يستدل به على ان الواجب ستر العورة فقط قال النووي
وذلك لانه لو وجب التعميم لوجب على المسلمين تتميمه (وأراه) بضم الهمزة أى
أظنه (شماس المخزومي) بفتح المعجمة وتشديد الميم وآخره مهملة اسمه عثمان بن
عثمان بن شريد بن سويد بن هرمي بن عامر بن مخزوم بن يقظة بن مرة ذكره ابن
عبد البر وغيره (الجم الغفير) قال في الصحاح
(1/206)
والعدد الكثير فمنهم السيد النقيب العالي
المقام أبو جابر عبد الله بن عمرو بن حرام ذو المقامات العلية والكرامات
الجلية روينا في صحيح البخارى عن جابر رضي الله عنه قال لما قتل أبي يوم
أحد جعلت أبكى وأكشف الثوب عن وجهه فجعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
ينهوني والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينهنى وقال صلى الله عليه وسلم لم
تبكيه أو لا تبكه ما زالت الملائكة تظله باجنحتها حتى رفع وقد تقدم قريبا
انه احياه الله وكلمه كفاحا وكفى بذلك شرفا وتنويها دفن هو وابن عمه عمرو
بن الجموح في قبر واحد رضي الله عنهما ومنهم السيد الشريف الاواه المنيب
سعد بن الربيع النقيب رضي الله عنه شهد بدرا واستشهد بأحد وقال النبي صلى
الله عليه وآله وسلم من ينظر لنا ما فعل سعد بن الربيع فطلبه رجل فوجده وبه
رمق فقال له ابلغ النبى صلى الله عليه وآله وسلم عنى السلام وقل له جزاك
الله أفضل ما جزى نبيا عن أمته وأبلغ قومك عني السلام وقل لهم لا عذر لكم
عند الله ان خلص الى بيكم وعين منكم تطرف دفن هو وقريبه خارجة بن زيد في
قبر واحد رضي الله عنهما. والسيد العلم المبرور الصادق ربه فيما عاهده عليه
والمتبرى اليه مما صنعه المسلمون والمشركون والمعتذر اليه أنس ابن النضر عم
أنس بن مالك رضى الله عنه غاب عن قتال بدر فاسف عليه وقال لئن اشهدنى الله
قولهم جاؤا جما غفيرا والجماء الغفير وجماء الغفير بالمد في الجماء أى جاؤا
بجماعتهم الشريف والوضيع ولم يتخلف أحد منهم وكان فيهم كثرة انتهى فالجم
الغفير عبارة عن الكثرة (عبد الله بن عمرو بن حرام) بفتح المهملة والراء
ابن عمرو بن زيد مناة بن عدى بن عمرو بن مالك بن النجار وهو تيم اللات بن
ثعلبة ابن عمرو بن الخزرج قتله اسامة بن الاعور بن عبيد وقيل بل قتله سفيان
بن عبد شمس أبوابي الاعور (وتنويها) بالتاء الفوقية والنون أي ارتفاع صيت
وجميل ذكر (ودفن هو وابن عمه) في بعض طرق البخاري انهما كفنا أيضا في نمرة
واحدة وفيه وفي غيره ان جابرا لم تطب نفسه ان يتركه مع الآخر فاستخرجه بعد
ستة أشهر فاذا هو كيوم وضعه غير هنية في أذنه وللطبرانى الاهنية عند اذنه
وللحاكم كيوم وضعته غير أذنه سقط منه لفظ هنية وهي تصغير هناة أي شيء (عمرو
بن الجموح) بن زيد بن حرام (الاواه) الرجاع الى الله (المنيب) المقبل اليه
(فطلبه رجل من الانصار) هو أبي بن كعب كما في الاستيعاب وفي سير الواقدي
انه محمد بن مسلمة وفيها انه نادي في القتلى يا سعد بن الربيع مرة بعد مرة
فلم يجبه أحد حتي قال يا سعد ان رسول الله أرسلنى انظر ما صنعت فاجابه
حينئذ بصوت ضعيف وذكر الحديث (رمق) أي بقية من الروح (ان خلص) مبنى للمفعول
(تطرف) بفتح أوله ثلاثى (خارجة بن زيد) بالخاء المعجمة والراء والجيم
(العلم) بفتح العين واللام هو في الاصل من اسماء الجبل ثم صار يستعمل للمدح
(فاسف) أي فخزن حزنا شديدا
(1/207)
قتال المشركين ليرين الله ما أصنع فلما كان
يوم احد انكشف المسلمون فقال اللهم انى اعتذر اليك مما صنع هؤلاء يعنى
أصحابه وأبرأ اليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين ثم تقدم فاستقبله سعد بن
معاذ فقال أى سعداني أجد ريح الجنة دون أحد قال فما استطعت يا رسول الله ما
صنع قال أنس فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم
ووجدناه قد قتل ومثل به المشركون فما عرفه أحد الا أخته ببنانه قال انس كنا
نرى أو نظن ان هذه الآية نزلت فيه وفي اشباهه من المؤمنين رجال صدقوا ما
عاهدوا الله عليه الآية رواه البخارى والنحب النذر والنحب الموت أيضا
وكلاهما محتمل هنا لكن يؤيد الاول ما روى ان النبى صلى الله عليه وآله وسلم
نظر الى طلحة بن عبيد الله فقال من اراد ان ينظر الى رجل يمشي على وجه
الارض وقد قضى نحبه فلينظر الى هذا والله أعلم. والمسارع الي غرف الجنان
السيد مالك ابن سنان والد أبي سعيد الخدرى رضى الله عنه مص دم النبى صلى
الله عليه وسلم حين شج فقال صلى الله عليه وسلم من مس دمه دمي لم تصبه
النار ومنهم غسيل الملائكة الفرد المراقب السيد الجليل حنظلة ابن أبى عامر
الراهب أصيب يومئذ فقال صلى الله عليه وآله وسلم رأيت الملائكة تغسله فسئلت
زوجته فقالت لما سمع الهيعة خرج سريعا وهو جنب فلم يرجع ومنهم أميرا لرماه
بعيد المرماه (ليرين الله) بفتح التحيتين والنون المؤكدة ومن رأى بضم
التحتية الاولي وفتح الثانية والنون وكسر الراء من اري (إني أجدريح الجنة
دون أحد) قال النووي هو محمول على ظاهره وان الله أوجد ريحها من موضع
المعركة وقد ورد ان ريحها يوجد من مسيرة خمسمائة عام. قال القرطبى ويحتمل
انه قاله على معنى التمثيل أى ان القتل دون أحد موجب لدخول الجنة ولادراك
ريحها ونعيمها (ومثل به المشركون) بالتشديد والتخفيف (الا اخته) الربيع بنت
النضر (ببنانه) المشهور انه بموحدتين ونون أي طرف انامله (كنا نري) بضم
النون (وفي اشباهه) أى كمصعب بن عمير وحمزة (من المؤمنين رجال صدقوا ما
عاهدوا الله عليه) أى قاموا بما عاهدوا الله عليه ووفوا به (رواه البخاري)
ومسلم والترمذى من حديث انس (من أحب ان ينظر الى رجل الى آخره) أخرجه
الترمذي والحاكم من حديث جابر (مالك بن سنان) بن عبيد ابن ثعلبة بن الابجر
هو خدرة بن عوف بن الحرث بن الخزرج قتله عراك بن سفيان الكنانى (من مس دمه
دمى لم تصبه النار) أخرجه بمعناه ابن حبان في الضعفاء (رأيت الملائكة
تغسله) أخرجه ابن حبان والحاكم والطبراني من حديث ابن عباس وزاد ولم يغسله
النبى صلى الله عليه وسلم (فسألوا امرأته) اسمها جميلة بنت أبى سلمان وكان
ابتنى بها تلك الليلة وكانت عروسا عنده فرأت في النوم كأن بابا في السماء
قد فتح له فدخله ثم أغلق دونه فعلمت انه ميت من يومه فدعت رجالا حين أصبحت
من قومها فاشهدتهم على الدخول بها خشية ان يكون في ذلك نزاع ذكره الواقدي
(لما سمع الهيعة) بفتح الهاء واسكان التحتية تليها
(1/208)
المسارع الى الخير عبد الله بن جبير أخو
خوات بن جبير رضي الله عنهما حفظ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فثبت
حيث رتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل هنالك ومنهم الحريص على
الشهادة المغرر في طلبها بالجسد والروح عمرو بن الجموح كان قد كبرو عرج
ومنعه بنوه من الخروج معهم فأبى عليهم الا الخروج وقال ارجوان اطأبعرجتى
هذه في الجنة فخرج فاستشهد رضى الله عنه.
ومنهم الذي رضيه مولاه فدخل الجنة بغير صلاة الصادق الولي الأصير الاشهلي
رضي الله عنه كان مجانبا للاسلام فلما كان يوم أحد أسلم وخرج لفوره فاستشهد
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه من أهل الجنة* ومنهم السيد
الاسد الضرغام عمير بن الحمام رضي الله عنه قال للنبي صلى الله تعالى عليه
وآله وسلم أرأيت ان قتلت فأين انا قال في الجنة فألقى تمرات في يده ثم قاتل
حتى قتل* ومنهم السبعة النجباء الذين عرضوا أرواحهم دون روح النبي صلى الله
عليه وآله وسلم المصطفى على ما ورد في صحيح مسلم ان النبى صلى الله عليه
وآله وسلم أفرد يومئذ في سبعة من الانصار ورجلين من قريش فلما رهقوه قال من
يردهم عنى وله الجنة أو هو رفيقي في الجنة فتقدم رجل من الانصار فقاتل حتى
قتل ثم كذلك واحدا بعد واحد حتى قتل جميع السبعة فقال النبي صلى الله عليه
وآله وسلم لصاحبيه ما أنصفنا أصحابنا قيل كان آخرهم زياد بن السكن أو عمارة
بن يزيد بن السكن أدرك وبه رمق فقال النبي صلى الله عليه وسلم أدنوه منى
فأدنوه منه فوسده قدمه الشريفة حتى مات وخده على قدم النبي صلى الله تعالى
عليه وآله وسلم* ومنهم المتنافسان على الشهادة السابق لهما من الله تعالى
خطبة السعادة اليمان العين المهملة الصوت عند حضور العدو (المغرر) بضم
الميم وفتح المعجمة وكسر الراء أي المخاطر (الاصير) بالمهملة فالتحتية
فالراء مصغر لقب واسمه عمرو بن ثابت (الضرغام) بكسر المعجمة واسكان الراء
ثم غين معجمة أى الشديد الباس (عمير بن الحمام) بضم المهملة وتخفيف الميم
(قال للنبى صلى الله عليه وسلم أرأيت ان قتلت فاين انا الى آخره) تقدم ان
ابن عبد البر وغيره عد عمرا من شهداء بدر والصواب انه من شهدا أحدكما ذكره
الخطيب وغيره (ما أنصفنا أصحابنا) بسكون الفاء وأصحابنا منصوب مفعول أى ما
أنصفت قريش الانصار لكون القرشيين لم يخرجوا للقتال بل خرجت الانصار واحدا
بعد واحد وروي بفتح الفاء والمراد على هذا الذين فروا من القتال فانهم لم
ينصفوا لفرارهم (اليمان) لقب واسمه الحسل بضم الحاء وفتح السين المهملتين
ويقال حسل بكسر الحاء بن مالك. ويقال بن جابر بن أسيد بضم الهمزة بن جابر
ابن مالك ويقال بن عمرو بن ربيعة بن جروة بكسر الجيم ولقب جروة أيضا اليمان
وانما قيل لحسل اليمان لانه نسب الى جده جروة هذا وانما قيل لجروة اليمان
لانه أصاب في قومه دما فهرب الى المدينة فخالف
(1/209)
والد حذيفة وثابت بن وقش كانا قد كبرا
وضعفا فرفعا في الآطام مع النساء فنزلا وما بينهما وأخذا سيفيهما وخرجا
لوجوههما حتى تغمرا في المعركة فأصيب ثابت بأيدي المشركين وأصيب اليمان
بأيدى المسلمين غلطا فأراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يديه
فتصدق بها حذيفة رضي الله عنه فلما فرغ رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله
وسلم من بنى عبد الاشهل وهم من اليمن فسماه قومه اليمان لمحالفته اليمانية
ابن عبس بالموحدة بن معيص بن رثب بن غطفان ثم من قيس عيلان بن مضر (ابن
وقش) بالقاف الساكنة والشين المعجمة (تغمرا في المعركة) أى دخلا فى معظمها*
ذكر من بقي من شهداء أحد نقلتهم من الاستيعاب أبو زيد الانصارى وأبو بشير
بن أبى يزيد وأوس بن الارقم وثعلبة بن سعد بن مالك وثقف بن فروة بن الندي
وحارثة بن عمرو الساعدى والحارث ابن قيس بن أخي سعد بن معاذ استشهد وهو ابن
ثمان وعشرين سنة والحارث بن أوس الاوسي والحارث بن ثابت بن سفيان الخزرجي
والحارث بن ضرار الخزرجي والحرث بن عدي بن خرشة الانصاري الخطمى وحبيب بن
زيد بن تيم بن أسد البياضي والحباب وصيفى ابنا قيظى الانصاريان وخيثمة بن
الحارث الاوسى والد سعد بن خيثمة الشهيد يوم بدر قتله هبيرة بن أبي وهب
المخزومى وذكوان بن عبد قيس الزرقي قتله أبو الحكم بن الاخنس بن شريق ورافع
بن مالك بن العجلان الزرقي النقيب وباقي الستة النقباء وذكر منهم المصنف
سعد بن الربيع ورافع مولي غزية بن عمرو ورافع بن زيد الاشهلى ورفاعة بن
عمرو بن زيد الخزرجى وزياد بن السكن ومالك بن اياس الانصارى الخزرجى ومالك
بن ثابت بن غيلة المري ونوفل بن ثعلبة الخزرجي والنعمان بن عبد عمرو
الانصارى النجاري والنعمان بن مالك القوقلى الخزرجى قتله صفوان بن أمية
وصيفي بن قيظى قتله ضرار بن الخطاب وقد تقدم عند ذكر أخيه وضمرة بن عوف
حليف لبني طريف بن الخزرج وعبد الله بن قيس بن خالد الانصاري النجاري وقيل
توفي في خلافة عثمان وعبد الله بن سلمة العجلاني البلوى وحمل هو والمجذر
ابن دثار على ناضح واحد في عباءة واحدة وعبيد بن المعلى بن لوذان الانصاري
قتله عكرمة بن أبى جهل وعبيد بن التيهان قتله عكرمة أيضا وعبادة بن الخشخاش
الانصاري حلف لهم من بلى ودفن هو والمجذر ابن دثار ومالك بن النعمان في قبر
واحد قاله ابن اسحاق وعمرو بن معاذ أخو سعد قتله ضرار بن الخطاب وسنه اثنان
وثلاثون سنة وعمرو بن قيس بن مالك بن كعب بن عبد الاشهل الانصارى النجارى
يكنى أبا حمام وعمرو بن قيس بن عمرو الانصاري النجارى وابنه قيس بن عمرو
وعمرو بن مطرف أو مطرف بن علقمة الانصارى وعمرو بن ثابت بن وقش الانصاري
الاشهلى وعمارة بن أمية بن الخشخاش الانصارى النجاري وعامر بن مخلد
الانصاري النجارى وعمارة بن زياد بن السكن الانصاري الاشهلى وقد ذكره
المصنف والعباس بن عبادة بن نضلة العجلاني الخزرجى وعتبة بن ربيع الخدرى
الانصارى وعنترة السلمى ثم الذكوانى قتله نوفل بن معاوية الدئلي وقيس بن
مخلد بن ثعلبة النجارى الانصارى وقتادة بن النعمان بن
(1/210)
دفن الشهداء ورجع المدينة مر بامرأة من
الانصار وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها فلما نعوا اليها قالت ما فعل رسول
الله صلى الله عليه وسلم فأخبروها بسلامته قالت أرونيه فلما رأته قالت كل
مصيبة بعدك جلل تريد حقيرة ونعى الى حمنة بنت جحش أخوها عبد الله بن جحش
وخالها حمزة بن عبد المطلب فاسترجعت ثم نعي اليها زوجها مصعب بن عمير فصاحت
وولولت فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان زوج المرأة منها بمكان ولما
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بكاء نساء الانصار على قتلاهم ذرفت عيناه
وقال لكن الحمزة لا بواكي عليه فأمر سعد بن معاذ وأسيد بن حضير نساءهم ان
يبكين على الحمزة ويتركن قتلاهم فخرج صلى الله عليه وآله وسلم وهن يبكين
على باب المسجد قال ارجعن يرحمكن الله فقد آسيتن بأنفسكن ونهى عن النوح*
[مطلب في الكلام على غزوة حمراء الاسد]
غزوة حمراء الاسد وسببها ان قريشا لما انصرفوا من أحد وبلغوا الروحاء هموا
بالرجوع لاستئصال من بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زيد
الاوسى الظفرى وقيل استشهد يوم الخندق وقرة بن عقبة بن قرة الانصاري
الاشهلى حليف لهم وسعد بن سويد بن قيس بن عامر الخدرى وسعد بن سويد الخدري
وسعد بن خولى المذحجي مولى حاطب بن أبي بلنعة وسليمان بن عمرو بن حديدة
الانصاري الخزرجى وهو مولى عنترة المتقدم وسلمة ابن ثابت بن وقش الانصاري
الاشهلى قتله أبو سفيان بن حرب قاله ابن اسحق وسهل بن قيس بن كعب الانصارى
السلمي وقيس بن رومى بن قيس الانصاري الاشهلى ذكره الواقدي وسهل بن عدى بن
ابن يزيد الخزرجى وسويبق بن حاطب الانصارى قتله ضرار بن الخطاب ويزيد بن
السكن الانصاري الاشهلي وابنه عامر بن يزيد ويزيد بن حاطب الانصاري الاشهلى
ويسار مولي أبي الهيثم بن التيهان وأبو هبيرة قتله خالد بن الوليد وأبو نمى
مولى عمرو بن الجموح والله أعلم
(ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بامرأة من الانصار) رواه ابن
اسحاق ونقله عنه عياض في الشفاء ولم أقف على اسم المرأة وفي سيرة ابن اسحاق
انها من بنى دثار (فاخبروها بسلامته) لفظ الشفاء هو بحمد الله كما تحبين
(جلل) بجيم مفتوحة ولامين أي هين وصغير. قال الشمني ويطلق الجلل أيضا ويراد
به العظيم فهو من الاضداد (فاسترجعت) أي قالت انا لله وانا اليه راجعون
(وولولت) أي أعولت ودعت بالويل (ذرفت) بفتح الراء في الماضي وكسرها في
المستقبل أي سالت (آسيتن) بالهمزة أي عاونتن (ونهي يومئذ عن النوح) وهو رفع
الصوت بالندب والندب تعديد شمائل الميت* (غزوة حمراء الاسد) بفتح المهملة
وسكون الميم ثم راء مع المد والاسد على لفظ الاسد المعروف وهو موضع على
ثلاثة أميال من المدينة قاله في القاموس (وبلغوا الروحاء) بفتح الراء
وبالمد قرية على مرحلتين من المدينة زاد البغوى
(1/211)
فلما علم بهم النبى صلى الله عليه وسلم ندب
أصحابه للخروج موريا من نفسه القوة وقال لا يخرجن معنا الامن حضر يومنا
بالامس فانتدب منهم سبعون رجلا فهم الذين استجابوا لله وللرسول من بعد ما
أصابهم القرح فلما بلغوا حمراء الأسد وهي على ثمانية أميال من المدينة
مربهم معبد الخزاعي وكانت خزاعة نصحاء لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
مسلمهم وكافرهم فعزى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمن أصيب من أصحابه
ثم جاوزهم فلما انتهى الى قريش أخبرهم بمخرج رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم فهول بجيوشه قال والله لقد حملنى ما رأيت على ان قلت شعرا
كادت تهد من الاصوات راحلتي ... اذ مالت الارض بالجرد الابابيل
فى أبيات أنشدها فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه على الرجوع ومر عليهم ركب من
عبد القيس فجعل لهم أبو سفيان جعلا على أن يخبروا رسول الله صلى الله عليه
وسلم ومن معه ندموا على انصرافهم وتلاوموا وقالوا لا محمدا قتلتم ولا
الكواعب أردفتم قتلتموهم حتى اذا لم يبق الا الشريد تركتموهم ارجعوا
فاستأصلوهم (موريا) باسكان الواو وبفتحها وتشديد الراء (من حضر يومنا) أي
وقعتنا (سبعون رجلا) منهم العشرة وعبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان
وخالد بن عبد الله رضى الله عنهم (الذين استجابوا) أي أجابوا لِلَّهِ
وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ أى نالهم (القرح) الجرح (معبد
الخزاعي) أسلم بعد ذلك عده أبو الحسن العسكرى في الصحابة (عزى رسول الله
صلى الله عليه وسلم) فقال يا محمد والله لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك
ولوددنا ان الله أعفاك فيهم كما في تفسير البغوي وغيره (فلما انتهى الى
قريش) وهم حينئذ بالروحاء مجمعين الرجعة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقالوا قد أصبنا أصحابه وقادتهم فلنكر على بقيتهم فلنفرغن منهم فلما رأي
أبو سفيان معبدا قال ماوراءك يا معبد قال محمد قد خرج في أصحابه يطلبكم
(وهول بجيوشه) وقال هذا جمع لم أر مثله قط يتحرقون عليكم تحرقا قد اجتمع
معه من كان تخلف عنه في يومكم وندموا على صنيعهم وفيهم من الحنق عليكم شيء
لم أر مثله قط قال ويحك ما تقول قال والله ما أراك ترتحل حتى تري نواصى
الخيل قال فو الله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم قال فانى انهاك
عن ذلك (فو الله لقد حملني ما رأيت على ان قلت فيهم أبياتا) هذا لفظ البغوي
(كادت) أى قربت (تهد) تدك (من) كثرة (الاصوات راحلتي اذ مالت) في تفسير
البغوي اذ سالت (الارض بالجرد) جمع أجرد يقال فرس أجرد اذا رقت شعرته وقصرت
وهو مدح في الخيل (الابابيل) أى الكثيرة المتفرقة التى يتبع بعضها بعضا قال
أبو عبيدة أبابيل جماعات في تفرقة يقال جاءت الخيل الابابيل من هاهنا
وهاهنا (فثنى ذلك أبا سفيان) أي أرجعه (ومر عليهم ركب من عبد القيس) زاد
البغوي فقالوا اين تريدون قالوا نريد المدينة قالوا ولم قالوا نريد الميرة
قال
(1/212)
بأنهم يريدون الكرة عليهم فلما مر الركب
على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبروه وأصحابه بمقالة ابى سفيان قالوا
كما حكي الله عنهم حسبنا الله ونعم الوكيل وأقام رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم بحمراء الاسد ثلاثة أيام ثم رجع* وفي هذه الغزوة أخذ رسول الله
صلى الله عليه وسلم معاوية بن المغيرة الاموي جد عبد الملك بن مروان ابا
أمه وأبا عزة الجمحي الشاعر فأما معاوية فتشفع له عثمان فشفع فيه على انه
ان وجد بعد ثلاثة قتل فوجد بعدها فقتل واما أبو عزة الجمحى فكان النبي صلى
الله عليه وآله وسلم اسره ببدر ومن عليه بغير فدى لحاجة شكاها وعيال فأخذ
عليه أن لا يعين عليه فنكث فلما وقع الثانية شكا مثلها فقال النبى صلى الله
عليه وسلم لا والله لا تمسح عارضيك بمكة تقول خدعت محمدا مرتين ان المؤمن
لا يلدغ من جحر مرتين وامر بضرب عنقه*
[مطلب فى الكلام على غزوة النضير]
وفيها غزوة بنى النضير بعد أحد وقال الزهري عن عروة كانت على رأس ستة أشهر
من وقعة بدر قبل أحد وكان من حديثهم انهم كانوا صالحوا النبي صلى الله عليه
وآله وسلم حين قدم المدينة على أن لا يقاتلوا معه ولا يقاتلوه وهل أنتم
مبلغون محمدا عنى رسالة فاحمل لكم إبلكم هذه زبيبا بعكاظ غدا اذا وافيتم
قالوا نعم قال اذا جئتموه فاخبروه انا أجمعنا الرجعة اليه والى أصحابه
لنستأصل بقيتهم وانصرف أبو سفيان الى مكة (حسبنا الله) أي كافينا (ونعم
الوكيل) أى الموكول اليه الامور (فائدة) في صحيح البخاري عن ابن عباس حسبنا
الله ونعم الوكيل قالها ابراهيم حين القى في النار وقالها محمد رسول الله
صلى الله عليه وسلم حين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم وفي مسند
الفردوس عن شداد بن أوس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حسبي الله
ونعم الوكيل أمان لكل خائف* وفي هذه الغزوة (الاموى) بضم الهمزة نسبة الى
أمية بن عبد شمس (وأبا غزة) بفتح العين المهملة والزاى المعجمة اسمه عمرو
بن عبد الله والذي أسره غير ابن عبد الله قال السهيلى كذا ذكر بعضهم واحسبه
عبد الله بن عمران أحد بنى حذارة أو عبد الله بن عمير الحطمي اه (فنكث) أي
نقض (ان المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين) رواه الشيخان وأبو داود عن أبي هريرة
ورواه أحمد وابن ماجه عنه وعن ابن عمرو لفظهم لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين
زاد مسلم واحد مرتين. قال القاضي يروي يرفع يلدغ على الخبر ومعناه المؤمن
الممدوح هو الكيس الحازم الذى لا يستغفل فيخدع مرة بعد أخري ولا يفطن لذلك
وقيل ان المراد الخداع في أمور الآخرة دون الدين وروي بالجزم على النهي على
أن يؤتى من جهة الغفلة قال أبو عبيد معناه عندنا ينبغي لمن نكب من وجه ان
لا يعود الى مثله وعد القاضى في الشفا هذه اللفظة من جملة الفاظه التى لم
يسبق اليها صلى الله عليه وسلم والجحر بضم الجيم وسكون المهملة كل ثقب
مستدير في الارض (فائدة) استنبط بعضهم من هذا الحديث أن المرء اذا أذنب
وعوقب عليه في الدنيا أنه لا يعاقب عليه نانيا في الآخرة وهو استنباط حسن*
(وفيها غزوة بنى النضير) بفتح النون وكسر المعجمة قبيلة من اليهود (وقال
الزهري) هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب (على أن لا
يقاتلوا معه ولا يقاتلوه)
(1/213)
فنقضوا العهد وركب كعب بن الاشرف في أربعين
راكبا الى قريش فخالفهم قيل كان ركوبه بعد بدر وقيل بعد احد وكان النبي صلى
الله عليه وسلم قصدهم يستعينهم في دية الرجلين اللذين قتلهما عمرو بن أمية
الضمري حين افلت من غزوة بئر معونة فهموا بطرح حجر عليه من فوق الحصن
فأخبره جبريل فانصرف راجعا عنهم وأمر بقتل كعب بن الاشرف وأصبح غاديا عليهم
بالكتائب وكانوا بقرية يقال لها زهرة فوجدهم ينوحون على كعب فقالوا يا محمد
واعية على أثر واعية ثم حشدوا للحرب ودس اليهم اخوانهم من منافقى الانصار
ما حكاه الله سبحانه وتعالى عنهم لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ
مَعَكُمْ وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ فحاصرهم النبي صلى الله
عليه وآله وسلم احدى وعشرين ليلة وقطع نخيلهم وحرقها وهي البويرة وفيها
يقول حسان ابن ثابت يوبخ قريشا ويعيرهم بذلك
وهان على سراة بنى لؤي ... حريق بالبويرة مستطير
فأجابه ابو سفيان بن الحرث
أدام الله ذلك من صنيع ... وحرق في نواحيها السعير
زاد البغوي وأن يعينوه في الديات (فحالفوهم) وعاقدوهم على أن تكون كلمتهم
واحدة على محمد فدخل أبو سفيان في أربعين من قومه وكعب بن الاشرف في أربعين
من اليهود المسجد وأخذ بعضهم على بعض الميثاق بين الاستار والكعبة (قصدهم
يستعين الى آخره) زاد البغوى وخرج معه الحلفاء وطلحة وعبد الرحمن بن عوف
(أفلت) بالفاء مبنى للمفعول (بئر معونة) بفتح الميم وضم العين المهملة ونون
موضع في بلاد هذيل بين مكة وعسفان (فهموا بطرح حجر عليه) كان الذى هم بذلك
منهم رجل يقال له عمرو بن جحاش بجيم مفتوحة ومهملة مشددة وفي آخره معجمة.
قال الشمنى قتل كافرا ووقع في الشفا ان ذلك كان في خروجه الى بني قريظة وهو
خطأ (فانصرف راجعا عنهم) زاد البغوى ثم دعا عليا وقال لا تبرح من مقامك فمن
خرج عليك من أصحابي فقل توجه الى المدينة ففعل ذلك حتى تناهوا اليه فتبعوه
(بالكتائب) جمع كتيبة وهي الجماعة من الخيل سميت بذلك لاجتماعها (زهرة)
بفتح المعجمة وفتح الهاء (واعية اثر واعية) زاد البغوي وباكية على اثر
باكية قال نعم قالوا ذرنا نبكي سويعة ثم ائتمر امرك والواعية بالمهملة
كالباكية وزنا ومعنى (من منافقى الانصار) عبد الله بن أبى وأصحابه (لَئِنْ
أُخْرِجْتُمْ) من المدينة (لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ) منها (وَلا نُطِيعُ
فِيكُمْ أَحَداً) سألنا خذلانكم (أبدا فحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم
احدي وعشرين ليلة) وذلك بعد أن أرادوا الفتك به في اليوم الاول فارسلت
امرأة منهم ناصحة الى أخيها رجل من الانصار مسلم فأخبرته بما أرادوا فاعلم
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبح من الغد غاديا عليهم (وهي البويرة)
بموحدة مضمومة قال في التوشيح تصغير بورة وهي الحفرة وهي هنا مكان بين
المدينة وتيماء (وهان) في نسخة الكشميهنى لهان (سراة) جمع سرى وهو الرئيس
الشريف (مستطير)
(1/214)
ستعلم أينا منها بنزه ... وتعلم أى أرضينا
تضير
رواه البخارى ولما أمر النبى صلى الله عليه وآله وسلم بقطع النخيل واحراقها
ترددوا في ذلك فمنهم الفاعل ومنهم الناهي ورأوه من الفساد وعيرهم اليهود
بذلك فنزل القرآن العظيم بتصديق من نهى وتحليل من فعل فقال تعالى ما
قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها
فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ ولما اشتد على أعداء الله
الحصار قذف الله في قلوبهم الرعب وأيسوا من نصر المنافقين طلبوا الصلح من
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصالحهم على الجلاء وان لهم ما أقلت
الابل الا السلاح فخرجوا الى أذرعات واريحاء من الشام وخرج آخرون الى
الحيرة ولحق آل بنى الحقيق وآل حيى بن أخطب بخيبر فكانوا أوّل من أجلى من
اليهود كما قال أي مشتعل منتشر (بنزه) بنون مضمومة وزاى ساكنة أي ببعد يقال
تنزه عن الشئ أى بعد عنه (أرضينا) بالتثنية (تضير) بفتح المثناة وكسر
المعجمة من الضير وهو الضرر (تنبيه) في سيرة ابن سيد الناس عن أبي عمرو
الشيبانى ان القائل لهان على سراة بني لؤي أبو سفيان والقائل أدام الله
البيتين حسان عكس ما في الصحيح قال وهو الاشبه قال ابن حجر الذى في الصحيح
أصح لان قريشا وعدوا بنى النضير بالمساعدة والمظاهرة فلما وقع لبني النضير
ما وقع عير حسان بذلك قريشا وهم بنو لؤي فاجابه أبو سفيان بما أجاب إيذانا
بقلة المبالاة بهم فان العداوة كانت بينهم وبين أهل الكتاب أيضا وأشار في
جوابه الى أن خراب أرض بني النضير انما يضر الارض المجاورة لها وهى المدينة
لا مكة (رواه البخاري) ومسلم وأبو داود والترمذي عن ابن عمر زاد مسلم في
رواية وفيها نزلت ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فباذن
الله (ولما أمر النبي صلي الله عليه وسلم بقطع النخيل واحراقها) خرج أعداء
الله عند ذلك وقالوا زعمت أنك تريد الصلاح أفمن الصلاح عقر الشجرة وقطع
النخل وهل وجدت فيما زعمت أنه أنزل عليك الفساد في الارض فوجد المسلمون في
أنفسهم من قولهم وخشوا أن يكون ذلك فسادا (ما قطعتم من لينة) هي أنواع
التمر كلها الا العجوة وقيل كرام النخل وقيل كل النخل وقيل كل الاشجار وقيل
ضرب من النخل شديد الصفرة يري نواه من خارج ثمر النخلة منها وهى أحب صنف
اليهم منه (الجلاء) بفتح الجيم والمد هو الخروج من الوطن (أقلت الابل) أى
ما حملت (الا السلاح) بالنصب وقال ابن عباس على أن يحمل أهل كل اثنين على
بعير ما شاؤا من متاعهم وللنبى صلى الله عليه وسلم ما بقي وقيل أعطى كل
ثلاثة نفر وسقا (أذرعات) بفتح الهمزة واسكان المعجمة وكسر الزاى بعدها
مهملة فالف ففوقية (وأريحاء) بفتح الهمزة وكسرا الراء واسكان التحتية ثم
مهملة ثم همزة ممدودة مواضع بقرب بلاد طي على ساحل البحر في أوّل طريق
الشام من المدينة (الحيرة) بكسر المهملة ثم تحتية ساكنة مدينة معروفة عند
الكوفة قال الشمنى وأخرى عند نيسابور (آل أبي الحقيق) بمهملة وقافين بينهما
تحتية مصغر (بخيبر) بفتح المعجمة واسكان التحتية وفتح الموحدة على وزن حيدر
مدينة على ثمانية برد من المدينة الى جهة
(1/215)
تعالى لاول الحشر والحشر الثاني من خيبر في
أيام عمر بن الخطاب فكانت أموال بنى النضير خالصة لرسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم فقسمها بين المهاجرين لحاجتهم وفقرهم ولم يعط الانصار شيأ
الاثلاثة نفر كانت لهم حاجة ابو دجانة وسهل بن حنيف والحارث بن الصمة فطابت
بذلك أنفس الانصار واثنى عليهم بذلك العزيز الغفار فقال ولا يجدون في
صدورهم يعنى الانصار حاجة اى حسدا مما أوتوا يعني المهاجرين رضي الله عنهم
اجمعين*
[مطلب في الكلام على غزوة بدر الصغرى]
وفي ذى القعدة منها كانت غزوة بدر الثالثة وهي بدر الصغرى ذكرها النووى
ورتبها قبل بني النضير وذكرها غير واحد فى الرابعة وهو موافق لما ذكر فيها
انهم تواعدوا لها يوم احد العام القابل وكانت احد في الثالثة وسببها ان ابا
سفيان حين انصرف من احد واعد رسول الله صلى الله عليه وسلم موسم بدر وكانت
سوقا من أسواق الجاهلية يجتمعون اليها في كل عام ثمانية أيام فلما كان ذلك
خرج أبو سفيان بمن معه حتى نزل مجنة من ناحية مر الظهران وقيل بلغ عسفان
وبداله الرجوع وتعلل بمحل العام وعدم المرعي قيل وجعل جعلا لبعض العرب على
أن يلقوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويثبطوه فلما رجع أبو سفيان
عيرهم أهل مكة وسموهم جيش السويق يقولون انما خرجتم لذلك وخرج رسول الله
صلى الله عليه وسلم بمن معه واستعمل على المدينة الشام سميت باسم رجل نزلها
من العماليق (والحشر الثاني من خيبر في أيام عمر رضى الله عنه) وقيل نار
تحشرهم من المشرق الى المغرب تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا
(أبو دجانة) بضم المهملة وتخفيف الجيم اسمه سماك كاسم النجم بن أوس بن خرشة
بمعجمتين بينهما راء مفتوحات استشهد يوم اليمامة في الاصح وقيل عاش وشهد
صفين (ابن حنيف) بالمهملة والنون فالتحتية فالفاء مصغر (ابن الصمة) بكسر
المهملة وتشديد الميم كما مر (خاتمة) ذكر ابن عياض في تفسير سورة الحشر انه
لم يسلم من بني النضير الارجلين أحدهما أبو سفيان بن عمير والثانى سعد بن
وهب أسلما على أموالهما فاحرزاها نقله ابن شاهين في كتاب الصحابة (وفي ذى
القعدة) بفتح القاف أشهر من كسرها ذكرها النووى في سير الروضة (مر الظهران)
قرية على ستة عشر ميلا من مكة مما يلي الشام سميت بذلك لمرارة مائها قلت
ماؤها الآن عذب وهو الموضع ألذى تسميه العامة وادى مر (عسفان) بضم العين
واسكان المهملتين بئر قريبة من خليص بينها وبين مكة أربعة برد وسميت به لان
السيول تعسفها (وبداله) بغير همز (بمحل العام) أى جدبه وهو بفتح الميم
واسكان المهملة (وجعل جعلا) كان الجعل عشرا من الابل (لبعض العرب) هو نعيم
بن مسعود الاشجعى الذى أسلم يوم الخندق (أن يلقوا) بفتح القاف (ويثبطوه)
بالمثلثة فالموحدة فالمهملة أى يعوقوه ففعل نعيم بن مسعود ما قاله أبو
سفيان فكره أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم والذي نفسى بيده لاخرجن ولو وحدى فاما الجبان فانه رجع وأما
الشجاع فانه تأهب للقتال وقال
(1/216)
عبد الله بن عبد الله بن أبى بن سلول وجعل
كفار العرب يلقونهم ويخبرونهم بجمع أبى سفيان فيقول حسبنا الله ونعم الوكيل
حتى نزلوا بدرا ووافقوا السوق وأصاب الدرهم در همين وانصرفوا الى المدينة
سالمين فذلك قوله تعالى فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ
لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ الآية وفي ذلك يقول عبد الله بن رواحة وقيل كعب بن
مالك رضي الله عنهما وأرضاهما
وعدنا أبا سفيان بدرا فلم نجد ... لميعاده صدقا وما كان وافيا
فأقسم لو وافيتنا فلقيتنا ... لابت ذليلا وافتقدت المواليا
تركنا بها أوصال عتبة وابنه ... وعمرا أبا جهل تركناه تاويا
عصيتم رسول الله أف لدينكم ... وأمركم السئ الذى كان غاويا
فاني وان عنفتمونى لقائل ... فدى لرسول الله أهلى وماليا
أطعناه لم نعدله فينا بغيره ... شهابا لنا في ظلمة الليل هاديا
[مطلب في سرية عاصم بن ثابت الأنصاري وخبر ذلك]
وفيها من السرايا سرية عاصم بن ثابت الانصارى قال ابن اسحق كانت بعد احد
حسبنا الله ونعم الوكيل كما في تفسير البغوي وغيره (عبد الله بن عبد الله
بن أبيّ بن سلول) بتنوين أبى ويكتب ابن سلول بالالف وسلول لا ينصرف وهي أم
عبد الله بن أبيّ (فانقلبوا) أى انصرفوا أورجعوا (بنعمة) أى بعافية (من
الله وفضل) أى تجارة وربح وما أصابوا في السوق (لم يمسسهم) أى لم يصبهم
(سوء) أى اذي ولا مكروه (واتبعوا رضوان الله) أي طاعته وطاعة رسوله لانهم
قالوا هل يكون هذا غزوا فاعطاهم الله ثواب الغزو ورضى عنهم (وعدنا) أي
واعدنا (وافيتنا) فيه التفات الى الخطاب (لابت) أى رجعت (وافتقدت) أي فقدت
(المواليا) بالف الاطلاق وأراد بني العم (عتبة) بن ربيعة (وابنه) الوليد بن
عتبة (تاويا) بالفوقية أى هالكا ويجوز بالمثلثة أي مقيما لم يبرح لهلاكه
(أف) قال أبو عبيد هى كلمة كراهة وأصل الاف والتف الوسخ على الاصابع اذا
فتلتها وقيل الاف ما يكون في المغابن من الوسخ والتف ما يكون في الاصابع
وقيل الاف وسخ الاذن والتف وسخ الاظفار وقيل الاف وسخ الظفر والتف ما رفعت
بيدك من الارض من شيء حقير ويستعمل جوابا عما يستقذر وعما يتضجر منه وفيها
عشر لغات ضم الهمزة مع سكون الفاء وتشديدها بالحركات وبغير تنوين وباشباع
الفتحة مع التشديد وبكسر الهمزة مع فتح الفاء المشددة وبفتح الهمزة وتشديد
الفاء بعدها هاء منقلبة مفتوحة منونة أيضا (وأمركم السيء) بفتح المهملة ثم
همزة أى الشئ حذف احدى يائيه للوزن (غاويا) بالمعجمة أى ضالا (عنفتموني)
بالمهملة والنون والفاء أي لمتموني (فدى) بكسر الفاء مقصور (وماليا) بألف
الاطلاق (شهابا) هو من أسماء النجم كما سبق* وفيها من السرايا (عاصم بن
ثابت) هو ابن أبي الاقلح بالقاف والمهملة والاقلح لقب واسمه قيس بن غنيمة
بن النعمان الاوسي عده ابن شاهين
(1/217)
وكان من حديثها ان النبي صلى الله عليه
وسلم بعثه في عشرة عينا فلما كانوا بالرجيع ماء لهذيل بين عسفان ومر
الظهران وعسفان على مرحلتين من مكة ذكروا لبنى لحيان من هذيل فتبعهم منهم
نحو من مائة رام فلما احس بهم عاصم واصحابه لجؤا الى مرتفع من الارض وأحاط
بهم القوم وأعطوهم العهد ان استسلموا والقوا بأيديهم لا يقتلون منهم أحدا
فقال عاصم اما انا فلا انزل في ذمة كافر ابدا اللهم اخبر عنا رسولك فرموهم
حتى قتلوا عاصما في سبعة ونزل اليهم خبيب بن عدى وزيد بن الدثنة وعبد الله
بن طارق بالامان فربطوهم بأوتار قسيهم فقال عبد الله بن طارق هذا أوّل
الغدر والله لا أصحبكم ابدا فقتلوه فانطلقوا بخبيب وزيد فباعوهما بمكة
فاشترى خبيبا بنو الحرث بن عامر بن نوفل وكان قتل أباهم ببدر فمكث عندهم
أسيرا أياما فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه صلي ركعتين وقال لولا في
الصحابة وتبعه ابن الاثير (في عشرة) سمي منهم عاصم وحبيب بن عدي ومرثد بن
أبي مرثد الغنوى وخالد بن بكير وعبد الله بن طارق وزيد بن الدثنة ومعتب بن
عبيد بن اياس البلوي (عينا) أي يتجسسون له أخبار قريش وفي تفسير البغوي
وغيره ان قريشا بعثوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة انا
قد أسلمنا فابعث الينا نفرا من علماء أصحابك يعلموننا دينك وكان ذلك مكرا
منهم فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحاب السرية اليهم (بالرجيع)
بالراء والجيم مكبر (لهذيل) بالمعجمة مصغر (فذكروا) ذكرتهم عجوز مرت بموضع
نزولهم بالرجيع فابصرت نوى التمر وكانوا أكلوا عجوة فرجعت الى قومها
فأخبرتهم ان قوما من أهل يثرب سلكوا الطريق كما في تفسير البغوي وغيره وفي
صحيح البخارى فاقتصوا آثارهم حتى أتوا منزلا نزلوه فوجدوا فيه نوى تمر
تزودوه من المدينة فقالوا هذا تمر يثرب (لبني لحيان) بكسر اللام وقيل
بفتحها وسكون الحاء المهملة (من نحو مائة رام) في رواية في البخاري من
مائتي رام وفي تفسير البغوى فركب سبعون رجلا منهم معهم الرماح حتى أحاطوا
بهم (الى مرتفع) في بعض روايات البخاري الى فدفد بفائين مفتوحتين ومهملتين
الاولى ساكنة وهى الرابية المشرفة ولابي داود قردد بقاف وراء ومهملتين
الموضع المرتفع (حتى قتلوا عاصما) بعد ان قتل منهم سبعة كما في تفسير
البغوى وغيره (في سبعة) منهم مرثد وخالد (خبيب) بضم المعجمة ابن عدى بن
مالك بن عامر الاوسي من البدريين (ابن الدثنة) بفتح الدال المهملة وكسر
المثلثة ثم نون قال ابن دريد هو من قولهم دثن الطائر اذا طار حول وكره ولم
يسقط عليه (ابن طارق) بالمهملة والقاف آخره (قسيهم) جمع قوس (فباعوهما
بمكة) قال ابن هشام بأسيرين كانا من هذيل (بنو الحارث) تولى شراءه منهم حجر
بن أبى اهاب التميمي كما في سيرة ابن اسحاق (كان قتل أباهم يوم بدر) تعقبه
الدمياطي بأن خبيبا لم يذكره أحد من أهل المغازي فيمن شهد بدرا وانما الذي
قتل الحارث خبيب بن اساف وهو غير ابن عدى (صلى ركعتين) زاد البغوي وكان
خبيب هو أوّل من سن
(1/218)
ان تروا ان ما بي جزع لزدت ثم قال اللهم
احصهم عددا واقتلهم بددا ولا تبق منهم أحدا وأنشد شعرا
فلست أبالى حين أقتل مسلما ... على أى شق كان في الله مصرعى
وذلك في ذات الاله وان يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع
ثم قتلوه وصلبوه رحمة الله عليه قالت احدى بنات الحارث ما رأيت أسيرا قط
خير امن خبيب لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما بمكة يومئذ من ثمرة وانه لموثق
في الحديد وما كان هو الا رزق رزقه الله خبيبا خرجه بكثير من ألفاظه
البخاري واما زيد فاشتراه صفوان بن أمية فقتله بأبيه لكل مسلم قتل صبرا
الصلاة (اللهم احصهم) بقطع الهمزة (بددا) روي بفتح الباء الموحدة أي
متفرقين وبكسرها جمع بدة وهي القرحة والقطعة من الشيء المبدد ونصبه على
الحال من المدعو عليهم قال السهيلي فان قيل هل أجيبت فيهم دعوة خبيب
والدعوة على تلك الحال من مثل ذلك العبد مستجابة قلنا أصابت منهم من سبق في
علم الله انه يموت كافرا ومن أسلم منهم فلم يعنه خبيب ولا قصده بدعائه ومن
قتل منهم كافرا بعد هذه الدعوة فانما قتلوا بددا غير معسكرين ولا مجتمعين
كاجتماعهم في أحد وقبل ذلك في بدر وان كان الخندق بعد قصة خبيب فقد قتل
منهم آحاد متبددون ثم لم يكن لهم بعد ذلك جمع ولا معسكر غزوا فيه فنفذت
الدعوة على صورتها فيمن أراد خبيب وحاشا له ان يكره ايمانهم واسلامهم (ولست
أبالي) في رواية في الصحيحين ما أبالي (على أي جنب) وفي رواية على أى شق
(وذلك في ذات الاله) فيه دليل على جواز اطلاق الذات عليه تعالى (على أوصال)
أى أعضاء جمع وصل وهو العضو (شلو) بكسر المعجمة الجسد (ممزع) بزاى ثم مهملة
أي مقطع وقيل مفرق (ثم قتلوه) وكان قتله بالتنعيم وتولى قتله أبو سروعة
عقبة بن الحارث وقيل أخوه قال البغوى ويقال كان رجل من المشركين يقال له
سلامان أبو ميسرة معه رمح فوضعه بين ثديي خبيب فقال له خبيب اتق الله فما
زاده ذلك الا عتوا فطعنه فأنفذه (وصلبوه) أى بعد قتله كما يدل عليه ما يأتي
وفي رواية للبغوي فصلبوه حيا فيحمل على انهم صلبوه حيا ثم قتلوه ثم صلبوه
ثانيا (قالت احدى بنات الحارث) اسمها زينب كذا في التوشيح وفي مسند أبي
القاسم البغوي انها مارية بالراء أو ماوية بالواو بنت حجر بن أبى اهاب (قطف
عنب) بكسر القاف واسكان المهملة العنقود زاد البغوى في مسنده مثل رأس الرجل
(أخرجه بكثير من ألفاظه البخاري) وأبو داود عن أبى هريرة وفي الحديث انهم
لما أجمعوا قتله استعار موسى من بعض بنات الحارث ليستحد بها أي بحلق عانته
فاعارته قالت فغفلت عن صبي لى فدرج اليه حتي أتاه فوضعه على فخذه فلما
رأيته فزعت فزعة حتي عرف ذلك منى وفي يده الموسى قال اتخشين ان أقتله ما
كنت لافعل ذلك ان شاء الله تعالى والصبي هو أبو الحسين ابن الحارث (واما
زيد فاشتراه صفوان بن أمية فقتله بأبيه) أخرجه ابن سعد وفي تفسير البغوي
انه بعثه
(1/219)
وروى انهم حين قربوه للقتل قال له أبو
سفيان أنشدك الله يا زيد أتحب ان محمدا الآن عندنا بمكانك يضرب عنقه وأنت
في أهلك قال والله ما أحب ان محمدا الان في مكانه الذى هو فيه تصيبه شوكة
تؤذيه وأنا جالس في أهلى وأرسل أهل مكة لرأس عاصم فحمته الدبر وهي الزنابير
من رسلهم فسمى حمى الدبر فلما أمسى من ليلته جاء سيل فاحتمله الى الجنة
وكان أعطي الله عهدا ان لا يمس مشركا ولا يمسه مشرك فأتم الله له ذلك وقال
النبي صلى الله عليه وسلم لاصحابه ايكم يحمل خبيبا على خشبته وله الجنة
فخرج لذلك الزبير والمقداد فحمله الزبير على فرسه فأغار بعدهم الكفار فلما
رهقوهم ألقاه الزبير فابتلعته الارض فسمى بليع الارض قال ابن عباس وفيهم
نزل قوله تعالى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي
مع مولى له يسمى نسطاس الى التنعيم فقتله (وروى انهم حين قربوه للقتل الى
آخره) نقله البغوى في التفسير عن ابن اسحاق (أنشدك الله) بفتح الهمزة وضم
الشين أى أسألك بالله (وأنا جالس في أهلى) زاد البغوى فقال أبو سفيان ما
رأيت أحدا من الناس يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا ثم قتله نسطاس (فائدة)
ذكر ابن عقبة ان الذي قيل له أتحب هو خبيب بن عدى حين رفع الى الخشبة
والجمع بينهما انهما قالوا لهما معا (وأرسل أهل مكة لرأس عاصم) وكان قتل
عظيما من عظمائهم كما في الحديث والعظيم هو عقبة بن أبي معيط وفي تفسير
البغوي فلما قتلوه أرادوا جز رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن سهيل وكانت
قد نذرت حين أصاب ابنها يوم أحد لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن في قحفه
الخمر (فحمته) بفتح المهملة والميم أي منعته (الدبر) بفتح المهملة وسكون
الموحدة (وهي الزنابير) وقيل ذكور النحل وقيل جماعة النحل (جاء سيل فاحتمله
الى الجنة) زاد البغوي وحمل خمسين من المشركين الى النار (وكان أعطى الله
عهدا ان لا يمس مشركا ولا يمسه مشرك) وكان عمر يقول حين بلغه ان الدبر
منعته عجبا لحفظ الله العبد المؤمن كان عاصم نذر ان لا يمسه مشرك ولا يمس
مشركا فمنعه الله بعد وفاته كما امتنع حال حياته (ايكم يحمل) وفي التفسير
ينزل (خبيبا على خشبته) أي التي صلب عليها (فخرج لذلك الزبير) بن العوام
(والمقداد) بن عمرو زاد البغوى فخرجا يمشيان بالليل ويكمنان بالنهار فأتيا
التنعيم ليلا فاذا حول الخشبة أربعون رجلا من المشركين نيام نشاوي فأنزلاه
فاذا هو رطب يتثني لم يتغير منه شئ بعد أربعين يوما ويده على جراحته وهي
تبض دما اللون لون الدم والريح ريح المسك (فأغار بعدهم الكفار) وكانوا
سبعين (فلما رهقوهما) بكسر الهاء أى غشوهما ودنوا منهما (فسمي بليع الارض)
زاد البغوي فقال الزبير ماجرأكم علينا يا معاشر قريش ثم رفع العمامة عن
رأسه فقال أنا الزبير بن العوام وأمي صفية بنت عبد المطلب وصاحبي المقداد
بن الاسود أسدان رابضان يدفعان عن شبليهما فان شئتم ناضلتكم وان شئتم
نازلتكم وان شئتم انصرفتم فانصرفوا الى مكة (قال ابن عباس) في رواية عنه
والضحاك وفيهم نزلت (ومن الناس من يشري)
(1/220)
نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ
وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ وبعد مقتل خبيب واصحابه بعث رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم عمرو بن أمية الضمرى وجبار بن صخر الانصاري ليقتلا أبا
سفيان غيلة فقدما مكة لذلك في خفية فشهرا وخرجا هاربين ولم يقعا على ما
أراد اذكره ابن هشام دون ابن اسحق*
[مطلب في سيرته بئر معونة وخبر ذلك]
وفيها أو في أوّل الرابعة سرية اصحاب بئر معونة وسببها انه قدم أبو براء
عامر بن مالك بن جعفر الكلابى العامرى ملاعب الاسنة على رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الاسلام فلم
يسلم ولم يبعد وقال يا محمد ابعث رجالا من اصحابك الى أهل نجد يدعوهم الى
أمرك وانا لهم جار فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين رجلا من خيار
المسلمين قال أنس بن مالك كنا نسميهم القراء أي يبيع (نفسه ابتغاء) أي طلب
(مرضاة الله) أي رضاه (والله رؤف بالعباد) وقيل نزلت في صهيب ابن بشار
الرومي وقيل نزلت في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وروى عن ابن عباس
أيضا (وجبار) بفتح الجيم وتشديد الموحدة (ابن صخر) بفتح المهملة واسكان
المعجمة ثم راء ابن أمية السلمي بفتحتين يكني أبا عبد الله شهد العقبة ثم
المشاهد (غيلة) بكسر المعجمة أى من حيث لا يشعر (فشهرا) مبني للمفعول وفيها
أى الثالثة أو في أوّل الرابعة أى في شهر صفر على رأس أربعة أشهر من أحد
كما قاله ابن اسحق (بئر معونة) بفتح الميم وضم المهملة ونون موضع في بلاد
هذيل بين مكة وعسفان وقال ابن اسحق أرض بين أرض بنى عامر وحرة بنى سليم
(أبو براء) بفتح الموحدة والراء المخففة والمد (ملاعب الاسنة) أى الرماح
قال السهيلي سمى بذلك يوم سونان وهو يوم كانت فيه وقعة في أيام جبله وهي
أيام حرب كانت بين قيس وتميم وجبلة اسم لهضبة عالية قال وكان سبب تسميته
ملاعب الاسنة يومئذ ان أخاه الطفيل فر وأسلمه فقال شاعر
فررت وأسلمت ابن أمك عامرا ... ملاعب أطراف الوشيج المزعزع
فسمى ملاعب الرماح وملاعب الاسنة انتهى (فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه
وسلم) قال البغوى أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدية فأبى أن يقبلها
وقال لا أقبل هدية مشرك فأسلم ان أردت ان أقبل هديتك (وقال يا محمد) ان
الذى تدعو اليه حسن جميل (ابعث رجالا) الى آخره (سبعين رجلا من خيار
المسلمين) زاد البغوي منهم الحارث بن الصمة وحرام بن ملحان وعروة بن أسماء
بن الصلت السلمى ونافع بن بديل ابن ورقاء الخزاعى وعامر بن فهيرة انتهى قلت
ومنهم المنذر ابن عمرو الانصارى الساعدي وهو أمير القوم كما ذكره المؤلف
أحد النقباء ومالك بن ثابت الانصارى ومسعود بن سعد الزرقى ومسعود بن سعد
الزرقي وهو غير الاول والمنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة الاوسي وعابد بن
ماعص الزرقى وقطبة بن عمرو بن مسعود الاشهلي وسعد بن عمرو بن ثقف واسم ثقف
كعب بن مالك الانصاري الخزرجي وابنه الطفيل بن سعد وابن أخيه سهل بن عامر
وسفيان بن ثابت الانصارى هو وأخوه مالك بن ثابت وسليم بن ملحان أخو
(1/221)
كانوا يحتطبون بالنهار ويصلون بالليل وامر
عليهم النبى صلى الله عليه وآله وسلم المنذر بن عمرو الانصارى الساعدى أحد
النقباء فساروا حتي نزلوا ببئر معونة فلما نزلوها انطلق حرام بن ملحان الى
رأس المكان عامر بن الطفيل ليبلغه رسالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فأتاهم فجعل يحدثهم وأومأ الى رجل فأتاه من خلفه فطعنه بالرمح فقال حرام
الله أكبر فزت ورب الكعبة فأخذ من دمه فنضحه على وجهه ورأسه فرحا بالشهادة
وفخرا بها ثم استصرخ بني عامر فأبوا عليه وقالوا لن نخفر ابا براء في جواره
فاستصرخ عليهم قبائل سليم وعصية ورعلان وذكوان فاجابوه وقتلوا أصحاب السرية
عن آخرهم الاكعب بن زيد فانه بقى به رمق فعاش واستشهد يوم الخندق وفي صحيح
البخارى قتلوهم كلهم لم يبق غير اعرج كان في رأس جبل وكان في سرحهم عمرو بن
أمية الضمري وانصارى فلما راحا وجدا اصحابهما صرعى والخيل التي أصابتهم
واقفة فقتلوا الانصارى واطلقوا عمرا حين أخبرهم انه من ضمرة فخرج عمرو حتي
اذا كان بقناة أقبل رجلان فنزلا معه في ظل هو فيه حرام وأبو عبيدة بن عمرو
الانصارى النجاري وعبيدة الانصارى وأبي بن معاذ بن أنس النجاري وأخوه أنس
بن معاذ ذكر هؤلاء ابن عبد البر وغيره (كانوا يحتطبون) بالحاء المهملة
(حرام بن ملحان) بالراء وهو أخو أم سليم وأم حرام بنتي ملحان بكسر الميم
واسكان اللام ثم حاء مهملة (ليبلغه رسالة رسول الله) صلى الله عليه وسلم
وكانت تلك الرسالة كتابا دفعه الى عامر بن الطفيل فابي ان ينظر اليه أخزاه
الله وأبعده (فجعل يحدثهم) ويقول يا أهل بئر معونة انى رسول رسول الله صلى
الله عليه وسلم اليكم أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله
فآمنوا بالله ورسوله (وأومأ) بالهمز ويجوز تركه أي أشار (فاتاه من خلفه
فطعنه بالرمح) فطعنه في جنبه حتى خرج من الشق الآخر (فنضحه) بالمهملة ويجوز
اعجامها أى رشه (لن نخفر) بالضم رباعي أي ننقض خفرته أى جواره (قبائل سليم)
بالضم (عصية) بفتح العين وفتح الصاد المهملتين ثم تحتية مشددة بطن من بني
سليم (ورعلا) بكسر الراء وسكون المهملة بطن (وذكوان) بالمعجمة بطن منهم
أيضا (الا كعب بن زيد) بالنصب (غير أعرج) هو كعب بن زيد المذكور آنفا (وكان
في سرحهم عمرو بن أمية الضمري وانصاري) هو المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة
بن الجلاح أحد بني عمرو بن عوف زاد البغوي فلم ينبئهما بمصاب أصحابهما الا
الطير تحوم في العسكر فقالا والله ان لهذه الطير لشأنا فاقبلا لينظرا فاذا
القوم في دمائهم (فقتلوا الانصاري) وذلك انه قال لعمرو بن أمية ماذا تري
قال أري ان نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره فقال الانصارى لكني
ما كنت لارغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو ثم قاتل القوم حتى قتل
(وأطلقوا عمرا) بعد ان جز عامر بن الطفيل ناصيته وأعتقه عن رقبة زعم انها
كانت على أمه (بقناة) بالقاف
(1/222)
فتحدث معهما واخبراه انهما من بنى عامر
فامهلهما حتي ناما فقتلهما وكان معهما عقد وجوار من رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم لم يعلم به فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وأخبره قال لقد قتلت قتيلين لأدينهما (قال المؤلف) في خبر بئر معونة تنازع
واختلاف لمن تأمله من ذلك ان ابن اسحق وتبعه غيره ذكروا ان بئر معونة كانت
في صفر سنة أربع وذكر النووي في غيره ان بنى النضير في الثالثة ثم روى اهل
التواريخ جميعا ان سبب غزوة بنى النضير خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم
اليهم يستعينهم في دية الرجلين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمرى رجوعه من
بئر معونة فتعين بذلك ان بئر معونة قبل بني النضير* ومنها ما ذكر اهل السير
ان عددهم أربعون والوجه ما رواه البخارى والمحدثون انهم سبعون* ومنها ان
البخارى روى عن انس ان رعلا وذكوان وعصية وبنى لحيان استمدوا رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم وفي رواية أخرى ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم
بعثهم لحاجة والصواب ان خروجهم انما كان بسؤال ابي براء كما تقدم وان
القبائل المذكورين انما استصرخهم عامر على أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم حين أبى منه بنو عامر وان بنى لحيان لم يكونوا معهم وانما قتلوا اصحاب
سرية الرجيع ولما انتهى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر مصابهم قال
هذا عمل أبي براء قد كنت لهذا كارها متخوفا وشق على ابي براء اخفار عامر
اياه وقال حسان بن ثابت يحرضه ويؤنبه في الطلب
بني ام البنين ألم يرعكم ... وأنتم من ذوائب اهل نجد
تهكم عامر بأبي براء ... ليخفره وما خطأ كعمد
الا أبلغ ربيعة ذا المساعي ... فما أحدثت في الحدثان بعدى
ابوك ابو الحروب ابو براء ... وخالك ماجد حكم بن سعد
ثم ان ربيعة بن أبى براء حمل على عامر بن الطفيل فطعنه طعنة أرداه عن فرسه
فقال عامر (لا دينهما) بلام القسم ثم همزة ثم مهملة مكسورة ثم تحتية مفتوحة
ثم نون التأكيد أي لاؤدين ديتهما (يحرضه) بالحاء المهملة والضاد المعجمة أي
يحثه (بني أم البنين) اسمها ليلة بنت عامر وكنيت باولادها الاربعة قال لبيد
(نحن بني أم البنين الاربعة) (ألم يرعكم) بفتح أوله وضم الراء أى لم يفزعكم
ويفجعكم (ذوائب) جمع ذؤابة وهى طرف الشيء (تهكم عامر) أي تعييبه (الحدثان)
بكسر الحاء واسكان الدال المهملتين أي القرب يقول كنت أعهدك قديما شجاعا
فما أدري ما حدث لك في القرب هل أنت كما أعهد أولا (ماجد) أي كريم (أرداه
عن فرسه) أي أسقطه عنه
(1/223)
هذا عمل أبى براء ان أمت فدمي لعمي فلا
يتبعن به وإن أعش فسأرى رأيى فيما أتي إلي وعاش عامر بعدها حتي قدم على
النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو وأربد بن ربيعة وكانا قد تمالآ على الفتك
به فحين منعهما الله من ذلك انصرفا متهددين فدعا عليهما النبى صلى الله
عليه وآله وسلم فهلك اربد بالصاعقة وعامر بالطاعون قبل أن يصلا الى أهلهما
والله أعلم
[فصل في شهداء بئر معونة وفضل الشهداء ومزيتهم]
(فصل) في فضل شهداء بئر معونة وفضل الشهداء ومزيتهم مما أخرجه الشيخان سوى
ما تقدم في شهداء أحد قال الله تعالى وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا
فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ الآيات قيل
نزلت فيهم وقيل في شهداء أحد وقال أنس دعا رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم على الذين قتلوا اصحاب بئر معونة ثلاثين غداة وفي رواية أربعين وانزل
الله فيهم قرآنا قرأناه ثم نسخ بعد منه بلغوا قومنا ان قد لقينا ربنا فرضي
عنا ورضينا عنه رواه البخاري* وروي أيضا ان عامر بن الطفيل قال لعمرو بن
امية الضمري من هذا واشار الى قتيل فقال هذا عامر بن فهيرة فقال لقد رأيته
رفع الى السماء حتى انى لانظر الى السماء بينه وبين الارض ثم وضع فقال
النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما احد يدخل الجنة يحب ان (لعمى) يريد أبا
براء (وعاش عامر بعدها) هذا هو الصواب ووقع في تفسير البغوي انه قتله وهو
خطأ (حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم) سيأتى ذكر وفادتهما حيث
ذكره المؤلف ان شاء الله تعالى (أربد) بالراء والموحدة والمهملة قال الشمني
أخو لبيد بن ربيعة لابيه ولبيد بن ربيعة صحابى رضي الله عنه (تمالآ) أى
تواطا (الفتك) أي الاخذ على غرة (فحين منعهما الله من ذلك) وذلك ان عامرا
كان يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأربد يختله بالسيف فاخترط منه شبرا
ثم حبسه الله عنه فلم يقدر على سله فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فرأى أربد وما صنع فقال اللهم اكفنيهما بما شئت وفي الشفا قال والله ما همت
ان أضربه الا وجدتك بينى وبينه أفأضربك (متهددين) أي متوعدين (فهلك أربد
بالصاعقة) زاد البغوي في يوم صحو قائظ (وعامر بالطاعون) وهو على ظهر فرسه
(وقال أنس الى آخره) أخرجه عنه الشيخان وفيه ندب القنوت للنازلة (ونزل فيهم
قرآن قرأناه) قال السهيلي ليس عليه رونق الاعجاز فيقال انه لم ينزل بهذا
النظم بل بنظم معجز كنظم القرآن (ثم نسخ بعد) لا ينافيه انه خبر والخبر لا
ينسخ اذ المنسوخ منه الحكم الثابت للقرآن فقط (وروي أيضا) مبنى للفاعل يعني
البخاري (هذا عامر بن فهيرة) قتله جابر بن سلمة ثم أسلم بعد ذلك قال ابن
عبد البر فكان يقول ما دعاني الى الاسلام الا اني طعنت رجلا منهم فسمعته
يقول فزت والله فقلت في نفسى ما فاز أليس قد قتلته حتى سألت بعد ذلك عن
قوله فقالوا الشهادة فقلت فاز نعم. والله (رفع الى السماء) قال في التوشيح
وفي رواية الواقدي ان الملائكة وارته فلم يره المشركون وفي مصنف
(1/224)
يرجع الى الدنيا وله ما على الارض من شيء
الا الشهيد يتمنى ان يرجع الى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة
متفق عليه وقال صلى الله عليه وآله وسلم والذى نفسي بيده لولا ان رجالا من
أمتي لا تطيب انفسهم ان يتخلفوا عني ولا اجد ما أحملهم عليه ما تخلفت عن
سرية تغزو في سبيل الله والذى نفسي بيده لوددت انى اقتل في سبيل الله ثم
احيا ثم اقتل ثم احيا ثم اقتل ثم احيا ثم اقتل ثم أحيا رواه البخارى ونحوه
او اقرب منه في مسلم وقال صلى الله عليه وآله وسلم من سأل الله الشهادة
بصدق بلغه الله منال الشهداء وان مات على فراشه وقال صلى الله عليه وآله
وسلم من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق رواهما
مسلم وقال صلى الله عليه وسلم ما تعدون الشهيد فيكم قالوا يا رسول الله من
قتل في سبيل الله فهو شهيد قال ان شهداء امتى اذا لقليل قالوا فمن هم يا
رسول الله قال من قتل في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في سبيل الله فهو شهيد
ومن مات في الطاعون فهو شهيد ومن مات في البطن فهو شهيد والغريق شهيد روياه
وعن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال
الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغريق عبد الرزاق وغيره ان عامرا التمس
يومئذ في القتلى ففقد فيروى ان الملائكة رفعته أو دفنته (متفق عليه) أي
اتفق على تخريجه الشيخان وأخرجه أيضا الترمذي والنسائي من حديث أنس (والذي
نفسي بيده الى آخره) أول الحديث تضمن الله تعالى لمن يخرج في سبيله لا
يخرجه الا جهاد في سبيلي وتصديق برسلي فهو على ضامن ان أدخله الجنة أو
أرجعه الى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة والذي نفسي
بيده ما من كلم يكلم في سبيل الله الا جاء يوم القيامة كهيئته يوم كلمه
لونه لون دم وريحه ربح مسك (رواه البخاري ونحوه أو قريب منه في مسلم)
وأخرجه مالك والنسائي كلهم عن أبي هريرة (من سأل الله الشهادة بصدق الى
آخره) أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث سهل بن
حنيف (على شعبة من النفاق) أى على خلق من أخلاق المنافقين قال عبد الله بن
المبارك فنرى بضم النون أى نظن ان ذلك كان على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال النووي هذا الذي قاله يحتمل وقال غيره هو عام والمراد ان من فعل
هذا فقد أشبه المنافقين المتخلفين عن الجهاد في هذا الوصف وان لم يكن كافرا
(ما تعدون الشهيد فيكم) أخرجه مالك ومسلم والترمذى من حديث أبي هريرة (ومن
مات في البطن فهو شهيد) قال النووي المراد بالبطن الاسهال وقيل الذي به
الاستسقاء وانتفاخ البطن وقيل الذى يشتكي بطنه وقيل الذي يموت بداء بطنه
مطلقا قال في الديباج وهذا الآخر هو الذى جزم به القرطبي (والغريق شهيد) أى
ان لم يغرق نفسه ولم يهمل الغرر فان فرط حتى غرق فهو عاص قاله القرطبي
(الشهداء خمسة) قال في الديباج هم أكثر من ذلك وقد جمعتهم في كراسة فبلغوا
ثلثين وأشرت اليهم في
(1/225)
وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله أخرجه
البخارى في ترجمة باب الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله وكأنه اشار الى
ان الحديث المطابق للترجمة ليس على شرطه وقد خرجه مالك والنسائي بسند جيد
فذكر المطعون والمبطون والغريق والحريق وصاحب ذات الجنب والذى يموت تحت
الهدم والمرأة تموت بجمع وهى التى تميتها الولادة وقيل التي تموت بكرا
والله اعلم*
[مطلب في مشروعية قصر الصلاة وما يلحق ذلك من
الأحكام]
السنة الرابعة وما في طيها من الحوادث فيها قصرت الصلاة فنزل قوله تعالى
شرح الموطأ انتهى قال القرطبي ولا تناقض ففى وقت أوحى اليه انهم خمسة وفي
وقت آخر أوحى اليه اليه انهم أكثر وورد في اثران تعدد أسباب الشهادة خصوصية
لهذه الامة ولم يكن في الامم السالفة شهيد الا القتيل في سبيل الله خاصة
(أخرجه البخارى) ومالك ومسلم والترمذي (وصاحب الهدم) هو من يموت تحته ومحله
ان لم يغرر بنفسه كما في الغريق قاله القرطبي (وقد أخرجه مالك والنسائي)
وأحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان والحاكم من حديث جابر بن عتيك
(والحريق) هو الذى تحرقه النار ومنه الذي تحرقه الصاعقة ومحله كما مر عن
القرطبي (وصاحب ذات الجنب) هى قروح تحدث في باطن الجوف فيكون معها السعال
والحما الشديدة (بجمع) بكسر الجيم وضمها (وهى التي تميتها الولادة وقيل
التي تموت بكرا) وقيل التى يموت ولدها في بطنها قد تم خلقه وقيل التى تموت
قبل ان تحيض (تنبيه) ذكر المصنف من الشهداء ثمانية من مات في سبيل الله
والمطعون والمبطون والغريق وصاحب الهدم والحريق وذات الجنب والمرأة تموت
بجمع واذا جعل المبطون نوعين والمرأة تموت بجمع أربعة أنواع صار العدد اثنى
عشر وبقي منهم صاحب السيل خرجه أبو الشيخ من حديث عبادة بن الصامت
والطبراني من حديث سليمان وأحمد من حديث راشد بن خنيس ومن قتل دون ماله ومن
قتل دون دينه ومن قتل دون أهله ومن قتل دون دمه أخرجه أحمد وأبو داود
والترمذى والنسائي وابن ماجه وابن حبان من حديث سعيد بن زيد وقال الترمذى
حديث حسن صحيح ومن قتل دون مظلمة أخرجه النسائي والضياء من حديث سويد بن
مقرن وأخرجه أحمد من حديث ابن عباس ومن وقصه فرسه أو بعيره أو لدغته هامة
أو افترسه سبع ومن صرع عن دابته والسريق أخرجه الطبراني في المعجم الكبير
من حديث ابن عباس وعقبة بن مالك ومن مات غريبا أخرجه ابن ماجه من حديث ابن
عباس وأخرجه الدارقطني وصححه من حديث ابن عمرو أخرجه أبو بكر الخرائطي من
حديث أنس وأبي هريرة وأخرجه الصابوني من حديث جابر والطبراني من حديث عنترة
وصاحب الحما أخرجه الديلمى في مسند الفردوس من حديث أنس والميت على فراشه
في سبيل الله أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة والميت في الحبس وقد حبس ظلما
أخرجه ابن منده من حديث على بن أبي طالب والمتردي في نحو بئر أخرجه
الطبراني من حديث ابن عنترة وابن مسعود ومن قتل دون جاره أخرجه ابن عساكر
من حديث أنس والغيرى على زوجها والآمر بالمعروف والناهى عن المنكر أخرجه
ابن عساكر من حديث على ومن قال في مرض موته أربعين مرة لا إله الا أنت
سبحانك اني كنت من الظالمين كتب
(1/226)
وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ
الآية وظاهرها يدل على ان رخصة القصر مشروطة بالخوف ودلت السنة على الترخيص
مطلقا فقيل نزلت الآية على غالب اسفار النبى صلى الله عليه وآله وسلم فان
أكثرها لم يخل عن خوف ثم لا يبعد ان يبيح الله الشئ في كتابه بشرط ثم يبيحه
على لسان نبيه بانحلال ذلك الشرط وهو من باب نسخ القرآن بالسنة وظاهر
الآثار يدل على ذلك روينا في صحيح مسلم عن يعلى بن أمية قال قلت لعمر بن
الخطاب انما قال الله تعالى أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ
أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فقد أمن الناس فقال عمر عجبت مما
عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صدقة تصدق الله بها
عليكم له أجر شهيد أخرجه الحاكم في المستدرك من حديث سعد بن أبى وقاص ومن
مات عاشقا بشرط العفة والكتمان أخرجه الديلمى من حديث ابن عباس وأخرجه
الخطيب من حديث ابن عباس وعائشة بسند فيه ضعف ومن قال حين يصبح أو حين يمسي
ثلث مرات أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وقرأ ثلث آيات من آخر
سورة الحشر فانه اذا مات من يومه أو ليلته مات شهيدا أخرجه الترمذى عن معقل
ابن يسار ومن قرأ آخر سورة الحشر في ليلة فمات من ليلته أخرجه الثعالبى عن
أنس ومن مات متوضئا خرجه الآجري عن أنس أيضا ومن صلي الضحي وصام ثلاثة أيام
من كل شهر ولم يترك الوتر في حضر ولا سفر كتب له أجر شهيد أخرجه أبو نعيم
من حديث ابن عمر ومن جاءه الموت وهو يطلب العلم أخرجه أبو نعيم أيضا
والبزار من حديث أبي هريرة وأبي ذر ومن يسأل الله الشهادة بصدق أخرجه مسلم
عن أنس والمؤذن المحتسب أخرجه الطبراني في الكبير من حديث ابن عمر فهؤلاء
نيف وثلاثون* السنة الرابعة (واذا ضربتم في الارض) أي سافرتم (فليس عليكم
جناح) أي حرج وإثم (ان تقصروا من الصلاة) من أربع ركعات الى ركعتين (ان
خفتم ان يفتنكم) أي يقاتلكم ويقتلكم الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ
كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً أي بين العداوة (وقيل نزلت الآية على غالب
أسفار النبى صلى الله عليه وسلم) فلا تكون تعليقية وقيل المراد القصر الى
ركعة واحدة في الخوف كما عليه جماعة منهم الحسن والضحاك واسحاق ابن راهويه
واستدلوا بالحديث في صحيح مسلم وغيره فرضت الصلاة في الحضر أربعا وفي السفر
ركعتين وفي الخوف ركعة وأكثر أهل العلم على عدم جوازه وتأولوا الحديث على
ان المراد ركعة مع الامام وركعة ينفرد بها كما في الاحاديث الصحيحة في
صلاته صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الخوف (وروينا في صحيح مسلم) وفي سنن
أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (عن يعلى) بفتح التحتية واللام
واسكان المهملة بينهما (ابن أمية) بضم الهمزة وفتح الميم وتشديد التحتية هو
أبوه وأمه اسمها منية بضم الميم واسكان النون هو الخبطى يكني أبا صفوان
أسلم يوم الفتح وشهد حنينا والطائف وتبوك (عجبت مما عجبت منه) في بعض نسخ
مسلم عجبت ما بحذف من (صدقة) بالرفع خبر هذه مقدر (تصدق الله بها عليكم)
فيه جواز قول تصدق الله علينا أو اللهم تصدق علينا قال النووي وقد كرهه بعض
السلف وهو غلط ظاهر
(1/227)
فاقبلوا صدقته وروينا في موطأ مالك عن رجل
من آل خالد بن أسيد انه سأل عبد الله بن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن انا
نجد صلاة الخوف وصلاة الحضر في القرآن ولا نجد صلاة السفر فقال ابن عمر
يابن أخي ان الله تبارك وتعالى بعث الينا محمدا ولا نعلم شيئا فانا نفعل
كما رأيناه يفعل وقال آخرون ثم الكلام عند قوله أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ
الصَّلاةِ وقوله إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا متصل
بما بعده من صلاة الخوف وروى عن أبى أيوب الانصاري ان بين نزولهما حولا
وهذا لا يبعد ان صح به نقل ومثله قوله تعالى حكاية عن امرأة العزيز الْآنَ
حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ ثم قال تعالى اخبارا عن
يوسف ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ
لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ وأما مسافات القصر فقال الشافعى ومالك
وفقهاء المحدثين هى مرحلتان معتدلتان وذلك ثمانية وأربعون ميلا والميل ستة
آلاف ذراع والذراع أربعة وعشرون أصبعا معترضة والأصبع ست شعيرات معترضات
وقدر الميل أيضا بأربعة آلاف خطوة أو اثنى عشر ألف قدم والله أعلم* وللقصر
شروط احدها أن تكون الصلاة رباعية ومؤداة وان يكون سفره في غير معصية وان
ينوي القصر (وفي موطأ مالك) ونحو منه في سنن النسائي (عن رجل من آل خالد)
هو عبد الله بن خالد كما في النسائي (ابن أسيد) بفتح الهمزة (انا نجد صلاة
الخوف) يعني بها القصر للخوف (وصلاة الحضر) هي في القرآن مفهومة (ولا نجد
صلاة السفر) يعني القصر مع الامن (فانا نفعل كما رأيناه يفعل) فيه ما كانوا
عليه من اتباعه صلى الله عليه وسلم (أبى أيوب) اسمه خالد بن زيد (الآن حصحص
الحق) أي ظهر وتبين (ذلك ليعلم) أي العزيز (اني لم أخنه) في امرأته
(بالغيب) أى في حال غيبته (قال مالك والشافعي) وأحمد (وفقهاء المحدثين)
كاسحق بن راهويه والحسن والزهري (ثمانية وأربعون ميلا) هاشمية تنسب الى بني
هاشم (والاصبع ست شعيرات معترضات) والشعيرة ست شعرات من شعر البرذون
(بأربعة آلاف خطوة) والخطوة ثلاثة أقدام فهو اثنى عشر ألف قدم فمسافة القصر
بالاقدام خمسمائة ألف وستة وسبعون ألفا وبالاذرع مائتا ألف وثمانية وثمانون
ألفا وبالاصابع ستة آلاف ألف وتسعمائة ألف واثني عشر ألفا وبالشعيرات أحد
وأربعون ألف ألف وأربعمائة ألف واثنان وسبعون ألفا وبالشعرات مائتا ألف ألف
وثمانية وأربعون ألف ألف وثمانمائة ألف واثنان وثلاثون ألفا وللقصر شروط
سبعة (أن تكون الصلاة رباعية) قال العلماء انما قصرت الرباعية لان عدد
ركعاتها يتشطر واذا تشطر بقى أقل العدد وهو ركعتان وهما أقل الفرائض وهو
الصحيح بخلاف المغرب لعدم تشطر ركعاتها والصبح لانها لا يبقى فيها أقل
الفرض بعد الشطر (ومؤداة) أو فائتة سفر فيجوز قصرها ولو في سفر آخر لا
فائتة حضر فلا تقصر في السفر للزومها تامة ولا فائتة سفر في حضر لانه ليس
محل قصر (وان يكون سفره في غير معصية) طاعة كان كحج أو غيرها وان كره كسفر
تجارة وسفر منفرد فخرج نحو آبق وناشزة (وان ينوي القصر)
(1/228)
مع الاحرام فاذا كانت مسافته مسافة قصر جاز
له ان يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في وقت ايهما شاء والسنة اذا
كان سائرا في وقت الاولى أن يؤخرها الى الثانية والا قدم الثانية اليها
ويجوز للحاضر ان يجمع في المطر في وقت الاولى منهما
[مطلب في الكلام زواج رسول الله عليه وسلم بأم
سلمة]
وفيها تزوج النبى صلى الله عليه وسلم أم سلمة هند بنت أبى أمية المخزومية
وكانت قبله عند أبى سلمة عبد الله بن عبد الاسد المخزومى روينا فى صحيح
مسلم عنهما قالت لما مات أبو سلمة أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا
رسول الله ان أبا سلمة قد مات قال قولى اللهم اغفر لي وله واعقبني منه عقبي
حسنة فقلت فاعقبنى الله من هو خير لي منه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم
وفيه أيضا عنها من روايات أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لما
تزوجها اقام عندها ثلاثا فلما أراد ان يخرج أخذت بثوبه فقال انه ليس بك على
أهلك هو ان ان شئت سبعت لك وان سبعت لك سبعت لنسائى وان شئت ثلثت ثم درت
قالت ثلث وقيل ان ذلك حق للمرأة فيثبت لها ذلك سواء كان عند جازما خلافا
لابي حنيفة ومنه ما لو نوي الظهر مثلا ركعتين قاله الامام وما لو قال أؤدي
صلاة السفر قال المتولى فان أطلق أتم وجوبا لانه الاصل ومحل نية القصر (مع
الاحرام) كنية الصلاة ولا تجب استدامتها بل الانفكاك عما يخالف الجزم وان
يعلم جوازه والا كان متلاعبا وان يدوم سفره يقينا حتى يسلم وان لا يقتدي
بمتم (فاذا كانت مسافته مسافة قصر) وكان السفر مباحا (جاز له) خلافا لابى
حنيفة (الجمع بين الظهر) ومثله الجمعة (والعصر والمغرب والعشاء) لا جمع
الصبح مع غيرها ولا العصر مع المغرب لانه لم يرد (في وقت أيهما شاء) أي
تقديما وتأخيرا الا الجمعة فلا يتأتي تأخيرها (والسنة اذا كان سائرا في وقت
الاولى ان يؤخرها إلى الثانية والاقدم الثانية اليها) لانه صلى الله عليه
وسلم كان يفعل ذلك أخرجه الشيخان عن أنس والترمذي والبيهقي من حديث ابن عمر
وأسامة بن زيد ومعاذ بن جبل وافهم كلام الشيخ انه لو كان واقفا عند الاولى
ندب التقديم وان كان واقفا عند الثانية أيضا وكذا لو كان سائرا فيهما فيما
يظهر (ويجوز للحاضر ان يجمع في المطر في وقت الاولى منهما) لانه صلى الله
عليه وسلم صلى بالمدينة الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا من غير
خوف ولا سفر أخرجه الشيخان من حديث ابن عباس رضي الله عنهما الا من غير خوف
ولا سفر فلمسلم قال الشافعي كمالك أرى ذلك في المطر قال النووى هذا مردود
برواية في مسلم من غير خوف ولا مطر قال وأجاب البيهقى بان الاولى رواية
الجمهور فهي أولى وقد روينا عن ابن عباس وابن عمر الجمع بالمطر وهو يؤيد
التأويل وأجاب غيره بان المراد ولا مطر كثير ولا مطر مستدام فلعله انقطع
أثناء الثانية (فائدة) اختار النووي من حيث الدليل جواز الجمع بالمرض
تقديما وتأخيرا وتبعه السبكى والاسنوى والبلقينى وغيرهم ثم للجمع شروط
وتتمات مبسوطة في كتب الفقه* وفيها تزوج النبى صلى الله عليه وسلم (الاسد)
بالمهملة وقيل بالمعجمة كما مر (وفيه أيضا) وفي سنن أبي داود والنسائى (انه
ليس بك على أهلك هوان) أى لا يلحقك هوان ولا يضيع من حقك شئ بل
(1/229)
الزوج غيرها أم لا ونقله ابن عبد البر عن
الجمهور واختاره النووي وقيل انما يثبت هذا للجديدة اذا كان عنده غيرها أما
المنفردة فلا يتصور في حقها ذلك ورجحه القاضي وبه جزم البغوي من أصحابنا
وقد تقرر من حديث أم سلمة وغيرها ان الثيب الداخلة على غيرها مخيرة بين
ثلاث بلا قضاء وسبع بالقضاء والبكر تستحق سبعا بلا قضاء والله اعلم*
[الكلام على ولادة سيدنا الحسين وخبر ابن ابيرق]
وفيها ولد الحسين بن علي السبط رضي الله عنهما قيل حملته أمه بعد موته أخيه
الحسن بخمسين ليلة وولد لخمس خلون من شعبان وقيل غير ذلك والله أعلم* وفيها
أمر النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم زيد بن ثابت ان يتعلم له كتاب
يهود ليكتب له كتبهم ويقرأ له كتبهم* وفيها نزل قوله تعالى إِنَّا
أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما
أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً في شأن ابن ابيرق وكان
من خبر ذلك ان ابن أبيرق أو بنى ابيرق سرقوا درعا لقتادة بن النعمان او
لعمه رفاعة بن زيد وألقوا تهمتها على زيد بن السمين اليهودى فلما وجدت عنده
قال دفعها الى طعمة بن ابيرق ففشا ذلك وكبر على قومه بني ظفر وجاؤا الى
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا يا رسول تأخذينه كاملا ثم بين
حقها وانها مخيرة بين ثلث بلا قضاء وسبع بالقضاء فاختارت الثلاث لكونها بلا
قضاء وليقرب عوده اليها (واختاره النووي) في شرح مسلم وقال انه الاقوى (وبه
جزم البغوي من أصحابنا) في فتاويه* وفيها ولد الحسين (لخمس خلون من شعبان)
وعليه فجملة حمله تسعة أشهر تحديدا وفيها نزل إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ
الْكِتابَ بِالْحَقِّ بالامر والنهى والفصل لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ
بِما أَراكَ اللَّهُ أي بما علمك الله وأوحى اليك وَلا تَكُنْ
لِلْخائِنِينَ طعمة بن أبيرق (خصيما) أي معينا (ابيرق) بضم الهمزة وفتح
الموحدة واسكان التحتية وكسر الراء ثم قاف غير مصروف (أو بني أبيرق) كانوا
ثلاثة بشر وبشير ومبشر (سرقوا) بفتح الراء في الماضى وكسرها في المستقبل
(درعا) زاد الترمذي عن قتادة بن النعمان وسيفا وطعاما (تهمتها) بفتح الهاء
الاولى أفصح من اسكانها (على زيد بن السمين) وذلك ان الدرع والسلاح كان في
جراب فيه دقيق فجعل الدقيق ينتثر من خرق في الجراب حتى انتهى الى الدار ثم
خباها عنده كما في تفسير البغوي وغيره وفي سنن الترمذي انهم ألقوا التهمة
على لبيد بن سهل رجل منهم له صلاح واسلام فلما سمع لبيد اخترط سيفه وقال
أنا أسرق والله ليخالطنكم هذا السيف أو لتبين هذه السرقة فقالوا اليك عنا
أيها الرجل فما أنت بصاحبها (طعمة) مثلث الطاء والكسر أفصح كذا وقع في كتب
التفاسير انه طعمة وفي كتب الحديث بشير وقال ابن اسحق هو بشير أو طعمة قال
السهيلي فليس طعمة اذا اسم له وانما هو كنيته (ففشا) أي ظهر (وكبر) بضم
الموحدة أي عظم (على قومه بني ظفر) بفتح المعجمة والفاء (وجاؤا الى رسول
الله صلى الله عليه وسلم) في سنن الترمذي انهم أتوا رجلا منهم يقال له أسير
بن عروة فكلموه
(1/230)
الله ذهب هؤلاء الى أهل بيت منا اهل صلاح
فرموهم بالسرقه وكرروا عليه ذلك حتى غضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
على قتادة بن النعمان وعمه وهم أن يجادل عن بني أبيرق على ظاهر الامر فأنزل
الله تعالى إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ الآيات فتضمنت
التشريف للنبى صلى الله عليه وسلم وحفظه عن الهم والتفويض اليه والتقويم له
على الجادة في الحكم والتأنيب له فيما هم به قيل ولما افتضح ابن أبيرق هرب
الى مكة ثم الى خيبر فنقب بيتا للسرقة فسقط عليه فمات مرتدا* وفيها توفي
عبد الله بن عثمان من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان بلغ
ست سنين ونقره ديك في عينه فكانت سبب موته* وفيها توفيت فاطمة بنت أسد
رحمها الله أم علي بن أبي طالب رضي الله عنهما وهي أوّل هاشميه ولدت هاشميا
ولدت لابي طالب عقيلا وجعفرا وعليا رضي الله عنه وأم هانىء وجمانة وكان بين
كل واحد من بنيها الرجال وبين أخيه عشر سنين وكانت محسنة الى النبي صلى
الله عليه وسلم اذ كان في حجر عمه أبي طالب فلما ماتت تولى دفنها واضطجع في
قبرها وأشعرها قميصه وقال اضطجعت في قبرها في ذلك فاجتمع في ذلك أناس من
أهل الدار (حتى غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتادة بن النعمان)
زاد الترمذي فقال عمدت الى أهل بيت ذكر منهم اسلام وصلاح ترميهم بالسرقة من
غير بينة ولا ثبت قال فرجعت ولوددت اني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول
الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فأتاني عمي فقال ما صنعت يابن أخي فأخبرته
بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الله المستعان فلم يلبث ان نزل
القرآن (ان يجادل) أى يخاصم (على الجادة) بالجيم والدال المهملة المشددة أى
الطريق (والتأنيب) بالفوقية فالهمزة الساكنة فالنون فالتحتية فالباء
الملامة والتوبيخ ولم يكن في ذلك له صلى الله عليه وسلم ملامة ولا توبيخ
وقد قال بعض المفسرين ان الخطاب معه والمراد به غيره كما في كثير من آيات
القرآن (هرب الى مكة) زاد البغوى فنزل على رجل من بنى سليم يقال له الحجاج
ابن علاط فنقب بيته فسقط عليه حجر فلم يستطع الدخول ولا الخروج فاخذ ليقتل
فقال بعضهم دعوه فانه قد لجأ اليكم فتركوه وأخرجوه من مكة فخرج مع تجار من
قضاعة نحو الشام فنزلوا منزلا فسرق بعض متاعهم وهرب فطلبوه وأخذوه فرموه
بالحجارة حتى قتلوه فصار قبره بتلك الحجارة وقيل ركب سفينة الى جدة فسرق
كيسا فيه دنانير فاخذ فالقي في البحر وقيل عبد صنما بجدة الى ان مات وفي
الروض الانف انه نزل بمكة على سلامة بنت سعد بن سهيد فقال فيها حسان بن
ثابت بيتا يعرض فيه بها فقالت انما أهديت الى شعر حسان وأخذت رجله وطرحته
خارج المنزل فهرب الى خيبر ثم انه نقب بيتا ذات ليلة فسقط الحائط عليه فمات
ذكر هذا الحديث بكثير من ألفاظه الترمذي ومن رواية يونس ان الحائط الذي سقط
عليه كان بالطائف لا بخيبر وان أهل الطائف قالوا حينئذ ما فارق محمدا من
أصحابه من فيه خير (وفيها توفي عبد الله بن عثمان) وكانت ولادته بأرض
الحبشة كما أخرجه رزين عن ابن عباس رضي الله عنهما (فاطمة بنت أسد) بن هاشم
بن عبد مناف (وجمانة) بالجيم وتخفيف الميم وبالنون (في حجر عمه) بفتح الحاء
أفصح من كسرها (واشعرها قميصه) أي
(1/231)
لا خفف عنها من ضغضة القبر والبستها قميصي
لتلبس من ثياب الجنة*
[مطلب في الكلام على غزوة ذات الرقاع ومشروعية
صلاة الخوف]
وفيها كان من الغزوات غزوة ذات الرقاع الى نجد يريد غطفان واختلف في
تسميتها بذلك على أقوال أصحها ما ثبت فى صحيح البخارى عن أبى موسى الاشعرى
ان أقدامهم نقبت فلفوا عليها الخرق ولهذا قال البخارى انها بعد خيبر لان
أبا موسى الاشعرى انما جاء بعد خيبر وانتهى صلى الله عليه وآله وسلم صلاة
الخوف* وروى ابن عباس وجابر أن المشركين لما رأوا رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأصحابه قاموا الى صلاة الظهر يصلون جميعا ندموا أن لا كانوا أكبوا
عليهم فقالوا دعوهم فان لهم بعدها صلاة هى أحب اليهم من آبائهم وأبنائهم
يعني صلاة العصر فاذا قاموا فيها فشدوا عليهم فاقتلوهم فنزل جبريل بصلاة
الخوف رواه البغوي في تفسيره* وجملة القول في صلاة الخوف ان العدوّ اذا كان
في غير جهة القبلة فرقهم الامام فرقتين فرقة في وجه العدوّ والاخرى تصلى
معه ركعة واذا قام الى الثانية فارقته وأتمت لنفسها وذهبت الى وجه العدوّ
ثم جاء الواقفون فاقتدوا به وصلى بهم الثانية فاذا جلس للتشهد قاموا فأتموا
ألبسها اياه وجعله شعارا لها وهو الثوب الذى يلى الجسد (ضغطة) بمعجمتين
الاولى مفتوحة والثانية ساكنة ثم مهملة أي ضمة (لتلبس) بالبناء للمفعول
(وفيها) أى الرابعة وقيل في الخامسة ولم يذكر النووى في شرح مسلم غيره وقال
البخاري انها بعد خيبر كما سيأتي (كان من الغزوات غزوة ذات الرقاع) بكسر
الراء بعدها قاف مكان من نجد بارض غطفان (لان أرجلهم نقبت فلفوا عليها
الخرق) وقيل باسم شجرة هناك وقيل باسم جبل فيه بياض وحمرة وسواد يقال له
الرقاع وقيل لانهم رقعوا ثيابهم وقيل الارض التى نزلوها ذات ألوان تشبه
الرقاع وقيل لترقيع صلوتهم فيها ويحتمل ان هذه الامور كلها وجدت فيها كما
قاله النووي (انها بعد خيبر لان أبا موسى انما جاء) من أرض الحبشة (بعد
خيبر) وقد ثبت انه شهد غزوة ذات الرقاع (وصلى بهم النبى صلى الله عليه وسلم
صلاة الخوف) وشرعت يومئذ وقيل في غزوة بني النضير (الى نخل) بالمعجمة هو
مكان من المدينة على يومين (اكبوا) أي أقبلوا عليهم (اذا كان في غير جهة
القبلة) أو فيها وثم ساتر يمنع المسلمين من رؤيتهم (فرقهم) بالتخفيف
والتشديد (والاخري تصلى معه ركعة) في الصبح وثنتين في غيرها (فاذا قام الي
الثانية) في الصبح أو الى الثالثة في غيرها (فارقته) بالنية (وأتمت لنفسها)
ركعة في الصبح والمغرب وان لم يجئ لصلاة المغرب كيفية في الحديث كما سيأتي
عن ابن حجر وركعتين في غيرهما (وذهبت الى وجه العدو) وينتظر الامام الفرقة
الثانية في ثانية الصبح وثالثة غيره (ثم جاء الواقفون فاقتدوا به) ويندب ان
يطيل القراءة الى أن يلحقوا (وصلى بهم الثانية) من الصبح والثالثة من
المغرب والثالثة والرابعة من غيرهما (فاذا جلس للتشهد فاموا فاتموا
ثانيتهم) فى الصبح وثالثتهم في المغرب وثالثتهم
(1/232)
ثانيتهم ولحقوه وسلم بهم أو يصلى بكل فرقة
مرة وهاتان الكيفيتان رواهما الشيخان فاذا كان العدوّ في جهة القبلة صلى
بهم جميعا فاذا سجد سجد معه صف سجدتيه وحرس الآخر فاذا قاموا سجد من حرس
ولحقوه وسجد معه في الثانية من حرس أولا وحرس الآخر فاذا جلس للتشهد سجد من
حرس وسلم بهم جميعا رواهما مسلم فالاولى صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم بذات الرقاع ببطن نخل والثالثة بعسفان وهذه الثلاث من أصح وأشهر ما
روي في صلاة الخوف ووراء ذلك من الكيفيات المتباينات والخلافات المتعددات
بحسب اختلاف الروايات ما يطول ذكره ويعز حصره قال الامام أبو بكر بن العربى
المالكي روي عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم انه صلى صلاة الخوف أربعا
وعشرين مرة وما ذكرنا من الكيفيات هو فيما اذا كان الخوف متراخيا أما اذا
ورابعتهم في غيرهما (ولحقوه) متشهدا (وسلم بهم) لانهم كانوا في حكم القدوة
(أو يصلي بكل فرقة مرة) فتكون الثانية له نافلة (وهاتان الكيفيتان رواهما)
معا (الشيخان) والنسائي الاولى عن سهل بن أبي حثمة والثانية عن جابر وروي
الاولى عن سهل أيضا مالك وأبو داود والترمذي (وان كان العدو في جهة القبلة)
ولا حائل يمنع من رؤيتهم وكان في المسلمين كثرة (صلى بهم جميعا) بعد ان
يجعلهم صفين فيقرأ ويركع بالجميع (فاذا سجد سجد معه صف) سجدتيه ويسن ان
يكون الاول (وحرس الآخر) حتى يقوم الامام من السجود (فاذا قاموا سجد من حرس
ولحقوه) فى القيام (وسجد معه في الثانية) صف والافضل ان يكون (من حرس أولا)
بعد ان يتقدم الى موضع الصف الاول (وحرس الآخر) بعد ان يتأخر الى موضع الصف
الآخر (فاذا جلس) للتشهد سجد من حرس وسلم بهم جميعا (رواه مسلم) وأبو داود
والنسائي عن أبي عياش الزرقى (فالاولى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
بذات الرقاع) وفيها كيفية أخرى وهو ان يصلي باحدي الطائفتين ركعة واحدة
والطائفة الاخرى مواجهة العدو ثم انصرفوا وقاموا في مقام أصحابهم مقبلين
على العدو وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ثم قضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة أخرجه
مالك والشيخان وأبو داود والترمذى والنسائي عن ابن عمر قال العلماء وجاز
ذلك مع كثرة الافعال بلا ضرورة لصحة الخبر فيه ولا معارض لان احدي
الروايتين كانت في يوم والاخري في يوم آخر قال القاضى زكريا ودعوي النسخ
باطلة لاحتياجه لمعرفة التاريخ وتعذر الجمع وليس هنا واحد منهما (والثانية
ببطن نخل) مكان من نجد بأرض غطفان وقد مرانه من المدينة على يومين
(والثالثة بعسفان) في صلاة العصر كما في حديث أبي عياش الزرقي وفيه انه كان
على المشركين يومئذ خالد بن الوليد وقد مر انها بئر بقرب خليص (وهذه
الثلاث) مع الرابعة التي رواها ابن عمر (أصح وأشهر) أى في الاستعمال والا
فأكثر أنواع صلاة الخوف جاءت من طرق مثل هذه في الصحة (المتباينات) أي
المختلفات والتباين الاختلاف (أربعا وعشرين مرة) قال النووى وقد روي أبو
داود وغيره وجوها أخر
(1/233)
التحم القتال فيصلي كل منهم على حسب حاله
كيف أمكنه رجالا وركبانا مستقبلي القبلة ومستدبريها مع الكر والفر والضرب
المتتابع* قال علماؤنا رحمهم الله وله ذلك في كل قتال مباح للفرار من أمر
يخافه على روحه
[تتمة في الكلام علي تارك الصلاة]
(قال المؤلف) غفر الله زلته وأقال عثرته ففى هذا أدل دليل على أن الصلاة لا
رخصة في تركها ولا تحويلها عن وقتها الموقت لها إذ لو كان ذلك لكان هؤلاء
المجاهدون لعدو الاسلام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحق
بذلك وبهذا تميزت عن سائر العبادات اذ كلها تسقط بالاعذار ويترخص فيها
بالرخص وتدخلها النيابات ولا يحل القتل في ترك شئ منها وتارك الصلاة كسلا
يقتل حدا ولا يحقن دمه اسلامه ثم ان وجوبها منوط بالعقل لا بالقدرة في صلاة
الخوف بحيث يبلغ مجموعها ستة عشر وجها وذكر ابن القصاب المالكي ان النبي
صلى الله عليه وسلم صلاها في عشرة مواطن انتهي قال في التوشيح وقال العراقى
أصحها سبعة عشر وقال ابن القيم أصولها ست صفات وبلغها بعضهم أكثر وهؤلاء
كلما رأوا اختلاف الرواة في قصة جعلوا ذلك وجها من فعل النبي صلى الله عليه
وسلم وانما هو من اختلاف الرواة قال ابن حجر والامر كما قال وقال الخطابي
صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في أيام مختلفة باشكال متباينة يتحرى منها
ما هو الاحوط للصلاة والا بلغ للحراسة فهى على اختلاف صورها متفقة المعنى
قال ابن حجر ولم يقع في شيء من الاحاديث المروية في صلاة الخوف تعرض لكيفية
المغرب (التحم) أي نشب بعضهم في بعض ولم يجدوا مخلصا (فيصلي كل منهم على
حسب) أي على قدر (حاله كيف أمكنه رجالا وركبانا) قال تعالى فَإِنْ خِفْتُمْ
فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً (مستقبلي القبلة ومستدبريها) كما قاله ابن عمر في
تفسير الآية قال نافع لا أراه الا مرفوعا أخرجه البخاري بل قال الشافعي ان
ابن عمر رواه عن النبى صلى الله عليه وسلم (فى كل قتال مباح) خرج به العاصي
بالقتال كالبغاة فلا يصلونها كذلك لان الرخص لا تناط بالمعاصى (يخافه على
روحه) أو غيرها من اعضائه كسيل ونار وسبع وغريم وهو معسر ولم يكن له بينة
ولم يصدقه (وتارك الصلاة كسلا يقتل حدا) لقوله تعالى فَإِنْ تابُوا
وَأَقامُوا الصَّلاةَ وقال صلى الله عليه وسلم أمرت ان أقاتل الناس حتى
يشهدوا أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله فاذا فعلوا ذلك فقد عصموا
منى دماءهم وأموالهم الا بحق الاسلام وحسابهم على الله أخرجه الشيخان وأبو
داود والنسائي والترمذى وابن ماجه من حديث أبي هريرة وقال السيوطي وهو
متواتر والدليل على عدم كفره بمجرد الترك قوله صلى الله عليه وسلم خمس
صلوات كتبهن الله على العباد فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيأ كان له عند
الله عهد ان يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد ان شاء عذبه
وان شاء أدخله الجنة وفي رواية ان شاء الله غفر له وان شاء عذبه أخرجه مالك
وأحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان وصححه هو وغيره والحاكم والبيهقي في
السنن من حديث عبادة بن الصامت وجه الدلالة انه لو كفر لم يدخل تحت المشيئة
(ولا يحقن دمه) مفعول (اسلامه) فاعل (منوط) أي معلق (بالعقل) سمي به لانه
يعقل صاحبه
(1/234)
بدليل ما ذكروا ان العاجز عن القيام يصلى
قاعدا فان عجز فمضطجعا على جنبه الايمن فان عجز فمستلقيا على قفاه ويوميء
بطرفه ولهذا أشبهت الايمان الذي لا يسقط بحال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم بين العبد وبين الشرك والكفر ترك الصلاة رواه مسلم وقال العهد الذي
بيننا وبينهم ترك الصلاة فمن تركها فقد كفر رواه الترمذي وصححه والاحاديث
الواردة في هذا المعنى كثيرة ولو تتبعتها لبلغت كراريس وسأورد منها طرفا ان
شاء الله تعالى صالحا في فصل الصلاة من قسم الشمائل قال العلماء لو جاء
محرم من شقة بعيدة مكابدا ان يدرك عرفة قبل طلوع الفجر ليلة النحر وكان
حينئذ لم يصل العشاء عن القبائح (بدليل ما ذكروا) أي العلماء مستدلين بقوله
صلى الله عليه وسلم لعمران بن الحصين وكان مبسولا صل قائما فان لم تستطع
فقاعدا فان لم تستطع فعلى جنب أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي وابن
ماجه والنسائي وزاد فان لم تستطع فمستلقيا لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً
إِلَّا وُسْعَها
أي طاقتها (ان العاجز عن القيام) بأن لحقته منه مشقة كخوف غرق ودوران رأس
لراكب سفينة (يصلي قاعدا) والافضل كونه مفترشا ويكره مقعيا للنهي عنه رواه
الحاكم وقال صحيح على شرط البخاري والاقعاء كيفيتان مشهورتان في كتب الفقه
احداهما تسن بين السجودين وان كان الافتراش أفضل (فان عجز) عن القعود كما
مر (فمضطجعا على جنبه) ويسن ان يكون على (الايمن) فيكره على الايسر بلا عذر
(فان عجز) كما مر (فمستلقيا على قفاه) واخمصاه للقبلة ورأسه أرفع ليتوجه به
للقبلة (ويوميء) برأسه للركوع والسجود ويكون السجود أخفض فان عجز أومأ
(بطرفه) أي بصره فان عجز عن الايماء بطرفه الى أفعال الصلاة أجراها على
قلبه وهي صلاة تامة فلا تجب عليه اعادتها ولا تسقط عنه الصلاة ما دام عقله
ثابتا لوجود مناط التكليف (أشبهت الايمان) لانهما قول وعمل واعتقاد (بين
العبد وبين الشرك والكفر ترك الصلاة رواه مسلم) وأبو داود والترمذي وابن
ماجه عن جابر وأخذ بظاهره أحمد وهو عند غيره محمول على تركها جحدا أو على
التغليظ أو المراد به استوجب عقوبة الكافر وهو القتل جمعا بين الادلة
(العهد الذي بيننا وبينهم الى آخره) رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن
حبان والحاكم والترمذى وصححه (كراريس) جمع كراسة قال النحاس وهي الورق الذي
ألزق بعضه الى بعض من قولهم رسم مكرس أي الصقت الريح التراب به وقال الخليل
من اكراس النعم حيث تقف وهى ان تقف في موضع شيئا بعد شيء حتى يتلبد (في فصل
الصلاة) بالمهملة (قسم) بكسر القاف (من شقة) بضم الشين المعجمة أى المسافة
البعيدة سميت بذلك لمشقتها على النفس وقيل المشقة الغاية التي تقصد
(مكابدا) بالموحدة والمهملة أي متحملا الشدائد والكبد لغة الشدة (عرفة) سمى
بذلك لان جبريل كان يرى ابراهيم المناسك ويقول له عرفت فيقول عرفت وسمي ذلك
المكان عرفة واليوم عرفة أو لان آدم وحواء تعارفا فيها بعد ان أهبط بالهند
وهي بجدة أو لان
(1/235)
وبقى من وقتها مالو اشتغل بادائها فاته
الحج قالوا ليس له تركها ولا ان يصليها صلاة شدة الخوف على الاصح لانها
أفضل من الحج ووقتها مضيق والحج موسع بالعمر ومن اخلاق العامة عظيم انكارهم
على المفطر في رمضان من غير عذر وتركهم النكير على تارك الصلاة وليسا في
التغليظ سواء ومن اخلاقهم أيضا انكارهم على تارك الجمعات ولا ينكرون على
تارك الجماعات وشأنهما واحد وما أجدر تارك الصلاة بأن يجنب مساجد المسلمين
ومحاضرهم الكريمة ويستقذر مواكلته ومناكحته ويبكت ويقرع ويعرف سوء حاله
وانه مباح الدم فربما ينزجر عن ذلك الناس يعترفون فيها بذنوبهم أو من العرف
وهو الطيب أقوال (قالوا ليس له تركها) بل يصلي وان فاته الحج وهذا ما قال
الرافعي في الشرح والمحرر وقرره النووى في المنهاج (ولا ان يصليها صلاة شدة
الخوف على الاصح) لانه طالب لافار فلا يقاس عليها وصحح الشيخ عز الدين بن
عبد السلام في القواعد انه يصليها كذلك وبقى في المسئلة وجه ثالث لم يذكره
المصنف وهو وجوب تأخير الصلاة ليدرك الحج وهذا الوجه هو الذى رجحه الامام
النووي في الروضة وقال انه الصواب وجزم به القاضي حسين في تعليقه وجرى عليه
ابن الرفعة والاسنوي وغيره من المتأخرين وهو المعتمد وذلك لان قضاء الحج
صعب بخلافها وقد عهد تأخيرها للجمع وتجرى الاوجه كما قال الجزري وغيره في
الاشتغال بانقاذ غريق وصلاة على ميت خيف انفجاره (ووقتها مضيق والحج موسع
بالعمر) هذا عند النووي وموافقيه منقوضة بأنه اذا فاته الحج يضيق عليه
قضاؤه (وليسا في التغليظ سواء) وان كان ترك كل منهما كبيرة بدليل القتل
بتركها (الجمعات) بضم الجيم والميم جمع جمعة بضم الميم واسكانها وفتحها
وحكي كسرها وكانوا في الجاهلية يسمونها عروبة والسبت شبارا والاحد أوّل
والاثنين اهون والثلثاء دبارا والاربعاء جبارا والخميس مؤنسا قال الشاعر
أؤمل ان أعيش وان يومي ... بأول أو بأهون أو دبار
أو الثاني جبار فان أفته ... فمؤنس أو عروبة أو شبار
(وشأنهما واحد) أى من حيث ان التسامح بالجماعة يدل على قلة المبالاة
بالفضائل والا فليس شأنهما واحدا في الاثم بالترك الاعلى القول بان الجماعة
فرض عين وذلك عندنا وجه ضعيف أما على القول بانها سنة كما قاله الغزالى
والبغوي والرافعى وغيرهم فلا يخفى الحكم وأما على القول بانها فرض كفاية
كما هو الاظهر وعليه الاكثرون وصححه النووى في جميع كتبه فلا يتأتى ذلك الا
اذا تركت أصلا فان قام بها بعض الناس سقط الحرج عن غيره كما هو شأن فرض
الكفاية (وما أجدر) أي ما أحق وأحرى (تارك) بالنصب على التعجب (يجنب) أي
يؤمر باجتناب (مساجد المسلمين ومحاضرهم) أى مواضع حضورهم (فيبكت) بالموحدة
وآخره فوقية (ويقرع) بالقاف فالراء فالمهملة والتبكيت والتقريع والتوبيخ
والتثريب الملامة (التوفيق) خلق قدرة الطاعة في العبد وضده الخذلان والعياذ
بالله قال بعض العلماء من عزة التوفيق لم يذكر في القرآن بمعناه الا في
موضع واحد وهو قوله تعالى وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ وذكر في موضعين
آخرين بغير معناه وهو قوله تعالى إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ
بَيْنَهُما وقوله إِنْ أَرَدْنا إِلَّا إِحْساناً
(1/236)
والله ولي التوفيق*
[استطراد لذكر قصة غوث بن الحارث]
وفي هذه الغزوة كانت قصة غورث بن الحارث وهو ما روينا في صحيح البخارى عن
جابر انهم لما قفلوا نزلوا منزلا وتفرقوا في الشجر ونزل رسول الله صلى الله
عليه وسلم تحت شجرة فعلق بها سيفه قال جابر فنمنا نومة ثم اذا رسول الله
صلى الله عليه وسلم يدعونا فأجبناه فاذا عنده اعرابى جالس فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم ان هذا اخترط سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده صلتا
فقال لى من يمنعك منى قلت الله فها هو ذا جالس ثم لم يعاقبه رسول الله صلى
الله عليه وسلم وروى أن السيف سقط من يده وأخذه رسول الله صلى الله عليه
وسلم وقال له من يمنعك مني قال كن خير آخذ فتركه وعفي عنه فجاء الي قومه
فقال جئتكم من عند خير الناس وأسلم
[الكلام على حديث جابر وشراء النبى صلى الله
عليه وسلم جمله منه]
وفي هذه الغزوة ذكر ابن هشام بروايته عن ابن اسحق حديث جابر في شراء النبي
صلى الله عليه وسلم جمله وذلك مخالف لاحدى روايات مسلم عن جابر ان ذلك كان
في اقبالهم من مكة الى المدينة قلت وحديث جابر هذا جامع لانواع من الفوائد
وقد خرجه الشيخان بألفاظ تتفق وتفترق وقد جمع بينهما الحفاظ وردوا بعضها
الى بعض* روينا في صحيحيهما وَتَوْفِيقاً* وفي هذه الغزوة (غورث) بغين
معجمة مفتوحة وقد تضم فواو ساكنة فراء مفتوحة فثاء مثلثة وقيل بالكاف بدلها
مكبر ورواه الخطابى بالتصغير وبالشك في اعجام الغين واهمالها قال الشمنى
أسلم وصحب النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك انتهى وقد ذكر اسلامه البغوى
أيضا والمصنف كما سيأتى ولم يذكره ابن عبد البر في الاستيعاب (فى صحيح
البخاري) ورواه مسلم أيضا (لما قفلوا) بالقاف قبل الفاء أي رجعوا ومنه سميت
القافلة لكن استعملت توسعا في الذاهبة أيضا (سمرة) بفتح المهملة وضم الميم
(فعلق بها سيفه) أى بغصن من أغصانها كما في رواية (اخترط) أى سل (وأنا
نائم) في تفسير البغوى فأتى النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه
وسلم متقلد سيفه فقال يا محمد أرني سيفك فأعطاه اياه (صلتا) بفتح المهملة
وضمها واسكان اللام وفوقية أى مجردا من غمده (ثم لم يعاقبه رسول الله صلى
الله عليه وسلم) زاد في رواية في الصحيح وكان ملك قومه فانصرف حين عفا عنه
وقال والله لا أكون في قوم هم حرب لك (وروي ان السيف سقط من يده) حكاه عياض
في الشفاء بهذه الصيغة (وقال من يمنعك مني الى آخره) رواه البغوى في
التفسير وفي رواية فيه انه جعل يضرب برأسه الشجرة حتى انتثر دماغه قال في
الشفاء وقد حكيت مثل هذه الحكاية انها جرت له يوم بدر وقد انفرد عن أصحابه
لقضاء حاجته فتبعه رجل من المنافقين وذكر مثله وقد روى انه وقع له مثلها في
غزوة غطفان بذي أمر مع رجل اسمه دعبور بن الحارث وان الرجل أسلم فلما رجع
الى قومه الذين أغروه وكان سيدهم وأشجعهم قالوا له أين ما كنت تقول وقد
أمكنت فقال إنى نظرت الى رجل أبيض طويل دفع في صدرى فوقعت لظهرى فسقط السيف
فعرفت انه ملك وأسلمت* وفي هذه الغزوة (وقد أخرجه) مالك والشيخان وأبو داود
والترمذى
(1/237)
واللفظ للبخاري عن جابر بن عبد الله قال
كنت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غزاة فابطأبى جملي واعيا فأتى علي
النبي صلى الله عليه وسلم فقال جابر قلت نعم قال ما شأنك قلت أبطأ على جملى
واعيا فتخلفت فنزل فحجنه بمحجنه ثم قال اركب فركبت فلقد رأيته اكفه عن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم قال تزوجت قلت نعم قال أبكرا ام ثيبا قلت بل
ثيبا قال أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك قلت ان لي اخوات فأحببت ان اتزوج
امرأة تجمعهن وتمشطهن وتقوم عليهن قال اما انك قادم فاذا قدمت فالكيس الكيس
ثم قال أتبيع جملك قلت نعم فاشتراه مني بأوقية ثم قدم رسول الله صلى الله
عليه وسلم قبلى وقدمت (أبطأ) تأخر (فاعيا) تعب والاعياء التعب (جابر) منادى
حدفت أداته (بمحجنه) بكسر الميم وهو عصا معوج الرأس يلتقط بها الراكب ما
سقط منه وفي رواية بعنزة وهي بفتح النون عصا نحو نصف الرمح في أسفلها زج
وفي رواية في الصحيح فزجره ودعا له (فلقد رأيته أكفه عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم) أي لئلا يتقدم بين يديه وفي رواية فما زال بين يدى الابل فقال
لى كيف ترى بعيرك فقلت بخير قد أصابته بركتك (أتبيع جملك) زاد في رواية في
الصحيح فاستحييت ولم يكن لنا ناضح غيره (قال فقلت نعم) فبعته اياه على ان
لي فقار ظهره حتى أبلغ المدينة (بكرا) هي التي لم توطأ (ثيبا) هي التي قد
وطئت وزالت بكارتها واسم هذه المرأة التي تزوجها سهيلة بنت مسعود الاوسية
(فهلا جارية) بالنصب أى تزوجت جارية (تلاعبها وتلاعبك) في رواية فاين أنت
من العذراء ولعابها بكسر اللام ووقع لبعض رواة البخاري بضمها وأما الرواية
في كتاب مسلم فبالكسر لا غير قاله عياض وهو من الملاعبة مصدر لاعب وقيل أي
على رواية الضم انه من اللعاب وهو الريق وفي رواية فهلا تزوجت بكرا تضاحكك
وتضاحكها وتلاعبك وتلاعبها (لى أخوات) كن اخواته تسعا أوستا روايتان جمع
بينهما بانهن كن تسعا منهن ثلاث متزوجات فلم يعدهن في رواية لاستغنائهن عنه
وعدهن في أخري ولم يسم منهن واحدة (وتمشطهن) بضم المعجمة أي تسرح رؤسهن
بالمشط (فالكيس الكيس) بفتح الكاف واسكان التحتية ثم مهملة وهو منصوب على
الاغراء أى جامع جماعا كيسا قال بعضهم هذا أصل عظيم في تحسين الهدي في
الجماع زاد ابن خزيمة عن جابر فدخلنا حين أمسينا فقلت للمرأة ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم أمرنى ان أعمل عملا كيسا قالت سمعا وطاعة فدونك فبت حتى
أصبحت (باوقية) بضم الهمزة واسكان الواو وكسر القاف وتشديد التحتية وفيه
لغة أخري صحيحة حذف الهمزة مع فتح الواو (ثم قدم رسول الله صلى الله عليه
وسلم) قبلى في رواية في الصحيح انه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في
التقدم الى المدينة لكونه عروسا فاذن له قال فلما أتيت المدينة لقينى خالى
فسألنى عن البعير فاخبرته بما صنعت فيه فلامني وظاهر هذه انه تقدم الناس
جميعا الى المدينة الا ان يحمل على ان النبى صلى الله عليه وسلم تقدم الناس
أيضا فاستأذنه جابر في التقدم معه وأمر غيره بالتخلف لامر اقتضي ذلك فلما
قدما
(1/238)
بالغداة فجئنا الى المسجد فوجدته على باب
المسجد فقال الآن قدمت قلت نعم قال فدع جملك وادخل وصل ركعتين فدخلت فصليت
وامر بلالا ان يزن لي أوقية فوزن لي بلال فأرجح في الميزان فانطلقت حتى
وليت فقال ادع لي جابرا فقلت الآن يرد على الجمل ولم يكن شيء أبغض الىّ منه
قال خذ جملك ولك ثمنه فهذه احدى روايات البخاري وباقي رواياته ورواية مسلم
تزيد وتنقص وها أنا اذكر ما سنح من فوائد مجموع رواياته ان شاء الله تعالى
من ذلك اختلافهم في أصل اليمن من أوقية الى ست أواقي زاد البخارى بثمان
مائة درهم وفي رواية بعشرين دينارا وأكثر الروايات أوقية كما نقله البخارى
عن الشعبي وعليهما حملوا باقي الروايات ومنها ان في احدى رواياته انه اشترط
حملانه الى المدينة ففيه حجة لمالك واحمد ومن وافقهم في جواز مثل ذلك ومنعه
الشافعي وأبو حنيفة لحديث النهى عن بيع وشرط والنهي عن بيع الثنيا وتأولوا
قصة جابر بأنها قصة عين يتطرق اليها احتمالات كثيرة* ومنها ان في وكانا
بقرب المدينة دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبله ولم أر من قاله (قال
الآن) بقطع الهمزة للاستفهام (وأدخل وصل ركعتين) فيه ندب صلاتها بالمسجد
للقادم من السفر وان صلاة النهار مثنى كصلاة الليل وقد روي أحمد وأبو داود
والترمذي والنسائى وابن ماجه عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم صلاة الليل والنهار مثنى مثني (وأمر بلال) فيه جواز التوكيل في قضاء
الدين واداء الحقوق (سنح) بالمهملتين بينهما نون مفتوحات أي عرض (من أوقية)
المراد بها من الذهب كما فسره في رواية سالم عن جابر وهى أكثر الروايات كما
نقله البخاري عن الشعبي (الى ست أواقى) اي من الفضة وهى بقدر أوقية الذهب
في ذلك الوقت قال النووي فيكون الاخبار باوقية الذهب عما وقع به العقد وعن
أواقى الفضة عما حصل به الايفاء ولا يتغير الحكم ويحتمل أن يكون هذا زيادة
على الاوقية كما قال فما زال يزيدني ورواية أربعة دنانير محمولة على ان
أحدهما وقع به البيع والاخري زيادة كما في رواية وزادنى أوقية (وفي رواية
بعشرين دينارا) محمولة على دنانير صغار كانت لهم ورواية أربع أواق شك فيها
الراوي فلا تعتبر (الشعبي) بفتح المعجمة واسكان المهملة اسمه عامر بن
شراحيل وقيل شرحبيل (حملانه) بضم المهملة أي الحمل عليه (ففيه حجة لمالك)
في جواز ذلك اذا كانت مسافة الركوب قريبة وحمل الحديث على هذا (وأحمد ومن
وافقهما في جواز ذلك) مطلقا (وأبو حنيفة) اسمه النعمان بن ثابت توفي ببغداد
سنة خمسين ومائة وهو ابن سبعين سنة وقد تقدم ذكر الشافعى ومالك وأحمد أوّل
الكتاب (النهى عن بيع وشرط) رواه الشيخان وغيرهما (والنهي عن بيع الثنيا)
رواه مسلم والترمذى وزاد الا ان تعلم وهي بضم المثلثة واسكان النون ثم
تحتية مفتوحة الاستثناء في البيع (يتطرق اليها احتمالات كثيرة) منها انه
صلى الله عليه وسلم أراد أن يعطيه الثمن ولم يرد حقيقة البيع ومنها انه
يحتمل ان الشرط لم يكن في نفس العقد بل كان
(1/239)
رواية ان النبى صلى الله عليه وآله وسلم
لما ماكسه وطلب منه البيع قال جابر فان لرجل علىّ اوقية ذهب فهو لك بها
فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذته بها ففيه دليل على ان البيع ينعقد
بلفظه وبما يؤدي معناه من الكنايات وقد يحتج به من يمنع انعقاده بالمعاطاة
ولا حجة فيه فان المختار انعقاد البيع بها وانما يجوز مع حضور العوضين
فيعطى ويأخذه* ومنها ان في احدى رواياته امهلوا حتى يدخلوا ليلا أى عشاء كي
تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة ففيه استعمال مكارم الاخلاق والشفقة على
المسلمين والنهى عن تتبع العورات وليس فيه معارضة لحديث النهى عن الطرق
ليلا لانه فيمن جاء بغتة واما هؤلاء فقد تقدم خبر مجيئهم والكيس كلمة
مشتركة لمعان والمراد هنا حثه على طلب الولد وفيه من الفوائد جواز الوكالة
فى أداء الدين واستحباب ارجاح الوزن والزيادة في القضاء لأن في رواية انه
زاد قيراطا فقال جابر لا تفارقني زيادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فحفظه حتى أصيب منه يوم الحرة ففيه التبرك بآثار الصالحين وفيه جواز طلب
البيع ممن لم يعرض سلعته والمماكسة له سابقا فلم يؤثر ثم تبرع صلى الله
عليه وسلم باركانه (ماكسه) أي ناقصه من ثمنه قال أهل اللغة المماكسة
المكالمة في النقص من الثمن وأصلها النقص ومنه مكس الظالم (ففيه دليل على
ان البيع الى آخره) موضع الدليل قول جابر هو لك وقول النبى صلى الله عليه
وسلم قد أخذته بها (وقد يحتج به من يمنع انعقاده بالمعاطاة) وانه لا بد من
الايجاب والقبول وهو الذي قاله الجمهور (فان المختار) عند جماعة منهم
البغوي والمتولى والنووي (انعقاد البيع بها) في كل ما يعده الناس بيعا وخص
الرويانى وابن شريح وغيرهما ذلك بالمحقرات كرطل خبز وعلى ما قاله الجمهور
قال الغزالى في الاحياء يتملك البائع الثمن الذي قبضه ان ساوى قيمة ما دفعه
هذا كله في الدنيا أما في الآخرة فلا مطالبة لطيب النفس بها واختلاف
العلماء (وانما يجوز مع حضور العوضين فيعطي ويأخذ) هذا قاله النووي في شرح
مسلم وغيره وظاهره اشتراط حضور العوضين وان يعطي ويأخذ والذي نقلوه عن
الذخائر ان صورة المعاطاة ان يتفقا على الثمن والمثمن ثم يعطى المشتري من
غير ايجاب ولا قبول وظاهر هذا عدم اشتراط ذلك قال في الايضاح للناشرى
والظاهر ان الجميع معاطاة وهو متجه (وتستحد) الاستحداد ازالة الشعر
بالحديدة وهى الموسى والمراد هنا ازالته كيف ما كانت (المغيبة) بضم الميم
وكسر المعجمة وسكون التحتية أى التى غاب زوجها (والكيس) بفتح الكاف واسكان
التحتية كما سبق (والمراد هنا حثه على طلب الولد) كما فسره البخاري وفسره
ابن حبان بالجماع وفسره بعضهم بالرفق وحسن التأني (يوم الحرة) كانت سنة ست
وثلاثين من الهجرة وكان فيها قتال ونهب من أهل الشام وقتل بها ابنان لعبد
الله بن العباس بن عبد المطلب وهما صغيران بين يدي أمهما وهما قثم وعبد
الرحمن وسببها ان أهل المدينة خلعوا يزيد بن معاوية لفسقه فارسل جيشا
استباحوا المدينة وقتلوا
(1/240)
ففي رواية ان النبي صلى الله عليه وآله
وسلم قال له أتراني ما كستك لآخذ جملك الجمل والثمن لك وفيه استحباب نكاح
الابكار وجواز ملاعبة النساء وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم حيث انبعث جمل جابر بعد ان أعيا وكل فصار أنشط الابل وفيه منقبة
لجابر حيث ترك حظ نفسه لما يصلح بحال أخواته*
[مطلب في الكلام على غزوة بنى المصطلق وهي غزوة
المريسيع]
وفيها كانت غزوة بني المصطلق من خزاعه وهي غزوة المريسيع قال موسى بن عقبة
كانت سنة أربع وقال ابن اسحق سنة ست والصواب الاول بدليل ان فيها حديث
الافك وجرى فيه ذكر سعد بن معاذ وسعد أصيب يوم الخندق والخندق على الاصح
سنة أربع فعلم بهذا ان المريسيع قبلها وكان من خبر بنى المصطلق انهم أجمعوا
الحرب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحين علم بهم خرج واستعمل على
المدينة اباذر الغفاري رضي الله عنه فلقيهم النبي صلى الله عليه وسلم
بالمريسيع من ناحية قديد فهزم الله بنى المصطلق وقتل من قتل منهم ونفل رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم أبناءهم ونساءهم وأموالهم وكان شعار المسلمين
يومئذ يا منصور أمت أمت وأصيب يومئذ هشام بن صبابة من المهاجرين بأيدي
المسلمين خطأ فقدم أخوه مقيس من مكة وأظهر الاسلام من وجوه المهاجرين
والانصار ألفا وسبعمائة ومن أخلاط الناس عشرة آلاف سوي النساء والصبيان
وكان جابر خرج يومئذ يطوف في أزقة المدينة وهو أعمي والبيوت تنهب وهو يعثر
في القتلي ويقول تعس من أخاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له قائل
ومن أخاف رسول الله فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أخاف
المدينة فقد أخاف ما بين جنبي فحملوا عليه ليقتلوه فاجاره مروان وأدخله
بيته ويقال لهذه الحرة حرة زهرة وقد وقف بها النبى صلى الله عليه وسلم وقال
ليقتلن بهذا المكان رجال هم خيار أمتي بعد أصحابى ذكر ذلك الزبير بن بكار
في أخبار المدينة (منقبة) أى فضيلة* وفيها كانت غزوة (بني المصطلق) بضم
الميم وسكون المهملة وفتح الطاء المهملة وكسر اللام وقاف لقب خزيمة بن عمرو
قال في القاموس سمى به لاجل صوته وكان من أوّل من غني من خزيمة (المريسيع)
بضم الميم وفتح الراء وسكون التحتيتين بينهما مهملة مكسورة وآخره مهملة
ويجوز اعجامها ماء بالحجاز لبني خزاعة (قال موسى بن عقبة كانت سنة أربع)
كذا نقله البخارى عنه وهو سبق قلم والدى في مغازيه انها سنة خمس (انهم
أجمعوا الحرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد البغوي وكان قائدهم الحرث
بن أبى ضرار أبو جويرية زوج النبي صلى الله عليه وسلم (أباذر الغفاري) اسمه
جندب بن جنادة على الاصح في اسمه واسم أبيه (قديد) بئر عند عقبة خليص
(ونفل) بالتشديد (يا) حرف نداء (منصور) منادي (أمت أمت) أمر من الاماتة
(تنبيه) غزوة بنى المصطلق رواها الشيخان عن عبد الله بن عمر (ابن صبابة)
الاكثرون على انه بمهملة مضمومة وعن ابن أبى الصيف أنه باعجامها ثم موحدة
ثم ألف ثم موحدة (مقيس) بضم الميم وكسرها واسكان القاف وفتح التحتية ثم
مهملة
(1/241)
فأمر له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
بدية أخيه ثم عدا على قاتل أخيه فقتله ورجع الى مكة مرتدا ففى ذلك يقول
شفى النفس ان قد بات بالقاع مسندا ... يضرج ثوبيه دماء الاخادع
وكانت هموم النفس من قبل قتله ... تلم فتحمينى وطاء المضاجع
حللت به وتري وأدركت ثورتى ... وكنت الى الاوثان أوّل راجع
ثم قتل عام الفتح وهو متعلق بأستار الكعبة ونزل فيه قوله تعالى وَمَنْ
يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ الآية*
[الكلام علي سبب نزول سورة المنافقين]
وفي هذه الغزاة سبب نزول سورة المنافقين وذلك أنه اقتتل مهاجرى وأنصاري
فتداعى الفريقان فأنف عبد الله بن أبىّ وقال لقومه (فأمر له رسول الله صلى
الله عليه وسلم بدية أخيه) في تفسير البغوي انه وجده قتيلا في بنى النجار
فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فأرسل رسول الله صلى الله
عليه وسلم معه رجلا من بني فهر الى بني النجار انهم ان علموا قاتل هشام بن
صبابة دفعوه الي مقيس فيقتض منه وان لم يعلموه ان يدفعوا اليه ديته فقالوا
سمعا وطاعة ما نعلم له قاتلا ولكن نؤدي ديته فأعطوه مائة من الابل ثم
انصرفا راجعين الى المدينة فأتي الشيطان مقيسا فوسوس اليه فقال تقبل دية
أخيك فتكون عليك مسبة أقتل الذى معك فتكون نفس مكان نفس وفضل الدية فتغفل
الفهري فرماه بصخرة فشدخه ثم ركعب بعيرا وساق بقيتها راجعا الى مكة كافرا
انتهى (ثم عدا على قاتل أخيه فقتله) هذا خلاف ما ذكره ابن مندة وأبو نعيم
وابن عبد البر انه انما قتل زهير بن عياض المرسل معه الي بنى النجار وقاتل
أخيه خطأ منهم (تلم) بضم أوله (وتري) بكسر أوله وفتحه ثم فوقية يعنى الوجل
الذي في قلبه بسبب قتل أخيه والموتور الذي قتل له قتيل لم يدرك بدمه
(ثورتى) بفتح المثلثة واسكان الواو وفتح الراء أى ثأرى (ثم قتل عام الفتح)
قتله تميلة بالفوقية بن عبد الله ذكره ابن عبد البر عن ابراهيم بن سعد عن
ابن اسحاق قال وكان رجلا من قومه (ونزل فيه) أي بسببه (قوله تعالى وَمَنْ
يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها
الآية) فلا حجة فيه للمعتزلة وغيرهم ممن يقول بتخليد أهل الكبائر في النار
لما تقرر انها نزلت في قاتل هو كافر ولا لمن يقول بعدم قبول توبة القاتل
لذلك أيضا وقيل ان الآية نزلت في القاتل المستحل لانه حينئذ مرتد وقيل معنى
قوله فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ أي اذا جازاه ولكنه تحت المشيئة ودلائل أهل
السنة على قبول توبة القاتل وعدم التخليد في النار بالكبائر كثيرة شهيرة
وفي هذه الغزوة (اقتتل مهاجرى) اسمه جهجاه بن سعيد أو ابن قيس الغفاري كان
أجيرا لعمر رضى الله عنه يقود له فرسه ومات بعد قتل عثمان اخذته الاكلة في
ركبته فمات منها قال السهيلى وكان كسر بركبته عصا رسول الله صلى الله عليه
وسلم التي كان يخطب بها وذلك انه انتزعها من عثمان حين أخرج من المسجد ومنع
من الصلاة فيه فكان أحد المعينين عليه حتى كسر العصما على ركبته فيما ذكروا
فابتلى بما ابتلى به من الاكلة والعياذ بالله (وانصارى) اسمه سنان بن وبرة
الجهني حليف لبنى عوف بن الخزرج وكان اقتتالهم بسبب حوض شربت منه ناقة
الانصاري كما في تفسير ابن مردويه (فتداعي الفريقان) فصرخ الجهنى يا معشر
الانصار وصرخ الغفاري يا معشر المهاجرين فاعان جهجاها الغفاري رجل من
المهاجرين يقال له جعال وكان فقيرا (فانف عبد الله بن ابي) زاد البغوى عن
ابن اسحاق وغيره وقال قد
(1/242)
لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا
يقول انما حملهم على هذا نفقاتكم التى تنفقونها عليهم فلو تركتموهم
لاحتاجوا وانفضوا من حوله وقال لئن رجعنا الى المدينة ليخرجنّ الاعز منها
الاذل في كلام كثير قاله فحمل زيد بن أرقم الانصارى مقالته الى رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم فعاتبه النبى صلى الله عليه وسلم فحلف ما قال شيأ
من ذلك وان زيدا لكاذب وصدقه من حضر من الانصار وكذبوا زيدا ولاموه حتي
استحي وندم ووقع الخوض في ذلك فارتحل بهم رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم وسار بهم يومهم وليلتهم وصدرا من يومهم الثانى ثم نزل بهم فلم يكن الا
أن وجدوا مس الارض وقعوا نياما وانما فعل ذلك ليشغلهم عن الحديث الذي كانوا
فيه بالامس ولما وافى رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة نزلت عليه سورة
المنافقين فلما نزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باذن زيد وقال
يا زيد ان الله عز وجل قد صدقك وأوفى باذنك وكان عبد الله بن أبى بقرب
المدينة فلما أراد دخولها منعه ابنه عبد الله بن عبد الله وقال والله لا
تدخلها الا باذن رسول نافرونا وكاثرونا في بلادنا والله ما مثلنا ومثلهم
الا كما قال القائل سمن كلبك ياكلك (لا تنفقوا على من عند رسول الله حتي
ينفضوا) قال البغوى أقبل ابن أبي على من حضر من قومه فقال هذا ما فعلتم
بأنفسكم أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو أمسكتم عن جعال
وذويه فضل طعام لم يركبوا رقابكم ولتحولوا الى غير بلادكم فلا تنفقوا عليهم
حتى ينفضوا من حول محمد (وقال لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الاعز منها
الاذل) زاد البغوي يعني بالاعز نفسه وبالاذل رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال زيد بن ارقم أنت والله الذليل القليل البغيض في قومك ومحمد في عز من
الرحمن ومودة من المسلمين فقال عبد الله بن أبي اسكت فانما كنت ألعب (فحمل
زيد بن أرقم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته) وذلك بعد فراغه من
الغزو زاد البغوي وعنده عمر بن الخطاب فقال دعنى أضرب عنقه يا رسول الله
فقال فكيف يا عمر اذا يتحدث الناس ان محمدا يقتل أصحابه ولكن آذن بالرحيل
وذلك في ساعة لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتحل فيها فارتحل الناس
(فعاتبه النبي صلى الله عليه وسلم) وقال له أنت صاحب الكلام الذى بلغني
(فحلف) فقال والذي أنزل عليك الكتاب (ما قلت شيأ من ذلك وان زيدا لكاذب)
زاد البغوى وكان عبد الله في قومه شريفا عظيما (فصدقه من حضره من الانصار)
وقالوا يا رسول الله عسى ان يكون هذا الغلام أوهم في حديثه ولم يحفظ ما
قاله فعذره النبى صلى الله عليه وسلم (وكذبوا زيدا ولاموه) زاد البغوى وقال
له عمه ما زدت الا أن كذبك رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس ومقتوك
(حتى استحي) بعد ذلك ان يدنو من رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأوفى
باذنك) بفتح الهمزة والذال المعجمة أي صدقك فيما قلت انك سمعته والاذن
بالفتح الاستماع (ولتعلمن اليوم من الاعز من الاذل) زاد البغوى فشكا عبد
الله الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع ابنه فأرسل رسول الله صلى
الله عليه وسلم ان خل عنه فقال له أما اذ جاء أمر رسول الله صلى الله عليه
وسلم فنعم (حتى ينفضوا)
(1/243)
الله صلى الله عليه وسلم ولتعلمن اليوم من
الاعز ومن الاذل فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان خل عنه فلم
يلبث عبد الله بن أبى بعدها الا قليلا ومات على نفاقه قالوا ولما نزلت
السورة قيل لعبد الله بن أبي قد نزل فيك آيات شديدة فاذهب الى رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم يستغفر لك فألوى برأسه استكبارا فنزل قوله تعالى
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ
لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ ونزل قوله تعالى هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا
تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ
خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي فلا يعطى أحد احدا شيئا الا باذن الله
ولا يمنعه الا بمشيئته قيل لحاتم الاصم من أين تأكل فقال وَلِلَّهِ
خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وقال الجنيد بن محمد البغدادي خزائن
السموات الغيوب وخزائن الارض القلوب وكان أبو بكر الشبلي يقول ولله خزائن
السموات والارض فأين تذهبون ولكن المنافقين لا يفقهون انه اذا أراد أمرا
يسره*
[تتمة في زواج رسول الله بجويرية بنت الحارث من
سبايا بنى المطلق واسلامهم]
وكان من سبايا بنى المصطلق ام المؤمنين جويرية بنت الحرث بن أبي ضرار وكان
أبوها قائد الجيش يومئذ وصارت في سهم ثابت بن قيس بن شماس وكاتبته أى
يتفرقوا (لحاتم الاصم) هو عبد الرحمن حاتم بن عنوان وقيل حاتم بن يوسف
الاصم قال القشيري عبد الكريم بن هوازن كان من أكابر مشايخ خراسان وكان
تلميذ شقيق وهو استاذ أحمد بن حضرويه قيل لم يكن به صمم وانما تصامم مرة
فسمى به مات سنة ثلاث وسبعين ومائتين ثم روي عن أبي على الدقاق انه قال
جاءت امرأة فسألت حاتما عن مسئلة فاتفق انه خرج منها في تلك الحالة صوت
فخجلت قال حاتم ارفعي صوتك فأرى من نفسه انه أصم فسرت المرأة بذلك وقالت
انه لم يسمع الصوت فغلب عليه اسم الصمم (الجنيد بن محمد البغدادي) قال
السبكي في الطبقات هو ابو القاسم الجنيد بن محمد بن الجنيد الجزار
القواريري الزاهد أصله من نهاوند ومنشأه ومولده بالعراق شيخ الطريقة سيد
الطائفة تفقه على أبي ثور وكان يفتي بحلقته وله من العمر عشرون سنة انتهى
صحب السري والحارث المحاسبي ومحمد بن على القصاب ومن كلامه نفع الله به
العارف من نطق عن سرك وأنت ساكت ومنه ما أخذنا التصوف عن القيل والقال لكن
عن الجوع وترك الدنيا وترك المألوفات والمستحسنات ومنه لو أقبل صادق على
الله بقلبه ألف ألف سنة ثم أعرض عنه لحظة كان ما فاته أكثر مما ناله ومنه
من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث لا تقتدوا به في هذا الامر لان علمنا
مقيد بالكتاب والسنة توفي سنة سبع وتسعين ومائتين ودفن بالشونيزية عند خاله
السرى نفع الله بهما ورحمهما (أبو بكر الشبلى) اسمه دلف بضم المهملة وفتح
اللام ثم فاء ابن جحدر بجيم فمهملة فراء قال القشيري في الرسالة بغدادي
المولد والمنشأ أصله من أشر وسنة صحب الجنيد ومن عاصره وكان نسيج وحده حالا
وطرقا وعلما مالكى المذهب عاش سبعا وثمانين سنة ومات سنة أربع وثلاثين
وثلاثمائة وقبره ببغداد (جويرية) تصغير جارية بالجيم والتحتية كان اسمها
قبل ذلك برة فغيره رسول الله كراهية التزكية (ضرار) بكسر المعجمة وتخفيف
الراء (وصارت في سهم ثابت بن قيس) الى قوله
(1/244)
وجاءت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
تستعينه في كتابتها وكانت ملاحة من رآها أحبها فقال لها رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم فهل لك في خير من ذلك أقضى كتابتك واتزوجك قالت نعم قال قد
فعلت فتزوجها فلما شاع في الناس خبر تزويجه لها ارسلوا ما بأيديهم من سبي
بني المصطلق وقالوا أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت عائشة فما
أعلم امرأة كانت على قومها أعظم بركة منها فلقد أعتق بسببها مائة أهل بيت
وبعد ان اسلم بنو المصطلق بعث اليهم النبي صلى الله عليه وسلم الوليد بن
عقبة بن أبي معيط ليأتى بصدقاتهم فتلقوه بالاكرام فخافهم ورجع وأخبر النبي
صلى الله عليه وآله وسلم انهم أرادوا قتله فجاؤا خلفه وحلفوا ما أرادوا ذلك
ثم بعد ذلك بعث اليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم خالد بن الوليد وأمره
ان يخفي عنهم عسكره حتى يتبين أمرهم فوجدهم طائعين مؤدين قيل ونزل في
الوليد بن عقبة قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ
فاسِقٌ بِنَبَإٍ الى نادِمِينَ
[الكلام على رخصة التيمم وسببها وأحكامه]
وفي هذه الغزاة نزلت رخصة التيمم وسببها ما رويناه في الصحيحين وغيرهما
بألفاظ تختلف وتأتلف عن عائشة قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه (فلقد
أعتق بسببها مائة أهل بيت) أخرجه أبو داود عن عائشة وشماس بتشديد الميم
(وجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها) فقالت يا رسول
الله أنا جويرية بنت الحارث وانه كان من أمرى مالا يخفي عليك واني وقعت في
سهم ثابت بن قيس وأني كاتبت على نفسي وجئتك تعينني (وكانت ملاحة) بضم الميم
وتشديد اللام أي بارعة الجمال وهذا البناء للمبالغة في الملاحة في سنن أبي
داود بعد ذلك لها في العين حقا قالت عائشة فلما قامت على الباب ورأيتها
كرهت مكانها وعرفت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سيري منها مثل الذى
رأيت (من ذلك) بكسر الكاف قالت وما هو قال (اقضى) فى رواية أبي داود أؤدي
(عنك كتابتك) أي المال الذي كاتبت عليه (وأتزوجك) فيه جواز التصريح بالخطبة
للخلية من الزوج وعدة الغير (قالت نعم) لفظ أبى داود قالت قد فعلت (حتى
يستبين أمرهم) بفتح الراء وضمها (فوجدهم طائعين مؤدين) في تفسير البغوى
وسمع منهم أذان صلاتي المغرب والعشاء (قيل ونزل في الوليد بن عقبة) جزم به
البغوي ولم يذكر غيره (فاسق) يعنى الوليد بن عقبة (بنبأ) بخبر (فتبينوا)
قريء من التبين ومن التثبت (ان تصيبوا) كيلا تصيبوا بالقتل والقتال (قوما)
برآء بجهالة منكم لبراءتهم (فتصبحوا على ما فعلتم) من اصابتكم اياهم خطأ
(نادمين) وفي هذه الغزوة أي غزوة بنى المصطلق كما قاله ابن سعد وابن حبان
وابن عبد البر وأغرب الداودي فقال كانت في غزوة الفتح (رخصة) أفاد المصنف
ان التيمم رخصة فيقضي العاصى بسفره وقيل عزيمة (التيمم) لغة القصد يقال
تيممت فلانا ويممته وياممته أي قصدته ومنه قوله تعالى وَلا تَيَمَّمُوا
الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وشرعا ايصال التراب الى الوجه واليدين
بشرائط مخصوصة وهو ثابت كتابا
(1/245)
وسلم حتى اذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش
انقطع عقد لي فأقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على التماسه وأقام
الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فأتى الناس الى أبى بكر رضى الله
عنه فقالوا الا ترى ما صنعت عائشة اقامت برسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم وبالناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فجاء أبو بكر ورسول الله
صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذى قد نام فقال حبست رسول الله صلى
الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء فعاتبنى أبو بكر وقال
ما شاء الله ان يقول وجعل يطعن بيده في خاصرتي ولا يمنعنى من التحرك
الامكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذى فنام رسول الله صلى الله
عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء فأنزل الله آية التيمم فتيمموا فقال اسيد
بن حضير ما هي بأول بركتكم يا آل أبى بكر قالت عائشة فبعثنا البعير الذى
كنت عليه فوجدنا العقد تحته: اختلفوا في آية التيمم المذكورة في حديث عائشة
فقيل آية المائدة وقيل آية النساء قال ابن العربى هذه معضلة ما وجدت لدائها
من دواء يعنى قول عائشة فنزلت آية التيمم قلت والاقرب انها آية النساء وله
دلائل كثيرة وسنة واجماعا ومن خصائص هذه الامة (بالبيداء) بفتح الموحدة
أوله والمد (أو بذات الجيش) بفتح الجيم وسكون التحتية واعجام الشين موضعان
بين المدينة وخيبر كذا جزم به النووى قال ابن حجر واستبعد ذلك بعض شيوخنا
أي كما مر ان ذلك وقع في غزوة بنى المصطلق وهي غزوة المريسيع والمريسيع من
ناحية مكة بين قديد والساحل قال وما جزم به النووي مخالف لما جزم به ابن
التين فانه قال البيداء هى ذو الحليفة وقال أبو عبيد البكري البيداء أدنى
الى مكة من ذي الحليفة وهو المشرف الذي قدام ذي الحليفة من طريق مكة قال
وذات الجيش من المدينة على بريد وبينها وبين العقيق سبعة أميال والعقيق من
طريق مكة لامن طريق خيبر فاستقام ما قال ابن التين انتهى ويؤيده ما في مسند
الحميدي ان القلادة سقطت بالابواء والابواء بين مكة والمدينة وفي رواية
لجعفر القرناني في كتاب الطهارة انها سقطت بمكان يقال له الصلصل بضم
المهملتين بينهما لام ساكنة جبل عند ذى الحليفة قاله البكري فعرف تصويب ما
قاله ابن التين (عقد) بكسر العين كلما يعقد ويعلق في العنق (لى) اضافته
اليها لكونه في يدها والا فهو ملك اسماء استعارته منها كما في الصحيح (على
التماسه) أى على طلبه (فخذي) بكسر المعجمة واسكانها في العضو وباسكانها فقط
في القبيلة ويجوز لغة كسر الفاء مع كسر الخاء وسكونها (يطعن) بضم العين في
الحسى وفتحها في المعنوى على المشهور فيهما (في خاصرتى) باعجام الحاء
واهمال الصاد وهي الجنب أو الوسط (حتى أصبح) هذا لفظ البخاري في الفضائل
ولفظه في التيمم فقام حين أصبح قال في التوشيح والمعنى متقارب لان كلا
منهما يدل على ان قيامه من نومه كان عند الصبح (فتيمموا) فعل ماض وليس أمرا
(أسيد بن حضير) مر انهما مصغران وان حضيرا بالمهملة فالمعجمة (ما هي باول
بركتكم) أي بل هي مسبوقة بغيرها من البركات والبركة كثرة الخير (يا آل أبي
بكر) أي أهله وعياله ويروي بحذف الهمزة والالف من الآل تخفيفا (معضلة)
بالمهملة ثم المعجمة والداء العضال هو الذي لا دواء له (قلت والاقرب انها
آية النساء وله دلائل كثيرة) قلت بل هي
(1/246)
والله أعلم ويستفاد من حديث عائشة هذا بعد
المقصود الاكبر وهو التيمم جواز عارية الخلي وغيره والمسافرة به باذن
المعير في ذلك لان في احدى رواياته ان العقد كان لاسماء اعارته عائشة وفيه
الاعتناء بحفظ حقوق الناس وان قلت ولحق مشقة في حفظها وفيه تأديب الرجل
ابنته وان كانت كبيرة مزوجة خارجة عن بيته واعلم ان التيمم مما خصت به هذه
الامة توسعة عليها وشرفا لها لشرف نبيها قال صلى الله عليه وسلم فضلنا على
الناس بثلاث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وجعلت لنا الارض كلها مسجدا وجعلت
تربتها لنا طهورا* اما احكام التيمم فانه يجزى عن كل حدث وشرائطه خمس وجود
العذر من سفر أو مرض ودخول الوقت وطلب الماء أو تعذر استعماله
آية المائدة كما في بعض روايات البخارى (فضلنا على الناس بثلث الى آخره)
رواه أحمد ومسلم والنسائي من حديث حذيفة (جعلت صفوفنا) في الصلاة وفي الحرب
(كصفوف الملائكة) عند ربها (وجعلت لنا الارض كلها مسجدا) نصلي فيه حيث نشاء
ولا تتعين علينا المساجد لصحة الصلاة كما كانت على بني اسرائيل (وجعلت
تربتها) أى ترابها (لنا طهورا) اذا لم نجد الماء كما في صحيح مسلم قال
النووى قال العلماء المذكور هنا خصلتان لان قضية الارض في كونها مسجدا
وطهورا خصلة واحدة وأما الثالثة فمحذوفة هنا ذكرها النسائي وأحمد فقال
أوتيت الآيات خواتم سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعطها نبى قبلى (يجزي)
بفتح أوله بلا همز من جزي أى كفى وبضم أوله مع الهمز من أجزأ (عن كل حدث)
أصغر أو أكبر وعن الاطهار المسنونة أيضا (من سفر) أى من فقد ماء فعبر
بالسفر لان الفقد يكون فيه غالبا وشرطه ان لا يكون معصية والا تيمم وقضي
والفقد الشرعى كان وجد ماء مسبل للشرب كالحسي (أو مرض) ولو حضرا لقوله
تعالى وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أي وخفتم من استعمال الماء محذورا
فَتَيَمَّمُوا بقرينة تفسير ابن عباس المرض بالجرح والجدري ونحوهما فيتيمم
مريض خاف من استعمال الماء على نفس أو عضو أو منفعته أو خوف مرض مخوف أو
زيادة فيه أو في مدته أو حصول شين فاحش في عضو ظاهر ولو باخبار طبيب مقبول
الرواية كعبد وامرأة أو عرف ذلك من نفسه والاتيمم وقضى كما جزم به البغوى
فى فتاويه وأيد بنص الشافعى ان المضطر اذا خاف من الطعام المحضر اليه انه
مسموم جاز له تركه والانتقال الى الميتة فما جزم به النووي في التحقيق
ونقله في الروضة عن أبي على السخي وأقره غير معتمد (ودخول الوقت) يقينا
للصلاة ولو نافلة فهو قبل دخول الوقت باطل لانه طهارة ضرورة ولا ضرورة قبل
دخول الوقت فلا تيمم للصلاة على ميت الا بعد طهره ولا لصلاة الاستسقاء الا
بعد تجمع المصلين أو معظمهم ولا لفائتة الا بعد تذكرها لان ذلك وقتها كما
رواه أحمد والشيخان والترمذي والنسائي عن أنس (وطلب الماء) لقوله تعالى
فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا ولا يقال لم يجد الا بعد الطلب ويشترط
كون الطلب في الوقت يقينا أيضا وطلب نائبه كطلبه وكيفية الطلب مستوفاة في
كتب الفقه (أو تعذر استعماله) بان حال بينه وبينه نحو سبع أو كان
(1/247)
والتراب الطاهر وفرائضه اربع نية الفرض
ومسح الوجه واليدين الى المرفقين بضربتين فصاعدا والترتيب وسننه التسمية
وتقديم اليمنى على اليسرى والموالاة ويبطله ما يبطل الوضوء ووجود الماء ثم
عطشان محترم (والتراب الطاهر) فلا يجوز التيمم بغير التراب ولا به وقد
خالطه نحو دقيق وان قل ولا به نجسا لقوله تعالى فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً
طَيِّباً أى اقصدوا ترابا طاهرا ولا به مستعملا قياسا على الماء ولا بما لا
غبار له كرمل أو فيه غبار ولكن الرمل يلصق بالمحل وعده التراب شرطا كما
صنعه الرافعى أحسن مما في أصل الروضة من عده ركنا اذلو حسن عد التراب ركنا
في التيمم لحسن عد الماء ركنا في الطهر به (وفرائضه) أي أركانه (أربعة) على
ما قاله المصنف وذلك لانه حذف النقل وهو معدود من الاركان لان الآية أمرت
بالتيمم وهو القصد والنقل طريقه (نية الفرض) لقوله صلى الله عليه وسلم انما
الاعمال بالنيات الحديث رواه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وابن
ماجه عن عمر وأبو نعيم والدار قطنى عن أبي سعيد وابن عساكر عن أنس والعطار
عن أبى هريرة ويجب قرنها بالنقل لانه أوّل الاركان واستصحابها ذكرا الي مسح
شئ من الوجه ولا يجزي الابنية الاستباحة لانية التيمم ولا فرضه أو فرض
الطهر أو التيمم المفروض لانه طهارة ضرورة فلا يصلح مقصدا وبهذا فارق
الوضوء نعم تكفيه نية التيمم بدلا عن طهر مسنون (ومسح الوجه واليدين الى)
أي مع (المرفقين) لقوله تعالى فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ
ويجب كونه (بضربتين) لخبر الحاكم والطبرانى عن ابن عمر التيمم ضربتان ضربة
للوجه وضربة لليدين الي المرفقين وهذا الحديث وان صح وقفه على ابن عمر فقد
روى أبو داود انه صلى الله عليه وسلم تيمم بضربتين لكن قال في المجموع ان
هذا الحديث فيه راو ليس بالقوى عند أكثر المحدثين ومع هذا صحح وجوبهما وقال
انه المعروف من المذهب وصحح الرافعي الاكتفاء بضربة واحدة لحديث عمار لما
أجنب وتمرغ في التراب لعدم الماء قال له صلى الله عليه وسلم انما كان يكفيك
ان تقول بيدك هكذا ثم ضرب بيديه الارض ضربة واحدة ثم نفضهما ثم مسح الشمال
على اليمين وظاهر كفيه رواه الشيخان وجواب النووى عنه بان المراد بيان صورة
الضرب للتعليم لا بيان جميع ما يحصل به التيمم لا يخفى ضعفه كما قال
الزركشى (فصاعدا) منصوب على الحال وظاهره عدم كراهة الزيادة على الضربتين
وليس مرادا نعم ان لم تكفيا فالزيادة واجبة (والترتيب) كالوضوء وان كان
حدثه أكبر وان تمعك بخلاف الغسل منه لان البدن فيه واحد فهو كعضو في الوضوء
وأما الوجه واليدان في التيمم فمختلفان (وسننه التسمية) ولوجنبا (وتقدم
اليمنى على اليسري) وأعلى الوجه كالوضوء وان اقتضت عبارة الجمهور انه لا
استحباب في البداءة بشيء من الوجه دون شيء (والموالاة) بين المسحين بتقدير
التراب ماء وبينه وبين الصلاة خروجا من خلاف من أوجبه ومن السنن الاتيان في
مسح اليدين بالكيفية المشهورة وامرار التراب على كل العضو وتخفيف التراب
والسواك والذكر المأثور بعده وصلاة ركعتين عقبه وكل سنة من سنن الوضوء
تتأتي هنا (ويبطله ما أبطل الوضوء) .
وهو الخارج من السبيلين وزوال العقل واللمس بشرطه والمس بشرطه (ووجود
الماء) أو توهمه وان لم
(1/248)
فى غير الصلاة وصاحب الجبائر يمسح عليها
ولا يعيد ان كان وضعها على طهر ولا يصلي بتيمم واحد أكثر من فريضة ويتنفل
ما شاء والله اعلم وهذا مذهب الشافعي رحمه الله تعالى وسيأتى كيفية تيممه
صلى الله عليه وآله وسلم وما اختاره المحدثون من ذلك في قسم الشمائل إن شاء
الله تعالى والله ولى التوفيق*
[الكلام على حديث الإفك وخبر ذلك]
وفي هذه الغزوة جرى حديث الافك* وقد اتفق على تخريجه الشيخان وألفاظهم فيه
متقاربة وقد كفاناها ابو عبد الله الحميدى في الجمع بين الصحيحين له فرواه
عنهما من حديث الزهري عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن أبى
وقاص الليثي وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود من حديث عائشة زوج
النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكف بلا مانع كسبع وعطش محترم (في غير
الصلاة) أي قبل الدخول فيها بخلافه بعده كما لو شرع المكفر في الصوم ثم وجد
الرقبة نعم يسن قطعها ليتوضأ خروجا من خلاف من أوجبه (ويحرم ان ضاق الوقت)
فلا يبطل حتي يسلم وله تسليم الثانية معا نعم ان وجب قضاء فرضها كأن تيمم
بمحل يغلب فيه وجود الماء بطل التيمم برؤية الماء أو توهمه بشرط ولو بعد
الدخول فيها ومن مبطلات التيمم الردة ودخول الوقت كما في المجموعة (وصاحب
الجبائر) جمع جبيرة وهى أخشاب تربط على الكسر والاختلاع ومثلها اللصوق بفتح
اللام وهو ما على الجرح من نحو خرقة يجب عليه نزعها الا ان يخاف منه ما مر
فحينئذ (يمسح عليها) كلها بالماء أبدا بعد غسل ما تحت أطرافها من صحيح ببل
خرقة وعصرها وقت غسل العضو ويتيمم أيضا وقت غسل الوضوء ليكون التيمم بدلا
عن غسل العليل ومسح الساتر بدلا عن غسل ما تحت أطرافه من الصحيح ثم ان كان
الساتر بمحل التيمم وهو الوجه واليدان وجبت الاعادة مطلقا لنقصان البدل
والمبدل وان كان في غيره أعاد إن وضعها على حدث (ولا يعيد ان كان وضعها على
طهر) لعدم أمر المستحوج بها (ولا يصلى بتيمم واحد أكثر من فريضة) مكتوبة أو
طواف أو منذورة لقوله تعالى إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ الى قوله
فَتَيَمَّمُوا فاقتضى وجوب الطهر لكل صلاة فخرج الوضوء بدليل فبقى التيمم
على مقتضاه ولانه طهارة ضرورة فيتقدر بقدرها (ويتنفل) مع الفريضة وبدونها
(ما شاء) لان النفل يكثر فتشتد المشقة باعادة التيمم لها فخفف أمرها
(تنبيه) خطبة الجمعة كالفرض لوجوبها واشتراط الطهارة لها وصلاة الجنازة وان
تعينت كالنفل لانها كهو في جواز الترك في الجملة وانما وجب القيام فيها
لانه قوامها لعدم ركوع وسجود فيها فتركه يمحو صورتها* وفي هذه الغزوة
(الافك) بكسر الهمزة واسكان الفاء على المشهور وهو الكذب وقيل أسوأه (وقد
اتفق على تخريجه الشيخان) وأبو داود والترمذي والنسائى (الحميدي) مصغر (ابن
المسيب) بفتح الياء وكسرها كما مر ومران من عداه بالفتح لا غير (وعلقمة بن
أبي وقاص) قال ابن عبد البر وغيره ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم وقيل انه شهد الخندق فهو مختلف في صحبته ومات بالمدينة أيام عبد الملك
بن مروان (وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود) هو الاعمى الفقيه أحد
فقهاء المدينة السبعة ومعلم عمر بن عبد العزيز
(1/249)
حين قال لها أهل الافك ما قالوا فبرأها
الله مما قالوا قال الزهري وكلهم حدثنى طائفة من حديثها وبعضهم كان أوعى له
من بعض وأثبت له اقتصاصا وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذى حدثني عن
عائشة وبعض حديثهم يصدق بعضا قالوا قالت عائشة كان النبى صلى الله عليه
وآله وسلم اذا أراد سفرا أقرع بين أزواجه فأيهن خرج سهمها خرج بها معه قالت
فأقرع بيننا في غزاة غزاها فخرج فيها سهمى فخرجت معه بعد ان أنزل الحجاب
فأنا احمل في هودجي وأنزل فيه فسرنا حتى اذا فرغ رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرحيل فقمت حين
آذن بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت من شأنى أقبلت الى الرحل
فلمست صدرى فاذا عقد لى من جزع أظفار صغار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدى
فحبسني ابتغاؤه وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بى فاحتملوا هو دجى فرحلوه
على بعيرى الذى كنت أركب وهم يحسبون أنى فيه وكان وكان من بحور العلم مات
سنة سبع وتسعين (أوعى) أي أحفظ (وأثبت له اقتصاصا) أي أحسن ايرادا (هودجى)
بفتح الهاء والدال بينهما واو ساكنة آخره جيم محمل عليه قبة تستر بنحو
الثياب يركب فيه النساء (آذن) بالمد مع التخفيف وبالقصر مع التشديد أي أعلم
(فلمست) بفتح الميم (عقد لى) ولمسلم عقدى وهو القلادة ونحوها (تنبيه) مر
سقوط العقد في قصة التيمم ومر عن ابن سعد وابن حبان وابن عبد البر انها في
هذه الغزوة أيضا فان صح ذلك حمل على انه سقط منها مرتين في تلك السفرة قاله
ابن حجر قال في التوشيح والصواب تأخر قصة التيمم عن قصة الافك لما رواه
الطبراني من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت لما كان من أمر
عقدي ما كان وقال أهل الافك ما قالوا خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
في غزوة أخرى فسقط أيضا عقدى حتى حبس الناس على التماسه فقال لى أبو بكر أى
بنية في كل سفرة تكونين عناء وبلاء على الناس فأنزل الله الرخصة في التيمم
قال ابن حبيب سقط عقد عائشة في غزوة ذات الرقاع وفي غزوة بني المصطلق وقد
اختلف في أيهما كانت أوّل (من جزع) بفتح الجيم وسكون الزاى ومهملة خرز فيه
سواد وبياض وهو مفرد وقيل جمع جزعة بالفتح (اظفار) بفتح الهمزة واسكان
المعجمة كذا للبخارى في التفسير ولمسلم والبخارى في الشهادات عند الكشميهني
ظفار بفتح المعجمة وكسر الراء بلا تنوين قال في التوشيح وهو المعروف في
اللغة فان ظفار مدينة باليمن ينسب اليها الجزع فان ثبتت رواية اظفار بالالف
فلعله كان من الظفر أحد أنواع القسط (وأقبل الرهط) هم الجماعة دون العشرة
سمى منهم عند الواقدى أبو موهوبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان
رجلا صالحا قال ابن حجر وذكره البلاذرى فقال أبو مويهبة (يرحلون) بالتخفيف
فقط في رواية مسلم وبه وبالتشديد في رواية البخارى وكذا قوله فرحلوه أى
شدوا عليه الرحل (بي) هكذا في بعض نسخ مسلم وفي أكثرها لى قال النووى
(1/250)
النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلن ومنهم من قال
لم يهبلن ولم يغشهن اللحم انما يأكلن العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم
حين رفعوا ثقل الهودج ومنهم من قال خفة الهودج فاحتملوه وكنت جارية حديثة
السن فبعثوا الجمل وساروا فوجدت عقدى بعد ما استمر الجيش فجئت منزلهم وليس
فيه أحد ومنهم من قال فجئت منازلهم وليس بها منهم داع ولا مجيب فتيممت
منزلى الذى كنت به وظننت أنهم سيفقدونى ويرجعون الى فبينما أنا جالسة
غلبتنى عيناى فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمى ثم الذكواني قد عرس من وراء
الجيش فأدلج فأصبح عند منزلي فرأى سواد انسان نائم فأتانى فعرفنى حين رآني
وكان يراني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهى بجلبابى وو
الله ما يكلمنى بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه وهوى حتى اناخ راحلته
فوطئ على يديها فركبتها فانطلق يقود واللام أجود (لم يثقلن) بمعنى (لم
يهبلن) ضبط بضم التحتية وفتح الهاء والموحدة المشددة أي يثقلن باللحم
والشحم وبفتح التحتية والباء الموحدة وسكون الهاء وبفتح التحتية وضم
الموحدة وسكون الهاء قال النووي ويجوز ضم أوله واسكان الهاء وكسر الموحدة
(العلقة) بضم المهملة واسكان اللام وقاف أي القليل وهو البلغة أيضا (فلم
يستنكر القوم خفة الهودج وثقل الهودج) الاول ما في صحيح البخارى في التفسير
والثاني ما فيه في الشهادات قال في التوشيح وموردهما واحد والذي هنا في
التفسير أوضح (حديثة السن) كان لها ثلاث عشرة أو أربع عشرة سنة على الخلاف
في غزوة بنى المصطلق هل هي سنة أربع أو خمس من الهجرة (فبعثوا) أثاروا
(فتيممت) وللبخارى في رواية فاممت مخفف ومشدد وكلها بمعنى قصدت (ابن
المعطل) بفتح الطاء المهملة المشدة بلا خلاف قال النووي كذا ضبطه أبو هلال
العسكرى والقاضي في المشارق ابن ربيعة بن خزاعى بن محارب بن مرة بن فالج بن
ذكوان بن ثعلبة بن نهبة بن سليم (عرس) بتشديد الراء والتعريس النزول آخر
الليل في السفر لنوم أو استراحة هذا هو المشهور وقيل التعريس النزول أى وقت
كان قال السهيلي وكان صفوان على الساقة يلتقط ما يسقط من متاع الجيش ليرده
اليهم قال وقد روي في تخلفه سبب آخر وهو انه كان ثقيل النوم لا يستيقظ حتى
يرتحل الناس قال ويشهد لصحة هذا حديث أبي داود ان امرأة صفوان اشتكت به الى
رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرت أشياء منها انه لا يصلى الصبح فقال
صفوان يا رسول الله انى امرؤ ثقيل الرأس لا أستيقظ حتى تطلع الشمس فقال
النبي صلى الله عليه وسلم فاذا استيقظت فصل قال وقد ضعف البزار حديث أبي
داود هذا في مسنده انتهي (فادلج) بتشديد الدال مع الوصل والاد لاج سير آخر
الليل وبقطعها مع سكون الدال سير أوّل الليل (سواد انسان) أي شخصه
(فاستيقظت) أي انتبهت (باسترجاعه) أي بقوله إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا
إِلَيْهِ راجِعُونَ (فخمرت وجهي) أي غطيته (ما يكلمني) عبرت بالمستقبل
لارادة الاستمرار (حتى أناخ) للكشميهني حين
(1/251)
بى الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا
معرسين وفي رواية صالح بن كيسان وغيره موغرين في نحر الظهيرة قالت فهلك من
هلك في شأنى وكان الذى تولى كبره عبد الله بن أبي بن سلول فقدمنا المدينة
فأشتكيت بها شهرا والناس يفيضون في قول أصحاب الافك ولا أشعر وهو يريبني في
وجعي اني لا أرى من النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم اللطف الذي كنت
أرى منه حين اشتكى انما يدخل فيسلم ثم يقول كيف تيكم ثم ينصرف فذلك يريبنى
ولا أشعر بالشر حتى نقهت فخرجت أنا وأم مسطح قبل المناصع وهو متبرزنا وكنا
لا نخرج إلا ليلا وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا وأمرنا أمر العرب
الاول في التبرز قبل الغائط وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا فاقبلت
أنا وأم مسطح وهي ابنة أبى رهم بن المطلب بن عبد مناف وأمها بنت صخر بن
عامر خالة أبى بكر الصديق وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب حين
فرغنا من شأننا نمشي فعثرت أم مسطح (صالح بن كيسان) بفتح الكاف وسكون
التحية ثم مهملة هو المدنى ادرك ابن عمر ورآه وسمع عروة والزهري وكان ثقة
جامعا للحديث والفقه والمروة قال أحمد هو أكبر من الزهري (موغرين) بضم
الميم وكسر المعجمة والراء أي نازلين في وقت الوغرة بفتح الواو وسكون
المعجمة وهي شدة الحر حين تكون الشمس في كبد السماء ومنه وغر الصدر وهو
توغره غيظا بالحقد ولمسلم في رواية بالعين المهملة من وعرت الي فلاة كذا أي
نفذت قال النووي وهو ضعيف قال في التوشيح وروى مغورين بتقديم الغين وتشديد
الواو والتغوير النزول وقت القائلة (نحر الظهيرة) أي وقت القائلة وشدة الحر
وقيل أولها (تولى كبره) بكسر الكاف على القراءة المشهورة وقريء شاذا بضمها
وهي لغة وكبر الشيء معظمه (يفيضون) بضم أوله رباعي أى يخوضون (يريبنى) بفتح
أوله ثلاثي وبضمه رباعي أى يوهمنى ويشككنى (اللطف) بضم اللام وسكون الطاء
ويقال بفتحهما معا وهو البر والرفق (تيكم) بكسر الفوقية أشارة الى المؤنث
كذلكم للمذكر (نقهت) بفتح القاف وكسرها قال النووي والفتح أشهر واقتصر عليه
جماعة والناقه الذي أفاق من المرض وبرئ منه وهو قريب عهد به لم يتراجع اليه
كمال صحته (أم مسطح) اسمها سلمى ومسطح لقب واسمه عامر وقيل عوف قال النووى
كنيته أبو عباد وقيل أبو عبد الله توفي سنة سبع وثلاثين وقيل أربع وثلاثين
(المناصع) بفتح الميم موضع خارج المدينة كانوا يتبرزون فيه (أمر العرب
الاول) بفتح الهمزة وتشديد الواو صفة أمر فيكون مرفوعا وبضمها والتخفيف صفة
العرب فيكون مجرورا (في التبرز) لمسلم في التنزه أي طلب النزهة بالخروج في
الصحراء (الغائط) في الاصل اسم للمطمئن من الارض ثم سمى به الخارج للمجاورة
(الكنف) بضمتين جمع كنيف وهو المكان المهيأ لقضاء الحاجة (رهم) بضم الراء
وسكون الهاء (وأمها) اسمها رائطة (بنت صخر بن عامر) بن كعب بن سعد بن تيم
بن مرة (خالة أبي بكر) وأمه تكنى أم الخير واسمها سلمى (بن اثاثة) بضم
الهمزة ومثلثة مكررة والاولى مخففة (فعثرت) بمهملة ومثلثة مفتوحة (مرطها)
بكسر الميم وبالطاء المهملة أي في ازارها (تعس) بفتح الفوقية وكسر المهملة
وفتحها
(1/252)
في مرطها فقالت تعس مسطح فقلت لها بئس ما
قلت أتسبين رجلا شهد بدرا فقالت يا هنتاه ألم تسمعي ما قال قلت وما قال
فأخبرتني بقول أهل الافك فازددت مرضا على مرضي فلما رجعت الى بيتي دخل على
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسلم وقال كيف تيكم فقلت أتأذن لى ان
آتى أبوي قالت وأنا حينئذ أريد ان أستيقن الخبر من قبلهما فأذن لى رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتيت أبوي فقلت لامي يا أمتاه ماذا يتحدث
الناس به فقالت يا بنية هونى على نفسك الشأن فو الله لقل ما كانت امرأة قط
وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر الا أكثرن عليها فقلت سبحان الله ولقد تحدث
الناس بهذا قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لى دمع ولا أكتحل بنوم
فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبى طالب واسامة بن زيد حين
استلبث الوحي يستشيرهما في فراق اهله قالت فأما أسامة فأشار عليه بما يعلم
من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه من الود لهم فقال أسامة هم أهلك يا رسول
الله ولا نعلم بهم والله إلا خيرا وأما علي بن أبى طالب كرم الله وجهه فقال
يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير وسل الجارية تصدقك قال
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لغتان ومعناه عثر وقيل هلك وقيل لزمه
الشر وقيل سقط لوجهه خاصة (يا) وفي بعض النسخ أى وكلاهما حرف نداء (هنتاه)
بفتح الهاء والفوقية بينهما نون ساكنة وقد يضم أى يا هذه وقيل يا امرأة
وقيل يا بلهاء (فازددت) مرضا على مرض زاد أبو عوانة وهممت ان آتى قليبا
فأطرح نفسي فيه (وضيئة) بالمد والهمز على وزن عظيمة أي جميلة حسنة ولابن
ماهان في مسلم حظية من الحظوة وهي الوجاهة وارتفاع المنزلة (ضرائر) جمع ضرة
سموا بذلك لان كل واحدة تتضرر بالاخرى بالغيرة والقسم وغيره (اكثرن) ولمسلم
كثرن وكذا للكشميهني في البخاري بالتشديد أي كثرن القول في عيبها ونقصها
(سبحان الله) قالته تعجبا ونزل القرآن على مقتضى تعجبها في فقال تعالى
سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (لا يرقأ) بقاف بعدها همزة أى لا ينقطع
(ولا اكتحل بنوم) أي لا أنام (استلبث الوحي) بالرفع أى طال لبث نزوله
وبالنصب أى استبطأ النبي صلى الله عليه وسلم نزوله واستلبث لازم ومتعد يقال
استلبث الشيء واستلبثت الشىء (أهلك) بالرفع أي هم أهلك كما في رواية أخري
أى هي العفيفة اللائقة بك (والنساء سواها كثير) زاد الواقدي طلقها وانكح
غيرها قال النووي رأى علي ان ذلك هو المصلحة في حق النبي صلى الله عليه
وسلم لما رأى من قلقه وانزعاجه فأراد اراحة خاطره بفراقها قال بحرق في
سيرته قلت ومما يدل على انهم كانوا يرون انزعاج خاطره أشد عليهم من كل
أمران عمر لما قال للانصاري جاغسان «1» قال بل أشد اعتزال النبي صلى الله
عليه وسلم نساءه فدعا رسول الله صلي عليه وسلم اى بريرة قال الزركشى قيل ان
هذا وهم وان بريرة انما اشترتها عائشة وأعتقتها بعد ذلك ولهذا لما عتقت
واختارت نفسها جعل زوجها يطوف وراءها ويبكي فقال لها النبي صلى الله عليه
وسلم لو راجعتيه فقالت أتأمرني فقال انما انا
__________
(1) كذا في الأصل فلينظر.
(1/253)
بريرة فقال أى بريرة هل رأيت فيها شيأ
يريبك فقالت له بريرة لا والذى بعثك بالحق نبيا ان رأيت منها امرا اغمصه
عليها اكثر من انها جارية حديثة السن تنام عن عجين اهلها فتأتى الداجن
فتأكله قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من يومه فاستعذر من
عبد الله بن ابى ابن سلول فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو على
المنبر من يعذرنى من رجل بلغني أذاه فى اهل بيتى فو الله ما علمت في اهلى
الا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه الا خيرا وما كان يدخل على أهلى الا
معي قالت فقام سعد بن معاذ احد بني عبد الاشهل فقال يا رسول الله انا والله
أعذرك منه ان كان من الاوس ضربنا عنقه وان كان من اخواننا الخزرج أمرتنا
ففعلنا فيه امرك فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكانت أم حسان بنت عمه
شافع فقالت لا إذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس الا تعجب من حب
مغيث بريرة وبغضها له والعباس انما قدم المدينة بعد الفتح والملخص من هذا
الاشكال ان تفسير الجارية ببريرة مدرج في الحديث من بعض الرواة ظنا منه
انها هي انتهى وأجيب عن ذلك بأن بريرة كانت تلازم بيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم للخدمة قبل أن تشتريها ذكره ابن السبكي وقواه ابن حجر (فقال أي
بريرة الى آخره) زاد أبو عوانة ثم ضربها على زاد ابن اسحاق ضربا شديدا وفي
مسلم فانتهرها بعض أصحابه يريد عليا (ان رأيت) أي ما رأيت (اغمصه) بفتح
الهمزة وكسر الميم وبالصاد المهملة أى اعيبهابه (تنام عن عجين أهلها) معناه
انها لا شيء فيها مما يسألون أصلا ولا فيها عيب من غيره سوى نومها عن
العجين وفي مسند أبي أسامة وصحيح مسلم في رواية فقالت والله ما علمت عليها
عيبا الا انها كانت ترقد حتى تدخل الشاة فتأكل خميرها أو عجينها فانتهرها
بعض أصحابه فقال أصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت سبحان الله
والله ما علمت عليها الا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الاحمر (الداجن)
بالمهملة والجيم الشاة التى تألف البيوت ولا تخرج الى المرعى وقيل كل ما
يألف البيوت شاة أو طيرا (فاستعذر) أي طلب من يعذره منه أي ينصفه (من عبد
الله بن أبى ابن سلول) بتنوين أبى ويكتب ابن سلول بالالف كما سبق (وهو على
المنبر) لعله منبر كان يوضع له يقعد عليه وليس المراد منبر الخطبة لانه كان
أذ ذاك لم يعمل (من يعذرني) قال في التوشيح قال الخطابى يحتمل ان يكون
معناه من يقوم بعذره فيما رمى به أهلي من المكروه ومن يقوم بعذري ان انا
عاقبته على سوء ما صدر منه ورجح النووي الثانى وقيل معناه من ينصرني
والعذير الناصر وقيل من ينتقم لي منه (فقام سعد بن معاذ) استدل به عياض على
ان غزوة المريسيع التى فيها قصة الافك كانت قبل قصة الخندق وان سعدا مات في
اثر غزوة الخندق من الرمية التي اصابته قال النووى وهو صحيح وما في سيرة
ابن اسحق ان المراجعة أولا وثانيا انما كانت بين اسيد بن حضير وسعد بن
عبادة مبنى على تاريخه ان غزوة بني المصطلق كانت سنة ست وغزوة الخندق سنة
أربع وما فيها لا يقاوم ما في الصحيح قال ابن حجر الراجح ان الخندق
والمريسيع كانتا في سنة واحدة سنة خمس وكانت المريسيع قبلها في شعبان
والخندق في شوال وبهذا
(1/254)
من فخذه وكان رجلا صالحا ولكن احتملته
الحمية ومنهم من قال أجتهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ كذبت لعمر الله لا
تقتله ولا تقدر على ذلك فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد فقال معاذ لسعد
بن عبادة كذبت لعمر الله لنقتلنه فانك منافق تجادل عن المنافقين فتبادر
الحيان الاوس والخزرج حتى هموا ان يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخفضهم
حتى سكتوا وسكت قالت وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لى دمع ولا أكتحل بنوم ثم بكيت
ليلتي المقبلة لا يرقأ لى دمع ولا أكتحل بنوم فأصبح عندى أبواى وقد بكيت
ليلتين ويوما حتى أظن ان البكاء فالق كبدى قالت فبينماهما جالسان عندي وأنا
أبكى إذ استأذنت امرأة من الانصار فأذنت لها فجلست تبكي معى فبينا نحن كذلك
إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسلم ثم جلس قالت ولم يجلس عندي
من يوم قيل لى ما قيل قبلها وقد مكث شهرا لا يوحى اليه في شأنى بشيء فتشهد
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين جلس ثم قال أما بعد يا عائشة فانه
بلغنى عنك كذا وكذا فان كنت بريئة فسيبرئك الله وان كنت ألممت بذنب
فاستغفري الله وتوبى اليه فان العبد اذا اعترف بدنبه ثم تاب تاب الله عليه
قالت فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقالته قلص دمعى حتى ما
أحس قطرة وقلت لابى أجب عنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما قال
قال والله ما أدرى ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لامي أجيبى
عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال قالت أمي والله ما أدرى ما أقول
لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ
كثيرا من القرآن فقلت يرتفع الاشكال (من فخذه) الفخذ هو الجماعة من الاقارب
دون البطن والقبيلة وهو بسكون الخاء لا غير بخلاف الفخذ الذي هو للعضو فانه
يسكن ويكسر قاله ابن فارس (احتملته) بمهملة ثم فوقية ثم هاء اى اغضبته
(ومنهم من قال اجتهلته) هى رواية مسلم في اكثر النسخ وهو بجيم ثم فوقية ثم
هاء أي حملته على الجهل ولابن ماهان اجهلته كما في صحيح البخاري (كذبت لعمر
الله لا تقتله ولا تقدر على ذلك) هذا دليل علي ما مر فان سعد بن معاذ إنما
قال امرتنا ففعلنا فيه بامرك وذلك واجب على كل مؤمن (فثار الحيان) اى نهض
بعضهم الى بعض من الغضب للنزاع والعصبية (فبكيت) كذا اللكشميهنى وفي بعض
النسخ فمكثت (ان كنت الممت بذنب فاستغفري الله) قال الداودي لم يأمرها
بالستر كغيرها لانه لا ينبغي أن يكون عنده امرأة أتت ذنبا ومعنا الممت اي
وقع منك على خلاف العادة وهذا حقيقة الالمام (قلص دمعى) بفتح القاف واللام
ومهملة أى استمسك نزوله وانقطع قال النووى لاستعظام ما بغتنى من الكلام
وقال القرطبي سببه ان الحزن والغضب اذ أخذا مأخذهما فقد الدمع لفرط حرارة
المصيبة (أحس) بضم الهمزة وكسر المهملة
(1/255)
انى والله لقد علمت انكم سمعتم ما تحدث
الناس به حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به فلئن قلت انى بريئة والله يعلم أني
لبريئة لا تصدقونى بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم اني منه بريئة
لتصدقنى فو الله ما أجد لى ولكم مثلا الا أبا يوسف إذ قال فصبر جميل والله
المستعان على ما تصفون قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي وأنا والله أعلم
أنى بريئة وان الله مبرئي ببراءتي ولكن ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحيا
يتلى ولشأني في نفسى كان أحقر من أن يتكلم الله فيّ بأمر يتلى ومنهم من قال
فلأنا أحقر في نفسى من أن يتكلم الله بالقرآن في أمري ولكن كنت أرجو أن يرى
رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا يبرئنى الله بها فو الله ما رام رسول
الله صلى الله عليه وسلم مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل الله على
نبيه صلى الله عليه وسلم فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى انه ليتحدر منه
مثل الجمان من العرق في يوم شات من ثقل القول الذي أنزل عليه قالت فسرى عن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يضحك فكان أوّل كلمة تكلم بها أن
قال يا عائشة احمدى الله ومنهم من قال أبشرى يا عائشة أمّا الله فقد برأك
فقالت لى أمي قومي الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت لا والله لا
أقوم اليه ولا أحمد الا الله هو الذى أنزل براءتى اي أجد (الا أبا يوسف) في
بعض روايات البخاري الا يعقوب (مبرئى) قال في التوشيح بلا نون في جميع
الروايات وزعم ابن التين أنه وقع عنده مبرئني بنون الوقاية على حد* امسلمني
الى قومى سراح* (رام) فارق ومصدره الريم (البرحاء) بضم الموحدة وفتح الراء
ومهملة ومدة هي شدة الكرب (ليتحدر) أى لينصب (الجمان) بضم الجيم وتخفيف
الميم وهو الدر وقيل حب يعمل من الفضة كاللؤلؤ شبهت قطرات عرقه صلى الله
عليه وسلم به في الصفاء والحسن (شات) بالمعجمة أوله والفوقية آخره بينهما
الف أي شديد البرد (فسرى) بضم المهملة وكسر الراء المشددة مبني للمفعول أى
كشف وأزيل (وهو يضحك) سرورا بما نزل من براءتها (فكان أوّل) بنصب اللام على
الخبر والاسم في قوله ان قال وبرفعه على الاسم والخبر في ان قال أيضا نظيره
ليس البر أن تولوا وجوهكم (أما الله فقد برأك) أى فلا تكترثى ان لم يبرئك
غيره لان براءته عز وجل هي المقصودة (فقالت لى أمى قومى الى رسول الله صلى
الله عليه وسلم) أي فاحمديه وقبلي رأسه (لا أقوم اليه ولا احمد الا الله)
قالت ذلك إدلالا كما يدل الحبيب على حبيبه قاله ابن الجوزى او لما خامرها
من الغضب حيث لم يبادروا الى تكذيب من قال فيها ما قال مع تحققهم حسن
طريقتها وجميل أحوالها وارتفاعها عن هذا الباطل (الذي أنزل براءتي) زاد أبو
أسامة لقد سمعتموه فما أنكرتموه ولا غيرتموه وللسهيلى في الروض وفي المسند
من حديث عائشة أنه لما أنزل الله براءتها قام اليها أبو بكر فقبل رأسها
فقالت له هلا كنت عذرتني فقال أى سماء تظلني وأي أرض تقلني ان قلت بما لا
أعلم قال بعض المفسرين
(1/256)
فأنزل الله عز وجل «إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ
بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ» العشر الآيات فلما أنزل الله هذا فى براءتي
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه
وفقره والله لا أنفق على مسطح شيأ أبدا بعد ما قال لعائشة ما قال فأنزل
الله تعالى «وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ» الى
قوله «غَفُورٌ رَحِيمٌ» فقال أبو بكر بلى والله إني لاحب أن يغفر الله لى
فرجع الى مسطح الذي كان يجرى عليه وقال والله إنى لا أنزعها منه أبدا قالت
عائشة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب بنت جحش عن أمرى فقال
يا زينب ما علمت ما رأيت قالت يا رسول الله أحمي سمعى وبصرى والله ما علمت
عليها الا خيرا قالت عائشة وهى التي كانت تساميني من أزواج النبى صلى الله
عليه وآله وسلم فعصمها الله بالورع قالت وطفقت أختها حمنة تجاوب لها فهلكت
وكان نزول براءة عائشة بعد قدومهم المدينة بسبع وثلاثين ليلة (وأنزل الله
عز وجل الى آخره) قال في التوشيح قال الزمخشري لم يقع في القرآن من التغليظ
في معصية ما وقع في قصة الافك بأوجز عبارة وأشبهها لاشتماله على الوعيد
الشديد والعتاب البليغ والزجر العنيف واستعظام ذلك واستبشاعه بطرق مختلفة
وأساليب متفقة كل واحد منها كاف في بابه بل ما وقع من وعيد عبدة الاوثان
الا بما هو دون ذلك وما ذاك الا لاظهار علو منزلة رسول الله صلى الله عليه
وسلم ويظهر من هو منه بسبيل إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ أي بالكذب
سمى افكا لكونه مصروفا عن الحق (عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) أى جماعة (العشر
الآيات) الى قوله وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (فائدة) قال بحرق في
سيرته لا يخفي ان بين حديث نزول سورة المنافقين وحديث الافك مناسبة من وجوه
منها انهما وقعا معا في الرجوع من غزوة واحدة ومنها ان سورة المنافقين في
براءة زيد بن أرقم عن الافك وهو الكذب المتهم به وحديث الافك في براءة
عائشة مما قذفت به انتهى قلت ومنها تقاربهما في عدد الآي ومنها تكذيب ابن
أبى فيها فقال تعالى في الافك فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ
وقال في سورة المنافقين وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ
لَكاذِبُونَ (وكان ينفق على مسطح الى آخره) قال في التوشيح يؤخذ منه
مشروعية تلك المؤاخذة بالذنب ما دام احتمال عدمه موجودا لان أبا بكر لم
يقطع نفقته عن مسطح الا بعد تحقق ذنبه فيما وقع منه (فانزل الله ولا يأتل)
أي لا يحلف والالية اليمين قال ابن المبارك هذه أرجى آية في كتاب الله
(فرجع) أي رد (أحمي سمعى بصري) من الحماية أي لا أقول سمعت ولم أسمع وأبصرت
ولم أبصر (تسامينى) تعاليني من السمو وهو العلو أى تطلب ما أطلب من العلو
والرفعة والحظوة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولابن اسحاق في السيرة
تناصبنى من المناصبة بالنون والمهملة والموحدة قال السهيلى والمعروف في
الحديث انه بالتحتية بدل الموحدة من المناصاة وهى المساواة (فطفقت) بكسر
الفاء على المشهور وحكي فتحها أي جعلت وشرعت (حمنة) بفتح المهملة وسكون
الميم وكانت تحت طلحة بن عبيد الله تزوجها بعد مصعب بن عمير (تجاوب لها) أي
تجادل وتغضب لاختها وتذكر حديث الافك لتنحط منزلة عائشة وتعلو منزلة أختها
(فهلكت)
(1/257)
فيمن هلك من أصحاب الافك قال ابن شهاب فهذا
الذى بلغنى من حديث هؤلاء الرهط* قلت ووراء ذلك زيادات كثيرة ففي رواية
قالت عائشة والله ان الرجل الذى قيل فيه ما قيل ليقول سبحان الله فو الذي
نفسى بيده ما كشفت عن كنف أنثي قط قالت ثم قتل بعد ذلك في سبيل الله قيل
كان حصورا لا يأتى النساء وفي رواية ان الذى تولى كبره منهم عبد الله بن
أبيّ وفي أخرى أنه حسان والذي سمى من عصبة أهل الافك عبد الله بن أبيّ
وحسان ومسطح وحمنة* وروى البخاري في كتاب الاعتصام من جامعه معلقا وأسنده
أبو داود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جلدهم الحد يعني ثمانين
[فصل: في فوائد هذا الحديث بعد مقصوده الأعظم]
(فصل) فى فوائد هذا الحديث بعد مقصوده الاعظم وهو تبرئة عائشة وبراءتها عن
قول أهل الافك قال النووى وهى براءة قطعية بنص القرآن فلو تشكك فيها انسان
والعياذ بالله صار كافرا باجماع المسلمين قال ابن عباس وغيره لم تزن امرأة
نبى قط ففيه منقبة ظاهرة لعائشة وفضيلة لابيها وأمها وفيه فضيلة لسعد بن
معاذ وأسيد بن حضير أي أثمت (ما كشفت عن كنف أنثي) بفتح الكاف والنون أى
ثوبها الذي يسترها وهو كناية عن عدم جماع النساء ومخالطتهن (ثم قتل بعد ذلك
في سبيل الله) في غزاة أرمينية في خلافة عمر سنة تسع عشرة ذكره ابن اسحق
وقيل بارض الروم في خلافة معاوية سنة أربع وخمسين قال السهيلي واندقت رجله
يوم قتل فطاعن بها وهى منكسرة حتي مات وذلك بالجزيرة بموضع يقال له سمطاط
(ان الذى تولى كبره منهم عبد الله بن أبي) زاد البغوي والعذاب الاليم هو
النار في الآخرة وروي ابن أبي مليكة عن عروة عن عائشة في حديث الافك قالت
ثم ركبت وأخذ صفوان بالزمام فمررنا بملأ من المنافقين وكانت عادتهم ان
ينزلوا منتبذين من الناس فقال عبد الله بن أبىّ رئيسهم من هذه قالوا عائشة
قال والله ما نجت منه ولا نجا منها وقال امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت
(وفي أخري انه حسان بن ثابت) والعذاب الاليم هو العمى كما في رواية مسروق
عن عائشة قالت فاى عذاب أشد من العمى واسند أبو داود والترمذى عن عائشة لما
نزل عذري قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وذكر ذلك وتلا
القرآن وأمر بامرأتين ورجل فجلدوا الحد ثمانين
(فصل) في فوائد هذا الحديث (قال النووي) وغيره (قطعية) أى مقطوع بها
(فائدة) قال البغوى مسروق اذا روى عن عائشة رضي الله عنها يقول حدثتنى
الصديقة بنت الصديق حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبرأة من السماء
(صار كافرا باجماع المسلمين) لمخالفته صريح القرآن العظيم (وفيه فضيلة لسعد
بن معاذ) حيث سارع الى اجابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما طلب (وأسيد
بن حضير) حيث رد على سعد بن عبادة رضي الله عنهم عصبيته لاجل المنافق وفيه
جواز سب المغضب وقوله انك منافق
(1/258)
وزينب بنت جحش وصفوان بن المعطل وأم مسطح
بن أثاثة وفيه من الفوائد جواز رواية الحديث الواحد عن جماعة عن كل منهم
قطعة مبهمة اذا كان كل منهم بصفة العدالة وفيه ثبوت القرعة وقد ثبت أصلها
من الكتاب والسنة فصارت كالاجماع وفيه أنه يستحب أن يستر عن الانسان ما
يقال فيه اذا لم يكن فيه فائدة وفيه حسن الادب عند الموجدة بحيث يقلل من من
اللطف المعهود منه ليتفطن له وفيه كراهة الانسان صديقه اذا آذى أهل الفضل
كما صنعت أم مسطح وفيه فضيلة البدريين وتعظيمهم في قلوب الناس وفيه ان
الزوجة لا تذهب الى بيت أبيها الا باذن زوجها وفيه جواز البحث عن كل أمر
يتعلق بالباحث وأما غيره فمنهى عنه وهو تجسس وفضول وفيه جواز الاستشهاد
بالآيات في الامور العارضات وفيه استحباب صلة الارحام مع إساءتهم وأنه
يستحب اذا حلف على القطيعة أن يكفر* وفيه اكرام حبيب الحبيب كما ورد في
رواية أن عائشة كانت تكرم حسان وترد على من ينهاها الى آخره أي تفعل فعلهم
ولم يرد حقيقته (وزينب بنت جحش) حيث تورعت وقالت احمي سمعى وبصري (وصفوان
بن المعطل) لان الله برأه كما برأ عائشة ووعده كما وعدها فقال لا تحسبوه
شرا لكم بل هو خير لكم (ومسطح بن اثاثة) حيث أمر الله أبا بكر باعادة
النفقة اليه وشهد له بالمسكنة والمهاجرة في سبيل الله ويكفيه فضيلة انه شهد
بدرا أيضا (وفيه جواز رواية الحديث الواحد عن جماعة الي آخره) أى كما فعل
الزهرى في حديث سعيد بن المسيب وعروة وعلقمة وعبيد الله بن عبد الله قال
النووى ولا كراهة فيه أيضا لانه قد بين ان بعض الحديث عن بعضهم وبعضه عن
بعضهم وهؤلاء أئمة حفاظ ثقات من أجل التابعين (وفيه ثبوت القرعة) ووجوبها
بين النساء عند ارادة السفر ببعضهن (وقد ثبت أصلها في الكتاب) في قوله
تعالى فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ
وفي قوله يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ (و) من
(السنة) فى هذا الموضع وغيره كاقتراع الانصار على المهاجرين في السكنى
(وفيه انه يستحب ان يستر عن الانسان ما يقال فيه الى آخره) أى كما كتموا عن
عائشة هذا الامر شهرا ولم تسمعه بعد ذلك الا بعارض عرض وهو قول أم مسطح تعس
مسطح (وفيه حسن الادب عند الموجدة) بكسر الجيم أى الغضب كما فعل رسول الله
صلى الله عليه وسلم انما كان يدخل فيسلم ثم يقول كيف تيكم (كما صنعت أم
مسطح) فقالت تعس مسطح (وفيه فضيلة البدريين وتعظيمهم في قلوب الناس) لقول
عائشة تسبين رجلا شهد بدرا (وفيه ان الزوجة لا تذهب الى بيت أبويها الاباذن
زوجها) لقول عائشة ائذن لى الى بيت أبوى (وفيه جواز البحث عن كل أمر يتعلق
بالباحث) كما فعل صلى الله عليه وسلم فسأل زينب وسأل بريرة (وهو تجسس)
بالجيم (وفيه جواز الاستشهاد بالآيات في الامور العارضات) لقول عائشة اني
لا أجد لى ولكم مثلا الى آخره (وفيه استحباب صلة الارحام مع اساءتهم) لفعل
أبي بكر مع مسطح (وانه يستحب ان اذا حلف على القطيعة ان يكفر) ليس في حديث
الافك تصريح بوجوب التكفير (تنبيه) بقى من
(1/259)
بأنه كان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم وفيه سب المتعصب لباطل كما فعل سعد ابن معاذ بسعد بن عبادة رضي الله
عنهما
[فصل: اما أحكام القذف]
(فصل) أما أحكام القذف فان كل من رمي غيره بالزنا وجب عليه الحد وذلك بثمان
روابط ثلاث في القاذف وهو أن يكون بالغا عاقلا غير والد للمقذوف وخمس في
المقذوف وهو أن يكون مسلما عاقلا بالغا حرا عفيفا ويسقط حد القذف بأربعة
أشياء اقامة البينة أو عفو المقذوف أو اقراره أو اللعان للزوجة ويعزر قاذف
غير المحصن وتقبل شهادة القاذف اذا تاب عند الاكثرين* فائدة روى أهل السير
أن صفوان بن المعطل عدا على حسان فضربه بالسيف فوثب ثابت بن قيس بن شماس
على صفوان فجمع يديه الى عنقه بحبل وانطلق الفوائد جملة وقد عدها النووي في
شرح مسلم أربعا وخمسين منها قبول توبة القاذف
(فصل) أما أحكام (القذف) وهو لغة الرمي بالحجر والخذف بالمعجمة الرمى
بالحصي وشرعا رمي الشخص بالزنا (كل من رمي غيره بالزنا) صريحا كزنيت أو
كناية كزنأت ان نوى (ثلاث في القاذف ان يكون بالغا) فلا حد على الصبي لرفع
القلم عنه لكن يعزر (عاقلا) فلا حد على المجنون لذلك أيضا (غير والد
للمقذوف) فلا حد على الوالد وان علا بقذف الولد قياسا على القصاص وبقي شرط
رابع وهو الاختيار فلاحد على المكره على القذف بشرطه (وخمس في المقذوف ان
يكون مسلما) فلا يحد قاذف كافر لانه غير محصن (بالغا) فلا يحد قاذف صبي بل
يعزر لذلك أيضا (عاقلا) فلا يحد قاذف مجنون بل يعزر (حرا) فلا يحد قاذف من
فيه رق لعدم الاحصان أيضا (عفيفا) عن وطء يوجب الحد فمن زنى ولو مرة سقطت
حصانته وان تاب وحسنت حاله وكذا من وطئ امرأة محرما له بنسب أو رضاع أو
مصاهرة اذا علم التحريم وان كان لا يجب عليه الحد على الاصح تبطل به
الحصانة لدلالته على قلة مبالاته كذا من وطيء زوجته أو أمته في دبرها تسقط
حصانته وان لم يجب عليه الحد لدلالته على قلة المبالاة أيضا (باربعة أشياء)
أي باحد أربعة (اقامة البينة) لقوله تعالى ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا
بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فأفهم سقوط الحد عنهم اذا أتوا بهم (أو عفي المقذوف)
أو وارثه الاهل كغيره من الحقوق (أو اقراره) لانه أبلغ من اقامة الشهود في
تصديق القاذف (او اللعان للزوجة) لقوله تعالى وَيَدْرَؤُا عَنْهَا
الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ الآية (ويعذر قاذف غير المحصن) لانه عصى معصية
لاحد فيها فشأنها التعزير بما يراه الامام لائقا بالمعزر من حبس ولوم
وغيرهما وله الترك أيضا إن رآه (وتقبل شهادة القاذف اذا تاب عند الاكثرين)
منهم عمرو بن عياش وسعيد ابن جبير ومجاهد وعطاء وطاوس وسعيد بن المسيب
وسليمان بن يسار والشعبى وعكرمة وعمر بن عبد العزيز والزهري ومالك والشافعي
رضي الله عنهم والثانى قول النخعى وشريح وأصحاب الرأى (فائدة) روي أهل
السير عن عائشة (عدا على حسان فضربه) ثم قال
تلق ذباب السيف عنك فاننى ... غلام اذا هوجيت لست بشاعر
(1/260)
به يقوده فلقيه عبد الله بن رواحة فنهاه
وانطلقوا به الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستوهب من حسان ما
أصابه وأعاضه عن ذلك حائطا ووهبه سيرين أمة قبطية وهي أم ولده عبد الرحمن
وقال حسان بن ثابت يعتذر مما قاله:
حصان رزان ما تزن بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
عقيلة حيّ من لؤى بن غالب ... كرام المساعى مجدهم غير زائل
مهذبة قد طيب الله خيمها ... وطهرها من كل سوء وباطل
فان كنت قد قلت الذي قد زعمتم ... فلا رفعت سوطى الىّ انامل
وكيف وودي ما حييت ونصرتى ... لآل رسول الله زين المحافل
له رتب عال على الناس كلهم ... تقا صرعنها سورة المتطاول
فانّ الذى قد قيل ليس بلائط ... ولكنه قول امرئ بي ماحل
وفي المتفق عليه من حديث مسروق بن الاجدع قال دخلت على عائشة وعندها حسان
ذكره ابن عبد البر نقلا عن ابن اسحاق (سيرين) بكسر السين المهملة والراء
واسكان التحتية المكررة آخره نون وهى بنت شمعون أخت مارية أم ابراهيم (أمة
قبطية) وكانت من هدايا المقوقس كما في حديث حاطب بن أبي بلتعة حين أرسله
رسول الله صلى الله عليه وسلم اليه ففيه قال فاهدى لرسول الله صلى الله
عليه وسلم ثلاث جوارى منهن مارية أم ابراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأخرى وهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لابي جهم بن حذيفة وأخرى
وهبها لحسان بن ثابت ذكره ابن عبد البر وغيره قال السهيلى وكان عبد الرحمن
بن حسان يفخر بأنه ابن خالة ابراهيم ولسيرين هذه حديث عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم وهو أنه رأى خللا في قبر ابراهيم ابنه فأصلحه وقال ان الله
يحب من العبد اذا عمل عملا أن يتقنه (حصان) بفتح أوله أي محصنة عفيفة
(رزان) براء فزاي مفتوحتان أى كاملة العقل (ما تزن) بزاى مفتوحة أي ماتتهم
(غرني) بفتح المعجمة واسكان الراء وبالمثلثة أي جائعة (من لحوم الغوافل)
لانها لا تغتابهم فتأكل لحمهم والغوافل العفيفات (عقيلة) بفتح المهملة وكسر
القاف هي كريمة الحى (مجدهم) كرمهم (مهذبة) منقاة (خيمها) بكسر المعجمة أي
طبيعتها (المحافل) الجموع (له رتب) بفتح الراء والفوقية قال السهيلى والرتب
ما ارتفع من الارض وعلا والرتب أيضا قوة في الشيء وغلظ فيه (سورة) بفتح
المهملة مضي ذكرها (بلائط) بالطاء المهملة أي لاصق وفي بعض النسخ بلائق
بالقاف (ما حل) بالمهملة مبغض (فلا رفعت سوطي الى أنا ملى) هذا دعاء على
نفسه وهو يؤيد قول من قال ان حسان لم يجلد في الافك ولا خاض فيه (مسروق)
سمي بذلك لانه سرق في صغره (ابن الاجدع) بالجيم والمهملة ابن مالك بن أمية
بن عبد الله بن مرة ابن سلمان بن الحارث بن سعد بن عبد الله بن وداعة بن
عمرو بن عامر الهمدانى الكوفي التابعى الكبير قال
(1/261)
ينشدها شعرا فقال:
حصان رزان ما تزن بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
فقالت له عائشة لكنك لست كذلك قال مسروق فقلت لها أتأذنين له أن يدخل عليك
وقد قال الله تعالى وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ
عَظِيمٌ قالت وأى عذاب أشد من العمى وقالت انه كان ينافح أو يهاجي عن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم*
[الكلام على غزوة الخندق وخبرها تفصيلا]
وفي هذه السنة وقيل في الخامسة كانت غزوة الخندق وسببها على ما ذكروا ان
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أجلى بني النضير جعل حيى بن أخطب
يسعى بالغوائل وذهب الى مكة في رجال من قومه ودعوا قريشا الى حرب رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم واخبروهم بأنهم اهدى سبيلا منه وفيهم نزل قوله
تعالى أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ
يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ الآية فلما اجابتهم قريش تقدموا الى
قبائل ابن الانصاري صلى خلف الصديق وسمع عمر وعائشة وغيرهما وروى عنه خلق
من التابعين فمن بعدهم منهم أبو وائل وهو أكبر منه وامامته وجلالته وثقته
متفق عليها قال الشعبى ما علمت أن أحدا كان يطلب العلم في أفق من الآفاق
مثله وقال مرة الهمدانى ما ولدت همدانية مثله وقال ابن المديني ما أقدم
عليه واحدا من أصحاب عبد الله وكان أفرس فارس باليمن وهو ابن أخت معد يكرب
وقال له عمر ما إسمك قال مسروق بن الاجدع فقال سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول الاجدع شيطان أنت مسروق بن عبد الرحمن وقال الشعبي فرأيته
في الديوان مسروق بن عبد الرحمن وقال العجلي كان من أصحاب عبد الله الذين
يقرؤون القرآن ويعلمون السنة علقمة بن الاسود وعبيدة ومسروق والحارث بن قيس
وعمرو بن شراحيل مات سنة ستين وقيل ثلاث وستين انتهى قلت حديث الاجدع شيطان
رواه عن عمر أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم (ينشدها شعرا) بضم أوله وكسر
ثالثه رباعي وفي مسلم يشبب بأبيات له أى يتغزل (ينافح) بالفاء والمهملة أي
يدافع ويناضل (أو) للشك (يهاجي) بالجيم بدون همزة* وفي هذه السنة أى
الرابعة (وقيل في الخامسة) وهو الصواب كما مر عن الحافظ ابن حجر وذلك في
شوال كما مر أيضا (بالغوائل) بالمعجمة جمع غائلة وهى كل أمر يعمل سرا (في
رجال من قومه) سمى منهم في سيرة ابن أسحق سلام بن ابى الحقيق وكنانة بن
الربيع بن أبى الحقيق وهوذة ابن قيس وأبو عمار الوائلي في نفر من بنى
النضير ونفر من بني وائل (ودعوا قريشا الى حرب رسول الله صلى الله عليه
وسلم) زاد البغوي عن أبن اسحاق وقالوا انا سنكون معكم حتى نستأصله
(وأخبروهم أنهم أهدى سبيلا منه) وذلك انهم قالوا لهم يا معشر يهود انكم أهل
الكتاب الاول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد فديننا خير أم دينه
فقالوا بل دينكم خير من دينه وأنتم أولي بالحق منه (وفيهم نزل الى آخره)
(1/262)
قيس عيلان فدعوهم الى مثل ذلك فاجابوهم
فسارت تلك القبائل ولما علم بهم النبي صلى الله عليه وسلم شرع في حفر
الخندق بمشورة سلمان الفارسي وقطع لكل عشرة أربعين ذراعا فجهدوا انفسهم في
حفره متنافسين في الثواب لا ينصرف احد منهم لحاجة الا باذن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم وهو صلى الله عليه وسلم يكابد معهم* روينا في صحيح
البخارى عن البراء ابن عازب قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ينقل من
تراب الخندق حتى وارى عني الغبار جلدة بطنه وكان كثير الشعر وجعل يرتجز شعر
ابن رواحة
والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الاقدام ان لاقينا
ان الأولى قد بغوا علينا ... اذا أرادوا فتنة أبينا
ويرفع بها صوته أبينا أبينا ولما رآهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم
يحملون التراب على متونهم وما بهم من النصب والجزع قال* اللهم ان العيش عيش
الآخرة فاغفر للانصار والمهاجره فقالوا مجيبين له
نحن الذين بايعوا محمدا ... على الجهاد ما بقينا ابدا
وقيل بل في كعب بن الاشرف وقيل في كعب بن أسد والجبت والطاغوت صنمان كان
المشركون يعبدونهما وفيهما أقوال أخر (قيس عيلان) بالمهملة من مضر (بمشورة
سلمان) باسكان المعجمة وفتح الواو ويجوز العكس وهى النصح بالصواب زاد
البغوى وكان أوّل مشهد شهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حر
(فائدة) أول من خندق الخنادق منو شهر بن أبرح على رأس ستين سنة من بعث موسى
ذكره الطبرى وغيره (وقطع لكل عشرة أربعين ذراعا) رواه محمد بن جرير الطبرى
والطبراني والحاكم عن عمرو بن عوف وزادوا فاحتج المهاجرون والانصار في
سلمان وكان رجلا قويا فقال المهاجرون سلمان منا وقال الانصار سلمان منا
فقال النبي صلى الله عليه وسلم سلمان منا أهل البيت جاهدوا أنفسهم أي بلغوا
منها غاية الجهد (متنافسين) والتنافس الرغبة في الشئ يقال نافسه منافسة اذا
رغب فيما رغب فيه (وروينا في صحيح البخارى عن البراء) وأخرجه عن مسلم أيضا
(فانزلن) بنون التأكيد الخفيفة (سكينة) فعيلة من السكون (وثبت الاقدام) أى
أنزل النصر (ان لاقينا) العدو (ان الاولى) بضم الهمزة الاولى مع المد أي
الذين وهو محذوف الصلة أي الذين سبق منهم ما سبق (قد بغوا) أي ابتدؤا
بالقتال (أبينا) روي بالمثناة من الاتيان أى أتينا للقتال وبالموحدة من
الاباء أي أبينا الفرار والامتناع (متونهم) بالفوقية جمع متن وهو الظهر
(النصب) التعب وزنا ومعنى (ان العيش عيش الآخره) وفي رواية لا عيش الاعيش
الآخره أي لا عيش باق ومطلوب سواه وفيه ندب قول ذلك عند
(1/263)
ومرة ارتجزوا باسم رجل من المسلمين كان
اسمه جعيلا فسماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عمرا فقالوا
سماه من بعد جميل عمرا ... وكان للبائس يوما ظهرا
فيجيبهم صلى الله عليه وسلم في قول ظهرا عمرا وجرى في اثناء حفر الخندق
معجزات باهرة وبركات ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كحديث جابر
وأبى طلحة وضيافتهما وخبر الكدية التي عرضت لهم في الخندق وغير ذلك مما
ستراه مثبتا فى قسم المعجزات من هذا الكتاب ان شاء الله تعالى ولما فرغوا
من الخندق أقبلت جموع الاحزاب كما قال تعالى إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ
أى من قبل المشرق وهم أسد وغطفان في ألف عليهم عوف بن مالك النصرى وعبينة
بن حصن الفزارى في قبائل أخر ونزلوا الى جانب احد ومن أسفل منكم وهم قريش
وكنانة والاحابيش ومن ينضاف اليهم من أهل تمامة عليهم أبو سفيان بن حرب في
عشرة آلاف فنزلوا برومة من وادى العقيق وخرج صلى الله عليه وآله وسلم في
ثلاثة آلاف وجعل ظهره الى سلع والخندق بينه وبين العدو وأمر بالنساء
والذرارى فرفعوا في الآطام ولما نزل جموع الاحزاب منازلهم اشتد الحصار على
المسلمين ونجم النفاق واضطرب ضعفاء الدين كما قال الله تعالى وَإِذْ زاغَتِ
الْأَبْصارُ
رؤية ما يكره (جعيل) بضم الجيم ذكره ابن عبد البر وابن مندة وأبو نعيم ولم
ينسبوه وليس في الصحابة من يسمى جعيلا غير هذا سوى جعيل بن زياد الاشجعي
وجعيل بن سراقة العمري وقيل في كل منهما جعال (فسماه رسول الله صلى الله
عليه وسلم) أخرجه بن مندة وأبو نعيم وابن عبد البر في كتب الصحابة (للبائس)
للفقير (ظهرا) بالمعجمة أى مستند استند اليه (الكدية) بضم الكاف واسكان
المهملة هي القطعة الغليظة وللفاسي والاصيلى في صحيح البخاري كبدة بفتح
الكاف وكسر الموحدة قال ابن حجر ويروى بالنون أي بدل الموحدة وبالتحتية
أيضا وفي بعض كتب السير فعرضت له عبلة بالمهملة فالموحدة قال السهيلي وهي
الصخرة الصماء إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ أى من فوق الوادي من قبل
المشرق (النصرى) بالنون المفتوحة والمهملة في قبائل اخر منهم بنو أسد عليهم
طليحة بن خويلد وبنو قريظة عليهم حيي بن أخطب (ونزلوا الى جانب أحد) بموضع
يقال له ذنب نقمى (ومن أسفل منكم) يعني من بطن الوادي من قبل المغرب (أبو
سفيان بن حرب) وأبو الاعور عمرو بن سفيان السلمي (فنزلوا برومة) بضم الراء
وكان نزولهم بمجتمع الاسيال منها (سلع) بمهملتين بينهما لام ساكنة جبل في
غربي المدينة (الآطام) بفتح الهمزة مع المد وبكسرها مع القصر أي الحصون
(الحصار) بكسر الحاء المحاصرة (ونجم النفاق) بالجيم المخففة أي ظهر (وَإِذْ
زاغَتِ) أي مالت وشخصت (الْأَبْصارُ) من
(1/264)
وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ
وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ
وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ
وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ
إِلَّا غُرُوراً وما بعدها من الآيات الى قوله وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيراً:
وزاد الأمر اشتدادا أن تقدم حيى بن أخطب الى كعب بن اسد سيد بنى قريظة
وسئله ان ينقض العهد الذي بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فأبى عليه فلم يزل يخادعه بقول الزور ويمينه امانى الغرور حتى سمح له
بالنقض على ان أعطاه العهد لئن رجعت تلك الجموع خائبة ان يرجع معه الى حصنه
يصيبه ما أصابه ولما انتهى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر نقض بني
قريظة بعث اليهم سعد بن معاذ وكانوا حلفاء في الجاهلية وبعث معه سعد بن
عبادة وعبد الله بن رواحة وخوات بن جبير وقال لهم ان وجدتموهم ناقضين
فالحنوا لي لحنا أعرفه ولا تفهمه الناس وان وجدتموهم على الوفاء فأخبرونى
ظاهرا فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم وشاتموهم فلما رجعوا الى رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم الخوف (وبلغت القلوب الحناجر) أى زالت عن أماكنها
حتي بلغت الحناجر من الفزع (وتظنون بالله الظنون) بحذف الالف وصلا ووقفا
أهل البصرة وحمزة وباثباتها وصلا ووقفا أهل المدينة والشام وأبو بكر بن
عاصم وباثباتها وقفا وحذفها وصلا الباقون ومعناه اختلفت الظنون وظن
المنافقون استئصال محمد وأصحابه وظن المؤمنون النصر والظفر لهم (هنالك) أي
عند ذلك (ابتلي المؤمنون) أي اختبروا بالحصر والقتال ليتبين المخلص من
المنافق (وزلزلوا) حركوا (زلزالا شديدا) حركة شديدة (واذ يقول المنافقون)
معتب بن قشير وقيل عبد الله بن أبي وأصحابه (والذين في قلوبهم مرض) شك وضعف
اعتقاد ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً هو قول المنافقين
يعدنا محمد فتح قصور الشام وفارس وأحدنا لا يستطيع ان يجاوز رحله هذا والله
الغرور (وزاد الأمر) بالنصب مفعول والفاعل في قوله ان تقدم ويجوز الرفع على
انه فاعل (وسأله ان ينقض العهد فابى) زاد البغوى وقال لست بناقض ما بيني
وبينه ولم أرمنه الاوفاء وصدقا (فلم يزل يخادعه بقول الزور الى آخره) لفظ
البغوى عن ابن اسحق فلم يزل يقبله في الذروة والغارب (فالحنوا لى) بهمزة
وصل وفتح المهملة أى تكلموا بكلام افهمه دون غيرى إذا للحن في الاصل ازالة
الكلام عن جهته وأراد صلى الله عليه وسلم ان لا يحصل في قلوب أصحابه حين
يسمعون نقضهم خوف كما في سيرة ابن اسحاق ولا تفتوا أعضاد الناس أى ولا
تكسروها (فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم) زاد البغوي عن ابن اسحق وقالوا
لا عقد بيننا وبين محمد ولا عهد (وشاتموهم) فيه أيضا ان الذين شاتمهم سعد
بن عبادة وكان رجلا فيه حدة فقال سعد بن معاذ دع عنك مشاتمتهم فما بيننا
وبينهم أربي من المشاتمة
(1/265)
قالوا عضل والقارة ثم ان رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم بعث الى عيينة بن حصن الفزارى والحارث بن عوف المري
قائدى غطفان وأعطاهما ثلث ثمار المدينة على ان يفرقا الجمع وبعد المراوضة
في ذلك استشار صلى الله عليه وسلم السعدين سيدي الانصار فقالا يا رسول الله
امر أمرك الله به لا بد منه أم امر تحبه فتصنعه لنا قال بل رأيت العرب قد
رمتكم عن قوس واحدة فأردت ان أكسر شوكتهم فقال سعد بن معاذ قد كنا نحن
وهؤلاء على الشرك وهم لا يطمعون بتمرة منا الا قرى أو بيعا أفحين اكرمنا
الله بالاسلام واعزنا بك نعطيهم أموالنا والله لا نعطيهم الا السيف فقال له
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انت وذاك وترك ما كان هم به من ذلك ثم
اقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والعدو ليس بينهم قتال الا الرمي
بالنبل والحصا ومرة جاء عكرمة بن أبى جهل وعمرو بن عبدود في فوارس من قريش
فلما وقفوا على الخندق قالوا ان هذه لمكيدة ما كان العرب تكيدها ثم اقحموا
خيولهم مهزما من الخندق وجالوا في السبخة فخرج عليهم أمير المؤمنين علي بن
أبى طالب في نفر من المسلمين فأخذ عليهم الثغرة التي اقتحموا منها وأقبلت
خيل قريش نحوهم فقتل على عليه السلام عمرو بن عبدود وألقى (بعث الي عيينة
بن حصن) واسم عيينة حذيفة وسمى عيينة لشين كان بعينيه (وقالوا) امتثالا
لامره صلى الله عليه وسلم (عضل) بفتح المهملة ثم المعجمة ولام (والقارة)
بالقاف وعضل بطن من بني الهون والقارة أكمة سوداء فيها حجارة نزلوا عندها
وهم أصحاب سرية الرجيع الذين قتلوا عاصما وأصحابه ومعناه وجدنا عندهم غدرا
كغدر عضل والقارة (المرى) بضم الميم نسبة الي مرة القبيلة المعروفة ابن
غطفان (غطفان) بفتح المعجمة فالمهملة (فاعطاهما ثلث ثمار المدينة) فيه جواز
اعطاء المال للعدو لمصلحة المسلمين وقد صالح معاوية ملك الروم على الكف عن
ثغور الشام بمال دفعه اليه ذكره أبو عبيد (وبعد المراوضة) بالراء والمعجمة
وكانوا قد كتبوا الكتاب ولم يقع الشهادة كما في تفسير البغوي (شوكتهم) أى
قوتهم (بتمرة) بالفوقية واسكان الميم (قرى) أى ضيافة (نعطيهم أموالنا) زاد
البغوى مالنا بهذا من حاجة (والله ما نعطيهم الا السيف) حتى يحكم الله
بيننا وبينهم (وترك ما هم به من ذلك) فتناول سعد الصحيفة فمحا ما فيها من
الكتاب ثم قال ليجهدوا علينا (عكرمة) بكسر المهملة والراء وسكون الكاف أسلم
عام الفتح (ابن عبدود) بضم الواو وفتحها وزاد البغوي وهبيرة بن أبى وهب
المخزومي ونوفل بن عبد الله وضرار بن الخطاب ومرداس أخو بني محارب (لمكيدة)
بفتح الميم وكسر الكاف وسكون التحتية أى مكر وحيلة (مهزما) بالزاي أى مكانا
ضيقا (السبخة) يعني سبخة المدينة (الثغرة) بتثليث المثلثة (فقتل على عمرو
بن عبدود) قال البغوي وكان عمرو قاتل يوم بدر حتي أثبتته الجراحة فلم يشهد
أحدا فلما كان يوم الخندق جاء معلما ليرى مكانه فلما وقف هو وخيله قال له
على يا عمرو انك كنت عاهدت الله ان لا يدعوك رجل من قريش الى خلتين الا
أخذت منه احداهما قال أجل
(1/266)
عكرمة بن أبى جهل رمحه وولوا منهز مين ففى
ذلك قال حسان:
فرّ والقى لنا رمحه ... لعلك عكرم لم تفعل
ووليت تعدو كعدو الظليم ... ما إن يحور عن المعدل
ولم تلق ظهرك مستأنسا ... كأن قفاك قفا فرعل
وسقط نوفل بن عبد الله المخزومي في الخندق فنزل على كرم الله وجهه فقتله
وأصيب يومئذ سعد بن معاذ رماه حبان بن العرقة بسهم في اكحله فقال سعد اللهم
ان كنت أبقيت من حرب قال على بن أبي طالب فاني أدعوك الى الله والى رسوله
والى الاسلام قال لا حاجة لى بذلك قال فاني أدعوك الى النزال قال ولم يابن
أخي فو الله ما أحب أن أقتلك قال على والله لكني أحب ان أقتلك فحمى عمرو
عند ذلك فاقتحم عمرو عن فرسه فعقره أو ضرب وجهه ثم أقبل على على فتنازلا
وتجاولا فقتله على وخرجت خيله منهزمة (عكرم) مرخم فيجوز فتح ميمه وضمها كما
في نظائره (الظليم) بفتح المعجمة وكسر اللام ذكر النعام ويسمى هلقا وهقلا
وخفيددا ونقيقا وصعلا (ما) نافية (ان) زائدة (يحور) يرجع (تلق) بضم الفوقية
وبالقاف آخره (فرعل) بضم الفاء والمهملة وبينهما راء ساكنة ولد الضبع وقيل
ولد الذئب منه (وسقط نوفل بن عبد الله المخزومي في الخندق) فرموه بالحجارة
فقال يا معشر العرب قتلة أحسن من هذه (فنزل اليه على فقتله) زاد البغوى
فغلب المسلمون على جسده فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يبيعهم
جسده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حاجة لنا في جسده وثمنه فشأنكم
به فخلا بينهم وبينه (وأصيب يومئذ سعد بن معاذ) قال البغوى قالت عائشة كنا
يوم الخندق في حصن بني الحارثة وكان من أحرز حصون المدينة وكانت أم سعد بن
معاذ معنا في الحصن وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب فمر سعد بن معاذ وعليه
درع مقلصة قد خرجت منها ذراعه كلها وفي يده حربة وهو يقول:
لبث قليلا يلحق الهيجا حمل ... لا بأس بالموت اذاحان الاجل
فقالت أمه الحق يا بني والله لقد أخرت قالت عائشة فقالت لها يا أم سعد
لوددت أن درع سعد كانت أسبغ مما هى قالت وخفت عليه حيث أصاب السهم منه قلت
وهذا البيت لحمل بن سعدانة الكلبى وتمثل به سعد رضي الله عنه (حبان) بكسر
المهملة وبالموحدة (فائدة) كل ما في الصحيحين على هذه الصورة فهو بفتح
الحاء وبالتحتية الاستة فبالحاء والموحدة منهم ثلاثة بفتح الحاء وهم حبان
بن منقذ وحبان بن يحيى وحبان ابن هلال وثلاثة بكسرها وهم حبان بن موسى
وحبان بن عطية (وحبان بن العرقة) بفتح العين المهملة وكسر الراء وقاف وهي
أمه واسمها قلابة بالقاف المكسورة والموحدة بنت سعد بن هلهل وهى من عبد
مناف ابن الحارث سميت العرقة لطيب رائحتها وأبوه أبو قيس بن علقمة بن عبد
مناف بن الحارث بن منقذ بن بغيض ابن عامر بن لؤى بن غالب وفي تفسير البغوى
وغيره انه قال حين رماه خذها مني وأنا ابن العرقة فقال سعد عرق الله وجهك
في النار وقيل ان القائل له ذلك أبو بكر رضي الله عنه وجمع بينهما بانهما
قالاه معا (في أكحله) بفتح
(1/267)
قريش شيأ فأبقنى لها وان كنت وضعت الحرب
بيننا وبينهم فاجعله لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة* ومن
دعائه صلى الله عليه وآله وسلم على الاحزاب اللهم منزل الكتاب سريع الحساب
أهزم الاحزاب اللهم أهزمهم وزلزلهم* وقال أيضا ملأ الله عليهم بيوتهم
وقبورهم نارا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس رواه البخاري ثم
كان من مقدمات اللطف أن جاء نعيم بن مسعود الغطفاني ثم الأشجعي الى رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم فاسلم وقال يا رسول الله ان قومي لم يعلموا
باسلامي فمرني بما شئت فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إنما أنت رجل واحد
فخذل عنا ان استطعت فانما الحرب خدعة والمعنى ان المماكرة هنا انفع من
الهمزة والمهملة بينهما كاف ساكنة عرق في وسط الذراع وهو عرق الحياة وفي كل
عضو منه شعبة لها اسم اذا قطع لم يرقأ الدم (فابقنى) بقطع الهمزة (لها) أى
للحرب وفي بعض نسخ البخاري له والحرب تذكر وتؤنث وللكشميهني لهم أي لقريش
زاد البغوي فانه لا قوم أحب الى أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك وكذبوه
وأخرجوه (تقر عينى) بضم أوله رباعي متعد وبفتحه ثلاثى لازم وقد تقدم معنى
قرة العين (ملأ الله) في بعض روايات مسلم حشا الله بيوتهم وقبورهم في رواية
لمسلم بدله وقلوبهم (عن صلاة الوسطى) هو من باب مسجد الجامع أي صلاة الصلاة
الوسطى أو فعل الصلاة الوسطى زاد مسلم في رواية صلاة العصر وبه استدل
أصحابنا على ان العصر هي الصلاة الوسطى أو فعل الصلاة الوسطى زاد مسلم في
رواية صلاة العصر وبه استدل أصحابنا على ان العصر هي الصلاة الوسطى وفي
الديباج عن بعضهم ان التفسير مدرج قال ولهذا سقط في رواية البخاري وفي
رواية أبي داود يعنى العصر وهو صريح في الادراج انتهى ثم صلاها رسول الله
صلى الله عليه وسلم بين العشائين وكان ذلك قبل نزول صلاة الخوف وكان
الاشتغال بالعدو عذرا في تأخير الصلاة وفي الموطأ ان الفائتة الظهر وفي
غيره انه أخر أربع صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء جمع الحفاظ بينهما
بان وقعة الخندق بقيت أياما فكان هذا في بعض الايام وهذا في بعضها (فائدة)
اختار السيوطي ان الوسطى هي الظهر قال في الديباج وقد أوضحت ذلك في حواشى
الروضة وقررت فيها الادلة على ما قررته من ان الوسطى الظهر ثم أفردت في ذلك
تأليفا (اللطف) بضم اللام واسكان الطاء وبفتحهما كما مر (نعيم) بالتصغير
(ابن مسعود) بن عامر (الغطفاني ثم الاشجعي) قال ابن عبد البر سكن المدينة
ومات في خلافة عثمان على الصحيح (ان الحرب خدعة) رواه أحمد عن جابر وأنس
ورواه الشيخان عن جابر وأبي هريرة ورواه أبو داود عن جابر وكعب بن مالك
ورواه الترمذي عن جابر ورواه ابن ماجه عن ابن عباس وعائشة ورواه البزار عن
الحسين ورواه الطبرانى عن الحسن وزيد بن ثابت وعبد الله بن سلام وعوف بن
مالك ونعيم بن مسعود والنواس بن سمعان ورواه ابن عساكر عن خالد بن الوليد
فهؤلاء أربعة عشر صحابيا وخدعة بفتح المعجمة واسكان الدال المهملة على
الافصح قال ثعلب وغيره وهي لغة النبى صلى الله عليه وسلم وبضم المعجمة
واسكان المهملة وبضم المعجمة وفتح المهملة وهي أمر باستعمال الحيلة فيه ما
أمكن قال في التوشيح وقال ابن المنذر معناه الحرب الكاملة في مقصودها
البالغة انما هي المخادعة لا المواجهة وذلك لخطر المواجهة
(1/268)
المكاثرة وكما قالوا رب حيلة انفع من قبيلة
ثم ان نعيم بن مسعود جاء الى اليهود وأخبرهم ان قبائل العرب ينصرفون
ويتركونكم ومحمدا ولا طاقة لكم به فيرجع الشؤم والوبال عليكم فاتخذوا منهم
رهائن لئلا ينصرفوا حتى يناجزوا محمدا فصدقوه في ذلك وتصادقوه ثم جاء الى
قريش وأخبرهم ان اليهود قد ندموا وباطنوا محمدا ووعدوه أن يتخذوا منكم
رهائن فيلقوا بهم اليه فيقتلهم وأخبر غطفان بمثل ذلك في كلام كثير زخرفه
وزوقه وأوهم كلا منهم في الآخر ولما أصبحوا حشدت العرب للحرب وأرسلوا الى
اليهود لينهضوا معهم فاعتذروا بأنه يوم سبتهم وانهم لا ينطلقون معهم حتى
يعطوهم رهائن تدعوهم للمناجزة فصدقوا نعيم بن مسعود فيما كان حدثهم به ووقع
في قلوبهم الوهن والتخاذل فافترقت عزائمهم وأرسل الله عليهم ريح الصبا في
برد شديد فزلزلتهم وقلقلتهم واسقطت كل قائمة لهم وجالت الخيل بعضها فى بعض
وكثر تكبير الملائكة في جوانب عسكرهم حتى كان سيد كل حى يقول يا بني فلان
هلم فاذا اجتمعوا عنده قال النجاء النجاء اتيتم* ففى صحيح البخاري عنه صلى
الله عليه وآله وسلم نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور وفيه أيضا نصرت بالرعب
مسيرة شهر وحصول الظفر مع المخادعة بغير خطر انتهى وجوازها مقيد بان لا
يكون في ذلك نقض عهد ومنها الكذب فيجوز في الحرب حقيقة خلافا للطبرانى
وتعريضا والاقتصار عليه أفضل (المكاثرة) بالمثلثة ويجوز بالموحدة (جاء الى
اليهود) زاد البغوى وكان لهم نديما في الجاهلية (الشؤم) بالهمز نقيض اليمن
(والوبال) الخزي والهوان (فصدقوه) أي قالوا صدقت (وتصادقوه) أي رأوا انه
صديق ناصح (زخرفه وزوقه) أى حسنه وزينه (بأنه يوم سبت) زاد البغوى وهو يوم
لا نعمل فيه شيئا وقد كان أحدث بعضنا فيه حدثا فأصابه ما لم يخف عليكم
(الوهن) الضعف (ريح الصبا) هى التى نأتي من قبل الكعبة كما مر (النجاء
النجاء) بالمد والقصر أي أسرعوا أسرعوا (أتيتم) مبنى للمفعول أى أتاكم
القوم (ففي) مسند أحمد و (صحيح البخاري) وصحيح مسلم من حديث ابن عباس (نصرت
بالصبا) زاد الشافعى عن محمد بن عمرو مرسلا وكانت عذابا على من كان قبلي
(وفيه أيضا) وفي سير النسائى عن جابر (نصرت بالرعب) زاد أحمد عن أبي إمامة
يقذف في قلوب أعدائى (مسيرة شهر) بالنصب ولفظ رواية ابن عمرو وعند النسائى
نصرت على العدو بالرعب ولو كان بينى وبينهم مسيرة شهر وفي الطبراني عن ابن
عباس نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرعب على عدوه مسيرة شهرين وأخرج
عن السائب بن يزيد مرفوعا فضلت على الانبياء بخمس بعثت على الناس كافة
ودخرت شفاعتى لامتى ونصرت بالرعب شهرا أمامي وشهرا خلفى وجعلت لى الارض
مسجدا وطهورا وأحلت لي الغنائم ولم تحل لاحد قبلي وللبيهقي من حديث أبي
امامة ونصرت بالرعب
(1/269)
وفيه أيضا عن جابر رضي الله عنه قال قال
النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاحزاب من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير
انا ثم قال من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير أنا فقال من يأتينا فقال
الزبير انا قال ان لكل نبي حواريا وحوارى الزبير وكان آخر رسول لرسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم حذيفة بن اليمان كما روينا ذلك في صحيح مسلم عن
ابراهيم التيمى عن ابيه قال كنا عند حذيفة فقال رجل لو أدركت رسول الله صلى
الله عليه وسلم قاتلت معه وأبليت فقال له حذيفة أنت كنت تفعل ذلك لقد
رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة الاحزاب وأخذتنا ريح
شديدة وقر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا رجل يأتينا بخبر القوم
جعله الله معي يوم القيامة فسكتنا فلم يجبه منا أحد فقال ألا رجل يأتينا
بخبر القوم جعله الله معى يوم القيامة فسكتنا فلم يجبه منا أحد فقال قم يا
حذيفة وأتنا بخبر القوم فلم أجد بدا إذ دعانى باسمى ان أقوم قال اذهب فأتنى
بخبر القوم ولا تذعرهم على فلما وليت من عنده جعلت كأنى امشي في حمام حتى
اتيتهم فرأيت ابا سفيان يصطلى على النار فوضعت سهما في كبد القوس فاردت ان
ارميه فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تذعرهم مسيرة شهرين
تسير بين يدي (وفيه أيضا) وفي صحيح مسلم وسنن الترمذي (عن جابر) وأخرجه
الترمذي أيضا وابن ماجه من حديث على (ان لكل نبى حواريا) أي صفيا مختصا به
أو ناصرا أو وزيرا أو خليلا أو خالصا أو مخلصا أو ناصحا أو مجاهدا أو من
يصحب الكبير أو من لا يصلح للخلافة غيره أقوال (وحواريي الزبير) بفتح الياء
وكسرها كمصرخى (فائدة) استشهد الزبير يوم الجمل وهو ابن أربع وستين سنة
قتله عمرو بن جرموز اليمنى وقال له على سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول
بشر قاتل ابن صفية بالنار وقتله بعد ان نزع عن الحرب وانصرف (عن ابراهيم
التيمى) ثقة ثبت مات سنة ثلاث وخمسين ومائة (عن أبيه) هو سالم أبو النصر
(فقال رجل) زاد البغوي من أهل الكوفة (قاتلت معه فأبليت) لفظ البغوي والله
لو أدركناه ما تركناه يمشي على الارض ولحملناه على أعناقنا ولخدمناه
ولفعلنا وفعلنا (أنت) بهمزة الاستفهام (وقر) بضم القاف أي برد (جعله الله
معى يوم القيامة) أي رفيقى في الجنة كما في البغوى أدخله الله الجنة (ثم
قال) أى متراخيا ولهذا عبر بثم وفي البغوي ثم صلى هونا من الليل ثم التفت
الينا فقال مثله في الزبير (ولا تذعرهم على) بفتح أوله واعجام الذال أي لا
تفزعهم ولا تحركهم على ثم قال اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه
وعن شماله ومن فوقه ومن تحته (يصطلي) أي يستدفى وفي مسلم يصلي بفتح أوله
وسكون الصاد (في كبد القوس) أي في مقبضها (فلما أتيته) زاد البغوي عن ابن
اسحاق وهو قائم يصلي فلما سلم
(1/270)
عليّ ولو رميته لاصبته فرجعت وانا امشي في
مثل الحمام فلما اتيته فأخبرته خبر القوم وفرغت قررت فألبسنى رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها فلم أزل نائما حتى
أصبحت فلما أصبحت قال قم يا نومان ورواه ابن اسحق بزيادات وفيه فلما رأى
أبو سفيان ما فعل الريح وجنود الله بهم لا تقر لهم قدرا ولا بناء قام فقال
يا معشر قريش ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه فلينظر من هو قال حذيفة فأخذت
بيد جليسي فقلت من أنت فقال سبحان الله اما تعرفني انا فلان بن فلان فاذا
رجل من هوازن فقال أبو سفيان يا معشر قريش انكم والله ما أصبحتم بدار مقام
لقد هلك الكراع واخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذي نكره ولقينا من هذه
الريح ما ترون فارتحلوا فانى مرتحل ثم قام الى جمله وهو معقول فجلس عليه ثم
ضربه فوثب به على ثلاث فما أطلق عقاله الا وهو قائم فسمعت غطفان بما فعلت
قريش فانشمروا راجعين الى بلادهم وذكر تمام الحديث* ولما انتهى الى النبى
صلى الله عليه وسلم خبر انصرافهم قال الآن نغزوهم ولا يغزوننا نحن نسير
اليهم وكان يقول في كثير من المواطن شكرا لله وتذكرا لما أولاه لا إله إلا
الله وحده أعز جنده ونصر عبده وغلب الاحزاب وحده ولا شيء بعده وكان مدة
حصارهم الخندق بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر وقيل خمسة عشر (أخبرته خبر
القوم) زاد البغوي فضحك حتى بدت أنيابه في سواد الليل (قررت) بضم القاف
وكسر الراء أي بردت زاد البغوي وذهب عنى الدفء فأدناني النبى صلى الله عليه
وسلم فأنامنى عند رجليه وألقي على طرف ثوبه والتزق صدرى ببطن قدمه (عباءة)
بفتح المهملة وبالمد كساء ذو خمل (يا نومان) بفتح النون وسكون الواو وهو
كثير النوم (لا تقر لهم قدرا) بكسر القاف هو التور من الحجارة (فأخذت يد
جليسي) انما فعل ذلك لئلا يتفطنوا له (فاذا رجل من هوازن) ولابن عائذ قبض
حذيفة على يد رجل عن يمينه فقال من أنت قال معاوية بن أبي سفيان وقبض على
يد آخر عن يساره فقال من أنت قال أنا فلان فلعل الرجل من هوازن هو هذا
(بدار مقام) في سيرة ابن اسحق بدار قرار (لقد هلك الكراع) بضم الكاف فيها
أيضا لقد هلك الخف والحافر (ولقينا) باسكان التحتية (فما أطلق عقاله الا
وهو قائم) لشدة عجلته ومبادرته (فانشمروا) بالنون الساكنة فالمعجمة أى
ارتفعوا (وذكر تمام الحديث) يعنى رجوع حذيفة الى النبى صلى الله عليه وسلم
وما بعده (أولاه) أعطاه وصنع اليه (أعز جنده) المؤمنين (ونصر عبده) محمدا
صلى الله عليه وسلم (ولا شيء بعده) قال في التوشيح ان جميع الاشياء بالنسبة
الى وجوده كالمعدوم أو كلها يفنى وهو الباقى فهو بعد كل شئ ولا شئ بعده
انتهى وفيه جواز ترجيز الذكر والدعاء اذا لم يكن فيه تكلف (حم لا ينصرون)
كان ذلك بامره صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبى داود والترمذى وغيرهما ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليلة الخندق. ان نمتم الليلة فقولوا حم
أى والله لا ينصرون انتهى وكأن لا ينصرون
(1/271)
يوما وكان شعار المسلمين فيهاحم لا ينصرون
واستشهد من المسلمين ستة نفر وقتل من المشركين ثلاثة* وممن أسلم في هذا
العام نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمى وقيل أسلم ببدر وكان من أسراها
ونوفل هذا ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين واعانه
بالخروج اليها بثلاثة ألاف رمح*
[الكلام علي غزوة بني قريظة وسببها]
وفيها غزوة بني قريظة وسببها ان النبى صلى الله عليه وسلم لما أصبح من ليلة
منصرف الاحزاب وكان وقت الظهر وضع السلاح واغتسل أتاه جبريل وهو ينفض رأسه
من الغبار فقال وضعت السلاح والله ما وضعناه اخرج اليهم فقال النبي صلى
الله عليه وآله وسلم فأين فأشار الى بني قريظة فنادى منادي رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم لا يصلين أحد العصر إلا في بنى قريظة وقدّم النبي صلى
الله عليه وآله وسلم برايته أمير المؤمنين على ابن أبي طالب ثم سار خلفه
قال أنس كأني أنظر الى الغبار ساطعا في زقاق بنى غنم موكب جبريل حين سار
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الى بني قريظة رواه البخاري وأدركتهم
صلاة العصر في الطريق فصلاها قوم أخذوا بمفهوم اللفظ وامتنع آخرون فلم
يصلوها تفسير لحم (واستشهد يومئذ من المسلمين ستة نفر) وهم أنس بن أويس بن
عتيك الانصاري رماه خالد بن الوليد بسهم فقتله وعبد الله بن سهل بن زيد
الاوسي والطفيل بن مالك بن النعمان الانصاري السلمي قتله وحشى ابن حرب وعبد
الله بن سهل الانصارى حليف لبنى عبد الاشهل وقتادة بن النعمان وقيل استشهد
باحد وسعد ابن معاذ مات من الرمية بعد الخندق بشهر وبعد قريظة بليال هذا
كلام ابن عبد البر (وقتل من المشركين ثلاثة) عمرو بن عبدود ونوفل بن عبد
الله كما مر ومنبه بن عثمان بن عبيد بن السباق بن عبد الدار أصابه سهم فمات
منه بمكة (نوفل) بفتح النون والفاء وسكون الواو بينهما مات نوفل بالمدينة
سنة خمس عشرة* وفيها أي في الرابعة أو الخامسة على الخلاف في غزوة الخندق
غزوة بنى قريظة وكانت في آخر ذى القعدة (واغتسل) كان اغتساله عند زينب بنت
جحش كما في تفسير البغوي ولا يستشكل بما يأتي ان زواج زينب كان في الخامسة
اذ قد قيل ان الخندق فيها أيضا بل هو الصواب كما مر وبتقدير انها في
الرابعة فقد قيل ان زواج زينب كان في الثالثة (أتاه جبريل) زاد البغوى
معتجرا بعمامة من استبرق على بغلة شهباء عليها رحالة عليها قطيفة من ديباج
(وهو) أى جبريل (ينفض رأسه) أى رأس نفسه وفي تفسير البغوى فجعل النبي صلى
الله عليه وسلم يمسح الغبار عن وجهه وعن وجه فرسه (والله ما وضعناه) زاد
البغوي منذ أربعين ليلة وما رجعت الآن الا من طلب القوم (أخرج اليهم) فاني
قد قطعت أوتادهم وفتحت أبوابهم وتركتهم في زلزال وبلبال (لا يصلين أحد
العصر) كذا في صحيح البخارى ولمسلم الظهر وجمع النووى بينهما بانه قال
العصر لبعضهم والظهر لبعضهم واتفق أهل المغازى على انها العصر (برايته) هى
اللواء (ساطعا) مرتفعا (زقاق) بضم الزاي وهو الطريق الضيق (بنى غنم) بفتح
المعجمة واسكان النون (موكب) بالرفع على انه خبر
(1/272)
الا في بني قريظة ليلا آخذين بظاهره فلم
يعنف النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحدا منهم ولما نزل النبي صلى الله
عليه وآله وسلم بساحتهم واشتدت وطأته أرسلوا اليه أن أرسل الينا ابا لبابة
فأرسله اليهم فلما جاءهم تلقاه النساء والصبيان يبكون في وجهه فرق لهم
لولاء له منهم فقالوا أترى ان ننزل على حكم محمد فقال نعم وأشار بيده الى
حلقه يعني أنّ حكمه القتل ثم ندم ابو لبابة وعلم أنه قد خان الله ورسوله
فلم يرجع الى النبى صلى الله عليه وآله وسلم بل راح الى المسجد وربط نفسه
بسارية وأقام على ذلك سبعة أيام لا يذوق ذواقا حتى خرمغشيا عليه فتاب الله
عليه ونزل فيه أولا يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول الآية وآية
توبته وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا الآية ولم يطأ بلد بني
قريظة بعدها وكان له بها أموال وأشجان وقد كان بنو قريظة سألوا رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم أن يقبل منهم ما قبل من اخوانهم بني النضير فأبى
عليهم فحين تبين لهم انه غير قابل منهم وانسدت عليهم أبواب الحيل وانقطع
رجاؤهم من كل أمل نزلوا على حكمه فجاء حلفاؤهم الاوس شافعين مبتدأ محذوف
وبالنصب على تقدير أعني (فلم يعنف) أى لم يلم (ولما نزل صلى الله عليه وسلم
بساحتهم) كان نزوله على بئر من آبارهم في ناحية من أموالهم كما في تفسير
البغوي والساحة من أسماء البقعة (وطأته) أي نزوله وبأسه (أبا لبابة) اسمه
بشير وقيل رفاعة بن عبد المنذر زاد البغوي نستشيره في أمرنا (أتري) بفتح
التاء (ان ننزل على حكم محمد) فى تفسير البغوي في سورة الانفال على حكم سعد
بن معاذ (ذواقا) بفتح المعجمة (فتاب الله عليه) زاد البغوي وقيل له يا أبا
لبابة قد تيب عليك فقال لا والله لا احل نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله
عليه وسلم هو الذي يحلني فجاءه فحله بيده ثم قال أبو لبابة من تمام توبتى
ان أهجر دار قومى التى أصبت فيها الذنب وان انخلع من مالى كله صدقة فقال
النبى صلى الله عليه وسلم يجزيك الثلث ان تتصدق به (فائدة) جاء في حديث
ذكره السهيلى من حديث حماد بن سلمة عن على بن زيد عن على بن الحسين ان
فاطمة أرادت حله حين نزلت توبته فقال قد أقسمت ان لا يحلني الا رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم ان فاطمة مضغة مني قال السهيلي
فهذا حديث يدل على ان من سبها فقد كفر وان من صلى عليها فقد صلى على أبيها
انتهى وهذا القول عجيب ولا يؤخذ من هذا الحديث ما ذكره فليتأمل (ولا تخونوا
الله) بترك فرائضه (والرسول) بترك سننه (وآخرون اعترفوا بذنوبهم) قال ابن
عباس نزلت في عشرة منهم أبو لبابة وقيل خمسة هو منهم وقيل ثمانية هو منهم
وقيل سبعة هو منهم وقيل ان الآية نزلت في تخلفه عن غزوة تبوك (ما قبل من
اخوانهم بني النضير) وهو أخذ أموالهم وأجلاؤهم (فجاء حلفاؤهم الاوس شافعين)
زاد البغوى فقالوا يا رسول الله انهم موالينا
(1/273)
فيهم كما شفعت الخزرج في حلفائهم بني
قينقاع* وكان الاوس والخزرج متغايرين لا تصنع احداهما شيأ الا صنعت الاخرى
مثلها من ذلك لما قتلت الاوس كعب بن الاشرف بأمر رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم سألت الخزرج قتل أبى رافع فقتلوه فلما شفعت الاوس في بني قريظة
قال لهم النبى صلى الله عليه وآله وسلم ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم
قالوا بلا قال فذلك الى سعد بن معاذ وقد كان سعد جعله النبي صلى الله عليه
وآله وسلم في خيمة فى جانب مسجده ليعوده من قريب فأتاه قومه فاحتملوه على
حمار وأقبلوا به وهم يقولون له يا أبا عمرو أحسن في مواليك فقال لهم قد أنى
لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم فحينئذ أيس قومه من بنى قريظة ونعوهم
الى أهليهم قبل أن يحكم* ولما أقبل النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال لمن
عنده قوموا الى سيدكم وقيل اراد بها الانصار خاصة وقيل عم الكل فحكم سعد
بقتل الرجال وقسمة الأموال وسبي الذراري والنساء فقال النبى صلى الله عليه
وسلم لقد حكمت بحكم الله وربما قال بحكم الملك فحبسهم النبي صلى الله عليه
وسلم في بيت واحد وخدّ لهم أخاديد في موضع سوق المدينة وخرج بهم ارسالا
تضرب أعناقهم ثم يلقون في الاخاديد دون الخزرج وقد فعلت في موالى الخزرج
بالامس ما قد فعلت (كما صنعت الخزرج في حلفائهم من بني قينقاع) فوهبهم لعبد
الله بن أبي (فى خيمة) زاد البغوى لامرأة من المسلمين يقال لها رفيدة كانت
تداوى الجرحي وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين
(فاحتملوه على حمار) ووطؤا له بوسادة من أدم وكان رجلا جسيما (أحسن في
مواليك) زاد البغوي فان رسول الله صلى الله عليه وسلم انما ولاك لتحسن فيهم
(فقوموا الي سيدكم) فيه استحباب القيام لاهل الفضل وتلقيهم اذا أقبلوا
(فقيل أراد بها الانصار خاصة وقيل عم الكل) حكاه القاضي عياض زاد البغوي
بعد ذلك فقالوا يا أبا عمرو ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولاك
مواليك لتحكم فيهم فقال سعد عليكم بذلك عهد الله وميثاقه ان الحكم فيها ما
حكمت قالوا نعم قال وعلى من هنا في الناحية التى فيها رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهو معرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اجلالا له فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم نعم (لقد حكمت بحكم الله) زاد البغوي من فوق سبعة
أرقعة والارقعة جمع رقيع بالقاف وهو من أسماء السماء سميت بذلك لانها رقعت
بالنجوم قال السهيلي وفي غير رواية البكائى انه عليه الصلاة والسلام قال في
حكم سعد بذلك طرقني الملك سحرا (بحكم الملك) بكسر اللام وهو الله سبحانه
وضبطه بعضهم في صحيح البخارى بالكسر والفتح قال القاضى فان صح الفتح
فالمراد به جبريل وتقديره بالحكم الذى جاء به الملك عن الله (في بيت واحد)
لبنت الحارث امرأة من بني النجار واسمها كبشة بنت كريز بن حبيب بن عبد شمس
التى كانت تحت مسيلمة الكذاب ثم خلف عليها عبد الله بن عامر بن كريز
(ارسالا) أفواجا (تضرب أعناقهم) وكان
(1/274)
وترك منهم من لم ينبت فممن ترك لعدم
الانبات عطية القرظي جد محمد بن كعب القرظى المفسر الذي قال النبى صلى الله
عليه وآله وسلم في حقه يخرج من الكاهنين رجل يدرس القرآن درسا لم يدرسه احد
قبله ولا يدرسه أحد بعده وحين كانوا يخرج بهم للقتل قالوا لكعب بن أسد أين
يذهب بنا فقال أفي كل موطن لا تعقلون اما ترون الداعي لا ينزع وان من ذهب
منكم لا يرجع هو والله القتل ولما خرجوا بحيى بن أخطب نظر الى رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقال أما والله ما لمت نفسي في عداوتك ولكن من يخذله
الله يخذل ففي ذلك قال جبل بن جوال التغلبي:
لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه ... ولكنه من يخذل الله يخذل
لجاهد حتى أبلغ النفس عذرها ... وقلقل يبغي العز كل مقلقل
وكان عدد من قتل منهم ستمائة أو سبعمائة وقيل بين الثمان المائة والتسع
المائة وكان مدة حصارهم خمسا وعشرين ليلة او احدى وعشرين ليلة ثم قسم رسول
الله صلى الله عليه وسلم متولى ذلك علي والزبير رضى الله عنهما (وترك منهم
من لم ينبت) وكان متولى كشف عوراتهم ليعرف ذلك مسلم بن بجرة الانصارى ذكر
ذلك ابن شاهين (فممن ترك لعدم الانبات عطية القرظي) كما رواه ابن حبان
والحاكم والترمذى وقال حسن صحيح عن عطية قال كنت من سبي بنى قريظة وكانوا
ينظرون من أنبت الشعر قتل ومن لم ينبت لم يقتل وكشفوا عانتي فوجدوها لم
تنبت واستدل به الفقهاء على ان نبات شعر العانة الخشن دليل البلوغ في
الكفار وانه يجوز كشف العورة للحاجة وهو (جد محمد بن كعب المفسر) الثقة
الحجة سمع من علي وابن مسعود ومات سنة سبع عشرة أو ست عشرة ومائة (لا ينزع)
أى لا ينتهي (حيى بن أخطب) زاد البغوي عليه حلة فقاحية قد شققها عليه بقدر
الانملة من كل موضع لئلا يسلبها مجموعة يداه الى عنقه بحبل والفقاحية
منسوبة الى الفقاح بتقديم الفاء المضمومة على القاف وآخره مهملة قال
السهيلي وهو الزهر إذا انشقت أكمته وانصرفت براغيمه ونصفت أخفيته فيقال له
حينئذ فقح وهو فقاح (جبل) بالجيم والموحدة المفتوحتين قال في القاموس صحابي
(ابن جوال) بفتح الجيم والواو المشددة بن صفوان بن بلال الشاعر كان يهوديا
فأسلم وكانت مقالته قبل ان يسلم (لعمرك) وحياتك (من يخذل الله) قيده
السهيلي بنصب الهاء من اسم الله واستدل له بخبر ذكره في الروض (لجاهد) هي
لام القسم (وقلقل) بالقافين حرك وفي البغوي انه قال أيها الناس انه لا بأس
بأمر الله كتاب وقدر وملحمة كتبت على بني اسرائيل ثم جلس فضربت عنقه وقتل
يومئذ الزبير بالتكبير ابن باطيا والد عبد الرحمن ابن الزبير الصحابي بعد
ان استوهبه ثابت بن قيس بن شماس من النبي صلى الله عليه وسلم واستوهب منه
أهله وماله أيضا ليد كانت له عنده من يوم وقعة بعاث ثم سأل عن جماعة من بني
قريظة منهم كعب بن أسد ما فعلوا فأخبر بأنهم قتلوا فقال لثابت فاني أسألك
بيدى عندك الا ما ألحقتنى بالقوم فو الله ما في العيش بعد
(1/275)
أموالهم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما
واخرج منها الخمس وكان نساؤهم وذراريهم سبعمائة وخمسين وقيل تسعمائة وبعث
النبى صلى الله عليه وسلم ببعضهم الى نجد ليشتري له بها خيل وسلاح
[الكلام على موت سعد بن معاذ ومناقبه رضي الله
عنه]
ولما انقضى شأن بني قريظة استجاب الله دعوة سعد فانفجر جرحه فلم يرعهم وهم
في المسجد الا والدم يسيل اليهم فقالوا يا أهل الخيمة ما هذا الدم الذي
يأتينا من قبلكم فاذا سعد يغذو جرحه دما قالت عائشة فو الذي نفسي بيده انى
لا أعرف بكاء أبى بكر من بكاء عمر* وروي أن جبريل نزل على النبي صلى الله
عليه وسلم فقال له من هذا الميت الذى فتحت له أبواب السماء واهتز له عرش
الرحمن فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يجر ثوبه مسرعا فاذا سعد قد قبض
وفي هذا المعنى أنشدوا:
وما اهتز عرش الله من موت هالك ... سمعنا به الا لسعد ابي عمرو
هؤلاء من خير فما أنا بصابر لله قبلة دلو ناضح حتى ألقى الاحبة فضرب عنقه
(للفارس ثلاثة أسهم) زاد البغوى وكانت الخيل ستا وثلاثين فرسا وكان أوّل
فيء وقع فيه السهمان (وبعث النبي صلى الله عليه وسلم) سعد بن زيد الانصاري
(ببعضهم الى نجد ليشترى له بها خيل وسلاح) زاد البغوى وكان قد اصطفى لنفسه
من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن خصافة فكانت عند رسول الله صلى الله عليه
وسلم حتى توفي عنها انتهى قلت وفي هذا نظر «فائدة» لم يستشهد يوم بني قريظة
سوى خالد بن سويد الخزرجي القت عليه امرأة قال الواقدى اسمها بناتة امرأة
الحكم القرظي رحا فقتلته وقتلها رسول الله صلى الله عليه وسلم به وأخرج ابن
مندة وأبو نعيم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان له أجر شهيدين
قالوا ولم يا رسول الله قال لان أهل الكتاب قتلوه قلت فيؤخذ منه ان مقتول
أهل الكتاب له أجر شهيدين والله أعلم بالحكمة في ذلك وأخرجه أبو داود من
رواية ثابت بن قيس بن شماس (فانفجر جرحه) لابن سعدانه مرت به عنز وهو مضطجع
فاصاب ظلفها موضع الجرح وكان انفجاره من لبته كما في الصحيحين وغيرهما وهو
بفتح اللام وتشديد الموحدة موضع القلادة وفي بعض نسخ مسلم من ليته بكسر
اللام ثم تحتية ساكنة والليت صفحة العنق وفي بعضها من ليلته قال القاضي
قالوا وهو الصواب انتهى وفي التوشيح ان هذه الثالثة تصحيف (فلم يرعهم) بضم
الراء أي يفزعهم والمعنى انهم بيناهم في حال طمأنينة اذ أفزعتهم رؤبة الدم
فارتاعوا له قال الخطابي وقال غيره المراد بهذا اللفظ السرعة لا نفس الفزع
(يغذو) بمعجمتين أى يسيل وفي بعض نسخ الصحيحين يغذ بكسر الغين وتشديد الذال
المعجمتين ومعناه يدوم سيلانه (اني لاعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر) وكانوا
كما قال الله رحماء بينهم (من هذا الذى فتحت له أبواب السماء) أخرجه
النسائي من حديث عبد الله بن عمر (واهتز له عرش الرحمن) أخرجه أحمد ومسلم
من حديث أنس وأخرجه أحمد والشيخان والترمذى وابن ماجه من حديث جابر وأخرجه
الترمذي من حديث أبي سعيد واسيد بن حضير ورميثة بنت عمرو قال السهيلي
والعجب لما روى عن مالك من انكاره للحديث وكراهيته للتحدث به مع صحة نقله
وكثرة الرواة له ولعل هذه الرواية
(1/276)
وفي حديث انه نزل في جنازته من الملائكة
سبعون ألفا ما وطئوا الارض قبل ذلك ولما احتملوا نعشه ندبته امه كبيشة بنت
رافع الخدرية فقالت:
ويل أم سعد سعدا ... صرامة وحدا
وسؤددا ومجدا
وفارسا معدا ... سدّ به مسدا
يقد هاما قدا
قالت عائشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان للقبر لضمة لو كان احد
منها ناجيا لكان سعد بن معاذ ومناقب سعد بن معاذ رضي الله عنه كثيرة ساد
قومه على حداثة سنه وحين أسلم قال لهم كلام رجالكم ونسائكم على حرام حتى
تسلموا فأسلموا جميعا من يومهم وشهد بدرا واحدا والخندق وما قبلها وله في
نصرة الاسلام مقامات جليلة ومشاهد لم تصح عند مالك واهتزاز العرش تحركه
فرحا وسرورا بقدوم روح سعد جعل الله في العرش تمييزا حصل به هذا وهذا هو
المختار كما قال النووي لان العرش جسم من الاجسام يقبل الحركة والسكون قال
المازري لكن لا تحصل فضيلة سعد بذلك الا ان يقال ان الله جعل حركته علامة
للملائكة على موته وقيل المراد أهل العرش أى حملته وغيرهم من الملائكة فحذف
المضاف والمراد بالاهتزاز الاستبشار والقبول وقال الحربي هو كناية عن
استعظام شأن وفاته كما تقول العرب أظلمت لموت فلان الارض وقامت له القيامة
وفيه قول باطل يذكر للتنبيه على بطلانه وهو ان المراد اهتزاز سرير الجنازة
وهو النعش (وفي حديث انه نزل في جنازته الى آخره) أخرجه النسائي من حديث
ابن عمر (كبشة) بفتح الكاف وسكون الموحدة ثم معجمة (ويل أم سعد) بضم اللام
ووصل الهمزة وكسر الميم المشددة فالويل الهلكة أي وأهلكت أم سعد بعده
(صرامة) بفتح الصاد المهملة أى قطعا (وحدا) بالمهملة (يقدهاما) بالتنوين
(قدا) مصدر «فائدة» أخرج ابن سعد في الطبقات من حديث محمود بن لبيد قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم كل نائحة تكذب الا أم سعد (قالت عائشة) فيما
رواه أحمد (ان للقبر لضمة الي آخره) وأخرجه النسائى من حديث ابن عمر أيضا
وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير من حديث ابن عباس فيه اثبات عذاب القبر
وانه حق يجب الايمان به وفي حديث النسائى ان سعدا ضم ضمة ثم فرج عنه وهى
آخر ما يلحق المؤمن من الشدائد التى يكفر الله بها الذنوب أو يرفع بها
الدرجات وذكر أبو سعد الاعرابي في كتاب الملحمة عن عائشة رضى الله عنها
أنها قالت يا رسول الله ما انتفعت بشيء منذ سمعتك تذكر ضغطة القبر وضمه
فقال يا عائشة ان ضغطة القبر على المؤمن أو قال ضمة القبر على المؤمن كضمة
الام الشفيقة يديها على رأس ابنها يشكو اليها الصداع وصوت منكر ونكير
كالكحل في العين ولكن يا عائشة ويل للشاكين أولئك الذين يضغطون في قبورهم
ضغط البيض على الصخر ولابن إسحاق من حديث أمية بن عبد الله قال قلت لبعض
أهل سعد بن معاذ ما بلغكم في هذا يعني الضمة التي انضمها القبر عليه قال
كان يقصر في بعض الطهور من البول بعض التقصير قلت في النفس من صحة هذا
الحديث شيء (ومناقب سعد كثيرة) منها ما أخرجه الشيخان والترمذي عن البراء
رضى الله عنه قال
(1/277)
جميلة وختم الله له بالشهادة فمات حميدا
شهيدا فقيدا رضي الله عنه*
[مطلب في الكلام على مشروعية تحريم الخمر وسبب
ذلك]
قال اهل التواريخ وحرمت الخمر بعد الاحزاب بأيام وقيل بعد أحد وكان تحريمها
على التدريج قيل والحكمة فيها انها قد كانت من افضل معايشهم وأشربتها
قلوبهم فلو فجئهم تحريمها والعزيمة فى تركها دفعة واحدة لاستعظموه فنزل
اولا بمكة ومن ثمرات النخيل والاعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا ثم نزل
بالمدينة جوابا لمن سأل عنها ويسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير
ومنافع للناس فمنهم من شربها بعد ذلك ومنهم من تركها ثم صنع عبد الرحمن ابن
عوف طعاما ودعا رجالا وسقاهم الخمر وحضرت الصلاة وصلى بهم احدهم بقل يا
أيها الكافرون أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة من سندس وكان ينهى
عن الحرير فعجب الناس منها وفي رواية ثوب حرير فجعلنا نلمسه ونتعجب منه
فقال والذي نفس محمد بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير من هذا ومنها
ما أخرجه الترمذي عن أنس قال لما حملت جنازة سعد بن معاذ قال المنافقون ما
أخف ما كانت يعنون لحكمه في بني قريظة فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال ان الملائكة كانت تحمله (فقيدا) أى لا أهل له (قال أهل التواريخ
الخمر) أسماؤها كثيرة منها المدام والقهوة والراح والرحيق والسلاف
والخندريس والعقار والاسفنط والمقذية والصهباء (على التدريج) أي قليلا
قليلا (فجئهم) بكسر الجيم ثم همزة مفتوحة بغتهم (ومن ثمرات النخيل
والاعناب) أى ولكم أيضا عبرة فيما نسقيكم ونرزقكم من ثمرات النخيل والاعناب
(تتخذون منه) الكناية عائدة الى ما محذوفة أى ما يتخذون منه (سكرا) قال قوم
منهم ابن مسعود وابن عمر هو الخمر وكان ذلك قبل تحريمها وقيل السكر ما يشرب
وعن ابن عباس هو الخل بلغة الحبشة وقيل هو النبيذ المسكر وهو قول من يبيح
شرب النبيذ ومن حرمه قال المراد الاحبار لا الاحلال (ورزقا حسنا) قيل هو
الخل والدن والتمر والزبيب وقيل ما أكل منه وقيل هو ما أحل والسكر ما حرم
(جوابا لمن سأل) وكان من السائلين عمر ومعاذ ونفر من الانصار قالوا يا رسول
الله افتنا في الخمر والميسر فانهما مذهبة للعقل مسلبة للمال فانزل الله عز
وجل يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وهو شرعا اسم لكل مسكر (والميسر) وهو
القمار قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ زاد البغوي فلما
نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى تقدم في
تحريم الخمر (ثم صنع عبد الرحمن بن عوف طعاما الى آخره) أخرجه أبو داود
والترمذي وصححه من حديث على (وحضرت الصلاة) أي صلاة المغرب كما في سنن أبى
داود (فصلى بهم أحدهم) هو سيدنا على رضى الله عنه كما فيهما قال صنع لنا
ابن عوف طعاما فدعانا فأكلنا واسقانا خمرا قبل ان تحرم الخمر فاخذت منى
وحضرت الصلاة فقدموني فقرأت قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ اعبد ما تعبدون
ونحن نعبد ما تعبدون فخلطت فنزلت لا تقربوا الصلاة وأنتم سكاري حتى تعلموا
ما تقولون وعند أبي داود ان رجلا من الانصار دعاه عبد الرحمن بن عوف وفيه
فأتاهم على رضى الله عنه فامهم وذكر الحديث
(1/278)
وحذف منها لا في جميعها فنزل قوله تعالى
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ
سُكارى» فكانوا بعدها يشربونها بعد العشاء فيصبحون وقد صحوا ثم صنع عبد
الرحمن بن عوف وقيل عتبان بن مالك طعاما ودعا رجالا فأكلوا وشربوا الخمر
وتناشدوا الشعر وتطاول كل منهم على الآخر فأخذ أنصاري لحي بعير وضرب به رأس
سعد بن أبي وقاص فشجه فأنزل الله العزيمة في تحريمها بقوله تعالى «يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ
وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ
فَاجْتَنِبُوهُ» وفي أثناء ذلك من مخازيها ما اشتهر في صحيح البخاري وغيره
من قصة حمزة مع علي رضي الله عنهما في أمر الشارفين وقد كان قبل تحريمها
والتشويش فيها تركها كثيرون من أجل فقد العقل واللب تكرما لا تدينا ثم أجمع
المسلمون على تحريم الخمر ووجوب (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) من شرب الخمر ونحواها وقيل أراد
به سكر النوم (فيصبحون وقد صحوا) زاد البغوى ويشرب بعد صلاة الصبح فيصحو
اذا جاء وقت الظهر (وقيل عتبان) بكسر العين المهملة وقيل بضمها (فشجه) زاد
البغوى فانطلق الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكى اليه وروى أصحاب
السنن عن عمر انه قال اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت التى في
البقرة فقرئت عليه فقال اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت التي في
النساء فقرئت عليه فقال اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت التى في
المائدة فقرئت عليه فقال انتهينا انتهينا (والانصاب) الاوثان (والازلام)
القداح التى كانوا يستقسمون بها (رجس) خبث مستقذر (من عمل الشيطان) من
تزيينه (فاجتنبوه) والكناية الى الرجس (في صحيح البخارى) وصحيح مسلم (في
قصة حمزة مع على في أمر الشارفين) القصة انه شرب الخمر فسكر وقعد في بيت مع
قينة تغنيه فقال:
ألا يا حمز للشرف النواء ... فهن معقلات بالفناء
ضع السكين في اللبات منها ... وضرجهن حمزة بالدماء
وعجل من اطايبها لشرب ... قديدا من طبيخ أو شواء
فثار اليهما حمزة بالسيف فجب أسنمتهما وبقر خواصرهما ثم أخذ من أكبادهما
فجاء علىّ النبي صلى الله عليه وسلم وعنده زيد بن حارثة فاخبره الخبر فخرج
فدخل على حمزة فتغيظ عليه فرفع حمزة بصره وقال هل أنتم الا عبيد لابي فرجع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقهقر حتى خرج عنهم هذا لفظ احدي روايات مسلم
الا الابيات فانه ليس في الصحيحين سوي نصف البيت الاول والشارف بالمعجمة
والفاء الناقة المسنة (تركها كثيرون) منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن
بن عوف وقيس بن عاصم وعباس بن مرداس الاسلمي كما في الاستيعاب وغيره قال
السهيلي وقبل هؤلاء حرمها على نفسه عبد المطلب بن هاشم وورقة بن نوفل وابن
جدعان وشيبة بن ربيعة والوليد بن الوليد بن المغيرة ومن قدماء الجاهلية
عامر بن الظرب العدوانى
(1/279)
الحد في شربها ولو جرعة واحدة لا تسكر وجلد
صلى الله عليه وسلم بالجريد والنعال وكذلك أبو بكر فلما كان عمر ووقع
الرخاء وتتايع الناس فيها استشار الناس فقال له عبد الرحمن بن عوف أرى أن
نجعلها كأخف الحدود يعني حد القذف فجلد ثمانين قال الشافعي رحمه الله الذي
لا بد منه أربعون وما زاد على ذلك موقوف على رأى الامام.
واعلم ان الخمر من الكبائر الجالبة للدوائر قال صلى الله عليه وعلى آله
وسلم كل مسكر حرام إن حتما على الله أن لا يشربه عبد في الدنيا الاسقاه
الله يوم القيامة من طينة الخبال هل تدرون ما طينة الخبال قالوا لا قال عرق
أهل النار. وقال أيضا لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبايعها ومبتاعها
وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة اليه وآكل ثمنها. وقال جعلت المعاصى
كلها في بيت وجعلت مفتاحها الخمر.
[مطلب في الكلام على مشروعية الحج]
السنة الخامسة وما انطوت عليه فيها وقيل في السادسة أو التاسعة أو العاشرة
افترض (وجلد صلى الله عليه وسلم في شربها بالجريد والنعال الى آخره) رواه
الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائى عن أنس والنعال بكسر النون (وتتايع
الناس) بالتحتية كتتابع بالموحدة وزنا ومعنى الا ان التتابع بالتحتية لا
يكون الا في الشر (فقال له عبد الرحمن بن عوف) لا ينافيه ما في الموطأ عن
ثور بن زيد الديلى ان عمر استشار في حد الخمر فقال له على أري ان تجعله
ثمانين فاذا شرب سكر واذا سكر هذى واذا هذي افترى لاحتمال انهما أشارا عليه
معا (أري) بفتح الهمزة لا غير (كاخف الحدود) المذكورة في القرآن وهي حد
السرقة بقطع اليد وحد الزنا بجلد مائة وحد القذف وفيه جواز القياس واستحباب
مشاورة الامام ونحوه أصحابه وحاضري مجلسه في الاحكام (الذى لا بد منه
أربعون) لانه فعله صلى الله عليه وسلم وقال على وهذا أحب الي يعنى الاربعين
وهذا بالنسبة الي الحر وأما من فيه رق فيجلد عشرين لما في مؤامرة فعل عمر
ويكون الزائد على الاربعين تعزيرا حتى ان أفضي الضرب الي الهلاك وجب الضمان
على عاقلة الوالى (تنبيه) ما في سنن أبي داود والنسائي عن ابن عمر قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرب الخمر فاجلدوه الى الرابعة فاقتلوه
منسوخ اجماعا كما حكاه الترمذي وغيره (كل مسكر حرام) رواه أحمد والشيخان
وأبو داود والنسائى وابن ماجه عن أبى موسى وأحمد والنسائى عن أنس وأحمد
وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن ابن عمر وأحمد والنسائي وابن ماجه عن أبي
هريرة وابن ماجه عن ابن مسعود وأحمد ومسلم وأصحاب السنن عن ابن عمر وأبو
داود والشيخان عن عائشة والطبرانى عن تميم الداري (الخبال) بفتح المعجمة
وتخفيف الموحدة (لعن الله) الخمر (الي آخره) رواه أبو داود والحاكم عن عمر
وفيه جواز لعن أرباب المعاصى (وجعل مفتاحها شرب الخمر) هو على طريق التمثيل
لان صاحبها يسكر فيفعل المعاصى فسمي الشرب مفتاحا* السنة الخامسة (فيها) أى
في الخامسة وجزم به الرافعي في الحج (وقيل في السادسة) وصححه الرافعي في
السير وتبعه في الروضة ونقله في المجموع عن الاصحاب ونسبه
(1/280)
الحج فنزل قوله تعالى وَلِلَّهِ عَلَى
النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وقد كان قبل
ذلك مما تدين به الجاهلية مع أحداث أحدثوها فيه خلاف ملة ابراهيم صلى الله
عليه وسلم وقد حج معهم النبى صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة وخالفهم فيما
خالفوا من شرع ابراهيم صلوات الله عليه* واعلم ان الحج من اركان الاسلام
ودعائمه العظام بدليل قوله عليه أفضل الصلاة والسلام بني الاسلام على خمس
شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة
والحج وصوم رمضان رواه الأئمة واللفظ للبخاري ورووا أيضا واللفظ لمسلم عن
أبي هريرة قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أيها الناس قد
فرض الله عليكم الحج فحجوا فقال رجل أكل عام يا رسول الله فسكت حتى قالها
ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو قلت نعم لوجب ولما
استطعتم ثم قال ذرونى ما تركتكم فانما هلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم
واختلافهم على أنبيائهم فاذا أمرتكم بشىء فأتوا منه ما استطعتم واذا نهيتكم
عن شىء فدعوه. ثم ان وجوبه اجماع وانكرته الملحدة حيث عرضوا أفعاله على
عقولهم السخيفة كالتجرد عند الاحرام والوقوف والرمى والرّمل فحين لم يعرفوا
وجه الحكمة والمراد بها جانبوه جملة فكفروا وجهلوا إذ لم يعلموا أن الواجب
على العبيد امتثال أحكام المولى فيما يريده وانقياد أهل العقول لما جاء به
الرسول عرف وجه الحكمة في ذلك أو جهل فى التوشيح الي الاكثر بن قال لان
فيها نزول وأتموا الحج والعمرة لله وقيل فرض قبل الخامسة أيضا (الحج) بكسر
الحاء وفتحها لغتان وهو لغة القصد وشرعا قصد البيت بالنسك المعلوم
(وَلِلَّهِ) واجب (عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) قريء بالفتح والكسر
(مَنِ اسْتَطاعَ) أى أطاق (إِلَيْهِ سَبِيلًا) طريقا (مع أحداث أحدثوها)
منها النسيء ومنها الوقوف بمزدلفة (وقد حج معهم النبي صلى الله عليه وسلم
قبل الهجرة) قال الحبر الطبرى حجتين (بنى الاسلام على خمس الى آخره) رواه
أحمد والشيخان والترمذي والنسائي عن ابن عمر (شهادة) بالجر على البدل
وبالرفع على الابتداء وكذا ما بعده (أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج إلى
آخره) رواه مسلم والنسائى (فقال رجل أكل عام) هو الاقرع بن حابس (لو قلت
نعم) فيه دليل على جواز قول لو بلا كراهة والنهى عنها ليس هذا محله (ولما)
هي لام القسم دخلت على ما النافية (ذرونى) اتركوني (فانما هلك) الذي في
أكثر نسخ صحيح مسلم فانما أهلك مع حذف التاء من كثرة سؤالهم ورفعه ورفع
اختلافهم وفي بعض النسخ كما هنا (فاذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)
هذا الحديث من جملة قواعد الاسلام موافق لقوله عز وجل وَما آتاكُمُ
الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (الملحدة) جمع ملحد
والالحاد لغة الميل سموا به لميلهم عن الحق وعدولهم عنه (السخيفة) بفتح
المهملة وكسر المعجمة واسكان التحتية وفتح الفاء أي الضعيفة (والمراد بها)
بالنصب
(1/281)
ولذلك كان صلى الله عليه وآله وسلم يقول في
تلبيته لبيك حقا حقا تعبدا ورقا لبيك إله الحق ولا يجب الحج في العمر إلا
مرة واحدة وكذلك العمرة وقال قوم يجب في كل خمسة أعوام مرة لحديث إن عبدا
وسعت عليه في الرزق لم يفد الىّ في كل خمسة أعوام لمحروم وهو حديث لا يصح
ويرده الاجماع أيضا. واعلم ان وجوبه بعد الاستطاعة على التراخى وقال بعض
المالكية على الفور وقال بعضهم ان أخره بعد ستين فسق وردت شهادته لقوله صلى
الله عليه وآله وسلم اعمار أمتى ما بين الستين الى السبعين فكأنه في هذه
العشر قد تضايق عليه الخطاب قلت وهذا قول حسن ويؤيده قوله تعالى أَوَلَمْ
نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ قال علي وابن عباس هو
ستون سنة (لبيك حقا حقا تعبدا ورقا) رواه ابن الصلاح وغيره في علوم الحديث
بصيغة تمريض فقال وروي عن محمد بن سيرين عن أخيه يحيي عن أخيه أنس عن أنس
بن مالك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبيك حقا حقا تعبدا ورقا
انتهى وفي الحديث لطيفة وهو ان فيه ثلاثة اخوة يروى بعضهم عن بعض وروي
النسائى عن أبي هريرة قال كان في تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم (لبيك
اله الحق) ومعنى لبيك أي أنا مقيم على طاعتك اقامة بعد اقامة مأخوذ من
قولهم ألب بالمكان اذا قام به وقيل معناها اتجاهي وقصدي اليك من قولهم داري
تلب دارك أى تواجهها وقيل محبتي لك مأخوذ من قولهم امرأة لبة اذا كانت محبة
ولدها عاطفة عليه وقيل معناها اخلاصى لك من قولهم حسب لباب أى خالص محض
ومنه لب الطعام ولبابه قال القاضى قيل هذه الاجابة لقوله تعالى لابراهيم
وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ واختلفوا في لبيك هل هو مثنى أم مفرد
والصحيح تثنيته أى اجابة لك بعد اجابة (ولا يجب الحج في العمر الامرة) لخبر
مسلم والنسائي السابق (وكذا العمرة) بضم العين مع ضم الميم واسكانها وبفتح
العين واسكان الميم وهي لغة الزيارة وقيل القصد الي مكان عامر وشرعا زيارة
البيت للنسك المعلوم أي لا تجب في العمر الا مرة وللعلماء في وجوب العمرة
خلاف وللشافعي قولان أظهرهما وجوبها لقوله تعالى وَأَتِمُّوا الْحَجَّ
وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ولخبر ابن ماجه والبيهقي وغيرهما بأسانيد صحيحة عن
عائشة قالت قلت يا رسول الله هل على النساء جهاد قال نعم جهاد لا قتال فيه
الحج والعمرة وأما خبر الترمذي عن جابر سئل النبى صلى الله عليه وسلم عن
العمرة أواجبة هي قال لاوان تعتمروا فهو أفضل وفي رواية وان تعتمر فهو خير
لك ضعيف باتفاق الحفاظ قال النووى ولا يغتر بقول الترمذى فيه حديث حسن صحيح
قال وقال أصحابنا ولو صح لم يلزم منه عدم وجوبها مطلقا لاحتمال ان المراد
ليست واجبة على السائل لعدم استطاعته (ان عبدا وسعت عليه الرزق الى آخره)
أخرجه ابن حبان في صحيحه (علي التراخي) لان الحج وجب سنة خمس أوست على
الصحيح كما مر وأخره صلى الله عليه وسلم الى سنة عشر بلا مانع وقيس به
العمرة وقد يجبان فورا لعارض نذرأ وخوف غضب أو قضاء (وقال بعض المالكية) بل
قاله مالك وأبو حنيفة وأحمد وآخرون كما نقله النووي في شرح مسلم (أعمار
أمتي ما بين الستين الى السبعين) وأقلهم من يجوز ذلك أخرجه الترمذى من حديث
أبى هريرة وأخرجه أبو يعلي من حديث أنس (قال على وابن عباس هو ستون سنة)
وقيل البلوغ وقيل ثماني عشرة سنة وقيل أربعون
(1/282)
وروينا في صحيح البخاري عن أبى هريرة قال
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اعذر الله الى امريء أخر أجله حتى
بلغ ستين سنة. وأحسن مما قالوا أن يقال انه بعد الستين يتضيق عليه الأمر
ويتوجه عليه اللوم ولا يبقى حاله فيما بعدها كما قبلها من غير تعد الى
الفسق والجرح لأنّ جرح من صحت عدالته عسير والله أعلم قال العلماء رحمهم
الله تعالى لوجوبه خمسة شروط الاسلام والبلوغ والعقل والحرية والاستطاعة
اما الكافر والمجنون فلا يجب عليهما ولا يصح منهما واما العبد والصبي فلا
يجب عليهما ويصح منهما تطوعا ولا يسقط به فرض الاسلام (اعذر الله الى
امريء) أى بلغه سنا لا يكون له عند الله عذران لم يعمل بطاعته قال أهل
اللغة يقال اعذر في الامر اذا بالغ فيه أى اعذر غاية الاعذار الذى لا اعذار
بعده (لوجوبه) أى الحج وكذا العمرة (خمسة شروط) الاول الاسلام فلا تجبان
على كافر اصلى وجوب مطالبة نعم المقرر انه مخاطب بالفروع فيعذب على تركهما
في الآخرة زيادة على عذاب الكفر (و) الثاني (البلوغ) فلا تجبان على صبى
كسائر الفروض (و) الثالث (العقل) فلا تجبان على مجنون كذلك (و) الرابعة
(الحرية) فلا تجبان على من فيه رق لان منافعه مستحقة للسيد فليس مستطيعا
(و) الخامس (الاستطاعة) فلا تجبان على غير المستطيع لمفهوم الآية (ولا يصح
منهما) اما الكافر فمطلقا لافتقار النسك الى النية وليس من أهلها وأما
المجنون فلا يصح منه المباشرة كسائر العبادات ومثله الصبى الذي لا يميز
ويجوز لولي مالهما الاحرام عنهما والنيابة في ذلك وكذا لسيد العبد غير
المميز ويقع تطوعا في مسلم وأبى داود عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله
عليه وسلم لقى ركبا بالروحاء ففزعت امرأة فاخذت بعضد صبي صغير فاخرجته من
محفتها فقالت يا رسول الله ألهذا حج قال نعم ولك أجر وجه الدلالة ان الصبي
الذي يحمل بعضده ويخرج من المحفة لا يكون مميزا وقيس به المجنون ولا دلالة
له في الحديث على ان الام تحرم عن الولد اذ لا تصريح فيه بذلك وقوله ولك
أجر لعله أراد به أجر الحمل والنفقة وبتقدير احرامها عنه فلعلها كانت وصية
أو مأذونة للولى (وأما العبد والصبي) المميزان فالولى مخير ان شاء أذن لهما
فباشرا الاحرام فيصح منهما المباشرة كسائر العبادات وان شاء أحرم عنهما على
الاصح في أصل الروضة وما في شرح مسلم عن الاصحاب انه لا يجوز غير معتمد وان
نقل مقتضاه في المجموع عن الشافعى والاصحاب (لا يسقط به فرض الاسلام) لخبر
ايما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة أخرى وأيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة أخرى
رواه البيهقى باسناد جيد كما قاله في المجموع ورواه الخطيب والضياء عن ابن
عباس وزاد وأيما اعرابي حج ثم هاجر فعليه ان يحج حجة اخري وهذا يحتاج الي
تأويل ولان النسك لا يجب في العمر الامرة فاعتبر لوقوعه حال الكمال فلو
تكلفه غير مستطيع وقع عن فرضه لكمال حاله بخلاف غير المكلف ومن فيه رق نعم
لو وقف الصبى أو المجنون أو القن كاملا أجزأه عن فرض الاسلام فان كان سعي
بعد طواف القدوم قبل كماله وجب عليه اعادة السعي
(1/283)
وغير المستطيع لا يجب عليه ويصح منه ويجزيه
عن الفرض. والمستطيع نوعان مستطيع بنفسه ومستطيع بغيره فالمستطيع بنفسه من
قدر على الذهاب ووجد مؤنته ذهابا وإيابا فاضلة عمن تلزمه نفقتهم وعن دينه
والمستطيع بغيره أن يكون عاجزا لكبر أو مرض لا يرجي برؤه وله مال فيلزمه أن
يستأجر من يؤدي عنه فرضه ولو لم يكن له مال ووجد من يطيعه لزمه أن يأمره.
وأركان الحج خمسة الاحرام والوقوف وطواف الافاضة (وغير المستطيع لا يجب
عليه) لما مر (ويصح منه) لانه من أهل العبادة (ويجزيه عن الفرض) لكمال حاله
كما مر (من قدر على الذهاب) والاياب (ووجد مؤنته) زادا وراحلة (فاضلة عمن
تلزمه نفقتهم) وكسوتهم اللائقة به (وعن دينه) ولو مؤجلا أو أمهل به ولو الى
الاياب وعن مسكن وخادم يحتاجهما لكن محل اعتبار الراحلة لمن على مرحلتين من
مكة أو دونهما وهو ضعيف وإلا وجب عليه المشى اذ لا ضرر عليه بخلاف القادر
عليه بزحف أوحبو ويعتبر لمن يتضرر بالراحلة ان يجد شق محمل بشراء أو اجارة
وشريكا ليداوله ولو باجرة فان تضرر بالمحمل فكنيسة وهي أعواد مرتفعة بجوانب
المحمل عليها ستر يدفع الحر والبرد ويجب صرف رأس مال تجارة وثمن ضيعة ذلك
ونفيس عبد ودار لا يليقان به ان كفاه الزائد على اللائق ومن كان يكسب في
يوم كفاية أيام لزمه النسك ان قصر سفر والدين الحال على ملئ مقرا أو عليه
بينة كالحاصل والمال الموجود بعد خروج القافلة كالعدم وبقى للاستطاعة شروط
أخر مستوفاة في كتب الفقه (والمستطيع بغيره ان يكون عاجزا) عن النسك (لكبر
أو مرض لا يرجي برؤه) وأيس من قدرته على الحج والعمرة (وله مال فيلزمه ان
يستأجر من يؤدي عنه فرضه) لحديث ابن عباس في الصحيحين ان امرأة من خثعم
قالت يا رسول الله ان فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبى شيخا كبيرا
لا يستطيع ان يثبت على الراحلة أفاجج عنه قال نعم (ولو لم يكن له مال ووجد
من يطيعه لزمه ان يأمره) ان كان قد سقط عنه فرض الاسلام ويلزمه ان يلتمس
ذلك منه ان توسم فيه الطاعة وسوي الاجنبى والبعض الا اذا كان البعض فقيرا
وماشيا وهو على مرحلتين من مكة فلا يجب على المغصوب القبول منه (وأركان
الحج خمسة) الاول (الاحرام) وهو الدخول في النسك بالنية ويسن التلفظ
والتلبية سمى بذلك لاقتضائه دخول الحرم أو لاقتضائه تحريم الاشياء المحرمة
على المحرم (و) الثانى (الوقوف) بعرفة لقوله صلى الله عليه وسلم الحج عرفة
من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج أيام مني ثلاثة فمن تعجل في
يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا اثم عليه رواه أحمد وأصحاب السنن الاربعة
والحاكم والبيهقي في السنن عن عبد الرحمن بن يعمر ويكفي الحضور باى جزء
منها لقوله صلى الله عليه وسلم وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف رواه مسلم
وحدودها معروفة ويكفى المرور بها في طلب نحو آبق وان لم يعلم انها هى ووقته
ما بين زوال عرفة بالاتفاق الى فجر النحر لما مر في الحديث ولو غلط الجم
الغفير فوقفوا العاشر جاز لما في وجوب القضاء من المشقة (و) الثالث (طواف
الافاضة) قال تعالى وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ
(1/284)
والسعي والحلق وواجباته ستة الاحرام من
الميقات والجمع بين الليل والنهار بعرفات والمبيت بمزدلفة ليلة النحر
والمبيت ليالى مني المرمي والرمي وطواف الوداع. ويسقط عن الحائض والنفساء
فمن ترك ركنا لم يصح حجه ولا يحل من احرامه حتى يأتى به. وثلاثة منها لا
تفوت مادام حيا وهي الطواف والسعي والحلق. واما الواجبات فمن ترك منها شيئا
صح حجه وعليه دم.
وواجبات الطواف وسننه مستوفاة في كتب الفقه (و) الرابع (السعي) بين الصفا
والمروة لحديث الصحيحين عن ابن عمر انه صلى الله عليه وسلم طاف بين الصفا
والمروة سبعا وقال صلى الله عليه وسلم خذوا عني مناسككم ولحديث الدار قطنى
والبيهقي باسناد حسن كما في المجموع يا أيها الناس اسعوا فان السعي قد كتب
عليكم وهو مستوفي ثم أيضا (و) الخامس (الحلق) أى ازالة شعر الرأس به أو
بنتف أو افراق أو قص أو تقصير وبقى ركن سادس وهو ترتيب المعظم فيجب تأخر
الوقوف عن الاحرام وتأخر طواف وحلق عنه وتأخر سعي عن طواف افاضة ان لم يكن
سعى بعد طواف القدوم (وواجباته ستة) الاول (الاحرام من الميقات) للاتباع
(و) الثانى (الجمع بين الليل والنهار بعرفات) بان لا يفيض حتى تغرب الشمس
والاظهر ان ذلك سنة (و) الثالث (المبيت بمزدلفة) وهي ما بين وادي محسر
ومأزم عرفة للاتباع المعلوم من الاحاديث الصحيحة وانما يجب مبيت جزء بعد
مضي النصف لان الدفع بعد نصف الليل جائز للحديث الصحيح وهم لا يصلون مزدلفة
غالبا الا بعد مضى ربع الليل ويسقط المبيت بعذر (و) الرابع (المبيت ليالى)
بالنصب على الظرف (منى) للاتباع ويحصل ذلك بمبيت معظم الليل ويسقط بعذر
أيضا لحديث ابن عباس في سقاية العباس وحديث عدى ابن عاصم في رعاة الابل روى
الاول الشيخان والثاني أصحاب السنن الاربعة وصححه الترمذي (و) الخامس
(الرمي) أي رمي يوم النحر والرمي أيام التشريق وواجباته وسننه مستوفاة ثم
أيضا (و) السادس وليس من خصائص الحج ولا من المناسك (طواف الوداع) للاتباع
ولا يجب الا على من أراد سفر مرحلتين من مكة فاكثر (ويسقط عن الحائض
والنفساء) لانه صلى الله عليه وسلم أمر صفية حين حاضت ان تنقل؟؟؟ بلا وداع
كما في الصحيحين وغيرهما وفيهما عن ابن عباس أمر الناس ان يكون آخر عهدهم
بالبيت الا انه خفف عن الحائض وقيس بها النفساء (ولا يحل من احرامه حتى
يأتي به) ان كان المتروك الحلق مع الطواف والسعى أو أحدهما أو الرمي مع
الطواف والسعى أو أحدهما فان كان المتروك الحلق فقط أو الطواف أو السعي فقط
حل التحلل الاول وبقي التحلل الثاني فلا يحل له الجماع ولا مقدماته ولا عقد
النكاح على ما حكاه في العزيز عن الاكثرين وجري عليه في الروضة والمنهاج
خلافا لما في الشرح الصغير والمحرر من جواز المقدمات وعقد النكاح قبل
التحلل الثانى (وأما الواجبات فمن ترك منها شيئا لزمه دم) كدم التمتع وهو
ذبح شاة جذعة ضأن أو ثنية معز وتفرق لحمها على مساكين الحرم فان عجز صام
ثلاثة أيام في الحج وسبعة اذا رجع الي وطنه (تنبيه) لم يذكر
(1/285)
واما سننه وتفاصيل أعماله ومحظوراته فهي
واسعة ليس هذا موضع بسطها وستأتي جمل من ذلك في حجة النبي صلى الله عليه
وآله وسلم حجة الوداع والله أعلم
[مطلب في قدوم ضمام بن ثعلبة أخي بني سعد بن
بكر وإسلامه]
ومن حوادث هذه السنة قدوم ضمام بن ثعلبة أخى بني سعد بن بكر أهل رضاع النبي
صلى الله عليه وآله وسلم وقيل كان فدومه سنة سبع أو تسع وقد روينا حديثه في
الصحيحين بألفاظ ومعان مختلفة وحملنى ذلك على ان آتي بكل منهما على حدته
اما رواية البخارى فقال حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا الليث عن سعيد المقبرى
عن شريك بن عبد الله بن ابي نمر انه سمع أنس بن مالك يقول بينما نحن جلوس
مع النبى صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد دخل رجل على جمل فأناخه في
المسجد ثم عقله ثم قال لهم أيكم محمد والنبى صلى الله عليه وسلم متكيء بين
ظهرانيهم فقلنا هذا الرجل المتكيء الأبيض فقال له الرجل يابن عبد المطلب
فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد اجبتك فقال الرجل للنبي صلى الله
عليه وسلم انى المصنف أركان العمرة وهى ما عدا الوقوف من أركان الحج
(محظوراته) بالظاء المعجمة أى ممنوعاته من الحظر وهو المنع ومن قوله تعالى
وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً أي ممنوعا (موضع) بكسر الضاد وبالفتح
خبر ليس (حجة الوداع) بالكسر بدل من الاول ومن حوادث هذه السنة (ضمام) بكسر
المعجمة وتخفيف الميم (أهل رضاع) بالكسر بدل من بنى (أو تسع) وهو الصواب
كما جزم به ابن اسحاق وأبو عبيدة وغيرهما (وقد روينا حديثه في الصحيحين)
وسنن أبي داود والترمذي والنسائي كلهم عن أنس ورواه النسائي عن أبي هريرة
أيضا (على حدته) أى على انفراده كما مر أوّل الكتاب (عبد الله بن يوسف) هو
أبو محمد الدمشقى السيسى الكلاعي الحافظ قال ابن معين ما بقى في الموطأ
أوثق منه توفي سنة سبع عشرة ومائتين (عن سعيد) هو ابن أبى سعيد كيسان قال
أحمد ليس به بأس توفي سنة ثلاث وعشرين ومائة (المقبرى) بضم الباء وفتحها
كان ينزل المقبرة فنسب اليها (شريك) بالمعجمة والراء مكبر (ابن أبي نمر)
بفتح النون وكسر الميم المدنى قال ابن معين لا بأس به وقال النسائي ليس
بالقوي وأبو نمر جده صحابى لا يعرف اسمه (فأناخه) أي بركه في المسجد فيه
جواز ادخال البهائم المساجد ان لم يفض الى تنجيسها (متكئ) بالهمز أى مرتفق
على احدي يديه (بين ظهرانيهم) بفتح المعجمة والراء والنون واسكان الهاء
والالف والمثناة أي بينهم قال في التوشيح وزيد فيه الف ونون ليدل على ان
ظهرا منهم قدامه وظهرا وراءه وهو محفوف بهم من جانبيه والالف والنون فيه
للتأكيد قاله صاحب الفائق وقال غيره هو مما أريد به بلفظ التثنية معنى
الجمع (الابيض المتكئ) للنسائى من رواية أبي هريرة هذا الامغر المرتفق
والامغر بالمعجم الابيض المشرب بحمرة (يابن عبد المطلب) في أكثر نسخ الصحيح
بحذف حرف النداء مع فتح الهمزة ولم ينسبه الى أبيه لما سيأتي عنه الكلام
على قوله
(1/286)
سائلك فمشدد عليك في المسئلة فلا تجد علي
في نفسك فقال سل عما بدالك فقال أسألك بربك ورب من قبلك الله ارسلك الى
الناس كلهم فقال اللهم نعم فقال أنشدك بالله آلله امرك ان تصلي الصلوات
الخمس في اليوم والليلة قال اللهم نعم قال أنشدك بالله آلله امرك ان تصوم
هذا الشهر من السنة قال اللهم نعم قال انشدك بالله الله امرك ان تأخذ هذه
الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم
اللهم نعم فقال الرجل آمنت بما جئت به وانا رسول من ورائى من قومي وانا
ضمام بن ثعلبة اخو بني سعد بن بكر واما رواية مسلم فقال رحمه الله حدثنى
عمرو بن محمد بن بكير الناقد حدثنا هاشم بن القاسم بن النضر حدثنا سليمان
بن المغيرة عن ثابت عن انس بن مالك قال نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن شيء فكان يعجبنا ان يجيئ الرجل من اهل البادية العاقل فيسأله
ونحن نسمع فجاء رجل من اهل البادية فقال يا محمد اتانا رسولك فزعم لنا انك
تزعم ان الله ارسلك قال صدق قال فمن خلق السماء قال الله قال فمن خلق الارض
قال الله قال فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل قال الله قال فبالذى خلق
السماء وخلق الارض ونصب هذه الجبال آلله ارسلك قال نعم قال وزعم رسولك ان
علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا قال صدق قال فبالذى ارسلك آلله امرك بهذا
قال نعم قال وزعم رسولك بأن علينا زكاة في صلى الله عليه وسلم أنا ابن عبد
المطلب (فلا تجد) أي لا تغضب قال في التوشيح ومادة وجد متخدة في الماضي
والمضارع مختلفة المصادر بحسب اختلاف المعاني فيقال في الغضب موجدة وفي
المطلوب وجودا وفي الضالة وجدانا وفي الحب وجدا وفي المال وجدا بالضم وفي
الغنى جدا بالكسر وتخفيف الدال المفتوحة وقالوا في المكتوب وجادة وهي مولدة
انتهى (آلله) بالهمز على الاستفهام (اللهم نعم) حرف عدة وتصديق وجواب
للاستفهام قال بعض العلماء ذكر الله تعالى ليكون أبلغ وأوقع في نفس السائل
وأنجع وليعلم انه على يقين من إيراده وتصبره في اثباته قد جعل نفسه في معرض
من أقبل على الله ليجيب عما سأله ولا شك ان من كان هذا حاله لا يتكلم الا
بصدق ويقين وحق مبين (أنشدك) بفتح الهمزة وضم الشين أي أسألك (ان تصلى) روي
بالتاء فيه وفيما بعده وبالنون وهو أوجه قاله عياض (البادية) ما عدا
الحاضرة (آمنت بالذي جئت به) قيل خبر وقيل إنشاء (رسول من ورائي) بفتح من
واضافة رسول اليه (عمرو بن محمد بن بكير) بالتصغير (الناقد) بالنون والقاف
والمهملة هو أبو عثمان البغدادي الحافظ نزيل الرقة توفي في ذي الحجة سنة
اثنين وثلاثين ومائتين (هاشم بن القاسم) هو الحافظ يلقب بقيصر ثقة ثبت صاحب
سنة عاش ثلاثا وسبعين سنة مات سنة سبع وعشرين ومائة (سليمان بن المغيرة) هو
أبو سعيد بصرى جليل قال شعبة هو سيد أهل البصرة وقال أحمد ثبت ثبت توفي سنة
خمس عشرة ومائة (ان علينا خمس)
(1/287)
أموالنا قال صدق قال فبالذى ارسلك آلله
امرك بهذا قال نعم قال وزعم رسولك ان علينا صوم شهر رمضان في سنتنا قال صدق
قال فبالذى ارسلك آلله امرك بهذا قال نعم قال وزعم رسولك ان علينا حج البيت
من استطاع اليه سبيلا قال صدق قال ثم ولى وهو يقول والذى بعثك بالحق نبيا
لا ازيد عليهن ولا انقص منهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم لئن صدق ليدخلن
الجنة*
[تتمة فى الكلام على فوائد حديث ضمام]
فمن فوائد هذا الحديث حسن سؤال هذا الرجل وملاحة سياقته وترتيبه فانه سأل
أولا عن صانع المخلوقات من هو ثم أقسم عليه به ان يصدقه في كونه رسولا
للصانع ثم لما وقف على رسالته وعلمها أقسم عليه بحق مرسله وهذا ترتيب يفتقر
الى عقل رصين قاله صاحب التحرير قال ابن الصلاح وفيه دلالة على صحة ما ذهب
اليه أئمة العلماء من أن العوام المقلدين مؤمنون وانه يكفى منهم مجرد
اعتقاد الحق جزما من غير شك وتزلزل خلافا لمن أنكر ذلك من المعتزلة وذلك
انه صلى الله عليه وآله وسلم قرر ضماما على ما اعتمد عليه في تعرف رسالته
وصدقه ومجرد اخباره إياه بذلك ولم ينكر عليه ذلك ولا قال يجب عليك معرفة
ربك بالنظر في المعجزات والاستدلال بالادلة القطعية قال أبو عبد الله
البخاري واحتج بعضهم بالقراءة على العالم بحديث ضمام بن ثعلبة قال للنبي
صلى الله عليه وآله وسلم آلله أمرك أن تصلى الصلوات قال نعم قال فهذه قراءة
عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر ضمام قومه بذلك فأجازوه وفيه بالنصب اسم
ان وكذا ما بعده (لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن) في رواية البخاري في الصيام
لا أتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا (لئن صدق ليدخلن الجنة) في
رواية لهم من طريق طلحة ابن عبيد الله أفلح ان صدق ولمسلم وأبي داود أفلح
وأبيه فان قيل اما فلاحه اذا لم ينقص فواضح واما بان لا يزيد فكيف يصح اجاب
النووي بأنه أثبت له الفلاح لانه أتي بما عليه وليس فيه انه اذا أتى بزائد
لا يكون مفلحا وحلفه صلى الله عليه وسلم بابيه مع نهيه عنه بقوله ان الله
ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم إما لكون هذا صدر قبل النهي أو لكونه ليس حلفا
وانما هى كلمة جرت عادة العرب بادخالها في كلامها غير قاصدة بها حقيقة
الحلف كقولهم تربت يداه وثكلته أمه وويل له وقاتله الله (وترتيبه) بالجر
(ان يصدقه) بفتح أوله وضم ثالثه (الى عقل رصين) بالراء والمهملة أى قوي
ثابت (ابن الصلاح) هو عثمان ابن عبد الرحمن بن عثمان (القطعية) بفتح القاف
واسكان المهملة وتشديد التحتية أي التي يقطع بصحتها (قال أبو عبد الله
البخاري) في باب القراءة والعرض على المحدث (واحتج بعضهم) هو أبو سعيد
الجرار أخرجه البيهقى في المعرفة والحميدي كما قاله ابن حجر (أخبر ضمام
قومه بذلك فأجازوه) بالزاى أي قبلوه منه وليس في الحديث الذي ساقه البخاري
ان ضماما أخبر قومه بذلك وانما وقع ذلك من
(1/288)
الا كتفاء بخبر الواحد وفيه غير ذلك والله
أعلم.
[مطلب في تزويج الله تعالى نبيه صلى الله عليه
وسلم زينب بنت جحش الأسدية وخبر ذلك]
وفي هذه السنة أو في الثالثة زوج الله نبيه صلى الله عليه وسلم زينب بنت
جحش الاسدية وهي أبنة عمته أميمة بنت عبد المطلب نطق بذلك التنزيل وكان
لزواجها شأن جليل. روى المفسرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان
خطبها أو لا لمولاه زيد بن حارثة الكلبي وكان النبي صلى الله عليه وآله
وسلم أعتقه وتبناه فكرهته زينب وترفعت عليه بنسبها وجمالها وتبعها أخوها
عبد الله بن جحش على ذلك فأنزل الله عز وجل فيهما وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ
وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ
لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ فلما سمعا ذلك رضيا وجعلا الأمر الى
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فانكحها رسول الله زيدا وأعطاها عشرة
دنانير وستين درهما وحمارا ودرعا وازارا وملحفة وخمسين مدا من طعام وثلاثين
صاعا من تمر فمكثت عند زيد حينا ثم جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم
يشكوها ويستشيره في طلاقها فقال أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ
اللَّهَ وكان النبى صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبره ربه تبارك وتعالى قبل
ذلك انها ستكون من أزواجه ففى ذلك نزل قوله تعالى وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي
أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ أى بالاسلام وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أى بالعتق
أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ واخفى في نفسه طريق أخرى عن
ابن عباس عند أحمد وأبي داود وغيرهما قال ابن عباس ما سمعنا بوافد قط كان
أفضل من ضمام وفي هذه السنة أي الخامسة (أميمة) بالتصغير (شأن) أمر (جليل)
عظيم (خطبها أولا لمولاه) زاد البغوي فلما خطبها رضيت وظنت انه يخطبها
لنفسه (أعتقه وتبناه) بمكة وهو صغير وذلك انه دخل به المسجد فقال يا معشر
قريش اشهدوا ان زيدا ابني خمسا ذكره ابن عبد البر وغيره بعد ان قدم أبوه
يلتمسه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه وخيره بينه وبين أبيه
فاختاره صلى الله عليه وسلم فقال ما أنا براجعه لكم بعد ان اختارني قال في
التوشيح فأسلم أبوه يومئذ ولم يذكر ابن عبد البر اسلامه (وترفعت عليه
بنسبها وجمالها) فقالت انا ابنة عمك يا رسول الله فلا أرضاه لنفسي وكانت
بيضاء جميلة فيها حدة (ما كان) ينبغي (لمؤمن) يعني عبد الله بن جحش (ولا
مؤمنة) يعنى زينب (اذا قضى الله ورسوله أمرا) وهو نكاح زيد لها (ان يكون)
بالتحتية لاهل الكوفة وبالفوقية للباقين (لهم الخيرة من أمرهم) الاختيار أي
ما كان لهم ان يريدوا غير ما أراد الله ورسوله (وأعطاها عشرة دنانير الى
آخره) هذا لفظ البغوي في التفسير بحروفه (خمارا) بكسر المعجمة هو ما تجعله
المرأة على رأسها (ودرعا) أى قميصا (وملحفة) بكسر الميم أي ثوبا يلتحف به
(حينا) هو القطعة من الزمان يطلق على الطويل والقصير منه ولم أرى التصريح
بقدره هنا (يشكوها) فقال انها تتعظم على بشرفها وتؤذينى بلسانها (ويستشيره
في طلاقها) فقال يا رسول الله إني أريد أن أفارق صاحبتى فقال مالك أرابك
منها شئ قال والله يا رسول الله ما رأيت منها الا خيرا (أَمْسِكْ عَلَيْكَ
زَوْجَكَ) يعني زينب (وَاتَّقِ اللَّهَ) في أمرها ولا تفارقها
(1/289)
ما كان الله اعلمه به من انها ستكون زوجته
فعتب الله عليه يقول لم قلت امسك عليك زوجك وقد علمت أنها ستكون من أزواجك
هذا معنى ما روى عن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضى
الله عنهم وهو أسد الاقاويل وأليقها بحال الانبياء وأكثرها مطابقة لظاهر
التنزيل لأن الله سبحانه وتعالى قال وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ
مُبْدِيهِ ولم يبد سبحانه وتعالى غير تزويجها منه فقال زوجناكها وانما
أخفاه صلى الله عليه وآله وسلم استحياء من زيد وخشية أن يجد اليهود
والمنافقون بذلك سبيلا الى التشنيع على المسلمين حيث يقولون تزوج محمد زوجة
ابنه بعد نهيه عن نكاح حلائل الابناء فعاتبه الله على ذلك ونزهه عن
الالتفات اليهم فيما أحله له كما عاتبه على مراعاة رضى أزواجه في قوله
تعالى «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ
تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ» فهذا معنى قوله «وَتَخْشَى النَّاسَ
وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ» وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم أنا
أخشاكم لله واتقاكم له. وقد خطأ القشيري (ستكون زوجته) بالنصب خبر كان
والاسم مضمر (هذا ما روي عن زين العابدين) قال البغوي روى سفيان ابن عيينة
عن على بن زيد بن جدعان قال سألني على بن الحسين زين العابدين ما يقول
الحسن في قول الله تعالى وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ
وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ قلت يقول لما جاء زيد
الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله اني أريد ان أطلق زوجتى
أعجبه ذلك فقال أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ فقال على بن
الحسين ليس كذلك ثم ذكر كلامه (أسد الاقاويل) بالمهملة أى أصوبها (مطابقة)
موافقة (ولم يبد) بضم أوله بلا همز (الى التشنيع) بفوقية مفتوحة فمعجمة
ساكنة فنون مكسورة فتحتية ساكنة فمهملة النسبة الى الشناعة وهى القبيح (أنا
أخشاكم لله وأتقاكم له) رواه الشيخان والنسائي عن أنس قال جاء ثلاثة رهط
الى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسئلون عن عبادته فلما أخبروا
كأنهم تقالوها قالوا أين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غفر له
ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال أحدهم اما أنا فاصلى الليل أبدا وقال الآخر
وأنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال الآخر وأنا اعتزل النساء ولا أتزوج أبدا
فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهم فقال أنتم الذين قلتم كذا وكذا
أما والله اني لاخشاكم لله وأتقاكم له ولكنى اصوم وأفطر وأصلى وأرقد وأتزوج
النساء فمن رغب عن سنتى فليس منى وهؤلاء الثلاثة قال ابن حجرهم ابن مسعود
وأبو هريرة وعثمان بن مظعون وقيل هم سعد بن أبي وقاص وعثمان بن مظعون وعلى
بن أبي طالب وفي مصنف عبد الرزاق من طريق سعيد بن المسيب ان منهم عليا وعبد
الله بن عمرو بن العاص انتهى قلت يشبه ان الاول وهم فان أبا هريرة لم يدرك
عثمان بن مظعون لانه مات في أوّل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة
وأبو هريرة كان اسلامه بعد خيبر كما سيأتى (وقد خطأ) بتشديد الطاء نسب الى
الخطأ (القشيري) هو الشيخ الامام الاوحد العارف بالسنة العالم الرباني
المحقق ناصر السنة وقامع البدعة أبو
(1/290)
والقاضي عياض وغيرهما من روى من المفسرين
ان النبي صلى الله عليه وسلم لما رآها أعجبته ووقع في قلبه حبها واحب طلاق
زيد لها قال القشيرى وهذا اقدام عظيم من قائله وقلة معرفة بحق النبي صلى
الله عليه وآله وسلم وبفضله وكيف يقال يراها فأعجبته وهي ابنة عمته ولم يزل
يراها منذ ولدت ولا كان النساء يحتجبن منه صلى الله عليه وسلم وهو الذى
زوجها لزيد قال القاضي عياض ولو كان ذلك لكان فيه أعظم الجرح ومالا يليق به
من مد عينيه الى ما نهى عنه من زهرة الحياة الدنيا ولكان هذا نفس الحسد
المذموم الذى لا يرضاه الله ولا يتسم به الاتقياء فكيف سيد الانبياء ولما
طلقها زيد وانقضت عدتها منه بعثه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليخطبها له
قال زيد فلما رأيتها عظمت في صدرى حتى ما استطيع ان أنظر اليها حين علمت أن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكرها فوليتها ظهرى ونكصت على عقبى فقلت
يا زينب أرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يذكرك قالت ما أنا بصانعة
شيأ حتى أوامر ربى فقامت القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري
نسبة الى قشير بالتصغير ابن كعب صحب أبا على الدقاق وكان شيخه في طريق
القوم وجمع علوما شتى وله على مذهب الامام الاشعري كلام في غاية البلاغة
وتفقه في مذهب الشافعي على الاستاذ أبي اسحاق الاسفراينى وفي الحديث على
أبي بكر بن فورك توفي سنة خمس وستين وأربعمائة ودفن بنيسابور بجنب شيخه أبي
على الدقاق (والقاضى عياض) في الشفاء (وغيرهما) كالسبكي وصاحب الانوار
(ولكان هذا نفس) بالفتح خبر كان (يتسم) بتشديد الفوقية يقال اتسم بالشى اذا
جعله سمة أي علامة (تنبيه) ما قاله القشيرى والقاضى وغيرهما من تنزيهه صلى
الله عليه وسلم عن ما ذكر لاشك انه في غاية الحسن لكن قال البغوى وغيره
القول الآخر وهو انه اخفاء محبتها أو نكاحها لو طلقها زيد لا يقدح في حال
الانبياء لان العبد غير ملوم على ما يقع في قلبه من مثل هذه الاشياء ما لم
يقصد فيه المأثم لان الود وميل النفس من طبع البشر وقوله أَمْسِكْ عَلَيْكَ
زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ أمر بالمعروف وهو حسنة لا إثم فيه انتهى قال
الغزالى ولعل الحكمة فيه من جانب الزوج امتحان ايمانه بتكليفه النزول عن
أهله ومن جانبه صلى الله عليه وسلم الابتلاء ببلية البشرية يعنى ميل القلب
الى تزوج المرأة عند وقوع بصره الشريف عليها وبالمنع من الاضمار المخالف
للاظهار (صلى الله عليه وسلم ليخطبها له) فيه انه لا بأس ان يبعث الرجل
لخطبة المرأة من كان زوجا لها اذا علم عدم كراهيته لذلك كما كان حال زيد مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم (عظمت في صدري الى آخره) أى هيبتها وعظمتها
من أجل (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها) وأن بفتح الهمزة (ونكصت)
أي رجعت (على عقبى) بالتثنية وذلك انه جاء ليخطبها وهو ينظر اليها وكان ذلك
قبل نزول الحجاب فغلب عليه الاجلال فولاها ظهره لئلا يسبقه النظر هذا معنى
كلام النووى (حتي أوامر) أي استخير (ربى) فيه استحباب صلاة الاستخارة وهو
موافق لما في البخارى عن جابر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1/291)
الى مسجدها ونزل القرآن وجاء رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم ودخل عليها بغير اذن رواه مسلم قال أنس كانت زينب
تفتخر على أزواج النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم تقول زوجكنّ أهاليكن
وزوجنى الله من فوق سبع سموات وقال الشعبي كانت زينب تقول للنبي صلى الله
عليه وآله وسلم اني لأدل عليك بثلاث ما من نسائك امرأة تدل بهن جدي وجدك
واحد وهو عبد المطلب وانكحنيك الله من فوق سبع سموات وان السفير جبريل عليه
السلام. ومن مناقبها أيضا قوله صلى الله عليه وآله وسلم لازواجه أسرعكن
لحوقا بى أطو لكن يدا يعني الصدقة فكانت أولهن موتا بعده. وقال أنس ما أولم
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على امرأة من نسائه أكثر وأفضل مما أولم
على زينب فقال له ثابت البناني بم أولم قال أطعمهم خبزا ولحما حتى تركوه
رواه مسلم*
[مطلب في الكلام على مشروعية الحجاب وسببه]
اما شأن الحجاب فروينا في صحيح البخاري يعلمنا الاستخارة في الامور كلها
الى آخره قال النووى ولعلها استخارت لخوفها من التقصير في حقه صلى الله
عليه وسلم (الى مسجدها) أي موضع صلاتها من بينها (ونزل القرآن) يعنى قوله
تعالى فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها (فدخل عليها بغير
اذن) قال النووى لان الله زوجه اياها بهذه الآية (رواه مسلم) والنسائي عن
أنس وللبخاري والترمذي بمعناه (أهاليكن) جمع أهل على غير قياس (لأدل) بضم
الهمزة وكسر الدال المهملة (جدي) أبوامي (وجدك واحد) وهو عبد المطلب
(وانكحنيك الله) بقوله عز وجل زَوَّجْناكَها وفي تفسير ابن اسحاق ان الذي
أنكحه اياها أخوها أبو أحمد بن جحش وهو مردود بما في الصحيحين (في السماء)
هو على مقتضى قوله تعالى أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ وقوله صلى الله
عليه وسلم للجارية أين الله قالت في السماء تعالى الله عن الجهة والمكان
(وان السفير) أي بفتح المهملة وكسر الفاء أى الرسول (اسرعكن بي لحوقا)
تمييز (أطولكن زيدا) رواه الشيخان والحاكم عن عائشة وتتمته فكن يتطاولن
أيهن أطول فكانت أطولنا يدا زينب لانها كانت تعمل بيدها وتتصدق معنى الحديث
انهن فهمن انه يريد باليد الجارحة فكن يذر عن أيديهن بقصبة كما في رواية
الحاكم فكنا اذا اجتمعنا في بيت احدانا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه
وسلم نمد أيدينا في الجدار نتطاول فكانت سودة أطولهن جارحة وكانت زينب
أطولهن يدا في الصدقة وفعل الخيرات يقال فلان طويل اليد والباع اذا كان
سمحا جوادا وضده قصير اليد والباع وجعد الانامل ووقع في البخاري في باب
الزكاة ما يوهم ان أسرعهن لحوقا سودة وهو وهم باطل اجماعا (فكانت أولهن
موتا بعده صلى الله عليه وسلم) ماتت في خلافة عمر وماتت سودة في شوال سنة
أربع وخمسين (أكبر وأفضل مما أولم على زينب) يحتمل ان سببه الشكر لنعمة
الله في تزويجه اياها بالوحي لا بولي ولا شهود بخلاف غيرها قاله النووي
(البناني) بضم الموحدة وتخفيف النون (رواه) البخاري (ومسلم) وأبو داود وفي
رواية أولم بشاة (في صحيح البخاري) ورواه بمعناه أيضا مسلم والترمذي وابن
ماجه
(1/292)
عن أنس انه كان ابن عشر سنين مقدم النبي
صلى الله عليه وآله وسلم المدينة قال فكان أمهاتي يواظبنني على خدمته
فخدمته عشر سنين وتوفي وأنا ابن عشرين سنة فكنت أعلم الناس بشأن الحجاب حين
أنزل وكان أوّل ما أنزل في مبتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت
جحش أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عروسا فدعا القوم فأصابوا من الطعام
ثم خرجوا وبقى رهط عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأطالوا المكث فقام
النبي صلى الله عليه وآله وسلم فخرج وخرجت معه لكي يخرجوا فمشى النبي صلى
الله عليه وسلم ومشيت معه حتى جاء عتبة حجرة عائشة ثم ظن أنهم قد خرجوا
فرجع ورجعت معه حتى اذا دخل على زينب فاذاهم جلوس لم يقوموا فرجع النبي صلى
الله عليه وسلم ورجعت معه حتى اذا بلغ عتبة حجرة عائشة فظن انهم قد خرجوا
فرجع ورجعت معه فاذا هم قد خرجوا فضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
بيني وبينه الستر وأنزل الحجاب قال أبو عثمان عن انس فدخل يعنى النبي صلى
الله عليه وآله وسلم البيت وأرخى الستر وانى لفي الحجرة وهو يقول «يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ
يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ» الى قوله «وَاللَّهُ
(فكان امهاتي) يريد أمه وخالته (فخدمته عشر سنين) في رواية في مسلم تسع
سنين قال النووي فمعناه أنها تسع سنين وأشهر فانه صلى الله عليه وسلم أقام
بالمدينة عشر سنين تحديدا وخدمه أنس اثناء السنة الاولي ففى رواية التسع لم
يحسب الكسر وفي رواية العشر حسبه سنة عاشرة قال ابن النحوى قال المهلب فيه
جواز استخدام اليتيم الحر الصغير الذي لا يجوز أمره وفيه وجوب خدمة العالم
والامام على المسلمين وان ذلك شرف لمن خدمهما لما يرجي من بركة ذلك (توفي
وأنا ابن عشرين سنة) وتوفي أنس سنة تسع وثمانين عن مائة سنة الا سنة وقيل
سنة احدا أو اثنين أو ثلاث أو سبع أو تسع وقيل سنة مائة قال ابن عبد البر
واصح ما قيل فيه الاول وكان موته في قصره بالطف على فرسخين من البصرة قال
أبو اليقظان وصلى عليه قطن بن مدرك الكلابي ودفن هناك (في مبتنى رسول الله
صلى الله عليه وسلم بزينب) أي دخوله عليها (عروسا) بفتح العين يطلق على
الذكر والانثي (رهط) جماعة لا واحد له من لفظه (عتبة) على وزن خشبة لفظا
ومعنى (أبو عثمان) هذا اسمه الجعد بن دينار أبى عثمان النهدى عبد الرحمن
ابن مل مثلث الميم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ
النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) الا ان تدعوا (إِلى طَعامٍ) فيؤذن
لكم فتأكلوه (غَيْرَ ناظِرِينَ) أى غير منتظرين (إِناهُ) ادراكه ووقت نضجه
وعن ابن عباس أنها نزلت في ناس من المسلمين كانوا يتحينون طعام النبي صلى
الله عليه وسلم فيدخلون عليه قبل الطعام الى ان يدرك ثم يأكلون ولا يخرجون
وكان صلى الله عليه وسلم يتأذي منهم فنزلت الآية
(1/293)
لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ» وعن أنس قال
صنعت أمي ام سليم حيسا فجعلته في تور فقالت يا أنس اذهب بهذا الى رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم وقل بعثت بهذا اليك أمي وهي تقرئك السلام وتقول ان
هذا لك منا قليل يا رسول الله قال فذهبت بها الى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقلت ان أمي تقرئك السلام وتقول ان هذا لك منا قليل يا رسول الله فقال
ضعه ثم قال اذهب فادع لي فلانا وفلانا وفلانا وفلانا ومن لقيت وسمى قال
فدعوت من سمى ومن لقيت فقلت لانس عددكم كانوا قال كانوا زهاء ثلثمائة وقال
لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا أنس هات التور قال فدخلوا حتى
امتلأت الصفة والحجرة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليتحلق عشرة
بعشرة وليأكل كل انسان مما يليه قال فأكلوا حتى شبعوا قال فخرجت طائفة
ودخلت طائفة حتى أكلوا كلهم فقال لي يا أنس ارفع قال فرفعت فما أدري حين
وضعت كان أكثر أم حين رفعت وجلس منهم طوائف يتحدثون في بيت رسول الله صلى
الله عليه (صنعت) أي (أم سليم) بالتصغير واختلف في اسمها على ثمانية أقوال
كما مر (حيسا) بفتح المهملتين بينهما تحتية ساكنة وهو الاقط والسمن والتمر
يخلط ويعجن (تور) بفتح الفوقية هواناء نحو القدح يصنع من الحجر (اذهب بهذا
الى رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه استحباب بعث الطعام الى المتزوج
معاونة له في وليمته (وهى تقرئك السلام) فيه ندب ارسال السلام ولو من امرأة
لرجل اما اذا كان بينهما محرمية كما نقل النووي الاتفاق عليه في أم سليم
وأختها بالنسبة اليه صلى الله عليه وسلم فظاهر وأما مع عدم المحرمية فلأ من
الفتنة (تنبيه) قال السبكي ما نقله النووى من الاتفاق على ان أم حرام وأم
سليم كانتا محرما له صلى الله عليه وسلم ليس بصحيح قال ومن أحاط علما بنسب
النبي صلى الله عليه وسلم وبنسب أم حرام وأم سليم علم انه لا محرمية بينهما
قال وقد بين ذلك شيخنا الحافظ أبو محمد الدمياطي في جزء قرأته عليه (ان هذا
لك منا قليل) فيه ندب الاعتذار الى المبعوث اليه وتحقير الهدية ما أمكن فان
ذلك من مكارم الاخلاق (فادع لى فلانا وفلانا وفلانا وفلانا) لعلهم أبو بكر
وعمر وعثمان وعلى ولم أقف على من قاله وفيه جواز الاذن للرسول في ناس
معينين وفي مبهمين لقوله (ومن لقيت) من أردت (عدد) بالفتح خبر كان مقدم
(كم) فى موضع جر بالاضافة (زهاء) بالفتح خبر كانوا مضمر وهو بضم الزاي وفتح
الهاء والمد أي نحو (هات) بكسر التاء قال النووى للأمر كما يكسر الطاء من
اعط (الصفة) بضم المهملة وتشديد الفاء الظلة قدام البيت (ليتحلق) مجزوم
بلام الأمر أي ليستدر (عشرة عشرة) أى كل عشرة على حدة (وليأكل كل انسان مما
يليه) فيه ان ذلك سنة في غير نحو الرطب وهو مشهور في حديث عمر بن أبي سلمة
(حين رفعت) بفتح الراء والفاء واسكان العين أي أنا وبضم الراء وكسر الفاء
وفتح العين مبنى للمفعول وكذا (حين رفعت) وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى
الله عليه وسلم بتكثير الطعام (طوائف) لا ينصرف
(1/294)
وآله وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم
جالس وزوجته مولية وجهها الى الحائط وساق حديث الحجاب متفق عليه واللفظ
لمسلم وفي احدى رواياته ان ذلك كان في زواج زينب وقد سبق انه أولم عليها
بشاة قال القاضي عياض هو وهم من بعض الرواة وتركيب قصة على أخرى وقال غيره
بل يصح فلعله اجتمع فيها الامران.
[مطلب في شرح الفوائد التى تضمنت خير زواج
السيدة زينب]
قال المؤلف غفر الله ذلته: واقال عثرته وفي هذه الجملة السابقة من شأن زواج
زينب رضي الله عنها جمل من الفوائد منها التنويه بقدر المصطفى والابانة عن
عظيم مكانته عند ربه تعالى وانه يحب ما أحب ويكره ما كره وقد قالت لهم
عائشة عند نزول قوله تعالى «تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي
إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ» ما أرا ربك الا يسارع في هواك وفيه عظيم حيائه صلى
الله عليه وسلم حيث دخل وخرج ارادة أن يخرجوا وأبى أن يواجههم بما يكرهون
حتى نطق الحق عنه بالحق وحرم على الخلق اذاه وأوجب عليهم تعزيزه وتوقيره
وإيثاره فيما يحبه ويهواه وسيأتى انشاء الله تعالى في قسم الخصائص ما ذكره
علماؤنا انه صلى الله عليه وسلم متي رغب في نكاح امرأة فان كانت متزوجة وجب
على زوجها مفارقتها له وان كانت خلية وجب عليها الاجابة وفيه مناقب جمة
لزينب بنت جحش وفضيلة لاخيها أيضا وفيه منقبة ظاهرة لزيد بن حارثة رضي الله
عنه حيث ذكره الله سبحانه وتعالى في كلامه القديم مرتين مرة بالاشارة التي
تنوب (وزوجته) كذا في جميع نسخ مسلم بالتاء وهى لغة قليلة والمشهور حذفها
(متفق عليه) أي رواه الشيخان ورواه أيضا الترمذى وابن ماجه (واللفظ لمسلم)
في غيره فجعلته في برمة بدل التنور وفيه فوضع يده فيه وتكلم بما شاء الله
(وقد سبق انه أولم عليها بشاة) لم يذكره المصنف وهو مذكور في الصحيح كما مر
(التنويه) الصيت والذكر الجميل كما مر (والابانة) مصدر بابن يبين ابانة (ما
أرى) بفتح الهمزة (ربك الا يسارع في هواك) أخرجه الشيخان وأبو داود
والنسائى عن عروة عن عائشة قالت كانت خولة بنت حكيم من اللاتي وهبن أنفسهن
للنبي صلى الله عليه وسلم فقالت عائشة أما تستحي المرأة أن تهب نفسها لرجل
فلما نزلت ترجي من تشاء منهن وتؤوى اليك من تشاء قلت يا رسول الله ما أرى
ربك الا يسارع في هواك أى في رضاك وقال النووى معناه يخفف عنك ويوسع عليك
الامور فلهذا خيرك وهذا القول برز من الدلال والغيرة والا فلا يجوز اضافة
الهوى اليه صلى الله عليه وسلم لكن الغيرة يغتفر لاجلها اطلاق مثل ذلك قاله
القرطبي (تعزيزه) عونه ونصرته (وتوقيره) تعظيمه وتفخيمه (قسم) بالكسر اسم
كما مر (وجب على زوجها مفارقتها) لقوله تعالى النَّبِيُّ أَوْلى
بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (مناقب جمة) أى كثيرة أعظمها ان الله
سماها مؤمنة مع مامر في طى القصة (وفضيلة لاخيها أيضا) لان الله سماه مؤمنا
(مرة بالاشارة) وهو قوله وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ
عَلَيْهِ
(1/295)
مناب التصريح ومرة بالتصريح باسمه العلم
وجعله قرآنا يتلي في المحاريب على تداول القرون ولم يكن هذا لغيره من
الصحابة رضي الله عنهم ومنها ان الأدب لباعث الهدية ان يعتذر ويحقرها عند
المبعوث اليه ومنها تأكيد سنة الوليمة وان لا تهمل وان دقت ووجوب اجابة
داعيها ومنها نزول الحجاب وفيه مصالح جليلة وعوائد في الاسلام جميلة ولم
يكن لاحد بعده النظر الى أجنبية بشهوة أو بغير شهوة وعفى عن الفجاءة والله
أعلم*
[مطلب في الكلام على غزوة دومة الجندل]
ومن حوادث هذه السنة ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ركب فرسا الى الغابة
فسقط عنه فجحش فخذه الايمن وأقام في البيت أياما يصلي قاعدا وعاده أصحابه
فصلوا خلفه قعودا ثم نسخ ذلك ففي مرض موته صلى الله عليه وسلم صلى قاعدا
والناس خلفه قياما وفيها غزا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غزوة دومة
الجندل واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري ورجع صلى الله عليه وسلم
من الطريق قبل أن يصل اليها وفيها غزوة بنى لحيان بن هذيل بن مدركة بعد بنى
وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ (باسمه العلم) وهو قوله فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ
(ويحقرها) بفتح أوله واسكان ثانيه مخفف وبضم اوله وفتح ثانيه مشدد (مصالح)
لا تنصرف (الفجاء) بضم الفاء وفتح الجيم والمد البغتة ومن حوادث هذه السنة
(الغابة) بالمعجمة والموحدة موضع من عوالى المدينة (فجحش) بضم الجيم ثم حاء
مهملة مكسورة أي خدش (فخذه الايمن) في رواية للبخارى فجحشت ساقه أي كتفه
وفي الصحيحين من طريق الزهري عن أنس فجحش شقه الايمن وللاسماعيلى انفكت
قدمه (فاقام في البيت) للبخاري وغيره وآلى من نسائه شهرا واعتزل في مشربة
بفتح الميم وسكون المعجمة وضم الواو ويجوز فتحها وهي الغرفة المرتفعة
(فصلوا خلفه قعودا) أي بعد ان صلاه وراءه قوم قياما فلما قضى الصلاة قال
انما جعل الامام ليؤتم به فاذا كبر كبروا واذا ركع فاركعوا واذا قال سمع
الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد وفي رواية ولك واذا صلى قائما
فصلوا قياما واذا صلى قاعدا فصلوا قعودا أجمعون أخرجه الشيخان وأبو داود
والنسائى عن أبى هريرة وأخرجه الشيخان عن أنس أيضا وسمى ممن صلى وراءه
قائما أبو بكر وعمر وجابر وأنس (ثم نسخ ذلك في مرض موته) لما خرج وأبو بكر
يصلي بالناس جاء فجلس عن يسار أبي بكر فكان يصلي بالناس (جالسا) وأبو بكر
(والناس) يصلون خلفه (قياما) كما رواه الشيخان وغيرهما عن عائشة هذا هو
الصواب انه صلى الله عليه وسلم كان هو الامام كما هو صريح الحديث الذى سقته
وهو لفظ مسلم عن أبي بكر بن أبى شيبة باسناده عن عائشة وقال أحمد والاوزاعي
بظاهر الحديث الاول ومالك لا يجوز صلاة القادر على القيام خلف القاعد لا
قائما ولا قاعدا وفيها غزاة (دومة الجندل) بضم الدال المهملة وفتحها وفتح
الجيم وسكون النون وفتح الدال المهملة ولام مدينة من الشام مما يلى العراق
وكان دليله اليها رجل من عذرة يقال له مذكور ذكره أبو الشيخ اليعمرى وغيره
(سباع) بكسر المهملة وتخفيف الموحدة وآخره عين مهملة (عرفطة) بضم المهملة
والفاء بينهما راء ساكنة وبعد الفاء طاء مهملة وفيها غزوة (بني لحيان) بكسر
اللام كما مر (هذيل) بضم الهاء وفتح
(1/296)
قريظة بثلاثة أشهر وكانت لطلب الثأر بخبيب
بن عدى وأصحابه وخرج صلى الله عليه وآله وسلم فيها موريا بطريق الشام فلما
بلغ البتراء صفق ذات اليسار فلما بلغ منازلهم وجدهم قد حذروا وتمنعوا في
رؤس الجبال فأخذ راجعا*
[الكلام على مشروعية الاستسقاء وصلاة الكسوف
وشرح ذلك]
السنة السادسة وتواريخها مما ذكر فيها الاستسقاء والكسوف وقد ثبتت
مشروعيتهما وكونهما سنة بالاحاديث الصحيحة الصريحة اما الاستسقاء فثبت في
الصحيحين عن عبد الله بن زيد بن عاصم الانصارى المازنى قال خرج رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم يستسقى واستقبل القبلة وقلب رداءه ثم صلي ركعتين
زاد البخاري جهر فيهما بالقراءة زاد أبو داود باسناد حسن وقلب رداءه
المعجمة (الثأر) بالمثلثة والهمز (موريا) من التورية وهى الستر كانه لخروجه
لغير الجهة التى يريدها ستر ما يريد (البتراء) بفتح الموحدة واسكان الفوقية
والمد موضع بقربه مسجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق تبوك (صفق)
بالتشديد أي رجع (حذروا) بكسر المعجمة (وتمنعوا) بالنون* السنة السادسة
(الاستسقاء) لغة طلب السقيا وشرعا طلب سقيا العباد من الله تعالى عند
حاجتهم اليها يقال سقاه وأسقاه بمعنى ثلاثي ورباعي قال تعالى وَسَقاهُمْ
رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً وقال تعالى لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً وقد
جمعهما لبيد في قوله
سقى قومي بنى مجد وأسقى ... نمير او القبائل من هلال
ويقال سقاه ناوله الشرب وأسقاه جعل له سقيا ويقال سقاه لنفسه وأسقاه لما
شيته وأرضه وقيل سقاه لسقيه وأسقاه دله على الماء (والكسوف) لغة التغير الى
السواد يقال كسف وجهه وكسفت الشمس اسودت وذهب شعاعها (وكونهما سنة) أما
الكسوف فاجماعا وأما الاستسقاء فكذلك ما عدا الصلاة لها فان أبا حنيفة يقول
بعدم سنيتها وخالفه سائر العلماء من السلف والخلف والتابعين فمن بعدهم
(المازني) بالزاي نسبة الى مازن فخذ من الانصار وقد مرانه غير صاحب الاذان
عبد الله بن زيد بن عبد ربه اذ ذاك من بلحارث (خرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم) فيه ندب الخروج الى الصحراء لانه أبلغ في الافتقار والتواضع ولانها
أوسع للناس (فاستسقى) أي طلب السقيا (واستقبل القبلة) فيه ندب ذلك أيضا وقد
مر قال النووى ويلتحق بالدعاء الوضوء والغسل والتيمم والقراءة والاذكار
وسائر الطاعات الا ما خرج بدليل كالخطبة (وقلب رداءه) أى حوله زاد أحمد
وحول الناس معه قال العلماء الحكمة فيه التفاؤل بانقلاب الحال من الضيق
والجدب الي السعة والخصب قال تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ
حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وروى الدارقطني عن جعفر بن محمد
الصادق عن أبيه محمد بن على الباقر نفعنا الله بهم انه صلى الله عليه وسلم
حول رداءه ليتحول القحط وكان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن كما رواه
الشيخان وغيرهما عن أنس «فائدة» قال في التوشيح ذكر الواقدي ان طول ردائه
صلى الله عليه وسلم كان ستة أذرع في ثلاثة أذرع وطول ازاره أربعة أذرع
وشبرين في ذراعين وشبر كان يلبسهما في الجمعة والعيدين انتهى قال شيخنا
الشهاب ابن حجر ولم يثبت في طول عمامته شيء (ثم صلى ركعتين) فيه ان صلاتها
ركعتان وهي كذلك باجماع المثبتين لها
(1/297)
وجعل ما على الايمن على الايسر وما على
الايسر على الايمن وقلبه ظهرا لبطن وفي رواية له أيضا انه كان عليه خميصة
سوداء فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها فلما ثقلت عليه جعلها على عاتقه
قال العلماء اذا أجدبت الارض أمر الامام الناس بالتوبة والخروج من المظالم
وصيام ثلاثة أيام قال بعضهم ينحتم هذا الصيام ويجب واستدل بقوله تعالى
أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ قلت
ولا يبعد أن يقاس عليه جميع ما يأمر به الامام من المصالح ثم يخرج بهم في
اليوم الرابع صياما لانه قد ورد ان دعوة الصائم لا ترد ويخرجون في ثياب
بذلة واستكانة ويصلى بهم ركعتين كالعيد (وفي رواية له) لابي داود وللحاكم
في صحيحه انها (خميصة) بفتح المعجمة وكسر الميم كساء مخطط (فلما ثقلت عليه
قلبها على عاتقه) فهمه بذلك دال على استحبابه وتركه للسبب المذكور (بالتوبة
والخروج من المظالم) دما وعرضا ومالا وبفعل الخير من عتق وصدقة وغيرهما لان
ذلك أرجا للاجابة ويعم بذلك من يريد الحضور وغيره وكذا الامر بالصوم قاله
الفقيه الصالح أحمد بن موسى بن عجيل وقال الفقيه اسماعيل الحضرمى يختص
الامر بالصوم بمن يريد الحضور قال تعالى اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ
كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وقال إِلَّا
قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ الآية
وقال وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا الآية ولا شك في دخول الخروج من
المظالم في التوبة وكليهما في فعل الخيرات وانما أفرادا بالذكر لعظم أمرهما
وكونهما أرجا للاجابة وفي الصحيح عن أبي هريرة قال كيف أنتم اذا لم تجبوا
دينارا ولا درهما قالوا وتري ذلك يا أبا هريرة قال نعم والذى نفسي بيده عن
الصادق المصدق قالوا وبم ذلك ياأبا هريرة قال تنتهك ذمة الله وذمة رسوله
فيمسك الله القطر عن أهل الارض فيمسك الله بأيديهم (وصيام ثلاثة أيام)
متتابعة مع يوم الخروج لانه معين على الرياضة والخشوع (قال بعضهم) كابن عبد
السلام في قواعده والنووى في فتاويه والاسنوي في المهمات (ينحتم) بسكون
النون وكسر الفوقية وبفوقية مكررة مفتوحة مع تشديد الثانية أى يجب حتي يجب
تبييت النية كما قاله الاسنوي وان خالفه الاذرعي في التبييت وادعي ان فيه
نزاعا للمتأخرين (واستدل) القائلون بالوجوب (بقوله تعالى أَطِيعُوا اللَّهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وفي المراد بأولى
الامر خلاف للمفسرين (قلت ولا يبعد ان يقاس عليه جميع ما أمر به الامام من
المصالح) كما قال الاسنوى في شرحه انه القياس وهو ظاهر كلام الفقهاء في باب
الامامة (لانه ورد ان دعوة الصائم لا ترد) أخرجه أحمد والترمذى وحسنه وابن
حبان وصححه وابن ماجه عن أبي هريرة والبيهقى عن أنس (بذلة) بكسر الموحدة
وسكون المعجمة الثياب التى تلبس حال الشغل ومباشرة الخدمة وتصرف الانسان في
بيته (واستكانة) أى خضوع وظاهره ندب ذلك ولو كان يوم عيد وبه صرح الناشري
في الايضاح (كالعيد) للاتباع كما مر فينادي لها الصلاة جامعة ويكبر في
الاولى سبعا بين الافتتاح والتعوذ وفي أوّل الثانية خمسا ويرفع يديه ويقف
بين كل تكبيرة مسبحا حامدا مهللا مكبرا ولا يخطب ان كان منفردا ويقرأ جهرا
في الاولى ق وفي الثانية اقتربت أو سبح والغاشية قياسا لا نصا وما رواه
الدارقطني عن ابن عباس انه صلى الله عليه وسلم قرأ في الاولي
(1/298)
ثم يخطب بهم خطبتين ويجعل مكان التكبير
فيهما الاستغفار فيقول استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب
اليه ويكثر من الاستغفار ويكرره مرارا فمدار الاستسقاء عليه ويقول في
الخطبة الاولى اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا مريعا غدقا مجللا سحا
عاما طبقا دائما اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم انا
نستغرك انك كنت سبح وفي الثانية هل أتاك ضعيف كما قاله في المجموع وقيل
يقرأ في الثانية انا أرسلنا قال الشافعى ان قرأ في الثانية انا أرسلنا كان
حسنا وليس فيه أيضا أفضل من اقتربت بل معناه انه مستحسن لا كراهة فيه ولا
يتعين لها وقت لكن يسن كونها وقت العيد لخبر أبى داود والحاكم وابن حبان عن
عائشة قالت شكى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر فأمر بمنبر
فوضع له في المصلى ووعد الناس يوما يخرجون فيه قالت فخرج حين بدا حاجب
الشمس الحديث (ثم يخطب بهم) لخبر أبي داود هذا ففيه فقعد على المنبر فكبر
وحمد الله ثم قال انكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم
وقد أمركم الله تعالى أن تدعوه ووعدكم ان يستجيب لكم ثم قال الْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ
لا إله إلا هو يفعل ما يريد أللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغنى ونحن
الفقراء انزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت قوة وبلاغا الي حين ثم رفع يديه
حتى بدا بياض ابطيه ثم حول الى الناس ظهره وحول رداءه وهو رافع يديه ثم
أقبل على الناس فنزل وصلى ركعتين فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت
باذن الله تعالى فلم يأت مسجده حتى سالت السيول فلما رأى سرعتهم الي الكن
ضحك حتى بدت نواجذه ثم قال أشهد أن الله على كل شيء قدير وأنه عبده ورسوله
قلت انما جئت بهذا الحديث بتمامه لما اشتمل عليه من الفوائد النفية منها
جواز تقديم الخطبتين واستفتاح الخطب والمواعظ ونحوهما بشىء من القرآن وسرعة
اجابته صلى الله عليه وسلم وانه لا بأس بالضحك تعجبا اذا لم يكن فيه نوع
استهزاء ولم يخف انكسار قلب المضحوك منه (خطبتين) كالعيد ويكفي خطبة لاطلاق
الخطبة في الاحاديث (ويجعل مكان التكبير فيهما) وهو تسع في أوّل الاولى
وسبع في أوّل الثانية (الاستغفار الى آخره) لانه أليق بالحال ويبدل أيضا ما
يتعلق بالفطرة والاضحية بما يتعلق بالاستسقاء (ويكرره) أى الاستغفار حتى
يكون أكثر دعائه (أللهم اسقنا) بوصل الهمزة وقطعها (غيثا) مطرا (مغيثا)
منقذا من الشدة (هنيئا) بالهمز والمد أى طيبا لا تنغيص فيه (مريئا) بوزن
هنيئا أى محمود العاقبة (مريعا) بوزنه أى ذاريع وهو النماء والزيادة وروى
مربعا بضم الميم وبالموحدة مأخوذ من قولهم أربع البعير اذا أكل الربيع وروى
أيضا بالفوقية مأخوذ من قولهم ارتعت الماشية اذا أكلت ما شاءت وأرتع الغيث
اذا أنبت ما ترتع فيه الماشية (غدقا) بفتح المعجمة والمهملة والقاف أي كثير
الخير (مجللا) بضم الميم وفتح الجيم وكسر اللام أى يجلل الارض فيعمها
بالوقوع عليها أو يجلل وجهها أي يستره بالنبات (سحا) بمهملتين الثانية
مشددة أى شديد الوقوع في الارض (طبقا) بفتح المهملة والباء أى يطبق الارض
فيعمها حتى يصير كالطبق لها (دائما) الى انتهاء الحاجة لان دوامه فوق ذلك
عذاب (القانطين)
(1/299)
غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا اللهم ان
بالخلق من اللأواء والضنك ما لا يشكون الا اليك اللهم أنبت لنا الزرع وأدر
لنا الضرع واسقنا من بركات السماء وأنبت لنا من بركات الارض روى جميع ذلك
الشافعى عن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم ويستحب للعامة أن
يلحوا على صلاحهم وأئمتهم أن يسئلوا الله لهم في المكتوبات والجمع وجميع
الاحوال لما ورد في الصحيحين عن أنس ان سليكا الغطفانى دخل يوم الجمعة
ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم يخطب فقال يا رسول الله هلكت
المواشي وانقطعت السبل فادع الله أن يغيثنا فرفع رسول الله صلى الله عليه
وسلم يديه وقال اللهم اسقنا اللهم اسقنا اللهم الآيسين (مدرارا) أي كثير
الدر أي القطر (اللاواء) بتشديد اللام واسكان الهمزة وفتح الواو هي الشدة
وكذا الجهد (والضنك) بفتح المعجمة وسكون النون الضيق (بركات السماء) المطر
النافع قال الازهرى وهو في الآية السحاب (بركات الارض) ما يخرج منها (روى
جميع ذلك الشافعي) تعليقا (عن) سالم بن عبد الله (بن عمر) عن أبيه (عن
النبى صلى الله عليه وسلم) ووراء ذلك أدعية كثيرة مستوفاة في كتب الاذكار
(يلحوا) بضم أوله وبالحاء المهملة أى يطلبوا مع مبالغة في الطلب (لما ورد
في الصحيحين) عن أنس وأخرجه عنه مالك وأبو داود والنسائي أيضا (ان سليكا)
بضم المهملة مصغر هو ابن عمرو أو ابن هدبة قولان ولم يقع تسميته الا في
صحيح مسلم وابن حبان في حديث الامر بالتحتية وتوهم منه المصنف وغيره انه هو
المستسقى وليس كذلك اذ المستسقى لم يسم كما قاله الحافظ ابن حجر وغيره قال
ابن حجر وقد قيل هو كعب بن مرة وقيل العباس بن عبد المطلب وقيل أبو سفيان
بن حرب قال وكل ذلك غلط ممن قاله لمغايرة كل من الاحاديث الثلاثة للقصة
التي ذكرها أنس قال ثم وجدت في دلائل البيهقى في رواية مرسلة ما يدل على
انه خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزارى أخو عيينة بن حصن فهذا هو
المعتمد انتهى (دخل يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب)
زاد البخاري في رواية فقعد وجاه المنبر (هلكت المواشي) في رواية في الصحيح
هلكت الاموال وفي أخرى هلك المال وضاع العيال (وانقطعت) وللاصيلى في
البخارى وتقطعت (السبل) الطرق وذلك لضعف الابل عن السفر لقلة القوت أو
لانها لا تجد في الطريق ما يقيمها (أن يغيثنا) كذا لابي ذر في البخاري
ولغيره يغيثنا فيكون مرفوعا على الخبر والمبتدأ مقدر أى فهو يغيثنا وفي
أوله الضم من أغاث والفتح من غاث بمعنى قال ابن القطاع غاث الله عباده
سقاهم المطر وأغاثهم أجاب دعاءهم وقال عياض عن بعضهم هو بالضم بمعنى
المعونة (فرفع يديه) وكان ذلك بظهر الكفين كما في مسلم وأبي داود فاشار
بظهر كفه الى السماء ففيه ندب ذلك اذا كان الدعاء لرفع بلاء فان كان لسؤال
شىء وتحصيله جعل بطونهما الى السماء وما في الصحيحين وغيرهما عن أنس كان لا
يرفع يديه في شىء من دعائه الا في الاستسقاء حتى يري بياض ابطيه نفى لرفع
خاص وهو الرفع بظهر الكفين أو نفي للرفع البليغ بحيث يرى بياض ابطيه أو نفي
لرؤيته ذلك وقد رآه غيره فيقدم المثبتون قال النووي وقد ثبت رفع
(1/300)
اسقنبا قال أنس فلا والله ما نرى في السماء
من سحاب ولا قزعة ولا شيأ ولا بيننا وبين سلع من بيت ولا دار قال فطلعت من
ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت قال والله ما
رأينا الشمس سبتا ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله
صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فاستقبله قائما فقال يا رسول الله هلكت
الاموال وانقطعت السبل فادع الله أن يمسكها قال فرفع رسول الله صلى الله
عليه وسلم يديه ثم قال اللهم حوالينا ولا علينا يديه صلى الله عليه وسلم في
الدعاء في مواطن غير الاستسقاء وهي أكثر من ان تحصر انتهى قال في التوشيح
قد ثبت رفع اليدين في الدعاء في مائة حديث أفردتها بجزء (فلا والله) كذا
لابى ذر وفي صحيح البخاري وغيره بالواو (سحاب) أى مجتمع (ولا قزعة) بفتح
القاف والزاي وهي القطعة من السحاب قال أبو عبيد وأكثر ما يكون ذلك في
الخريف (ولا شيئا) من علامات المطر من ريح وغيره وانتصب عطفا على موضع
الجار والمجرور (سلع) بفتح المهملة وسكون اللام جبل بالمدينة قال النووي
مراده بهذا الاخبار عن معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظيم كرامته
على ربه سبحانه وتعالى بانزال المطر سبعة أيام متوالية متصلا بسؤاله من غير
تقدم سحاب ولا قزع ولا سبب آخر لا ظاهر ولا باطن وهذا معنى قوله ولا بيننا
وبين سلع من بيت ولا دار أي نحن مشاهدون له فلم يكن هناك سبب للمطر أصلا
(من ورائه) أى سلع (مثل الترس) بضم الفوقية وآخره مهملة أى مستديرة (ثم
أمطرت) قال النووى هذا دليل للمذهب المختار أنه يقال مطرت وأمطرت لغتان في
المطر خلافا لمن قال لا يقال أمطرت الا في العذاب (سبتا) بلفظ اليوم قال
النووى أى قطعة من الزمان وقال في التوشيح كناية عن الاسبوع من باب تسمية
الشىء باسم بعضه كما يقال جمعة قال صاحب النهاية ان ذلك كان اصطلاح اليهود
لان السبت أعظم الايام عندهم وتبعهم الصحابة في هذا الاطلاق لمجاورتهم لهم
وللحموي والمستملي في تصحيح البخارى سبتا بكسر المهملة ثم فوقية مشددة
لانها كانت ستة أيام ويوما ملففا من الجمعتين فلم يعد وفي رواية للبخارى
سبعا وللفاسى سبتنا بالاضافة كما يقال جمعتنا (ثم دخل رجل) هو الذي جاء في
الجمعة الاولي كما اقتضته احدى روايات البخارى لكن في أخرى فقام ذلك الرجل
أو غيره وفي رواية شريك بن أبى نمر فسألت أنسا هو الرجل الاول قال لا أدرى
(هلكت الاموال وانقطعت السبل) أى لتعطل الرعى وعدم سلوك الطريق من كثرة
الماء (يمسكها) بالرفع والجزم وللكشميهني في صحيح البخارى أن يمسكها
والضمير للامطار أو السحاب أو السماء (اللهم حوالينا) في بعض نسخ مسلم
حولينا قال النووي وهما صحيحان وفيه ندب الدعاء بالرفع عند الحاجة (ولا
علينا) قال في التوشيح قال الطيبي في ادخال الواو هنا معنى لطيف وذلك لانه
لو أسقطها لكان مستسقيا للآكام وما معها فقط ودخول الواو يقتضى ان طلب
المطر على المذكورات ليس مقصودا لعينه ولكن ليكون وقاية لاذى المطر فليست
الواو مخلصة للعطف ولكنها للتعليل وهو كقولهم تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها
فان الجوع ليس مقصودا
(1/301)
اللهم على الآكام والجبال والظراب والأودية
ومنابت الشجر فانقطعت وخرجنا نمشي في الشمس هذا لفظ البخاري وفي رواية له
حتى سال وادى قناة شهرا قال فلم يجىء أحد من ناحية الا حدث بالجود وفي أخرى
لم ينزل من منبره حتى رأيت المطر يتحادر عن لحيته صلى الله عليه وآله وسلم
وفي أخرى عن ابن عمر وربما ذكرت قول الشاعر وأنا أنظر الى وجه النبي صلى
الله عليه وآله وسلم يستسقى فما ينزل حتى يجيش كل ميزاب
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للارامل
وروي انه صلى الله عليه وآله وسلم قال لو أدرك أبو طالب هذا اليوم لسره
فقال له بعض أصحابه كانك يا رسول الله أردت قوله
* وأبيض يستسقى الغمام بوجهه*
قال أجل* ويستحب للامام أن ينصب الصلحاء من أقرباء رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم ومن غيرهم عند الاستسقاء كما اشتهر في صحيح البخاري وغيره ان عمر
كان يستسقى بالعباس فيقول اللهم انا كنا نتوسل اليك بنبينا محمد صلى الله
عليه وآله وسلم فتسقينا وانا نتوسل اليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون ومما روي
من دعاء العباس حينئذ اللهم انه لم ينزل بلاء من السماء الا بذنب لعينه
ولكن لكونه مانعا من الرضاع باجرة اذ كانوا يكرهون ذلك انتهي (الآكام) بكسر
الهمزة مع القصر وبفتحها مع المد ومثلها الآطام والآجام وهي جمع أكمة
بفتحات التراب المجتمع أو الجبل الصغير أو ما ارتفع من الارض أقوال ويقال
في جمع الاكمة أكم بفتح الهمزة والكاف وبضمهما وبضم الهمزة وسكون الكاف قال
ابن سيدة زاد ابن جنى وأكوم بوزن أفلس (والظراب) بكسر المعجمة وآخره موحدة
جمع ظرب بكسر الراء وهى الرابية الصغيرة قاله الجوهرى واقتصر عليه النووي
وقيل هو الجبل المنبسط ليس بالعالي (والاودية) ولمسلم وبطون الاودية جمع
واد قال في التوشيح ولم يسمع افعلة جمع فاعل سواه (فاقلعت لي آخره) فيه
معجزة له صلى الله عليه وسلم باجابة دعائه متصلا كما كان في الاستسقاء (وفي
رواية له) ولمسلم أيضا (وادى قناة) بفتح القاف اسم لواد من أودية المدينة
فهو على حد مسجد الجامع وربيع الاول وفي رواية للبخارى وسال الوادي قناة
على البدل وفي أخري له وسال الوادى وادي قناة (الجود) بفتح الجيم واسكان
الواو وهو المطر الكثير (قول الشاعر) هو أبو طالب (يجيش) بالجيم والمعجمة
أي ينصب (وأبيض) بالفتح مجرور برب مقدرة أو منصوب عطفا على سيدا في قوله في
البيت قبله
وما ترك قوم لا أبا لك سيدا ... يحوط الذمار غير ذرب مواكل
(يستسقي الغمام بوجهه الي آخره) الى آخر البيت تقدم شرحه (وروي أنه صلى
الله عليه وسلم قال الي آخره) لم أقف على مخرجه وهو مذكور بهذه الصيغة في
كتب السير (أجل) بتخفيف اللام أى نعم ويرادفها جير (ينصب) بكسر الصاد (ومن
غيرهم) كما استشفع معاوية بيزيد بن الاسود فقال اللهم انا نستسقى
(1/302)
ولم يكشف الا بتوبة وقد توجه بي القوم اليك
لمكانى من نبيك صلى الله عليه وآله وسلم وهذه أيدينا اليك بالذنوب مملوءة
ونواصينا بالتوبة وأنت الراعي فلا تهمل الضالة ولا تدع الكسير بدار مضيعة
فقد ضرع الصغير ورق الكبير وارتفعت الشكوى وأنت تعلم السر وأخفى اللهم
فاغثهم بغياثك قبل أن يقنطوا فيهلكوا فانه لا ييأس من روحك الا القوم
الكافرون فما أتم كلامه حتى أزجت السماء مثل الجبال وفي ذلك يقول حسان بن
ثابت
سأل الخليفة إذ تتابع جدبه ... سقيا الغمام بغرة العباس
عم النبي وصنو والده الذي ... ورث الثناء بذاك دون الناس
أحيا المليك به البلاد فأصبحت ... مخضرة الاجناب بعد الياس
وجاء في الاستسقاء بالصلحاء أخبار كثيرة ويستحب تكرير الاستسقاء ما لم
يسقوا ولا يستبطؤا الاجابة ففي الصحيحين يستجاب لاحدكم ما لم يعجل فيقول
دعوت فلم يستجب بخيرنا وأفضلنا اللهم انا نستسقي بيزيد بن الاسود يا يزيد
ارفع يديك الي الله تعالى فرفع يديه ورفع الناس أيديهم فثارت سحابة من
المغرب كانها ترس وهب لها ريح فسقوا حتي كاد الناس ألا يبلغوا منازلهم
(مضيعة) باسكان الضاد وفتح التحتية وبكسر الضاد واسكان التحتية أى موضع
ضياع (ضرع) بفتح المعجمة وكسر الراء وضمها آخره مهملة أي ضعف ومنه مالى أرى
أجسام بنى أخي ضارعة (ازجت) بالزاى والجيم أى انشأت (الجبال) بالجيم
والموحدة أي قطعا عظيمة من السحاب (الخليفة) عمر (تتابع) بالموحدة ويجوز
ابدالها مثناة تحتية كما مر (سقيا) مصدر سقي يسقي (بغرة العباس) أى بالعباس
والغرة صلة (المليك) بفتح الميم وكسر اللام يعنى الله عز وجل (الاجناب) جمع
جنب أي مخضرة النواحي (الياس) بالتحتية أى القنوط أي بعد مقاربتهم الياس
ويجوز بالموحدة والبأس والبؤس والباساء الشدة (فائدة) قال اليافعي في
الارشاد روي الشيخ تاج الدين بن عطاء الله الشاذلى عن شيخه أبي العباس
المرسى عن شيخه أبى الحسن الشاذلى قدس الله أرواحهم انه قال لاصحابه من
كانت له حاجة الي الله فليتوسل اليه بالامام أبى حامد الغزالى انتهى ويستحب
أيضا لكل أحد ان يتشفع بما فعله من خير لان ذلك لائق بالشدائد في حديث
الثلاثة الذين أووا الى الغار وهو في الصحيحين وغيرهما ولا نظر الى نظر بعض
المتأخرين فيه ولا الى قول الطبرى ان ذلك من رؤية العمل اذ محل الرؤية
القلب لا اللسان فليتأمل واذا تهيؤا للاستسقاء فسقوا قبله خرجوا وصلوا شكرا
لله عز وجل وخطب بهم أيضا (ويستحب) اذا لم يسقوا (تكرير الاستسقاء) ولا
يتوقفون للصوم وقيل يتوقفون وهما نصان للشافعى ففى حديث ضعيف ان الله يحب
الملحين في الدعاء أخرجه الحاكم والطبراني والبيهقي من حديث عائشة وفي
(الصحيحين) وسنن أبي داود والترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة (يستجاب
لاحدكم ما لم يعجل) بفتح أوله واسكان ثانيه وقوله (فيقول دعوت) الى آخره
تفسير للعجلة قالوا وعدم الاستجابة اما بكون الوقت الذي قدر الله فيه حصول
المسؤل لم يأت بعد أو لان العجلة تدل على عدم التفويض الكلي
(1/303)
لي قال بعضهم يستحب الالحاح والتكرار فان
لم تصلح نياتهم فعسى يسقون لتحريهم سنة نبيهم واحيائهم لها ويستحب أن
يحسروا أثوابهم لما روى مسلم عن أنس قال أصابنا مطر ونحن مع رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم فحسر صلى الله عليه وآله وسلم ثوبه حتى أصابه المطر
فقلت يا رسول الله لم صنعت هذا فقال انه حديث عهد بربه ويستحب أن يغتسل
ويتوضأ فى السيل لأنه صلى الله عليه وسلم كان اذا سال الوادي قال اخرجوا
بنا الى هذا الذى جعله الله طهورا فيتطهر منه ويحمد الله عليه قال البيهقي
رواه الشافعى باسناد منقطع ويستحب الدعاء عند نزول المطر والتسبيح عند
الرعد والبرق وترك الاشارة الى البرق والودق فعدم الاجابة لاختلال شرط من
شروطها (والتكرار) بفتح التاء مصدر وبكسرها اسم كما مر (لتحريهم) بفتح
الفوقية والمهملة وكسر الراء المشددة أى قصدهم (فحسر) أى كشف (حديث عهد
بربه) أي بتكوينه وبتنزيله وروي الحاكم عن أنس أيضا قال كان اذا أمطرت
السماء حسر ثوبه عن ظهره حتى يصيبه المطر وسئل ابن عباس عن فعل ذلك فقال
للسائل أو ما قرأت وأنزلنا من السماء ماء مباركا فأحب ان ينالني من بركته
ولا فرق بين المطر أوّل السنة وغيره ولكنه في أوّل مطر السنة آكد (ان يغتسل
ويتوضأ) قال في المهمات وهل هما عباداتان فتشترط فيهما النية أولا فيه نظر
والمتجه الثاني الا ان صادف وقت وضوء أو غسل لان الحكمة فيه هى الحكمة في
كشف البدن ليناله أوّل مطر السنة وبركته (البيهقي) بفتح الموحدة واسكان
المثناة وفتح الهاء ثم قاف هو أبو بكر أحمد بن الحسين ولد سنة أربع وثمانين
وثلثمائة ومات بنيسابور في جمادى الاولي سنة ثمان وخمسين وأربعمائة ونقل
الى بيهق فدفن بها (رواه الشافعي) في الام والبيهقي في السنن عن يزيد بن
الهاد (باسناد منقطع) أي مرسل لان يزيد بن الهاد تابعي (ويستحب الدعاء عند
نزول المطر) وشكر الله تعالى بعده روي الشافعى خبر الطلبوا استجابة الدعاء
عند التقاء الجيوش واقامة الصلاة ونزول الغيث وروي البيهقى خبر تفتح السماء
ويستجاب الدعاء في أربعة مواطن عند التقاء الصفوف وعند نزول الغيث وعند
اقامة الصلاة وعند رؤية الكعبة (والتسبيح عند البرق والرعد) روي مالك في
الموطأ عن عبد الله بن الزبير انه كان اذا سمع الرعد ترك الحديث وقال سبحان
الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته وعن ابن عباس قال كنا مع ابن عمر
في سفر فأصابنا رعد وبرق وبرد فقال كعب من قال حين يسمع الرعد سبحان من
يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ثلاثا عوفي من ذلك فقلنا فعوفينا وقيس
بالرعد البرق والمناسب ان يقول عنده سبحان من يريكم البرق خوفا وطمعا فايده
نقل الشافعى في الام عن الثقة عن مجاهد ان الرعد ملك والبرق أجنحته يسوق
بها السحاب قال الاسنوي فيكون المسموع صوته أو صوت سوقه على اختلاف فيه
وأطلق الرعد عليه مجازا (وترك الاشارة بيده الى البرق والودق) لما روي
الشافعي عن عروة بن الزبير انه قال اذا رأي أحدكم البرق أو الودق فلا يشر
اليه والودق باسكان المهملة المطر وزاد الماوردي الرعد فقال وكان السلف
الصالح يكرهون الاشارة الي
(1/304)
وان لا يتبع بصره الكوكب اذا انقض لأحاديث
وآثار وردت في ذلك والله أعلم* وأما الكسوف فروينا في صحيحى البخارى ومسلم
عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان
الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد من الخلق ولا لحياته
فاذا رأيتم ذلك فادعوا الله تعالى وكبروا وتصدقوا* وأما صفة صلاتها فهى
ركعتان في كل ركعة قيامان وركوعان وسجودان الرعد والبرق ويقولون عند ذلك لا
إله الا الله وحده لا شريك له سبوح قدوس فنختار الاقتداء بهم في ذلك (وان
لا يتبع بصره الكوكب اذا انقض) روى النهى عن ذلك ابن السني وانقض بالقاف
والمعجمة سقط (لاحاديث) لا ينصرف (وآثار وردت في ذلك) سبق ذكرها ويكره سب
الريح كما روى النهى عنه ابو داود والله أعلم (وأما الكسوف) يقال كسفت
الشمس والقمر بفتح الكاف وكسفا بضمها وانكسفا وخسفا وخسفا وانخسفا بمعنى
وقيل بالكاف للشمس وبالخاء للقمر (في) موطأ مالك و (صحيحى البخاري ومسلم)
وسنن أبي داود والترمذي والنسائي (ان الشمس والقمر الى آخره) أخرجه البخارى
والنسائى من حديث أبي بكرة وأخرجه الشيخان والنسائي من حديث ابن مسعود وابن
عمرو وأخرجه الشيخان من حديث المغيرة وأخرجه البخارى من حديث ابن عباس وأبي
موسي وأخرجه مسلم من حديث جابر وأخرجه النسائي من حديث عمر والنعمان بن
بشير وقبيصة وأبي هريرة وأخرجه الطبراني من حديث عقبة بن عامر وبلال قال في
التوشيح قال ابن حجر فهذه طرق تفيد القطع عند من اطلع عليها من أهل الحديث
بأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله فيجب تكذيب من زعم ان الكسوف علامة على
موت أحد أو حياته وسبب الحديث ما جاء في بعض طرقه أن ابن النبى صلى الله
عليه وسلم مات فكسفت الشمس فقالوا كسفت لموت ابراهيم فقال صلى الله عليه
وسلم ذلك ردا عليهم ولابن النجار من طريق انس أن الشمس والقمر اذا رأي
أحدهما من عظمة الله شيئا حاد عن مجراه فانكسف وكان هذا الكلام في خطبته
بعد الصلاة قال العلماء كان بعض الجاهلية يعظمون الشمس والقمر فبين صلى
الله عليه وسلم انهما مخلوقان لله لا صنع لهما وكان بعض الضلال من المنجمين
وغيرهم يقول لا يكسفان الا لموت عظيم فتبين ان هذا باطل لئلا يغتر بقولهم
سيما وقد وافق موت ابراهيم (فائدة) كان موت ابراهيم عاشر ربيع الاول كما
ذكره الزبير بن بكار في انسابه ورواه البيهقي عن الواقدى فبطل قول علماء
الهيئة ان الشمس لا تنكسف إلا في الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين
واشتهر انها كسفت يوم قتل الحسين وكان يوم عاشوراء (وأقلها ركعتان) لخبر
قبيصة انه صلى الله عليه وسلم صلاها بالمدينة ركعتين وخبر النعمان انه صلى
الله عليه وسلم جعل يصلي ركعتين ركعتين ويسأل عنها حتي انجلت رواهما أبو
داود باسنادين صحيحين (في كل ركعة قيامان وركوعان وسجودان) أى بأن يزيد
قياما على القيام المفروض وركوعا على الركوع المفروض وأما السجود فلا يزاد
بحال للاتباع كما رواه الشيخان وغيرهما عن عائشة وجابر وابن عباس وابن عمر
وهو أصح ما في الباب قاله ابن عبد البر وما في مسلم في رواية عن عائشة وعن
ابن عباس وعن جابر ركعتين في كل
(1/305)
والاكمل أن يقرأ في القيام الاول بعد
الفاتحة البقرة وفي الثانى دون ذلك والثالث دونهما والرابع دونهن ويطيل
التسبيح في كل ركوع دون القيام الذى قبله ويطول السجدة الاولى كنحو الركوع
الاول والثانية كالثانى ويجهر في كسوف القمر لا الشمس ويخطب خطبتين
كالجمعة* ركعة ثلاث ركوعات وفي رواية ابن عباس وعلى ركعتين في كل ركعة أربع
ركوعات قال الحفاظ الروايات أصح رواتها احفظ واضبط وفي رواية لابى داود من
حديث أبى ابن كعب ركعتين في كل ركعة خمس ركوعات قال جماعة من أصحابنا
الفقهاء المحدثين هذا الاختلاف في الروايات بحسب اختلاف الكسوف انتهي وهو
يشير الى تعدد الكسوف ويخالفه ما قاله البيهقي في المعرفة الاحاديث كلها
ترجع الى صلاته صلى الله عليه وسلم في كسوف الشمس يوم مات ابراهيم يعني فلم
تتعدد الواقعة وقد نقل التعدد عن جماعة من أئمة الحديث منهم ابن المنذر
وقالوا بصحة الروايات كلها وان الجميع جائز (والاكمل) فيه نصان للشافعي
الاول ما نص عليه في الام والمختصر وفي موضع من البويطي وعليه الاكثرون (ان
يقرأ في القيام الاول بعد الفاتحة البقرة وفي الثاني دون ذلك) أي كمائتي
آية منها (والثالث دونهما) أي كمائة وخمسين (والرابع دونهن) أي كمائة
والمراد من آياتها الوسط والثاني ما نص عليه في موضع من البويطي ان يقرأ في
القيام الاول بعد الفاتحة كالبقرة وآل عمران والنساء والمائدة قال في
الروضة وليسا على الاختلاف المحقق بل الأمر فيه على التقريب (ويطيل التسبيح
الي آخره) للاتباع رواه الشيخان وغيرهما ويكون تسبيحه في الركوعات
والسجودات الاول قدر مائة آية من البقرة وفي الثاني قدر ثمانين وفي الثالث
قدر سبعين وفي الرابع قدر خمسين تقريبا وظاهر كلامهم كما قال الاذرعى
استحباب هذه الاطالة وان لم يرض المأمومون قال وقد يفرق بينها وبين
المكتوبة بالندرة أو بأن الخروج منها وتركها الى خيرة المقتدى بخلاف
المكتوبة وفيه نظر ويجوز أن يقال لا يطيل بغير رضاء المحصورين لعموم الخبر
اذا صلى أحدكم بالناس فليخفف وتحمل اطالته صلى الله عليه وسلم على انه علم
رضى أصحابه وان ذلك مغتفر لبيان تعظيم الا كمل بالفضل ويظهر انهم لو صرحوا
له بعدم الرضي بالاطالة لا يطيل وقد يتوقف فيه انتهى (ويجهر في) صلاة (كسوف
القمر) لانها ليلية (لا) صلاة كسوف (الشمس) لانها نهارية وما رواه الشيخان
عن عائشة انه صلى الله عليه وسلم جهر في صلاة الخسوف في قراءته والترمذي عن
سمرة قال صلى بنا النبى صلى الله عليه وسلم في كسوف لا نسمع له صوتا وقال
حسن صحيح يجمع بينهما كما في المجموع بان الاسرار في كسوف الشمس والجهر في
خسوف القمر ويثبته رواية الطبرانى باسناد جيد عن ابن عباس صليت الى جنب
النبي صلى الله عليه وسلم يوم كسفت الشمس فلم أسمع له قراءة وقد أخذ بظاهر
حديث عائشة جماعة منهم أبو يوسف ومحمد وأحمد واسحاق فقالوا يجهر في كسوف
الشمس أيضا قال في الديباج قلت وهو المختار عندى كالعيد والاستسقاء انتهي
وقال ابن جرير الجهر والاسرار سواء (ويخطب) للاتباع (خطبتين) قياسا على
العيد فلا تكفي خطبة خلافا لما فهمه ابن الرفعة من كلام حكاه البندنيجي عن
نص البويطي من إجزاء خطبة واحدة (كالجمعة) في الاركان وهي خمسة الحمد لله
والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم والوصية بتقوى الله وهذه
الثلاثة أركان في الخطبتين ولا يجب
(1/306)
واعلم أن الظاهر في مذهب الشافعى انه لا
يطول السجود ولا يصح ذلك فقد ثبت في الاحاديث الضحيحة الصريحة في الصحيحين
وغيرهما اطالته ونص الشافعي رحمه الله في البويطي ما لفظه يسجد سجدتين
تامتين طويلتين يقيم في كل سجود نحو ما أقام في الركوع هذه عبارته فحينئذ
لا يصح نسبة عدم التطويل الى الشافعى مع انه قد تقدم في ذلك وأنصف كل
الانصاف حيث قال مذهبي الحديث وإذا صح الحديث فاتركوا قولي وقد كان له في
الحديث اليد الطولي والسابقة الأولى وثبت في صحيح مسلم تطويل الاعتدال أيضا
فينبغى العمل به فان الزيادة من الثقة مقبولة والله أعلم قال أصحابنا ولو
صلاها بالفاتحة وحدها أو ركعتين من غير تكرر جاز والله أعلم*
[الكلام على مشروعية حكم يمين الظهار وسببه]
ومن حوادث هذه السنة نزول حكم الظهار وسببه على ما ذكر المفسرون وغيرهم ان
ترتيبها كما رجحه النووى وقراءة آية مفهمة باحداهما والدعاء للمؤمنين في
الثانية باخروى ولا يجب فيها القيام وكذا الطهارة والستر كما نقله
البندنيجي عن النص وان كرهت وجزم في المجموع بندب الجلوس بينهما وندب
الوضوء لخطبتى غير الجمعة فعلم عدم اشتراط الشروط قال القاضي زكريا لكن لا
يخفي انه يعتبر في اداء السنة الاسماع والسماع وكون الخطبة عربية (انه لا
يطول السجود) ورجحه الرافعى وجماعة (فقد ثبت في الاحاديث الصريحة في
الصحيحين وغيرهما) عن أبي موسي وعائشة وأسماء (اطالته) ولفظ حديث أبى موسي
في الصحيحين فصلي بأطول قيام وركوع وسجود ما رأيته قط يفعله في صلاة ولفظ
حديث عائشة عند البخارى في الركعة الاولى يسجد سجودا طويلا وفي الثانية ثم
سجد وهو دون السجود الاول وعند مسلم ما ركعت ركوعا قط ولا سجدت سجودا قط
كان أطول منه وفي حديث البخاري عنها أيضا ثم سجد سجودا طويلا وفي حديث عنده
أيضا عن اسماء في كل من الركعتين ثم سجد فأطال السجود (ونص الشافعي رحمه
الله في) موضعين من (البويطى الى آخره) وقول صاحب المهذب ان الشافعي لم
يذكره يعنى تطويل السجود ولا نقل عنه ممنوع أو من حفظ حجة على من لم يحفظ
(ولا يضح نسبة عدم التطويل الي الشافعي) بل ينسب اليه التطويل كما قاله
الخطابي (اذا صح الحديث فاتركوا قولي) في رواية عنه اذا صح الحديث فاضربوا
بمذهبي عرض الحائط (وثبت في صحيح مسلم) وغيره (تطويل الاعتدال الي آخره)
وصح أيضا تطويل الجلوس بين السجدتين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص
رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة والحاكم قال في الروضة ولصحته ينبغي ان يكون
هو المذهب واختاره في الاذكار (قال أصحابنا) كما نقله عن مقتضى كلامهم في
المجموع (لو صلاها بالفاتحة وحدها) جاز لمفهوم خبر لا صلاة لمن لا يقرأ بها
(أو) صلاها (ركعتين) كسنة الظهر أى (من غير تكرر جاز) وكان تاركا للافضل
لظاهر حديث قبيصة انه صلى الله عليه وسلم صلاها بالمدينة ركعتين (خاتمة)
ذكر ابن حبان في تاريخه ان خسوف القمر وقع في السنة الخامسة وانه صلى الله
عليه وسلم صلى عند ذلك ركعتين والله أعلم* ومن حوادث هذه السنة (الظهار)
(1/307)
خولة بنت مالك بن ثعلبة كانت تحت أوس بن
الصامت فأرادها للجماع فأبت منه فقال انت عليّ كظهر أمي وكان الظهار
والايلاء من طلاق الجاهلية فأتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعائشة
تغسل رأسه فقالت يا رسول الله ان زوجي أوس بن الصامت تزوجني وأنا شابة ذات
مال وجمال وأهل حتى اذا أكل مالى وأفني شبابى وتفرق أهلي وكبرت سني ظاهر
مني وقد ندم فهل من شيء يجمعنى واياه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم ما أراك الا قد حرمت عليه فجعلت تشكو وتردد ذلك فاذا ذكر لها رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم التحريم هتفت وقالت أشكو الى الله فاقتي وشدة
حالي وان لي صبية صغارا ان ضممتهم اليه ضاعوا وان ضممتهم اليّ جاعوا وجعلت
ترفع رأسها الى السماء وتقول اللهم أشكو اليك فانزل الله على رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم وعائشة لم ترفع الغسل بعد فقالت لها عائشة اقصري اما
ترين وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم اذا نزل عليه الوحي أخذه مثل السبات فلما قضى الوحي قال لها رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم ادعى زوجك فدعته فتلا عليه رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم القرآن قالت عائشة تبارك الذى وسع مأخذه لفظ الظهر اذ
أصل صورته أنت علىّ كظهر أمي (خولة) بفتح المعجمة وسكون الواو (أوس) بفتح
الهمزة وسكون الواو وآخره مهملة (صامت) بالمهملة أوله والفوقية آخره هو ابن
قيس بن أصرم الخزرجى أخو عبادة بن الصامت شهد بدرا ومات بعدها ويرد هذا ما
سيأتى ان المظاهر سلمة أو سلمان بن صخر البياضي الا ان يجمع بوقوع ذلك لكل
منهما ولا يخفى بعده قال البغوى وكانت امرأته أى أوس حسنة الجسم وكان به
لمم أى بعض جنون (أنت على ظهر كامي) زاد البغوى ثم ندم على ما قال (وكان
الظهار والايلاء من طلاق الجاهلية) مطلقا واختلف هل عمل بهما في أوّل
الاسلام والاصح لا وقيل كانا طلاقين في الجاهلية من وجه دون وجه كان أحدهم
اذا كره المرأة وأراد ان لا ينكحها غيره آلى منها أو ظاهر فبقيت محبوسة لا
ذات زوج ولا خلية (فهل من شيء يجمعنى واياه) زاد البغوي تنعشنى به (ما
أراك) بفتح الهمزة من الرؤية وبضمها من الظن (الا قد حرمت عليه) زاد البغوى
لم أومر في شانك بشىء زاد (فجعلت تشكو وتردد) وتقول والله يا رسول الله ما
ذكر طلاقا وهو ابن عمي وأحب الناس الىّ (وكبرت) بكسر الموحدة (أشكو الى
الله فاقتى) أى حاجتى ووحدتي وقد طالت له صحبتي ونفضت له بطني (ان ضممتهم
اليه ضاعوا) أى من عدم الحضانة والتربية لان الرجل لا يتولاها كالنساء
(وجعلت ترفع رأسها الى السماء) يؤخذ منه ان لا بأس بذلك في الدعاء (أللهم
اني أشكو اليك) زاد البغوي أللهم ما نزل على لسان نبيك وكان هذا أوّل ظهار
نزل في الاسلام (اقصرى) بهمزة قطع وكسر المهملة أي اتركى (السبات) بضم
المهملة وتخفيف الموحدة وآخره فوقية وهو النوم الثقيل (قالت عائشة تبارك)
لابي داود والنسائي الحمد لله (الذي وسع)
(1/308)
سمعه الاصوات كلها انى ليخفى على بعض
كلامها هذا معنى ما ذكر البغوى في تفسيره ورواه أبو داود على غير هذا الوجه
متضمنا لذكر الكفارة ففيه ان النبى صلى الله عليه وسلم قال يعتق رقبة قالت
لا يجد قال فيصوم شهرين متتابعين قالت يا رسول الله انه شيخ كبير ما به من
صيام قال فليطعم ستين مسكينا قالت ما عنده من شيء يتصدق به قال فاني سأعينه
بعرق من تمر قالت يا رسول الله وانا سأعينه بعرق آخر قال احسنت اذهبي
فاطعمى بها عنه ستين مسكينا وارجعي الى ابن عمك والعجب لم يروياه في
الصحيحين وقد نطق به القرآن المبين وانما رويا حديث المحترق المجامع في
نهار رمضان وقصته شبيهة بهذه من حيث اتحاد الكفارة فيهما وتصدق النبى صلى
الله عليه بكسر المهملة في الماضى وفتحها في المضارع (سمعه) فاعل (الاصوات
كلها) مفعول مؤكد (ورواه أبو داود) وابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم من
حديث خولة بنت مالك بن ثعلبة (انه شيخ كبير ما به من صيام) للبغوي والذي
بعثك بالحق لو كلفته ثلاثة أيام ما استطاع (فاني ساعينه بعرق) بفتح المهملة
والراء وللبغوي قال مريه فليذهب الى فلان بن فلان فقد أخبرني ان عنده سطر
تمر صدقة فليأخذه صدقة عليه ثم ليتصدق به على ستين مسكينا وسيأتى تسمية هذا
الرجل في التنبيه الآتي (والعجب لم يروياه في الصحيحين الى آخره) قلت لا
عجب في ذلك لانهما انما تركاه لانه ليس على شرطهما وان كان مذكورا في
القرآن فكم أشياء مذكورة في القرآن روي أسبابها أصحاب السنن وغيرهم وليست
في الصحيحين (المحترق) سمى بذلك لانه جاء وهو يقول احترقت احترقت وهو سلمة
بن صخر كما أخرجه ابن أبي شيبة وابن الجارود وبه جزم عبد الغنى أو سلمان بن
صخر البياضي كما أخرجه ابن عبد البر في التمهيد من طريق سعيد بن بشير عن
قتادة عن سعيد بن المسيب (تنبيه) قال ابن عبد البراظن تسميته سلمة أو سلمان
بن صخر في حديث المحترق وهما وانما هو المظاهر في رمضان انتهى قلت وحديثه
مروى في سنن الترمذي بسند حسن أخرجه من طريق يحيي بن أبي كثير حدثنا أبو
سلمة بن عبد الرحمن ومحمد بن عبد الرحمن بن يونان ان سلمة بن صخر البياضي
جعل امرأته عليه كظهر أمه حتى يمضى رمضان فلما مضى نصف رمضان وقع عليها
ليلا فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال له رسول الله صلى
الله عليه وسلم اعتق رقبة فقال لا أجد قال فصم شهرين متتابعين قال لا
أستطيع قال اطعم ستين مسكينا قال لا أجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم
لفروة بن عمرو اعطه ذلك العرق وهو مكتل يأخذ خمسة عشر صاعا فأطعم به ستين
مسكينا قال الترمذى ويقال سلمان بن صخر وأخرجه أيضا بسند حسن صحيح من طريق
عكرمة عن ابن عباس وفيه وما حملك على ذلك يرحمك الله قال رأيت خلخالها في
ضوء القمر انتهي قال الحافظ ابن حجر والسبب في ظنهم يعني من سماه سلمة أو
سلمان انه المحترق ان ظهاره من امرأته كان في رمضان وجامع ليلا كما هو صريح
في حديثه وأما المحترق ففى رواية أبي هريرة أي في صحيح البخاري انه اعرابي
وانه جامع نهارا فتغايرا نعم اشتركا في قدر الكفارة وفي الاتيان بالتمر وفي
الاعطاء وفي قول كل واحد منهما أعلى أفقر منا والله أعلم (وقصته شبيهة
بهذه) قصته انه جاء الي
(1/309)
وسلم عليهما* واعلم ان الظهار محرم في
الجملة لقوله تعالى الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ الى
قوله مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وقد كان طلاقا في الجاهلية فنقل
حكمه وبقي محله واما أحكامه في الاسلام فان من ظاهر من زوجته بان قال أنت
على كظهر أمي أو شبه عضوا من أعضائها بعضو من أعضاء أمه أو محارمه الذي لم
يطرأ تحريمهن ولم يتبعه بالطلاق من فوره صار عائدا ولزمته الكفارة ولا يحل
له وطؤها حتى يكفر هذا مقتضى مذهب الشافعي وفيه خلاف لغيره وتفريعات ليس
هذا موضع بسطها والله أعلم
[الكلام على صلح الحديبية وصد قريش لرسول الله
ومن معه عن مكة]
واتفق في هذه السنة من الحوادث العظيمة الشان الفتح المبين بصلح الحديبية
وبيعة الرضوان وذلك ما أخبرنا به شيخنا الامام المسند ذو التصانيف العديدة
المفيدة أبو الفتح النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هلكت قال ما
أهلكك قال وقعت على أهلى وأنا صائم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل
تجد رقبة تعتقها قال لا قال فهل تستطيع ان تصوم شهرين متتابعين قال لا قال
فهل تجد اطعام ستين مسكينا قال لا قال فاجلس قال فبينما نحن على ذلك اذ أتي
صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر قال أين السائل قال أنا قال خذ هذا فتصدق
به قال على أفقر مني فو الله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا فضحك رسول
الله صلى الله عليه وسلم ثم قال اطعمه أهلك والعرق الزنبيل أخرجه مالك
والشيخان وأبو داود والترمذي وأبو عوانة وزاد في مجيئه وهو ينتف شعره ويدق
صدره والدارقطني وزاد وهو يدعو ويله ويحثو على رأسه التراب وفيه جواز هذا
الفعل لمن وقعت منه معصية ويفرق بين مصيبة الدنيا والدين لما يشعر به الحال
من شدة الندم وصحة الاقلاع ورواه أحمد وزاد وفي العرق خمسة عشر صاعا كلهم
عن أبي هريرة (الذين يظاهرون) قرأ عاصم يظاهرون بضم التحتية وتخفيف المعجمة
بعدها الف وكسر الهاء وابن عامر وحمزة والكسائي بفتح الياء والهاء وتشديد
الظاء والف والباقون كذلك بغير الف (منكرا) ينكره الشرع (وزورا) كذبا (أو
شبه عضوا من اعضائها) كيدها وشعرها ومثله الجزء الشائع كنصفها وربعها (لم
يطر أنحريمهن) خرج بذلك نحو صهرة الرجل وربيبته ومرضعته لحلهن له قبل ذلك
بخلاف مرضعة نحو أبيه (ولم يتبعه بالطلاق) ولا وقع عقبه ما يقطع النكاح
(صار عائدا) هذا تفسير الشافعي رحمه الله تعالى العود في الآية وذلك ان
تشبيهها يقتضى أن لا يمسكها زوجة فاذا أمسكها زوجة فقد عاد فيما قال وفسره
مالك وأحمد بالعزم على الوطء وأبو حنيفة بالوطء وهما قولان في القديم
ولزمته الكفارة بالعود وان لم يرد الوطء وليست الكفارة عليه كحرمة خلافا
لابى حنيفة حيث يقول بعدم وجوبها بل ان أراد الاستباحة كفر (ولا يحل له
وطؤها) ولا الاستمتاع بها بما بين السرة والركبة كالحائض هذا ما قال في
المحرر انه الاولى ورجح في المنهاج جواز ما عدا الجماع وهو المحكي عن
الأكثرين وظاهر كلام المصنف (العظيمة الشأن) باضافة غير المحضة (الفتح)
بالرفع فاعل اتفق (الحديبية) بحاء مضمومة فمهملة مفتوحة فتحتية ساكنة
فموحدة مكسورة فتحتية ثانية مخففة وقيل مشددة اسم لبئر في طريق جدة سميت
بشجرة حدباء هناك قال الفاسي يقال انها المعروفة الآن ببئر شميس وقيل هي
على ثمانية عشر ميلا من مكة وقيل احد عشر (وببيعة الرضوان) سميت بذلك لقوله
تعالى
(1/310)
المدنى اجازة ومناولة من يده سنة خمس
وثلاثين وثمانمائة بروايته لذلك عن جمال الدين ابراهيم بن محمد اللخمي
وبرهان الدين ابراهيم بن محمد بن صديق الدمشقى قال انا المسند المعمر أحمد
بن أبي طالب الحجار انا أبو عبد الله الزبيدى انا ابو الوقت عبد الاول
الصوفي السجزي انا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودى انا أبو محمد عبد
الله بن أحمد الحموي قال انا أبو عبد الله الفربري قال انا أبو عبد الله
محمد بن اسماعيل البخارى قال حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق
حدثنا معمر أخبرني الزهري قال حدثنا عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة
ومروان بن الحكم يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه قالا خرج رسول الله صلى
الله عليه وسلم زمن الحديبية حتى اذا كانوا ببعض الطريق قال النبي صلى الله
عليه وسلم ان خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين
فو الله ما شعر بهم خالد حتى اذا هم بقترة الجيش فانطلق يركض نذيرا لقريش
وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى اذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها
بركت به راحلته فقال الناس حل حل فالحت فقالوا خلأت القصوى لَقَدْ رَضِيَ
اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ الآية (أبو عبد الله محمد
بن اسماعيل البخاري) ورواه أبو داود أيضا (معمر) أبو عروة معمر بن أبي بكر
راشد النجدانى الازدى قال ابن الانصارى شهد جنازة الحسن البصري مات باليمن
سنة أربع أو ثلاث أو اثنين وخمسين عن ثمان وخمسين سنة وقيل مات سنة خمسين
ومائة وقيل فقد هو وسلم بن أبي الذيال فلم ير لهما أثر (خرج رسول الله صلى
الله عليه وسلم) كان خروجه يوم الاثنين مستهل ذي القعدة زاد البغوي وساق
معه سبعين بدنة والناس سبعمائة رجل وكانت كل بدنة عن سبعة نفر وبعث عينا له
من خزاعة بخبر عن قريش وهذا العين اسمه بسر بضم الموحدة وسكون المهملة ابن
سفيان ذكره ابن عبد البر وغيره وكان دليله اليها عمرو بن عبد تميم الاسلمى
ذكره العسكري وابن شاهين (حتى اذا كانوا ببعض الطريق) هو محل يسمى غدير
الاشطاط بمهملتين جمع شط وهو الشام وشط الوادى أيضا جانبه قال السهيلي
وبعضهم يقول فيه الاشظاظ بالظاء المعجمة وهو ماء بقرب عسفان وفيه لقيه عتبة
الخزاعى واخبره بجمع قريش له فاستشار الناس فقال أبو بكر يا رسول الله انما
جئت عامدا هذا البيت لا تريد قتال أحد ولا حربا فتوجه له فمن صدنا عنه
قاتلناه قال امضوا على اسم الله (بالغميم) بفتح المعجمة موضع بقرب الجحفة
(طليعة) بفتح المهملة وكسر اللام هي مقدم الجيش (فخذوا) بضم الخاء أمر
وفتحها خبر حذفت منه الالف (بقترة) بفتح القاف والفوقية والراء الغبار
الاسود (بالثنية) هي الطريق المرتفع في الجبل وهي ثنية المرار طريق بالجبل
مشرف على الحديبية (حل حل) بفتح المهملة وسكون اللام كلمة تقال للناقة اذا
بركت لتسير وهي من أسماء الاصوات (فألحت) بفتح الهمزة واللام والحاء
المهملة المشددة أي اصرت (خلأت) بفتح المعجمة واللام اي اعيت حتى مدت
خلاءها بالمعجمة والمد وهو للابل كالجران للخيل (القصوى) بفتح
(1/311)
فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما خلأت
القصوى وما ذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل ثم قال والذي نفسى بيده لا
يسألونى خطة يعظمون فيها حرمات الله الا أعطيتهم اياها ثم زجرها فوثبت قال
فعدل عنهم حتي نزل باقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتربضه الناس تربضا
فلم يلبثه الناس حتى نزحوه وشكى الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
العطش فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم ان يجعلوه فيه فو الله ما زال يجيش
لهم بالري حتى صدروا عنه فبينماهم كذلك اذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في
نفر من قومه من خزاعة وكانوا عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
من أهل تهامة فقال اني تركت كعب بن لؤى وعامر بن لؤى نزلوا أعداد مياه
الحديبية معهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت فقال القاف وصاد
مهملة تمد وتقصر اسم ناقته صلى الله عليه وسلم لان طرف اذنها كان مقطوعا
والقصو قطع طرف الاذن وقيل لانها كانت لا تسبق كان عندها اقصى الجري (بخلق)
أي عادة (حبسها حابس الفيل) زاد ابن اسحاق عن مكة اى حبسها الله عن دخولها
كما حبس الفيل عن دخولها وهو فيل ابرهة الذي قصد به البيت ليخربه فحبسه
الله عنه (خطة) بضم المعجمة أي خصلة (يعظمون فيها حرمات الله) أي من ترك
القتال في الحرم (الا اعطيتهم اياها) أي اجبتهم اليها (فوثبت) اي قامت
بسرعة (ثمد) بفتح المثلثة والميم الحفرة فيها الماء القليل لا مادة له
وبذلك سميت ثمود (ويتبرضه الناس) بالموحدة وتشديد الراء وضاد معجمة اي
يأخذونه قليلا قليلا وقيل التبرض جمع الماء بالكفين (يلبثه الناس) بضم اوله
وسكون اللام من الالباث وبفتح اللام من التلبيث أي لم يتركوه يلبث أي يقيم
(نزحوه) بالنون فالمعجمة فالمهملة والنزح أخذ الماء شيئا بعد شيء الى ان لا
يبقى منه شىء (وشكى) بضم اوله وللبغوي وشكي الناس (فانتزع) أى اخرج
(كنانته) بكسر الكاف ونونين اي جعبته (ثم أمرهم أن يجعلوه فيه) وكان الذى
نزل في البئر فجعله فيه ناجية بن اعثم اخرجه ابن سعد في الطبقات من طريق
ابي مروان قال حدثني أربعة عشر رجلا من الصحابة بذلك وقيل هو ناجية بن جندب
وقيل البراء ابن عازب وقيل عباد بن خالد حكى ذلك الواقدي ووقع في الاستيعاب
خالد بن عبادة (يجيش) بفتح اوله وكسر الجيم آخره معجمة أي يفور (بالري)
بكسر الراء وفتحها (صدروا عنه) أي رجعوا بعد ورودهم (بديل) بموحدة ومهملة
مصغر (ورقاء) بالقاف والمد ابن عمرو بن ربيعة الخزاعي اسلم بمر الظهران يوم
الفتح وقيل قبله وشهد هو وابنه عبد الله حنينا والطائف وتبوك وكان من كبار
مسلمة الفتح ومات في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من قومه قال
في التوشيح سمي منهم عمرو بن سالم وخراش بن أمية وخارجة بن كريز (عيبة)
بفتح المهملة وسكون التحتية وفتح الموحدة هو موضع سرك وامانتك كعيبة الثياب
التي يوضع فيها المتاع (من أهل تهامة) قال في التوشيح لبيان الجنس لان
خزاعة كانوا من جملة أهل تهامة وتهامة بكسر المثناة مكة وما حولها أصله من
التهم وهو شدة الحرور كود الريح (كعب بن لؤي وعامر بن) لؤى انما اقتصر على
ذكرهما لان جميع قريش الذين كانوا بمكة ترجع انسابهم اليهما (أعداد) بفتح
الهمزة جمع عد بكسر المهملة وتشديد الدال وهو الماء الذي لا انقطاع له
(العوذ) بضم المهملة واسكان الواو ثم معجمة جمع عائذ وهي ذات اللبن من
النوق (المطافيل) بفتح الميم والطاء المهملة المخففة أي الامهات التي معها
اطفالها معناه انهم خرجوا
(1/312)
صلى الله عليه وآله وسلم إنا لم نجيء لقتال
أجد ولكنا جئنا معتمرين وان قريشا قد نهكتهم الحرب واضرب بهم فان شاؤا
ماددنهم مدة ويخلوا ما بيني وبين الناس فان اظهر فان شاؤا أن يدخلوا فيما
دخل فيه الناس فعلوا والا فقد جموا وان هم أبوا فو الذي نفسي بيده
لاقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتى ولينفذن الله أمره قال بديل
فسابلغهم ما تقول فانطلق حتى أتى قريشا قال انا قد جئناكم من عند هذا الرجل
وسمعناه يقول قولا فان شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا فقال سفهاؤهم لا حاجة لنا
أن تخبرنا عنه بشىء وقال ذوو الرأي منهم هات ما سمعته يقول قال سمعته يقول
كذا وكذا فحدثهم بما قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم فقام عروة بن مسعود
الثقفي فقال أى قوم ألستم بالوالد قالوا بلى قال أولست بالولد قالوا بلى
قال فهل أنتم تتهموننى قالوا لا قال ألستم تعلمون اني استنفرت أهل عكاظ
فلما بلحوا على جئتكم باهلي وولدى ومن أطاعني قالوا بلي فقال فان هذا قد
عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ودعوني آتيه قالوا إئته فأتاه فجعل يكلم النبي
صلى الله عليه وآله وسلم معهم بذوات الالبان من الابل ليتزودوا بالبانها
ولا يرجعوا حتى يمنعوه من دخول مكة قال في التوشيح وكني بذلك عن النساء
معهن الاطفال أي خرجوا معهم بنسائهم وأولادهم لارادة طول المقام (نهكتهم)
بفتح النون وكسر الهاء وفتحها اضعفتهم وأثرت فيهم (ماددتهم) أي جعلت بيني
وبينهم مدة نترك فيها القتال (فان اظهر فان شاؤا) هذا شرط بعد الشرط
وتقديره فان ظهر غيرهم على كفاهم المؤنة وان اظهر انا على غيرهم فان شاؤا
اطاعونى والا فلا تنقضي مدة الصلح الا وقد (جموا) بفتح الجيم وتشديد الميم
المضمومة أي استراحوا وقووا (على أمري هذا) يريد الاسلام (حتى) اقتل و
(تنفرد سالفتي) بمهملة وكسر اللام بعدها فاء أي صفحة عنقي وكني بذلك عن
القتل لان القتيل تنفرد مقدمة عنقه (ولينفذن) بضم أوله وفتح النون وكسر
الفاء المشددة وسكون النون مع التخفيف أي ليمضين الله أمره في نصر دينه
(فقال سفاؤهم) أى ذوو العقول السخيفة منهم قال في التوشيح سمى منهم الحكم
بن أبي العاص وعكرمة بن أبي جهل (هات) بكسر التاء كما مر (عروة بن مسعود)
الثقفي هو الذي قتله قومه حين اسلم فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم خبره
فقال ان مثله في قومه كمثل صاحب يس وسيذكر المصنف ذلك فيما بعد (الستم
بالوالد والست بالولد) هذا هو الصواب لان أم عروة سبيعة بنت عبد شمس منهم
ووقع لابي ذر في صحيح البخارى الستم بالولد والست بالوالد وهو خطأ
(استنفرت) أى دعوت لنصركم (عكاظ) فيه الصرف وتركه كما مر (بلحوا) بالموحدة
وتشديد اللام المفتوحتين ثم حاء مهملة مضمومة أى امتنعوا علي وتباعدوا بي
والتبلح التمنع من الاجابة (عرض عليكم) للكشميهنى في صحيح البخارى لكم
(خطة) بضم المعجمة أى خصلة كما مر (رشد) أى خير وصلاح وانصاف (آتيه) باثبات
الياء على الرفع وحذفها
(1/313)
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوا
من قوله لبديل فقال عروة عند ذلك أي محمد أرأيت ان استأصلت قومك هل سمعت
أحدا من العرب اجتاح أهله قبلك وان تكن الأخرى فانى والله لأرى وجوها وانى
لأرى أشوابا من الناس خليقا ان يفرا ويدعوك فقال له أبو بكر الصديق امصص
بظر اللات أنحن نفر عنه وندعه فقال من ذا قالوا أبو بكر فقال أما والذي
نفسي بيده لولا يد كانت لك عندى لم أجزك بها لاجبتك قال وجعل يكلم النبى
صلى الله عليه وآله وسلم فكلما كلمه أخذ بلحيته والمغيرة بن شعبة قائم على
رأس النبى صلى الله عليه وآله وسلم ومعه السيف وعليه المغفر فكلما أهوى
عروة بيده الى لحية النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضرب يده بنعل السيف وقال
أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عيله وآله وسلم فرفع رأسه فقال من هذا
قالوا المغيرة بن شعبة قال أي غدر الست أسعى في غدرتك وكان المغيرة صحب
قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم فقال على الجزم جوابا
للامر (نحوا) أى قريبا (أستأصلت قومك) أى قطعتهم من أصلهم أراد ان قتلتهم
من أصلهم هل لك اسوة في ذلك بأحد قبلك (اجتاح) بجيم وآخره مهملة أهلك
(أهله) بالكلية (وان تكن الاخرى) أى وان تكن الغلبة لهم عليه والجزاء محذوف
أي فلا آمنهم أن يفعلوا بك فعلا لم يفعله قبلهم أحد من قتل ومثلة ونحوهما
وذلك لاني لا أرى لك منعة انما أرى (اشوابا) بتقديم المعجمة هم الاخلاط من
أنواع شتى وللكشميهني في صحيح البخاري أوباشا وهم الاخلاط من السفلة
والرعاع فهم أخص من الاشواب (خليقا) بفتح المعجمة وكسر اللام وبالقاف أي
حقيقا ويراد فهما حري وجدير وقمن (ويدعوك) أى يتركوك (فقال أبو بكر الصديق)
غضبا وحمية للمسلمين حيث نسبهم الى الفرار (أمصص) بهمزة وصل ومهملتين
الاولى مفتوحة وخطأ ابن التين الفاسي في ضمها (بظر) بفتح الموحدة وسكون
المعجمة القطعة التي تبقى بعد الختان في فرج المرأة وقيل ما تقطعه الخافضة
(اللات) اسم صنم كانوا يعبدونه وكان هذا شتما قبيحا عند العرب يدور على
ألسنتهم (انحن نفر عنه وندعه) استفهام انكار وتعظيم لذلك (يد) أى نعمة (لم
اجزك) لم اكافك بها (لاجبتك) أي ولكن سأجعل صبرى على ما اسمعتني من القبيح
مكافأة ليدك (والمغيرة) بضم الميم وحكي كسرها (ابن شعبة) بن أبي عامر بن
مسعود الثقفي أبو عبد الله اسلم عام الخندق وشهد الحديبية ومات بالكوفة وهو
أميرها سنة خمسين وهو ابن اخي عروة بن مسعود (بنعل السيف) بالنون المهملة
وهو ما يكون أسفل القراب من فضة وغيرها (أي غدر) بوزن عمر معدول عن غادر
وهو بناء للمبالغة في الوصف بالغدر (الست اسعى في غدرتك) أي في دفع شرها
ولابن اسحاق وهل غسلت سوءتك الا بالامس (وكان المغيرة صحب قوما في
الجاهلية) الى آخره كان ذلك ان المغيرة توجه مع نفر من بني مالك من ثقيف
ايضا الى المقوقس فاعطاهم ولم يعط المغيرة فلما رجعوا جلسوا في موضع فشربوا
وسكروا وامتنع المغيرة من الشرب معهم فقام المغيرة بعد ان ناموا
(1/314)
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أما الاسلام
فأقبل وأما المال فلست منه في شيء ثم ان عروة جعل يرمق أصحاب النبي صلى
الله عليه وآله وسلم بعينيه قال فو الله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه
وسلم نخامة الا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده واذا أمرهم
ابتدروا أمره واذا توضأ كادوا يقنتلون على وضوئه واذا تكلم خفضوا أصواتهم
عنده ما يحدون النظر اليه تعظيما له فرجع عروة الى أصحابه فقال أي قوم
والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي والله ما رأيت
ملكا قط يعظمه اصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا والله ان تنخم نخامة الا
وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده واذا أمرهم ابتدروا امره واذا
توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه واذا تكلم خفضوا اصواتهم عنده وما يحدون
النظر اليه تعظيما له وانه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها فقال رجل من بني
كنانة دعونى آتيه فقالوا أئته فلما أشرف على النبى صلى الله عليه وآله وسلم
وأصحابه قال رسول الله صلى فقتلهم كلهم وأخذ ما معهم وكانوا ثلاثة عشر رجلا
فتحمل عروة ثلاث عشرة دية ذكر ذلك الواقدي وروى عبد الرزاق عن معمر قال
سمعت انه لم ينج منهم الا الشريد بن سويد فلذلك سمى الشريد وكان قبل ذلك
اسمه مالك (أما الاسلام فاقبل) مضارع أى أقبله (فلست منه في شيء) أى لا
أتعرض له لكونه أخذ غدرا (يرمق) بضم الميم يلحظ (نخامة) هي البصقة من أقصى
الحلق (الا وقعت في كف رجل منهم) أى لمبادرتهم الى تلقفها فيه التبرك ببصاق
أهل الفضل ومسارعة الى الخيرات (أمره) أي الشيء الذي أمرهم بفعله أولا
(كادوا) قربوا (على وضوئه) بفتح الواو الماء الذي يتوضأ به يعنى لمسابقتهم
الى احضاره أو لمزاحمتهم على فضل وضوئه للتبرك به (يحدون) بضم أوله وكسر
المهملة أي ما يدعون النظر اليه ولا يملؤن أعينهم منه هيبة واجلالا (ان
رأيت) أي ما رأيت (رجل من بني كنانة) لم يسم وما في فتح البارى عن الزبير
بن بكار وتبعه في التوشيح انه الحليس بمهملتين مصغر ابن وهم فالحليس انما
أرسل بعد الرجل الذي من بني كنانة كما في تفسير البغوي وغيره وفيه ان
الحليس كان سيد الاحابيش يومئذ وانه لما جاء قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم هذا من قوم يتألهون وقال في الرجل من بني كنانة هذا من قوم يعظمون
البدن وفيه ان الحليس رجع الى قريش ولم يصل الى رسول الله صلى الله عليه
وسلم اعظاما لما رأى فقال يا معشر قريش انى قد رأيت مالا يحل صده الهدى في
قلائده قد أكل أوباره من طول الحبس عن محله فقالوا له اجلس انما أنت رجل
اعرابي لا علم لك فغضب الحليس عند ذلك فقال يا معشر قريش ما على هذا
حالفناكم ولا على هذا عاقدناكم ان تصدوا عن البيت الحرام من جاء معظما له
والذي نفس الحليس بيده لتخلن بين محمد وأصحابه وبين ما جاء له أولا نفرن
بالاحابيش نفرة رجل واحد فقالوا له كف عنا
(1/315)
الله عليه وسلم هذا فلان وهو من قوم يعظمون
البدن فابعثوها له فبعثوها له واستقبله الناس يلبون فلما رأى ذلك قال سبحان
الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت فلما رجع الى أصحابه قال رأيت
البدن قد قلدت وأشعرت فما أرى أن يصدوا عن البيت فقام رجل منهم يقال له
مكرز بن حفص فقال دعونى آتيه فقالوا ائته فلما أشرف عليهم قال النبى صلى
الله عليه وآله وسلم هذا مكرز وهو رجل فاجر فجعل يكلم النبي صلى الله عليه
وآله وسلم فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو قال معمر فأخبرنى أيوب عن
عكرمة انه لما جاء سهيل قال النبي صلى الله عليه وسلم قد سهل الله لكم من
أمركم قال معمر قال الزهري في حديثه وجاء سهيل بن عمرو فقال هات اكتب بيننا
وبينكم كتابا فدعا النبى صلى الله عليه وسلم الكاتب قال النبي صلى الله
عليه وسلم أكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل أما الرحمن فو الله ما
أدري ما هو ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب فقال المسلمون والله ما
تكتبها الا بسم الله الرحمن الرحيم قال النبي صلى الله عليه وسلم أكتب
باسمك اللهم هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سهيل
والله لو كنا نعلم انك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب
محمد بن عبد الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم والله اني لرسول الله وان
كذبتمونى أكتب محمد بن عبد الله قال الزهري يا حليس حتى نأخذ لانفسنا ما
نرضي به (فابعثوها) أى انثروها دفعة واحدة (مكرز) بكسر الميم مع كسر الراء
وفتحها وسكون الكاف آخره زاى (فاجر) هو المائل عن الحق المكذب به وكل
انتصاب في شر فجور (سهيل) بضم السين (ابن عمرو) بن عبد شمس بن عبدود
العامري أخو السكران بن عمرو زوج سودة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم
كما مر أسلم سهيل يوم الفتح واستشهد يوم اليرموك وقتل يوم الظفر وقيل مات
في طاعون عمواس (قد سهل عليكم من أمركم) فيه التفاؤل بالاسم الحسن (الكاتب)
هو كما في صحيح مسلم وتفسير البغوى وغيره فدعا رسول الله صلى الله عليه
وسلم على بن أبي طالب (اكتب باسمك اللهم) هى كلمة كانت تقولها قريش وذكر
المسعودى ان أوّل من قالها أمية بن أبي الصلت تعلما من رجل من الجن في خبر
طويل (قاضي) فاعل من قضيت الشيء اذا فصلت الحكم فيه (ما صددناك عن البيت
ولا قاتلناك) ولابن اسحاق من طريق البراء ما منعناك شيئا (اكتب محمد بن عبد
الله) ولابن اسحاق ثم قال لعلي امح رسول الله قال لا أمحوك أبدا قال فأرنى
اياه فمحاه النبى صلى الله عليه وسلم بيده وكذا رواه مسلم من طريق البراء
كما ذكره المصنف فيما بعد وفي رواية لابن اسحاق أيضا فأخذ رسول الله صلى
الله عليه وسلم وليس يحسن يكتب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله
ولمسلم كتب ابن عبد الله قال في الديباج قيل معناه أمر
(1/316)
وذلك لقوله لا يسألونى خطة يعظمون فيها
حرمات الله الا أعطيتهم إياها فقال له النبى صلى الله عليه وسلم على أن
تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به فقال سهيل والله لا تتحدث العرب انا أخذنا
ضغطة ولكن ذلك من العام القابل فقال سهيل وعلى أنه لا يأتيك رجل منا وان
كان على دينك الا رددته الينا فقال المسلمون سبحان الله كيف يرد الى
المشركين وقد جاء مسلما فبينماهم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو
يرسف في قيوده قد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين فقال
سهيل هذا يا محمد أوّل ما أقاضيك عليه ان ترده الىّ فقال النبى صلى الله
عليه وسلم انا لم نقض الكتاب بعد قال فو الله اذا لا أصالحك على شيء أبدا
قال النبي صلى الله عليه وسلم فأجزه لي قال ما أنا بمجيز ذلك لك قال بلى
فافعل قال ما أنا بفاعل قال مكرز بلى قد أجزناه لك قال ابو جندل أي معشر
المسلمين أرد الى المشركين وقد أتيت مسلما الا ترون ما قد لقيت وقد كان عذب
عذابا شديدا في بالكتابة وقيل هو على ظاهره قلت لا ينافيه قوله صلى الله
عليه وسلم انا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الحديث اذ لا يبعد ان تجرى يد
القدرة يده الكريمة بما شاء الله من غير قصد الى الكتابة ويكون ذلك معجزة
اذ هو خرق عادة في حقه وقد قال تعالى وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وما ينبغى
له ومع ذلك كان ربما جري على لسانه اللفظ متزنا نحو (أنا النبي لا كذب* أنا
ابن عبد المطلب) فائدة قال الجوزي في بعض مصنفاته كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم لا يكتب ولو أراد لقدر ولكن أخذ القلم وأراد ان يكتب باسم الله
فوقع ظل يده على اسم الله تبارك وتعالى فقال لا أكتب حتى لا يقع ظل يدي على
اسم الله فقال الله تعالى يا محمد لاحترامك اسمى رفعت ظلك عن الارض حتى غلب
نورك نور الشمس مكافأة لما فعلت (على أن تخلوا بيننا وبين البيت) وذكر بعده
ان اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيهن الناس ويكف بعضهم عن
بعض كما في كتب السير (يتحدث) بالفوقية والتحتية (ضغطة) بضم الضاد وسكون
الغين المعجمة ثم طاء مهملة أي قهرا (سبحان الله) تعجبا من فعله صلى الله
عليه وسلم وفي رواية ابن اسحاق أتكتب هذا قال نعم انه من ذهب منا اليهم
فابعده الله ومن جاء منهم الينا سيجعل الله له فرجا ومخرجا (أبو جندل) اسمه
العاص وقيل عبد الله وجندل بالجيم والنون بوزن جعفر (يرسف) بفتح أوله وضم
السين المهملة وفاء أي يمشى مشيا بطيئا بسبب القيد (بعد) بالضم (اذا لا
أصالحك) بالفتح (فاجزه) بالجيم والزاي أمر من الاجازة أي اجعله لى جائزا
وروي بالراء بدل الزاى أى اجعله في جوارى وحمايتى (بلي فافعل) كذا
للكشميهني في البخاري ولغيره بل (أرد إلى المشركين الى آخره) زاد ابن اسحاق
وغيره فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا جندل احتسب فان الله
تعالى جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا انا قد عقدنا بيننا وبين
القوم عقدا وصلحا وانا لا نغدر فوثب عمر يمشى الى جنب أبي جندل ويقول اصبر
فانما هم المشركون ودم أحدهم دم كلب ويدني
(1/317)
الله فقال عمر بن الخطاب فأتيت نبي الله
صلى الله عليه وسلم فقلت ألست نبى الله حقا قال بلى قال ألسنا على الحق
وعدونا على الباطل قال بلى قلت فلم نعطي الدنية في ديننا اذا قال انى رسول
الله ولست اعصيه وهو ناصري قلت اوليس كنت تحدثنا انا سنأتي البيت ونطوف به
قال بلى أفأخبرتك انا نأتيه العام قلت لا قال فانك آتيه ومطوف به قال فأتيت
ابا بكر فقلت يا ابا بكر اليس هذا نبى الله حقا قال بلى قلت ألسنا على الحق
وعدونا على الباطل قال بلى قلت فلم نعطي الدنية في ديننا اذا قال يا ايها
الرجل انه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك
بغرزه فو الله انه على الحق قلت أليس كان يحدثنا انا سنأتى البيت فنطوف به
قال بلى قال فأخبرك انك تأتيه العام قلت لا قال فانك آتيه ومطوف به قال
الزهري قال عمر فعملت لذلك أعمالا كثيرة فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا قال قائم
السيف منه أراده ان يأخذه ويضرب به أباه فضن الرجل بأبيه (الست نبي الله
حقا) زاد البغوي قال عمر ما شككت منذ أسلمت الا يومئذ (الدنية) بفتح
المهملة وكسر النون وتشديد التحتية أى القضية الدنية التى لا يرضى بها (أو
ليس) بفتح الواو (بغرزه) بفتح المعجمة وسكون الراء بعدها زاي وهو للابل
بمنزلة الركاب للفرس والمراد التمسك بامره وترك مخالفته كالمتمسك بركاب
الفارس لا يفارقه (فائدة) في مواطأة جواب سيدنا أبي بكر رضى الله عنه جواب
سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سر عظيم هو أن مقام الصديقين أقرب
المقامات الى النبوة فما يفضيه الله الى الانبياء من بحر الاسرار يستاثر
الصديقون بالعزيز منه قال العلماء هذا من أوضح الادلة على ان أهل الالهام
يخطؤن ويصيبون فلا بد من عرض ما وقع في قلوبهم على الكتاب والسنة كما يخطيء
أهل الاجتهاد ويصيبون هذا سيدنا أمير المؤمنين عمر أخطأ في أماكن كهذا
الموطن وفي وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وهو المشهود له بقوله صلى الله
عليه وسلم ما لقيك الشيطان سالكا فجا الا سلك فجا غير فجك وبقوله لقد كان
فيمن قبلكم من الامم محدثون أى ملهمون فان يك في أمتى فانه عمر رواهما
الشيخان وفي رواية لقد كان فيمن قبلكم رجال يتكلمون من غير أن يكونوا
أنبياء فان يك في أمتي أحد فعمر ولهذا يوافق الوحى كثيرا قال عمر فعجبت من
مطابقة كلام أبي بكر لكلام النبي صلى الله عليه وسلم فأشار إلى أن مقام
الهام الصديقة فوق مقام أهل الالهام (فعملت لذلك أعمالا) أى صالحة من صدقة
وصوم وصلاة وعتق ليكفر عنى جراءتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما
صرح في رواية ابن اسحاق والواقدى لقد أعتقت بسبب ذلك رقابا وصمت دهرا (فلما
فرغ من قضية الكتاب) أشهد عليه رجال من المسلمين ورجال من المشركين كما في
سيرة ابن اسحاق منهم أبو بكر وعمر وعلى وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي
(1/318)
فو الله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث
مرات فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقى من الناس فقالت
له ام سلمة يا نبي الله اتحب ذلك اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم حتى تنحر بدنك
وتدعو حالقك فيحلقك فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك نحر بدنه ودعا
بحالقه فحلقه فلما رأوا ذلك قاموا ونحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد
بعضهم يقتل بعضا غما ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل الله عز وجل يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ
فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ الآية حتى بلغ بعصم
الكوافر فطلق عمر امرأتين كانتا في الشرك فتزوج احداهما معاوية ابن أبى
سفيان والاخرى صفوان بن أمية ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى
المدينة وقاص ومحمود بن مسلمة وعبد الله بن سهل ومكرز بن حفص وهو مشرك (فو
الله ما قام منهم رجل) واحد سبب ذلك انهم رجوا ان يحدث الله لرسوله صلى
الله عليه وسلم في ذلك أمر اخلاف ما اشار به فيتم له النسك فلما رأوا انه
نحر وحلق علموا ان لا غاية وراء ذلك تنتظر فبادروا الي الاتباع (فذكر لها
ما لقي من الناس) فيه مشاورة النساء وقبول قولهن اذا أصبن (فقالت أم سلمة
يا نبي الله الى آخره) قال الزركشي قال الامام في النهاية ما أشارت امرأة
بصواب الا أم سلمة في هذه القصة (ودعا حالقه فحلقه) هو خراش بالمعجمة أوله
وآخره بن أمية بن ربيعة الكليبي بضم الكاف قال ابن عبد البر منسوب الى كليب
بن حبيبة وفي صحيح البخاري وغيره حلق النبي صلى الله عليه وسلم وطائفة من
أصحابه وقصر بعضهم وفي طبقات ابن سعد من حديث أبي سعيد ان الصحابة حلقوا
الا ابا قتادة وعثمان رضي الله عنهم (يقتل بعضا غما) اي ازدحاما (ثم جاء)
في أثناء المدة (نسوة) سمي منهم اميمة بنت بشر وأم الحكم بنت أبي سفيان
وسروع بنت عقبة وعبدة بنت عبد العزى وأم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وسبيعة
بالتصغير بنت الحارث الاسلمية وكان مجيئها عقب الفراغ من الكتاب قال البغوي
فاقبل زوجها مسافر من بني مخزوم وقال مقاتل هو صيفى بن الراهب في طلبها
وكان كافرا فقال يا محمد ارجع على امرأتى فانك قد شرطت أن ترد علينا من
أتاك منا وهذه طينة الكتاب لم تجف بعد (فأنزل الله عز وجل يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ) من دار الكفر
الى دار الاسلام (فامتحنوهن) أي استحلفوهن ما خرجن لبغض زوج ولا عشقا لرجل
من المسلمين ولا رغبة عن أرض الى أرض ولا بحدث احدثنه ولا لالتماس دنيا ولا
خرجن الا رغبة في الاسلام وحبا لله ولرسوله قاله ابن عباس (فطلق عمر يومئذ
امرأتين) احداهما قريبة بضم القاف بنت أبي أمية بن المغيرة وهى التي تزوجها
معاوية والاخرى أم كلثوم بنت عمرو بن جرول الخزاعية أم عبيد الله بن عمر
وهي التي تزوجها صفوان وفي تفسير البغوي في سورة الممتحنة وبعض روايات
البخاري ان الذي تزوجها أبو جهم فلعل أحدهما تزوجها ثم طلقها فتزوجها الآخر
(ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة) وذلك في المحرم واتفق له في
رجوعه انه سحر في بئر ذى أروان وهى بئر في بنى
(1/319)
فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم
فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا العهد الذى جعلت لنا فدفعه الى الرجلين فخرجا
به حتى بلغا ذا الحليفة فنزلوا يأكلون من ثمر لهم فقال أبو بصير لاحد
الرجلين والله انى لارى سيفك هذا يا فلان جيدا فاستله الآخر فقال أجل والله
انه لجيد فقد جربت به ثم جربت به قال أبو بصير أرنى أنظر اليه فأمكنه منه
فضربه حتى برد وفر الآخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم حين رآه لقد رأى هذا ذعرا فلما انتهى الى النبى
صلى الله عليه وسلم قال قتل والله صاحبي واني لمقتول فجاء ابو بصير فقال يا
نبي الله قد والله أوفى الله ذمتك فقد رددتني اليهم ثم أنجانى الله منهم
قال النبي صلى الله عليه وسلم ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد فلما سمع ذلك
عرف انه سيرده اليهم فخرج حتى أتى سيف البحر وينفلت منهم ابو جندل فلحق
بأبى بصير فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم الا لحق زريق سحره لبيد بن
الاعصم اليهودي ذكر ذلك ابن سعد بسند مرسل وقصة السحر مشهورة في الصحيحين
وغيرهما (أبو بصير) بفتح الموحدة وكسر المهملة اسمه عبيد وقيل عتبة بن أسد
بن حارثة قال ابن عبد البر قرشي وقيل ثقفي وقيل زهري حليف لهم (رجلين) هما
جحيش بن جابر من بني عامر بن لؤي سماه موسى بن عقبة وغيره وهو المقتول كما
جزم به البلاذري وابن سعد لكن قالا خنيس بن جابر والآخر مولى له اسمه كريز
وهو الذي رجع الى المدينة وقيل اسمه مرثد بن حمران والذى كتب فيه أزهر بن
عبد عوف والاخنس بن شريق كما رواه بن سعد وغيره (العهد) بالرفع والنصب
(الذى جعلت لنا) زاد البغوى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا بصير
انا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت ولا يصلح في ديننا الغدر وان الله
جاعل لك ولمن معك من المؤمنين المستضعفين فرجا ومخرجا (فاستله) أى اخرجه من
غمده (فأمكنه منه) كذا للكشميهني وتفرد به (برد) بفتح الراء جمدت حواسه
كناية عن الموت لان الميت تسكن حركته وأصل البرد السكون (ذعرا) بضم المعجمة
أى خوفا (فجاء أبو بصير) زاد البغوي متوشحا السيف (ويل امه) بضم اللام ووصل
الهمزة وكسر الميم المشددة كلمة تقال للمدح ولا يقصد معنى ما فيها من الذم
(مسعر حرب) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح العين المهملة منصوب على التمييز
وأصله من سعر الحرب يسعرها كأنه يصفه بالاقدام في الحرب والتسعير لنارها
(لو كان له أحد) ان ينصره ويعضده (سيف البحر) بكسر المهملة وسكون التحتية
وفاء ساحله وكان نزوله بمكان يسمى العيص قريب من بلاد بنى تميم وروى معمر
عن الزهرى أن أبا بصير كان يصلي باصحابه هناك حتى جاءهم أبو جندل فقدموه
لانه قرشى (وينفلت) عبر بصيغة المستقبل اشارة الى ارادة مشاهدة الحال وفي
تفسير البغوى وغيره
(1/320)
بابي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة فو الله
ما يسمعون بعير خرجت لقريش الى الشام الا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا
أموالهم فأرسلت قريش الى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم لما
ارسل اليهم فمن أتى منهم فهو آمن فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم اليهم
فأنزل الله عز وجل وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ
وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ حتى بلغ حمية الجاهلية وكانت
حميتهم انهم لم يقروا انه نبي الله ولم يقروا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ* وحالوا بينه وبين البيت انتهى ما رواه البخاري عن المسور بن
مخرمة ومرار بن الحكم من طريق شيخه ومولاه عبد الله بن محمد المسندي ورواه
عنهما من طرق أخر وهذه أتمها وأوعبها وصرح في طريق يحيى بن بكير بأنهما
أخبرا بذلك عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم* وروي مسلم أطرافا
منه وصرح بسبب نزول الآية السابقة وهو ما روي عن أنس ان ثمانين رجلا من أهل
مكة هبطوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من جبل التنعيم متسلحين
يريدون غرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه فأخذهم سلما
فاستحياهم فأنزل الله تعالى فانفلت بصيغة الماضى (عصابة) جماعة وفي مغازي
عروة انهم بلغوا سبعين وفي الروض الانف فلم يزل اصحابه يعنى أبا بصير
يكثرون حتى بلغوا ثلثمائة (بعير) أى بخبر عير بكسر المهملة أى قافلة
(فأرسلت قريش الى رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال السهيلى فكتب رسول
الله صلى الله عليه وسلم اليهم كتابا فورد وأبو بصير في الموت فأعطى الكتاب
فجعل يقرأه ويسر به حتى قبض والكتاب على صدره فبني عليه هناك مسجد (لما)
بفتح اللام وتخفيف الميم (المسندى) بضم الميم وفتح النون وبالنسبة قال في
القاموس نسب كذلك لتتبعه المسانيد دون المراسيل (وروي مسلم اطرافا منه) جمع
طرف وفيه انهم جاؤا وعلى البئر خمسون شاة لا ترويها فقعد صلى الله عليه
وسلم ملاصقا الركية فاما دعا واما بصق فيها فجاشت فسقينا واستقينا ولا
ينافيه ما مر انه انتزع سهما من كنانته فغرزه ولا ما في رواية للبخارى عن
البراء انه دعا باناء من ماء فتوضأ ثم تمضمض ودعا ثم صبه فيها الى آخره
لامكان انه فعل ذلك كله في مرة أو مرات (ان ثمانين رجلا) وله من طريق سلمة
وجاء عمير عامر برجل من العبلات يقال له مكرز يقوده الى رسول الله صلى الله
عليه وسلم على فرس محفف في سبعين من المشركين وللبغوى عن عبد الله بن مغفل
فخرج علينا ثلاثون شابا عليهم السلاح فثاروا في وجوهنا فدعا عليهم نبى الله
فأخذ الله بأبصارهم فقمنا اليهم فأخذناهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم جئتم في عهد أو هل جعل لكم أحد أمانا قالوا اللهم لا فخلي سبيلهم
فأنزل الله الآية (التنعيم) هو المعروف الآن بمسجد عائشة بينه وبين مكة
ثلاثة أميال وقيل أربعة سمي بذلك لان على يمينه جبلا يقال له نعيم وعن
يساره آخر يقال له ناعم والوادى نعمان (غرة رسول الله صلى الله عليه وسلم)
بكسر المعجمة وتشديد الراء أي غفلته (فأخذهم سلما) بفتح المهملة واللام
وبسكون اللام مع كسر العين وفتحها أى بغير
(1/321)
وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ
عَنْكُمْ الآية وفيه من رواية سلمة ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال
دعوهم يكن لهم بدء الفجور وثناه وصرح فيه من رواية البراء بن عازب ان كاتب
الكتاب على بن أبى طالب رضي الله عنه وان النبي صلى الله عليه وآله وسلم
سئله ان يمحو اسم الرحمن الرحيم واسم الرسالة حين ابوا منها فاستعظم ذلك
وحلف ان لا يمحوها فمحاها النبى صلى الله عليه وآله وسلم بيده
[مطلب فى الكلام على بيعة الرضوان]
(فصل) وكان صلح الحديبية في ذي القعدة وكان عدد المسلمين ألفا وأربعمائة
وساقوا سبعين بدنة واستعمل النبي صلى الله عليه وسلم في مخرجه ذلك على
المدينة تميلة بن عبد الله الليثي وكان سبب بيعة الرضوان ان النبى صلى الله
عليه وآله وسلم بعث عثمان الى مكة فأشيع قتله فقال النبي صلى الله عليه
وآله وسلم أما والله لئن قتلوه لأناجزنهم فدعا الناس الى البيعة فبايع
بعضهم على الموت وبعضهم قتال (بدء الفجور) بالهمز أي ابتداؤه (وثناه) بكسر
المثلثة وروى وثناه بضم المثلثة أي عوده ثانية
(فصل) وكان صلح الحديبية (الفا وأربعمائة) في رواية البخاري خمس عشرة مائة
قال في التوشيح والجمع انهم كانوا الفا وأربعمائة وزيادة لا تبلغ المائة
فالاول الغى الكسر والثاني جبره ومن قال الفا وثلثمائة فعلى حسب اطلاعه وقد
روى الفا وستمائة والفا وسبعمائة وكانه على ضم الاتباع والصبيان ولابن
مردويه عن ابن عباس كانوا الفا وخمسمائة وخمسة وعشرين وهذا تحرير بالغ
انتهى ومر عن البغوي انهم كانوا سبعمائة وانهم (ساقوا سبعين بدنة) لتكون كل
بدنة عن سبعة فان صح حمل على انهم كانوا كذلك أوّل خروجهم ثم لحقهم من لحق
بعد ذلك (تميلة) بضم الفوقية وفتح الميم (بعث عثمان الى مكة) وكان بعثه
بمشورة عمر بن الخطاب وكان النبي صلى الله عليه وسلم يزيد بعثه قبله فقال
انى أخاف قريشا علىّ وليس بمكة من بنى عدى أحد يمنعنى وقد عرفت قريش عداوتي
اياها وغلظتي عليها فدله على عثمان وسبب ذلك كله ان رسول الله صلى الله
عليه وسلم لما نزل الحديبية أرسل خراش بن أبى أمية الخزاعي الى مكة وحمله
على بعير له يقال له الثعلب ليبلغ اشرافهم عنه ما جاء له فعقروا جمل رسول
الله صلى الله عليه وسلم وارادوا قتله فمنعهم الاحابيش فخلوا سبيله حتى أتى
رسول الله صلى الله عليه وسلم حسب ما ذكره ابن اسحاق وغيره عن أهل العلم
(فاشيع قتله) قال ابن اسحاق لما خرج عثمان الى مكة لقيه ابان بن سعيد بن
العاص حين دخل مكة أو قبل أن يدخلها فنزل عن دابته وحمله بين يديه ثم ردفه
وأجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت عظماء قريش
لعثمان حين فرغ من اداء الرسالة ان شئت أن تطوف بالبيت فطف به قال ما كنت
لافعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتبسته قريش عندها فبلغ
رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين قتله (فبايع بعضهم على الموت) قال
ابن اسحاق قال بكر بن الاشج بايعوه على الموت فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم بل على ما استطعتم (وبعضهم) بايع (على ان
(1/322)
على أن لا يفروا المعنى واحد وضرب رسول
الله صلى الله عليه وسلم احدى يديه على الأخرى وقال هذه لعثمان وبايع سلمة
بن عمرو بن الاكوع ثلاث مرات متفرقات وبايع عبد الله بن عمر قبل أبيه وذلك
ان أباه بعثه وهو يستلئم للقتال ليأتيه بخبر النبى صلى الله عليه وسلم
فوجده يبايع الناس فبايع ثم رجع فأخبر أباه وكان أوّل من بايع سنان بن وهب
الاسدي ولم يتخلف أحد ممن حضر عن البيعة الا الجد بن قيس السلمى قال جابر
بن عبد الله رضي الله عنه فكانى أنظر اليه لاطئا بابط ناقته مستترا بها*
وأما الشجرة المذكورة فكانت سمرة وطلبت من العام المقبل يفر) وكان جابر بن
عبد الله ومعقل بن يسار ممن بايع هذه البيعة (والمعنى) كما قال أبو عيسى
الترمذي (واحد) بايعه جماعة على الموت أي لا نزال نقاتل بين يديك ما لم
نقتل وبايعه آخرون وقالوا لا نفر (فضرب صلى الله عليه وسلم باحدى يديه على
الاخرى وقال هذه لعثمان) أخرجه البخاري والترمذي عن عثمان بن عبد الله بن
موهب بفتح الميم والهاء عن عبد الله بن عمرو وفي رواية فقال بيده هذه يد
عثمان أي بدلها في رواية الترمذي وكانت يسري رسول الله صلى الله عليه وسلم
لعثمان خيرا من أيمانهم لهم قلت فيه اشارة الى انه صلى الله عليه وسلم علم
عدم قتله والا لم ينب عنه في المبايعة فحينئذ يعد عثمان من أهل بيعة
الرضوان كما يعد من البدريين وفي كلا المشهدين قد شهد له صلى الله عليه
وسلم بذلك أما في بدر فبقوله ولك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه وأما هنا
فالمبايعة المذكورة (سلمة) بفتح اللام (ابن) عمرو ابن (الاكوع) إسم الاكوع
جد سلم سنان ذكره ابن عبد البر وغيره (ثلاث مرات متفرقات) كما رواه مسلم
عنه قال دعانا للبيعة في أصل الشجرة فبايعته في أوّل الناس ثم بايع وبايع
حتي اذا كان في وسط الناس قال بايع يا سلمة قلت قد بايعتك في أوّل الناس يا
رسول الله قال وأيضا ورآني اعزل فأعطاني حجفة ثم بايع حتى اذا كان في آخر
الناس قال ألا تبايعنى يا سلمة قلت قد بايعتك يا رسول الله في أوّل الناس
وفي أوسط الناس قال وأيضا فبايعته الثالثة وذكر تمام الحديث وفي مبايعته
صلى الله عليه وسلم لسلمة ثلاث مرات اشارة الى أنه سيحضر ثلاثة مشاهد ويكون
له في كل منها غناء وكان الامر كذلك فاتصل بالحديبية غزوة ذي قرد واتصل بها
فتح خيبر (يستلئم) أي يلبس لامته (وكان أوّل) بالنصب خبر كان مقدم (من بايع
سنان) بالرفع اسمها مؤخر ويجوز عكسه (ابن وهب الاسدى) كذا وقع هنا والصواب
كما قال الواقدي أبو سنان قال السهيلي واسمه وهب بن محصن الاسدى أخو عكاشة
بن محصن ثم نقل عن الواقدي وموسى بن عقبة انه كان أسن من أخيه عكاشة بعشرين
سنة شهد بدرا وتوفي يوم بنى قريظة والذى ذكره المصنف انما هو ابنه وهو بدرى
أيضا توفي سنة ثلاث وثمانين ولابن منده وأبي نعيم انه وهب بن عبد الله بن
محصن وهو خلاف الصواب أيضا (الجد) بفتح الجيم (السلمي) بفتح اللام نسبة الى
بني سلمة بكسرها (لاطئا) بكسر المهملة ثم همزة أي لاصقا (بابط) بقطع الهمزة
المكسورة (وطلبت من العام المقبل
(1/323)
فلم يقدر عليها وكانوا يتحدثون انها رفعت
قال معقل بن يسار لقد رأيتني رافعا غصنا من أغصانها عن رأس رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم
[مطلب في الكلام علي الشجرة التى كانت البيعة
عندها]
(فصل) ثم انه قد ثبت لشاهديها المزايا العظام والتنوية على سائر مشاهد
الاسلام قال الله تعالى لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ
يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وقال تعالى إِنَّ الَّذِينَ
يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ
أَيْدِيهِمْ وروينا في صحيح البخاري عن جابر بن عبد رضي الله عنهما قال قال
لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الحديبية أنتم اليوم خير أهل
الارض وكنا ألفا وأربعمائة ولو كنت أبصر اليوم لاريتكم مكان الشجرة وعنه
أيضا قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يدخل النار أحد ممن
بايع تحت الشجرة رواه البغوي فلم يقدر عليها) قال البغوي قال سعيد بن
المسيب حدثنى أبي وكان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة
قال فلما خرجنا من العام المقبل طلبناها فلم نقدر عليها (فيتحدثون انها
رفعت) قال البغوى روى ان عمر بن الخطاب مر بذلك المكان بعد أن ذهبت الشجرة
فقال أين كانت فجعل بعضهم يقول هاهنا وبعضهم يقول هاهنا فلما كثر اختلافهم
قال سيروا فقد ذهبت الشجرة (معقل) بفتح الميم وسكون المهملة وكسر القاف
(يسار) بفتح التحتية وبالسين المهملة
(فصل) ثم انه (على سائر مشاهد الاسلام) ما عدا مشهد بدر ثم أحد (لقد رضى
الله عن المؤمنين اذ يبايعونك) بالحديبية على ان يناجزوا قريشا ولا يفروا
(تحت الشجرة) هي اسم لكل ما قام من النبات على ساق ويسمى غيره نجما (إِنَّ
الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ) يا محمد بالحديبية على عدم الفرار (إِنَّما
يُبايِعُونَ اللَّهَ) لانهم باعوا أنفسهم من الله بالجنة بالوفاء بما وعدهم
من الخير (فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) قال ابن عباس وقال السدي كانوا يأخذون بيد
رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبايعونه ويد الله فوق أيديهم في المبايعة
وقيل نعمة الله عليهم بالهداية فوق ما صنعوا من البيعة وفي الشفاء يد الله
قوته وقيل ثوابه وقيل منته وقيل عقده وهذه استعارة وتجنيس في الكلام وتأكيد
لعقد بيعتهم اياه وعظم لشأن المبايع صلى الله عليه وسلم (أنتم اليوم خير
أهل الارض) هذا من العام الذي أريد به الخاص فان بعض البدريين والاحديين لم
يشهد بيعة الرضوان (ولو كنت أبصر الى آخره) من كلام جابر رضي الله عنه (لا
يدخل النار أحد) زاد مسلم في رواية جابر عن أم مبشر الانصارية ان شاء الله
قال النووى قال العلماء هو للتبرك لا للشك لانه لا يدخلها أحد منهم قطعا
(رواه البغوي) في التفسير مسندا عن أبي سعيد الشريحي عن أبى اسحاق الثعلبي
عن ابن فيحويه عن على بن أحمد بن نصرويه عن ابي عمران موسى بن سهل بن عبد
الحميد الجوني عن محمد بن رمح عن الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر قلت
ورواه مسلم كما مرت الاشارة اليه وفيه ان حفصة قالت بلى يا رسول الله
فانتهرها فقالت حفصة وان منكم الا واردها فقال النبي صلى الله عليه
(1/324)
مسندا وقال الشعبي في قوله تعالى
وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ هم الذين
شهدوا بيعة الرضوان وذهب اكثر المفسرين في قوله تعالى إِنَّا فَتَحْنا لَكَ
فَتْحاً مُبِيناً انه صلح الحديبية وذلك انها نزلت في منصرفهم منها وهم
مخالطهم الحزن والكآبة فقال صلى الله عليه وآله وسلم لقد أنزلت علي آية هي
احب الى من الدنيا جميعها ولما نزلت دعا النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن
الخطاب فأقرأه إياها فقال يا رسول الله أو فتح هو قال نعم فطابت نفسه ورجع
رواه مسلم. وروينا في صحيح البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال
تعدون أنتم الفتح فتح مكة وقد كان فتح مكة فتحا ونحن نعد الفتح بيعة
الرضوان يوم الحديبية قال الزهري لم يكن فتح أعظم منه قال العلماء ووجه ذلك
ان المشركين اختلطوا بالمسلمين في تلك الهدنة وسمعوا منهم احوال النبى صلى
الله عليه وسلم الباهرة ومعجزاته المتظاهرة وحسن سيرته وجميل طريقته
وشاهدها كثير منهم فمالت انفسهم الى الايمان وأسلم في تلك الايام خلق كثير
وسلم ثم ننجى الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا قال النووى مقصود حفصة
الاسترشاد لارد مقالته صلى الله عليه وسلم قال والصحيح ان المراد بالورود
في الآية المرور على الصراط وهو جسر منصوب على جهنم فيقع فيها أهلها وينجو
الآخرون انتهى وروي الحديث أيضا أبو داود والترمذي (الشعبي) عامر بن شراحيل
أو شرحبيل كما مر (هم الذين شهدوا بيعة الرضوان) قال سعيد بن المسيب وقتادة
وابن سيرين وجماعة هم الذين صلوا الي القبلتين وقال عطاء هم أهل بدر (وذهب
أكثر المفسرين) منهم أنس وابن عامر في رواية عنهما (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ
فَتْحاً مُبِيناً) انه صلح الحديبية وسمى فتحا لان الصلح مع المشركين
بالحديبية كان مغلقا حتى فتحه الله وفي رواية عن أنس انه فتح مكة وقال
مجاهد وفتح خيبر والتحقيق ان قوله تعالى إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً
مُبِيناً المراد به الحديبية لانها كانت مبدأ الفتح لما ترتب على الصلح
الذى وقع من الأمن ورفع الحرب وتمكن من يخشى من الدخول في الاسلام للوصول
الى المدينة وقوله تعالى وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً المراد به فتح خيبر
وقوله فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً المراد به الحديبية أيضا
وقوله إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ الفتح المراد به فتح مكة (انها
نزلت في منصرفهم منها) كما رواه الشيخان والترمذى عن أنس قال نزل على النبي
صلى الله عليه وسلم إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ
اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ مرجعه من الحديبية
فالفتح المبين هو فتح الحديبية فقالوا هنيئا مريئا لك يا رسول الله لقد بين
الله تعالى لك ما يفعل بك فماذا يفعل بنا فنزلت لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ الآية (الحزن
والكآبة) بالمد مترادفان (أو فتح) هو بهمزة الاستفهام الداخلة على واو
العطف أو واو الابتداء (الهدنة) بضم الهاء وسكون الدال المهملة بعدها نون
وهى لغة المصالحة وشرعا مصالحة الكفار على الكف عن قتالهم وسبيهم والتعارض
لتجارهم مجانا ويسمى موادعة ومعاهدة (سيرته) بكسر المهملة وسكون التحتية
وطريقته مترادفان
(1/325)
ولذلك أجبرهم صلى الله عليه وسلم على الصلح
وقد كان رأي اكثرهم المناجزة وقرب لهم القول حيث قال لهم اما من ذهب منا
اليهم فأبعده الله وأما من جاءنا منهم فسيجعل الله له فرجا ومخرجا هذا وقد
قال اهل التحقيق والنظر الدقيق بجواز احتمال المفسدة اليسيرة لدفع اعظم
منها او لتحصيل مصلحة عظيمة تتوقع باحتمالها ثم ان مذهب الشافعى أنه يجوز
مصالحة الكفار عند الحاجة في مدة لا تزيد على عشر سنين واستدل بصلح
الحديبية فانه كان على عشر سنين وذلك مصرح به في كتب السير وهذا اذا لم يكن
الامام مستظهرا فان كان مستظهرا لم يزد على أربعة اشهر وقال مالك رحمه الله
لا حد لذلك بل هو منوط برأي الامام والله اعلم*
[الكلام على اسلام خالد بن الوليد وعمرون بن
العاص وخبر ذلك]
ومن حوادث هذه السنة اسلام خالد بن الوليد المخزومي وعمرو بن العاص السهمي
وخبر ذلك ما روي عن عمرو بن العاص انه لما رجع مع جموع الاحزاب ذهب الى
النجاشي ليقيم عنده مترقبا ما يكون من خبر النبى صلى الله عليه وسلم وقومه
قال عمرو فقدم علينا عمرو بن أمية الضمري رسولا من النبي صلى الله عليه
وسلم الى النجاشي فلما خرج عمرو بن أمية من عند النجاشي دخلت خلفه وسألته
قتله فغضب النجاشي واستشاط وقال سألتني ان اعطيك رسول رجل يأتيه الناموس
الاكبر فقلت ايها الملك أكذلك هو قال يا عمرو أطعني واتبعه فانه والله على
الحق وليظهرن علي من خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده فأسلم عمرو حينئذ
علي يدي النجاشي ثم خرج عامدا الى النبي صلى الله عليه وسلم قال فلقيت
(أجبرهم) بالجيم اكرههم (رأي) يجوزان يكون ماضيا فيكون (أكثرهم) فاعلا
والمناجزة مفعوله وان يكون اسما لكان والمناجزة خبرها (في مدة لا تزيد) في
عقد واحد (على عشر سنين) فان اقتضت المصلحة الزيادة على عشر افردت بعقد بعد
إيقاع عقد العشر ولو قبل انقضائه كما صرح به الفوراني وغيره (وانه كان على
عشر سنين) ولم يكن الاسلام قويا اذ ذاك (مستظهرا) مستفعلا من الظهور وهو
الغلبة والقوة (لم يزد على أربعة أشهر) لقوله تعالى (فَسِيحُوا فِي
الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) وكان ذلك أقوى ما كان النبى صلى الله عليه
وسلم عند منصرفه من تبوك كما قال الشافعى واحتج أيضا بانه صلى الله عليه
وسلم هادن صفوان بن أمية عام الفتح أربعة أشهر مع استظهاره عليه لكن فعل
ذلك لرجاء اسلامه فأسلم قبل مضيها (منوط) بفتح الميم وضم النون آخره مهملة
أي معلق (خالد بن الوليد) بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم بن يقظة
بن مرة (وعمرو بن العاص) بن وائل بن هشام بن سعيد بضم السين ابن سهم بن
عمرو بن هصيص بن كعب (فائدة) أخرج أبو بكر الخطيب باسناد يرفعه ان رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال يقدم عليكم الليلة عمرو بن العاص مهاجرا (ما
روى) في كتب السير (مترقبا) منتظرا (واستشاط) بالمعجمة أى علته حرارة الغضب
(الناموس)
(1/326)
خالد بن الوليد وهو مقبل من مكة فقلت أين
يا ابا سليمان قال والله لقد استقام الميسم وان الرجل لنبي اذهب اليه فأسلم
فحتى متى فقال ما جئت الا لذلك قال فلما قدمنا المدينة على النبى صلى الله
عليه وسلم تقدم خالد بن الوليد فاسلم وبايع ثم دنوت فقلت يا رسول الله إني
أبايعك على أن يغفر لى ما تقدم من ذنبى وما تأخر فقال النبى صلى الله عليه
وآله وسلم بايع وأسلم فان الاسلام يجب ما قبله وان الهجرة تجب ما قبلها قيل
وكان معهما عثمان بن طلحة العبدري ولما رآهم النبى صلى الله عليه وسلم
مقبلين قال لاصحابه رمتكم مكة بافلاذ كبدها وكان اسلامهم بعد الحديبية وقبل
خيبر والفتح*
[الكلام على اسلام عقيل بن أبى طالب رضى الله
عنه]
وفيها اسلام عقيل بن أبى طالب الهاشمى ولما أسلم قال له النبي صلى الله
عليه وآله وسلم يا أبا يزيد اني أحبك حبين حبا لقرابتك مني وحبا لما أعلم
من حب عمى أبي طالب اياك روي عقيل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حديثين
وسكن البصرة ومات بالشام في خلافة معاوية*
[الكلام على غزوة ذي قرد وتسمى غزوة الغابة]
وفي هذه السنة كانت غزوة مر ذكره في بدء الوحي (استقام الميسم) بكسر الميم
بعدها تحتية أى ظهرت لنا علامات النبوة فلم يبق فيها خفاء وروى المنسم بفتح
الميم وسكون النون وكسر السين وهو العلامة والطريق والمذهب لكن الرواية
الاولى أصوب قاله ابن الاثير (فحتي متى) عبارة عن استبطاء الأمر والتسويف
به أى قولك أي لا أومن مثلا حتى يكون كذا وكذا الى متى ذلك (يجب) أى يقطع
(ما قبله) ولمسلم يهدم ما قبله أي يسقطه ويمحو أثره (قيل وكان معهما عثمان
بن طلحة) بن أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان ابن عبد الدار بن قصى
(العبدرى) نسبة الى بني عبد الدار وبذلك جزم النووى في شرح مسلم وقال أسلم
مع خالد بن الوليد وعمرو بن العاص في هدنة الحديبية وشهد فتح مكة ودفع
النبى صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة اليه والي شيبة بن عثمان بن أبى
طلحة وقال خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم الا ظالم ثم نزل
المدينة فأقام بها الي وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ثم تحول الى مكة
وأقام بها حتى توفي سنة اثنين وأربعين وقيل انه استشهد يوم أجنادين بفتح
الدال وكسرها وهو موضع بقرب بيت المقدس كانت غزوته في أوائل خلافة عمر
انتهى وفيها اسلام عقيل (اني أحبك) فيه انه يندب للشخص اذا أحب أحد ان
يعلمه كما في الحديث الصحيح إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه انه يحبه رواه أحمد
والبخاري في الادب وأبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم عن المقدام بن
معدي كرب ورواه ابن حبان أيضا عن أنس ورواه البخاري في الادب عن رجل من
الصحابة ورواه أحمد أيضا عن أبي ذر (حبين) أي لسببين اقتضيا أن أحبك زيادة
على المحبة التي هي لله عز وجل (حبا لقرابتك مني) وشأن القريب محبة قريبة
غالبا وحبا بما أعلم من حب عمي ابي طالب (اياك) ومن شأن المحب محبة حبيب
الحبيب ولانه بقى عليه من حق التربية أن يحب من كان يحبه (روى عقيل حديثين)
أخرجهما عبد الله بن أحمد بن حنبل كلاهما في النهي عن الدعاء بالرفاء
والبنين للمتزوج (البصرة)
(1/327)
الغابة وتسمى أيضا غزوة ذي قرد للموضع الذى
جرى فيه القتال وكان سببها ان لقاح النبي كانت ترعي بالغابة وهي على بريد
من المدينة من ناحية الشام فأخذها بنو فزارة من غطفان في أربعين فارسا
عليهم عيينة بن حصن وعبد الرحمن الفزاريان وكان أبو ذر وابنه في اللقاح
فجاء الصريخ الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبعث الطلب في آثارهم وأمر
على الطلب سعد بن يزيد الانصارى ثم لحقهم صلى الله عليه وسلم في بقية الناس
فجاء وقد استنقذوا اللقاح وقتلوا من قتلوا ولم يجئ الطلب الا وقد فعل سلمة
ابن الاكوع الافاعيل وكان ممن ابلى يومئذ أبو قتادة وعكاشة بن محصن
والمقداد بن عمرو والاخرم الاسدي قلت قد روى البخاري ومسلم حديث غزوة ذى
قرد فروياها عن سلمة بألفاظ ومعان مختلفة ونحن نرويها من طريق مسلم حيث روى
ذلك عن سلمة متصلا بحديث الحديبية فقال سلمة ثم قدمنا المدينة يعني من
الحديبية فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بظهره مع رباح غلام رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا معه وخرجت معه بفرس طلحة انديه مع الظهر
فلما اصبحنا اذا عبد الرحمن الفزارى قد اغار على ظهر رسول الله صلى الله
عليه وسلم فاستاقه اجمع وقتل راعيه فقلت يا رباح خذ هذا الفرس فأبلغه طلحة
بن عبيد الله واخبر النبي صلى الله عليه وسلم ان المشركين قد اغاروا على
سرحه قال ثم قمت على اكمة واستقبلت المدينة فناديت يا صباحاه ثم خرجت في
آثار القوم ارميهم بالنبل وارتجزوا قول بفتح الباء ويجوز في النسبة اليها
كسرها* وفي هذه السنة (الغابة) بالمعجمة والموحدة كما مر (ذى قرد) بفتح
القاف والراء ودال مهملة هذا هو الصواب ويروى بضمتين حكاه البلاذرى ماء على
نحو يوم من المدينة مما يلي بلاد غطفان (لقاح) بكسر اللام وتخفيف القاف
ومهملة ذوات اللبن من الابل واحدتها لقحة بالكسر والفتح وكانت عشرين لقحة
(فزارة) بفتح الفاء والزاى المخففة قبيلة من غطفان (الافاعيل) جمع افعال
والافعال جمع فعل (ابلى) بفتح الهمزة وسكون الموحدة وفتح اللام والابلاء
بذل الجهد في العمل (أبو قتادة) الحارث بن ربعي بكسر الراء وسكون الموحدة
وكسر المهملة ثم تحتية مشددة (عكاشة) بتشديد الكاف أشهر من تخفيفها (محصن)
بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الصاد المهملة ثم نون (اخرم) بالمعجمة
والراء لقب واسمه المحرز بن نضلة (الاسدي) من بنى أسد بن خزيمة (بظهره)
الظهر من الابل ما يعد للركوب والحمل (رباح) بفتح الراء وتخفيف الموحدة
آخره حاء مهملة (أنديه) بضم الهمزة وفتح النون وكسر المهملة المشددة أي
اسقيه قليلا ثم ارده الى المرعى وروى بالموحدة بدل النون بوزنه أي اخرجه
الى البادية وابرزه الى موضع الخلاء (على سرحه) أي سائمته (اكمة) هي
الرابية ونحوها كما مر (يا صباحاه) هي كلمة
(1/328)
انا ابن الاكوع ... واليوم يوم الرضع
فالحق رجلا منهم فاصك سهما في رحله حتى خلص نصل السهم الى كعبة قال قلت
خذها وانا ابن الاكوع واليوم يوم الرضع قال فو الله ما زلت ارميهم واعقر
بهم فاذا رجع الى فارس اتيت شجرة فجلست في اصلها ثم رميته فعقرت به حتى اذا
تضايق الجبل فدخلوا في تضايقه علوت الجبل فجعلت ارديهم بالحجارة قال فما
زلت كذلك اتبعهم حتي ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم الاخلفته وراء ظهري وخلوا بينى وبينه ثم اتبعهم ارميهم حتي القوا
اكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحا يستخفون ولا يطرحون شيئا الا جعلت عليه
آراما من الحجارة يعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه حتى اتوا
متضايقا من ثنية فاذا هم قد اتاهم فلان بن بدر الفزارى فجلسوا يتصبحون يعني
يتغدون وجلست على رأس قرن قال الفزاري ما هذا الذى ارى قالوا لقينا من هذا
البرح والله ما فارقنا منذ غلس يرمينا حتى انتزع كل شىء في ايدينا قال
فليقم اليه نفر منكم اربعة قال فصعد الى منهم أربعة في الجبل قال فلما
امكنونى من الكلام قال قلت هل تعزفونني قالوا لا ومن انت قلت انا سلمة بن
الاكوع والذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم لا أطلب رجلا منكم الا
ادركته ولا يطلبنى فيدركنى قال احدهم انا اظن قال فرجعوا فما برحت مكاني
حتي يقال عند استنفار من هو غافل عن عدوه (واليوم يوم الرضع) أي يوم هلاكهم
وهم اللئام الواحد راضع قيل وأصله ان رجلا كان شديد البخل فكان اذا أراد أن
يحلب ناقته ارتضع من ثديها كيلا يحلبها فيسمعه جيرانه أو يتبدد شيء من
اللبن حتى قالوا في المثل فلان الأم من راضع وقيل معناه اليوم يعرف من
ارتضع بالحرب من صغره وتدربها ممن ليس كذلك وقيل معناه هذا يوم شديد عليكم
تفارق فيه المرضعة من أرضعته ويجوز رفع اليوم ويوم على الابتداء والخبر
ونصب الاول على الظرف ورفع الثاني قاله السهيلي وغيره وقال أهل اللغة يقال
رضع الصبي بالكسر يرضع بالفتح رضاعا وفي اللؤم رضع بالفتح يرضع بالضم رضاعة
(فاصك) أي فاضرب والصك الضرب (في رحله) بفتح الراء وبالحاء المهملة أي في
كور ناقته وأضافه اليه لركوبه عليه وروى بكسر الراء والجيم (تضايق الجبل)
أي دنا وقرب (في تضايقه) أي في أصله كي يستتروا به عنه (بردة) هي ضرب من
ثياب اليمن كما مر (يستخفون) أي يريدون الخفة (آراما) بمد الهمزة وبالراء
أي اعلاما (رأس قرن) بفتح القاف وسكون الراء وهو كل جبل صغير منقطع عن
الجبل الكبير (البرح) بفتح الموحدة وسكون الراء الشدة (منذ غلس يرمينا)
بتنوين المهملة وفي بعض النسخ منذ غلس يومنا وهو تصحيف (فيدركني) بفتح
الكاف على جواب النفي
(1/329)
رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم يتخللون الشجر قال فاذا اولهم الاخرم الاسدى وعلى أثره أبو قتادة
الانصاري وعلى أثره المقداد بن الاسود الكندى قال فأخذت بعنان الاخرم قال
فولوا مدبرين قال قلت يا اخرم احذرهم لا يقتطعوك حتى يلحق رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم وأصحابه قال يا سلمة ان كنت تؤمن بالله واليوم الآخر
وتعلم ان الجنة حق والنار حق فلا تحل بينى وبين الشهادة قال فخليته فالتقى
هو وعبد الرحمن قال فعقر لعبد الرحمن فرسه فطعنه عبد الرحمن فقتله وتحول
على فرسه ولحق أبو قتادة فارس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعبد
الرحمن فطعنه فقتله فو الذى أكرم وجه محمد لتبعتهم اعدو على رجلى حتي ما
أرى ورائى من أصحاب محمد ولا غبارهم شيئا حتى يعدلوا قبل غروب الشمس الى
شعب فيه ماء يقال له ذوقرد ليشربوا منه وهم عطاش قال فنظروا اليّ أعد
ووراءهم فحليتهم عنه فماذا قوا منه قطرة قال فيخرجون فيسندون في ثنية قال
فأعدو قال فالحق رجلا فأصكه بسهم في نغض كتفيه قال قلت خذها وأنا ابن
الاكوع واليوم يوم الرضع فيقول قائل يا ثكلته أمه أكوعنا بكرة قال قلت نعم
يا عدو الله أكوعك بكرة قال وأردوا فرسين على الثنية قال فجئت بهما أسوقهما
الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ولحقنى عامر يعني عمه بسطيحة
فيها مذقة من لبن وسطيحة فيها ماء فتوضأت وشربت ثم أتيت رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم وهو على الماء الذي حليتهم عنه فاذا رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم قد أخذ تلك الابل وكل شئ استنقذته من المشركين وكل رمح
وبردة واذا بلال نحر ناقة من الابل التي استنقذت (يتخللون الشجر) أى يدخلون
من خلالها أى منها (أثره) بكسر الهمزة وسكون المثلثة وبفتحهما لغتان (لا
يقتطعوك) أي لا يأخذوك وينفردوا بك (فطعنه عبد الرحمن فقتله) في الاستيعاب
ان الذي قتله مسعدة بن حكمة فان صح حمل على ان عبد الرحمن حين طعنه أرداه
عن فرسه وهو جريح فذفف مسعدة عليه (شعب) بكسر المعجمة الفرجة بين جبلين
(يقال له ذو قرد) في نسخة من صحيح مسلم ذا (فحليتهم) بحاء مهملة ولام مشددة
ثم تحتية غير مهموز أى طردتهم (يسندون) بضم أوله ثم مهملة ثم نون أى يصعدون
وفي بعض النسخ يشتدون أي يعدون (نغض كتفه) بضم النون وسكون الغين المعجمة
وضاد معجمة وهو العظم الدقيق على طرف الكتف (ثكلته أمه) أى فقدته (أكوعنا
بكرة) بضم العين ونصب بكرة على الظرف بلا تنوين أي أنت الأكوع الذى كنت
بكرة النهار (سطيحة) هى اناء يعمل من الجلود يسطح بعضها على بعض (مذقة)
بفتح الميم وسكون المعجمة وبالقاف أى شئ قليل (الذى حليتهم) في بعض النسخ
هنا حلأتهم والهمز الاصل والتسهيل منه (من الابل التى) هكذا الصواب وفي بعض
نسخ مسلم الذى
(1/330)
من القوم واذا هو يشوي لرسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم من كبدها وسنامها قال قلت يا رسول الله خلنى فانتخب من
القوم مائة رجل فأتبع القوم فلا يبقى منهم مخبر إلا قتلته فضحك صلى الله
عليه وآله وسلم حتى بدت نواجذه في ضوء النار فقال يا سلمة اتراك كنت فاعلا
قلت نعم والذي أكرمك قال انهم الآن ليقرون في أرض غطفان قال فجاء رجل من
غطفان قال نحر لهم فلان جزورا فلما كشفوا جلدها رأوا غبارا فقالوا أتاكم
القوم فولوا هاربين فلما أصبحنا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان
خير فرساننا اليوم أبو قتادة وخير رجالتنا سلمة قال ثم أعطانى رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم سهمين سهم الفارس وسهم الراجل فجمعتهما اليّ جميعا
ثم أردفنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خلفه على العضباء راجعين الى
المدينة قال ابن عباس رضي الله عنهما صلى النبى صلى الله عليه وسلم صلاة
الخوف بذي قرد رواه البخارى واستشهد في هذه الغزاة وقاص بن مجزز المدلجي
وبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك أخاه علقمة طالبا بثاره فلما
كان ببعض الطريق اذن لعبد الله بن حذافة في طائفة من الجيش فأمرهم فأوقدوا
نارا ثم أمرهم بدخولها فبلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم خبرهم (فانتخب)
بالنصب على جواب الامر والانتخاب الاختيار والانتقاء (نواجذه) بالذال
المعجمة أي أنيابه وقيل أضراسه (اتراك) بضم التاء أى أتظنك (ليقرون) أي أى
ليضافون والقرى الضيافة وفي ذلك معجزة ظاهرة له صلى الله عليه وسلم حيث وقع
الامر كما قال (جزورا) بفتح الجيم البعير ذكرا كان أو أنثي (كان خير)
بالنصب خبر كان مقدم واسمها (أبو قتادة) هكذا الرواية ويجوز من غير الرواية
عكسه (العضباء) بالمد مشقوقة الاذن ولم تكن ناقة النبى صلى الله عليه وسلم
كذلك وانما هو لقب لزمها وهي القصوي التى مر ذكرها (وقاص بن مجزز) بضم
الميم وفتح الجيم وتشديد الزاى الاولي وكسرها هذا هو الاشهر سمى به لانه جز
نواصى قوم ذكره ابن الاثير وغيره وقيل انه بالحاء المهملة بدل الجيم
وبالراء بدل الزاي الاولي وقيل بفتح الزاي وهو ولد القائف المذكور في حديث
اسامة (المدلحى) بكسر اللام نسبة الى بني مدلج قبيلة من بنى كنانة (لعبد
الله بن حذافة) بن قيس بن عدى بن سعد بن سهم السهمي هو حامل كتاب النبي صلى
الله عليه وسلم الى كسرى وكان من مهاجرة الحبشة في قول ابن اسحاق قيل وشهد
بدرا وحديثه مروى في الصحيحين وسنن أبى داود والنسائي عن على وفي مسند أحمد
ومستدرك الحاكم عن عمران والحكم بن عمرو الغفارى لكن في رواية البخاري
فاستعمل عليهم رجلا من الانصار قال الحفاظ وهو غلط من بعض الرواة (فأمرهم)
فقال اجمعوا حطبا فجمعوا فقال أوقدوا نارا فأوقدوها فقال أدخلوها فهموا
وجعل بعضهم يمسك بعضا ويقولون انما فررنا الى النبي صلى الله عليه وسلم من
النار فما زالوا حتي خمدت النار بفتح الميم
(1/331)
فقال لو دخلوها ما خرجوا منها الى يوم
القيامة
[مطلب في الكلام علي قصة العرنيين]
قصة العرنيين وكانت بعد ذي قرد بستة أشهر وذكرها البخارى قبلها وقد رويناها
فى الصحيحين من طرق عديدة عن أنس حاصلها قال ان نفرا من عكل أو عرينة
ثمانية قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا واستوخموا المدينة
فأمرهم رسول الله أن يخرجوا في ابل الصدقة فيشربوا من أبوالها والبانها
ففعلوا فصحوا فارتدوا وحكي كسرها أى طفئت فبلغ النبى صلى الله عليه وسلم
(فقال لو دخلوها ما خرجوا منها الى يوم القيامة) لا طاعة في معصية الله
وانما الطاعة في المعروف قال بعض العلماء انما أمرهم بدخول النار مداعبة
منه ليختبرهم واشارة الى ان مخالفته توجب النار لتضمنها مخالفة الرسول صلى
الله عليه وسلم فكيف يصبرون على النار الكبرى اذا لم يصبروا على هذه ولو
رأي منهم الجد في ولوجها لمنعهم وقوله صلى الله عليه وسلم لو دخلوها ما
خرجوا منها أى لبقوا معذبين على قتلهم أنفسهم مع علمهم عدم وجوب الطاعة في
المعصية وقوله لا طاعة في معصية الله أى واجبة ولا مندوبة بل محرمة اذا لم
يفض الامر الى الاكراه والا أباحها غالبا وانما الطاعة الواجبة في المعروف
واجبا كان أو مندوبا كما مر في الاستسقاء. قصة العرنيين (وكانت بعد ذي قرد
بستة أشهر) في جمادي الاخرى قاله ابن اسحاق (وقد رويناها في الصحيحين من
طرق عديدة عن) أنس وقد رواها عنه أيضا أبو داود والترمذي والنسائي (أن
نفرا) وفي رواية للبخاري وغيره ان ناسا (من عكل أو عرينة) كذا للبخاري في
الطهارة والشك فيه من حماد وجزم بالاول في الجهاد وبالثاني في الزكاة وفي
المغازى من عكل وعرينة بواو الجمع العاطفة قال في التوشيح وهو الصواب فعند
أبي عوانة من طريق أنس قال كانوا أربعة من عرينة وثلاثة من عكل وللبخاري في
الديات انهم كانوا ثمانية وكان الثامن من غير القبيلتين أو كان من اتباعهم
فلم ينسبه وعكل بضم المهملة وسكون الكاف قبيلة من تيم الرباب قال في
القاموس واسم عكل عوف بن عبد مناة حقنته أمه بدماء عكل فلقب به (وعرينة)
بالعين والراء المهملتين والنون مصغر مرة بن بجيلة (واستوخموا المدينة) أي
وجدوها وخيمة أي وبئة وفي رواية في الصحيح فاجتووا المدينة بالجيم
والاجتواء كراهة المقام في البلد قاله الخطابي وقال ابن العربي الجواء داء
يصيب الجوف من الربا وذلك انهم عظمت بطونهم كما في رواية عند أبي عوانة أو
ورمت صدورهم كما في رواية لمسلم وللبخاري في الطب ان ناسا كان بهم سقم فلما
صحوا قالوا ان المدينة وخمة فالمراد بالسقم الاول الجوع كما في رواية أبى
عوانة كان بهم هزال شديد (فى ابل الصدقة) كذا في صحيح مسلم وغيره وفي
البخاري وغيره وانها لقاح النبي صلى الله عليه وسلم قال النووي وكلاهما
صحيح فان بعض الابل للصدقة وبعضها للنبي صلى الله عليه وسلم قال فان قيل
كيف اذن لهم في شرب لبن ابل الصدقة فالجواب أن ألبانها للمحتاجين من
المسلمين وهم منهم قال وذكر ابن سعد في طبقاته انها كانت
(1/332)
وقتلوا راعيها واستاقوها فبعث النبي صلى
الله عليه وآله وسلم الطلب في آثارهم فما ترجل النهار حتى جيء بهم فقطعت
أيديهم وأرجلهم ولم يحسموا وكحلت أعينهم وطرحوا بالحرة يستسقون فلا يسقون
وكان أحدهم يكدم الارض بفيه حتى ماتوا قال أبو قلابة قتلوا وسرقوا وحاربوا
الله ورسوله وسعوا في الارض فسادا قلت وروى خارج الصحيحين انهم كحلوا
الرعاة وقد ترجم البخارى عليه قال سعيد بن جبير ونزل في ذلك قوله تعالى
«إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ
فِي الْأَرْضِ فَساداً» الآية قال الليث بن سعد هي معاتبة للنبي صلى الله
عليه وآله وسلم وتعليم خمس عشرة وانها فقدت منها واحدة (راعيها) اسمه يسار
بالتحتية والمهملة (واستاقوها) أي ساروا بها سيرا عنيفا (فبعث النبي صلى
الله عليه وسلم الطلب) سمى منهم كرز بن جابر الفهري وسعيد بن زيد وكان أمير
السرية كرز ذكر ذلك ابن سعد أو سعيد بن زيد حكاه موسى بن عقبة وروي الطبري
من حديث جرير ابن عبد الله انه كان أمير السرية ولا يصح وسيأتي في ذلك كلام
عند ذكر اسلام جرير (فما ترجل النهار) بالجيم المشددة أي استوى (فقطعت
أيديهم وأرجلهم) زاد الترمذي (من خلاف لم يحسموا) بالحاء المهملة والحسم
قطع مادة الدم بجعل المقطوع في نحو زيت مغلى كيلا ينزفه الدم (وكحل أعينهم)
قال الخطابى الكحل فقء العين بميل أو مسمار محمى وفي الصحيح سمرت بتشديد
الميم وتخفيفها ولمسلم باللام مع التخفيف والسمر فقء العين بأي شيء كان
قاله الخطابي وزعم الواقدي انهم صلبوا قال ابن حجر والروايات الصحيحة ترده
قال في التوشيح لكن في رواية أبي عوانة من طريق انه صلب اثنان وقطع اثنان
وسمل اثنان قال فان صح ذلك فهو أوّل صلب وقع في الاسلام (بالحرة) الارض ذات
الحجارة السوداء (يستسقون فلا يسقون) لانهم محاربون مرتدون فلا حرمة لهم في
سقى الماء ولا غيره وقول القاضي وقد اجمع المسلمون ان من وجب عليه القتل
اذا استسقى لا يمنع الماء قصدا فيجتمع عليه عذابان محله في المسلم (يكدم)
بكسر الدال المهملة أي يعضها باسنانه (أبو قلابة) بكسر القاف وتخفيف اللام
اسمه عبد الله بن زيد الجرمى بالجيم والراء ساكنة (وروي خارج الصحيحين انهم
كحلوا الرعاة) بل ذلك في صحيح مسلم من طريق أنس ورواه أيضا الترمذي وابن
اسحاق وموسي بن عقبة وأهل السير (قال سعيد بن جبير ونزل في ذلك قوله تعالى
إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ الآية) وقال
الضحاك نزلت في قوم من أهل الكتاب كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه
وسلم عهد فنقضوا وقطعوا السبيل وأفسدوا في الارض وقال الكلبي نزلت في قوم
هلال بن عويمر كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم هدنة مشروط فيها
أن لا يعينه ولا يعين عليه ومن مر بهلال الى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فهو آمن فمر قوم من بني كنانة يريدون الاسلام بناس من قوم هلال ولم يكن
شاهدا فقتلوهم وأخذوا أموالهم فنزلت الآية في ذلك (قال الليث بن سعد هى
معاتبة الى آخره) حكاه عنه البغوى في التفسير وروى أبو داود والنسائي عن
أبي الزناد واسمه عبد الله بن ذكوان قال لما قطع النبى صلى الله عليه وسلم
الذين سرقوا لقاحه وسمل أعينهم بالنار عاتبه الله تعالى في ذلك ونزل
إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ الآية
(1/333)
له يقول انما كان جزاؤهم هذا لا المثلة
فلذلك ما قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطيبا الا نهى عن المثلة قلت
وثبت في صحيح مسلم ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان اذا أمر أميرا على
جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله تعالى ومن معه من المسلمين خيرا ثم
قال اغزوا بسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا
تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا ثم اختلف العلماء في ترديد أو في الآية
الكريمة فقال مالك هى على التخيير فيتخير الامام بين هذه الامور الا القاتل
فيتحتم قتله وقال أبو حنيفة الامام بالخيار وان قتلوا وقال الشافعي أوهنا
للتقسيم فان قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا وان قتلوا وأخذوه صلبوا مع القتل
وان أخذوه ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وان اخافوا الطرق ولم
يأخذوا عزروا وهو النفي عنده قال أصحابنا فكما تفاوت ضررها اختلفت عقوبتها
وفي هذا الحديث حجة لمالك وأحمد حيث (يقول انما كان جزاؤهم هذا) أى القتل
وما بعده (لا المثلة) وحاصل كلام الليث وابي الزناد ان فعله صلى الله عليه
وسلم بالعرنيين ذلك كان قبل نزول الحدود وآية المحاربة والنهى عن المثلة
وان ذلك منسوخ والصحيح ما مر انه صلى الله عليه وسلم انما فعل ذلك بهم
قصاصا (أو سرية) هى قطعة من الجيش تخرج منه تغير وترجع اليه قال ابراهيم
الحربي هى الخيل تبلغ اربعمائة ونحوها سميت سرية لانها تسرى بالليل وتخفي
ذهابها فعلية بمعنى فاعلة من سرى وأسرى اذا ذهب ليلا (في خاصته) في ذات
نفسه (ولا تغدروا) بكسر الدال (ولا تقتلوا وليدا) فيه تحريم الغدر والغلول
وقتل الصبيان اذا لم يقاتلوا وكراهة المثلة واستحباب وصية الامام الامير
والجيش بتقوى الله والرفق بتباعهم وتعريفهم ما يحتاجون اليه في غزوهم وما
يجب عليهم وما يحل لهم وما يكره وما يستحب (وقال أبو حنيفة الامام بالخيار
وان قتلوا) انما نقل البغوى هذه المقالة عن سعيد بن المسيب والحسن ومجاهد
وأما أبو حنيفة فمذهبه في ذلك كمذهبنا نعم عنده فيما اذا قتل وأخذ المال
الامام مخير بين القطع من خلاف والقتل وبين القتل والصلب (وقال) قتادة
والاوزاعي و (الشافعي أوهنا) أى في الآية للتقسيم لا للتخيير (فان قتلوا)
قتلا يوجب قودا (ولم يأخذوا المال قتلوا) حتما قودا فان عفى ولى الدم فحدا
(وان قتلوا) قتلا يوجب قودا (وأخذوا) المال وقدره ربع دينار كالسرقة (صلبوا
مع القتل) فقيل يصلبون أحياء ثلاثة أيام ثم يقتلون وهو قول ابن عباس والليث
بن سعد وذهب اليه أبو حنيفة ومذهب الشافعى ان الصلب يكون بعد القتل وبعد ان
يغسلوا ويصلى عليهم (وأخذوه) أى المال (ولم يقتلوا) أو قتلوا قتلا لا يوجب
قودا (قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف) فيقطع في المرة الاولى كوع اليد اليمنى
ورجله اليسري أو ما بقى منهما وفي المرة الثانية كوع اليد اليسرى ورجله
اليمني أو ما بقى منهما (ولم يأخذوا عزروا وهو النفى) المذكور في قوله
تعالى أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ (عنده) أى الشافعي وكذا عند موافقيه
ويجب رد المال الى أهله ومن تاب من قطاع الطريق قبل الظفر به سقط عند الحد
الذى لله تعالى
(1/334)
يقولان بطهارة بول ماكول اللحم وروثه وأجاب
الشافعى والاكثرون بأن هذا للتداوي وهو جائز بكل النجاسات سوى الخمر
والمسكرات* وفيها غزا زيد بن حارثة بني فزارة فأصيب أصحابه ونجا زيد جريحا
فحلف أن لا يغتسل من جنابة حتى يغزوهم فغزاهم ثانية فظفر بهم وقتل أم قرفة
وكانت في بيت شرف من قومها وتقول العرب أعز من أم قرفة قيل كان يعلق في
بيتها خمسون سيفا كلهم ذو محرم لها* وفي هذه السنة ماتت أم رومان زوجة أبى
بكر وأم ولديه عائشة وعبد الرحمن ويقال ماتت أم رومان سنة أربع وهو وهم من
حيث انه جرى ذكرها في حديث الافك في الصحيحين والافك بعد ذلك ووهم كثيرون
أيضا ممن ادعي موتها في حياة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لتصريح
مسروق في صحيح البخارى بالسماع منها وقوله سألت أم رومان وقال الآخرون
صوابه سئلت بالياء والله أعلم ولما ماتت دخل النبي صلى وبقي غيره وهو
مستثنى في ذلك من سائر حدود الله فلا يسقط منها شىء بالتوبة (سوي الخمر)
لقوله صلى الله عليه وسلم انه ليس بدواء ولكنه داء رواه مسلم قال السبكى
وما تقوله الاطباء في التداوى بها فشئ كان قبل التحريم وأما بعده فان الله
قادر على كل شىء سلبها ما كان فيها من المنافع وقيس بها سائر (المسكرات)
نعم ان أفضي الامر الي الهلاك وجب شربها كما يجب على المضطر أكل الميتة
نقله الامام عن اجماع الاصحاب وفيها غزا زيد بن حارثة (أم قرفة) بكسر القاف
وسكون الراء ثم فاء اسمها فاطمة بنت حذيفة بن بدر قال الواقدي كنيت بابنها
قرفة قتله النبي صلى الله عليه وسلم وما في الكتاب كسيرة ابن اسحاق ان زيدا
هو الذي قتلها هو الصحيح لا ما في سيرة الواقدى انها قتلت يوم بزاخة مع
بنيها حكمة وجبلة وشريك ووالان ورمل وحصن قال السهيلي وذكر الدولابي ان
زيدا حين قتلها ربطها بفرسين ثم ركضهما حتى ماتت لسبها رسول الله صلى الله
عليه وسلم انتهي وفي هذه السنة (أم رومان) بضم الراء زينب وقيل كما سبق (من
حيث انه) بكسر الهمزة (ووهم) الخطيب (وكثيرون) من الحفاظ (ادعي وفاتها) سنة
ست (فى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم) تبعا للواقدى وذلك (لتصريح
مسروق) هو ابن الاجدع (في صحيح البخارى) فى غزوة انمار وغيرها (وقوله سألت
أم رومان) وفي أخرى أيضا حدثتنى أم رومان فكيف يسألها أو تحدثه اذا كانت
ماتت في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لم يأت المدينة الا بعد
وفاته فتعين تأخر وفاتها عن وفاته صلى الله عليه وسلم اذ جاء ذلك في
الاسانيد الصحيحة ويدل عليه ما في الصحيح ان آية التخيير لما نزلت قال لا
تعجلي حتى تؤامري أبا بكر زاد أحمد في مسنده أبا بكر وأم رومان ولمسلم حتى
تستشيري أبويك وكان نزولها سنة تسع وقد نظر البخاري في تاريخه الاوسط
والصغير في مقالة الواقدى وتباعه وروى ذلك فيهما عن على بن زيد عن القاسم
قال في التوشيح وقد جزم الحربي بان مسروقا سمع منها وله خمس عشرة سنة (وقال
الآخرون صوابه سئلت) بالبناء للمفعول يرده
(1/335)
الله عليه وآله وسلم في قبرها واستغفر لها
مراعاة لابي بكر وعائشة وقضاء لحقها حيث انها ختنته*
[مطلب في ارسال رسول الله بكتبه الى ملوك الاقاليم الجبابرة]
وفي ذى الحجة منها جهز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكتبه الى ملوك
الاقاليم الجبابرة يرغبهم ويرهبهم فبعث دحية بن خليفة الكلبى الى قيصر وعبد
الله بن حذافة السهمى الى كسرى وعمرو بن أمية الضمري الى النجاشى وحاطب بن
أبي بلتعة الى المقوقس وشجاع ابن وهب الى الحارث بن أبى شمر الغسانى وسلط
بن عمرو العامرى الى هوذة بن علي الحنفى فمما اشتهر من ذلك واتفق عليه
الصحيحان كتابه الى هرقل وهو قيصر وقد فرقه البخارى في مواضع وأتى به مسلم
في موضع واحد كما هي عادته وكلاهما يرويه عن أبى سفيان صخر بن حرب وليس له
في الصحيحين غيره ثم انهما يرويانه من رواية عبيد الله بن عتبة عن ابن عباس
قال حدثني أبو سفيان من فيه الى فيّ قال انطلقت في المدة التى كانت بيني
وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فينما انا بالشام إذ جيء بكتاب من
النبي صلى الله عليه وآله وسلم الى هرقل قال وكان دحية الكلبي جاء به فدفعه
الى عظيم بصرى فدفعه عظيم بصرى الى هرقل قال فقال هرقل هل هاهنا من أحد من
قوم هذا الرجل الذي يزعم انه نبى قالوا نعم قال فدعيت في نفر من قريش
فدخلنا على هرقل فأجلسنا بين يديه فقال ايكم أقرب نسبا من هذا الرجل الذى
ما في الرواية الثانية حدثتني أم رومان (ختنته) أى طهرته. وفي ذي الحجة
(دحية) بكسر الدال وفتحها وسكون الحاء المهملة (فائدة) أخرج الحارث في
مسنده من حديث دحية ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ينطلق بكتابي
هذا الى قيصر وله الجنة قالوا وان لم يقتل يا رسول الله قال وان لم يقتل
فانطلق به رجل يعنى دحية وذكر الحديث (حاطب) بالمهملتين (بلتعة) بفتح
الموحدة وسكون اللام وفتح الفوقية ثم مهملة (المقوقس) بضم الميم وقافين
الاولى مفتوحة والثانية مكسورة بينهما واو ساكنة وآخره مهملة (وشجاع) بضم
المعجمة (شمر) بكسر المعجمة وسكون الميم ثم راء (وسليط) بالمهملتين مكبر
(هوذة) بفتح الهاء وسكون الواو ثم معجمة (هرقل) اسم علم له وهو (قيصر) لقبه
(من فيه الى في) تأكيد لسماعه وياء في مشددة (عظيم بصري) هو الحرث بن أبي
شمر الغساني الذي أرسل اليه شجاع بن وهب (وبصرى) مدينة بين المدينة الشريفة
ودمشق وهي بضم الموحدة والقصر (فدفعه عظيم بصري الى هرقل) اي ارسله اليه مع
عدى بن حاتم كما في واية ابن السكن في معجم الصحابة في نفر من قريش أي من
الركب الذين جاؤا معه وكانوا نحو عشرين كما في رواية ابن السكن أو ثلاثين
كما رواه الحاكم في الاكليل قال ابن حجر ولعل ذلك ثانيا جمعا بين الروايتين
وكان منهم المغيرة بن شعبة كما في مصنف ابن أبي شيبة بسند مرسل (أقرب نسبا)
ضمن أقرب
(1/336)
يزعم انه نبي قال أبو سفيان فقلت انا
فاجلسونى بين يديه واجلسوا أصحابى خلفي ثم دعا بترجمانه فقال قل لهم انى
سائل هذا عن هذا الرجل الذى يزعم انه نبي فان كذبني فكذبوه قال أبو سفيان
وأيم الله لولا ان يأثروا علىّ الكذب لكذبت ثم قال لترجمانه سله كيف حسبه
فيكم قال قلت هو فينا ذو حسب قال فهل كان من آبائه من ملك قلت لا قال فهل
كنتم تتهمونه بالكذب قبل ان يقول ما قال قلت لا قال فهل تبعه أشراف الناس
أم ضعفاؤهم قال قلت بل ضعفاؤهم قال ايزيدون أم ينقصون قلت لابل يزيدون قال
فهل يرتد أحد منهم عن دينه بعد ان يدخل فيه سخطة له قال قلت لا قال فهل
قاتلتموه قلت نعم قال فكيف كان قتالكم اياه قال قلت يكون الحرب بيننا وبينه
سجالا يصيب منا ونصيب منه قال فهل يغدر قال قلت معنى أوصل ومن ثم عداه
بالباء (فقال بهذا) وفي البخارى في التفسير من هذا وفي الجهاد الى هذا وهو
على الاصل وانما سأل قريب النسب لانه يكون أعلم بحاله وابعد من أن يكذب في
نسبه وغيره (واجلسوا أصحابى خلفي) أي لئلا يستحيوا أن يواجهوه بالتكذيب اذا
كذب كما صرح به الواقدى في روايته (بترجمانه) كذا للاصيلي وغيره في صحيح
البخاري وهو كذلك في مسلم أيضا ومعناه أرسل اليه رسولا أحضره صحبته وفي
كثير من النسخ بحذف التاء والترجمان بفتح الفوقية وضم الجيم ويجوز ضم أوله
اتباعا ويجوز فتح الجيم المعبر عن لغة بلغة وهو معرب وقيل عربي والتاء فيه
اصلية وقال الجوهري زائدة وانكروا عليه (كذبني) بالتخفيف أي نقل الي الكذب
ويتعدي الى مفعولين فيقال كذب زيد عمر الحديث وأما بالتشديد فالى مفعول
واحد وكذا صدق (قال أبو سفيان) سقط اسمه في بعض نسخ البخاري فاشكل ظاهره
(يأثروا) أى ينقلوا والأثر النقل والمأثور المنقول أي لولا خوفي أن رفقتى
ينقلوا (عني الكذب) الي قومى ويتحدثوا به بمكة (لكذبت عليه) أي على أوصافه
صلى الله عليه وسلم وعبته لبغضى اياه ومحبتي مخالفته وفي رواية ابن اسحاق
فو الله لو كذبت ما ردوا علىّ ولكني كنت أميرا سيدا اتكرم عن الكذب ففيه
دليل على ان الكذب كان قبيحا في الجاهلية كما هو في الاسلام (كيف حسبه) أي
نسبه كما في رواية في الصحيح أي ما حاله هو من اشرافكم أم لا (ذو حسب) عظيم
والتنكير فيه للتعظيم ولابن اسحاق قلت في الذروة وهى بكسر المعجمة وضمها
اعلاما في البعير من السنام أي هو من اعلانا نسبا (من ملك) كذا في بعض نسخ
البخاري فتكون من جارة وملك بكسر اللام اسم مجرور بها ولابن عساكر وغيره
بفتح من وملك بفتح اللام فعل ماض وفي بعض نسخ البخارى وجميع نسخ مسلم بحذف
من (فاشراف الناس) المراد بهم أهل النخوة والكبر لاكل شريف والا لورد مثل
أبي بكر وعمر وفي رواية ابن اسحاق تبعه منا الضعفاء والمساكين والاحداث
وأما ذوو الاسنان والشرف فما تبعه أحد (سخطة) بضم السين وفتحها أى كراهة
وعدم رضا به (سجالا) بكسر السين وتخفيف الجيم أى نوبة لنا ونوبة له كمساجلة
المستقين بالسجل وهو الدلو (يصيب منا ونصيب منه) جملة مفسرة لقوله سجالا
(فهل يغدر) أى يتقض العهد وهو بكسر الدال
(1/337)
لا ونحن منه في هذه المدة لا ندرى ما هو
صانع فيها قال فو الله ما أمكننى من كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه قال فهل
قال هذا القول احد قبله قلت لاثم قال لترجمانه قل له اني سألتك عن حسبه
فيكم فزعمت انه فيكم ذو حسب وكذلك الرسل تبعث في احساب قومها وسألتك هل كان
في آبائه ملك فزعمت ان لا فقلت لو كان في آبائه ملك لقلت رجل يطلب من ملك
أبيه وسألتك عن أتباعه أضعفاؤهم أم أشرافهم فقلت بل ضعفاؤهم وهم اتباع
الرسل وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل ان يقول ما قال فزعمت أن لا فعرفت
انه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يذهب فيكذب على الله وسألتك هل يرتد
احد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له فزعمت أن لا وكذلك الايمان اذا
خالط بشاشة القلوب وسألتك هل يزيدون أو ينقصون فزعمت انهم يزيدون وكذلك
الايمان حتى يتم وسألتك هل قاتلتموه فزعمت أنكم قاتلتموه فيكون الحرب بينكم
وبينه سجالا ينال منكم وتنالون منه وكذلك الرسل تبتلي ثم تكون لهم العاقبة
وسألتك هل يغدر فزعمت انه لا يغدر وكذلك الرسل لا نغدر وسألتك هل قال هذا
أحد قبله فزعمت ان لا فقلت لو كان قال هذا القول احد قبله قلت رجل ائتم
بقول قيل قبله ثم قال بم يأمركم قال قلت يأمرنا بالصلاة (ما أمكننى من كلمة
أدخل فيها شيئا) أتنقصه به (غير هذه) بالكسر صفة كلمة ويجوز الفتح زاد ابن
اسحاق فو الله ما التفت هرقل اليها أى الى هذه الكلمة منى (فهل قال هذا
القول أحد) زاد البخاري في رواية قط واستعمالها بغبر اداة نفي نادر قال في
التوشيح ويحتمل تقديره أي أولم يقله أحد قط (قبله) فى بعض نسخ البخاري مثله
(تبعث في احساب قومها) ليكون ابعد من انتحاله الباطل وأقرب الي الانقياد له
(وهم اتباع الرسل) كما حكا الله عن قوم نوح قالوا أنؤمن لك واتبعك الارذلون
وذلك لانفة الاشراف من تقدم غيرهم عليهم بخلاف الضعفاء فيسرعون الي
الانقياد واتباع الحق (اذا خالط بشاشة القلوب) بنصب بشاشة واضافته الى
القلوب أى اذا خللط الايمان انشراح الصدر وروي بشاشة بالرفع فاعل والقلوب
بالنصب مفعول أي اذا خالط بشاشة الايمان وهو شرحه القلوب التى يدخل فيها
وفي رواية ابن السكن زيادة تزداد بها عجبا وفرحا وفي رواية ابن اسحاق وكذا
حلاوة الايمان لا تدخل قلبا فيخرج منه (وكذلك الرسل تبتلي) ليعظم لهم الاجر
بكثرة صبرهم وبذلهم وسعهم في طاعة الله تعالى (ثم تكون لهم العاقبة) كما
كانت لنوح وهود وصالح وابراهيم ولوط وشعيب وموسي وغيرهم من الانبياء على
قومهم قال تعالي كتب الله لاغلبن أنا ورسلي (وكذلك الرسل لا تغدر) لان
مطلوبهم وجه الله تعالى والدار الآخرة ولا محل للغدر في ذلك انما محله طلب
حظوط الدنيا لانه يتوصل اليها به (ائتم) وتاسى وأتسى اقتدي وكلها جاءت في
الصحيح
(1/338)
والزكاة والصلة والعفاف قال ان يك ما تقول
حقا فانه نبي وقد كنت أعلم انه خارج ولم أك اظنه منكم ولو أعلم اني اخلص
اليه لاحببت لقاءه وفي رواية للبخاري لتجشمت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن
قدميه وليبلغن ملكه ما تحت قدمي ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم فاذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله الى هرقل عظيم
الروم سلام على من اتبع الهدى* أما بعد فانى أدعوك بدعاية الاسلام أسلم
تسلم وأسلم يؤتك الله اجرك مرتين (والصلة) يعني ما أمر الله به أن يوصل من
رحم وغيره وذلك بالبر والاكرام وحسن المراعاة (والعفاف) الكف عن المحارم
وخوارم المروءة (ان يك ما تقول حقا فانه نبى) أخذ ذلك من التوراة وغيرها من
الكتب القديمة ففيها كهذا أو قريب منه من علاماته صلى الله عليه وسلم وأما
الدليل القاطع على النبوة فهو المعجزة الظاهرة والخارقة للعادة قاله
المازرى وغيره (اخلص) بضم اللام أى أصل (لتجشمت) بالجيم والمعجمة أي تكلفت
وهو أصح معنى من رواية مسلم لا حببت لقاءه (لغسلت عن قدميه) مبالغة في
الطاعة له (ما تحت قدمي) بالتثنية (بدعاية الاسلام) بكسر الدال أى دعوته
ولمسلم بداعية الاسلام أي بالكلمة الداعية اليه وهي شهادة ان لا اله الا
الله وان محمدا رسول الله والباء بمعنى الى (اسلم تسلم) هذا من جوامع كلمه
وبدائع حكمه التي لا توازى فصاحة ولا تتراءي بلاغة وفيه نوع من الجناس
(اسلم يؤتك الله أجرك مرتين) كما وعد في كتابه العزيز فقال الذين آتيناهم
الكتاب الى أن قال أولئك يؤتون أجرهم مرتين موافق لقوله صلى الله عليه وسلم
ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وادرك النبى صلى الله
عليه وسلم فآمن به واتبعه وصدقه فله اجران وعبد مملوك ادى حق الله وحق سيده
فله اجران ورجل كانت له أمة فغذاها فأحسن غذاءها ثم أدبها فأحسن تأديبها
وعلمها فأحسن تعليمها ثم اعتقها وتزوجها فله أجران رواه أحمد والشيخان
والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي موسى قوله رجل من أهل الكتاب يشمل
اليهود والنصارى لان الآية نزلت في عبد الله بن سلام ورفاعة القرظي وهما
يهوديان خلافا لما نقله الزركشى عن الداودي في اختصاص ذلك بالنصارى وذلك
مستمر الى يوم القيامة وفاقا للبلقينى وخلافا للكرمانى والانثي كالذكر في
ذلك وبقيت خصال أخرى توجب تضعيف الاجر تنيف على ثلثين نظمها السيوطي في شرح
الموطأ فقال
وجمع أتى فيما رويناه انهم ... ينالهم أجر حووه محققا
فأزواج خير الخلق أولهم ومن ... على زوجها أو للقريب تصدقا
وفاز بجهد ذو اجتهاد أصاب ... والوضوء اثنتين (7) والكتابى صدقا
وعبد أتي حق الاله وسبد ... وعامر يسري مع غنى له تقا
ومن أمة يشري فأدب محسنا ... وينكحها من بعده حين اعتقا
ومن سن خيرا أو أعاد صلاته ... كذاك جبان اذ يجاهد ذا شقا
(1/339)
فان توليت فان عليك اثم الاريسيين ويا أهل
الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد الا الله ولا نشرك به
شيأ ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بأنا
مسلمون فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الاصوات عنده وكثر اللغط فأمر بنا
فأخرجنا قال فقلت لاصحابى حين خرجنا لقد أمر أمر ابن أبى كبشة
كذاك شهيد في البحار ومن أتى ... له القتل من أهل الكتاب وألحقا
وطالب علم مدرك ثم مسبع ... وضوء لذى البرد الشديد محققا
ومستمع في خطبة قد دنا ومن ... تأخر صف أوّل مسلما وقا
وحافظ علم مع امام مؤذن ... ومن كان في وقت الفساد موفقا
وعامل خير مخفيا ثم ان بدا ... يري فرحا مستبشرا بالذي التقى
ومغتسل في جمعة عن جنابة ... ومن فيه حقا قدغدا متصدقا
وماش يصلي جمعة ثم من أتى ... بذا اليوم خيرا ما فضعفه مطلقا
ومن حتفه قد جاءه من سلالة ... ونازع نعل ان لخير تسبقا
وماش لدى تشييع ميت وغاسل ... يدا بعد أكل والمجاهد حققا
ومتبع ميتا حياء من أهله ... ومستمع القرآن فيما روى التقا
وفي مصحف يقرا وقاريه معربا ... بتفهيم معناه الشريف محققا
(اثم الاريسيين) هم الا كارون الفلاحون والزراعون كما في رواية المدائني من
طريق مرسلة فان عليك اثم الفلاحين وقيل هم العشارون يعنى أهل المكس أخرجه
الطبراني في الكبير من طريق الليث بن سعد عن يونس فان صح فالمراد المبالغة
في الاثم كقوله تعالى في المرأة التى اعترفت بالزنا لقد تابت توبة لو تابها
صاحب مكس لغفر له قال ابن حجر واحدهم أريسي منسوب الى أرئس وقد قلبت همزته
ياء كما جاءت به رواية في الصحيحين وغيرهما وقال ابن السكن هم اليهود
والنصاري والمعنى ان عليك اثم رعاياك واتباعك ممن صددته عن الاسلام فاتبعك
على كفرك وقيل هم اتباع عبد الله بن اريس الذى وحد الله عند ما تفرقت
النصاري قال الخطابي أراد ان عليك اثم الضعفاء والاتباع اذا لم يسلموا
تقليدا له لان الاصاغر اتباع الاكابر وقيل هم الملوك الذين يقودون الناس
الي المذاهب الفاسدة ويأمرونهم بها (ويا أهل الكتاب) سقطت الواو من رواية
الاصيلى وأبي ذر في صحيح البخارى وعليه فهى داخلة على مقدر معطوف على قوله
أدعوك بدعاية الاسلام وأقول لك ولاتباعك امتثالا لقول الله تعالى يا أهل
الكتاب (لقد أمر) بفتح الهمزة وكسر الميم (أمر) شأن (ابن أبى كبشة) نسبوه
الي غير نسبه المشهور عداوة له صلى الله عليه وسلم لان عادة العرب اذا
انتقصت نسبت الى جد غامض قال أبو الحسن الجرجاني في انسابه ثم اختلف في أبي
كبشة الذي نسب اليه من هو فقيل رجل من خزاعة كان يعبد الشعرى مخالفا للعرب
فنسبوه اليه لمخالفته اياهم كمخالفة أبى كبشة فعلى هذا لم يريدوا عيبه انما
أرادوا مجرد التشبيه كما روى عن الزبير بن بكار في كتاب الانساب وقيل كان
جده وهب أبو آمنة يكني
(1/340)
انه ليخافه ملك بني الاصفر قال فما زلت
موقنا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم انه سيظهر حتى أدخل الله علي
الاسلام زاد البخاري قال الزهري فدعا هرقل بطارقة الروم فجعلهم في دار له
فقال يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد الى آخر الابد وان يثبت لكم
ملككم قال فحاصوا حيصة حمر الوحش الى الابواب فوجدوها قد أغلقت قال علي بهم
فدعا بهم فقال انى اختبرت شدتكم على دينكم فقد رأيت منكم الذي أحببت فسجدوا
له ورضوا عنه وفي صحيح البخاري زوائد أخر تركتها اختصارا
[فصل: في فوائد خبر هرقل وما تضمنه من الآداب
والأخلاق]
(فصل) في فوائد هذا الحديث قال الخطابى اذا تأملت معانى ما استقراه هر قل
يعني من أوصافه صلى الله عليه وسلم تبينت قوة ادراكه ولله دره من رجل لو
ساعد معقوله مقدوره بذلك وعمرو بن زيد أبو سلمي أم عبد المطلب وأبو قيلة أم
وهب أبي آمنة والدته وهو الذي خالف العرب فعبد الشعرى والحرث بن عبد العزى
أبوه من الرضاعة قيل وعمرو والد حليمة مرضعته صلى الله عليه وسلم (انه
ليخافه) بكسر الهمزة استئنافا لا بفتحها لما في رواية انه لتخافه ولام
الابتداء لا تدخل الاعلى ان المكسورة (بني الاصفر) هم الروم نسبوا الى
الاصفر بن الروم بن العيص بن اسحاق بن ابراهيم قاله ابن اسحاق والحربى
وغيرهما قالوا وهو أشبه وقال ابن الانباري انما سموا بذلك لان جيشا من
الحبشة غلبوا على بلادهم في وقت فوطئوا نساءهم فولد الاولاد صفرا بين سواد
الحبشة وبياض الروم وقال ابن هشام انما لقب الاصفر لان جدته سارة زوجة
الخليل حلته بالذهب (فما زلت موقنا) زاد في حديث عبد الله بن شداد عن أبي
سفيان فما زلت مرعوبا من محمد حتى أسلمت نقله في التوشيح (حتي أدخل الله
على الاسلام) لم يقل حتي أسلمت اشارة الى ان الاسلام دخل عليه في ابتداء
الامر كرها (الفلاح) النجاة (والرشد) بضم الراء وسكون الشين وبفتحها (آخر
الآية) بالنصب بنزع الخافض أي الى آخر الآية زاد البخارى في رواية فتبايعوا
هذا النبى صلى الله عليه وسلم من المبايعة بالموحدة فالتحتية وللكشميهني من
المتابعة بالفوقية فالموحدة (فحاصوا) بالمهملتين أى نفروا (حيصة حمر الوحش)
أنما شبههم بها دون غيرها من الوحوش لمناسبة الجهل وعدم الفطنة
(فصل) فى فوائد هذا الحديث (استقرأه) بالهمز طلب من القراءة (لله دره) كلمة
تقال في التعجب وربما قالوا در دره بمعناه ويقولون في الدعاء على الشخص لا
در دره أي لاكثر خيره قال الفراء اختصوا الدر بذلك لان العرب تفصد الناقة
وتشرب لبنها ويشربون ماء كرشها فاللبن أفضل هذا المشروب وقيل أصله أن الرجل
تكون له اللقحة النفيسة فيجعل درها لله أي لبنها فلا يحلبها ولا يركبها
فيعجب الناس ذلك ويقولون لله دره ثم كثر حتى صار في موضع التعجب من كل شيء
(مفعوله) مفعول (مقدوره) فاعل أي لو قدر الله له فوافق القدر ما أداه اليه
عقله حتى قال وان الرجل لنبي لكان آمن وعاد أمره الى ما قدر له في الازل من
السعادة واما اذا قدر له في الازل الشقاوة فليس مجرد عقله نافعا له فمن ثم
آل أمره الى ما قدر له من
(1/341)
قال غيره وانما شح بالملك وأخلد الى
الرياسة فآثرها على الاسلام ولو أراد الله هدايته لوفقه كما وفق النجاشي
وما زالت عنه الرياسة* اللهم انا نسألك التوفيق ونعوذبك من الخذلان
والتعويق وهرقل بكسر الهاء وفتح الراء وسكون القاف كدمشق وهو اسم علم له لا
ينصرف للعلمية والعجمة وأما قيصر فهو لقب لكل من ملك الروم كما يقال لملك
الفرس كسرى والحبشة النجاشي والترك خاقان والقبط فرعون وحمير قيل واليمن
تبع وفي هذا الحديث انه يستحب تصدير الكتاب ببسم الله الرحمن الرحيم أو
الحمد لله وكل سنة وفيه ان الكاتب يبدأ باسم نفسه ثم باسم المكتوب اليه قال
قوم هذا في الكتاب أما في العنوان فبالعكس والصواب لا فرق ومن فوائده أنه
يستحب في المكاتبات التوقى من المجازفات وخطاب كل على حسب ما يقتضيه حاله
فلا يفرط ولا يفرط وخيار الامور أوسطها فقد أتى صلى الله عليه وعلى آله
وسلم في كتابه هذا مع ما فيه من الزجر والردع بنوع من الاكرام والتلطف
الشقاوة فمات على نصرانيته كما روي أحمد في مسنده قال كتب هرقل من تبوك الى
رسول الله صلى الله عليه وسلم اني مسلم فقال صلى الله عليه وسلم كذب بل هو
على نصرانيته قلت لعله أراد الاسلام اللغوى فكذبه النبي صلى الله عليه وسلم
في الاسلام الحقيقي وشذ من قال انه آمن وفي رواية عبد الله بن شداد عن أبي
سفيان لو علمت انه هو لمشيت اليه فهذا يدل على انه بقي معه شك في أمره صلى
الله عليه وسلم (قال غيره) كالبخاري في التصحيح (شح) بخل والشح أسوأ البخل
(وأخلد) ركن ومال (وما زالت عنه الرياسة) بل كانت تزداد بالاسلام (وهرقل
بكسر الهاء وفتح الراء وسكون القاف كدمشق) في الاشهر وقيل بسكون الراء وكسر
القاف على وزن خروع (خاقان) بالمعجمة والقاف اسم لكل ملك خقنته الترك على
أنفسهم أي ملكوه ورأسوه (القبط) بكسر القاف وسكون الموحدة ثم طاء مهملة
(ومن ملك حمير القيل) بفتح القاف وسكون التحتية وقيل القيل أقل درجة من
الملك ومن ملك اليمن (تبع) ومن ملك مصر العزيز ومن ملك المسلمين يقال له
أمير المؤمنين قال المطرز وابن خالويه وآخرون (ببسم الله) أي يكتب بسم الله
(والحمد لله) بالرفع على الحكاية (وكل سنة) وان كان المكتوب اليه كافرا فيه
(وان الكاتب يبدأ باسم نفسه ثم باسم المكتوب اليه) فيقول من زيد الى عمرو
مثلا وهو الصحيح الذي اجمع عليه الصحابة وقاله اكبر العلماء كما نقله عنهم
أبو بكر بن النحاس في كتابه صناعة الكتاب قال ورخص جماعة في ان يبدأ باسم
المكتوب اليه فيقول الى عمرو من زيد مثلا وروي بسنده ان زيد بن ثابت كتب
الى معاوية مبتدأ باسمه (العنوان) بضم العين ثم نون ما يكتب على ظهر الكتاب
من اسم المكتوب اليه (المجازفات) بالجيم والزاي والفاء أي المبالغات في
الوصف لترتب الكذب عليها غالبا (فلا يفرط) بالتخفيف لا يجاوز الحد (ولا
يفرط) بالتشديد لا يقصر (وخيار الامور) كلها (أوساطها) ولذلك شواهد مشهورة
(1/342)
ممتثلا لما امر به من الانة القول والدعاء
الى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة مع التوقى من المجازفة حيث قال عظيم
الروم ولم يقل ملكهم لانه لا ملك له ولا لغيره بحكم الاسلام وفي هذا الحديث
دليل على ان من كان سببا لضلالة قوم كان اثمه كاثم جميعهم فلذلك قال صلى
الله عليه وعلى آله وسلم فان توليت فعليك اثم الاريسيين وهم اتباعه الذين
يترتب اسلامهم على اسلامه ومن ذلك قوله تعالى وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ
وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ وفيه غير ذلك والله أعلم وأما كتاب كسرى ففي
صحيح البخاري ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر عبد الله بن حذافة أن
يدفعه الى عظيم البحرين فدفعه عظيم البحرين الى كسرى فلما قرأه مزقه فحسب
ابن المسيب قال فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق قيل
هلك منهم عند ذلك اربعة عشر ملكا في سنة حتى ملكوا امرهم امرأة ولما سمع
رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك قال لن يفلح قوم ملكوا أمرهم امرأة ثم
اندرس أمرهم الى آخر الابد فلم يبق لهم ملك ولا مملكة كما بقي للروم ولقد
أجاد القول في ذلك محمد بن سعيد الابوصيري حيث يقول في فصل مولده صلى الله
عليه وسلم
وبات ايوان كسرى وهو منصدع ... كشمل أصحاب كسرى غير ملتئم
في الكتاب والسنة (الانة) بكسر الهمزة مصدر ألان الكلام يلينه الانة وهو ضد
الخشونة (لا ملك له ولا لغيره بحكم) دين (الاسلام) ولا سلطان لاحد الا لمن
ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ولاه من أذن له وان ما ينفذ من
تصرفات الكفار لا ينفذ الا لضرورة (وفيه غير ذلك) كاستحباب أما بعد وتحريم
قتال من لم تبلغه الدعوة والعمل بخبر الواحد وجواز السفر الى أرض الكفار
بآية أو اثنتين ضمن كتاب وجواز حمل الحديث انه أو آيات يسيرة مع غير القرآن
كذا قال النووي والصواب أن يقال لم يكتب له رأسه واستحباب البلاغة والايجاز
وتحري الالفاظ الجزلة والله أعلم (تنبيه) وقع في شرح السهيلي ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم كتب الى هرقل من تبوك في غزوتها وهو وهم مردود بما في
أثناء القصة أن أبا سفيان ومن معه كانوا يومئذ هناك في المدة التي كانت بين
رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم وكان يومئذ كافرا وتبوك انما كانت سنة
تسع بعد الفتح وكان اسلام العباس يوم الفتح والله أعلم (الى عظيم البحرين)
تثنية بحر وعظيم البحرين المنذر بن ساري العبدي بالمهملة وفتح الراء
الممالة (كسرى) بفتح الكاف وكسرها قال السهيلى وغيره هوا برويز بن هرمز (لن
يفلح قوم ولوا أمرهم أمرأة) رواه أحمد والبخاري والترمذي والنسائي عن أبي
بكرة (الابوصيري) تقدم ضبطه (في فصل مولده) بالصاد المهملة (منصدع) منشق
(كشمل) هو ما يجتمع من الانسان ويتفرق (غير ملتئم) غير مجتمع والشاهد من
البيت كشمل أصحاب كسري غير
(1/343)
قيل سقط من الايوان ليلتئذ من الشرفات بعدد
من ملك منهم بعد ذلك والله أعلم*
[تتمة في خبر النجاشي وتكريمه لكتابه صلى الله
عليه وسلم وعودة مهاجري الحبشة]
وأما النجاشي رضى الله عنه فقد كان اسلم وانما بعث اليه النبي صلى الله
عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري في تزويج أم حبيبة رملة بنت ابى سفيان بن
حرب وان يرسل اليه جعفر بن أبي طالب ومن معه من المهاجرين فلما ورد الكتاب
على النجاشي وضعه على عينيه ونزل عن سرير ملكه اجلالا له ثم سارع الى ذلك
وأرسل الى أم حبيبة على يد مولاته أبرهة بأربعمائة دينار فأعطتها أم حبيبة
خمسين دينارا فردتها وقالت امرني الملك ان لا آخذ منك شيأ وقالت انا صاحبة
دهن الملك وثيابه ولقد آمنت بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وحاجتي منك
أن تقرئيه مني السلام وقد أمر الملك لنسائه أن يبعثن اليك ما عندهن من عود
وعنبر وولت أم حبيبة أمرها في التزويج خالد بن سعيد بن العاص ثم وجه
النجاشى جميع من عنده من المسلمين في سفينتبن بجميع ما يحتاجون اليه قالت
أم حبيبة خرجنا الى المدينة فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين
افتتح خيبر فخرج من خرج اليه فأقمت بالمدينة حتى قدم رسول الله ملتئم وأما
انصداع ايوان كسري فانما كان ليلة مولده صلى الله عليه وسلم كما مر (وأما
النجاشي فكان قد أسلم) هو الذى صلى عليه النبى صلى الله عليه وسلم وما في
صحيح مسلم من طريق يوسف بن حماد وليس بالنجاشى الذى صلى عليه النبي صلى
الله عليه وسلم فرواية شاذة تخالفها روايات الجمهور (رملة) بفتح الراء
وسكون الميم (أبرهة) بفتح الهمزة وسكون الموحدة وفتح الراء (باربعمائة
دينار) كذا في تفسير البغوي وغيره ولا ينافيه ما في سنن أبى داود والنسائى
انه أمهرها أربعة آلاف درهم من حساب الدينار بعشرة دراهم وما في الصحيح ان
صداقه صلى الله عليه وسلم لازواجه كان اثني عشر أوقية ونشا وذلك خمسمائة
درهم لا ينافي ذلك لان هذا القدر تبرع به النجاشى من ماله اكراما له صلى
الله عليه وسلم لا انه صلى الله عليه وسلم أداه وعقد به قاله النووى (انا
صاحبة دهن الملك وثيابه) أى المتولية حفظ ذلك (عنبر) وهو نبت في البحر طيب
الرائحة يقذفه البحر وهو نوعان سالم ومبلوع فالسالم ما خرج على هيئته
والمبلوع ما يبتلعه الحوت ثم يخرجه وتنقص بذلك قيمته لنقص رائحته زاد
البغوى فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يراه عليها وعندها فلا ينكر
انتهى أي ففيه دليل على طهارته (خالد بن سعيد بن العاص) بن أمية بن عبد شمس
لكونه ابن عم ابيها وقيل عثمان بن عفان بن العاص بن أمية لذلك أيضا وقيل
النجاشى لكونه أمير الموضع وسلطانه حكى هذه الاقوال القاضى عياض قلت ويؤيد
الثالث ما في سنن أبى داود والنسائي فزوجها النجاشي من النبى صلى الله عليه
وسلم والجمهور على انها زوجت بأرض الحبشة وقيل بالمدينة بعد قدومها «تنبيه»
في صحيح مسلم عن ابن عباس أن أبا سفيان قال للنبي صلى الله عليه وسلم ثلاث
أعطنيهن يا رسول الله قال نعم قال عندي أحسن العرب وأجملها أم حبيبة بنت
أبي سفيان أزوجكها قال نعم قال ومعاوية
(1/344)
صلى الله عليه وسلم فدخلت عليه وكان يسألنى
عن النجاشي وقرأت عليه من أبرهة السلام فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم*
وأما المقوقس فقارب وهادن وبعث أنواعا من الهدايا وسيأتى خبر رسله صلى الله
عليه وآله وسلم الى الملوك وعددهم في فصل منفرد فيما بعد انشاء الله
[الكلام على فتح خيبر وخبر الشاة المسمومة التي
أهديت اليه صلي الله عليه وسلم]
السنة السابعة من الهجرة وهى الستون من مولده صلى الله عليه وآله وسلم اتفق
فيها فتح خيبر. وخيبر اسم جامع لجملة من الحصون والقرى وبينها وبين المدينة
ثلاث مراحل تجعله كاتبا بين يديك قال نعم قال وتأمرنى حتى أقاتل الكفار كما
كنت أقاتل المسلمين قال نعم ففيه أشكال من حيث أن أبا سفيان انما أسلم يوم
الفتح سنة ثمان بلا خلاف وما ذكر من تزوج أم حبيبة كان سنة ست وقيل سنة سبع
حمل القاضي عياضا على استغرابه وابن حزم على ان قال بوضعه قال والآفة فيه
من عكرمة بن عمار قال ابن الصلاح وهذا من جسارته لانه كان هجوما على تخطئة
الائمة الكبار واطلاق اللسان فيهم وحمل ذلك على انه سأله عقد النكاح تطييبا
لقلبه لانه كان ربما يرى ذلك غضاضة من رياسته ومسبة ان تزوج بنته بغير رضاه
أو ظن ان اسلام الاب في مثل هذا يقتضى تجديد العقد قال النووى ليس في
الحديث ان النبى صلى الله عليه وسلم جدد العقد ولا قال لابي سفيان انه
يحتاج الى تجديد ففعله صلى الله عليه وسلم أراد بقوله نعم أى ان مقصودك حصل
وان لم يكن فيه حقيقة عقد (وقرأت عليه من أبرهة السلام فرد رسول الله صلى
الله عليه وسلم) فيه مشروعية الرد على النساء قال المفسرون ونزل في تزويج
أم حبيبة قوله تعالى عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ
الَّذِينَ عادَيْتُمْ منهم مودة يعنى تزويج أم حبيبة قال البغوى وغيره ولما
بلغ أبا سفيان تزويج أم حبيبة قال هو الفحل لا يقرع أنفه (وبعث أنواعا من
الهدايا) قال يوسف بن عبد البر في الاستيعاب روى عبد الرحمن بن زيد بن أسلم
عن أبيه قال حدثني يحيي ابن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه عن جده حاطب بن أبي
بلتعة قال بعثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المقوقس ملك الاسكندرية
فجئته بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فانزلني في منزله فاقمت عنده
ليالى ثم بعث الى وقد جمع بطارقته فقال انى سأكلمك بكلام أحب ان تفهمه عنى
قلت هلم قال أخبرني عن صاحبك اليس هو نبيا قال قلت بلى هو رسول الله قال
فما له حيث هكذا لم يدع على قومه حين أخرجوه من بلدته الى غيرها قال فقلت
له فعيسي بن مريم اتشهد انه رسول الله فما له حيث أخذه قومه فارادوا صلبه
الا يكون دعا عليهم بان يهلكهم الله حتى رفعه الله الي السماء الدنيا قال
أحسنت أنت حكيم جابمسن عند حكيم هذه هدايا ابعث بها معك الى محمد وأرسل معك
من يبلغك الى مأمنك قال فاهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث جوار
منهن أم ابراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرى وهبها رسول الله
صلى الله عليه وسلم لابي جهم ابن حذيفه وأخري وهبها لحسان بن ثابت وارسل
اليه بكتاب مع طرف* السنة السابعة (خيبر) سميت باسم رجل نزل بها من
العماليق كما مر وهو خيبر بن قاينه بن مهلاييل قاله البكري (ثلاث مراحل)
الى جهة الشام
(1/345)
وكان من خبرها ان النبي صلى الله عليه وآله
وسلم لما رجع من الحديبية وقد وعده الله فتح خيبر إثابة عما لحقهم من
الانكسار يومئذ فقال تعالى وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً الى قوله تعالى
وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ الآية فقدم رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم المدينة في ذي الحجة وسار في المحرم الى خيبر فصبحها بكرة على
غرة روينا في الصحيحين واللفظ لمسلم عن أنس قال غزا رسول الله صلى الله
عليه وسلم خيبر فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس وركب نبى الله صلى الله عليه
وآله وسلم وركب أبو طلحة وانا رديف أبي طلحة فأجرى رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم في زقاق خيبر وان ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وآله
وسلم وانحسر الازار عن فخذ نبى الله صلى الله عليه وآله وسلم واني لأرى
بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم فلما دخل وفي التوشيح وغيره انها على
ثمانية برد وذلك أربع مراحل ولعل الكل تقريب (وَعَدَكُمُ اللَّهُ) يا معشر
المؤمنين (مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها) وهي الفتوح التي تفتح عليهم
الى يوم القيامة (فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ) المغانم التي أصبتم بخيبر
(وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ) يعني القبائل من أسد وغطفان الذين
هموا ان يغيروا على المسلمين وذراريهم بالمدينة بعد خروج النبي صلى الله
عليه وسلم الى خيبر فكف الله أيديهم بالقاء الرعب في قلوبهم وقيل يعني أهل
مكة بالصلح (غرة) أي غفلة من أهلها (صلاة الغداة) قال النووى فيه دليل على
عدم كراهية تسميتها بذلك (بغلس) وهو بفتح اللام بقية ظلام الليل (أبو طلح)
اسمه زيد بن سهل كما مر (وانا رديف أبى طلحة) فيه جواز الارداف اذا اطاقته
الدابة وقد فعله صلى الله عليه وسلم كثيرا (فاجرى نبي الله) فيه ان ذلك لا
يخرم المروءة ولا يخل بمراتب أهلها سيما عند الحاجة (فى زقاق خيبر) بضم
الزاى وبالقاف المكررة هي الطريق الضيقة بين الابنية (وان ركبتى لتمس فخذ
نبي الله صلى الله عليه وسلم) استدل به أحمد على جواز كشف اليسير من العورة
وأبو حنيفة على جواز كشف قدر درهم من السوأتين وقدر أربع دراهم من غيرها
وأصحاب مالك وغيرهم ممن يقول ان الفخذ ليس بعورة وذلك عند أصحابنا محمول
على العذر كما تقتضيه قرينة الحال جمعا بينه وبين حديث ابن عباس عند أحمد
والترمذى والحاكم غط فخذك فان فخذ الرجل من عورته وحديث جرهد بفتح الجيم
وسكون الراء وفتح الهاء ثم مهملة عند مالك والترمذي وابن حبان غط فخذك فان
الفخذ من العورة وحديث محمد بن عبد الله بن جحش وهو صحابى ابن صحابي عند
احمد والحاكم غط فخذك فان الفخذ عورة (وانحسر الازار) أي انكشف وللبخارى ثم
حسر الازار وهو مبنى للفاعل وللاسماعيلي أندحر الازار أي سقط (فائدة) انما
كرر أنس ذكره صلى الله عليه وسلم ظاهرا ولم يأت بالضمير قاصدا الالتذاذ
بذكره صلى الله عليه وسلم ومعظما لشأنه ومبينا لمحبته له صلى الله عليه
وسلم الشديد لان ذكر الحبيب يحلو في لسان المحب ولذلك قال صلى الله عليه
وسلم في حديث
(1/346)
القرية قال الله أكبر خربت خيبر انا اذا
نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين قالها ثلاث مرات قال وقد خرج القوم الى
أعمالهم فقالوا محمد والخميس يعنون الجيش فلما نزل رسول الله صلى الله عليه
وسلم بساحتهم سار من تلك النواحي من قبائل أسد وغطفان ليظاهروا اليهود
فألقى الله الرعب في قلوبهم فرجعوا ثم هموا أن يخالفوا الى المدينة فأعجزهم
الله تعالى وخلوا بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين اليهود وذلك
قوله تعالى وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ ثم أقبل رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم على حصون خيبر يفتحها حصنا حصنا فافتتح أولا حصن ناعم وعنده
قتل محمود بن سلمة ألقيت عليه رحا فقتلته ثم الغموص حصن بنى ابى الحقيق ومن
سباياه صفية بنت حيى جاء بها بلال وبأخرى معها فمر بهما على القتلى فلما
رأتهم التى مع صفية صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها فلما رآها رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم قال اعزبوا عني هذه الشيطانة وقال يا بلال
أنزعت منك الرحمة حيث تمر بامرأتين على قتلى رجالهما ثم افتتح صلى الله
عليه وآله وسلم حصن الصعب بن معاذ ومنه شبع الجيش طعاما وودكا بعد مخمصة
شديدة ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الى حصنيهم الوطيح
والسلالم وكانا آخر حصونهم افتتاحا وأوسعها أموالا وأكثرها قتالا فحاصرهم
النبي ضعيف من أحب شيئا أكثر من ذكره رواه الديلمي في مسند الفردوس عن
عائشة (الله أكبر) فيه ندب التكبير وذكر الله تعالى في الحرب امتثالا لقوله
تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا
وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً (خربت خيبر) قيل هو دعاء أي أسأل الله خرابها
وقيل أخبار بخرابها على الكفار وفتحها على المسلمين (فَإِذا نَزَلَ
بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ) فيه جواز الاستشهاد في مثل هذا
السياق بالقرآن وانما يكره من ذلك ما كان على ضرب الامثال في المحاورات
والمزح ولغو الحديث كما قاله النووى والساحة العرصة التى تحيط بها الدور
وتسمى باحة بالموحدة ورحبة (قالها ثلاث مرات) امتثالا لقوله تعالى كَثِيراً
فيؤخذ منه أن الثلاث كثير قاله النووى (والخميس) على لفظ اليوم سمى الجيش
خميسا لانه خمسة أقسام مقدمة وساقة وقلب وجناحان وقيل (الخميس الغنائم)
وأبطلوه بان هذا الاسم كان معروفا في الجاهلية ولم يكن يومئذ غنائم قاله
النووى (يعنى الجيش) هذا تفسير من عبد العزيز بن صهيب أو ممن دونه من
الرواة (ليظاهروا اليهود) أي ليعاونوهم (فافتتح أولا حصن ناعم) بالنون
والمهملة والصرف (الغموص) بالغين المعجمة المفتوحة وقد تبدل قافا وآخره
مهملة (الحقيق) بالتصغير (فصكت وجهها) ضربته بيدها (اعزبوا) بهمزة قطع وكسر
الزاي ابعدوا (وودكا) بفتح المهملة أي دهنا (الوطيح) بمهملتين بينهما تحتية
ساكنة مكبر سمى باسم الوطيح بن مازن رجل من ثمود قاله البكري قال السهيلى
ولفظه مأخوذ من الوطح وهو ما تعلق باظلاف الدواب ومخالب الطير من الطين
(السلالم) بكسر المهملة وكسر اللام (وروى ان النبي
(1/347)
صلى الله عليه وآله وسلم بضع عشرة ليلة
وكان شعار المسلمين يومئذ يا منصور أمت أمت وروي ان النبي صلى الله عليه
وآله وسلم كان قد أخذته شقيقة فلم يخرج الى الناس فأخذ الراية أبو بكر
وقاتل قتالا شديدا ثم رجع ولم يفتح عليه ثم عمر كذلك فتقدم أمير المؤمنين
على بن أبى طالب وكان الفتح على يديه رضي الله عنه وروينا في الصحيحين من
طرق ان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان قد تخلف عن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم في خيبر وكان به رمد فقال انا اتخلف عن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم فخرج فلحق بالنبى صلى الله عليه وآله وسلم
فلما كان مساء الليلة التي فتح الله في صباحها قال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح
الله على يديه فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها قال عمر بن الخطاب ما
أحببت الامارة الا يومئذ فتساورت لها رجاء أن ادعى لها فلما أصبح الناس
غدوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلهم يرجو أن يعطاها فقال
النبي صلى الله عليه وسلم اين على بن أبي طالب فقالوا هو يا رسول الله
يشتكي عينيه قال فارسلوا اليه فأتى به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم
في عينيه ودعا له فبرأ حتى كان لم يكن به وجع وفي رواية عن سلمة فاذا نحن
بعلى بن أبي طالب وما نرجوه فقالوا هذا على فأعطاه رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم الراية ففتح الله عليه وروى انه لما دنا من صلى الله عليه وسلم
كان قد أخذته الشقيقة) رواه البغوي في التفسير عن جماعة منهم سهل بن سعد
وأبو هريرة وأنس والشقيقة وجع يكون في احد جانبي الرأس (ثم عمر كذلك) ولفظ
البغوى فقاتل قتالا شديدا هو أشد من القتال الاول ثم رجع فاخبر رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه
الله ورسوله يفتح الله على يديه (أنا أتخلف) قال ذلك استعظاما فلما كان
(مساء) بالرفع والنصب (يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله) هكذا هو في
رواية في الصحيحين وغيرهما بواو العطف وفي بعض الروايات بأو التى للشك
ومحبة الله للعبد المراد بها توفيقه وهدايته وهي في حق المخلوق ميل القلب
تنزه الله عن ذلك (يدوكون) بضم الدال المهملة وبالواو أى يخوضون ويتحدثون
في ذلك فقائل منهم أراد فلانا وقائل أراد فلانا وفي بعض نسخ صحيح مسلم
بالذال المعجمة وبالراء (ما أحببت الامارة الا يومئذ) أي لما دلت عليه من
محبة الله ورسوله ومحبتهما له والفتح على يديه (فتساورت لها) بالمهملة ثم
واو ثم راء أى تطاولت لها كما في رواية في صحيح مسلم أي حرصت عليها وأظهرت
وجهي متصديا لذلك ليتذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأتى به) بالبناء
للمفعول وكان المرسل اليه والآتي به يقوده سلمة بن الاكوع كما في صحيح مسلم
(فبرأ حتي كان لم يكن به وجع) هذا من جملة معجزاته صلى الله عليه وسلم
يومئذ ومنها اعلامه ان الله يفتح على يدي على (فاذا نحن بعلى وما نرجوه) لا
ينافي ما مر انه جاءبه يقوده لامكان انهم رأوه من بعد فارسلوا سلمة له فجاء
به يقوده
(1/348)
حصنهم أشرف عليه رجل من اليهود فقال من أنت
فقال علي بن أبي طالب فقال اليهودى علوتم وما أنزل على موسى وروينا في صحيح
مسلم انه خرج اليه مرحب وهو يقول
قد علمت خيبر اني مرحب ... شاكى السلاح بطل مجرب
اذا الحروب اقبلت تلهب
فقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه
أنا الذي سمتن أمى حيدره ... كليث غابات كريه المنظره
أو فيهم بالصاع كيل السندره
فضرب رأس مرحب فقتله ثم كان الفتح على يديه وكان مرحب قبل ذلك قد بارز عامر
بن الاكوع فرجع سيف عامر عليه فقتله فقال الناس حبط علمه قال سلمة (قد علمت
خيبر) أي أهلها (مرحب) بفتح الميم والمهملة وسكون الراء بينهما وآخره موحدة
بن الحارث (شاكي السلاح) أي تامه (بطل) أى شجاع (مجرب) بفتح الراء أى
بالشجاعة وقهر الفرسان (انا الذي سمتن أمي حيدره) بفتح الحاء والدال
المهملتين وسكون التحتية بينهما وهو من أسماء الاسد سمي بذلك لغلظه والحادر
الغليظ القوي وكان على سمته أمه أسدا باسم أبيها يوم ولد وكان أبوه غائبا
فلما قدم سماه عليا قال في الديباج وغيره وكان مرحب قد رأى في منامه ان
أسدا يقتله فذكره على بذلك ليخيفه ويضعف نفسه (غابات) جمع غابة وهى عرين
الاسد ويسمي غيلا بالمعجمة المكسورة ثم تحتية ساكنة (المنظره) بفتح المعجمة
(أو فيهم بالصاع كيل السندره) أى أقتل الاعداء قتلا واسعا ذريعا والسندرة
بالمهملتين بينهما نون مكيال واسع وقيل هي العجلة أى أقتلهم عاجلا وقيل
مأخوذ من السندرة وهي شجرة قوية يعمل منها القسى والنبل (فضرب رأس مرحب)
زاد البغوي فقد الحجر والمغفر وفلق رأسه حتى أخذ السيف في الاضراس (وكان
مرحب قبل ذلك) قد خرج يخطر بسيفه بكسر الطاء أي يرفعه مرة ويضعه أخري ويقول
شعره المذكور فتقدم اليه عامر بن الاكوع عم سلمة وأخوه من الرضاعة كما قاله
النووي فقال
قد علمت خيبر اني عامر ... شاكي السلاح بطل مغامر
بالغين المعجمة أي يركب غمرات الموت وشدائدها ويلقي نفسه فيها فاختلفا
بضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر وذهب عامر يسفل له (فرجع سيف عامر عليه)
فقطع أكحله وكانت فيها نفسه وكان عامر قبل ذلك وهم اثناء الطريق قال له
رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمعنا من هنياتك أى أراجيزك فقال
والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
ونحن عن فضلك ما استغنينا ... فثبت الاقدام ان لاقينا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم غفر لك ربك يا عامر وما استغفر رسول
الله لرجل يخصه الا استشهد فقال عمر رضي الله عنه لولا أمتعتنا بعامر أي
وددنا انك أخرت الدعاء بهذا الى وقت لنستمتع به مدة روي ذلك الشيخان واللفظ
لمسلم في احدى رواياته (فقال الناس) سمي منهم البخارى في الادب أسيد بن
حضير (حبط عمله)
(1/349)
فأتيت النبى صلى الله عليه وسلم فذكرت له
ذلك فقال كذب من قال ان له أجرين وجمع بين أصبعيه انه لجاهد قل عربي مشى
بها مثله وروى ان عليا عليه السلام يومئذ بارز يهوديا مرحبا أو غيره فضرب
اليهودى ترس على فطرحه من يده فتناول على بابا كان عند الحصن فتترس به فلم
يزل في يده حتى فتح الله عليه قال أبو رافع لقد رأيتني في سبعة نفر أنا
منهم نجهد أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه ثم برز بعد مرحب أخوه ياسر يرتجز
فخرج اليه الزبير فقالت صفية بنت عبد المطلب أيقتل ابنى يا رسول الله قال
ابنك يقتله ان شاء الله تعالى فقتله الزبير قلت في سيرة ابن هشام رواية عن
ابن اسحق ان قاتل مرحب محمد بن سلمة الانصارى ولا يصح ذلك فما ثبت في
الصحاح أولى والله أعلم فلما أيقن أهل الوطيح والسلام بالهلكة استسلموا
وسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يحقن دماءهم ففعل فسمع بهم
أهل فدك فأرسلوا يطلبون ذلك ففعله لهم أيضا فكانت فدك خالصة لرسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ثم عامل
النبي صلى الله عليه وسلم اليهود على خيبر بشطر ما يخرج منها أي لانه قتل
نفسه كما في رواية في مسلم (فاتيت النبى صلى الله عليه وسلم) وأنا أبكي كما
في رواية في مسلم (ان له لاجرين) في رواية مسلم بل له أجره مرتين (انه
لجاهد) بكسر الهاء أي جاد في أمره مرتكب المشاق في الله (مجاهد) بضم الميم
لاعداء الله وهذه الجملة لبيان سبب حصول الاجرين له وروي لجاهد بفتح الهاء
فعل ماض مجاهد بفتح الميم وكسر الهاء وهي محال الجهاد (مشابها) ضبط بوجهين
أحدهما فتح الميم على انه فعل ماض من المشى وبها جار ومجرور والضمير للارض
أو للحرب والثاني ضم الميم وتنوين الهاء على انه كلمة واحدة اسم فاعل من
المشابهة أى مشابها لصفات الكمال في القتال أو في غيره فيكون منصوبا بفعل
محذوف أي رأيت والمعنى قل عربي يشبهه في جميع صفات الكمال وفي البخاري نشأ
بها بالنون والهمز أى شب وكبر قال عياض وهو أوجه الروايات (وروى) في بعض
كتب السير (ان عليا يومئذ بارز يهوديا) ولم أطلع على اسم اليهودى وقد حصل
الشك فيه هل هو مرحب أو غيره (نجهد) بفتح النون والهاء أي نتكلف (ياسر)
بتحتية فالف فمهملة مكسورة فراء (بل ابنك يقتله) بكسر اللام ووصل الهمزة
وفيه معجزة ظاهرة له صلي الله عليه وسلم اذ وقع الامر كما أخبر وقوله (ان
شاء الله) للتبرك ولامتثال قوله تعالى وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي
فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ (فدك) بفتح الفاء والدال
المهملة بلد قريبة من خيبر (فكانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه
وسلم) أي لانها فيء وكان له فيه أربعة أخماسه مع خمس الخمس (بشطر) أى بنصف
(ما يخرج منها) من تمر وزرع على ان يكلفوا العمل وبه استدل على جواز
المزارعة تبعا للمساقاة وحديث النهي عنها في صحيح مسلم محمول على ما اذا لم
يكن تبعا لكن استشكل حمل قصة خيبر على المزارعة بانه لم ينقل انه صلى الله
عليه وسلم كان يدفع لهم بذرا وتقدم ورود لفظ المزارعة في شئ من طرق الحديث
(1/350)
وقال نقركم على ذلك ما شئنا وبقوا على ذلك
الى خلافة عمر واحدثوا احداثا فاجلاهم عمر الى تيماء واريحاء ولما حاز رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر واعمالها أخذ قسم المغانم الجليلة ويعطي
العطيات الجزيلة ورد المهاجرون الى الانصار منائحهم وحدث لهم رحاء لم يكن
معهم قبل ذلك روينا في صحيح البخارى عن عائشة قال فلما افتتح خيبر قلنا
الآن نشبع من التمر وفيه عن ابن عمر قال ما شبعنا حتى فتحنا خيبر وقسم رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر نصفين نصفا لنوائبه وما ينزل به من
الامور المهملة ونصفا بين المسلمين وجملتها ستة وثلاثون سهما وكانت عدة
الذين قسمت عليهم خيبر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألف سهم
وثمانمائة سهم برجالهم وخيلهم الرجال أربع عشرة مائة والخيل مائتا فرس فكان
لكل فرس سهمان ولفارسه سهم وللراجل سهم وكانت أصول السهام ثمانية عشر سهما
وذلك ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرق رؤساء أصحابه سبعة عشر رأسا
واضاف الى كل واحد منهم مائة والثامن عشر سهم اللفيف وهو سهم جمع قبائل شتي
ولم يغب أحد من أهل الحديبية عن خيبر الا جابر بن عبد الله فاسهم له رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم كمن حضروا اسهم صلى الله عليه وسلم لمهاجرة
الحبشة ولم يحضروا ولما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخيبر
أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم شاة مصلية ودست له فيها سما
واكثرت في الذراع لما أخبرت انها تعجبه فوضعت بين يديه ومعه بشربن البراء
فأكلا فاما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يسغ لقمته واما بشر
فأساغها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان هذا العظم بل الظاهر انهم
كانوا يزرعون من مالهم فهم مخابرون ومن ثم اختار النووي تبعا لابن المنذر
والخطابي وغيرهما جواز المزارعة والمخابرة وحملوا أحاديث النهي على ما اذا
اشترط لاحدهما زرع قطعة معينة وللآخر أخري بدليل حديث رافع بن خديج كان
أحدنا يكرى ارضه فيقول هذه القطعة لى وهذه لك فربما أخرجت ذه ولم تخرج ذه
فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (تيماء) بفتح التاء المثناة وسكون
التحتية والمد (وأريحاء) بفتح الهمزة وكسر الراء وسكون التحتية ومهملة ومد
موضعان بقرب بلاد طي على البحر في أوّل طريق الشام الى المدينة (لنوائبه)
جمع نائبة وهى كل أمر مهم (أللفيف) بفائين بينهما تحتية ساكنة مكبر سمي به
من اللف وهو الجمع (شتى) متفرقة (زينب بنت الحارث) هى أخت مرحب كما في سنن
أبي داود (سلام) بالتشديد كما مر (مصلية) مشوية وزنا ومعنى (وبشر بن
البراء) بن معرور في الشفا من طريق ابن عبد البر وأكل القوم فدل على أنهم
أكلوا كلهم معه (ان هذا العظم) يعني الذراع في رواية في الشفا فانها
أخبرتني انها مسمومة وفي رواية فيه ان فخذها تكلمني انها مسمومة وهذا من
جملة معجزاته صلى الله عليه وسلم في نطق الجمادات له واختلف
(1/351)
ليخبرنى انه مسموم ثم دعاها فاعترفت فقال
ما حملك على ذلك قالت بلغت من قومي ما لم يخف عليك فقلت ان كان ملكا استرحت
منه وان كان نبيا فسيخبر فتجاوز عنها فلما مات بشر بن البراء قتلها قصاصا
قال أنس فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقالت
عائشة كان رسول صلى الله عليه وآله وسلم وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه يا
عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت منه بخيبر فهذا أوان انقطاع أبهري
من ذلك السم خرج الشيخان أكثره وجملة من استشهد من المسلمين بخيبر أربعة
عشر رجلا وقيل قريبا من عشرين رجلا قال ابن هشام وذكر سفيان بن عيينة أئمة
أهل السنة فيه وفي أمثاله فمنهم من يقول هو كلام يخلقه الله في الجماد
وحروف وأصوات يحدثها الله فيه ويسمعها منه دون تغير شكله ونقله عن هيئته
ومنهم من يقول يوجد الله الحياة فيها أولا ثم يوجد فيها الكلام وقال
الجبائي من المعتزلة له يخلق الله في الجماد حياة ويخلق له فما ولسانا وآلة
يمكنه بها الكلام قال عياض لو كان هذا لكان نقله والتهمم به اكد من التهمم
بنقل تسبيحه أو حنينه (على ذلك) بكسر الكاف (فتجاوز عنها) كما قاله ابن
اسحاق في السيرة وهى احدي روايتين عن أبي هريرة وفي أخرى عنه فامر بها
فقتلت والجمع بين ذلك انه صلى الله عليه وسلم تجاوز عنها أولا (فلما مات
بشر بن البراء) بعد أن اعتل سنة كما قاله السهيلي دفعها لاولياء بشر
فقتلوها كما في حديث ابن عباس وفي كتاب شرف المصطفي انه (قتلها) وصلبها
وذكر الصلب غريب (اعرفها) أي الأكلة يعنى أثرها (لهوات) بثلاث فتحات جمع
لهاة وهي اسم اللحمة المعلقة في أقصى الفم (يا عائشة ما أزال أجد ألم
الطعام) في سيرة ابن اسحاق انه قال ذلك لام بشر بن البراء لما دخلت تعوده
في مرض موته فقال يا أم بشر ما زالت أكلة خيبر التى أكلت مع ابنك تعادني
(فهذا أوان انقطاع أبهري) ومعنى تعادني يراجعنى ويعاودني ألم سمها قال
الداوودي الالم الذى حصل له صلى الله عليه وسلم من الاكلة هو بعض الاذوقة
قال ابن الأثير وليس ببين لان بعض الذوق ليس بألم (أبهري) بفتح الهمزة
وسكون الموحدة عرق يكتنف الصلب والقلب اذا انقطع مات صاحبه (من ذلك) بكسر
الكاف زاد ابن اسحاق وكان المسلمون يرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
مات شهيدا مع ما أكرمه الله تعالى به من النبوة قال الشمني فان قيل ما
الجمع بين قوله تعالى وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ وبين هذا الحديث
المقتضى ان موته صلى الله عليه وسلم بالسم الصادر من اليهودية والجواب ان
الآية نزلت عام تبوك والسم كان بخيبر قبل ذلك «فائدة» أخرج الطبراني عن
عمار بن ياسر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يأكل الهدية حتي يأمر
صاحبها ان يأكل منها للشاة التى أهديت له (أربعة عشر رجلا وقيل قريبا من
عشرين) وهم عامر بن الاكوع ومحمود بن الربيع كما في الكتاب وباقيهم كما في
الاستيعاب وغيره أنيف بن حبيب قال في الاستيعاب ذكره الطبري وواثلة ذكره
ابن اسحاق وأوس بن الفاكه الانصارى وأوس بن عائذ وأوس ابن حبيب وثابت بن
واثلة وثعلبة بن عنمة بفتح المهملة والنون وقيل استشهد يوم الخندق والحارث
بن حاطب
(1/352)
عن الاجلح عن الشعبي ان جعفر بن أبي طالب
قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح خيبر فقبل رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم بين عينيه والتزمه وقال ما أدرى بايهما أسر أكثر بفتح
خيبر أم بقدوم جعفر وقدم بقدوم جعفر أبو موسى الاشعري ورفقته الاشعريين وقد
سبق ذلك في حديث أسماء بنت عميس في فضلهم عند ذكر هجرتهم قال اهل السيرة
ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر انصرف الى وادى القرى فحاصر
اهله وفتحه الله عليه وأصيب به مولاه مدعم فقال الناس هنيئا له الشهادة
فقال النبى صلى الله عليه وسلم بل والذي نفسي بيده ان الشملة التي أصابها
يوم خيبر لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا
[مطلب في زواجه صلي الله عليه وسلم بصفية بنت
حي]
ولما انتهى صلى الله عليه وسلم في مرجعه من وجهه ذلك الى سد الصهباء حلت له
صفية بنت حيى فجهزتها له أم سليم ثم ضربت له قبة فدخل بها فيها فلما أصبح
أمر بالأنطاع فبسطت ثم دعا بفضولات الأزواد فأتى بها فحاسوا حيسا ثم دعا
المسلمين فأكلوا الانصاري ورفاعة بن سروج الاسدي من أسد خزيمة وربيعة بن
أكثم بن سخبرة الاسدي قتله الحارث اليهودي بالبطاة وهى اسم اطم بخيبر
ومسعود بن سعد الزرقي وقيل استشهد ببئر معونة وعبد الله بن أبي الهيب بن
أهيب بن سحيم السعدي الليثي وعمارة بن عقبة الغفارى أصابه سهم فمات وعروة
بن مرة بن سراقة الانصارى الأوسي وعدى بن مرة بن سراقة البلوى وسليم بن
ثابت بن قيس بن زغبة بن راعوى بن عبد الاشهل وأبو الصباح الاوسي واسمه
اميمة وقيل عمير بن ثابت وأبو سفيان بن الحارث بن قيس الانصارى فهؤلاء
عشرون (الاجلح) بتقديم الجيم لقب بذلك لجلحة كانت به واسمه يحيي (فقبل رسول
الله صلى الله عليه وسلم بين عينيه والتزمه) أى عانقه كما في رواية عن جابر
ففيه ندب تقبيل القادم ومعانقته حتى من الفاضل للمفضول بشرط أن لا يكون
أمرد خلافا لمالك حيث خصه برسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أدرى بأيهما
أسر أكثر) وفي رواية ما أنا (بفتح خيبر) أسر منى (بقدوم جعفر) والمعنى أن
فتح خيبر وقدوم جعفر متقاربان في النفع لفئة الاسلام أما خيبر فلما فتح
الله عليهم منها وأما جعفر فبنجدته وشجاعته (وادى القرى) مر ذكره (مدعم)
بكسر الميم وسكون الدال وفتح العين المهملتين (سد الصهباء) بفتح السين
المهملة وضمها مكان على بريد من خيبر (حلت له صفية) أى طهرت من الحيض
فجهزتها أي زينتها وجملتها على عادة العروس بما ليس بمنهي عنه من نحو وشم
زاد مسلم وأهدتها له أى زفتها له من الليل ففيه أن الزفاف ليلا لا بأس به
كهو نهارا (بالانطاع) جمع نطع بفتح النون وكسرها مع فتح الطاء وسكونها افصح
من كسر النون مع فتح الطاء وجمع على نطوع أيضا (ثم دعا بفضولات لا زواد) أي
ببواقيها فقال من كان عنده شيء فليجيء به فجعل الرجل يجيئ بالاقط وجعل
الرجل يجيء بالتمر وجعل الرجل يجيء بالسمن (فحاسوا حيسا) أى خلطو الاقط
والسمن والتمر وعجنوه في هذا الحديث ادلال الكبير على أصحابه وطلب طعامهم
وفيه كون
(1/353)
فكانت وليمته على صفية. قيل لأنس يا أبا
حمزة ما أصدقها قال نفسها أعتقها وجعل عتقها صداقها وقال الناس لا ندري
أتزوجها أم اتخذها ام ولد قالوا ان حجبها فهى امرأته وان لم يحجبها فهى ام
ولد فلما أراد أن يركب حجبها فقعدت على عجز البعير فعرفوا انه قد تزوجها
وكان صلى الله عليه وسلم يضع ركبته لها اذا أرادت ان تركب فتضع صفية رجلها
على ركبته ثم تصعد قال أنس فانطلقنا حتى اذا رأينا جدر المدينة هششنا اليها
فرفعنا مطينا ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطيته قال وصفية خلفه قد
اردفها فعثرت مطية رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرع وصرعت وليس احد من
الناس ينظر اليه ولا اليها حتى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فسترها
قال فأتيناه فقال لم نضر قال فدخلنا المدينة فخرج جواري نسائه يتراءينها
ويشمتن لصرعتها روى ذلك في الصحيحين قال ابن عمر ما زال رسول الله صلى
لوليمة وانها بعد الدخول وان جازت قبله (فكانت) اسمها مستتر فيها (وليمته)
بالنصب على الخبر (قيل لانس) القائل له ثابت البناني كما في رواية في
الصحيحين (يا ابا حمزة) بالحاء والزاي (وجعل عتقها صداقها) قال النووي
اختلف العلماء في معناه والذي اختاره المحققون انه أعتقها تبرعا بلا عوض
ولا شرط ثم تزوجها برضاها بلا صداق وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم وقيل
معناه شرط عليها أن يعتقها ويتزوجها فقبلت فلزمها الوفاء به وقيل معناه
أعتقها وتزوجها على قيمتها وكانت مجهولة وكل ذلك من خصائصه صلى الله عليه
وسلم وفيه ندب اعتاق الأمة ثم تزوجها (أي حجبها فهي امرأته) استدل به مالك
والزهرى وموافقوهم على صحة النكاح بلا شهود اذا أعلن وهو مذهب جماعة من
الصحابة والتابعين (عجز) بفتح العين وضم الجيم (يضع ركبته الى آخره) فيه
ملاطفة النساء والتودد لهن وحسن المعاشرة لهن وذلك من خلقه العظيم الذى
أثني الله عز وجل عليه به (هششنا) بكسر الشين الاولى وسكون الثانية وفي بعض
النسخ هشنا بفتح الهاء وتشديد الشين ثم نون وهي علي حد هزت بسيفى ومعناهما
نشطنا وخففنا وانتعشت نفوسنا اليها وشينه مضمومة في المضارع مكسورة في
الماضى ورواه بعضهم في مسلم هشنا بكسر الهاء وسكون الشين وهي من هاش بمعنى
هش (فعثرت) بفتح الثاء أى سقطت (فصرع وصرعت) أي سقط وسقطت (قال لم نضر) زاد
مسلم فجعل يمر على نسائه فيسلم على كل واحدة منهن سلام عليكم كيف أنتم يا
أهل البيت فيقولون بخير يا رسول الله كيف وجدت أهلك فيقول بخير ففيه ندب
السلام على المرأة والاهل وان يجيء في السلام بلفظ الجمع ليتناول المسلم
عليه وملائكته وفيه سؤال الرجل أهله عن حالهم وفيه ندب سؤال الرجل عن حاله
بعد الدخول على أهله (جواري نسائه) أي صغيرات الاسنان فيهن (يتراءينها) أى
ينظرن اليها (يشمتن) بفتح الميم في المضارع وكسرها في الماضي وأصل الشماتة
فرح العدو بمصيبة
(1/354)
الله عليه وسلم يعتذر الى صفية في قتل
ابيها ويقول يا صفية ان أباك ألب علىّ العرب وفعل وفعل حتى ذهب ذلك من
نفسها. قال أهل السير وكانت صفية قد رأت في المنام وهي عروس بكنانة بن
الربيع بن أبى الحقيق ان قمرا وقع في حجرها فعرضت رؤياها على زوجها فقال ما
هذا الا انك تمنين ملك الحجاز محمدا فلطم وجهها لطمة أخضرت عيناها منها
فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها أثر منه فأخبرته بذلك فأتى
رسول الله صلى الله عليه وسلم بكنانة بن الربيع فسأله عن كنز بنى النضير
وكان عنده فجحده فدفعه الى الزبير يعذبه حتى يخبرهم فأبى ثم بعد ذلك دفعه
الى محمد بن مسلمة فقتله بأخيه والله أعلم* وروينا في صحيح مسلم عن ابي
هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قفل من غزوة خيبر سار ليله حتى
اذا عدوه (الب) بتشديد اللام أي جمع وجيش وحرض قالوا واصله من قولهم فلان
البه مع فلان أى صفوه وميله (عن كنز بني النضير) قال القاضي نقلا عن أبي
عبيد وغيره كان بنو الحقيق صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرط عليهم
أن لا يكتموه كنزا فان كتموه فلا ذمة لهم فسألهم عن كنز حيي ابن اخطب
فكتموه وقالوا اذهبته النفقات ثم عثر عليه عندهم فانتقض عهدهم فسباهم فهذا
يدل على ان الكاتمين كانوا جماعة من بنى الحقيق سوى كنانة والذى هنا هو
الذي في سيرة ابن اسحاق (فجحده) زاد ابن اسحاق وقال لا علم لى بمكانه فجيء
برجل من اليهود فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم اني رأيت كنانة يطيف
بهذه الخربة كل غداة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنانة أرأيت ان
وجدناه عندك انقلك قال نعم فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخربة
فحفرت فاخرج منها بعض كنزهم ثم سألهم ما بقى فابى أن يؤديه (فدفعه الى
الزبير يعذبه) وكان يقدح بزنده في صدره حتى أشرف على نفسه (فقتله باحيه)
لابن اسحاق فضرب عنقه (فائدة) كانت صفية من نسل هرون بن عمران فمن ثم لما
بلغها أن حفصة قالت انها بنت يهودي بكت فدخل عليها النبي صلى الله عليه
وسلم وهي تبكى قال ما يبكيك قالت قالت لى حفصة أنت ابنة يهودى فقال النبى
صلى الله عليه وسلم انك لابنة نبى وان عمك لنبي فبم تفخر عليك ثم قال اتقي
الله يا حفصة أخرجه الترمذي وصححه والنسائي عن أنس (في صحيح مسلم) وغيره
(قفل) بقاف ثم فاء أي رجع والقفول الرجوع (من غزوة) قال النووي يقال غزوة
وغزاة (خيبر) هذا ما في أكثر أصول صحيح مسلم وهو الصواب كما قاله الباجي
وأبو عمر بن عبد البر وغيرهما وقال عياض هذا قول أهل السير وهو الصحيح قال
وقال الاصيلي انما هي حنين بالمهملة والنون وهذا غريب ضعيف ولابي داود من
حديث ابن مسعود ان ذلك كان في منصرفهم من الحديبية وفي مصنف عبد الرزاق عن
عطاء بن يسار مرسلا ان ذلك كان بطريق تبوك ونحوه للبيهقي في الدلائل من
حديث عقبة بن عامر وفي رواية لابي داود ان ذلك كان في جيش الأمراء قال في
التوشيح وتعقبه ابن عبد البر بان تلك غزوة مؤتة ولم يشهدها النبي صلى الله
عليه وسلم وهو كما قال انتهى قلت مسلم انه لم يشهدها لكنه خرج ممدا لهم حين
بلغه قتل الأمراء فاتفق له ذلك بالطريق كما نقله عياض في الشفاء عن الطبرى
والله أعلم وذهب جماعة منهم النووي الى تعدد وقوع
(1/355)
أدركه الكرى عرس وقال يا بلال إكلأ لنا
الليل فصلى بلال ما قدر له ونام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه
فلما تقارب الفجر استند بلال الى راحلته مواجه الفجر فغلبت بلالا عيناه وهو
مستند الى راحلته فلم يستيقظ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا بلال
ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
أولهم استيقاظا ففزع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أي بلال فقال
بلال أخذ بنفسي الذى أخذ بأبى أنت وأمي يا رسول الله بنفسك فقال النبى صلى
الله عليه وسلم ذلك جمعا بين الروايات لا سيما وفي سياق الاحاديث اختلاف
وفي بعضها ان الذى كلأ الفجر بلال وفي بعضها ذو مخبر (الكرا) بفتح الكاف
وتخفيف الراء النعاس وقيل النوم قال النووي ويقال منه كرى بفتح الكاف وكسر
الراء يكرى بفتحها كراء فهو كر وامرأة كرية بتخفيف الياء التحتية (عرس)
بتشديد الراء والتعريس نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة قاله
الخليل والجمهور وقال أبو زيد هو النزول مطلقا يدل عليه ما في حديث الافك
فنزلوا معرسين في نحر الظهيرة (إكلأ لنا الفجر) أى ارقبه واحفظه واحرسه وهو
بهمزة وصل أوله وهمزة ساكنة آخره ومصدره كلأ بكسر الكاف والمد قاله الجوهرى
وكلاه بزيادة هاء وفيه ندب مراقبة الاوقات والمحافظة عليها (استند) أى ألقى
ظهره (مواجه الفجر) بالنصب على الحال أى حال كونه جاعلا وجهه في جهة الفجر
(فغلبت بلالا) مفعول (عيناه) فاعل أي غلبه النوم وأضاف الفعل الى العينين
لانهما محله (ضربتهم الشمس) أي أثر فيهم حرها (تنبيه) لا ينافى ذلك قوله
صلى الله عليه وسلم ان عيني تنامان ولا ينام قلبي اذ القلب انما يدرك
الحسيات المتعلقة به كحدث وألم ونحوهما ولا يدرك ما يتعلق بالعين كطلوع
الفجر والعين حينئذ لم تدرك لكونها نائمة وان كان القلب يقظان وهذا الجواب
أصح وأشهر وجواب آخر قال النووي انه ضعيف وهو انه كان له حالان أحدهما ينام
فيه القلب وصادف فيه هذا والثاني لا ينام (فكان رسول الله صلى الله عليه
وسلم أولهم) بالفتح خبر كان (استيقاظا) لا ينافيه ما في صحيح مسلم وغيره عن
عمران بن حصين فكان أوّل من استيقظ أبو بكر وكنا لا نوقظ رسول الله صلى
الله عليه وسلم من منامه اذا نام حتى يستيقظ أى لما كانوا يتوقعونه من
الايحاء اليه في المنام ثم استيقظ عمر فقام عند نبى الله صلى الله عليه
وسلم فجعل يكبر ويرفع صوته حتي استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم لان
ذلك كان في نوم آخر في هذه السفرة أو في غيرها قاله النووي وغيره (ففزع
رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي انتبه وقام بسرعة اهتماما بشأن الصلاة
وخوفا أن يكون منه في ذلك تقصير (فقال أي بلال) كذا في أكثر النسخ بحرف
النداء قال النووي فكذا هو في روايتنا وضبطه جماعة أين بلال بحرف الاستفهام
عن المحل نقله عياض (فقال بلال أخذ بنفسي الذي أخذ بأبي وأمي أنت بنفسك)
سبب قول بلال هذا أنه خاف اذ دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه انما
دعاه ليعنفه على ما فعل فقال ما قال معتذرا وقوله بنفسك متعلق باخذ
(1/356)
ليأخذ كل رجل منكم برأس راحلته فان هذا
منزل حضرنا فيه الشيطان قال ففعلنا ثم دعا بالماء فتوضأ ثم صلى سجدتين ثم
أقيمت الصلاة فصلى الغداة ثم قال من نسى الصلاة فليصلها اذا ذكرها فان الله
تعالى قال أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي وكان ابن شهاب يقرؤها للذكرى انتهى
ملفقا عن ابي هريرة قال العلماء والحكم في الفائتة بالنوم وغيره من الأعذار
ايضا كذلك فقد قال في حديث أبى قتادة الطويل المشتمل على معجزات رسول الله
صلى الله عليه وسلم حين ناموا عن صلاتهم قال فجعل بعضنا يهمس الى بعض ما
كفارته ما صنعنا بتفريطنا في صلاتنا فقال صلى الله عليه وسلم اما لكم فيّ
اسوة ثم قال انه ليس في اليوم تفريطا انما التفريط على من وقوله بأبي أنت
وأمي كلام معترض بينهما (ليأخذ كل رجل منكم برأس راحلته) هذا ما في رواية
أبي حازم عن أبي هريرة ورواية سعيد بن المسيب عنه قال اقتادوا فاقتادوا
رواحلهم يؤخذ منه ان قضاء الفائتة بعذر لا يجب فورا (فان هذا منزل حضرنا
فيه الشيطان) أي فكان حضوره سببا لنومنا عن الصلاة فيه كراهة الصلاة في هذا
الوادى وفي كل محل ورد أنه مأوى الشياطين (ثم صلى سجدتين) أى ركعتين وهما
راتبة الفجر ففيه قضاء السنن الراتبة اذا فاتت (ثم أقيمت الصلاة) وفي رواية
ابن المسيب وأمر بلالا بالاقامة فاقام الصلاة ففيه ثبوت الاقامة للفائتة
وفيه اشارة الى عدم الاذان لها وهو الجديد من قولى الشافعي والقديم وهو
الاظهر ثبوت الاذان لها ففي حديث أبي قتادة ثم أذن بلال بالصلاة فصلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم صلى الغداة والجواب عن حديث أبي هريرة
كما قال النووى أنه لا يلزم من عدم ذكره أنه لم يؤذن فلعله أذن وأهمله
الراوى أو لم يعلم به أو لعله ترك الاذان في هذه لبيان جواز تركه واشارة
الى عدم وجوبه سيما في السفر (فصلى الغداة) فيه عدم كراهية تسميتها بذلك
وفي رواية ابن المسيب فصلى بهم ففيه استحباب الجماعة في الفائتة (من نسى
الصلاة الى آخره) أخرجه أحمد والشيخان والترمذى والنسائى من حديث أنس ومسلم
من حديث أبي هريرة أيضا (فليصلها اذا ذكرها) هذا محمول على الاستحباب اعني
استحباب المبادرة بها كما هو قضية الفاء (أقم الصلاة لذكري) أي لتذكرني
فيها قاله مجاهد وقال مقاتل اذا تركت صلاة ثم ذكرتها فاقمها وهو ظاهر
استدلاله صلى الله عليه وسلم بها (ابن شهاب) محمد بن مسلم (يقرؤها للذكرى)
مصدر ذكر يذكر (في حديث أبى قتادة الطويل) هو في صحيح مسلم عقب حديث أبي
هريرة هذا (بهمس) بفتح الياء وكسر الميم آخره مهملة والهمس الكلام الخفي
(انه ليس في النوم تفريط) أي لان النائم ليس مكلفا كما أجمع عليه العلماء
لقوله صلى الله عليه وسلم رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن
المبتلي حتى يبرأ وفي رواية وعن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ وعن
الصبى حتى يكبر وفي رواية حتي يحتلم رواه أحمد والحاكم عن عمر وعلى وعائشة
ومسلم عن عمر وعلى وأبو داود والنسائى وابن ماجه عن عائشة وانما وجب عليه
القضاء بامر جديد علي المذهب الصحيح وقيل بالخطاب السابق وأما وجوب ضمان ما
أتلفه نائما فهو لان غرامة التلفات لا يشترط لها تكليف اجماعا ومن ثم أوجب
الله في كتابه الدية
(1/357)
لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى
فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها قالوا والفائتة لغير عذر كذلك أيضا في
وجوب القضاء وانما يختلفان في جواز التأخير فيجوز تأخير الفائتة لعذر على
الصحيح ولا يجوز تأخير الفائتة لغير عذر على الاصح وقال بعضهم لا يجوز
تأخير واحدة منهما واستدل بهذه الاحاديث وهي حجة قوية وحملها الجمهور على
الاستحباب وشذ بعض الظاهرية فقال لا يجب قضاء الفائتة لغير عذر وزعم انها
اعظم من أن يخرج من وبال معصيته بالقضاء والله اعلم*
[مطلب في إسلام أبي هريرة رضي الله عنه وبعض
خبره]
وممن اسلم بخيبر ابو هريرة واسمه عبد الرحمن بن صخر على الاصح من نحو
ثلاثين قولا كما قاله النووي وكنى بهريرة كان يربيها* روينا في صحيح
البخارى عنه قال اتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بعد ما
افتتحها فقلت يا رسول الله اسهم لى فقال بعض بنى سعيد بن العاص لا تسهم له
يا رسول الله فقال ابو هريرة هذا قاتل ابن قوقل قال ابن سعيد بن العاص
واعجباه لوبر تدلى علينا من قدوم ضأن ينعى على قتل رجل مسلم والكفارة علي
من قتل مؤمنا خطأ مع عدم اثمه اجماعا (حتي يجيء وقت الصلاة) فيه امتداد وقت
كل صلاة الى دخول وقت الاخري وخرجت الصبح بقوله من أدرك ركعة من الصبح قبل
أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح رواه الشيخان والاربعة عن أبي هريرة والمغرب
فيها قولان أظهرهما امتداد وقتها الى العشاء (فليصلها حين ينتبه لها) تمامه
فاذا كان الغد فليصلها عند وقتها ومعنى ذلك أنه اذا قضاها لا يتحول وقتها
ويتغير في المستقبل بل يبقى كما كان فيصليها في الغد في وقتها لا أنه يقضي
الفائتة مرتين مرة في الحال ومرة في الغد على الصواب قال النووي وقد اضطربت
أقوال العلماء فيه واختار المحققون ذلك (والفائتة بغير عذر كذلك في وجوب
القضاء) لانه اذا وجب القضاء على ذى العذر فغيره أولى بالوجوب (فيجوز تأخير
الفائتة بعذر على الصحيح) وفيه وجه حكاء البغوي وغيره انه لا يجوز وعلى
الاول لو مات بعد التمكن من القضاء فلم يقض عصى (ولا يجوز تأخير الفائتة
بغير عذر على الاصح) لان توبته لا تصح الا بفعلها وقيل لا تجب على الفور بل
له التأخير (واستدل بهذه الاحاديث) يعنى قوله فليصلها اذا ذكرها والفاء
للتعقيب (وحملها الجمهور على الاستحباب) كما قدمته (وشذ) بالمعجمتين (بعض
الظاهرية) نقله النووي (فقال لا يجب قضاء الفائتة بغير عذر) هذا خطأ من
قائله وجهالة قاله النووي (ابن قوقل) بقافين مفتوحتين بينهما واو ساكنة
بوزن جعفر واسمه النعمان بن مالك بن ثعلبة وقوقل لقب لثعلبة الخزرجي وكان
النعمان استشهد يوم أحد أثخنه صفوان بن أمية وذفف عليه أبان بن سعيد (لوبر)
بفتح الواو وسكون الموحدة آخره راء دابة صغيرة كالسنور وحشية وأراد أبان
بذلك أن يحقره وأنه ليس في مقام من يشير بعطاء ولا منع (تدلى) نزل من أعلى
الى أسفل وفي رواية تحدر وهو بمعناه وفي أخري تدأدأ بمهملتين بينهما همزة
ساكنة من الدأدأة وهى صوت الحجارة في السيل وللمستملى في صحيح البخاري بدل
الدال الثانية راء ويروي تردى بمعنى تحدر (من قدوم) بفتح القاف وضمها طرف
(ضأن) في رواية الضأن بلام التعريف وهو بهمزة رأس الجبل لانه موضع الغنم
غالبا وقيل بلا همز جبل لقومه دوس (ينعي عليّ) يذكر لى (قتل رجل) في رواية
في الصحيح
(1/358)
أكرمه الله على يدي ولم يهني على يديه قال
فلا ادري اسهم له أولم يسهم له ورواه البخاري في موضع آخر أبين من هذا على
غير هذا الوجه لكن رواه معلقا بصيغة التمريض فقال ويذكر عن الزبيدي عن
الزهري قال أخبرني عنبسة بن سعيد انه سمع أبا هريرة يخبر سعيد بن العاص قال
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبان على سرية من المدينة قبل نجد قال
أبو هريرة فقدم أبان وأصحابه على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد
ما افتتحها وان حزم خيلهم الليف قال أبو هريرة قلت يا رسول الله لا تقسم
لهم قال أبان وأنت بهذا يا وبر تحدر من رأس ضال فقال النبي صلى الله عليه
وسلم يا أبان اجلس فلم يقسم لهم* قلت وأبان هذا هو أبان بن سعيد بن العاص
وهو الذي أجار عثمان يوم الحديبية حين أرسله النبي صلى الله عليه وسلم الى
مكة وأسلم بعيد ذلك وعن أبي هريرة قال لما قدمت على النبي صلى الله عليه
وسلم قلت في الطريق
يا ليلة من طولها وعنائها ... على أنها من دارة الكفر نحّت
قال وابق مني غلام في الطريق قال فلما قدمت على النبى صلى الله عليه وسلم
فبايعته فبينا أنا عنده إذ طلع الغلام فقال لى رسول الله صلى الله عليه
وسلم هذا غلامك يا أبا هريرة قلت هو حر لوجه الله فأعتقته وروينا في صحيح
مسلم عنه قال كنت أدعو أمي الى الاسلام وهي مشركة فدعوتها يوما فأسمعتني في
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأنا أبكي قلت يا رسول الله اني كنت أدعو أمي الى الاسلام فتأبى علي
فدعوتها اليوم فاسمعتني فيك ما أكره فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اهدأم أبى هريرة ينعي على امرأ (أكرمه
الله علي يدى) أى بالشهادة وفي رواية بيدي (ولم يهنى) بضم أوله رباعي أي لم
يخزني (علي يديه) بان يقتلني فأموت على الكفر (لكن رواه معلقا بصيغة
التمريض) قلت أسنده في باب الكافر يقتل المسلم ثم يسلم فيشدد فقال حدثنى
الحميدي ثنا سفيان ثنا الزهري قال أخبرني عنبسة ابن سعيد أنه سمع أبا هريرة
فذكره وعنبسة بالمهملة فالنون فالموحدة فالمهملة بوزن علقمة (أبان) بالصرف
على الاشهر (حزم) بالمهملة فالزاي مضمومتين جمع حزام (الليف) في بعض نسخ
الصحيح لليف (من رأس ضال) بالمعجمة واللام الخفيفة وهو السدر البري (وهو
الذي اجار عثمان الى آخره) كما قاله ابن اسحاق في سيرته وغيره (بعيد ذلك)
بالتصغير أي عقبه (وعنائها) تعبها ومشقتها (طلع الغلام) بفتح المهملة
واللام أى ظهر (كنت أدعو امي) قال في سلاح المؤمن اسمها أميمة بنت صفيح بضم
المهملة وفتح الفاء آخره مهملة هذا هو الصحيح المشهور وقيل اسمها ميمونة
(فادع الله أن يهدى أم أبي هريرة) في هذا وما يأتي بعده ندب طلب الدعاء ممن
يتوسم فيه الخير وفي قوله صلى الله عليه وسلم (اللهم اهد أم أبى هريرة)
(1/359)
فخرجت مستبشرا بدعوة رسول الله صلى الله
عليه وسلم فلما جئت فصرت الى الباب فاذا هو مجاف فسمعت أمي خشفة قدمى فقالت
مكانك يا أبا هريرة وسمعت خضخضة الماء قال فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن
خمارها وفتحت الباب ثم قالت يا أبا هريرة اشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله قال فرجعت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم فأتيته
وأنا أبكي من الفرح قال قلت يا رسول الله ابشر فقد استجاب الله دعوتك وهدى
أم أبي هريرة فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرا قال قلت يا رسول الله ادعو
الله أن تحببني انا وأمي الى عباده المؤمنين ويحببهم الينا قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم اللهم حبب عبيدك هذا يعنى أبا هريرة وأمه الى
عبادك المؤمنين وحبب اليهم المؤمنين فما خلق الله مؤمنا سمع بي ولا يرانى
الا أحبنى ومع تأخر اسلامه فقد روى العدد الكثير وروى عنه الجم الغفير حتى
لا يعلم فى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم احفظ منه ولا أوسع منه
رواية وذلك بخصيصة خاصة حصلت له وهى ما رويناه في الصحيحين عنه واللفظ
لمسلم قال يقولون ان أبا هريرة قد أكثر والله الموعد ويقولون ما بال
المهاجرين والانصار لا يحدثون بمثل أحاديثه وقوله اللهم حبب عبيدك هذا الى
آخره دليل علي جواز التحصين بالدعاء (مجاف) بضم الميم وتخفيف الجيم آخره
فاء خفيفة أي مغلق واجاف الباب اذا أغلقه (خشفة قدمى) بمعجمتين الاولى
مفتوحة والثانية ساكنة والخشف والخشفة صوت حركة ليست شديدة (مكانك) بالنصب
علي الاغراء أى الزم (خضخضة) بمعجمتين مكررتين أى صوت تحريكه (ولبست) بكسر
الموحدة (درعها) أي قميصها (وعجلت عن خمارها) مبادرة منها الى اخبار أبي
هريرة بما يشرح له صدره (أشهد أن لا اله الا الله وأشهد ان محمد عبده
ورسوله) فيه سرعة استجابة دعائه صلى الله عليه وسلم بعين ما سأل وذلك من
اعلام النبوة (فحمد الله الى آخره) فيه استحباب حمد الله والثناء عليه عند
حصول النعم (فقد روى العدد الكثير) في كتب الامهات وغيرها حتى قال سعيد بن
أبي الحسن وابن حنبل انه أكثر الصحابة حديثا وهو ظاهر (حتى لا يعلم في
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم احفظ ولا أوسع رواية منه) روي عنه انه
قال أنا أكثر الصحابة حديثا الا ما كان من عبد الله بن عمرو فانه كان يكتب
ولا أكتب وظاهر هذا مساواة عبد الله له لكن ما نقل وروي من حديث أبى هريرة
أكثر (فائدة) قال أحمد بن حنبل ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
أكثر والرواية عنه عبد الله بن عمرو وأبو هريرة وابن عمر وعائشة وجابر بن
عبد الله وابن عباس وأنس انتهى (وهي ما روينا في الصحيحين) وسنن الترمذي
وطبقات ابن سعد (قد أكثر) أي أكثر الحديث وجاء بأحاديث لم نسمعها (والله)
بالرفع (الموعد) بفتح الميم وكسر المهملة أي فيحاسبنى ان كنت تعمدت كذبا
على رسوله
(1/360)
وسأخبركم عن ذلك ان اخواني من المهاجرين
والانصار كان يشغلهم الصفق بالاسواق وكنت ألزم رسول الله على ملء بطني
فأشهد اذا غابوا واحفظ اذا نسوا ولقد قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم يوما أيكم يبسط ثوبه فيأخذ من حديثى هذا ثم يجمعه الى صدره فانه لم
ينس شيئا سمعه فبسطت بردة كانت على جنى حتى فرغ من حديثه ثم جمعتها الى
صدري فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئا حدثنا به فلولا آيتان أنزلهما الله في
كتابه ما حدثت شيئا أبدا «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ
الْبَيِّناتِ وَالْهُدى» الى آخر الآيتين ومع ذلك فقد امسك عن بعض ما أسمع
خشية الفتنه وان لا تبلغه الافهام روي عنه قال اعطانى رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم صلى الله عليه وسلم ويحاسب من ظن بي سوءا (وسأخبركم) (عن)
سبب (ذلك) أي كوني أكثرهم حديثا (شغلهم) بفتح أوله وحكى ضمه قال النووى وهو
غريب (الصفق) بفتح المهملة وسكون الفاء وهو ضرب اليد على اليد كناية عن
التبايع لجريان عادة المتبايعين بضرب يده على يد صاحبه (بالاسواق) جمع سوق
يؤنث ويذكر وسميت به لقيام الناس فيها على سوقهم (القيام على أموالهم)
وللبخاري العمل في أموالهم ولمسلم في رواية أخرى عمل أرضهم (على ملء بطنى)
وللبخارى وأن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم لشبع بطنه
ولمسلم في أخرى كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطنى ومعناه
كما قال النووي اقنع بقوتى ولا أجمع مالا لذخيرة ولا غيرها ولا أزيد على
قوتها والمراد من حيث حصل القوت من الوجوه المباحة وليس هو من الخدمة
بالاجرة وفي حديث أبي هريرة هذا دليل على ذكر جواز الشخص نفسه بفضله اذا
ترتب على ذلك مصلحة (فاشهد اذا غابوا واحفظ اذا نسوا) وللبخاري ويحضر ما لا
يحضرون ويحفظ ما لا يحفظون (أيكم يبسط ثوبه) للبخاري اني أسمع منك حديثا
كثيرا أنساه قال ابسط رداءك (فبسطت بردة كانت على جنبي) زاد الترمذي فحدثني
كثيرا يؤخذ من ذلك ندب بسط رداء عند قراءة القرآن والحديث والدعاء ثم جمعه
الى الصدر وللبخاري فغرف بيده ثم قال ضمه فضممته قال في التوشيح لم يذكر
المغترف منه وكأنها كانت اشارة محضة انتهى وانما غرف صلى الله عليه وسلم في
الرداء ليجمع به البركة من كفيه صلى الله عليه وسلم (حتى فرغ من حديثه)
وكان ذلك الحديث ما من رجل يسمع كلمة أو كلمتين أو ثلاثا أو أربعا أو خمسا
مما فرض الله عز وجل فيتعلمهن ويعلمهن الا دخل الجنة أخرجه أبو نعيم في
الحلية من طريق الحسن عن أبي هريرة (فما نسيت إلي آخره) فيه معجزة ظاهرة له
صلى الله عليه وسلم (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ
الْبَيِّناتِ وَالْهُدى) نزلت فيمن كتم من اليهود صفة محمد صلى الله عليه
وسلم وآية الرجم وغيرها من الاحكام التى كانت في التوراة (الى آخر الآيتين)
وللبخارى الي قوله الرحيم (روى عنه قال أعطاني رسول الله صلى الله عليه
وسلم الى آخره) رواه البخاري بلفظ حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعائين أى نوعين من العلم قال في التوشيح من اطلاق المحل على الحال (أما
(1/361)
وعائين اما احداهما فبثثته واما الآخر فلو
أخرجته قطع مني البلعوم وحكي عن أحمد بن حنبل قال رأيت النبي صلى الله عليه
وآله وسلم في المنام فقلت يا رسول الله ما روى أبو هريرة عنك حق قال نعم
وقد ذكرنا نبذا من مناقبه في كتابنا الرياض المستطابة والله أعلم
[مطلب في غزوة زيد بن حارثة جذام وذكر سببها]
وذكر البخاري بعد غزوة خيبر غزوة زيد بن حارثة وهي التي أغار فيها على جذام
وسببها ان دحية بن خليفة الكلبى جاء بتجارة من الشام وذلك مرجعه من عند
قيصر حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابه اليه فلما كان ببلاد
جذام أغار عليه الهنيد الجذامي ثم الصليعي وأخذ جميع ما معه وكان رفاعة بن
زيد الجذامي قد قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه من الحديبية
فأسلم وكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب أمن لقومه فقدم على قومه
بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم كثير منهم فلما سمع المسلمون
منهم بفعل الهنيد أغاروا عليه وحاربوه واستنقذوا ما كان لدحية وردوه عليه
فلما قدم دحية على رسول الله صلى الله عليه وسلم استسقاه دم الهنيد أحدهما)
ففيه معرفة الحلال والحرام وجميع الاحكام الشرعية (فبثثته) زاد الاسماعيلي
في الناس ومعنى بثثته أذعته ونشرته وأظهرته خوفا من لحوق الوعيد في كتمانه
(وأما) الوعاء (الآخر) فلا يترتب عليه شيء من ذلك انما فيه اسماء أمراء
الجور وأحوالهم وذمهم وفساد الزمان وتراكم الفتن المضلة واختلاف الاهواء
فمن ثم كان أبو هريرة يكني عن بعض ذلك ولا يصرح به خوفا على نفسه كقوله في
قوله صلى الله عليه وسلم هلاك أمتي على يد أغيلمة من قريش رواه أحمد
والشيخان لو شئت لسميتهم لك وكقوله أعوذ بالله من رأس الستين وامارة
الصبيان يشير الى خلافة يزيد فانها كانت سنة ستين قال في التوشيح فاستجاب
الله دعاءه فمات قبلها بسنة وقال بعض علماء الصوفية المراد بالوعاء الثانى
علم الاسرار المصون عن الاغيار المختص بالعلماء بالله تعالى من أهل العرفان
قال بعضهم وهو نتيجة الخدمة وثمرة الحكمة لا يظفر به الا من غاص في بحار
المجاهدات ولا يسعد به الا المصطفين بأنوار المشاهدات وهى أسرار كامنة في
القلوب لا تظهر الا بالرياضة قال الكرمانى وأقول نعم يشترط أن لا تدفعه
القواعد الاسلامية ولا تنفيه القوانين الايمانية اذ ما بعد الحق الا الضلال
(قطع مني البلعوم) بضم الباء كناية عن القتل وللمستملى لقطع هذا يعنى رأسه
(عن احمد) بن محمد (بن حنبل) بفتح المهملة وسكون النون بعدها موحدة مات
ببغداد في ربيع الآخر سنة احدى وأربعين ومائتين ولد سنة أربع وستين ومائة
(فائدة) روي عن أبي بكر بن أبي داود السجستاني قال رأيت أبا هريرة في النوم
وأنا بسجستان أصنف حديث أبى هريرة فقلت اني لاحبك فقال أنا أوّل صاحب حديث
كان في الدنيا (وذكر البخارى رحمه الله الى آخره) لم يذكرها صريحا وانما
ذكر بعث النبى صلى الله عليه وسلم اسامة وقوله ان طعنتم في امارته فقد
طعنتم في امارة أبيه من قبل (ببلاد جذام) بضم الجيم ومعجمة وهي قبيلة تنسب
الى جذام بن عدي أخي لخم (الهنيد) مصغر (الصليعي) بالاهمال مصغر أيضا منسوب
الى الصليعا موضع (استسقاه دم الهنيد) أى استأذنه في قتله
(1/362)
فجهز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
زيد بن حارثة فقتل الهنيد وابنه ورجالا من قومه وجمع السبايا والأموال من
بلاد جذام ممن كان قد أسلم ولحقه امان رسول الله صلى الله عليه وسلم
فاعترضه رجال من جذام واخبروه باسلامهم فصدقهم وأمر الجيش أن لا يهبطوا
واديهم ثم سألوه السبايا التي عنده فهم أن يردها عليهم ثم صرفه عن ذلك تهمة
سمعها منهم فانطلقوا الى رفاعة بن زيد وكل ذلك لم يعلم به فقالوا له انك
تحلب المعزا ونساء جذام أسارى فسار مشتكيا الى رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم وركب معه رجال من قومه فقطعوا الطريق في ثلاث ليال فلما رآهم
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في الناس الاح اليهم بيده أن تعالوا
فدفع رفاعة الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتابه الذي قد كان كتبه
له وقال دونك يا رسول الله قديما كتابه حديثا غدره فقال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم اقرأ يا غلام واعلن فقرأه ثم استخبرهم فأخبروه فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم كيف أصنع بالقتلى ثلاث مرات فقال رفاعة أنت أعلم
يا رسول الله لا يحرم عليك حلالا ولا يحل لك حراما فقال أبو زيد بن عمرو
الجذامى اطلق لنا يا رسول الله من كان حيّا ومن قتل فهو تحت قدمي هذه فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدق أبو زيد اركب معهم يا على فقال على
كرم الله وجهه ان زيدا لا يطيعني فأعطاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم
سيفه فلما خرجوا اذا رسول زيد قد استقبلهم على ناقة من ابلهم فأخذوها ثم
تقدموا فلقوا زيدا بفيفاء الفحلتين فأخذوا كل شئ معه من ما لهم والله أعلم
[الكلام على غزوة ذات السلاسل وشرح ذلك]
وفي هذه السنة وقيل في الثامنة غزوة ذات السلاسل سميت بذلك لأن المشركين
ارتبط (تهمة) بفتح الهاء واسكانها (تحلب المعزى) بكسر الميم مقصور وممدود
ما عدا الضأن من الغنم كالمعز والمعيز والأمعوز والمعازو واحدها ماعز
(قديما كتابه حديثا غدره) بنصب قديما وحديثا باضمار كان (فهو تحت قدمي هذه)
أى ساقط ليس فيه شيء (بفيفاء) بفتح الفاء بينهما تحتية آخره همزة ممدودة
ويقصر الارض المستوية والمفازة لا ماء فيها (الفحلتين) بالفاء والمهملة
تثنية فحلة. وفي جمادى الاخرى من (هذه السنة) أي التاسعة (وقيل في الثامنة)
وهو الصحيح بل لم يذكر النووي غيره غزوة ذات السلاسل رواها الشيخان عن أبي
عثمان النهدي وعن أبي عمرو وهى بفتح السين المهملة على المشهور (سمي بذلك
لان المشركين ارتبط بعضهم ببعض خشية أن يفروا) أو لانه كان به رمل بعضه على
بعض كالسلسلة قولان وقيل ان أوله بالضم ذكره ابن الاثير وغيره قال النووى
(1/363)
بعضهم ببعض خشية أن يفروا وقيل سميت باسم
ماء انتهت غزوتهم اليه في أرض بني عذرة وكان أميرها عمرو بن العاص بعثه
النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستنفر العرب الى الاسلام فلما كان بأرض بني
عذرة من جذام خاف وأرسل الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستمده
فأمده بأبى عبيدة بن الجراح في المهاجرين الأولين فيهم أبو بكر وعمر فكان
عمرو يصلي بهم حتى انصرفوا وفي هذه الغزوة جرى حديث رافع بن أبى رافع
الطائي وقوله لابى بكر الصديق حين صحبه انما صحبتك لينفعنى الله بك فانصحنى
وعلمنى فأمره أبو بكر بجمل من شرائع الاسلام ونهاه عن الامارة فأجاب
بالطواعية في كل ما أمره به حتى قال واما الامارة يا أبا بكر فانى رأيت
الناس لا يشرفون عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعند الناس الا بها
فلم تنهاني عنها قال انما استجهدتني لاجهد لك وسأخبرك عن ذلك إنشاء الله
تعالى ان الله بعث محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الدين فجاهد عليه
حتى دخل الناس فيه طوعا وكرها فلما دخلوا كانوا عواذا لله وجيرانه في ذمته
فاياك أن تخفر الله في جيرانه فيتبعك الله في خفرته فان أحدكم يخفر في
جاروه فيضل نائيا عضله غضبا لجاره إن أصيب له شاة أو بعير فالله أشد غضبا
لجاره قال ففارقته على ذلك فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمّر
أبو بكر على الناس قال قدمت عليه فقلت له يا أبا بكر ألم تك نهيتنى أن
أتأمر على اثنين قال بلى وانا الآن انهاك عن ذلك قال فقلت له فما حملك على
أن تلي أمر الناس قال لا اجد من ذلك بدا وخشيت على أمة وأظنه استنبطه من
كلام الجوهرى في الصحاح ولا دلالة فيه فهو بمعنى السلسال أى السهل (قيل
سميت باسم ماء) يقال له السلسل وهو ماء لبنى حذام وراء وادي القرى على عشرة
أميال من المدينة (عذرة) بضم المهملة وسكون المعجمة بعدها راء قبيلة من
جذام (فكان أميرها) بالنصب خبر كان مقدم (عمرو بن العاص) بالرفع اسمها
ويجوز عكسه (يستنفر الغرب) يطلب منهم البعير الي رسول الله صلى الله عليه
وسلم (بأبي عبيدة) عامر ابن عبد الله (بن الجراح) ومر ذكر نسبه (الطائي)
نسبه الى طيء القبيلة وهي مهموزة (وقوله لابي بكر) بالرفع (فانصحني) قال
الخطابى النصيحة كلمة جامعة معناه خياره الخطة للمنصوح وليس في كلام العرب
كلمة مفردة يستوفي بها العبارة غير معناها كما انه ليس في كلامهم كلمة أجمع
لخير الدنيا والآخرة من لفظ الفلاح قالوا واحدها من نصح الثوب اذا خاطه شبه
فعل الناصح فيما يتحراه من صلاح المنصوح له بما يسده من خلل الثوب وقيل من
نصح العسل وهو تصفيته من الشمع شبه به تخليص القول من الغش (بالطواعية)
بفتح المهملة وتخفيف التحتية وتشديدها أي الطاعة (عواذ الله) بضم المهملة
وتشديد الواو وبعدها ذال معجمة أي في عصمة الله ومنعه (في ذمته) أي في
أمانه وضمانه وحرزه (تخفر الله) بضم أوله أي تنقض أمانه وضمانه وعهده
(نائيا) بالهمز وتركه أي بارزا ظاهرا (عضله) بالمهملة فالمعجمتين
المفتوحتين أي عصب وجهه وحلقه كني بذلك عن شدة
(1/364)
محمد الفرقة. قلت وفي معنى ذلك قوله صلى
الله عليه وسلم لابى ذر يا أبا ذر انى أراك ضعيفا وانى أحب لك ما أحب لنفسي
فلا تأمرني على اثنين ولا تولين مال اليتيم. وعنه قال قلت يا رسول الله ألا
تستعملنى فضرب بيده على منكبي فقال يا أباذر انك ضعيف وانها امانة وانها
يوم القيامة حسرة وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذى عليه فيها رواهما
مسلم.
[مطلب في الكلام الإمارة والتنفير من التعرض
للرياسة والوعيد لأهلها]
وعن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال انكم ستحرصون على
الأمارة وستكون ندامة يوم القيامة رواه البخارى وقال صلى الله عليه وسلم يا
عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الامارة فانك ان اعطيتها من غير مسئلة أعنت
عليها وان أعطيتها عن مسئلة وكلت اليها واذا حلفت على يمين فرأيت غيرها
خيرا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك روياه.
والاحاديث في التنفير من التعرض للرياسة والوعيد لاهلها وأمرهم بالاستقامة
كثيرة فى الصحاح وغيرها من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ما من عبد يسترعيه
الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته الا حرم الله عليه الجنة متفق عليه
وفي رواية فلم يحطها بنصحه لم يجد رائحة الجنة وفي رواية لمسلم ما من أمير
يلى أمور المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح لهم الا لم يدخل معهم الجنة وعن
عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي هذا يقول اللهم من
ولي من أمر أمتى شيئا فرفق بهم فأرفق به رواه مسلم ودخل عايذ بن عمرو الغضب
فانه يبلغ من الشخص هذا المبلغ وأصل العضل كل لحمة مكتنزة غليظة (انك ضعيف)
أي عن القيام بوظائف الولايات (لا تأمرن) بحذف تاء الفعل ونون التأكيد
المشددة (ولا تولين) كذلك أيضا (رواهما مسلم) وأبو داود قال النووي هذا
الحديث أي وما أشبهه أصل عظيم في اجتناب الولايات (انكم ستحرصون) بكسر
الراء ويجوز فتحها (على الامارة) هذا من اعلام نبوته صلى الله عليه وسلم إذ
وقع الأمر كما أخبر (وستكون ندامة) وحسرة (يوم القيامة) فنعمت المرضعة
وبئست الفاطمة (رواه البخارى) والنسائي (الامارة) بكسر الهمزة الولاية
(وكلت اليها) أي أسلمت اليها ولم يكن معك اعانة وفي أكثر نسخ الصحيحين أكلت
بالهمزة (واذا حلفت على يمين الى آخره) فيه دليل على جواز تقديم الكفارة
على الخنث وهو كذلك ان كفر باطعام أو عتق أو كسوة بخلاف الصوم قال في
التوشيح وعلى زائدة أو بمعنى الباء (روياه) أى الشيخان ورواه أيضا أبو داود
والترمذي والنسائى (فلم يحطها) بفتح أوله وبمهمتين الأولى مضمومة والثانية
ساكنة أي لم يراعها (ثم لا يجهد) أى يتحمل المشاق فيما يصلحهم (الا لم يدخل
معهم الجنة) للبيهقى في السنن عن أبى هريرة ما من أمير عشرة الا وهو يؤتى
به يوم القيامة مغلولا حتى يفكه العدل أو يوثقه الجور وللطبراني في الكبير
من حديث ابن عباس ما من أمير يؤمر على عشرة الاسئل عنهم يوم القيامة (عايذ)
بالمهملة والتحتية والذال المعجمة (ابن عمرو) هو
(1/365)
على عبيد الله بن زياد فقال أي بني انى
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن شر الرعاء الحطمة فاياك ان تكون
منهم متفق عليه وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت
بنو اسرائيل تسوسهم الانبياء كلما هلك نبى خلفه نبي وانه لا نبي بعدى
وسيكون بعدي خلفاء فيكثرون قالوا فما تأمرنا به قال فوا ببيعة الأوّل ثم
اعطوهم حقهم واسئلوا الله الذي لكم فان الله يسئلهم عن استرعائهم رواه
البخاري ومسلم ودخل ابو مريم الأزدي على معاوية فقال له سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول من ولاه الله شيئا من امور الناس فاحتجب دون حاجتهم
وخلتهم وفقرهم احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة فجعل معاوية
رجلا على حوائج الناس رواه ابو داود والترمذي وعن ابي سعيد وابي هريرة قالا
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة
الا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه وبطانة تأمره بالشر
وتحضه عليه والمعصوم من عصمه الله رواه البخارى وعن عائشة رضى الله عنها
قالت قال رسول الله صلى الله الانصاري (على عبيد الله بن زياد) كان واليا
على المدينة من قبل يزيد بن معاوية (الحطمة) بضم الحاء وفتح الطاء
المهملتين وهو العنيف الذي لا يرفق سمي بذلك لحطمه الناس بجوره أى كسره
اياهم والحطم الكسر ومن ثم سميت النار الحطمة (متفق عليه) انما رواه احمد
ومسلم وليس في البخاري وتتمته فقال اجلس فانما أنت من نخالة أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال وهل كان لهم نخالة انما النخالة بعدهم وفي
غيرهم والنخالة بضم النون السقط (بنو اسرائيل) هم أولاد يعقوب (يسوسهم)
يقوم بامورهم كما يقوم سائس الدابة بأمرها (كلما هلك نبى) كموسى (خلفه نبي)
كيوشع (وانه لا نبي بعدي) هذا من جملة معجزاته صلى الله عليه وسلم في
الاخبار بالمغيبات وكذا قوله (وسيكون بعدي خلفاء) والخلفاء جمع خليفة وهو
كل امام عادل (فوا) بضم الفاء أمر من الوفاء (بيعة الاول) بالباء الجارة
وفي بعض نسخ الصحيح أوفوا من الايفاء بيعة بغير باء (أبو مريم) اسمه عبد
الله بن زياد (الازدى) بسكون الزاي ينسب الى أزد شنوءة ويقال فيه الاسدي
بالسين المهملة بدل الزاي ساكنة أيضا (على معاوية) بن أبي سيفان صخر بن حرب
وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة (فقال له) أبو مريم بعد أن قال معاوية ما
انعمنا بك أبا فلان قال قلت حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول (من ولاه الله) يستدل به لمذهب أهل السنة أن الخير والشر منه جل وعلا
ووجه ذلك نسبة الولاية اليه عز وجل مطلقا في العادل والجائر (خلتهم) بفتح
المعجمة أي حاجتهم (فجعل معاوية) رجلا لم يسم (على حوائج الناس) أي خوفا
مما ذكر له أبو مريم (رواه أبو داود والترمذي) وللطبرانى في الكبير من حديث
ابن عمر من ولي شيئا من أمور المسلمين لم ينظر الله في حاجته حتى ينظر في
حوائجهم (بطانتان) تثنية بطانة بكسر الموحدة وبطاء مهملة ونون وبطانة الرجل
خاصته وموضع سره
(1/366)
عليه وسلم اذا اراد الله بالأمير خيرا جعل
له وزير صدق ان نسى ذكره وان ذكر اعانه واذا أراد به غير ذلك جعل له وزير
سوء ان نسى لم يذكره وان ذكر لم يعينه رواه أبو داود باسناد جيد على شرط
مسلم. ومما ينخرط في هذا السلك قوله صلى الله عليه وسلم كلكم راع وكلكم
مسؤل عن رعيته والامام راع ومسؤل عن رعيته والرجل راع في أهله ومسؤل عن
رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤلة عن رعيتها والخادم راع في مال
سيده ومسؤل عن رعيته وكلكم راع ومسؤل عن رعيته رواه البخارى ومسلم. اما اذا
عدل الوالى وسدد وقارب فقد قال صلى الله عليه وسلم سبعة يظلهم الله في ظله
يوم القيامة يوم لا ظل الا ظله امام عادل وشاب نشأ في طاعة الله ورجل قلبه
معلق في المساجد ورجلان تحابا (وزير صدق) أى معين له على الخير (وان أراد
به غير ذلك) أي أراد به شرا (وزير سوء) بضم المهملة مع المد ويفتحها مع
القصر (رواه أبو داود) والبيهقى في الشعب (ينخرط) بخاء معجمة وطاء مهملة أى
يدخل (السلك) بكسر المهملة وسكون اللام (كلكم راع) أى حافظ مؤتمن ملتزم
صلاح ما هو قائم به وما هو تحت نظره (رواه البخاري ومسلم) وأبو داود
والترمذي عن ابن عمر (سبعة يظلهم الله في ظله) أى ظل عرشه كما في رواية
لمسلم ولسعيد بن منصور قال القاضي واضافة الظل الى الله تعالى اضافة ملك
وكل ظل فهو لله وملكه وخلقه وسلطانه (يوم لا ظل) يقى من حر الشمس لقربها من
الرؤس والجام العرق (الاظله) وهو ظل العرش كما مر إذ لا ظل هناك شيء الا له
قاله النووي قال وقد يراد به ظل الجنة وهو نعيمها والسكون فيها كما قال
تعالى وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا وقال ابن الأنباري المراد بالظل هناك
الكرامة والكنف والكن من المكاره في ذلك الموقف وليس المراد ظل الشمس قال
القاضي وما قاله معلوم في اللسان يقال فلان في ظل فلان أي مكان كنفه
وحمايته قال وهو أولى الاقوال ويكون اضافته الي العرش اضافة تشريف لانه في
التقريب والكرامة والا فالشمس وسائر العالم تحت العرش وفي ظله (امام) قال
القاضي وهو كل من اليه نظر في شيء من أمور المسلمين من الولاة والحكام وبدأ
به لكثرة مصالحه وعموم نفعه (عادل) وفي بعض نسخ الصحيحين الامام العادل وفي
بعضها الامام العدل قال في التوشيح وهو الذي يتبع أمر الله يوضع كل شيء في
موضعه بلا افراط ولا تفريط (وشاب نشأ في عبادة الله) ولمسلم بعبادة الله أي
نشأ متلبسا بالعبادة أو مصاحبا لها أو متصفا بها قاله النووي ويحتمل أن
يكون بمعنى في كما في غير مسلم قاله القرطبى زاد الجوزقى حتى توفي على ذلك
ومن حديث سلمان أفني شبابه ونشاطه في عبادة الله تعالى قلت انما كان الشاب
المتصف بذلك في ظل الله لانه في الدنيا استتر بظل التقوى عن حر الشهوات
الهائلة أيام الشباب الحاملة على جمل من المعاصي (ورجل قلبه معلق) وفي بعض
نسخ الصحيحين متعلق بزيادة التاء (في المساجد) وفي رواية لمسلم في المسجد
ولأحمد بالمساجد وللجوزقى كأنما قلبه معلق في المسجد زاد سليمان من حبها
ومعناه أنه كثير الملازمة للمسجد بقلبه وان كان جسده خارجا قال النووى
ومعناه أنه شديد الحب لها والملازمة للجماعة فيها وليس معناه دوام القعود
في المسجد (ورجلان تحابا)
(1/367)
فى الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته
امرأة ذات منصب وجمال فقال انى اخاف الله عز وجل ورجل تصدق بصدقة فأخفاها
حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه أحب كل
منهما الآخر (في الله عز وجل) أى لارياء ولا سمعة ولا لغرض دنيوي (اجتمعا
عليه) في بعض نسخ البخارى على ذلك أى كان هو السبب في اجتماعهما (وتفرقا
عليه) أى استمرا على ذلك حتى افترقا من مجلسهما وهما صادقان في حب كل واحد
منهما لله تعالى وفي حال اجتماعهما وافتراقهما قال النووى في هذا الحديث
الحث على التحاب في الله وبيان عظيم فضله وهو من المهمات فان الحب في الله
والبغض في الله من الايمان وهو بحمد الله كثير يوفق له أكثر الناس أو من
وفق له وعد هذه الخصلة واحدة لأن المحبة لا تتم الا من اثنين (ورجل دعته)
وللبخارى طلبته (امرأة ذات منصب) أي حسب وشرف وخصها بكثرة الرغبة وعثر
حصولها زاد ابن المبارك الى نفسها أي عرضت نفسها عليه ليزني بها على الصحيح
قال القاضى ويحتمل أنها دعته لنكاحها فخاف العجز عن القيام بحقها أو لأن
الخوف من ألله تعالى شغله عن لذات الدنيا وشهواتها (فقال) بلسانه أو بقلبه
ليزجر نفسه عما دعته اليه (اني أخاف الله) زادت كريمة في صحيح البخاري رب
العالمين (فأخفاها) ولا حمد فأخفى وللاصيلى في صحيح البخارى اخفاء مصدر أو
حال كونه مخفيا فيه فضل صدقة السر اذا كان تطوعا لأنها أقرب الى الاخلاص
وابعد من الرياء (حتى لا تعلم) بالرفع والنصب (شماله ما تنفق يمينه) هذا هو
الصواب ووقع في صحيح مسلم حتى لا يعلم يمينه ما ينفق شماله قال في التوشيح
وهو مقلوب وهم فيه يحيى القطان أي لأن المعروف في النفقة ان محلها اليمين
والقصد المبالغة في الاخفاء فضرب المثل باليمين والشمال لقربهما وملازمتهما
ومعناه لو قدرت الشمال رجلا متيقظا لما علمت بصدقته لشدة الاخفاء وقيل
المراد من على يمينه وشماله من الناس قال في الديباج قال القرطبى وقد سمعنا
من بعض المشايخ أن ذلك أن يتصدق على الضعيف في صورة المشترى منه فيدفع له
درهما في شىء يساوي نصف درهم فالصورة مبايعة والحقيقة صدقه قال وهو اعتبار
حسن (ورجل ذكر الله) بلسانه أو بقلبه حال كونه (خاليا) من الخلق ومن
الالتفات الى غير الله ولو كان في ملا (ففاضت عيناه) زاد البيهقي من خشية
الله تعالى والمراد فاضت دموع عينيه فهو مجاز كجرى الميزاب وقال القرطبي
فيض العين بكاؤها وهو على حسب حال الذاكر وبحسب ما ينكشف له من أوصافه
تعالى فان انكشف له غضبه وسخطه فبكاؤه عن خوف وان انكشف جماله وجلاله
فبكاؤه عن محبة وشوق وهذا لتلون الذاكر بتلون ما يذكر من الأسماء والصفات
قال وهذا الحديث جدير بان ينعم فيه النظر ويستخرج ما فيه من اللطائف والعبر
انتهى (فائدة) بقيت خصال أخرى تقتضى الظل وصلها الحافظ ابن حجر الى ثمانية
وعشرين وجلال الدين السيوطي الى سبعين منها رجل كان في سرية فلفوا العدو
فانكشفوا فحمى آثارهم حتى نجا ونجوا واستشهد رواه ابن زنجويه عن الحسن
مرسلا وابن عساكر عن أبي هريرة. ورجل غض عينيه عن محارم الله وعين حرست في
سبيل الله رواه البيهقي في الاسماء من حديث أبى هريرة والتاجر الامين.
والامام المقتصد. وراعى الشمس بالنهار أخرجه في الثلاثة الحاكم في تاريخه
والديلمى في مسند الفردوس من حديث
(1/368)
رواه البخاري ومسلم فقدم الامام عليهم.
وقال صلى الله عليه وسلم أهل الجنة ثلاثة ذو سلطان مقسط موفق ورجل رحيم
القلب لكل ذي قربى ومسلم عفيف متعفف ذو عيال رواه مسلم وقال الامام كبير
الشان رفيع الذكر أبو سعيد الحسن بن أبى الحسن البصري رحمه الله تعالى
الناس في هذه الدنيا على خمسة أصناف العلماءهم ورثة الأنبياء والزهاد هم
الأدلاء أبي هريرة. ومن انظر معسرا أو وضع عنه أخرجه أحمد من حديث أبي
البشر كعب بن عمرو. ورجل حيث توجه علم أن الله معه أخرجه الطبراني في
المعجم الكبير من حديث أبي أمامة. وواصل الرحم.
وامرأة مات زوجها وترك عليها أيتاما صغارا فقالت لا ابرح أقيم على أيتامى
حتي يغنيهم الله. وعبد صنع طعاما فاضاف ضيفه فاحسن نفقته فدعا عليها اليتيم
والمسكين فاطعمهم لوجه الله عز وجل أخرجه في الثلاثة أبو الشيخ في الثواب
والاصبهاني والديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس. ومن عزى الثكلى أخرجه
ابن السنى في عمل اليوم والليلة من حديث أبي بكر وعمران بن حصين. وحملة
القرآن أخرجه أبو نصر عبد الكريم الشيرازي في فوائده والديلمي في مسند
الفردوس وابن النجار بسند ضعيف من حديث على. ورجل لم تأخذه في الله لومة
لائم. ورجل لم يمد يده الى ما لا يحل له أخرجه الاصبهاني في ترغيبه من حديث
ابن عمر. ومن نفس عن غريمه أو محاعنه رواه أحمد عن أبي قتادة. والشهداء
رواه العقيلى من حديث أبي هريرة. (فائدة) أخرى قال في التوشيح لا مفهوم
للرجال في هذا الحديث فالنساء كذلك الا في الامامة انتهى قلت لكن بالنسبة
الى تعلق القلب بالمسجد يكون المراد بالنسبة اليها مسجد بيتها لأن صلاتها
فيه أفضل من المسجد فهو اليها كالمسجد بالنسبة الي الرجل وكذلك يقال وامرأة
دعاها رجل ذو منصب وجمال فقالت انى أخاف الله (رواه) أحمد و (البخارى
ومسلم) والنسائي عن أبي هريرة ورواه مسلم عن أبى سعيد وسعد بن منصور عن
سلمان (فقدم) في هذا الحديث (الامام) العادل (عليهم) لما مر (مقسط) أى عادل
(ومسلم) بالجر عطفا على ذي قربى (أبو سعيد الحسن بن أبى الحسن) يسار
(البصرى) الانصاري مولاهم أمه خيرة مولاة أم سلمة أم المؤمنين ولد لسنتين
بقيتا من خلافة عمر وكانت دائما ترضعه أم سلمة فيرون أن فصاحته وحكمته من
بركة ذلك نشأ بوادى القرى ورأي طلحة بن عبيد الله وعائشة ولم يسمع منهما
وحضر الدار وله أربع عشرة سنة فسمع ابن عمر وأنسا وجندب بن عبد الله وغيرهم
وأدرك من الصحابة مائة وثلاثين وكان يوم بوبع لعلي ابن أربع عشرة سنة قال
ابن سعد كان جامعا عالما رفيقا فقيها ثقة مأمونا عابدا ناسكا كثير العلم
جميلا فصيحا وسيما مات سنة عشر ومائة ومات محمد بن سيرين بعده بثلاثة أشهر
واحد عشر يوما (العلماء هم ورثة الانبياء) هو حديث رواه الشيخان وغيرهما
زاد ابن النجار عن أنس يحبهم أهل السماء وتستغفر لهم الحيتان في البحر اذا
ماتوا الى يوم القيامة (والزهاد) جمع زاهد وحقيقة الزهد ترك ما سوى الحاجة
وجاء في الحديث الزهد في الدنيا ليس بتحريم الحلال ولا اضاعة المال ولكن
الزهادة في الدنيا ألا تكون بما في يديك أوثق منك بما في يد الله وان تكون
في ثواب المصيبة اذا أنت أصبت أرغب منك
(1/369)
والغزاة هم أسياف الله والتجارهم امناء
الله والملوك رعاة الخلق فاذا أصبح العالم طامعا وللمال جامعا فبمن يقتدى
واذا أصبح الزاهد راغبا فبمن يستدل ويهتدى واذا أصبح الغازى مرائيا
والمرائي لا عمل له فمن يظفر بالعدى واذا كان التاجر خائنا فمن يؤمن ويرتضى
واذا أصبح الملك ذئبا ضاريا فمن يحفظ الغنم ويرعى والله ما أهلك الناس الا
العلماء المداهنون والزهاد الراغبون والغزاة المراؤن والتجار الخائنون
والملوك الظالمون وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون. وفي معنى ذلك أنشد
الشيخ الامام العالم العامل ذو السياحات والرياضات والبركات عبد العزيز
الديريني الدميري لنفسه
اذا ما مات ذو علم وتقوى ... فقد ثلمت من الاسلام ثلمه
فيها لو انها أبقيت لك رواه الترمذي وابن ماجه عن أبي ذر (والغزاة)
المجاهدون (هم أسياف الله) ينتقم بهم من أعدائه (والتجارهم أمناء الله)
استأمنهم على ما خولهم لينظر أيحفظون الامانة أم يضيعونها بالبخل ومنع
الزكاة وطلب الرزق من غير حله (والملوك رعاة الخلق) لقوله في الحديث الامام
راع (واذا أصبح الغازى مرائيا) غير مخلص عمله لله تعالى وجاء في الحديث
الشرك الخفي ان يعمل الرجل لمكان الرجل رواه الحاكم عن أبي سعيد وللحاكم من
طريق ابن عباس الشرك في أمتى أخفي من دبيب النملة على الصفا وللحاكم وأبي
نعيم في الحلية عن عائشة الشرك أخفى في أمتى من دبيب النمل على الصفا في
الليلة الظلما وأدناه ان يحث على شىء من الجور ويبغض على شئ من العدل وهل
الدين الا الحب في الله والبغض في الله قال الله تعالى فان كنتم تحبون الله
فاتبعونى يحببكم الله (فائدة) روى الحاكم عن أبي بكر ان من قال اللهم اني
أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم واستغفرك لما لا أعلم يقولها ثلاث مرات اذهب
الله عنه صغار الشرك وكباره وقال الفضيل ترك العمل لأجل الناس ريا والعمل
لاجل الناس شرك والاخلاص أن يعافيك الله منهما (والمرائي لا عمل له) مقبول
(فمن يظفر بالعدى) اذا كانت العاقبة للمتقين والرياء ينافي التقوى (واذا
أصبح الملك) بكسر اللام يأكل الناس أكلا ذريعا فمثله كراعي غنم أصبح (ذئبا)
بالهمز وتركه (ضاريا) إلفا معتادا (ما أهلك الناس) بالنصب (الا العلماء
المداهنون) بالدال المهملة والنون وحقيقة المداهنة بذل الدين لصلاح الدنيا
وليست المداراة مداهنة وحقيقتها بذل الدنيا لصلاح الدين أو دنيا
(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا) نزلت في المشركين الذين كانوا يهجون
رسول الله صلى الله عليه وسلم (أي منقلب) مرجع (ينقلبون) يرجعون قال ابن
عباس الى جهنم والسعير (عبد العزيز) بن سعيد (الديرينى) بفتح المهملة وسكون
التحتية وكسر الراء ونون نسبة الى ديرين محلة بمصر (الدميري) بفتح المهملة
وكسر الميم وثلمت (بالمثلثة) مبني للمفعول كسرت (من) دين (الاسلام ثلمه)
كسرة وأو لها مثلث والضم أشهر (فائدة) قال عطاء وجماعة في قوله
(1/370)
وموت العابد المرضي نقص ... ففى مرآه
للأسرار نسمه
وموت العابد الملك المولى ... بحكم الحق منقصة وفصمه
وموت الفارس الضرغام هدم ... فكم شهدت له بالنصر عزمه
وموت فتى كثير الجود محل ... فان بقاءه خصب ونعمه
فحسبك خمسة يبكى عليهم ... وموت الغير تخفيف ورحمه
ولبعضهم أيضا
اذا جار الأمير وكاتباه ... وقاضى الأرض داهن في القضاء
فويل ثم ويل ثم ويل ... لقاضى الأرض من قاضى السماء
ومن آفات الرياسة ان يتصدى لها ويدخل فيها قبل الاستعداد والتأهل فيعرض
نفسه للفتن والاحن ويفتضح ولا يفلح وأنشد بعضهم:
الكلب أحسن عشرة ... وهو النهاية في الخساسه
ممن ينازع في الرئاسة ... قبل أوقات الرئاسه
[تتمة في بعث عمرو بن العاص أميرا على جيش ذات
السلاسل وذكر بعض مناقبة والكف عن ذكر أصحاب رسول الله إلا بخير]
وقال بعضهم من تصدر قبل أوانه تصدى لهوانه وقد تمادى بنا الكلام في هذه
الغزاة رجاء الفائدة ولم يذكر البخارى فيها غير حديث واحد وخرجه مسلم أيضا
وهو ما رويا تعالى «أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها
مِنْ أَطْرافِها» أن ذلك موت العلماء وذهاب الفقهاء (ففى مرآه) بفتح الميم
وسكون الراء ومد الهمزة أي منظره (منقصة) أي نقص (وفصمه) بالفاء والمهملة
أي انقطاع (الفارس الدرغام) بكسر المعجمة أي شديد البأس (عزمه) جد واجتهاد
وصبر على مقاساة أحوال الحرب (وموت فتى كثير) بالكسر (الجود) والكرم
والسخاء والسماحة مترادفة قال في الشفاء وقد فرق بعضهم بينهما بفروق فجعل
الكرم الانفاق بطيب النفس فيما يعظم خطره ونفعه وسموه أيضا حرية وهو ضد
النذالة والسماحة التجافي عما يستحقه المرء عند غيره بطيب نفس وهو ضد
الشكاسة والسخاء سهولة الانفاق وتجنب اكتساب ما لا يحمد وهو الجود وهو ضد
التقتيز (محل) بفتح الميم وسكون المهملة جدب (فان بقاءه خصب) بكسر المعجمة
وسكون المهملة (فحسبك) أي يكفيك (فويل) شدة عذاب قاله ابن عباس أو واد في
جهنم قاله سعيد بن المسيب وجاء في الحديث الويل واد في جهنم يهوي فيه
الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره أخرجه أحمد والترمذي وابن حبان
والحاكم من حديث أبى سعيد الخدري (الرئاسة) بكسر الراء أن يصير الشخص رئيسا
(أن يتصدى) أي يتعرض (ويدخل) بالفتح وكذا ما بعده (ولا يفلح) أي لا ينجو
(عشرة) مثلث العين والكسر أشهر أي معاشرة (من تصدر) أي ترأس (قبل أوانه) أي
وقته (تصدى لهوانه)
(1/371)
عن أبى عثمان النهدى ان النبي صلى الله
عليه وآله وسلم بعث عمرو بن العاص على جيش ذات السلاسل قال فأتيته فقلت أى
الناس أحب اليك قال عائشة قلت من الرجال قال أبوها قلت ثم من قال غمر فعد
رجالا فسكت مخافة ان يجعلني في آخرهم وفي هذا الحديث منقبة لعائشة وأبيها
وعمر بن الخطاب فأما عمرو بن العاص فانه وان لم يكن هذا مقامه فلا يلزم من
ذلك حط مرتبته ولا نقص من منزلته فقد وردت له فضائل منها تأمير النبى صلى
الله عليه وآله وسلم في هذه الغزوة على كثير من جملة المهاجرين الأولين
فكان يصلى بهم حتى رجعوا وقد قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم في حديث
أسلم الناس وآمن عمرو ومنها ما روينا في صحيح مسلم عن ابن شماسة المهرى قال
حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت فبكى طويلا وحول وجهه الى الجدار
فجعل ابنه يقول ما يبكيك اما بشرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكذا
فأقبل بوجهه فقال ان أفضل ما نعد شهادة أن لا إلا إلا الله وان محمدا رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم انى كنت على أطباق ثلاث لقد رأيتنى لخزية
وفضيحة (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن مل بتثليث الميم وتشديد اللام
(النهدي) بفتح النون وسكون الهاء ينسب الى نهد قبيلة معروفة (أيّ الناس أحب
اليك) زاد ابن عساكر فاحببه (منقبة لعائشة وأبيها وعمر) قال النووي وفيه
دلالة تنبيه لأهل السنة في تفضيل أبو بكر ثم عمر على جميع الصحابة (وان لم
يكن هذا) المقام أي مقام أبى بكر ثم عمر (مقامه) بالنصب خبر يكن ويجوز
بالضم اسمها والخبر هذا (أسلم الناس وآمن عمرو) بن العاص أخرجه الترمذي من
حديث عقبة بن عامر فشهد له صلى الله عليه وسلم بالايمان فهو أخص من الاسلام
اذ حقيقته التصديق بالقلب والاسلام الاقرار باللسان واظهار شرائع الايمان
بالابدان وذلك لا ينفع دون التصديق بالقلب والاخلاص قال تعالى (قالَتِ
الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا) وقال صلى الله عليه وسلم اذ قال
له سعد بن مالك عن فلان والله اني لاراه مؤمنا قال أو مسلما ثلاث مرات
وفلان هذا هو جعيل بن سراقة الضمرى وكان من خواص المؤمنين وانما قال صلى
الله عليه وسلم ذلك تعليما لسعد ان اطلاق المسلم على من لم يختبر حاله
الخبرة الباطنة أولي من اطلاق المؤمن لأن الاسلام معلوم بحكم الظاهر بخلاف
الايمان (ابن شماسة) بفتح المعجمة أوله وضمها وتخفيف الميم آخره سين مهملة
وهاء اسمه عبد الرحمن (المهرى) بفتح الميم وسكون الهاء وبالراء (حضرنا)
بسكون الراء (عمرو بن العاص) مفعول (سياقة الموت) بكسر المهملة وتخفيف
التحتية وبالقاف أي حال حضوره وكان ذلك بمصر ليلة عيد الفطر سنة ثلاث
وأربعين أو أحد وخمسين قولان أصحهما الأوّل (فجعل ابنه) عبد الله (أما بشرك
رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا) أى بأنك مؤمن (ان أفضل ما نعد) بضم
أوله رباعي أى ما نهيء (شهادة) بالرفع خبران (على اطباق) أى أحوال ومنه
لتركبن طبقا عن طبق فمن ثم أنث (ثلاث) اراده لمعنى اطباق (لقد رأيتنى) بضم
(1/372)
وما أشد بغضا لرسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم منى ولا أحب اليّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته فلو متّ على تلك
الحال لكنت من أهل النار فلما جعل الله الاسلام فى قلبي أتيت النبي صلى
الله عليه وآله وسلم فقلت ابسط يمينك فلأبايعك فبسط يمينه فقبضت يدى قال
مالك يا عمرو قال قلت أردت أن أشترط قال تشترط بماذا قلت أن يغفر الله لى
قال اما علمت ان الاسلام يهدم ما قبله وان الهجرة تهدم ما قبلها وان الحج
يهدم ما كان قبله وما كان أحد أحب اليّ من رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم ولا أجل في عيني منه وما كنت أطيق ان أملأ عيني منه اجلالا ولو شئت ان
أصفه ما أطقت لانى لم أكن املأ عينى منه ولو مت على تلك الحالة لرجوت أن
أكون من أهل الجنة ثم ولينا أشياء ما أدرى ما حالى فيها فاذا أنامت فلا
تصحبني نائحة ولا نار فاذا دفنتموني فشنوا على التراب شنا ثم أقيموا حول
قبرى قدر ما يذبح جزور ويقسم لحمها حتى استأنس بكم وانظر ماذا رجع به رسل
ربى «نصيحة عرضت» وهى ان ثم من يقع في عمرو بن العاص ومعاوية وغيرهما من
أجلاء الصحابة أو من شمله اسم الصحبة التي لا يوازيها عمل وان جل ويتسببون
لسبهم لهنات صدرت منهم مما تقدم الفوقية (وما) نافيه أحد اسمها (أشد) خبرها
(فلا بايعك) أى فاني جئت لابايعك (تشترط بماذا) الباء زائدة للتأكيد أو ضمن
تشترط معنى تحتاط قاله النووى (يهدم) أي يمحق ويذهب ولابن سعد من طريق
الزبير وجبير بن مطعم الاسلام يجب (ما كان قبله) من الذنوب وان عظمت قال
تعالى قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ
سَلَفَ (وان الحج) اذا لم يرفث ولم يفسق (يهدم ما كان قبله) وقال صلى الله
عليه وسلم من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه رواه أحمد والبخارى
والنسائى وابن ماجه والدار قطنى وزاد واعتمر كلهم عن أبي هريرة والرفث يراد
به الجماع ويراد به التعريض بالجماع ويطلق على الفحش في القول وهو المراد
هنا وفاؤه مثلثة في الماضي والمضارع والأفصح الفتح في الماضى والضم في
المضارع والفسق معلوم ولم يذكر الجدال في الحديث اما من باب الاكتفاء أولد
خوله في الرفث والفسوق وقوله كيوم الافصح بناؤه على الفتح ثم المراد تكفير
الصغائر دون الكبائر والتبعات على ما اعتمده النووى وغيره لكن قال في
التوشيح ورد في حديث آخرانه يكفر ذلك فيكون من خصائص الحج (أحد) اسم كان
(أحب) خبرها (ولا أجل) أعظم (في عينيّ) بالتثنية (اجلالا) اعظاما (فلا
تصحبني نائحة ولا نار) زاد ابن منده وأبو نعيم وابن عبد البر في الاستيعاب
وشدوا على ازاري فاني مخاصم (فشنوا على التراب شنا) بالمعجمة والمهملة أي
صبوا وقيل السن بالمهملة الصب من سهولة وبالمعجمة التفريق زاد من مر آنفا
فان جنبى الأيمن ليس أحق بالتراب من جنبي الايسر ولا تجعلن في قبري خشبة
ولا حجرا (جزور) بفتح الجيم من الابل (لا يوازيها) بالزاي والتحتية أي لا
يماثلها (لهنات) بهاء فنون
(1/373)
اليهم النبى صلى الله عليه وآله وسلم
بالكلام فيها وأخبر بوقوعها منهم ثم نهى عن سبهم على الاطلاق فقال لا تسبوا
أحدا من أصحابى فان أحدكم لو انفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه
وقال خيركم قرني وقال لا يبلغنى أحد عن اصحابى شيئا فانى أحب أن أخرج اليهم
مفتوحتين آخره فوقية جمع هنة وهي الخصلة وهى هنا الأمور التى جرت بين
الصحابة رضوان الله عليهم (وأخبر بوقوعها منهم) كقوله لعمار تقتلك الفئة
الباغية وكقوله سيكون بعدي هنات وهناآت (لا تسبوا أحدا من أصحابي) رواه
البخاري عن أبي سعيد الخدرى ومسلم عن أبي هريرة وأبو عوانة عن أبى سعيد
وأبى هريرة وخاطب صلى الله عليه وسلم بذلك الصحابة لانه نزل الساب منهم
لتعاطيه ما لا يليق به منزلة غير الصحابة وقال السبكى الظاهر ان الخطاب فيه
لمن صحبه آخرا بعد الفتح وقوله أصحابى المراد بهم من أسلم قبل الفتح قال
ويرشد اليه قوله لو أنفق الى آخره مع قوله تعالى (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ
مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ الآية) قال ولا بد لنا من
تأويل بهذا أو بغيره ليكون المخاطبون غير الاصحاب الموصي بهم انتهى وأورد
الحكيم الترمذي في كتابه نوادر الاصول ان سبب هذا الحديث ان خالد بن الوليد
تناول عبد الرحمن بن عوف أي سبه فشكاه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لخالد
هل أنتم تاركون لى أصحابى فو الذى نفسي بيده لو ان أحدكم أنفق مثل احد ذهبا
الحديث فقيل المراد بقوله أصحابى أصحاب مخصوصون وهم السابقون على المخاطبين
في الاسلام وعليه لا يلزم من ذلك ان النهي مختص بالسابقين لعموم اللفظ فلا
يكون السبب مخصصا اذ قد يتعلق الحكم بسبب مخصوص ثم يكون عاما ونقل السبكى
عن الشيخ تاج الدين بن عطاء الله الشاذلي انه قال في مجلس وعظه كان لرسول
الله صلى الله عليه وسلم تجليات يرى فيها من بعده فيكون الكلام منه صلى
الله عليه وسلم في تلك التجليات خطابا لمن بعده في حق جميع الصحابة الذين
قبل الفتح وبعده انتهي وسبهم رضى الله عنهم كبيرة يكفر مستحلها بغير تأويل
(لو أنفق مثل أحد) الجبل المعروف بالمدينة (ذهبا) زاد البرقانى كل يوم (ما
أدرك) ثوابه (مداحدهم) أي ثوابه (ولا نصيفه) أي نصف المد والنصيف لغة في
النصف وهو مثلث النون فيكون فيه أربع لغات نقله القاضى في المشارق عن
الحطابى ففى هذا الحديث تفضيل الصحابة رضي الله عنهم على جميع من بعدهم
وفيه ان الطاعات تشرف بشرف عاملها وقال القاضى سبب ذلك أن نفقتهم كانت وقت
ضرورة وضيق حال وفي نصرته صلى الله عليه وسلم وحمايته وذلك معدوم بعده قال
وجميع طاعتهم في ذلك كالنفقة (وقال خيركم قرنى) ثم الذين يلونهم ثم الذين
يلونهم ثم يكونوا بعدهم قوم يخونون ولا يؤتمنون ويشهدون ولا يستشهدون
وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن رواه الشيخان وأبو داود والترمذي
والنسائى عن عمران بن حصين قال في التوشيح القرن أهل زمان واحد متقارب
اشتركوا في الامور المقصودة والاصح انه لا ينضبط بمدة فقرنه صلى الله عليه
وسلم الصحابة وكانت مدتهم من المبعث الى آخر من مات من الصحابة مائة وعشرين
سنة وقرن التابعين من سنة مائة الى نحو سبعين وقرن اتباع التابعين من ثم
الي العشرين ومائتين وفي هذا الوقت ظهرت البدع ظهورا فاشيا وأطلقت المعتزلة
ألسنتها ورفعت الفلاسفة رؤسها وامتحن أهل العلم ليقولوا بخلق القرآن وتغيرت
الاحوال تغيرا شديدا ولم يزل الأمر في نقص الى الآن فظهر مصداق قوله صلى
الله عليه وسلم (لا يبلغني أحد عن أصحابي شيئا إلى آخره) أخرجه أبو داود
(1/374)
وانا سليم الصدر واعتذر عن حاطب وقد بدرت
منه عظيمة وعن مالك بن الدخشم وقد تعرض قوم لسبه على ظاهر الحال ولم يرخص
لبعضهم في بعض ابدا وقال تعالى بعد ان أثنى عليهم أحسن الثناء «وَالَّذِينَ
جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا
الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا
لِلَّذِينَ آمَنُوا» فليت من جاء بعدهم اذ لم يستغفروا لهم ويترحموا عليهم
لم يسبوهم وليتهم اذا لم يصيبوا أجرهم لم يقعوا في شرهم ووكلوا أمورهم الى
عام سرائرهم فهو أعلم بهم قال تعالى «تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما
كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا
يَعْمَلُونَ» وقال تعالى «فَما بالُ
والترمذي من حديث ابن مسعود وهو بالجزم على النهي (واعتذر عن حاطب) هو ابن
أبى بلتعة بقوله أليس من أهل بدر لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعلموا ما
شئتم فقد غفرت لكم أو فقد وجبت لكم الجنة (وقد بدرت منه) معصية (عظيمة) اذ
كتب الى قريش يخبرهم بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح (و)
اعتذر أيضا (عن مالك بن الدخشم) بضم المهملة وسكون الخاء وضم الشين
المعجمتين مكبر ومصغر بالنون آخره وبالميم وقصته مروية في الصحيحين عن
عتبان بن مالك يوم جاء النبى صلى الله عليه وسلم الى بيته فصلى له فيه قال
فثاب رجال من أهل البيت حولنا حتى اجتمع في البيت رجال ذووا عدد فقال قائل
منهم أين مالك بن الدخشم فقال بعضهم ذلك منافق لا يحب الله ورسوله فقال لا
تقل له ذلك الا تراه قال لا إله الا الله يبتغي بذلك وجه الله ولابن عبد
البر من حديث أبي هريرة بسند حسن أليس قد شهد بدرا قال قالوا الله ورسوله
اعلم فانا نرى وجهه ونصيحته للمنافقين قال فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم فان الله قد حرم على النار من قال لا إله الا الله يبتغي بذلك وجه
الله قال النووي في الحديث الذب عمن ذكر بسوء وهو يرى منه وفيه أنه لا يخلد
في النار من مات على التوحيد وفيه غير ذلك (وقد تعرض قوم لسبه) قيل منهم
عتبان بن مالك ذكره ابن حجر وغيره (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) أي
بعد المهاجرين والانصار الى يوم القيامة يدعون لانفسهم ولمن سبقهم بالايمان
بالمغفرة (يقولون) يا (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا) في الدين
(الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا
حسدا وغشا وبغضا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) قال
البغوي وغيره وكل من كان في قلبه غل على أحد من الصحابة ولم يترحم على
جميعهم فانه ليس ممن عناه الله بهذه الآية لأن الله رتب المؤمنين على ثلاث
منازل المهاجرين والانصار والتابعين الموصوفين بما ذكر فمن لم يكن من
التابعين بهذه الصفة كان خارجا من أقسام المؤمنين وقال ابن أبي ليلى الناس
على ثلاث منازل الفقراء المهاجرين والذين تبوء الدار والايمان والذين جاؤا
من بعدهم فاجهدان لا تكون خارجا من هذه المنازل (تِلْكَ أُمَّةٌ) جماعة
(قَدْ خَلَتْ) مضت (لَها ما كَسَبَتْ) من الاعمال (وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ
وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) أي يسأل كل عن عمله لا عن عمل
غيره (قالَ) فرعون (فَما بالُ) ما حال
(1/375)
الْقُرُونِ الْأُولى قالَ عِلْمُها عِنْدَ
رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى» وقال تعالى «قُلِ
اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ
أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ» وقال
صلى الله عليه وآله وسلم لا تسبوا الأموات فانهم قد افضوا الى ما قدموا وقد
حذر علماء السنة المحتاطون لدينهم من النظر في الكتب الحاكية تشاجر الصحابة
لما فيه من المفسدة وعدم الفائدة* وافترضت هاهنا مسئلة لا ينكرها الا مباهت
وهى أن يقول رجل علمنا توحيده وأشيع فسقه وبدعته شيوعا يكاد يبلغ القطع
فصار الناس فرقتين فرقة تجترئ عليه بالسب واللعن وتوقفت الأخرى فمن أقرب
الى السلامة من الفرقتين فيقول ان المجترئين داخلون في الخطر والوبال على
كل حال فان الساب مناقش ومحاسب حتى يخرج مما قال في يوم لا قصاص فيه الا
بالحسنات والسيئات فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم في جواب الذى سئله عن
الغيبة فقال يا رسول الله أفرأيت ان كان في أخي ما أقول (الْقُرُونِ
الْأُولى) أي القرون الماضية والامم الخالية كقوم نوح وعاد وثمود فيما
يدعوني اليه فانها كانت تعبد الأوثان وتنكر البعث (قالَ) موسى (عِلْمُها
عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ) فان أعمالهم محفوظة عنده وسيجازيهم بها قيل انما
رد موسى علم ذلك الى الله لانه كان لم يعلم ذلك لأن نزول التوراة انما كان
بعد هلاك فرعون وقومه (فِي كِتابٍ) وهو اللوح المحفوظ (لا يَضِلُّ رَبِّي)
لا يخطئ ولا يغيب عنه شئ (وَلا يَنْسى) ما كان من أمرهم بل يجازيهم
باعمالهم (قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ) خالق (السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ
الْغَيْبِ) وهو كل ما غاب عن البصر (وَالشَّهادَةِ) أي أن المغيبات
والمشاهدات في علمه سواء (أَنْتَ تَحْكُمُ) تقضي (بَيْنَ عِبادِكَ) يوم
القيامة (فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) في الدنيا وكان من دعائه صلى
الله عليه وسلم اللهم رب جبريل وميكائيل واسرافيل فاطر السموات والأرض عالم
الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون أهدنى لما اختلف
فيه من الحق بأمرك انك تهدي من تشاء الى صراط مستقيم رواه الشيخان وغيرهما
عن عائشة (لا تسبوا الاموات الى آخره) أخرجه أحمد والبخاري والنسائي من
حديث عائشة وأخرج أحمد والترمذي من حديث المغيرة لا تسبوا الاموات فتؤذوا
الاحياء ففيه تحريم سب الموتي ان كان يفضى الى إيذاء حي مخترم مطلقا والا
فمحل النهى في غير الكفار ومتظاهر بفسق أو بدعة اذ يجوز سبب الموتى اذ
هؤلاء والينا عليهم بالشر للتحذير من طريقهم والاقتداء بآثارهم والتخلق
باخلاقهم وبه يعلم الجمع بين هذا الحديث وبين قوله صلى الله عليه وسلم من
أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ومن اثنيتم عليه شرا وجبت له النار أئتم
شهداء الله في الارض أخرجه أحمد والشيخان والنسائي من حديث أنس (قد افضوا)
بالفاء المعجمة أي وصلوا (الى ما قدموا) أي عملوا من خير وشر (تشاجر
الصحابة) أى الاختلاف الذى وقع بينهم (وافترضت) قدرت (مباهت) بالموحدة
والفوقية مفاعل من البهت وسنذكره (فقد قال صلى الله عليه وسلم) أتدرون ما
الغيبة قالوا الله ورسوله أعلم قال ذكر أحدكم أخاه بما يكره فقال رجل
(أفرأيت ان كان في أخي ما أقول) أي الشين الذى
(1/376)
فقال ان كان فيه ما تقول فقد أغتبته وان لم
يكن فقد بهته والفرق المتوقفة سالمة على كلا الحالين فانك لو لم تلعن وتسب
من علم كفره وشقاوته في دهرك لما خفت أن تعاقب على ذلك ولا خطر فيه وانما
الخطر والوبال أن تصوب ضالا في ضلالة وتحسن فعله كفعل يزيد وشيعته بالحسين
وآله عليهم السلام لا أن تصون لسانك عن لعنهم وسبهم وقد قال صلى الله عليه
وسلم ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذى انتهت النصيحة
على حد القصور والتقصير فاذا تحققت أيها الناظر ما ذكرنا فاختر لنفسك ما
فيه صلاحك وفلاحك والله ولي التوفيق.
[الكلام على عمرة القضاء وزواجه صلى الله عليهو
سلم بميمونة بنت الحارث الهلالية]
وفي القعدة من هذه السنة اعتمر صلى الله عليه وسلم عمرة القضاء فلما سمع
المشركون به مقبلا سببته به وظن السائل ان ذلك ليس بغيبة (قال ان كان فيه
ما تقول فقد اغتبته) واستوجبت الوعيد المذكور في الغيبة (وان لم يكن فيه ما
تقول) بل كذبت عليه (فقد بهته) أخرجه أبو داود والترمذي وصححه من حديث أبي
هريرة والبهت الكذب والافتراء على الانسان فهو أعظم من الغيبة لان فيه كذبا
وغيبة (أن يصوب) بضم أوله وفتح ثانيه وكسر ثالثه أي ينسب الى الصواب (كفعل
يزيد) بن معاوية بن أبي سفيان (وشيعته) فرقته وجماعته (بالحسين) بن على
(وآله) أهله وذلك انهم قتلوهم يوم الجمعة وقيل يوم السبت وقيل يوم الأحد
لعشر خلون من محرم سنة احدى وستين بكربلاء بقرب موضع يقال له الطف بفتح
المهملة وتشديد الفاء وهو المحل الذي أخبر صلى الله عليه وسلم انه سيقتل به
كما رواه أبو على سعيد بن عثمان بن السكن من حديث أنس بن الحارث وأخرجه
أحمد من حديث أنس بن مالك قال الزبير بن بكار قتل سيدنا الحسين وعليه جبة
خزد كناء وهو ابن ست وخمسين سنة وسمى عام قتله عام الحزن وقتل معه اثنان
وثمانون أو سبعة وثمانون رجلا من أصحابه مبارزة ومن ولده واخوته وأهل بيته
ثلاثة وعشرون رجلا وتولي قتله سنان بن أبي سنان النخعي أو شمر بن أبى
الجوشن أو خولى بن يزيد الاصبحي من حمير أو عمر بن سعد بن أبي وقاص أو
اشترك الكل في قتله أقوال وخولى بن يزيد هو الذى احتز رأسه وأتي به عبيد
الله بن زياد وقيل بل بشر بن مالك الكندى فضرب ابن زياد عنقه وقيل بل يزيد
بن معاوية وحمل الرأس المكرم الى المدينة الشريفة فدفن بالبقيع عند قبر أمه
فاطمة على الاصح كما قاله الزبير بن بكار وغيره وقيل أعيد الى الجثة
بكربلاء بعد أربعين يوما وقيل بعسقلان وقيل بالقاهرة (تتمة) يجوز لعن قاتل
الحسين ومن رضي قتله ومن أمر بقتله اجمالا ويحرم عندنا تفصيلا وذهب أحمد
وغيره الى جوازه (ليس المؤمن بالطعان الي آخره) أخرجه أحمد والبخارى في
الادب والترمذي وابن حبان والحاكم من حديث ابن مسعود أي ان هذه الصفات ليست
من صفات أهل الايمان ففى ذلك تحريم الطعن في الانساب من غير علم وتحريم
اللعن والفحش في القول والبذاءة* تاريخ عمرة القضاء وتسمي عام القضية
والمراد بالقضاء والقضية الكتاب الذي وقع بين رسول الله صلى الله عليه وسلم
والمشركين ووهم من ظن ان المراد قضاء العمرة التي تحللوا منها اذ لا يجب
القضاء على المحصر وتسمي عمرة الصلح قاله الحاكم في الاكليل وتسمى عمرة
القصاص لنزول قوله تعالى الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ
وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ قاله السهيلي وحديثها أخرجه الشيخان وأبو داود
والنسائى
(1/377)
خرجوا عنه فدخل صلى الله عليه وسلم ومعه
عبد الله بن رواحة آخذا بخطام ناقته وهو يقول:
خلوا بني الكفار عن سبيله ... خلوا فكل الخير في رسوله
يا رب انى مؤمن بقيله ... أعرف حق الله في قبوله
وقال المشركون انه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمي يثرب فأمرهم النبي صلى
الله عليه وسلم ان يرملوا الأشواط الثلاثة وان يمشوا ما بين الركنين وكان
المشركون من قبل قعيقعان ولم يمنعه ان يأمرهم ان يرملوا الاشواط كلها الا
الأبقاء عليهم وكان الناس يظنون ان الرمل خاص بتلك السنة فلما رمل في حجة
الوداع علموا ان السنّة مضت على ذلك ولما أقام صلى الله عليه وسلم ثلاثا
أتي المشركون عليا فقالوا قل لصاحبك اخرج عنا فقد مضى الأجل فخرج صلى الله
عليه وسلم فتبعتهم أمامة بنة حمزة تنادى وغيرهم عن البراء بن عازب (وعبد
الله بن رواحة آخذا بخطام ناقته يقول الى آخر الابيات) أخرج ذلك الترمذى
وأبو يعلى والطبراني عن انس ولفظ الترمذي رحمه الله تعالى
خلوا بنى الكفار عن سبيله ... اليوم نضربكم على تنزيله
ضربا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله
فقال له عمر يا ابن رواحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حرم
الله تقول شعرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم خل عنه يا عمر فلهي أسرع
فيهم من نضح النبل (وفي هذه السنة) مرّ الخلاف فيها هل هى الثامنة أو
السابعة والصحيح أنها الثامنة وأن عمرة القضاء وقعت في التاسعة (فائدة)
استعمل النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة في خروجه اليها عويف بن
الاضبط بن ربيعة الدئلي وكان أسلم عام الحديبية (يقدم) بفتح الدال (وهنتهم)
بتخفيف الهاء أي أضعفتهم (حمى يثرب) بالمثلثة اسم كان للمدينة في الجاهلية
وفي رواية لمسلم وأبي داود قالوا ان محمدا وأصحابه لا يستطيعون أن يطوفوا
بالبيت من الهزال (يرملوا) بضم الميم والرمل الجنب مع مقاربة الخطا
(الاشواط) جمع شوط بفتح الشين المعجمة وسكون الواو آخره مهملة قال في
التوشيح الجري مرة الى الغاية والمراد هنا الطواف حول الكعبة وفي ذلك كما
قال النووي دليل على جواز تسمية الطوفة شوطا بلا كراهة وان نقل أصحابنا أن
مجاهدا والشافعي قالا بالكراهة (وكان المشركون من قبل قعيقعان) كما رواه
أبو داود وهو بتكرير القاف والعين المهملة مصغر جبل بمكة من جهة الشام (الا
الابقاء) بالرفع فاعل يمنعه وهو بكسر الهمزة وبالموحدة والقاف الرفق
والشفقة (فلما رمل في حجة الوداع) وقال لتأخذوا عنى مناسككم (علموا أن
السنة مضت على ذلك) أي على استحبابه في كل طواف يعقبه سعي وما ذهب اليه ابن
عباس من اختصاص الرمل بعمرة القضاء خالفه فيه جميع العلماء من الصحابة
والتابعين وأتباعهم ومن بعدهم بل قال ابن الزبير يسن في الطوفات السبع
والحسن البصري والنووي وعبد الملك بن الماجشون المالكي يلزم بتركه دم وقال
بوجوب الدم بتركه مالك ثم رجع عنه (أمامة) بضم الهمزة (ابنة حمزة) وقيل
اسمها عمارة وقيل سلمى وقيل عائشة
(1/378)
يا عم يا عم فتناولها على فأخذ بيدها وقال
لفاطمة دونك بنت عمك فاحمليها فاختصم فيها على وزيد وجعفر فقال على أنا
أخذتها وهى ابنة عمى وقال جعفر ابنة عمى وخالتها تحتى وقال زيد بنت أخى
فقضى بها النبى صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال الخالة بمنزلة الام وقال
لعلى أنت منى وأنا منك وقال لجعفر أشبهت خلقي وخلقى وقال لزيد أنت أخونا
ومولانا وقال على ألا تتزوج بنت حمزة قال انها بنت أخى من الرضاعه وتزوج
رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره هذا ميمونة بنت الحارث الهلالية
تزوجها بسرف وهو مقبل الى مكة ودخل بها فيه في رجوعه وماتت أيضا بعد موته
صلى الله عليه وسلم واختلف هل تزوجها وهو محرم أو حلال وقيل فاطمة وقيل أمة
الله وقيل بعلي وتكنى أم الفضل (يا عم يا عم) تريد رسول الله صلى الله عليه
وسلم (دونك) اسم فعل أي خذى (بنت عمك) بالفتح (أحمليها) في بعض نسخ البخاري
حملتها فعل ماض وللكشميهنى حمليها بتشديد الميم والتحتية أمر ولابي داود
والنسائى فحملتها (فاختصم فيها على وزيد وجعفر) زاد أحمد والحاكم بعد ان
قدموا المدينة (وخالتها تحتى) يعني اسماء بنت عميس (وقال زيد بنت أخى) يعنى
من الرضاعة (الخالة بمنزلة الام) أخرجه الشيخان والترمذي من حديث البراء
وابو داود من حديث على ولابن سعد عن محمد بن على مرسلا الخالة والدة (أنت
مني وأنا منك) أى قرابة وموالاة ومناصرة ومصاهرة وغير ذلك من الفضائل ولم
يرد مجرد القرابة والا فجعفر شريكه فيها (أشبهت خلقي وخلقى) أى خلقتى
وطبيعتى زاد ابن سعد فقام جعفر فحجل حول النبى صلى الله عليه وسلم أو دار
عليه فقال النبى صلى الله عليه وسلم ما هذا قال شئ رأيت الحبشة يصنعونه
بملوكهم قال في التوشيح وفي رواية أن الثلاثة كلهم فعلوا ذلك والحجل الرقص
بهيئة مخصوصة انتهي ومنه يؤخذ جواز ذلك عند الفرح والاستبشار سيما بفضيلة
دبينة (فائدة) الذين كانو يشبهونه صلى الله عليه وسلم غير جعفر الحسن بن
على كان يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بما بين الرأس الى الصدر
والحسين يشبهه بالاسافل كما أخرجه الترمذي وابن حبان عن على وفاطمة وابنه
ابراهيم وابنا جعفر عبد الله وعون وقثم ابن العباس وأبو سفيان بن الحارث بن
عبد المطلب ومسلم ومحمد ابنا عقيل بن أبي طالب والسائب بن يزيد جد الشافعي
وعبد الله بن عامر بن كريز العبشمي وكايس بن ربيعة بن عدى وعبد الله بن
الحارث بن نوفل الملقب ببه قال في التوشيح وممن كان يشبه به أيضا مسلم بن
معتب بن أبي لهب وعبد الله بن أبى طلحة الخولاني في آخرين من التابعين
انتهى ولا ينافي ذلك ما في شمائل الترمذي عن على في وصفه صلى الله عليه
وسلم لم ار قبله ولا بعده مثله لان المنفي هنا عموم الشبه (أنت أخونا) أي
من الرضاعة (ومولانا) أى عتيقنا وفي الحديث فضيلة لعلى وجعفر وزيد* تاريخ
تزويج ميمونة (وتزوج في سفره هذا ميمونة) زوجه اياها العباس بأمرها لان
أختها كانت تحته كما رواه ابن حبان وأبو الاسود في مغازيه وذلك من خصائصه
صلى الله عليه وسلم (سرف) بفتح المهملة وكسر الراء آخره فاء واد بين خليص
وعسفان (وماتت به) أى بسرف (أيضا) كما في سنن الترمذي عن يزيد بن الاصم قال
ودفناها في الظلة التى بنا بها فيها وكان موتها سنة ثلاث أوست وستين أو
احدى وخمسين أقوال (واختلف هل تزوجها وهو محرم أو حلال) ففى رواية في
الصحيحين عن ابن
(1/379)
وبحسب ذلك اختلفوا في صحة نكاح المحرم وأسد
الاقوال انه تزوجها وهو محرم وان ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم وفي
عمرة القضاء نزل قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا
شَعائِرَ اللَّهِ الآية في شان الحطيم البكرى والله أعلم*
[مطلب فى الكلام على وفد عبد القيس وخبر سيدهم
الأشج العصري]
السنة الثامنة وما اتفق فيها من عيون الحوادث فيها قدوم وفد عبد القيس
ومعنى الوفد أن تختار القبيلة جماعة منهم للقاء الكبراء في الأمور المهمات
وكان جملة وفد عبد القيس أربعة عشر راكبا رئيسهم الاشج العصري واسمه المنذر
بن عايذ عباس انه صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة وهو محرم وأكثر الروايات
عن ابن عباس ايضا انه كان حلالا وفي مسلم وغيره عنها قالت تزوجني النبى صلى
الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف وقال أبو رافع تزوجها وهو حلال وكنت
السفير بينهما رواه الترمذي وحسنه (وبحسب ذلك اختلفوا) يعنى العلماء (في
صحة نكاح المحرم) بنسك فقال أكثر العلماء من الصحابة فمن بعدهم لا يصح وقال
أبو حنيفة والكوفيون يصح (وان ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم) على أصح
الوجهين والثاني انه حرام في حقه كغيره (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ) الآية شعائر الله مناسك الحج قاله ابن عباس
ومجاهد أو الهدايا المشعرة قاله أبو عبيد الله (في شأن) أمر (الحطيم)
بالحاء والطاء المهملتين مصغر لقب له واسمه شريح بالمعجمة والحأ ابن ضبيعة
بالمعجمة والموحدة والعين المهملة مصغر (البكرى) ينسب الى بكر بن وائل
وكانت قصته كما ذكر البغوى وغيره انه جاء المدينة وخلف خيله خارجها ودخل
وحده على النبي صلى الله عليه وسلم فسأله الى ما تدعو فاخبره انه يدعو الي
الاسلام واقام الصلاة وايتاء الزكاة فقال حسبي ان لى أمراء لا أقطع أمري
دونهم ولعلي أسلم وآتي بهم وقد كان أخبر صلى الله عليه وسلم أصحابه انه
يدخل عليهم رجل من ربيعة يتكلم بلسان شيطان ثم خرج فاعلمهم النبى صلى الله
عليه وسلم انه لا يسلم فمر بسرح المدينة فاستاقه وانطلق فاتبعوه فلم يدركوه
فخرج في العام القابل حاجا في حجاج قومه ومعه تجارة عظيمة وقد قلدوا الهدي
فاستأذن المسلمون النبي صلى الله عليه وسلم فيهم فأبى عليهم وأنزل الله
الآية بتصديقه* ذكر حوادث السنة الثامنة (فيها قدم وفد عبد القيس) وقيل في
التاسعة وقيل في العاشرة وقيل كانا وفدين في كل عام وفد (ومعنى الوفد) كما
قاله النووي (ان يختار القبيلة جماعة منهم للقاء الكبراء في الامور
المهمات) وواحدهم وافد قال النووي وكانوا (أربعة عشر راكبا) سما منهم صاحب
البحرين الاشج ومنقذ بن حبان ومربذة ابن مالك وعمرو بن مرحوم والحارث بن
شعيب وعبيد بن همام والحارث بن جندب وصحار بصاد مضمومة وحاء مهملتين ابن
العباس زاد ابن حجر وعقبة بن عروة وقيس بن النعمان والجهم والرستم وجويرة
والزارع فهؤلاء أربعة عشرة وقد روى الدولابي عن أبى جبرة الصنابحى قال كنت
في الوفد الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من عبد القيس وكنا
اربعين رجلا قال ابن حجر ولعل الاربعة عشر هم رؤوس الوفد قال في التوشيح
وممن سمى منهم غير من سبق مطر اخوا الزارع وابن أخيه ولم يسم ومشمرخ وجابر
ابن الحارث وخزيمة بن عبد عمرو وهمام بن ربيعة وجارية بالجيم بن جابر ونوح
بن مخلد فهؤلاء بضعة وعشرون انتهى وعد منهم ابن مندة حسان بن حسان العبدي
(الاشج) سمى بذلك لشجة كانت في وجهه (العصرى) بفتح المهملتين منسوب الى بنى
العصر قبيلة من عبد القبس (واسمه المنذر بن عايذ) بالتحتية والمعجمة أو
(1/380)
وكان سبب وفادتهم ان منقذ بن حيان رجلا
منهم قدم المدينة تاجرا فمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوما فنهض
اليه منقذ وسمع كلامه فسأله النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أشراف قومه
رجل رجل بأسمائهم فأسلم وتعلم الفاتحة وسورة اقرأ باسم ربك وكتب معه النبي
صلى الله عليه وآله وسلم الى قومه وكانوا ينزلون البحرين الخطي وأعيانها
وسرة القطيف والسفارة والظهران الى الرمل الى الأجرع ما بين هجر الى قصر
وبينونه ثم الجوف والعيون والاحساء الى حد أطراف الدهناء فلما قدم منقذ على
قومه كتمهم الكتاب فطفق يصلي ويقرأ فقالت زوجته وهى بنت الاشج لأبيها انى
أنكرت بعلي منذ قدم من يثرب انه يغسل أطرافه ويستقبل الجهة يعني القبلة
فيحني ظهره مرة ويضع جبينه مرة ذلك ديدنه منذ قدم فتلاقيا فأخبره الخبر
فأسلم الاشج ثم ثار على قومه بكتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فأسلم من أسلم منهم ثم تجهزوا وافدين وذلك قبل الفتح ولما دنوا من المدينة
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لجلسائه أتاكم وفد عبد القيس خير أهل
المشرق وفيهم الاشج العصري وسماه النبي صلى الله عليه وسلم الاشج لأثر كان
في وجهه. أما خطابهم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ففي الصحيحين من
روايات حاصلها أنهم لما دخلوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال عايذ
بن المنذر أو عبد الله بن عوف أو المنذر بن الحارث أو ابن عامر أو ابن عبيد
أقوال أصحها الأوّل (ابن حبان) بالتحتية (البحرين) تثنية بحر وهو أقليم
معلوم (الخط) بفتح المعجمة وآخره مهملة موضع بتهامة (وسرة) بضم المهملة
(القطيف) بالقاف والمهملة بوزن الرغيف بلد البحرين (والسفارة) بالمهملة
المفتوحة والفاء والراء قرية بالبحرين (والظهران) بفتح المعجمة تثنية ظهر
ناحية ببلد طي (الى الرمل) بفتح الراء وسكون الميم (الى الاجرع) بالجيم
والراء والعين المهملة (هجر) بفتح الهاء والجيم لا ينصرف وهو اسم لجميع أرض
البحرين قاله في القاموس (الى قصر) بفتح القاف وسكون الصاد المهملة
(وبينونة) بفتح الموحدة وسكون التحتية ونونين الاولى مضمومة والثانية
مفتوحة بينهما واو ساكنة قرية بالبحرين (ثم الجوف) بفتح الجيم وسكون الواو
وفاء (والعيون) جمع عين (والأحسا) بالمهملتين (الدهنا) بفتح المهملتين
وسكون الهاء فنون (ويستقبل الجمة) بضم الجيم وتشديد الميم لغة في القبلة
(فيحنى ظهره) بالحاء المهملة (دندنه) بالدال المهملة والنون المكررتين أى
دأبه وعادته (ففي الصحيحين) والنسائي من حديث ابن عباس وأبي سعيد ورواه
الطبراني في الاوسط من حديث نافع العبدى وفيه وأنا غليم لا أعقل
(1/381)
مرحبا بالقوم أو بالوفد غير خزايا ولا
النداما قالوا يا رسول الله انا حي من ربيعة وبيننا وبينك كفار مضر ولا
نقدر عليك الا في الاشهر الحرم فمرنا بأمر نأمر به من ورائنا وندخل به
الجنة اذا نحن أخذنا به فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آمركم
بأربع وأنهاكم عن أربع أعبدو الله ولا تشركوا به شيأ وأقيموا الصلاة وآتوا
الزكاة وصوموا رمضان أمسك جمالهم (مرحبا) اى صادفتم رحبا بضم الراء أي سعة
وأوّل من قالها سيف بن ذى يزن قاله العسكرى (بالقوم أو) قال (بالوفد) شك من
بعض الرواة اما من أبي حمزة الراوي عن ابن عباس أو ممن دونه قال ابن حجر
وأظنه من شعبة فانه في رواية قرة وغيره بلا شك وأغرب من قال انه من ابن
عباس (غير) بالنصب على الحال وحكى الكسر على الصفة قال في الديباج والمعروف
الاول ويدل عليه ما في البخارى مرحبا بالقوم الذين جاؤا غير (خزايا) جمع
خزيان وهو الذي أصابه خزي وقيل المستحيي وقيل الذليل المهان (ولا النداما)
كذا في أصول مسلم باللام في النداما وروى في غيره باللام فيهما وبالحذف
فيهما والنداما جمع ندمان من الندم كنادم حكاه الجوهرى وغيره أو ندمان خاص
بالمنادمة ونادم بالندم وجمعه نادمون فعدل عنه لمكان خزايا كالعشايا
والعذارى وفي النسائى مرحبا بالوفد ليس بالخزايا ولا النادمين قال ابن حجر
عن أبي حمزة بشرهم بالخير عاجلا وآجلا لان الندامة انما تكون في العاقبة
(اناحي) في صحيح مسلم انا هذا الحى وهو منصوب على الاختصاص والخبر من ربيعة
قاله ابن الصلاح والحي اسم لمنزل القبيلة لان بعضهم يحيى ببعض قاله صاحب
المطالع (الا في الاشهر الحرم) كذا في صحيح البخاري في المغازى وفيه في
المناقب الا في كل شهر حرام وفيه في باب اداء الخمس الا في الشهر الحرام
فقيل اللام للجنس وقيل للعهد والمراد رجب وصرح به عند البيهقي لان مضر كانت
تبالغ في تعظيمه ولهذا أضيف اليهم في حديث أبي بكرة حيث قال ورجب مضر
وللاصيلي وكريمة ثم في شهر الحرام وهي رواية مسلم وهي من اضافة الشئ الى
نفسه على حد جانب الغربي ومسجد الجامع ونساء المؤمنات وفيه كما مر مذهبان
فمذهب الكوفيين هو من اضافة الي الموصوف ومذهب البصريين على حذف مضاف
تقديره شهر الوقت الحرام (فمرنا بأمر) بالتنوين لا بالاضافة زاد البخاري
ومسلم وغيرهما فصل أى فاصل بين الحق والباطل بين واضح لا اشكال فيه (نأمر
به) بالجزم جوابا وبالرفع صفة وفي رواية تخبربه (من ورائنا) بفتح لا غير
(ويدخل) بالوجهين وروي بلا واو فليس سوى الجزم ورفع بخبر (آمركم باربع) هي
في العدد خمس فقيل أولها اقامة الصلاة وقدم الشهادتين تبركا لان سؤالهم
انما كان عن الاعمال والا فقد تقدم ايمانهم ومن ثم سقط ذكر الشهادتين في
بعض طرق الحديث وقيل هى ما عدا اداء الخمس كانه أعلمهم أولا بقواعد الاسلام
وفروض الاعيان ثم أعلمهم بالواجب عليهم في ما غنموه اذا وقع لهم جهاد وحصلت
لهم غنيمة وقيل وعد باربع فلما وفا زاد ولا يدع في ذلك وقيل عد الصلاة
والزكاة خصلة واحدة لان الله قرنهما في القرآن وقيل اداء الخمس داخل في
اداء الزكاة بجامع انهما اخراج مال معين في حال دون حال ولم يذكر الحج لانه
لم يكن فرض يومئذ لكن وقع في سنن البيهقى ومسند أحمد وتحجوا البيت الحرام
(وأقيموا الصلاة) فى تقديمها دليل على انهما أفضل أركان الاسلام (وصوموا
رمضان) سقط ذكر صوم رمضان في احدى روايات مسلم قال ابن الصلاح
(1/382)
وأعطوا الخمس من الغنائم وأنهاكم عن أربع
عن الدباء والحنتم والمزفت والنقير قالوا يا نبي الله ما علمك بالنقير قال
بلا جذع تنقرونه فتقذفون فيه من القطيعا أو التمر ثم تصبون فيه من الماء
حتى اذا سكن غليانه شربتموه حتى ان أحدكم ليضرب ابن عمه بالسيف وفي القوم
رجل أصابته جراحة كذلك قال وكنت أخبؤها حياء من رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم قالوا ففيم نشرب يا رسول الله قال في أسقية الأدم التي يلاث على
أفواهها قالوا يا نبي الله والنووي اغفالا من الراوي (واعطوا الخمس) بضم
الميم واسكانها (عن الدبا) بضم المهملة وتشديد الموحدة والمد وحكي القصر
القرع اليابس وأراد الوعاء منه وفيه حدف أى أنهاكم عن شرب ماء ينتبذ في
الدبا الى آخره وصرح به النسائى في رواية (والحنتم) بفتح المهملة وسكون
النون وفتح الفوقية الجرار الخضر كما فسره الاكثرون من اللغويين وأهل
الغريب والمحدثين والفقهاء وفيه خمسة أقوال أخر (والمزفت) بفتح الزاي
وتشديد الفاء هو المطلى بالزفت وهو القار وربما قال المقير بدل المزفت
(والنقير) بفتح النون وكسر القاف أصل النخلة تنقر فيتخذ منه وعاء وانما نهي
صلى الله عليه وسلم عن الانتباذ في هذه الاوعية لانها يسرع اليها اسكار
فربما يشرب منها من لا يشعر بذلك ثم نسخ ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم كنت
نهيتكم عن الاشربة الا في ظروف الادم فاشربوا في كل وعاء غير ان لا تشربوا
مسكرا أخرجه مسلم وابن ماجه من حديث بريدة (قالوا يا رسول الله ما علمك
بالنقير) أى مع عدم رؤيتك له (قال بلا جذع الى آخره) في مسند الطيالسى بسند
حسن كما قاله في التوشيح عن أبى بكرة وأما النقير فان أهل اليمامة كانوا
ينقرون أصل النخلة ثم ينتبذون الرطب والبسر ثم يدعونه حتى يهدر ثم يموت
وفيه وأما أهل الدبا فان أهل الطائف كانوا يأخذون القرع فيطرحون فيه العنب
ثم يدفنونه حتى يهدر ثم يموت وأما الحنتم فجرار خضر كانت يحمل الينا فيها
الخمر وأما المزفت فهذه الاوعية التى فيها الزفت (تقذفون) بفوقية مفتوحة
فقاف ساكنة فمعجمة مكسورة ففاء فنون أى تلقون وترمون وفي رواية لمسلم من
طريق ابن المثنا وابن يسار وتذيفون فيه من القطيعا والتمر والماء وتذيفون
بفتح الفوقية ويروى بضمها وكسر المعجمة ويروي بالاهمال بعدها تحتية ساكنة
وفاء مضمومة من ذاف يذيف بالمعجمة كباع يبيع وداف يدوف بالمهملة كقال يقول
واذاف يذيف اعجاما واهمالا ومعناه على جميع الاوجه خلط (من القطيعا) بضم
القاف وفتح المهملة والمد وهو نوع من التمر صغار (سكن غليانه) بفتح المعجمة
واللام والتحتية (حتى ان أحدكم) أو ان أحدهم كما في مسلم وهو شك من الراوى
(ليصرب) لسكره وذهاب عقله وهيجان الشربة (ابن عمه) الذى هو اليه من أحب
أحبابه (بالسيف) خصه بالذكر لانه اذا ضرب بالسيف الذى هو أعظم ضرب بما دونه
من باب أولى (وفي القوم رجل) اسمه الجهم بن قثم (أصابته جراحة كذلك) كانت
الجراحة في ساقه (وكنت أخبؤها) أي أخفيها وألف عليها طرف ازارى (في أسقية
الأدم) بفتح الهمزة والدال جمع أديم وهو الجلد بعد تمام دباغه (التى ثلاث)
بالتحتية المضمومة وضبطه العبدري بالفوقية وتخفيف اللام ومثلثة خفيفة أى
يلف الخيط (على افواهها) ويربط به وعلى ضبط
(1/383)
ان أرضنا كثيرة الجرذان ولا تبقى بها أسقية
الأدم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وان أكلتها الجرذان وان أكلتها
الجرذان وان أكلتها الجرذان وقال للاشج ان فيك خصلتين يحبهما الله الحلم
والأناة انتهت روايتهما ومعظمه لمسلم وانما أثنى النبي صلى الله عليه وآله
وسلم على الاشج بالحلم والأناة لما روى انهم لما قدموا على النبي صلى الله
عليه وآله وسلم ابتدروا اليه وتركوا ركابهم فجمعها الاشج وعقل ناقته ولبس
أحسن ثيابه فلما جاء أجلسه النبي صلى الله عليه وآله وسلم الى جنبه ثم قال
لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم تبايعونا على أنفسكم وقومكم فقال القوم
نعم وقال الأشج يا رسول الله انك لم تزاول الرجل على شيء أشد عليه من دينه
نبايعك على أنفسنا وترسل اليهم من يدعوهم فمن اتبعنا كان منا ومن أبى
قاتلناه قال صدقت ان فيك خصلتين يحبهما الله قال يا رسول الله أكانتا في أم
حدثتا قال بل قديم قال الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله وكان
أوّل من دان بالدين وأقام شرائعه من الآفاقيين قبائل عبد القيس روينا في
صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أوّل جمعة جمعت بعد جمعة جمعت
في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مسجد عبد القيس بجواثا من
البحرين ثم لما مات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وارتدت العرب لم يكن
يسجد لله تعالى في بسيط الأرض العبدرى تلف الأسقية على افواهها (ان أرضنا
كثيرة) وروي كثير (الجرذان) بدونها والتقدير عليه أرضنا مكانا كثير الجرذان
قاله ابن الصلاح (وان أكلتها الجرذان) مكرر ثلاث مرات (ان فيك لخصلتين الى
آخره) أخرجه مسلم والترمذي وغيرهما من حديث ابن عباس (الحلم) بكسر الحاء
المهملة وسكون اللام العقل (والأناة) بفتح الهمزة وبالقصر التثبت وترك
العجلة (لما روى أنهم لما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم الى آخره)
أخرجه الطبراني في الاوسط عن موسى بن هارون عن اسحاق بن راهويه عن سليمان
ابن نافع العبدي عن أبيه ولفظه قال له النبي صلى الله عليه وسلم رأيت منك
ما لم أر من أصحابك قلت وما رأيت منى يا نصر الله قال وضعت سلاحك ولبست
ثيابك وتدهنت ان فيك لخصلتين الى آخره (أنك لم تزاول الرجل) بضم الفوقية
وفتح الزاي وكسر الواو أي ولم تحاوله وتعالجه وتطالبه (نبايعك على أنفسنا
ونرسل اليهم) قال عياض فهذا من الأناة حيث تربص حتى نظر في مصالحه ولم يعجل
كأصحابه قال والحكم في هذا القول الذي قاله الدال على صحة عقله وجودة نظره
للعواقب (أكانتا في) بتشديد الياء (أم حدثتا الى آخره) أخرجه أبو يعلى في
مسنده وهذا لفظه وللطبراني في الاوسط قلت يا رسول الله أشىء جبلت عليه أم
شئ أحدثته قال النبي صلى الله عليه وسلم لابل شئ جبلت عليه (الحمد لله) فيه
الحمد على حصول النعم كما مر (الذي جبلنى) أي خلقنى والجبلة الخلقة (على
خلقين يحبهما) زاد الطبراني فقال النبى صلى الله عليه وسلم أسلم وفد عبد
القيس طوعا وأسلم الناس كرها فبارك الله في عبد القيس وموالي عبد القيس
(بجواثا)
(1/384)
الا في ثلاثة مساجد مسجد مكة ومسجد المدينة
ومسجد عبد القيس ففي ذلك يقول شاعرهم مفتخرا:
والمسجد الثالث الشرقي كان لنا ... والمنبران وفصل القول في الخطب
أيام لا منبر للناس تعرفه ... الا بطيبة والمحجوج ذي الحجب
وكان هؤلاء من ربيعة محصورين ببلدهم الى أن قتل الله كبش الردة مسيلمة وفتح
على المسلمين فقال شاعرهم مستنجدا بأبي بكر الصديق والمسلمين:
الا بلغ أبا بكر رسولا ... وفتيان المدينة أجمعينا
فهل لكم الى قوم كرام ... قعودا في جواثا محصرينا
كأن دماءهم في كل فج ... دماء البدن يعشي الناظرينا
توكلنا على الرحمن إنا ... وجدنا النصر للمتوكلينا
[مطلب في وفات السيدة زينب أكبر بناته صلى الله
عليه وسلم وخبر ذلك]
وفي هذا العام مات أكبر بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم زينب وهي زوجة
أبى العاص بن الربيع ففي الصحيحين واللفظ لمسلم عن أم عطية قالت لما ماتت
زينب بنت رسول بضم الجيم وتخفيف الواو وقد تهمز ثم مثلثة خفيفة قال في
التوشيح وكان هذا التجميع في عهده صلى الله عليه وسلم (والمنبران) تثنية
منبر وانما ثناه ليتزن البيت أو لأن عادة الشعراء تثنية الواحد كقولهم
خليلي وما أشبهه أو أراد منبر الجمعة ومنبر العيد وكانا لهم يومئذ احتمالات
(أيام) بالنصب على الظرف (لا منبر) بالتنوين لضرورة الشعر (تعرفه) بالفوقية
(والمحجوج) بالكسر عطفا على بطيبة (كبش الردة) بفتح الكاف وسكون الموحدة
آخره معجمة أى رأسها ويسمى رئيس القوم كبشهم (مسيلمة) بضم الميم وفتح
المهملة وسكون التحتية وكسر اللام ابن كثير بن حبيب بن الحارث الكذاب يكنى
أبا ثمامة (مستنجدا) أي مستنصرا (وفتيان) بكسر أوله وضمه جمع فتى وهو من
اسماء الشباب كما مر (اجمعينا) بالف الاطلاق وكذا ما بعده (فهل لكم) باشباع
ضم الميم (الى قوم كرام) أى هل لكم في نصرتهم وانقاذهم من الحصر (محصرينا)
بفتح الصاد المهملة أى ممنوعين من الخروج (في كل فج) أي طريق (دماء البدن)
بالضم خبر كان (يعشى) بضم أوله وسكون المهملة وكسر المعجمة من العشى وهوداء
يصيب العين فيذهب البصر بالليل وأراد أن الدماء لكثرتها وشدة حمرتها يذهب
نور البصر ويعشيه وإنما قال ذلك مبالغة (توكلنا) بفتح الكاف وسكون اللام أي
اعتمدنا وفوضنا (انا) بكسر الهمزة (وجدنا) بالاختيار (النصر) انما يكون
(للمتوكلينا) غالبا* ذكر موت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن أم
عطية) قال النووي كانت أم عطية غاسلة للميتات وكانت من فاضلات الصحابيات
أنصارية واسمها نسبية بضم النون وقيل بفتحها انتهى وليس في أحاديث غسل
الميت أعلا من حديثها قاله ابن المنذر (لما ماتت زينب) كذا جاء تسميتها في
رواية في مسلم وهو الصواب كما قاله الجوهرى
(1/385)
الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لنا رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم أغسلنها وترا ثلاثا أو خمسا واجعلن في
الخامسة كافورا فاذا غسلتها فأعلمنني قالت فأعلمناه فأعطانا حقوه فقال
أشعرنها إياه قالت وضفرنا شعرها ثلاثة أثلاث قرنيها وناصيتها وقال لهن
أبدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها وبعد وفاتها تزوج النبي صلى الله عليه
وآله وسلم* فاطمة بنت الضحاك ولما نزلت آية التخيير واختارت الدنيا ففارقها
صلى الله عليه وآله وسلم وكانت بعد ذلك تلقط البعر وتقول أنا الشقية اخترت
الدنيا وفيها وقع غلاء في المدينة فقالوا يا رسول الله سعر لنا فقال ان
الله هو المسعر القابض الباسط الرزاق واني لأرجو ان القى الله وليس أحد
منكم يطالبنى فما نقله القاضى عن بعض أهل السير انها أم كلثوم فخطأ
(اغسلتها وترا ثلاثا أو خمسا الى آخره) المراد اغسلنها وترا وليكن ثلاثا
فان احتيج الى زيادة عليها للانقاء فليكن سبعا وهكذا أبدا قاله النووي قال
وحاصله ان الايتار مأمور به والثلاث مأمور بها فان أنقت الثلاث لم يزد
والازيد حتي يحصل الانقاء ويكون وترا انتهي ويسقط الفرض بغسلة واحدة (بماء
وسدر «1» ) فيه ندب السدر في غسل الميت وليكن في غير المرة الواجبة وقيل
يجوز فيها (واجعلن في الخامسة كافورا) في رواية مسلم في الاخيرة وفيه
استحباب الكافور وبه قال جمهور العلماء محتجين بهذا الحديث ولانه يطيب
الميت ويشتد بدنه ويمنع اسراع افساده ويتضمن اكرامه وقال أبو حنيفة لا
يستحب ولا حجة له (فاعلمننى) للبخارى فأذننى بوزنه ومعناه (فاعطانا حقوه)
قال النووي بكسر الحاء وفتحها لغتان واقتصر في التوشيح على الفتح وسكون
القاف أصله معقد الازار ويطلق على الازار مجازا قال النووي وجمعه أحق وأحقا
(أشعرنها اياه) أى اجعلنه شعارا لها وهو الثوب الذي يلي الجسد سمى شعارا
لانه يلي شعر الجسد وفعل صلى الله عليه وسلم ذلك لينالها بركة أثره صلى
الله عليه وسلم ففيه التبرك بآثار الصالحين ولباسهم وفيه جواز تكفين المرأة
في ثوب الرجل (وضفرنا شعرها) بضاد ساقطة وفاء خفيفة وفي رواية لمسلم
فمشطناها بتخفيف الشين ففى ذلك استحباب مشط رأس الميت وضفره وهو مذهب
الشافعي وأحمد واسحاق وقيل لا يستحب المشط ولا الضفر بل يرسل الشعر الى
الجانبين مقرقا وبه قال الاوزاعى والكوفيون (أبدأن) فى غسلكن (بيمامنها)
فيه استحباب التيامن في غسل الميت كسائر الطهارات قال النووى في حديث أم
عطية دليل لأصح الوجهين عندنا ان النساء أحق بغسل الميتة من زوجها وقد يمنع
دلالته حتى يتحقق ان زوج زينب كان حاضرا في وقت وفاتها لا مانع له في غسلها
وانه لم يفوض الأمر الي النسوة (ولما نزلت آية التخيير اختارت الدنيا الى
آخره) هذا منكر لا أصل له ولم تخير واحدة من أزواجه صلى الله عليه وسلم
الدنيا ويدل على بطلانه ما ذكره البغوي وغيره من المفسرين انه لم يكن في
عصمة النبى صلى الله عليه وسلم يوم نزول آية التخيير سوي نسائه اللاتى مات
عنهن (غلا) بفتح المعجمة والمد (سعر لنا) أي عين لنا قدرا من الثمن لقدر من
المبيع (ان الله هو المسعر) أي هو الذي يغلي ان شاء ويرخص؟؟؟ ان شاء
(القابض الباسط) يوسع الرزق ويقدره يبسطه برحمته ويقبضه بحكمته وقيل معناه
الذي يقبض الارواح بالموت ويبسطها عند الحياة وينبغى كما قاله غير واحد من
الأئمة ان يقرن بين الاسمين ولا يفصل بينهما ليكون أنبأ على القدرة وأدل
على الحكمة كقوله تعالى وَاللَّهُ
__________
(1) ذكر الماء والستر لم يرد في نسخة المتن فليحرر
(1/386)
بمظلمة في دم ولا مال رواه أبو داود* وروي
أيضا ان رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سعرلنا قال بل أدعو
ثم جاءه آخر فقال يا رسول الله سعر لنا فقال بل الله يخفض ويرفع وانى لارجو
ان القي الله وليس لاحد عندي مظلمة*
[مطلب في اتخاذه صلى الله عليه وسلم المنبر
وخبر حنين الجذع]
وفيه اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فكان من حديثه ما رويناه في
صحيح البخارى عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما ان امرأة من الأنصار قالت
لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله الا اجعل لك شيئا تقعد عليه
فان لى غلاما نجارا قال ان شئت قال فعملت له المنبر فلما كان يوم الجمعة
قعد النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر الذى صنع فصاحت النخلة التى كان
يخطب عليها عندها حتى كادت أن تنشق فنزل النبي صلى الله عليه وسلم حتى
أخذها فضمها اليه فجعلت تئن كأنين الصبي الذي يسكت حتى استقرت قال بكت على
ما كانت تسمع من الذكر رواه البخاري أيضا عن سهل ابن سعد وفيه ان النبي صلى
الله عليه وسلم سألها ذلك قيل والجمع بينهما انها سألت النبي يَقْبِضُ
وَيَبْصُطُ فمن قال القابض مفردا قصر الصفة على المنع والحرمان ومن جمع
أثبت الصفتين (بمظلمة) بفتح الميم وكسر اللام أي ظلم (في دم ولا مال) في
ذلك عظيم خوفه صلى الله عليه وسلم من ربه تبارك وتعالى سيما فيما كان من
حقوق المخلوقين وفيه حرمة التسعير وان المسعر يسمى ظالما (رواه) أحمد (وأبو
داود) وغيرهما وصححه الترمذي عن أنس (وروي) مبنى للفاعل يعنى أبا داود*
تاريخ اتخاذ المنبر (وفيه) أي في هذا العام يريد سنة ثمان من الهجرة وقيل
كان اتخاذه سنة سبع (اتخذ صلى الله عليه وسلم منبرا) ففيه ندب اتخاذ المنبر
والخطبة عليه والمنبر مشتق من النبر وهو الارتفاع (في صحيح البخاري) ورواه
مسلم وأبو داود والترمذى والنسائي وغيرهم (ان امرأة من الانصار) اسمها
فاطمة كما ذكره ابن الانصاري أو عائشة كما ذكره البرماوي وذكر المصنف فيما
بعد عدم وقوفه على اسمها (فلما كان يوم الجمعة) بالفتح والضم (فصاحت
النخلة) هذا من جملة معجزاته صلى الله عليه وسلم في نطق الجمادات وسيأتي
الكلام على ذلك في المعجزات ان شاء الله تعالى (فنزل النبي صلى الله عليه
وسلم حتى أخذها) قال في الشفاء وذكر الاسفرايينى ان النبي صلى الله عليه
وسلم دعاه الى نفسه فجاءه يخرق الارض فالتزمه ثم أمره فعاد الى مكانه (تئن)
بفتح الفوقية وكسر الهمزة (أنين) بالفتح (الصبي) الصغير (الذي يسكت) بضم
أوله وفتح ثانيه وتشديد الكاف وفي رواية في الصحيح سمعنا للجذع مثل أصوات
العشار وهى بكسر المهملة بعدها معجمة خفيفة جمع عشر بالضم ثم الفتح مع المد
وهي الناقة الحامل التى مضت لها عشرة أشهر قاله ابن زيد أو التى قاربت
الولادة قاله الخطابي (بكت على ما كانت تسمع من الذكر) قال بعضهم انما قال
ذلك صلى الله عليه وسلم سترا للقضية والا فبكاؤها انما كان تحزنا على رسول
الله صلى الله عليه وسلم كما صرحت به الرواية (ورواه) البخارى ومسلم أيضا
عن سهيل بن سعد صحابي ابن صحابي تأمر في غزوة بدر عن الواقدي أن سعدا أبا
سهل كان ممن ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأخره والجمع
بينهما كما قاله النووى في شرح مسلم (أنها سألت النبي
(1/387)
صلى الله عليه وآله وسلم أولا ثم اضربت
فكأنها لم تفهم منه الرضى فلما رآه النبي صوابا استنجزها وعدها واسم هذا
النجار مينا وقيل باقوم أو باقول وقيل غير ذلك ولم أقف على اسم المرأة
والله أعلم وذكر أهل التواريخ ان عدد درجات هذا المنبر ثلاث بالمقعد وان
سماءه ذراعان وثلاث أصابع وان عرضه ذراع في ذراع وتربيعه سوى وطول رمانتيه
التى كان يمسكهما النبي صلى الله عليه وسلم بيديه الكريمتين اذا جلس شبر
وأصبعان وانه بقى كذلك في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الاربعة
الخلفاء فلما كان في زمن معاوية ابن أبي سفيان زاد من أسفله ست درجات وكساه
قطيفة فلما كان زمن المهدى بن المنصور هم أن يعيده الى حاله الاول فقال له
الامام مالك بن انس انما هو من طرفاء وقد شد الى هذه العيدان وسمر فمتى
نزعته خفت أن يتهافت فتركه ثم ذكر أنه تهافت على طول الزمان فجدده بعض
الخلفاء العباسيين واتخذ من بقايا أعواءه منبر النبي صلى الله عليه وسلم
أمشاطا للتبرك بها ثم لما احترق المسجد الشريف واحترق ما فيه واشتغل الناس
عنه صلى الله عليه وسلم) ذلك (ثم أضربت) بالمعجمة تركت (استنجزها وعدها)
طلب منها تنجيز ما وعدته به (واسم هذا النجار) ميمون على الاصح وقيل
(ميناء) بكسر الميم وسكون التحتية بعدها نون مع المد (وقيل باقوم وقيل
باقول) بالموحدة والقاف المضمومة فيهما والثاني باللام بدل الميم وهي رواية
عبد الرزاق (وقيل) اسمه غير (ذلك) فقيل ابراهيم وقيل صباح بضم المهملة
وتخفيف الموحدة وقيل قبصة وقيل قصبية بتقديم الصاد وقيل كلاب مولى العباس
وقيل تميم الدارى وروي الواقدى من حديث أبي هريرة ان تميما الدارى أشار به
فعمله كلاب مولى العباس وجزم البلاذري بان الذى عمله أبو رافع مولى رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن (عدد درجات هذه المنبر ثلاث بالمقعد) كما ورد
في صحيح مسلم وغيره (وسماءه) أى ارتفاعه في السماء أي سمكه (ذراعان وثلاثة
أصابع) تقريبا (وعرضه) بفتح العين لا غير (رمانتيه) بضم الراء وتشديد الميم
تثنيقلة رمانة (فلما كان زمن معاوية) كتب الى مروان وكان عامله بالمدينة ان
يحمل المنبر اليه وهو بالشام فأمر به مروان فقلع فاظلمت ارجاء المدينة
وكسفت الشمس حتى رؤيت النجوم فخرج مروان فخطب فقال انما أمرنى أمير
المؤمنين ان أرفعه (فدعا نجار وزاد من أسفله ست درجات وكساه قطيفة) وقال
انما زدت فيه حين كثر الناس أخرج ذلك الزبير بن بكار في أخبار المدينة من
طرق (المهدى بن المنصور) العباسي (انما هو من طرفاء) بالمد وهو الاقل كما
في رواية صحيح البخارى وغيره من أثل الغابة وهي بالمعجمة وتخفيف الموحدة
موضع من عوالي المدينة وأصلها الشجر الملتف (ان تتهافت) أى تتساقط (فجدده
بعض الخلفاء العباسيين) لم أقف على اسمه والذى ذكره ابن النجار انه استمر
على بناء مرون الى ان احترق (ثم احترق المسجد الشريف واحترق ما فيه) احترق
حينئذ المنبر قال في التوشيح وكان في ذلك اشارة الى زوال دولة أهل البيت
النبوي العباسيين فانها
(1/388)
باستيلاء التتار على البلاد وقتل الخليفة
أبي أحمد عبد الله المعتصم بالله وذلك سنة ست وخمسين وستمائة أرسل الملك
المظفر اليمني منبرا رمانتاه من الصندل فنصب مكان المنبر الأوّل النبوي
وبقى الى أن حوله الملك الظاهر بيبرس وذلك سنة ست وستين وستماية والله أعلم
[ذكر فضل المنبر المنيف وما بينه وبين القبر الشريف]
ذكر فضل المنبر المنيف وما بينه وبين القبر
الشريف- روينا في الصحيحين من روايات ان النبي صلى الله عليه وسلم
قال ما بين بيتى ومنبري انقرضت عقب ذلك بقليل في فتنة التتار انتهى واحترق
في هذه النار جميع الحرم حتى اذابت الرصاص الذى العمد عليها فوقعت ولم يبق
غير السور واقفا وكان قد خرج قبل هذه النار نار عظيمة وكان بدؤها زلزلة
ليلة الاربعاء بعد العتمة الثالث من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة
الى صحي النهار يوم الجمعة ثم سكنت الزلزلة وظهرت النار بالحجاز وغيره الى
أن وصلت الى قرب المدينة الشريفة وكان يأتي المدينة من جهتها نسيم بارد
ببركته صلى الله عليه وسلم وكان يشاهد من هذه النار غليان كغليان البحر
وانتهت الى قرية من قري اليمن فاحرقتها وهي النار التي أخبر صلى الله عليه
وسلم بخروجها من ارض الحجاز تضىء لها أعناق الابل ببصرى أي مدينة حوران كما
في الصحيحين وغيرهما وأخرجه ابن عدي في الكامل بلفظ حتى يسيل واد من أودية
الحجاز بالنار يضيء الى آخره قال السيوطى وهو منطبق على هذه النار فانها
سال منها واد مقدار أربعة فراسخ وكان خروجها زمن الامام النووي كما ذكره في
شرح مسلم (باستيلاء التتار) بفوقيتين خفيفتين آخره راء وهم نوع من الترك
استولوا في ذلك الزمن (على البلاد) كان استيلاؤهم يومئذ على بغداد وكانت
عمود الاسلام وقتلوا من كان من أهل الاسلام وسبوهم فانتشر حينئذ الخوف وعظم
الكرب وعم الرعب جميع البلاد (وقتل الخليفة) مصدر مضاف الى الخليفة وهو عطف
على قوله باستيلاء (أبي أحمد المعتصم بالله) وكان آخر من ولي من العباسيين
(أرسل) كما قاله ابن النجار (الملك المظفر) بفتح المعجمة والفاء المشددة
(وبقى) منبر المظفر (الى ان حوله) بعد عشر سنين (الملك الظاهر) بالمعجمة
(بيبرس) بفتح الموحدتين وسكون التحتية بينهما والراء آخره سين مهملة وقيل
معجمة ولم يزل كذلك الى سنة عشرين وثمانمائة فارسل الملك المؤيد منبرا فلم
يزل الى سنة سبع وستين وثمانمائة فأرسل المجاهد خشقدم منبرا* ذكر فضل
المنبر الشريف (روينا في الصحيحين) ومسند أحمد وسنن النسائي (من روايات)
بعضها عن عبد الله بن زيد المازنى وبعضها عن على وبعضها عن أبي هريرة (ما
بين بيتى) يريد قبره كما نقله الطبرى عن زيد بن أسلم ويؤيده رواية ابن
عساكر ما بين قبرى بدل بيتي أو يريد بيت سكناه على ظاهره وروي ما بين حجرتى
والقولان متفقان لان قبره في حجرته وهي بيته قال الطبري والمراد بيت عائشة
رضى الله عنها (ومنبرى) الصحيح ان المراد به منبره الذي كان يخطب عليه
للجمعة وبينه وبين بيته ثلاثة وخمسون
(1/389)
روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضى. وفي
حديث خارج عنهما ما بين قبري ومنبري وفي حديث ما بين حجرتي الى منبري روضة
من رياض الجنة وان منبري على ترعة من ترع الجنة والروايات متفقة فبيته صلى
الله عليه وسلم ومنبره وحجرته واحد وبينها وبين المنبر ثلاثة وخمسون ذراعا.
وروي عنه صلى الله عليه وسلم انه قال قوائم منبري رواتب في الجنة وسيأتي
خبر الجذع وجماع الروايات فيه في قسم المعجزات انشاء الله تعالى*
[الكلام على غزوة مؤتة وخبر مقتل زيد حارثة
وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة]
وفي جمادى الاولى من هذا العام كانت غزوة مؤته وهي قرية من قرى البلقاء دون
دمشق انتهت غزوتهم اليها روينا في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر قال أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد ابن حارثة في غزوة مؤته وقال ان قتل زيد
فجعفر وان قتل جعفر فعبد الله بن رواحة قال ذراعا وقيل المراد خبره بمصلى
العيد خارج سور المدينة ذكره السمهودي في تاريخ المدينة وغيره (روضة) هى في
الاصل البستان الذي في غاية النضارة والحسن (من رياض الجنة) أي هو كرومه في
نزول الرحمة وحصول السعادة أو ان العبادة فيه وكثرة ملازمته يؤدي الى الجنة
أو ان ذلك الموضع ينقل بعينه في الآخرة الى الجنة أو انها نقلت من الجنة
الى الدنيا كالحجر الاسود ومقام ابراهيم أقوال أظهرها الاخير وعليه فانتفاء
أوصاف أهل الجنة عنهما في الصورة الظاهرة انما هو لقصور أهل هذه الدار عن
درك تلك الحقائق كما قاله بعض العلماء العارفين قال وأما وقوع نحو الجوع
بها مما ينافي روضة الجنة فهو انما يمنع في دار الجنة لا فيما نقل منها
لغيرها تبركا به عملا باصل الدار الدنيوية وانما آيلة الى الفناء (ومنبري)
قال أكثر العلماء كما نقله عياض المراد منبره بعينه الذى كان في الدنيا
ينقل يوم القيامة ثم ينصب على الحوض ثم تصير قوائمه رواتب في الجنة كما في
حديث الطبراني وقيل ان له منبرا هناك (على حوضى) سوى هذا الذى في الدنيا
وقيل ان قصد منبره والحضور عنده لملازمة الاعمال الصالحة تورد صاحبها الحوض
ويقتضى شربه منه في هذا الحديث ترغيب تام في العبادة في ذلك المحل (وان
منبرى على ترعة الى آخره) رواه أحمد عن سهل بن سعد وابى هريرة ولفظه منبري
هذا علي ترعة من ترع الجنة وفسر الترعة بالباب وهي بضم الفوقية وسكون الراء
وعين مهملة (قوائم منبرى رواتب في الجنة) رواه احمد والنسائى وابن حبان عن
أم سلمة ورواه الطبرانى والحاكم عن أبي واقد والرواتب جمع راتبة بالفوقية
والتاء وهي الدعامة ونحوها مما تشد به البناء* تاريخ غزوة مؤتة (وفي جمادي
الاولى) قبل غزوة ذات السلاسل كما مر انها كانت في جمادي الأخرى قال النووى
قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر كانت ذات السلاسل بعد مؤتة فيم ذكره أهل
المغازى الا ابن اسحاق فقال قبلها (البلقاء) بالموحدة والقاف والمد عند
الكرك في طرف الشام (دمشق) بكسر الدال المهملة وفتح الميم وسكون المعجمة
على مرحلتين من بيت المقدس وكانت أوّل غزو وقع لبلد الروم (روينا في صحيح
الخاري عن ابن عمر) وعن قيس بن أبي حازم وفيه وفي سنن النسائي عن أنس وفي
مسلم وأبي داود عن قيس بن مالك الاشجعي (زيد بن حارثة) فيه فضيلة لزيد حيث
قدم على جعفر وغيره من أشراف قريش والانصار (مؤتة) بضم الميم وسكون الواو
بهمز ودونه (ان قتل زيد فجعفر) قال في التوشيح
(1/390)
عبد الله كتب معهم في تلك الغزوة فالتمسنا
جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلى ووجدنا في جسده بضعا وتسعين ما بين
طعنة ورمية وكان من خبرهم في غزوتهم أنهم لما بلغوا معان بلغهم ان هرقل نزل
مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم ومائة ألف من المستعربة لخم وجذام
والفين وبهرا وبلي وكان المسلمون ثلاثة آلاف فتشاوروا أن يراجعوا رسول الله
صلى الله عليه وسلم فيأمرهم بأمره فشجع الناس عبد الله بن رواحة وقال يا
قوم انما هي احدى الحسنيين اما نصرا واما شهادة فقال الناس صدق عبد الله
فمضوا حتى التقوا بمؤتة فقاتل زيد بالراية حتى قتل ثم أخذها جعفر وقاتل
قتالا شديدا ثم نزل عن فرسه فعقرها فكان أوّل من عقر في الاسلام وجعل يقول:
يا حبذا الجنة واقترابها ... طيبة وباردا شرابها
والروم روم قد دنا عذابها ... كافرة بعيدة أنسابها
ثم قاتل حتى قطعت يمينه فأخذ الراية بشماله فقطعت أيضا فاحتضنها بعضديه
فعوضه الله عن ذلك جناحين يطير بهما في الجنة. وروينا في صحيح البخاري ان
ابن عمر كان اذا حيا يؤخذ منه جواز ولاية الوظائف تعليقا وهو دليل قوى جدا
(بضعا وسبعين) في بعض نسخ الصحيح وتسعين بدل سبعين زاد في رواية ليس منها
شىء في دبره (معان) بضم الميم وتخفيف العين المهملة كذا ذكره أبو بحر
والبكري وقال هو اسم جبل قال السهيلى وأصلحه علينا القاضى حسين الشماع معان
بفتح الميم قال وهو اسم موضع (مآب) بفتح الميم ومد الهمزة آخره موحدة (من
المستعربة) هم كل عربى ليس من ولد اسماعيل والعاربة أولاد اسماعيل (لخم)
بفتح اللام وسكون المعجمة قبيلة تنسب الى لخم بن عدى بن الحارث بن مرة بن
ازد (وجذام) بضم الجيم ومعجمة قبيلة تنسب الى جذام بن عدي أخى لخم كما مر
(والقين) بفتح القاف وسكون التحتية (وبهرا) بفتح الموحدة وسكون الهاء وراء
مقصورة وممدودة (وبلي) بالموحدة على وزن علىّ والثلاثة بطون من قضاعة (فشجع
الناس) أي جرأهم (أحد الحسنيين) تثنية حسنى (أما نصر) بالضم (وأما شهادة)
كذلك وهذا تفسير الحسنيين (فكان) جعفر اسمها مستتر (أول) بالنصب خبرها (يا
حبذا) بففتح المهملة والموحدة ثم دال معجمة قال في القاموس حبذا الأمر أي
هو حبب جعل حب وذا كشئ واحد وهو اسم وما بعده مرفوع به (الجنة) بالرفع
(طيبة وبارد) يجوز رفعهما على ان طيبة خبر مبتدأ محذوف وبارد مبتدأ خبره
(شرابها) ويجوز ضمهما على الحال أى حال كون الجنة طيبة وشرابها باردا
(فاحتضها) بالحاء المهملة والضاد المعجمة أي أخذها بحضنيه (فعوضه الله عن
ذلك جناحين الى آخره) أخرج الترمذي والحاكم من حديث أبى هريرة قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم رأيت جعفر بن
(1/391)
ابن جعفر قال سلام عليك يا ابن ذي الجناحين
وقتل رضي الله عنه وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة أو احدى وأربعين ثم أخذ الراية
بعدهما عبد الله بن رواحة وجعل يقول:
يا نفس ألا تقتلي تموتي ... هذا حمام الموت قد صليتي
وما تمنيت فقد أوليتي ... ان تفعلى فعلهما هنيت
ثم قاتل حتى قتل ثم اصطلح الناس بعدهم على خالد بن الوليد فأخذ الراية
وقاتل قتالا شديدا ودافع عن المسلمين حتى انحازوا. روينا في صحيح البخاري
عن ابن حازم قال سمعت خالد بن الوليد يقول لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة
أسياف فما بقى في يدي الا صفيحة يمانية وكان جميع من استشهد بموتة ثمانية
رجال فيما ذكر ابن اسحاق وذكر ابن هشام عن الزهري أربعة أيضا أخوين وأخوين.
روينا في صحيح البخاري عن انس ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم نعى زيدا
وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم اخبرهم فقال أخذ الراية زيد أبي
طالب يطير في الجنة ملكا مع الملائكة ومر في بدء الوحي عن السهيلى ما حاصله
ان ذلك معنوي وليس بحسى قال الحافظ ابن حجر وما ذكره في مقام المنع اذ لا
مانع من حمله على الظاهر كيف وقد ورد أن جناحي جعفر من ياقوت أخرجه البيهقي
في الدلائل وأجنحة جبريل من اللؤلؤ أخرجه ابن مندة (فائدة) أخرج أبو القاسم
الحربي في أماليه من حديث على سيد الشهداء جعفر بن أبي طالب معه الملائكة
لم ينحل ذلك أحد ممن مضي من الامم غيره شيء أكرم الله به محمدا
يا نفس ألا تقتلي تموتي ... قبل هذا البيت
هل أنت الا أصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت
وكانت قد أصيبت أصبعه وقيل ان هذين البيتين للوليد بن الوليد بن المغيرة
وقد تمثل بهما صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري وغيره (هذا حمام
الموت) أي قدرة وحم الأمر قدر (قد صليتى) قد دخلت فيه (وما تمنيت) من
الشهادة (فقد أعطيت) في بعض النسخ فقد لقيت (ان تفعلي فعلهما) أي زيد وجعفر
(هنيت) بفتح الهاء وكسر النون مخفف وبضم الهاء وتشديد النون مشدد مبنى
للمفعول وفي بعض النسخ بدله هديت (حتى انحازوا) بهمزة وصل فنون ساكنة
فمهملة فالف فزاي أى انزوى بعضهم الى بعض (صفيحة) هي العريضة من السيوف
(يمانية) بتخفيف الياء (ثمانية رجال) هم جعفر وزيد بن حارثة وابن رواحة
ومسعود بن سويد العدوى وعبد الله بن سعيد بن العاص وعبادة بن قيس الانصاري
ووهب ابن سعيد بن أبي سرح وحبيب بن الحارث بن حبيب (أخوين وأخوين) وهم سويد
بن عمرو وسراقة ابن عمرو الانصاريان وأبو كلاب بن أبي صعصعة وجابر بن أبي
صعصعة الانصاريان (روينا في صحيح البخارى) وسنن النسائي وغيرهما (قبل أن
يأتيهم خبرهم) هذا من جملة معجزاته صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به من
المغيبات
(1/392)
فأصيب ثم أخذها جعفر فأصيب ثم أخذها ابن
رواحة فأصيب وعيناه صلى الله عليه وسلم تذرفان حتى أخذ الراية سيف من سيوف
الله حتى فتح الله عليه وفي رواية أخرى قال حتى أخذها خالد بن الوليد من
غير أمرة ففتح الله له وقال ما يسرنا أو قال ما يسرهم أنهم عندنا وعيناه
تذرفان. ويذكر أن أبا بكر لما قال صلى الله عليه وآله وسلم ان أصيب فلان
ففلان قال حسبك يا رسول الله فلولم يقلها وتتابع القول لأصيبوا عن آخرهم.
وروي عن اسماء بنت عميس زوجة جعفر قالت لما أصيب جعفر دخل عليّ النبي صلى
الله عليه وسلم فاستدعى بني فأتيته بهم فتشممهم وذرفت عيناه فقلت يا رسول
الله بأبي وأمي أنت ما يبكيك أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء قال نعم أصيبوا هذا
اليوم وقالت فقمت أصيح واجتمع الى النساء وخرج صلى الله عليه وآله وسلم الى
أهله فقال لا تغفلوا عن آل جعفر من أن تصنعوا لهم طعاما فانهم قد (وعيناه
تذرفان) بكسر الراء يسيل دمعهما وقد مضي فيه مزيد كلام (سيف من سيوف الله)
فيه فضيلة ظاهرة لخالد بن الوليد حيث سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم
سيف الله ولم يزل يعرف بهذا الاسم فيما بعد وروى الترمذي عن أبي هريرة قال
نزلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلا فجعل الناس يمرون فيقول من هذا
يا أبا هريرة فاقول فلان فيقول نعم عبد الله هذا ويقول من هذا فاقول فلان
فيقول بئس عبد الله هذا حتى مر خالد بن الوليد فقال من هذا فقلت خالد بن
الوليد فقال نعم عبد الله هذا سيف من سيوف الله وأخرج البغوى من حديث عبد
الله بن جعفر خالد بن الوليد سيف من سيوف الله وأخرج أيضا ابن عساكر من
حديث عمر وزاد سله الله على المشركين وأخرجه أحمد من حديث أبي عبيدة وزاد
ونعم فتى العشيرة وأخرجه الديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن عباس وزاد
وسيف رسوله (ما يسرهم انهم عندنا) أي لما رأوا من كرامة الله عز وجل (ويذكر
أن أبا بكر إلى آخره) ذكر ذلك أهل السير (وروى عن اسماء الى آخره) رواه
عنها الشيخان وغيرهما (زوجة جعفر) كذا وقع والصواب زوج بحذف الهاء
(فاستدعا) أى طلب من يدعو (بنيّ) بتشديد الياء (فتشممهم) أى شمهم وفعله صلى
الله عليه وسلم شفقة ورحمة (لا تغفلوا عن آل جعفر من أن تصنعوا لهم طعاما)
وللترمذي وحسنه والحاكم وصححه واحمد وأبو داود وابن ماجه عن عبد الله بن
جعفر اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد جاءهم ما يشغلهم وأخرج الزبير بن بكار من
حديث عبد الله بن جعفر أن سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عمدت
الى شعير فطحنته ثم آدمته بزيت وجعلت عليه فلفلا قال عبد الله فأكلت منه
وحبسنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع اخوتي في بيته ثلاثة أيام ففيه ندب
تهيئة طعام لأهل الميت والالحاح عليهم في أكله لئلا يضعفوا بتركه وتهيئته
لنحو نائحه حرام لانه اعانة على معصية وأما تهيئة أهل الميت طعاما وجمع
الناس عليه فبدعة وروى ابن ماجه والامام
(1/393)
شغلوا بأمر صاحبهم وروينا في الصحيحين عن
عائشة قالت لما جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قتل زيد بن حارثة
وجعفر بن ابي طالب وعبد الله بن رواحة وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم
يعرف فيه الحزن قالت وانا انظر من صاير شق الباب فأتاه رجل فقال يا رسول
الله ان نساء جعفر وذكر بكاءهن فأمره أن يذهب فينهاهن وذهب فأتاه وذكر انهن
لم يطعنه فأمره الثانية فذهب ثم أتاه فقال والله لقد غلبننا يا رسول الله
قال فزعمت ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال اذهب فاحث في أفواههن
التراب قالت عائشة فقلت ارغم الله أنفك والله ما تفعل ما أمرك رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم وما تركت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من
العناء لفظ مسلم ولمادنوا من المدينة راجعين تلقاهم النبي صلى الله عليه
وآله وسلم وعبد الله بن جعفر بين يديه والمسلمون معه فعيرهم الناس بالفرار
فقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء
الله تعالى احمد باسناد حسن عن جرير بن عبد الله قال كنا نعد ذلك من
النياحة (وروينا في الصحيحين عن عائشة) ورواه عنها أيضا أبو داود والنسائى
(رسول الله) مفعول (قتل زيد) فاعل (يعرف فيه) أي في وجهه كآبة عن غير مذكور
أو في ذاته صلى الله عليه وسلم (الحزن) بضم المهملة وسكون الزاي وبفتحهما
(من صاير الباب) بالمهملة والتحتية قال النووي قال بعضهم لا يقال صاير
وانما يقال صير الباب بكسر الصاد وسكون الياء والصاير فسر في الحديث بقوله
(شق الباب) وهو بفتح المعجمة الموضع الذي ينظر منه قال ابن حجر والظاهر أن
هذا التفسير من قول عائشة ويحتمل أن يكون ممن بعدها (فأتاه رجل) لم يسم
(فأمره أن يذهب فينهاهن) عن البكاء أما لانه كان فيه نحو نوح أو كان تمني
تنزيه وأدب لا للتحريم ومن ثم أصررن عليه متأولات قولان (اذهب فاحث) بهمزة
وصل وضم المثلثة من حثا يحثو وكسرها من حثي يحثي لغتان (في أفواههن التراب)
لمسلم من التراب (أرغم الله أنفك) بالراء والغين المعجمة أي الصقه بالرغام
بفتحتين مخفف أي التراب قال النووي وهو اشارة الى اذلاله واهانته (والله ما
تفعل) وللبخاري في رواية لم تفعل وفي أخري ما أنت بفاعل قال في التوشيح لم
تفعل من تصرف الرواة (وما تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم) معنى كلام
عائشة كما قال النووي أنك قاصر لا تقوم بما أمرت به من الانكار لنقصك
وتصبرك ولا تخبر النبى صلى الله عليه وسلم بقصورك عن ذلك حتى يرسل غيرك
وتستريح (من العناء) بفتح العين المهملة والنون وبالمد المشقة والتعب هذا
(لفظ مسلم) فى احدى رواياته وله أخري وما تركت رسول الله صلى الله عليه
وسلم من العي بكسر المهملة وتشديد التحتية أي التعب وفي أخرى الغى بفتح
المعجمة وتشديد التحتية ضد الرشد قال عياض وهو تصحيف (فعيرهم المسلمون الى
آخره) أخرجه ابن اسحاق في السير (بالفرار) بكسر الفاء وتخفيف الراء مصدر
فريفر (ليسو بالفرار) بضم الفاء وتشديد الراء جمع فرأي هارب (ولكنهم
الكرار) بوزن الأوّل جمع كار أي طالب (ان شاء الله تعالى) قالها صلى
(1/394)
ورثاهم حسان وكعب بن مالك بمراث منها قول
حسان في جعفر:
ولقد بكيت وعز مهلك جعفر ... حب النبي على البرية كلها
ولقد جزعت وقلت حين نعيت لي ... من للجلاد لدى العقاب وظلها
بالبيض حين تسل من أغمادها ... ضربا وأنهال الرماح وعلها
بعد ابن فاطمة المبارك جعفر ... خير البرية كلها وأجلها
رزءا وأكرمها جميعا محتدا ... وأعزها متظلما وأذلها
للحق حين ينوب غير تنحل ... كذبا وأبداها يدا وأقلها
الله عليه وسلم للتبرك وامتثال أمر ربه في قوله ولا تقولن لشئ انى فاعل ذلك
غدا الا أن يشاء الله كما مر ولفظ ابن اسحاق ولكنهم العكارون أى الكرارون
وزاد وقال أنا فئتكم أي والمتحيز الى فئة المسلمين لا حرج عليه (ورثاهم)
بتشديد المثلثة (بمراث) بتخفيف الراء آخره مثلثة جمع مرثية وهي عد محاسن
الميت نظما ونثرا وقد اطلقها الجوهري على عد محاسنه مع البكاء وعلى نظم
الشعر فيه وفي ذلك دليل لجواز ترثية الميت وقد رثت فاطمة رضي الله عنها
أباها صلى الله عليه وسلم ورثاه غيرها كما سيأتي وفعله كثير من الصحابة
وغيرهم من العلماء وما ورد من النهى عنها محمول على ما يظهر فيه تبرم أو
على فعله مع الاجتماع له أو على الاكثار أو على ما يجدد الحزن (وعز مهلك)
بفتح اللام مع ضم الميم وفتحها وبكسر اللام مع فتح الميم (حب التى) بكسر
الحاء أى محبوبه (على البرية) متعلق بعز (من للجلاد) أي الفرسان الاقوياء
(لدى) عند (العقاب) بضم المهملة وتخفيف القاف آخره موحدة على لفظ العقاب
الطائر المعروف وهي الراية وكانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم تسمي
بذلك كما سيأتي (وظلها) أي ظل العقاب (بالبيض) أي السيوف (وانهال الرماح)
بكسر الهمزة أي سقيها بدماء الاعداء أوّل مرة (وعلها) بفتح المهملة وتشديد
اللام أي سقيها مرة ثانية (خير البرية كلها) وهذا عام أريد به الخاص فان
قلت لم قال حسان ذلك في حق جعفر وقد نهى عنه صلى الله عليه وسلم في حق نفسه
مع انه خير البرية قلت لعل ذلك كان قبل النهى او بعده ولم يعلم به أو علم
منه وفهم ان ظاهره غير مراد لانه صلى الله عليه وسلم انما نهى عنه بالنسبة
الى نفسه هضما لها وتواضعا (وأجلها رزأ) تعلق آخر البيت باوله ضعيف عند
أرباب الفصاحة ورزأ بضم الراء وسكون وسكون الزاي ثم همزة مفتوحة أى أعظم
نقصا (وأكرمها) أفضلها (محتدا) أصلا كما مر (وأعزها) حال كونه (متظلما)
معناه ان يظلمه اذا شكي ظلم أحد يكون مع عزة دالة على شهامة النفس لا يحمله
على رد الحق وعدم الانقياد له بل يؤخذ للحق ذليلا وعلى الباطل عزيزا رضي
الله عنه (غير تنحل) أي منتحل اقام المصدر مقام الاسم (كذبا) أى لا يرضى
الكذب له نحلة أي مذهبا (ابداها) بالباء الموحدة والمهملة أي أطولها (يدا)
وكنى بذلك عن كثرة الصدقة وفعل المعروف كما في الحديث أو لكن لحوقا بى أطو
لكن يدا يريد الصدقة (واقلها
(1/395)
فحشا وأكثرها اذا ما يجتدى ... فضلا
وأنداها ندى وأطلها
بالعرف غير محمد لا مثله ... حي من أحياء البرية كلها
[الكلام على غزوة سيف البحر وخبر ذلك]
ومما ذكر في هذا السنة قبل الفتح غزوة سيف البحر وكان من خبرها ما رواه
جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم ثلاثمائة راكب أميرنا أبو عبيدة بن الجراح نرصد عير قريش فأقمنا
بالساحل نصف شهر فأصابنا جوع شديد حتى أكلنا الخبط فسمي ذلك الجيش جيش
الخبط فألقى لنا البحر دابة الظرب يقال لها العنبر فأكلنا منها نصف شهر
وأدهنا من ودكه حتى ثابت الينا أجسامنا فأخذ أبو عبيدة ضلعا من أضلاعه
فنصبه وأخذ رجلا وبعيرا فمر تحته وكان رجل في القوم نحر ثلاث جزائر ثم نحر
ثلاث جزائر ثم نحر ثلاث جزائر ثم ان أبا عبيدة نهاه رواه البخاري والرجل
قيس بن سعد بن عبادة فحشا) بضم الفاء في قوله وفعله (يجتدى) بالجيم
والفوقية أي يطلب جدواه والجدي العطية ويجوز باهمال الحاء واعجام الذال
بمعناه (وانداها) بالنون والمهملة أي أكثرها (ندا) بالنون أى عطاء (وأطلها)
بالمهملة أى أغزرها طلا والطل أضعف المطر (بالعرف) بضم العين أى المعروف
(من احياء) بوصل الهمزة لضرورة الشعر* تاريخ غزوة سيف البحر (في هذه السنة)
أي الثامنة (غزوة سيف البحر) بكسر المهملة وسكون التحتية ساحله وكان ذلك في
أرض جهينة كما في رواية في صحيح مسلم (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
ونحن ثلاثمائة راكب) زاد مسلم نحمل ازوادنا على رقابنا (أبو عبيدة) اسمه
عامر كما مر (نرصد) نرقب (الخبط) بفتح المعجمة والموحدة ورق السمر (فسمى)
مبنى للمفعول ذلك (الجيش) بالرفع والجيش عند أهل اللغة ما زاد على ثلاثمائة
وسمى هؤلاء جيشا توسعا والسرية عندهم من مائة الى خسمائة ثم يسرى الى
ثمانمائة ثم جيش الى أربعة آلاف ثم جحفل (جيش الخبط) بالنصب (الظرب) بفتح
المعجمة القائمة وحكي ابن التين أسقاطها وكسر الراء وقيل بسكونها وموحدة
وهي الجبل الصغير وقال الجوهري الرابية الصغيرة ولمسلم كهيئة الكثيب الضخم
(يقال له العنبر) قال الازهري هي سمكة كبيرة طولها خمسون ذراعا قال ابن حجر
وقد ورد أنه كان على صورة البعير (فأكلنا منه نصف شهر) ولمسلم في احدي
رواياته فأقمنا عليه شهرا بعد ان قال أبو عبيدة ميتة ثم قال لابل نحن رسل
رسول الله صلي الله عليه وسلم وفي سبيل الله وقد اضطررتم فكلوا وله في أخرى
فأكل منها الجيش نمانى عشرة ليلة (واد هنا من ودكه) في رواية لمسلم ولقد
رأيتنا نغترف بالاقداح من وقب عينه القلال الدهن ونقتطع منه القدر كالثور
أو كقدر الثور والودك بفتح الواو والدال الشحم (حتى ثابت) بالمثلثة والباء
الموحدة قبل التاء الفوقية أي رجعت الى القوة (فأخذ أبو عبيدة ضلعا) لمسلم
قبله فلقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلا فأقعدهم في وقب عينه والضلع
بكسر الضاد وفتح اللام (من اضلاعه) هذا هو الصواب وللمستملى من أعضائه (ثم
أخذ رجلا وبعيرا) ولمسلم ثم رحل أعظم بعير معنا (رواه) مالك (و) البخاري
(ومسلم)
(1/396)
ففي صحيح البخاري من رواية أخرى ان قيس بن
سعد قال لأبيه كنت في الجيش فجاعوا قالوا انحر قال نحرت قال ثم جاعوا قالوا
انحر فنحرت قال ثم جاعوا قالوا انحر فنحرت قال ثم جاعوا قالوا انحر قال
نهيت*
[الكلام على فتح مكة ويسمى فتح الفتوح]
وفي رمضان من هذه السنة كان فتح مكة وسمي فتح الفتوح لأن العرب كانت تنتظر
باسلامها اسلام قريش ويقولون هم أهل الحرم وقد أجارهم الله من أصحاب الفيل
فان غلبوا فلا طاقة لأحد به فلما فتح الله مكة دخلوا في دين الله أفواجا
قبائل على جملتها بعد ان كانوا يدخلون أفرادا ولم يقم للشرك قائمة بعده*
روينا في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان عمر يدخلني مع
أشياخ بدر فقال بعضهم لم تدخل هذا الفتى معنا ولنا ابنا مثله فقال انه ممن
قد علمتم قال فدعاهم ذات يوم ودعانى معهم فما رأيت انه دعاني يومئذ إلا
ليريهم قال ما تقولون في قول الله عز وجل إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ
وَالْفَتْحُ فقال بعضهم أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذ فتح علينا وسكت
بعضهم فلم يقل شيئا فقال لى أكذلك تقول يابن عباس فقلت لا قال فما تقول قلت
هو أجل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعلمه له قال اذا جاء نصر الله
والفتح وذلك علامة أجلك فسبح بحمد وأبو داود والترمذي والنسائي كلهم عن
جابر وفي الحديث انه صلى الله عليه وسلم زودهم جرابا من تمر لم يجد لهم
غيره وكان أبو عبيدة يعطيهم تمرة تمرة فكانوا يمصونها ثم يشربون عليها
الماء وانهم وجدوا فقدها لما فنيت وفيه أنهم تزودوا من لحمه فلما قدموا
المدينة ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هو رزق أخرجه الله
تعالى لكم فهل معكم من لحمه فأرسلوا اليه منه فأكل فيؤخذ من الحديث طلب
الصبر على الجوع ونحوه سيما في الغزو ونحوه من الطاعات وانتظار الفرج وسرعة
اذهاب العسر باليسر وان رزق المتقين من حيث لا يحتسبون وفيه التأنى والتثبت
في الاجتهاد وفيه طهارة ميتة البحر وحل أكلها (فائدة) روى مسلم في صحيحه عن
جابر وقوع مثل هذه القصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بطن بواط
وقد شكى الناس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع فقال عسى الله ان
يطعمكم قال فأتينا سيف البحر فزجر البحر زجرة فألقي دابة فأورينا على شقها
النار فأطبخنا واشتوينا وأكلنا وشبعنا قال جابر فدخلت أنا وفلان وفلان حتى
عد خمسة في حجاج عينها ما يرانا أحد حتى خرجنا وأخذنا ضلعا من أضلاعه
فقوسناه ثم دعونا بأعظم رجل في الركب وأعظم جمل في الركب وأعظم كفل في
الركب فدخل تحته ما يطأطيء رأسه* تاريخ غزوة الفتح (كان) تامة (ويسمى) هذا
الفتح (فتح الفتوح روينا في صحيح البخاري) وسنن الترمذي (قال بعضهم) هو عبد
الرحمن بن عوف (ولنا ابنا) بالصرف (مثله) بالرفع (انه ممن قد علمتم) أي
فضله بالعلم وقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمرنا) مبني للمفعول
(اذا فتح علينا) مبنى للفاعل وفي الحديث فضيلة ظاهرة لابن عباس ولعمر أيضا
حيث عرف فضيلته ووافقه
(1/397)
ربك واستغفره انه كان توابا فقال عمر ما
أعلم منها الا ما تقول وكان سبب غزوة الفتح على ما ذكر أهل السير انه كان
بين خزاعة وبني بكر عداوة وترات وقد كانت خزاعة دخلت في عهد رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم في صلح الحديبية ودخلت بنو بكر في عهد قريش فمكثوا على
ذلك ثمانية عشر شهرا ثم بيتت بنو بكر خزاعة على ماء لهم يسمى الوتير ناحية
عرنة وأعانتهم قريش مختفين في سواد الليل فقتلوا رجالا من خزاعة فلما كان
ذلك منهم ركب عمرو بن سالم الخزاعي الكعبي الى رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم فوقف عليه وهو في المسجد بين ظهرانى الناس فأنشد:
يا رب اني ناشد محمدا ... حلف أبينا وابيه الأتلدا
قد كنت والدا وكنا ولدا ... ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا
فانصر هداك الله نصرا أعتدا ... وادع عباد الله يأتوا مددا
في هذا التأويل (وترات) جمع ترة وهي لغة النقص وأراد أنهم كانت بينهم حروب
(ثم تبيتت) أي جاءت بياتا أي ليلا (بنو بكر) زاد البغوي ومعهم نوفل بن
معاوية الدئلي في بنى الدئل مع بني بكر (الوتير) بفتح الواو وكسر الفوقية
ما بين عرفة الى ادام قال في القاموس والوتير في اللغة الورد الابيض قاله
السهيلى (عرنة) بضم المهملة وفتح الراء كما مر (وأعانتهم قريش) بالسلاح
وحضر معهم صفوان بن أمية وعكرمة ابن أبى جهل وسهيل بن عمرو مع عبيدهم
(مختفين في سواد الليل) أى ظلمته ففيه ان عقد الهدنة ينتقض بنقض بعض الكفار
مع سكوت الباقين (فقتلوا رجلا «1» من خزاعة) لم أقف على اسمه (عمرو بن سالم
الخزاعى) عده ابن عبد البر وغيره في الصحابة (يا رب) وللبغوي في التفسير
لاهم أى اللهم (اني ناشد) سائل مع رفع صوتي (حلف أبينا وأبيه) بكسر الحاء
المحالفة أي اني سائله عن الحلف الذي كان بيننا وبينهم هل هم باقون عليه أم
لا (الأتلدا) بالفوقية وألف الاطلاق أي الاقدم (قد كنت والدا وكنا ولدا)
وللبغوى كنت لنا أبا وكنا ولدا وأراد بذلك عقد المحالفة فانه كان في
الجاهلية بهذه المثابة حتى كانوا يتوارثون به وكان كذلك الى أوّل الاسلام
ثم نسخ بقوله تعالى «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ»
وذكر السهيلي انه انما قال ذلك لان بني عبد مناف أمهم من خزاعة وكذلك قصي
أمه فاطمة بنت سعد الخزاعية (ثمت) أي ثم (أسلمنا) أراد الاسلام اللغوي دون
الحقيقى لانهم كانوا لم يسلموا يومئذ (ولم ننزع) ولم نخرج (يدا) عن طاعتك
ولم تنقض الحلف الذى كان بيننا وبينك (نصرا اعتدا) ضبط بضم الهمزة وسكون
المهملة وكسر الفوقية أي أحصر وهي من الشيء العتيد وهو المهيأ الحاضر وضبط
بهمز وصل مع فتح الفوقية أى نصرا تاما متعديا الينا (مددا)
__________
(1) نص المتن رجالا خلافا للشارح فليحرر.
(1/398)
فيهم رسول الله قد تجردا ... ان سيم خسفا
وجهه تربدا
في فيلق كالبحر يجرى مزبدا ... ان قريشا أخلفوك الموعدا
ونقضوا ميثاقك المؤكدا ... وجعلوا لى في كداء رصدا
وزعموا أن لست أدعو أحدا ... وهم أذل وأقل عددا
هم بيتونا بالوتير هجدا ... وقتلونا ركعا وسجدا
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نصرت يا عمرو بن سالم وعرصت سحابة
في السماء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان هذه السحابة لتستهل
بنصر بني كعب وغير بعيد أن جاء أبو سفيان يبتغي تأكيد العهد والمزايدة في
المدة فأبى عليه رسول الله صلى بفتح الميم أى يمدانهم (قد تجردا) بألف
الاطلاق أى خرج من العلائق المانعة له من المسير (ان سيم) بكسر المهملة
وسكون التحتية أى طلب (خسفا) بفتح المعجمة وسكون المهملة أى أمرا دنيا
(تربدا) بألف الاطلاق وهو بالمهملة أي انه صلى الله عليه وسلم لا يرضى
النقص بل يتربد منه (وجهه) أي يتغير ويتكدر ويعلوه ربدة بكسر الراء وهي لون
بين السواد والغبرة قاله أبو عمر أولون كدر قاله ابن دريد (في فيلق) متعلق
بقوله قد تجردا والفيلق بفتح الفاء واللام وسكون التحتية بينهما آخره قاف
الجيش العظيم كالجحفل وجمعه فيالق (في كداء) بفتح الكاف وبالمد اسم لا على
مكة (وزعموا ان لست أدعو) أي أعبد (أحدا) أشار الى قول نوفل بن معاوية
الدئلى حيث قال له بنو بكر يا نوفل انا دخلنا الحرم أي وقتلنا خزاعة فيه
إلهك إلهك أي خف منه فقال انه لا إله له اليوم أصبوا آثاركم فيه ذكره
البغوي (هجدا) بضم الهاء وفتح الجيم المشددة وهو نصب على الحال أي حال
كوننا هجدا أي نياما جمع هاجد أي نائم (يا عمرو بن سالم) بنصب ابن وفي عمرو
الرفع والنصب كنظائره (وعرضت سحابة) وللبغوي عياب بفتح العين وهو السحاب
أيضا (ليستهل) من الاهلال وهو رفع الصوت (بنصر بنى كعب) زاد البغوي وهم رهط
عمرو بن سالم (وغير بعيدن) بفتح الهمزة (جاء أبو سفيان الي آخره) وتقدم قبل
مجيء أبى سفيان مجيء بديل بن ورقاء الخزاعي رسول الله صلى الله عليه وسلم
في نفر من خزاعة معلما له بما أصيب منهم وبمظاهرة قريش بنى بكر عليهم ثم
انصرفوا فلقيهم أبو سفيان بعسفان فسألهم هل أتوا محمدا فجحد بديل فقال أبو
سفيان لئن كان الدئلى جاء المدينة لقد علف بها النوى فلما ارتحل بديل جاء
أبو سفيان الى مبرك ناقته ففت من بعرها فاذا فيه النوى فحلف لقد جاء بديل
محمدا ذكر معنى ذلك البغوى وغيره وذكر أنه صلى الله عليه وسلم كان قد قال
للناس كأنكم بأبى سفيان قد جاء يشدد العقدة ويزيد في المدة ففيه معجزة له
صلى الله عليه وسلم وذكر أيضا انه لما جاء المدينة دخل على ابنته أم حبيبة
فطوت عنه فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يجلس عليه فقال أرغبت بي
عن هذا الفراش أم رغبت به عني فقالت بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه
وسلم وانت رجل مشرك نجس فلم أحب أن تجلس عليه فقال والله لقد أصابك
(1/399)
الله عليه وآله وسلم ولم يجبه بشيء يعمل
عليه فانصرف كمن لم يجيء ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس
بالجهاز فآذن من حوله من الأعراب وقال اللهم خذ العيون والاخبار عن قريش
حتى نبغتها في بلادها
[مطلب في كتابة حاطب بن أبي بلتعة لقريش بمسير
رسول الله اليهم وإخبار جبريل له بذلك]
ثم ان حاطب بن أبي بلتعة كتب كتابا الى قريش يخبرهم بمسير رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم اليهم فنزل جبريل فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم بذلك. روينا في صحيح البخاري عن علي كرم الله وجهه قال بعثنى رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبا مرثد الغنوي والزبير بن العوام وفي
رواية والمقداد بعدى يا بنية شر (ولم يجبه) من الاجابة (بشىء) وذكر البغوي
انه جاء الي ابي بكر ليكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبي ثم عمر فأبى
وقال لو لم أجد الا الذر لجاهدتكم به ثم علي بن أبي طالب فقال لقد عزم رسول
الله صلى الله عليه وسلم علىّ أمر ما استطيع أن أكلمه فيه فسأل فاطمة أن
تأمر حسنا أن يجيز بين الناس فقالت ما بلغ من أمر ابني أن يفعل ذلك فاستشار
عليا فأشار عليه أن يجيز بين الناس ثم يذهب الى مكة فقام في المسجد وقال يا
أيها الناس اني قد أجزت بين الناس ثم انصرف الى مكة (كمن لم يجيء) فلما أتى
مكة سألوه ما فعل فأخبرهم بانه أجاز بين الناس بمشورة على قالوا فهل أجاز
ذلك محمد قال لا قالوا فو الله ما زاد على أن لعب بك فما يغني عنا ما قلت
قال لا والله ولكن ما وجدت غير ذلك (ثم أمر الناس بالجهاز) بفتح الجيم كما
مر في حديث الهجرة قال البغوي فدخل ابو بكر على ابنته عائشة وهى تصلح في
بعض جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أي بنية أمركم رسول الله صلى
الله عليه وسلم بان تجهزوه قالت نعم فتجهز قال أين ترينه يريد قالت لا أدري
وفي سيرة ابن اسحاق من رواية الشيباني عن عائشة قالت دخل أبو بكر وأنا
أغربل حنطة فسألني قال السهيلي وفيه من الفقه أكلهم البر وان كان أغلب
أحوالهم أكل الشعير اذ لا يقال حنطة الا للبر (وآذن) بفتح الهمزة اعلم (من
حوله من الأعراب) انه يريد الخروج الى مكة (حتى نبغتها) أى يأتيها بغتة أى
فجأة واستجاب الله عز وجل دعوته فلم يعلم به أحد حتى نزل مر الظهران
بالمهملتين والظاء المشالة كما مر (بلتعة) بالموحدة فاللام فالفوقية
فالمهملة بوزن علقمة كما مر والبلتعة في اللغة التظرف قاله ابو عبيد في
الغريب (كتب كتابا) صورته أما بعد يا معشر قريش فان رسول الله صلى الله
عليه وسلم جاءكم بجيش كالليل يسير كالسيل وو الله لو جاءكم وحده لنصره الله
وانجزله وعده فانظروا لانفسكم والسلام حكاه السهيلي وغيره وروى الواقدي ان
صورته ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في الناس بالغزو ولا أراه يريد
غيركم وقد أحببت أن يكون لي عندكم يد وقال البغوى صورته من حاطب بن ابي
بلتعة الى أهل مكة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم فخذوا حذركم وفي
تفسير ابن سلام ان صورته ان محمدا قد نفر فاما اليكم واما الى غيركم فعليكم
الحذر (وروينا في صحيح البخاري) وصحيح مسلم وسنن ابى داود والترمذى (وابا
مرثد) بفتح الميم والمثلثة وسكون الراء بينهما (الغنوي) بفتح المعجمة
والنون منسوب الى غنى حي من غطفان واسمه كناز بتشديد النون كما مر (وفي
رواية المقداد) وفي
(1/400)
وكلنا فارس قال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ
فان بها ظعينة من المشركين معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة الى المشركين
فأدركناها علي بعير لها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلنا
أخرجى الكتاب فقالت ما معنى الكتاب فأنحناها فالتمسنا فلم نر كتابا قلنا ما
كذب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لتخرجن الكتاب أو لنجردنك فلما رأت
الجد أهوت الى حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجته. وفي رواية انها أخرجته من
عقاصها فانطلقا بها الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال عمر يا رسول
الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعنى فلأضرب عنقه فقال ما حملك على ما
صنعت قال والله ما بى أن لا أكون مؤمنا بالله ورسوله أردت أن يكون لى عند
القوم يد يدفع الله بها عن أهلي ومالى وليس أحد من أخرى للبغوى وعمار أو
طلحة (روضة خاخ) بخائين معجمتين على الصواب ووقع في البخارى من رواية أبي
عوانة حاج بمهملة وجيم وهو غلط من أبى عوانة بالاتفاق قال النووى وانما
اشتبه عليه بذات حاج بالمهملة والجيم وهي موضع من المدينة والشام على طريق
الحجيج وأما روضة خاخ فموضع بقرب المدينة في طريق مكة بينه وبين المدينة
اثنا عشر ميلا هذا هو الصواب وقال الصايرى هى بقرب مكة قال النووي في ذلك
معجزة ظاهرة له صلى الله عليه وسلم وفيه هتك استار الجواسيس وقراءة كتبهم
ولو كانت امرأة وفيه هتك ستر المفسدة لمصلحة (فان بها ظعينة) بالنصب اسم ان
والظعينة هذه اسمها سارة وقيل كنود مولاة لعمران بن أبي صفي بن هاشم بن عبد
مناف وذلك أنها أتت المدينة وشكت حاجة شديدة فاعطوها نفقة وكسوة وحملوها
على بعير ذكره البغوي عن المفسرين وقيل كانت مولاة للعباس والظعينة في
الاصل المرأة مادامت في الهودج ثم جعلت المرأة المسافرة ظعينة ثم جعلت
المرأة ظعينة سواء سافرت أم أقامت (ما معنى الكتاب) أي ما أردتم بالكتاب
موهمة أنها لا تعرف معناه وفي بعض نسخ الصحيح ما معنى كتاب (لتخرجن الكتاب)
بضم الفوقية وسكون المعجمة وكسر الراء والجيم وتشديد النون واللام فيه
للقسم (أو لنجردنك) أي من ثيابك كما في رواية في الصحيح أو لنلقين الثياب
زاد البغوي أو لأضربن عنقك (الجد) بكسر الجيم نقيض الهزل (حجزتها) أي معقد
ازارها (وفي رواية) في الصحيح (أنها أخرجته من عقاصها) بكسر العين والصاد
المهملتين وبالقاف وهو الخيط الذي تشد به المرأة أطراف ذوائبها والمعنى
أنها أخرجت الكتاب من ضفائرها المعقوصة ويجمع بينه وبين الاول بأنها أهوت
أولا الى حجزتها ثم أخرجته من عقاصها فتوهم من أي المحلين أخرجته فروى هذا
تارة وهذا تارة (فانطلقنا بها) أى بالصحيفة المكتوبة وفي رواية في الصحيح
فاتينا به أى بالكتاب (فدعنى فلأضرب عنقه) فيه استئذان الامام في الحدود
والتعزيرات قاله النووي (قال والله ما بي أن لا اكون مؤمنا بالله ورسوله)
أى لم يحملني ما فعلت عدم الايمان بل (أردت ان يكون لى عند القوم يدا) أى
نعمة (يدفع الله بها عن أهلي ومالي) انما قال ذلك لانه لم يكن له بمكة أهل
ولا عشيرة انما كان ملصقا في
(1/401)
أصحابك الاله هناك من عشيرته من يدفع الله
به عن أهله وماله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم صدق ولا تقولوا له
الاخيرا فقال عمر انه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعنى فلأضرب عنقه فقال
أليس من أهل بدر فقال لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد
وجبت لكم الجنة أو قد غفرت لكم فدمعت عينا عمر وقال الله ورسوله أعلم هذه
احدى روايات البخاري وباقي رواياته وروايات مسلم مقاربة لها ونزل في أمر
حاطب قوله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي
وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ» الآيات.
وتضمنت منقبة لحاطب حيث خوطب بالايمان وهو أمر باطن ففيه دليل على أن كبائر
الذنوب لا تسلب الايمان ولا يكفر أهلها. وثبت لحاطب أيضا منقبة أخرى وهى ما
روينا في صحيح مسلم عن جابر رضى الله عنه ان عبدا لحاطب جاء رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم ليشكوا حاطبا فقال يا رسول الله ليدخلن حاطب النار
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كذبت لا يدخلها فانه شهد بدرا
والحديبية قريش أى حليفا ولم يكن من أنفسها ومضي ذكر نسبه في غزوة بدر وفي
مسند الحارث ان حاطبا قال يا رسول الله كنت عزيزا في قريش أى غريبا وكانت
أمى بين ظهرانيهم فأردت ان يحفظوني فيها أو نحو هذا (صدق ولا تقولوا له الا
خيرا) فيه جواز ترك تعزير من استحق التعزير لكونه ذاهيئة أو صلاح وان ذلك
منوط بنظر الامام وفيه ان الجاسوس المسلم لا يحل قتله كما ذهب اليه الشافعى
وقال بعض المالكية يقتل ما لم يتب وقال بعضهم بل وان تاب وقال مالك يجتهد
فيه الامام (لعل الله اطلع على أهل بدر) وللحاكم عن أبي هريرة ان الله اطلع
ولابي داود عنه اطلع الله وبه يعلم ان لعل هنا واجبة وقد مضي الكلام عليه
في غزوة بدر (أو) قال (فقد غفرت لكم) شك من الراوى وللحاكم وأبي داود فقد
غفرت لكم بلا شك (ونزل في شأن حاطب) كما رواه الشيخان وغيرهما (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا) بالله بالله ورسوله (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي
وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) في الآية حرمة موالاة الكفار (تلقون اليهم
بالمودة) أى المودة والبا زائدة على حد ومن يرد فيه بالحاد وقال الزجاج
تلقون اليهم أخبار النبى صلى الله عليه وسلم وسره بالمودة التى بينكم
وبينهم (ففيه دليل) لما ذهب اليه أهل السنة (ان كبائر الذنوب لا تسلب) عن
صاحبها (اسم الايمان) الذي المراد منه التصديق بل يكون مطيعا بايمانه عاصيا
بفسقه وذلك لان الاعمال عندهم ليست جزأ من الايمان نعم ينقص عندهم بالمعاصى
كما يزيد بالطاعات وقال المعتزلة الفسق يزيل اسم الايمان بمعنى ان الفسق
واسطة بين الكفر والايمان بناء على زعمهم ان الاعمال جزء من الايمان (ان
عبدا لحاطب) اسمه سعد ذكره ابن مندة وأبو نعيم وابن عبد البر (كذبت لا
يدخلها) قال النووي فيه ان لفظة الكذب هي الاخبار عن النبي على خلاف ما هو
عمدا كان أو سهوا سواء كان الاخبار عن ماض أو مستقبل وخصته المعتزلة بالعمد
وهذا يرد عليهم (فانه شهد بدرا و) شهد (الحديبية)
(1/402)
رجعنا الى القصة. قال أهل السير ثم ان رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم فرغ من جهازه وخرج لعشر مضين من رمضان
واستعمل على المدينة كلثوم بن حصين الغفارى فلما بلغ الحجفة لقيه عمه
العباس مهاجرا ببنيه وقد كان بعد اسلامه مقيما بمكة على سقايته وعذره رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم ولقيه أيضا ببعض الطريق أبو سفيان بن الحارث
وعبد الله ابن أبى أمية وكلمته أم سلمة فيهما فقالت يا رسول الله ابن عمك
وابن عمتك وصهرك فقال لا حاجة لى بهما اما ابن عمى فهتك عرضي واما ابن عمتى
وصهرى فانه قال لي بمكة ما قال فقال أبو سفيان والله لتأذنن لى أو لآخذن
بيد بنيى هذا ثم لنذهبن في الارض حتى نموت عطشا وجوعا فرق له رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم فدخلا عليه واسلما وأنشد أبو سفيان قصيدته التى يقول
فيها:
لعمرك انى يوم أحمل راية ... لتغلب خيل اللات خيل محمد
ومن شهد أحدهما فقط لا يدخل فكيف بمن شهدهما معا (ابارهم) «1» بضم الراء
وسكون الهاء (كلثوم) بضم الكاف والمثلثة وسكون اللام بينهما (ابن حصين)
بالاهمال والتصغير بن عبيد بن بني غفار بن مليل بالتصغير شهد احدا والشجرة
ذكره ابن مندة وأبو نعيم وابن عبد البر (ولقيه أيضا بعض الطريق) أي
بالابواء كما ذكره ابن عبد البر وغيره وقيل بين سقيا والعرج (أبو سفيان بن
الحارث) بن عبد المطلب (وعبد الله بن أبي أمية) حذيفة وهو أخو أم سلمة (ابن
عمك) يريد أبا سفيان واسمه المغيرة (وابن عمتك) يريد عبد الله بن أبي أمية
(وصهرك) يريد عبد الله أيضا لانه أخوها وفي رواية ذكرها ابن عبد البر قالت
لا يكن ابن عمك وأخى ابن عمتك أشقا الناس بك (اما ابن عمي فهتك عرضي) أي
بما ينسبني به من الهجاء في شعره قيل انه بعد اسلامه ما رفع رأسه الى رسول
الله صلى الله عليه وسلم حياء منه لما كان يهجوه (واما ابن عمتي وصهري فانه
الذي قال لى بمكة) والله ما أومن بك أبدا حتى تتخذ الى السماء سلما ترقى
فيه وأنا أنظر حتى تأتيها وتأتي بنسخة منشورة ونفر من الملائكة يشهدون لك
بما تقول وأيم الله لو فعلت ذلك لظننت ان لا أصدقك وكفا صلى الله عليه وسلم
عن هذه المقالة بقوله (ما قال) استعظاما لها واستبشاعا لصورتها القبيحة
(بيد بني) بالتصغير وأراد ابنه جعفرا فانه كان معه يومئذ (فرق له رسول الله
صلى الله عليه وسلم) أي لان له ورحمه لما ذكر من الذهاب في الارض وروى ابن
عبد البران علي بن أبي طالب قال لابي سفيان بن الحارث أئت رسول الله صلى
الله عليه وسلم من قبل وجهه فقل له ما قال أخوه يوسف تالله لقد آثرك الله
علينا وان كنا لخاطئين فانه لا يرضى ان يكون أحد أحسن قولا منه ففعل ذلك
أبو سفيان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تثريب عليكم اليوم يغفر
الله لكم وهو أرحم الراحمين وقبل منهما فأسلما (لتغلب) بلام كي (خيل اللات)
أي خيل عابدى اللات يعني الصنم
__________
(1) كذا في الأصل.
(1/403)
لكا لمدلج الحيران أظلم ليله ... فهذا
أواني حين أهدى واهتدى
هدانى هاد غير نفسى ونالنى ... مع الله من طردت كل مطردى
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنت طردتني كل مطرد فلما بلغ رسول
الله صلى الله عليه وسلم الكديد أفطر وأمر الناس بذلك ثم مضى حتى نزل مر
الظهر ان في عشرة آلاف
[الكلام على إسلام أبو سفيان بن حرب وإكرام
النبي صلى الله عليه وسلم وله]
ثم ان العباس لحقته رأفة بقريش فخرج على بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم رجاء أن يصادف أحدا يبعثه اليهم فيستأمنوا فلقى أبا سفيان بن حرب
وحكيم بن حزام وبديل ابن ورقاء وقد كانوا خرجوا يتجسسون الأخبار فأخبرهم
الخبر فقال له أبو سفيان فما الحيلة قال اركب خلفى حتى آتي بك رسول الله
صلى الله عليه وسلم فاستأمنه لك فردفه ورجع صاحباه (لكالمدلج) اللام فيه
لام الابتداء الداخلة على معمول ان والمدلج السائر بالليل وهو بسكون الدال
اسما وفعلا ومصدرا (الحيران) المتحير الذي لا يهتدي الى طريق (فهذا أواني)
الاوانّ الوقت والحين (حين أهدى) مبنى للمفعول أي أدل على طريق الحق
(واهتدى) اليها فأسلكها (هداني هاد) يعني به رسول الله صلى الله عليه وسلم
(غير نفسي) بضم الراء (ونالني مع الله) أى لحقني وأدركني اذ كنت كالشارد
عنه وفي بعض النسخ ودلني على الله (من) أي الذي (طردت) بتشديد الراء أي
بعدت (كل مطرد) مبالغة في ذلك (فائدة) قال في الاستيعاب قال عروة كان سبب
موت أبي سفيان انه حج فلما حلق الحالق رأسه قطع اثلولا كان في رأسه فلم يزل
مريضا حتى مات بعد مقدمه من الحج الى المدينة سنة عشرين ودفن في دار عقيل
بن أبي طالب وصلى عليه عمر بن الخطاب وقيل بل مات بالمدينة بعد أخيه نوفل
بأربعة أشهر الا ثلاثة عشر ليلة وكان هو الذي حفر قبر نفسه قبل ان يموت
بثلاثة أيام وكانت وفاة نوفل سنة خمس عشرة (الكديد) بفتح الكاف وبالمهملة
المكررة والتحتية الساكنة قال البغوي ما بين عسفان وانج وللمستملي في صحيح
البخاري ما بين عسفان وقديد قال النووي بينه وبين مكة اثنان وعشرون ميلا
وفي رواية في الصحيح حتى اذا بلغ كراع الغميم بفتح المعجمة وهو واد أمام
عسفان بثمانية أميال وكان الكديد وكراع الغميم متقاربان فمتهم من يذكر هذا
ومنهم من يذكر هذا قال النووي وقد غلط بعض العلماء فتوهم ان الكديد وكراع
الغميم فريب من المدينة (مر الظهران) مضى ذكره (في عشرة آلاف من المسلمين)
زاد البغوي ولم يتخلف عنه من المهاجرين والانصار أحد (فيستأمنوا) أى يطلبوا
الامان (بديل) بالموحدة والمهملة والتحتية مصغر (ابن ورقاء) بفتح الواو
والقاف وسكون الراء والمد (فأخبرهم الخبر) قال البغوي قال العباس سمعت أبا
سفيان يقول والله ما رأيت كالليلة نيرانا قط فقال له بديل هذه والله نيران
خزاعة حمستها الحرب فقال أبو سفيان خزاعة الأم من ذلك وأذل فعرفت صوته فقلت
أنا حنظلة فعرف صوتي فقال أبو الفضل قلت نعم قال مالك فداك أبي وأمي قلت
ويحك يا أبا سفيان هذا والله رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبحك قد جاء
بمالا قبل لكم به قال (فما الحيلة) قلت والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك
(1/404)
فلما مر به العباس على منزل عمر لحقه عمر
محرشا عليه ومذكرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم سالف اساءته فقال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم للعباس اذهب به الى رحلك فاذا أصبحت فأتنى به
فلما أصبح جاء به فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الاسلام فتلكأ
قليلا ثم أسلم فقال العباس يا رسول الله ان أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل
له شيئا فقال نعم من دخل دار أبى سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن
ومن دخل المسجد فهو آمن. روينا في صحيح البخاري ان رسول الله صلى الله عليه
وسلم لما سار قال للعباس احبس أبا سفيان عند حطم الخيل وفي رواية عند خطيم
الجبل حتى ينظر الى المسلمين فحبسه العباس فجعلت القبائل تمر مع النبي صلى
الله عليه وسلم تمر كتيبة كتيبة على أبى سفيان فمرت كتيبة فقال يا عباس من
هذه قال هذه غفار قال مالى ولغفار ثم مرت جهينة قال مثل ذلك ثم مرت سعد بن
هذيم فقال مثل ذلك ثم مرت سليم فقال مثل ذلك حتى أقبلت كتيبة لم ير مثلهم
قال من هذه قال هؤلاء الأنصار عليهم سعد بن عبادة معه الراية فقال سعد بن
عبادة يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة (فلما مر به العباس على منزل عمر)
ولم يعرفه أحد من المسلمين قبله (محرشا) مغريا ومحرضا (ومذكرا لرسول الله
صلى الله عليه وسلم سالف أساءته) قال البغوي فقال يا رسول الله هذا أبو
سفيان عدو الله قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد دعني أضرب عنقه فقال
العباس يا رسول الله اني قد أجرته وقال العباس مهلا يا عمر فو الله ما تصنع
هذا الا انه رجل من بني عبد مناف ولو كان من بني عدي بن كعب ما قلت هذا قال
مهلا يا عباس فو الله لا سلامك يوم أسلمت كان أحب الىّ من اسلام الخطاب لو
أسلم (فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الاسلام) فقال له يا أبا
سفيان ألم يأن لك ان تعلم أنه لا إله الا الله قال بأبي أنت وأمي ما أحلمك
وأكرمك وأوصلك والله لقد ظننت ان لو كان مع الله غيره لا غنى عنى شيئا بعد
قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك ان تعلم اني رسول الله حق فقال واما هذه
ففى النفس منها شيء حتى الآن (فتلكأ) توقف وزنا ومعنا فقال له العباس أسلم
قبل ان تضرب عنقك (فأسلم) حينئذ كرها (فاجعل له شئأ) يفتخر به (من دخل دار
أبي سفيان فهو آمن الى آخره) زاد أبو داود عن ابن عباس ومن القى سلاحه فهو
آمن (روينا في صحيح البخاري) عن عروة بن الزبير (حطم) بحاء وطاء مهملتين
(الخيل) بمعجمة وبتحتية ساكنة أى محل ازدحامها (وفي رواية) للبيهقى في صحيح
البخارى (خطم) بمعجمة وطاء مهملة أى أنف (الجبل) بالجيم والموحدة أى طرفه
وللبغوي احتبسه بمضيق الوادي عن حطم الخيل (فحبسه العباس) حيث أمره النبى
صلى الله عليه وسلم (كتيبة) هي القطعة من الجيش سميت بذلك لاجتماعها (مالى
ولغفار) أى ما كان بيني وبينهم من حرب كما ورد في رواية (سعد بن هذيم)
بالذال المعجمة والتصغير (ثم مرت سليم) زاد البغوي ثم مرت مزينة (اليوم يوم
الملحمة) بفتح الميم والحاء المهملة وسكون اللام بينهما أى يوم حرب
(1/405)
اليوم تستحل الكعبة فقال أبو سفيان يا عباس
حبذا يوم الذمار ثم جاءت كتيبة وهى أقل الكتائب يعنى أقلهم عددا وهى أجلهم
قدرا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله وأصحابه وراية رسول الله صلى
الله عليه وسلم مع الزبير فلما مر النبي صلى الله عليه وسلم بأبى سفيان قال
ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة قال ما قال قال كذا وكذا فقال كذب سعد ولكن
هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة ويوم تكسي فيه الكعبة وأمر رسول الله صلى
الله عليه وسلم ان تركز رايته بالحجون وقال عبد الله بن مغفل رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته وهو يقرأ سورة الفتح يرجع
فيها انتهت رواياتنا عن البخاري. وروى ان أبا سفيان لما مرت به القبائل
وكانت قد أوعبت في تلك الغزاة فألفت مزينة وسبعت سليم وقيل ألفت وفي كل
القبائل عدد قال للعباس يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما قال
العباس فقلت له ويحك انها النبوة قال فنعم اذا قلت الحق الآن بقومك فحذرهم
فخرج سريعا فقال لهم من دخل دار أبى سفيان فهو آمن قالوا وما يغني عنا دارك
قال ومن دخل المسجد فهو عظيم لا مخلص منه أو يوم المقتلة العظيمة يوم
(تستحل الكعبة) أراد الاستحلال اللغوي أو أراد تستحل بزعمك (حبذا الذمار)
أى يوم الهلاك وقيل يوم الغضب وهو بكسر المعجمة وتخفيف الميم (وراية رسول
الله صلى الله عليه وسلم) كانت يومئذ بيضاء كما أخرجه أبو داود والترمذي عن
جابر (مع الزبير) وكان قد قدمه بها وأمره أن يركزها بأعلا مكة بالحجون وقال
لا تبرح حتى آتيك ودخلها صلى الله عليه وسلم من جهة الحجون وهناك ضربت قبته
(فقال كذب سعد) فيه دليل لما مر ان الكذب الاخبار عن الشىء على خلاف ما هو
عمدا أو سهوا زاد البغوي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي أدركه فخذ
الراية منه فكن أنت الذى تدخل بها (بالحجون) بفتح المهملة وضم الجيم أعلا
مكة كما مر وكداء بفتح الكاف وبالمد غير مصروف قال في التوشيح وكانت صعبة
المرتقى فسهلها معاوية ثم عبد الملك ثم المهدي انتهى وكان دخوله صلى الله
عليه وسلم يومئذ منها قال ابن اسحاق وغيره وسببه ان أبا سفيان قال للعباس
لا أسلم حتى أرى الخيل تطلع من كداء فقال العباس ما هذا قال شئ طلع بقلبي
وان الله لا يطلع الخيل هناك أبدا قال العباس فذكرت أبا سفيان بذلك لما دخل
وأخرج البيهقي من حديث عمر قال قال النبى صلى الله عليه وسلم لابي بكر كيف
قال حسان فأنشده:
عدمت بنيتي ان لم تروها ... تثير النقع مطلعها كداء
فتبسم وقال ادخلوها من حيث قال حسان (ابن مغفل) بفتح المعجمة والفاء
المشددة هو المزني (يقرأ سورة الفتح) يعني اذا جاء نصر الله والفتح واتسمى
سورة النصر وتسمى سورة التوديع (وروى ان أبا سفيان الى آخره) رواه البغوى
في التفسير (أوعبت) جمعت (فألفت مزينة) كانت الفا (وسبعت) سليم كانت
سبعمائة (ويحك) مضى ذكرها (وما يغني عنا دارك) أى ما ينفعنا
(1/406)
آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن فتفرق
الناس ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعلا مكة ولم يعرض له قتال
وأمر خالد بن الوليد في عدد من المسلمين فدخلوا من أسفلها فعرض لهم عكرمة
بن ابي جهل وصفوان بن أمية وسهيل بن عمرو بالخندمة فهزمهم خالد بن الوليد
وقتل منهم اثنى عشر أو ثلاثة عشر رجلا ولم يقتل من خيل خالد الاسلمه بن
الميلاء الجهني واما كرز بن جابر الفهري وحبيش بن الاشعر فشذا عن خالد
وسلكا طريقا غير طريقه فقتلا جميعا وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم عهد الى امرائه ان لا يقتلوا إلا من قاتلهم الا انه أمر بقتل جماعة
سماهم وان كانوا تحت استار الكعبة فقتل بعضهم واستؤمن لبعضهم (ولم يعرض)
بكسر الراء وضمها (بالخندمة) بالمعجمة والنون والدال المهملة بوزن الملحمة
جبل بمكة (سلمة) بفتح اللام (ابن الميلاء) بفتح الميم وكسرها وبالمد (واما
كرز) بضم الكاف وسكون الراء آخره زاى (وحبيش) مصغر وهو بالمهملة فالموحدة
آخره معجمة أو بمعجمة فنون آخره مهملة قولان أصوبهما الاول قاله أبو الوليد
(ابن الاشعر) بالشين المعجمة والعين المهملة والأشعر لقب واسمه خالد بن
حنيف بن منقذ بن ربيعة بن أصرم ابن خبس بن حرام بن حبيشة بن كعب بن عمرو
الخزاعي وهو أبو أم معبد التى مر ذكرها في حديث الهجرة (شذا) بمعجمتين خرجا
وبقي من شهد الفتح حبلة بن الاشعر أخو حبيش ذكره ابن عبد البر وخالد
الاشعري الخزاعي ذكره الواقدي (الا انه أمر بقتل جماعة) كانت لهم سالف
اساآت وكانوا يؤذونه صلى الله عليه وسلم (سماهم) وهم عبد الله بن سعد بن
أبى سرح بفتح المهملة وسكون الراء وكان مسلما ثم ارتد وعبد الله بن خطل
وسيأتى ضبطه لانه كان مسلما فبعثه صلى الله عليه وسلم مصدقا وكان له مولى
يخدمه وكان مسلما فنزل منزلا وأمره ان يذبح له تيسا ويصنع له طعاما فنام
فاستيقظ ولم يصنع له شيأ فقتله ثم ارتد وكانت له قينتان يغنيان بهجائه صلى
الله عليه وسلم فأمر بقتلهما معه والحويرث بن نفيذ بن وهب كان ممن يؤذيه
صلى الله عليه وسلم ومقيس بن صبابة لانه قتل الانصاري الذي قتل أخاه خطأ
ورجع الى مكة مرتدا كما مر وسارة مولاة لبعض بني المطلب وكانت ممن يؤذيه
صلى الله عليه وسلم وعكرمة بن أبي جهل (وان وجدوا تحت استار الكعبة) فيه
دليل لجواز استيفاء العقوبات في الحرم سواء كانت لله تعالى أم لآدمي لان
قتله لا يوجب ضمانا وكان كالفواسق الخمس هذا مذهب الشافعي رحمه الله لكن
يشكل عليه عدم جواز استيفاء ذلك في المسجد ان خيف تلويثه ويجاب بانه صلى
الله عليه وسلم خاف من التأخير الى اخراجهم ما يمنع قتلهم من أمان أو هرب
أو نحوهما وكان في قتلهم مصلحة للمسلمين عامة فانهم كانوا أعداء الدين
ورؤساء المفسدين فقدم صلى الله عليه وسلم المصلحة العامة على ذلك (فقتل
بعضهم) كابن خطل وسيأتي قريبا ذكر من قتله ومقيس بن ضبابة قتله تميله
بالفوقية والتصغير رجل من قومه والحويرث ابن نفيذ قتله علي بن أبي طالب
واحدى قينتى ابن خطل (واستؤمن لبعضهم) كابن أبي سرح استأمن له عثمان وكان
أخاه من الرضاعة ثم جاء به وقت البيعة حتى وقفه على رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال
(1/407)
[مطلب في دخوله
صلى الله عليه وسلم الكعبة ورد مفتاحها لبني شيبة وكسر ما فيها من الأصنام]
ولما انتهى صلى الله عليه وآله وسلم الى البيت طاف به سبعا على راحلته
يستلم الركن بمحجن في يده وهو منكس رأسه تواضعا لله تعالى ولما فرغ من
طوافه دعا بالمفتاح وكان في يد عثمان بن طلحة بن ابى طلحة الحجبي العبدري
وبيد عمه شيبة بن عثمان بن ابى طلحة فأتى به ففتح ودخل وركع ركعتين يا نبي
الله بايع عبد الله فرفع رأسه فنظر اليه ثلاثا كل ذلك يأبى ان يبايعه ثم
بايعه بعد الثالثة ثم أقبل على أصحابه فقال ما كان فيكم رجل رشيد يقوم الى
هذا حين رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله فقالوا ما ندري ما في نفسك ألا كنت
أو مأت الينا بعينك فقال ما ينبغي لنبي ان يكون له خائنة عين أخرجه أبو
داود والنسائي عن سعد وعكرمة بن أبي جهل أسلمت امرأته أم حكيم بنت الحارث
بن هشام ثم استأمنت له وكان قد هرب الى اليمن فأدركته وأتت به رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأسلم واحدى قينتى ابن خطل وسارة استؤمن لهما صلى الله
عليه وسلم فأمنهما وعاشت الى زمن عمر فأوطأها رجل من المسلمين فرسا بالابطح
فقتلها (طاف به سبعا على راحلته) هذا خلاف ما في الصحيحين وسنن أبي داود
والترمذي والنسائي عن ابن عباس ان ذلك انما كان في حجة الوداع لا يوم الفتح
وركب صلى الله عليه وسلم بيانا للجواز أو لأن يراه الناس وليسألوه كما في
صحيح مسلم أو لانه صلى الله عليه وسلم كان مريضا كما في سنن أبى داود وترجم
عليه البخاري فقال باب المريض يطوف راكبا (يستلم الركن) فيه ندب استلام
الركن وانه اذا عجز عن استلامه بيده استلمه بعود ونجوه لانه صلى الله عليه
وسلم كان يستلمه يومئذ (بمحجن) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الجيم وهي
عصى محنية الرأس يتناول بها الراكب ما يسقط له ويحرك بطرفها بعيره للمشى
والحجن لغة الاعوجاج (في يده) زاد مسلم ويفتل المحجن (دعا بالمفتاح) لمسلم
في رواية دعا بالمفتح بحذف الف مع كسر الميم قال النووى وهما لغتان (بيد
عثمان) بن طلحة (بن أبي طلحة) قال النووى واسم أبي طلحة عبد الله بن عبد
العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي ومر انه أسلم مع خالد بن الوليد وعمرو
ابن العاص في يوم واحد في هدنة الحديبية (الحجبي) بفتح المهملة والجيم نسبة
الى حجابة الكعبة وهي ولايتها وفتحها واغلاقها وخدمتها (العبدري) نسبة الى
عبد الدار كما مر (فأتى به) مبني للمفعول أو للفاعل والمراد به نسبته وفي
الصحيحين عن ابن عمر ان عثمان ذهب الى أمه فأبت ان تعطيه المفتاح فقال
والله لتعطينيه أو ليخرجن هذا السيف من صلبي فأعطته اياه وفي تفسير البغوى
وغيره ان عثمان أبا عليّ المفتاح وقال لو علمت ان رسول الله صلى الله عليه
وسلم لم أمنعه المفتاح فلوى علي بن أبي طالب يده وأخذ منه المفتاح وفتح
الباب (ودخل) البيت فيه ندب دخوله وقد روى ابن أبي عدى والبيهقي في الشعب
عن ابن عباس مرفوعا دخول البيت دخول في حسنة وخروج من سيئة وروى أبو داود
والترمذي عن عائشة قالت خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندي وهو
مسرور ثم رجع وهو كئيب فقال اني دخلت الكعبة ولو استقبلت من أمري ما
استدبرت ما دخلتها اني أخاف ان أكون قد شققت على أمتى ولفظ الترمذي وددت
اني لم أكن فعلت اني أخاف ان أكون قد أتعبت أمتى من بعدي (وركع ركعتين) كما
رواه مالك والشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم عن ابن عمر رضى
الله عنهما انه سأل
(1/408)
وكسر ما فيه من الاوثان وطمس الصور واحرج
(1) مقام ابراهيم ونزل عليه جبريل بقوله تعالى «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ
أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها» فخرج صلى الله عليه وآله وسلم
وهو يتلوها قال عمرو ما كنت سمعتها منه فدعا عثمان والشيبة واعطاهم المفتاح
وقال خذاها خالدة تالدة لا ينزعها منكم الا ظالم وكان العباس سئله أن يجمع
له السدانة الى السقاية قال ابن مسعود ودخل صلى الله عليه وآله وسلم وحول
البيت ستون وثلاثمائة بلالا هل صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
نعم بين العمودين اليمانيين وي رواية وذهب عني ان أسأله كم صلى وفي أخرى
قال سألت بلالا حين ما خرج ما صنع النبي صلى الله عليه وسلم قال جعل عمودين
عن يمينه وعمودا عن يساره وثلاثة أعمدة وراءه والبيت يومئذ على ستة أعمدة
ثم صلى وفي أخرى صلى ركعتين بين الساريتين اللتين عن يسارك اذا دخلت ثم خرج
وصلى في وجه الكعبة ركعتين ولا يعارض ذلك رواية ابن عباس عن أسامة في
الامهات انه صلى الله عليه وسلم دخل ولم يصل فقد أجمع أهل الحديث كما قاله
النووى على الاخذ برواية بلال لانه ثبت ومعه زيادة علم فوجب ترجيحه واما
نفي أسامة لها فسببه كما قال النووى اشتغاله بالدعاء في ناحية من نواحى
البيت غير التي كان فيها صلى الله عليه وسلم فلم يره لتخفيفه صلى الله عليه
وسلم الصلاة ولظلمة البيت فانه كان مغلقا عليهم وحينئذ فنفي الصلاة عملا
بظنه وكان بلال قريبا منه صلى الله عليه وسلم فتحققها ففى ذلك جواز الصلاة
داخل البيت اذا توجه الى جدار منه أو الى بابه مردودا بل بديها وبه قال
الجمهور وفيه خلاف للسلف قال النووي وفيه دليل لمذهب السلف والجمهور ان
تطوع النهار يستحب ان يكون مثنى وقال أبو حنيفة أربعا (وكسر) أى أمر بكسر
(ما فيه من الاوثان) قبل ان يدخل كما في صحيح البخاري عن ابن عباس وفيه
انهم أخرجوا صورة ابراهيم واسماعيل في أيديهما الازلام فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم قاتلهم الله اما والله لقد علموا انهما لم يستقسما بها قط
والذي تولى كسرها واخراجها عمر بن الخطاب أخرجه أبو داود من حديث جابر (ان
الله يأمركم أن تؤدوا الامانات الى أهلها) سبب نزولها ان العباس سأل النبي
صلى الله عليه وسلم ان يعطيه المفتاح ويجمع له بين السقاية والسدانة فأنزل
الله الآية (فدعى عثمان وشيبة) وللبغوى فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
عليا ان يرد المفتاح الى عثمان ويعتذر اليه ففعل ذلك علي فقال له عثمان
أكرهت وآذيت ثم جئت برفق فقال لقد أنزل الله في شأنك وقرأ عليه الآية فقال
عثمان أشهد أن محمدا رسول الله وأسلم زاد الزمخشري فهبط جبريل فأخبر رسول
الله صلى الله عليه وسلم ان السدانة في أولاد عثمان أبدا انتهى قال القاضي
زكريا ويخالف قوله ان السدانة في أولاد عثمان أبدا قول ابن كثير في تفسيره
ان عثمان دفع المفتاح الى أخيه شيبة فهو في ولده الى اليوم (خذها) يعني
السدانة (خالدة) دائمة (تالدة) بالفوقية بوزن خالدة أى يتعاقبونه ولدا بعد
ولد (لا ينزعها منكم الا ظالم) قال العلماء فيحرم ان ينزعها أحد منهم لانها
ولاية لهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبقى دائمة لهم لا ينازعون
فيها ولا يشاركون ما دام فيهم
(1/409)
نصب فجعل يطعنها بعود ويقول جاء الحق وزهق
الباطل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد روياه. وقام صلى الله عليه وآله
وسلم على باب الكعبة وقال لا إله الا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر
عبده وهزم الاحزاب وحده الا أن اكل مأثرة أو دم أو مال يدّعى فهو تحت قدمي
هاتين الاسدانة البيت وسقاية الحاج يا معشر قريش ان الله قد اذهب عنكم نخوة
الجاهلية وتعظمها بالآبآء الناس من آدم وآدم خلق من تراب ثم تلا يا
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى الآية ثم قال
يا معشر قريش ما ترون انى فاعل بكم قالوا خير أخ كريم وابن أخ كريم قال
اذهبوا فانتم الطلقاء فلذلك سمي مسلمة الفتح الطلقاء وكان فتح مكة لعشر
بقين من رمضان.
[فصل: فى ذكر شيء من الواردات يوم الفتح مما
ذكره البخاري ومسلم]
(فصل) في ذكر شيء من الواردات يوم الفتح مما ذكره أبو عبد الله البخاري
وكثير صالح لذلك (نصب) بضم النون والمهملة واحد الانصاب وهو كل منصوب
للعبادة من دون الله زاد في الشفاء عن ابن عباس مثبتة الأرجل بالرصاص في
الحجارة (يطعنها) بضم العين كما مر (بعود) وفي الشفاء عن ابن عباس جعل يشير
بقضيب في يده اليها ولا يمسها فما أشار الى وجه صنم الا وقع لقفاه ولا الى
قفاه الا وقع لوجهه وفي ذلك معجزة ظاهرة له صلى الله عليه وسلم (ونصر عبده)
محمدا صلى الله عليه وسلم (وهزم الاحزاب) الذين تحزبوا على رسول الله صلى
الله عليه وسلم (وحده) من غير قتال (كل مأثرة) بالهمز وضم المثلثة أي أمر
يستأثر (فهو تحت قدمي) بالتثنية أي باطل لا مطالبة به (الا سقاية الحاج)
بالنصب (وسدانة) بكسر السين (البيت) فانهما باقيان لاهلهما كما مر (يا معشر
قريش) للبغوى يا معشر الناس (نخوة الجاهلية) بفتح النون وسكون المعجمة أي
شرفها وكبرها (وتعظمها) تكبرها (بالآباء) فيقول هذا أبي فلان بن فلان ويقول
هذا كذلك فهذا باطل بحكم الاسلام ولم يرد ابطال النسب وانما أراد ابطال
التشرف به لان التشرف الحقيقي في حكم الاسلام للمتقين (يا أَيُّهَا
النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ) وهو آدم (وأنثي) وهي حوى نزلت
هذه في ثابت بن قيس قال لرجل لم يتفسح له يا ابن فلانة فقال له النبي صلى
الله عليه وسلم أنظر في وجوه القوم فنظر فقال ما رأيت قال رأيت أبيض وأحمر
واسود قال فانك لا تفضلهم الا بالدين والتقوى وقيل بل في جماعة من قريش
قالوا أيوم الفتح وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالا ان يؤذن اما وجد
محمد غير هذا الغراب الاسود مؤذنا (يا معشر قريش) للبغوي يا أهل مكة (ما)
ذا (ترون) بضم الفوقية أى تظنون (فأنتم الطلقاء) بضم المهملة وفتح اللام
والمد جمع طليق وهو الذى أطلق الأسر عنه أساره (سمى) مبني للمفعول (مسلمة
الفتح) بالرفع (الطلقاء) بالنصب زاد البغوي بعد ذلك ثم اجتمع الناس للبيعة
فجلس اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا وعمر أسفل منه يأخذ على
الناس فبايعوه على السمع والطاعة فيما استطاعوا ثم بايع النساء* ذكر شئ من
الواردات يوم الفتح (وكثير
(1/410)
منها في مسلم.
[من ذلك خبر أم هانيء وقد اجارت ابن هبيرة
فاجاز صلى الله عليه وسلم جوارها]
من ذلك ما روى عن أم هانئ قالت ذهبت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام
الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره فسلمت عليه فقال من هذه قلت انا ام
هانيء ابنة أبي طالب فقال مرحبا يا أم هانيء فلما فرغ من غسله قام فصلى
ثماني ركعات ملتحفا في ثوب واحد قالت فقلت يا رسول الله زعم ابن أمى علىّ
انه قاتل رجلا قد أجرته فلان ابن هبيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
قد اجرنا من اجرت يا أم هانئ قالت وذلك ضحى. وعن انس ان منها في) صحيح
(مسلم) وغيره من كتب السنن (عن أم هانئ) بالهمز اسمها فاختة وقيل هند وكنيت
بابن لها يسمى هانئا (وفاطمة) ابنته (تستره) قال النووى فيه جواز الاغتسال
بحضرة امرأة من محارمه اذا كان مستور العورة عنها وجواز سترها اياه بثوب
ونحوه (فقال من هذه) فيه كما قال النووي انه لا بأس بالكلام حال الاغتسال
والوضوء لا بالسلام عليه بخلاف البائل (أنا أم هانيء) فيه ان المستأذن اذا
سأله المستأذن عليه يقول فلان باسمه ولا يقول أنا ونحوه فقد ورد النهي عنه
وفيه انه لا بأس ان يكنى الشخص نفسه اذا اشتهر بالكنية على سبيل التعريف
(قال مرحبا) فيه استحباب قول مرحبا ونحوه من الفاظ الاكرام والملاطفة
ومعناها صادفت رحبا وسعة (فصلى ثماني ركعات) فيه ان أكثر الضحى ثماني ركعات
كما قاله جمهور العلماء من أصحابنا وغيرهم (في ثوب واحد) فيه جواز الصلاة
في الثوب الواحد وان وجد غيره (زعم) قال النووي معناه هنا ذكر أمرا لا
أعتقد موافقته فيه (ابن أمي) وللحموى في صحيح البخاري ابن أبي وكلاهما صحيح
لانه شقيقها (انه قاتل) بالتنوين (رجلا قد أجرته) قال النووي جاء في غير
مسلم أى وغير البخارى فرآني رجلان من أحمائي (فلان ابن هبيرة) بالنصب على
البدل والرفع على الخبر قال النووي هو الحارث بن هشام المخزومي وقيل عبد
الله بن أبي ربيعة وقال الازرقي الاحارث يومئذ رجلين الحارث بن هشام وعبد
الله بن أبي ربيعة وقال الزبير بن بكار هو الحارث بن هشام وقال ابن هشام هو
الحارث أو زهير بن أبى أمية ففي الرواية على هذا حذف أو تحريف كما قاله
الحافظ ابن حجر العسقلاني أى فلان ابن عم هبيرة أو قريب هبيرة لان من سمى
الازرقي والزبير بن بكار وابن هشام كل منهم ابن عم هبيرة لأنه مخزومي وما
قيل انه جعد بن هبيرة تعقب كما في التوشيح بانه ان كان ابن هبيرة من أم
هانئ لم يتجه ذلك لصغر سنه والحكم باسلامه فكيف يقتله علي أو يحتاج الى
اجارة ولا يعرف لهبيرة ولد من غير أم هانئ (أجرنا من أجرت) استدل به جمهور
من العلماء من أصحابنا وغيرهم على جواز أمان المرأة وتقدير الحديث حكم
الشرع صحة جواز من أجرت وقال بعضهم لا حجة فيه لاحتماله ابتداء الامان
(قالت وذلك ضحى) قال عياض لا دلالة فيه على ان هذه صلاة الضحى لانها أخرت
عن وقت صلاته لا عن نيتها فلعلها كانت صلاة شكر لله على الفتح وما قاله
فاسد قال النووي فقد روى أبو داود في سننه بسند صحيح عن أم هانئ ان النبى
صلى الله عليه وسلم يوم الفتح صلى صبحة الضحى ثماني ركعات يسلم من كل
ركعتين (و) روى مالك والشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي (عن أنس) هو ابن
مالك
(1/411)
النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم
الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه جاء رجل فقال ابن خطل متعلق باستار
الكعبة فقال اقتله
[ومن ذلك قضاء رسول الله لابن من وليدة زمعة
بان الولد للفراش]
وعن عائشة رضي الله عنها قالت كان عتبة بن ابي وقاص عهد الى اخيه سعد بن
ابي وقاص أن ابن وليدة زمعة مني فاقبضه اليك قالت فلما كان عام الفتح أخذه
سعد بن أبي وقاص وقال ابن اخى قد عهد الي فيه فقام عبد الله بن زمعة فقال
اخي وابن وليدة ابى وليد على فراشه فتساوقا الى رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال سعد يا رسول الله ابن أخي كان قد عهد الى فيه فقال عبد بن زمعة
أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه فقال النبي صلى الله (المغفر) بكسر الميم
وسكون المعجمة وفتح الفاء زاد الدار قطنى وكان من حديد وفي رواية في السير
انه كان يومئذ معتما بعمامة سوداء (ابن خطل) بالمعجمة فالمهملة مفتوحتين
اسمه عبد الله كما مر وقيل عبد العزى (فقال أقتله) زاد ابن حبان فقيل والذي
قتله سعيد بن زيد رواه الحاكم أو سعد بن أبي وقاص رواه البزار أو الزبير بن
العوام رواه الدار قطنى أو سعيد بن حريث رواه ابن مندة وابن أبى شيبة
والبيهقى في الدلائل ورواه أبو نعيم أيضا لكن صحفه فقال ابن ذؤيب أو أبو
برزة الاسلمي رواه أبو سعد النيسابوري أو عمار بن ياسر رواه الحاكم قال ابن
حجر ويجمع بأنهم كلهم ابتدروا الى قتله والذي باشر قتله منهم هو سعيد بن
حريث قال وقال البلاذري ان الذى باشر قتله أبو برزة الاسلمي وفي تفسير
البغوي ان سعيد بن حريث وأبا برزة الاسلمي اشتركا في دمه قال في التوشيح
وفي أخبار مكة لعمرو بن شيبة بسند جيد عن السائب بن مزيد قال رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم استخرج من تحت أستار الكعبة عبد الله بن خطل فضرب
عنقه ضحا بين زمزم ومقام ابراهيم (وعن عائشة) كما روى الشيخان وأبو داود
والنسائى وابن ماجه وعن أبي هريرة كما رواه أحمد والشيخان والترمذي
والنسائى وابن ماجه وعن عثمان كما رواه أبو داود وعن ابن مسعود وابن الزبير
كما رواه النسائى وعن عمرو بن أبى ايامة كما رواه ابن ماجه (عتبة بن أبي
وقاص) هو الذي كسر رباعيته صلى الله عليه وسلم يوم أحد (ابن وليدة) أي
جارية (زمعة) بفتح الزاى وسكون الميم ومهملة (منى) واسم الوليد عبد الرحمن
سماه ابن عبد البر وغيره قال عياض كانت عادة الجاهلية الحاق النسب بالزنا
وكانوا يستأجرون الاماء للزنا فمن اعترفت الام انه له الحقوه به فجاء
الاسلام بابطال ذلك والحاق الولد بالفراش الشرعي لما تخاصم عبد بن زمعة
وسعد بن أبى وقاص وقام سعد بما عهد اليه أخوه عتبة من سنن الجاهلية ولم
يعلم سعد بطلان ذلك في الاسلام ولم يحصل الحاقه في الجاهلية اما لعدم
الدعوى واما لكون الام لم تعترف به لعتبة واحتج عبد بن زمعة بانه ولد على
فراش أبيه فحكم له به النبى صلى الله عليه وسلم (فأقبضه) بكسر الموحدة
(فلما كان عام الفتح) بالرفع والنصب (عهد الى فيه) أي أوصاني به (عبد بن)
بابدال ابن من عبد (أخي وابن وليدة أبي) فيه حجة لمن قال بجواز استلحاق
الوارث الجائر أو كل الورثة بشرطه خلافا لمالك وموافقيه (فتساوقا) بالمهملة
والقاف أى سارا بسرعة
(1/412)
عليه وسلم هو لك يا عبد زمعة ثم قال النبي
صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر ثم قال لسودة بنت زمعة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم احتجبي منه لما رأى من شبهه بعتبة فما رآها حتى
لقى الله عز وجل.
[ومن ذلك خبر المخزومية التي سرقت وإقامة الحد
عليها]
وعن عائشة ان قريشا اهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت في غزوة الفتح
فقالوا من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا ومن يجتريء عليه
الا اسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه اسامة فقال رسول
الله صلى (هو لك يا عبد بن زمعة) بنصب ابن وفي عبد النصب والرفع كنظائره
وقال النووي كان فراش زمعة ثابتا اما باقراره في حال حياته واما بعلم النبي
صلى الله عليه وسلم ذلك (الولد للفراش) معناه اذا كان للرجل زوجة أو أمة قد
صارت فراشا له وأتت بولد يمكن كونه منه لحقه وجري بينهما التوارث وغيره من
الاحكام سواء كان موافقا له في الشبه أم مخالفا خلافا لابي حنيفة في عدم
اشتراط الامكان ولا تصير الأمة فراشا الا بالوطيء وقال أبو حنيفة لا تصير
فراشا الا اذا ولدت ولدا واستلحقه (وللعاهر) وهو الزاني يقال عهر أى زنا
وعهرت أى زنت والعهر بفتح المهملة وسكون الهاء الزنا (الحجر) بفتحتين أي
الخيبة ولا حق له في الولد وعادة العرب تقول له الحجر وهو التراب ونحو ذلك
أى له الخيبة وضعف النووي وغيره قول من قال المراد بالحجر الرجم لانه ليس
كل زان يرجم ولانه لا يلزم من رجمه نفى الولد عنه (احتجبى منه) أمرها
بالاحتجاب ندبا واحتياطا وورعا (لما رأى) بكسر اللام وتخفيف الميم (من شبهه
بعتبة) قال النووي فيه دليل على ان الشبه وحكم القافة انما يعتمد اذا لم
يكن أقوى منه كالفراش وجاء مثل ذلك في قصة المتلاعنيين قال واحتج أبو حنيفة
والاوزاعي والثوري وأحمد بهذا الحديث على ان الوطيء بالزنا له حكم الوطئ
بالنكاح في حرمة المصاهرة ووجه احتجاجهم أمر سودة بالاحتجاب قال النووي
وهذا احتجاج باطل وعجب من ذكره لأن هذا على تقدير كونه من الزنا فهو أجنبي
من سودة لا يحل الظهور له سواء الحق بالزاني أم لا فلا تعلق لها بالمسئلة
المذكورة وفي هذا الحديث ان حكم الحاكم لا يحل الأمر في الباطن لانه صلى
الله عليه وسلم حكم انه أخو سودة واحتمل بسبب التشبه ان يكون من عتبة فلو
كان الحكم يحل الباطن لما أمرها بالاحتجاب قاله النووى (وعن عائشة) كما
رواه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي (المرأة المخزومية) اسمها فاطمة
بنت الاسود (سرقت) بفتح الراء (حب رسول الله صلى الله عليه وسلم) بكسر
الحاء أى محبوبه (فكلم أسامة) زاد مسلم في رواية فتلوّن وجه رسول الله صلى
الله عليه وسلم وفي رواية لمسلم انها عادت بأم سلمة (أشفع في حد من حدود
الله) استفهام انكار وتعظيم لما فعل زاد مسلم فقال أسامة استغفر لي يا رسول
الله ففيه حرمة الشفاعة في حدود الله تعالى بعد بلوغها الى الامام وهو
اجماع ويجوز قبل بلوغها الى الامام اذا لم يكن المشفوع له صاحب شر واذاء
للناس عند أكبر العلماء واما التعزيرات فيجوز الشفاعة
(1/413)
الله عليه وآله وسلم أتشفع في حد من حدود
الله ثم قام فخطب ثم قال انما أهلك الذين من قبلكم انهم كانوا اذا سرق فيهم
الشريف تركوه واذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو ان فاطمة
بنت محمد سرقت لقطعت يدها.
[ومن ذلك حرمة مكة وان دخلوها عنوة يوم الفتح
كان خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم]
وعن أبى شريح الخزاعي الكعبي انه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث الى
مكة ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولا قام به رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم الغد من يوم الفتح سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناى حين تكلم به
انه حمد الله وأثنى عليه ثم قال ان مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس فلا
يحل لامريء يؤمن بالله واليوم الآخر ان يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرة فان
أحد ترخص لقتال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقولوا له ان الله أذن
لرسوله ولم يأذن لكم وانما أذن لي ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم
كحرمتها بالأمس وليبلغ الشاهد الغائب خرجاه متفقين على لفظه وانما قال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا القول حين قتلت خزاعة رجلا من هذيل بمكة
ثانى يوم الفتح فوداه النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ومما سبق به من الشعر
قبل الفتح قول حسان ردا على أبي سفيان بن الحارث:
الا أبلغ أبا سفيان عني ... فانت مجوف نجب هواء
مطلقا بل يستحب اذا لم يكن المشفوع فيه صاحب اذاء ونحوه (ثم قام) زاد مسلم
من العشى (الذين قبلكم) يعنى بني اسرائيل (وأيم الله) فيه جواز الحلف من
غير استحلاف بل ندبه اذا كان فيه تفخيم أمر مطلوب كما مر وللعلماء خلاف
الحلف بأيم ومذهبنا انه كناية وتتمة الحديث ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت
فقطعت يدها فقال يونس قال ابن شهاب قال عروة قالت عائشة فحسنت توبتها بعد
وتزوجت وكانت تأتي بعد ذلك فارفع حاجتها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم
(تنبيه) ما جاء في رواية لمسلم عن عائشة وفي سنن أبي داود والنسائى عن ابن
عمر ان امرأة مخزومية كانت تستعير المناع زاد النسائي عن ألسنة جاراتها
وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها المراد كما نقله النووي عن
العلماء انها قطعت بالسرقة وذكر العارية للتعريف بوصفها لا ان العارية سبب
القطع وقد صرحوا في سائر الروايات بأنها سرقت وقطعت بسبب السرقة فتعين حمل
هذه الرواية على ذلك جمعا بين الروايات فانها قضية واحدة مع ان جماعة من
الحفاظ قالوا بشذوذ هذه الرواية والشاذ لا يعمل به وأخذ أحمد واسحاق بظاهر
الحديث فأوجبا القطع على من جحد العارية (وعن أبي شريح الى آخره) روى حديثه
الشيخان والترمذي والنسائي ومضى الكلام على حديثه في فضل مكة (قتلت خزاعة)
وهم حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم (رجلا من هذيل) بضم الهاء وفتح
المعجمة كما مر ولمسلم رجلا من بني ليث فقتل منهم
(1/414)
هجوت محمدا فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك
الجزاء
هجوت محمدا برا حنيفا ... رسول الله شيمته الوفاء
أتهجوه ولست له بكفؤ ... فشركما لخير كما الفداء
فان أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمد منكم وفاء
ثكلت بنيتي ان لم تروها ... تثير النقع من كنفى كداء
ينازعن الأعنة مصعدات ... على أكتافها الاسل الظماء
قتلوه* شعر حسان الذي ردبه على أبي سفيان بن الحارث (برا) أى واسع الخير
والنفع وقيل منزها عن المآثم (حنيفا) قيل أي مستقيما والاصح انه المائل الى
الخير وقيل هو المتبع ملة ابراهيم وفي بعض النسخ بدله تقيا (شيمته) بكسر
المعجمة وسكون التحتية وفتح الميم أى خلقه وسجيته (ولست له بكفؤ) أى بمثل
وهو هنا بسكون الفاء مع الهمزة لا غير وقرئ في القرآن بضمها مع الهمز
وتركها وسكونها مع الهمز (فشركما لخيركما الفداء) ان قلت في ظاهر هذا اللفظ
ما يستبشع من حيث ان أفعل الذي للتفضيل تدل على الاشتراك في الوصف فقولك
فلان شر من فلان دال على ان في كل منهما شرا فالجواب ان دلالة أفعل على
الاشتراك في الوصف ليست مطردة عند اللغويين فقد أجاز سيبويه قولك مررت برجل
شر منك اذا نقص عن ان يكون مثلك فبذلك يندفع الاستبشاع لا سيما وهو على حد
قوله صلى الله عليه وسلم في صفوف الرجال وشرها آخرها يريد نقصان حظهم عن حظ
الصف الاول ذكر معنى ذلك السهيلي وغيره (فان أبي ووالده وعرضي) احتج به ابن
قتيبة لمذهبه ان عرض الانسان هو نفسه لا اسلافه لذكره عرضه واسلافه بالعطف
وقال غيره عرض الانسان هي أموره كلها التى يحمد بها ويذم من نفسه واسلافه
وكلما لحقه نقص يعيبه (ان لم تروها) يعنى الخيل كناية عن غير مذكور (تثير)
بضم أوله رباعي أى تهيج (النقع) بفتح النون وسكون القاف أى الغبار (من
كنفى) بفتح النون والفاء أى جانبى (كداء) بفتح الكاف مع المد وهى ثنية على
باب مكة قال النووي وعلى هذه الرواية هذا البيت أقوال مخالف لباقيها أى لان
باقيها مضموم وحق هذا الجر بالاضافة وفي بعض النسخ غايتها وفي بعضها موعدها
وفي بعضها موردها وللبيهقي مطلعها (فائدة) كدى بضم الكاف مع القصر موضع عند
باب الشبيكة بقرب شعب الشاميين من ناحية قعيقعان قال العدوي وبمكة موضع
ثالث يقال له كدى بالضم والتصغير يخرج منه الى جهة اليمن (يبارين) بالموحدة
وكسر الراء قال عياض هذه رواية الأكثرين ومعناها انها لصرامتها وقوة نفوسها
يبارى أعنتها بقوّة جندها لها وهى ومنازعيها لها أيضا كما روى ينازعن
(الاعنة) جمع عنان وروى الاسنة جمع سنان وهو الرمح قال عياض فمعناه يضاهين
قوامها واعتدالها (مصعدات) أى مقبلات اليكم ومتوجهات يقال أصعد في الارض
اذا ذهب فيها مبتدئا ولا يقال للراجع (على أكتافها) بالفوقية (الاسل) بفتح
الهمزة والسين المهملة ولام أى الرماح (الظماء) أى الرقاق فكأنها لعلة
مائها عطاش وقيل المراد العطاش لدماء
(1/415)
تظل جيادنا متمطرات ... يلطمهن بالخمر
النساء
فان أعرضتم عنا اعتمرنا ... وكان الفتح وانكشف الغطاء
والا فاصبروا لضراب يوم ... يعز الله فيه من يشاء
وقال الله قد أرسلت عبدا ... يقول الحق ليس به خفاء
وقال الله قد سيرت جندا ... هم الأنصار عرضتها اللقاء
تلاقى كل يوم من معد ... سباب أو قتال أو هجاء
فنحكم بالقوافي من هجانا ... ونضرب حين تختلط الدماء
فمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء
وجبريل رسول الله فينا ... وروح القدس ليس له كفاء
رواه مسلم الا الثالث والثالث عشر فمن سيرة ابن هشام قال وبلغني عن الزهري
انه قال لما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم النساء يلطمن الخيل
بالخمر تبسم الى أبى بكر رضي الله عنه وقال قد سيرت جندا وفي رواية قد يسرن
جندا ولم تصح الرواية بيسرت*
[الكلام على غزوة حنين وشرح خبر ذلك]
واتصل بالفتح غزوة حنين وكان من خبرها ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم
لما فرغ من الفتح أخبر ان هوازن أقبلت لحربه وكان الذي جمعها عوف بن مالك
النصري فاجتمع اليه الاعداء وروى الاسد الطماء بالمهملة أي الشجعان العطاش
الى دمائكم (تظل جيادنا) أى خيولنا (متمطرات) بالمهملة أى مسرعات يسبق
بعضها بعضا يقال جاءت الخيل متمطرة اذا جاءت كذلك (يلطمهن) بالمهملة أي
يمسحهن ليزلن عنهن الغبار لعزتها وكرامتها عندهم (بالخمر) بضم المعجمة
والميم جمع خمار هذا هو المعروف وهو أبلغ في اكرامها وحكى عياض انه روى
بالخمر بفتح الميم جمع خمرة قال النووي وهو صحيح المعنى (وقال الله قد سيرت
جندا) من السير هذه رواية ابن هشام ورواه مسلم بشرت من التبشير وهو التهنئة
والارصاد (عرضتها) بضم المهملة أى مطلوبها ومقصودها وهمتها (اللقاء) أي
لقاء العدو للحرب (فنحكم) بضم أوله رباعي أى ترد وتدفع مشتق من حكمة الدابة
ومعناه يقتحم ويحرس من هجانا (بالقوافي) جمع قافية (ليس له كفاء) بكسر
الكاف أي مماثل ولا مقاوم (رواه مسلم) عن عائشة قالت قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم هجاهم حسان فشفي واشتفى وقال حسان فذكره (الا الثالث)
بالنصب (قال) يعنى ابن هشام* تاريخ غزوة حنين (حنين) بالتصغير والصرف واد
الى جنب ذي المجاز قريب من الطائف بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا من جهة
عرفات قال البكري سمى باسم حنين بن ثابت بن مهلائيل وقد تقدم انه قال في
خيبر مثل هذا والله أعلم (ابن مالك النصري) بفتح النون وسكون المهملة وكان
عوف يومئذ على هوازن
(1/416)
ثقيف ونصر وجشم وسعد بن بكر وقليل من بني
هلال ولم يشهدها أحد من قيس عيلان الا هؤلاء وجملتهم أربعة آلاف وساروا
ومعهم دريد بن الصمة الجشمى متيمنين برأيه ومعرفته بالحرب وكان قد قارع
الخطوب وأبلي في الحروب وله مائة وستون أو مائة وعشرون سنة كان أشار بتمنيع
الذراري والأموال ولقاء الرجال بالرجال وقال ان المنهزم لا يرده شيء فأبى
عوف الا المسير بهم فقال دريد هذا يوم لم أشهده ولم يفتني وأنشد:
يا ليتني فيها جذع ... أخب فيها واضع
ولما أجمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسير اليهم أرسل الى صفوان
بن أمية ابن خلف يستعير منه السلاح وكان صفوان بن أمية حينئذ مشركا فقال
أغصبا يا محمد قال بل عارية مضمونة قال ليس بهذا بأس فأعطاه مائة درع بما
يكفيها من السلاح ثم خرج صلى الله عليه وآله وسلم بجيش الفتح وألفين من
الطلقاء واستخلف على مكة عتاب بن أسيد (ثقيف ونصر) مصروفان (وجشم) بالجيم
والمعجمة بوزن عمر غير مصروف وجشم حى من ثقيف قال البغوي وكان على ثقيف
كنانة بن عبد ياليل الثقفى (قيس عيلان) بفتح المهملة وسكون التحتية (دريد)
بالتصغير (ابن الصمة) بكسر المهملة وتشديد الميم ابن بكر بن علقمة بن خزاعة
بن عدن بن جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن يكنى أبا قرة قاله السهيلى
(متيمنين) بزعمهم أي متبركين (قارع) بالقاف (الخطوب) جمع خطب وهو الأمر
العظيم (مائة وستون) كما روى أبو صالح عن الليث (أو مائة وعشرون سنة) كما
روي عن ابن اسحاق (الا المسير بهم) بالنصب (لم أشهده) أي لعدم سماع رأيه
فيه كأنه لم يشهده (ولم يفتني) أي لحضوره فيه بنفسه (يا ليتني فيها) أى في
هذه الحرب (جذع) بسكون العين للزجر وأصل الجذع للدواب ثم استعير للشاب
القوي وتمنى كونه جذعا ليبالغ في الحرب ويمعن فيها (أخب) الخب ضرب من السير
يكون مع الاسراع ومقاربة الخطا (وأضع) بالضاد المعجمة والعين المهملة أي
أسرع (أرسل الى صفوان بن أمية) كما روى أبو داود عنه قال استعار مني رسول
الله صلى الله عليه وسلم درعا يوم حنين فقلت أغصبا يا محمد قال لا بل عارية
مضمونة قال أهل السير وكان صفوان يوم الفتح هرب الى جدة ليركب منها البحر
الى اليمن فاستأمن له عمير بن وهب الجمحي رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأمنه.
فأعطاه عمامته التي دخل بها مكة فخرج ولحقه وجاء به رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال اجعلني في أمري بالخيار شهرين قال أنت فيه بالخيار أربعة
أشهر (عارية مضمونة) هذا أصل في ضمان العارية (بجيش الفتح) أى وهم عشرة
آلاف (وألفين من الطلقاء) وكان جملتهم اثني عشر الفا وقال عطاء ستة عشر
الفا وقال الكلبي كانوا عشرة آلاف وكانوا يومئذ أكثر ما كانوا قط (عتاب)
بفتح المهملة وتشديد الفوقية (ابن أسيد) بفتح الهمزة وكسر المهملة بن أبي
العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1/417)
الاموي فكانت مدة اقامته بمكة بعد الفتح
الى ان خرج لحنين خمسة عشر أو سبعة عشر أو ثمانية عشر أو تسعة عشر يوما
يقصر الصلاة لذلك. قال أصحابنا ان المسافر اذا دخل بلدا ونوى الخروج منها
في كل وقت قصر الى ثمانية عشر يوما ثم يتم وقال بعضهم يقصر أبدا مادام على
هذه النية وتعليله متجه لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقفت حاجته على
هذه المدة والظاهر أنه لو زادت حاجته لبقى على ترخصه يؤيده أيضا ما روى أبو
داود وصححه ابن حبان عن جابر ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقام بتبوك
عشرين يوما يقصر الصلاة ويروى أن ابن عمر أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر
الصلاة ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الى حنين وهو واد بين
مكة والطائف وكان المشركون قد سبقوا اليه فكمنوا في أحنائه وشعابه فلما
تصوب المسلمون اليه في عماية الصبح شدوا عليهم شدة رجل واحد فاشتمر
المسلمون راجعين لا يلوى أحد على أحد وكان رجل من المسلمين قد قال حين رأى
رأي في المنام أسيدا أباه واليا على مكة مسلما فمات كافرا وكانت الرؤيا
لولده عتاب حين أسلم فولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن احدى
وعشرين سنة ورزقه كل يوم درهما وكان يقول لا أشبع الله بطنا جاع على درهم
في كل يوم حكاه السيهلي عن أهل التعبير (الأموي) بضم الهمزة نسبة الى أمية
على غير قياس (خمسة عشر) كما رواه أبو داود وابن ماجه والنسائي عن ابن عباس
(أو سبعة عشر) كما في رواية أخرى لابي داود (أو ثمانية عشر) وقيل الى تسعة
عشر يوما واختاره ابن الصلاح والسبكي وغيرهما لقول البيهقي انها أصح
الروايات وقيل لا يعارض بل من روي ثمانية عشر أسقط يومي الدخول والخروج ومن
روى تسعة عشر أسقط أحدهما وقدموا هاتين الروايتين على رواية سبعة عشر وخمسة
عشر لأنهما أرجح وقيل لا يترخص الا أربعة لان الترخص اذا امتنع عليه بنية
إقامتها فباقامتها أولى وحكاه في الشرح والروضة قولا (وقال بعضهم يقصر
أبدا) وحكى الترمذي الاجماع عليه (أقام بتبوك عشرين يوما) هي على الاول
محمولة على انه عد يومي الدخول والخروج (باذربيجان) بفتح الهمزة بغير مد
وسكون الذال المعجمة وفتح الراء وكسر الموحدة وسكون التحتية بعدها جيم فألف
فنون على الأشهر وقيل بمد الهمزة وفتح المعجمة والراء وكسر الموحدة وفتحها
هو اقليم معروف وراء العراق غربي ارمينية (فكمنوا في أحيائه) بالمهملة
والتحتية أي معاطفه (في عماية الصبح) بفتح المهملة أي ظلمة الصبح الباقية
من ظلمة الليل (شدوا) يعني الكفار (عليهم) أى على المسلمين قال البغوى ما
معناه كان المشركون قد انهزموا وخلوا عن الذراري ثم نادوا يا حماة السوء
اذكروا الفضائح فتراجعوا (فاشتمر المسلمون) بالمعجمة أي رجعوا منهزمين قال
البغوي وقال قتادة ذكر لنا ان الطلقاء انجفلوا يومئذ بالناس فلما انجفل
القوم هربوا (وكان رجل من المسلمين)
(1/418)
تكاثر الجيش لن نغلب اليوم عن قلة فلم يرض
الله قوله ووكلوا الى كلمته وولوا مدبرين هذا معنى ما ذكر ابن اسحق وفي
صحيح البخاري عن البراء بن عازب وقد سأله رجل من قيس أفررتم عن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم يوم حنين فقال لكن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم لم يفر كان في هوازن رماة وانا لما حملنا عليهم انكشفوا فأكببنا على
الغنائم فاستقبلونا بالسهام ولقد رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم على
بغلته البيضاء وان أبا سفيان بن الحارث آخذ بزمامها وهو يقول- أنا النبي لا
كذب- وفي رواية- أنا ابن عبد المطلب- وفي اسمه سلمة بن سلامة بن وقش (لن
نغلب اليوم من قلة) قال التفتازاني هو نفى للقلة واعجاب بالكثرة يعني ان
وقع مغلوبية فليس عن القلة كما قال صلى الله عليه وسلم لن تغلب اثنا عشر
الفا من قلة رواه أبو داود والترمذي والحاكم عن ابن عباس وقد توهم بعضهم من
هذا الحديث ان القائل يوم حنين لن نغلب اليوم عن قلة هو رسول الله صلى الله
عليه وسلم وحاشا فان هذا الحديث خرج مخرج الخبر على العموم أفكل جيش يبلغ
اثنى عشر ألفا لا يغلب عن قلة وهو طرف من حديث أوله خير الصحابة أربعة وخير
السرايا أربعمائة وخير الجيوش أربعة آلاف ولن يغلب اثنا عشر ألفا عن قلة
وسبب التوهم أنهم كانوا يوم حنين اثني عشر ألفا فظن انه صلى الله عليه وسلم
قالها لخصوص ذلك الجيش وليس كذلك والقرآن العظيم يدل على ان قائل تلك
المقالة كان معجبا بالكثرة وهو المواجه بالخطاب في أَعْجَبَتْكُمْ
كَثْرَتُكُمْ الى آخر الآية ثم قال ثم انزل الله سكينه على رسوله ولو كان
الخطاب في الآية الاولى موجها اليه صلى الله عليه وسلم لقال ثم أنزل الله
سكينته عليكم بل ولو كان الخطاب كذلك لما لزم منه انه صلى الله عليه وسلم
قالها يومئذ والله أعلم (وفي صحيح البخاري عن البراء بن عازب) ورواه عنه
أيضا مسلم والترمذي (لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر) وللترمذي
أشهد على نبي الله صلى الله عليه وسلم انه ما ولى (فاستقبلونا بالسهام)
ولمسلم فرموهم برشق من نبل كأنها رجل من جراد (على بغلته البيضاء) قال
النووي هي التي تسمى الدلدل ولا يعرف له صلي الله عليه وسلم بغلة سواها
انتهى وسيأتي الكلام على ذكر البغال في محله ان شاء الله تعالى (أنا النبي
لا كذب) أي حقالا أفر ولا أزول فيه جواز قول ذلك في الحرب ومثله قول سلمة-
انا ابن الاكوع- وفيه ان الكلام الموزون بلا قصد لا يسمى شعرا بدليل وما
علمناه الشعر وما ينبغي له مع تلفظه صلى الله عليه وسلم بذلك وقد وقع في
القرآن كثير من ذلك نحو لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون.
والله يهدى من يشاء الى صراط مستقيم وجفان كالجوايى وقدور را أسيات (انا
ابن عبد المطلب) هو على عادة العرب في الانتساب الى الجد اذا كان أشهر من
الاب وقيل لان عبد المطلب كان قد سر به صلى الله عليه وسلم وبظهوره فأراد
صلى الله عليه وسلم أن يذكرهم بذلك زاد الترمذى اللهم انزل نصرك ثم صفهم
وزاد الطبراني عن أبي سعيد بعد قوله انا ابن عبد المطلب أنا أعرب العرب
ولدتني قريش ونشأت في بني سعد
(1/419)
رواية فما رئي في الناس يومئذ أشد منه.
وروينا في صحيح مسلم عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال شهدت مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث
رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نفارقه ورسول الله صلى الله عليه وسلم
على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي فلما التقى المسلمون
والكفار ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته
قبل الكفار وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكفها ارادة
أن لا تسرع وأبو سفيان آخذ بركابه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أي
عباس ناد أصحاب السمرة وكان العباس رجلا صيتا فقلت بأعلى صوتي أين أصحاب
السمرة فاني يأتيني اللحن (فما رئى في الناس يومئذ أشد) بالرفع (منه) ففيه
دليل على قوة شجاعته صلى الله عليه وسلم وثبات جأشه وقوة ثقته بربه سبحانه
وفي رواية في الصحيح قال البراء كنا اذا احمر البأس نتقي به وان الشجاع منا
للذي يحاذى به (فلزمت أنا وأبو سفيان) المغيرة (بن الحارث) بن عبد المطلب
(رسول الله صلى الله عليه وسلم) مفعول (فلم نفارقه) قال النووي في هذا عطف
الاقارب بعضهم على بعض عند الشدائد وذب بعضهم عن بعض (فروة) بفتح الفاء
وسكون الراء (ابن نفاثة) بضم النون وتخفيف الفاء وبعد الالف مثلثة هذا هو
الصحيح المعروف وفي رواية لمسلم بن نعامه بالعين والميم. قال الطبري أسلم
وقال غيره لم يسلم وفي صحيح البخاري أهداها له ملك ايلة يحنه بن رؤية وانما
قبل هدية الكفار هنا مع قوله في حديث آخر هدايا العمال غلول رواه أحمد
والبيهقي في السنن عن أبي حميد الساعدى وأبو يعلي عن حذيفة مع رده بعض
هدايا المشركين وقوله انا لا نقبل شيأ من المشركين رواه أحمد والحاكم عن
حكيم بن حزام لاختصاصه صلى الله عليه وسلم بالفئ بخلاف غيره فقبل صلى الله
عليه وسلم ممن طمع في اسلامه لمصلحة يرجوها للمسلمين لان الهدية توجب
المحبة والمودة وأما غيره صلى الله عليه وسلم من العمال والولاة فلا يحل له
قبولها لنفسه والا كانت فيئا للمسلمين عند جمهور العلماء لانه لم يهدها
اليه الا لكونه امامهم وان كانت من قوم هو محاصرهم فغنيمة (فطفق) بكسر
الفاء أشهر من فتحها (يركض بغلته) في هذا كما قال النووي دليل أيضا على قوة
شجاعته وثباته حيث يركض بغلته الى جمع المشركين وقد فر الناس عنه وفي رواية
أخرى في صحيح مسلم انه نزل الى الارض حين غشوه للمبالغة في الثبات والشجاعة
والصبر أو ليواسي من كان نازلا على الارض من المسلمين (وأنا آخذ) بضم
المعجمة بلا تنوين فعل مضارع وبكسرها مع التنوين اسم فاعل (ناد أصحاب
السمره) هى الشجرة التى بايعوا تحتها بيعة الرضوان وأراد صلى الله عليه
وسلم ان يذكرهم ما بايعوا عليه يومئذ لانهم بايعوا يومئذ على أن لا يفروا
(وكان العباس رجلا صيتا) أي شديد الصوت بحيث انه كان يقف على سلع فينادى
غلمانه في آخر الليل وهم في الغابة فيسمعهم وبين سلع وبين الغابة ثمانية
أميال ذكر ذلك الحازمي في المؤتلف (اين أصحاب السمره) زاد البيضاوي
(1/420)
قال فو الله لكأن عطفتهم على حين سمعوا
صوتي عطفة البقر على أولادها فقالوا يا لبيك يا لبيك فاقتتلوا والكفار
والدعوة في الأنصار يقولون يا معشر الأنصار ثم قصرت الدعوة على بنى الحارث
بن الخزرج فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول
عليها الى قتالهم فقال هذا حين حمي الوطيس ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه
وسلم حصيات فرمى بهنّ في وجوه الكفار ثم قال انهزموا ورب محمد قال فو الله
ما هو الا أن رماهم بحصياته فما زلت أري حدهم كليلا وأمرهم مدبرا* وروي أن
العباس لما ناداهم جعل الرجل منهم يثني بعيره فلم يقدر عليه فيقتحم عنه
ويؤم الصوت حتى اجتمع منهم مائة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل ألف
فاستعرضوا الناس وساروا قدما حتى فتح الله عليهم وكانت الهزيمة ونزل في ذلك
قوله تعالى وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ
تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ
ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ
وغيره اين أصحاب سورة البقرة أراد المذكورين في قوله آمَنَ الرَّسُولُ قاله
الطيبي (لكان عطفتهم على حين سمعوا صوتي) فيه دليل على عدم بعد فرارهم وعدم
حصوله من جميعهم بل من الطلقاء ونحوهم ممن لم يستقر الايمان في قلبه (عطفة
البقر) بالضم خبر كان المشددة (فاقتتلوا والكفار) بالنصب مفعول معه لا غير
(والدعوة) بفتح الدال أي الاستغاثة والمناداة (في الانصار) أي اليهم (ثم
قصرت) بفتح القاف وضم المهملة (هذا حين حمى الوطيس) بفتح الواو وكسر
المهملة وسكون التحتية آخره سين مهملة وهو التنور أو شبهه فيه قولان يضرب
مثلا لشدة الحرب الذى يشبه حرها حره وقال الاصمعي هى حجارة مدورة اذا حميت
لم يقدر أحد يطأ عليها وقيل هو الضراب في الحرب وقيل هو الوطس الذي يطس
الناس أي يدقهم قال العلماء هذه اللفظة من فصيح الكلام وبديعه الذى لم يسمع
من أحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم (ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم
حصيات) في رواية أخرى لمسلم فقبض قبضة من تراب الارض ثم استقبل بها وجوههم
(انهزموا ورب محمد) في الرواية الأخرى فيه شاهت الوجوه أي قبحت ففي كلا
الحديثين كما قال النووى معجزتان ظاهرتان احداهما فعلية والاخرى خبرية ثم
الجمع بينهما انه أخذ قبضة من حصى وقبضة من تراب فرمى بذامرة وبذامرة أو
أخذ قبضة واحدة مخلوطة من حصى وتراب (فما زلت أرى حدهم كليلا) بفتح الحاء
أى ما زلت أرى قوتهم ضعيفة (وروى ان العباس الى آخره) رواه ابن اسحق في
سيرته وغيره (يثنى بعيره) يلويه وزنا ومعنى (فيقتحم عنه) أى يزل (ويؤم
الصوت) أي يقصده (قدما) بضم القاف أي يقدم بعضهم بعضا وهذا وصف الشجعان
(وكانت الهزيمة) تامة لا تحتاج الى خبر (ويوم حنين) أي ونصركم يوم حنين
لانه معطوف على قوله لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ
وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ اشارة الى قول من قال
لن نغلب اليوم عن قلة (فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً) لأن الظفر لا يكون
بالكثرة وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ أي برحبتها وسعتها
ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ منهزمين
(1/421)
ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى
رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها
وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ قال سعيد بن
جبير أمده الله يومئذ بخمسة آلاف من الملائكة مسومين. قيل لم تقاتل
الملائكة يومئذ وانما نزلت لتجبين الكفار وتشجيع المسلمين* وروى انه لما
انهزم المسلمون شمت كثير من الطلقاء وانجفلوا بالناس وقال كلدة بن حنبل
الآن بطل السحر فقال له أخوه صفوان بن أمية اسكت فض الله فاك فو الله لأن
يربنى رجل من قريش احب الي من أن يربني رجل من هوازن. قال الزهري وبلغنى ان
شيبة ابن عثمان يعنى الحجبي فال استدبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
حنين وأنا أريد قتله بطلحة بن طلحة وعثمان ابن طلحة وكانا قد قتلا يوم أحد
فأطلع الله رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما في نفسي فالتفت الي وضرب
في صدري وقال أعيذك بالله يا شيبة فأرعدت فرائصى فنظرت اليه فاذا هو أحب
الىّ من سمعي وبصري فقلت أشهد أنك رسول الله وبأن الله قد أطلعك على ما في
(ثم) بعد الهزيمة (أنزل الله سكينته) هى فعيلة من السكون أي أمنته
وطمأنينته (على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل) من السماء (جنودا لم تروها)
يعني الملائكة قال البغوى قيل لا للقتال ولكن لتجبين الكفار وتشجيع
المسلمين لانه يروي ان الملائكة لم تقاتل الا يوم بدر انتهى ومر الكلام في
ذلك في غزوة أحد (وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالقتل والاسر وسبي العيال
وسلب الاموال (وَذلِكَ) التعذيب (جَزاءُ الْكافِرِينَ) بالله ورسوله (ثُمَّ
يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ) فيهديه للاسلام
(وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قال سعيد بن جبير) كما نقله البغوى في التفسير
(مسومين) بفتح الواو وكسرها كما مر في غزوة بدر قال البغوي وفي الخبران
رجلا من بنى النصر قال للمؤمنين بعد القتال اين الخيل البلق والرجال عليهم
ثياب بيض ما كنا نراكم فيهم الا كهيئة الشامة وما كان قتلنا الا بأيديهم
فأخبروا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تلك الملائكة (لتحبين
الكفار) أى نخذيلهم (وتشجيع المسلمين) أي تجرئتهم (وروي) في كتب السير
(شمت) بفتح المعجمة وكسر الميم والشماتة فرح العدو بمصيبة ضده (انجفلوا
بالناس) بهمز وصل وسكون النون وفتح الجيم والفاء أى هربوا بسرعة (كلدة)
بفتح الكاف واللام والمهملة (ابن حنبل) بفتح المهملة والموحدة وسكون النون
بينهما (فقال له أخوه) من أمه (فض الله فاك) أى كسر أسنانك (لان يربني) بضم
الراء وتشديد الموحدة أى يتولى على (قال الزهري وبلغني ان شيبة بن عثمان
الى آخره) أخرجه أبو بكر أحمد بن أبى خيثمة في تاريخه من حديث شيبة (فالتفت
الى) فيه معجزة ظاهرة له صلى الله عليه وسلم حيث اطلع على ما في نفسه وفي
حديث ابن أبي خيثمة قال فلما هممت به حال بيني وبينه خندق من نار وسور من
حديد فالتفت الى آخره (فارعدت) مبنى للمفعول (فرائصى) جمع فريصة
(1/422)
نفسي* وروينا في الصحيحين واللفظ للبخاري
عن ابي قتادة رضي الله عنه قال لما كان يوم حنين نظرت الى رجل من المسلمين
يقاتل رجلا من المشركين وآخر من المشركين يختله من ورائه ليقتله فأسرعت الى
الذي من ورائه يختله فرفع يده ليضربني فضربت يده فقطعتها ثم أخذنى فضمنى
اليه ضما شديدا حتى تخوفت ثم برك فتحلل ودفعته ثم قتلته وانهزم المسلمون
وانهزمت معهم فاذا عمر بن الخطاب في الناس فقلت له ما شأن الناس فقال أمر
الله ثم تراجع الناس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم من أقام بينة على قتيل قتله فله سلبه فقمت لا لتمس بينة على
قتيلي فلم أر أحدا يشهد لى وجلست ثم بدا لى فذكرت أمره لرسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال رجل من جلسائه سلاح هذا القتيل الذي يذكره عندي فأرضه منه
فقال أبو بكر لاها الله اذن لا تعطه أصيبع من قريش وتدع أسدا بالفاء والراء
والمهملة مكبرة وهي لحمة بين الثدي والكتف ترعد عند الفزع (وروينا في)
الموطا و (الصحيحين) وسنن أبي داود والترمذي (عن أبي قتادة) اسمه الحارث بن
ربعى كما مر ورواه أيضا أحمد وأبو داود عن أنس ورواه أحمد وابن ماجه عن
سمرة (لما كان يوم حنين) بالنصب والرفع (يختله من ورائه) بفتح أوله وسكون
المعجمة وكسر الفوقية أي يريد ان يأخذه على غفلة (فضمنى اليه ضما شديدا)
زاد مسلم حتى وجدت ريح الموت (ثم برك) بالموحدة للاكثر ولبعضهم بالفوقية
(فتحلل) بالمهملة أى انفك مني (فقال أمر الله) أى حكمه وقضاؤه (على قتيل)
وللبيهقى في السنن على أسير (فله سلبه) قال العلماء يستحق القاتل ولو ناقصا
ومثله من أزال منعته حال الحرب وكذا الاسير جميع السلب من سلاح معه كسيف
ورمح ودرع ومغفر وما عليه للزينة كطوق وسوار ومنقطة وخاتم وفرسه أيضا وكذا
نفقته ونفقة مركوبه وما عليه من سرج ولجام ومقود وغيرها والجنيبة لانه قد
يحتاج اليها ويستحق من الجنائب واحدة واما الحقيبة وهي بفتح المهملة وكسر
القاف الوعاء الذي يجمع فيه المتاع ويجعل خلف الراكب فليست من السلب على
اشكال فيها وقد اختار السبكي وغيره دخولها (فقال رجل من جلسائه) قال ابن
حجر لم يسم الا انه قرشى وعند الواقدي انه أوس بن خزاعي الاسلمي (فارضه
منه) بقطع الهمزة وكسر المعجمة وفي بعض نسخ البخاري فارض منه (فقال أبو
بكر) ولاحمد فقال عمر وجمع بأن كلا قال (لاها الله اذن) قال الخطابي صوابه
لاها الله ذا بغير الف زادها فيه بمعنى الواو التي يقسم بها فهو بمعنى لا
والله ذا معناه لاها الله ذا بمعنى أو ذا قسمى قاله المازنى أو هي زائدة
قاله أبو زيد وها بالقصر والمد وهي جارة كالواو ولا يقال ها والله بجمعهما
وأنكر الطيبي قول الخطابي وقال بل الرواية صحيحة ومعناها والله اذا لا أفعل
قال ويحتمل ان اذا زائدة وقال القرطبي اذن هنا حرف جواب وقد وردت كذلك في
عدة من الاحاديث أفيظن بوارد الرواة جميعها الغلط والتحريف معاذ الله قال
النووي في هذا الحديث دليل على ان هذه اللفظة تكون يمينا قال أصحابنا ان
نوى بها اليمين كانت يمينا والا فلا لانها ليست متعارفة في اليمين (لا
تعطه) نهى (اصيبع) رواية القابسي في صحيح
(1/423)
من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فقام
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأداه الي فاشتريت به خرافا فكان أوّل مال
تأثلته في الاسلام* وروينا في صحيح مسلم عن سلمة بن الاكوع قال غزونا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا فلما واجهنا العدو تقدمت فاعلوا ثنية
قاستقبلني رجل من العدو فأرميه بسهم فتواري عني فما دريت ما صنع فنظرت الى
القوم فاذاهم قد طلعوا من ثنية أخرى فالتقواهم وصحابة رسول الله صلى الله
عليه وسلم فولى صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وأرجع منهزما وعلى بردتان
متزرا بأحداهما مرتديا بالأخرى فاستطلق أن أرى فجمعتهما جمعا ومررت على
رسول الله صلى الله عليه وسلم منهما وهو على بغلته الشهباء فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لقد رأى ابن الاكوع فزعا فلما غشوا رسول الله صلى الله
عليه وسلم نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب من الأرض ثم استقبل به وجوههم
فقال شاهت الوجوه فما خلق الله منهم انسانا الا ملأ عينيه ترابا بتلك
القبضة فولوا مدبرين فهزمهم الله وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم
غنائمهم بين المسلمين*
[مطلب في ذكر من ثبت مع رسول الله يوم حنين]
وممن ثبت يومئذ مع البخاري والسمرقندي في صحيح مسلم باهمال الصاد واعجام
العين قال النووى وصفه بذلك لتغير لونه وقيل حقره وذمه لسواد لونه وقيل
معناه انه صاحب لون غير محمود وقيل وصفه بالمهانة والضعف قال الخطابي
الاصيبغ نوع من الطين قال ويجوز انه شبهه بنبات ضعيف يقال له الصغا أو ما
يطلع من الارض ويكون ما يلى الشمس منه أصفر ورواية غيرهما باعجام الصاد
واهمال العين وهو تصغير ضبع على غير قياس كأنه لما وصف أبا قتادة بأنه أسد
صغر هذا بالاضافة اليه فشبه بالضبع لضعف افتراسها وما يوصف به من العجز
والحمق وفيه رواية ثالثة ذكرها بعض شراح البخاري وهى اهمال الصاد والعين
معا فان صحت فمعناه انه شبهه بالاصبع الصغيرة لقصره وضعفه (من أسد الله)
بضم الهمزة مع ضم السين واسكانها (خرافا) بكسر المعجمة وفي رواية في
الصحيحين وغيرهما مخرفا بفتح الميم والراء وروي بكسر الراء وهي البستان
وقيل السكة من النخل يكون صفين يخترف من أيهما شاء وقيل هى الجنينة الصغيرة
وقيل هي نخلات يسيرة قال النووي وأما المخرف بكسر الميم وفتح الراء فهو
الوعاء الذي يجعل فيه ما يخترف من الثمار أي يجتني (فكان أوّل) بنصب أوّل
على الخبر واسم كان مضمر فيها (تأثلته) بمثلثة بين مثناتين فوقيتين أى
أفنيته وتأصلته واثلة الشيء أصله (ومررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم)
حال كونى (منهزما) لا حال كونه صلى الله عليه وسلم اذ لا يجوز عليه
الانهزام (شاهت الوجوه) قبحت يومئذ كما مر في غزوة بدر (فما خلق الله منهم
انسانا الى آخره) جملة من عدهم المصنف ثمانية ونقل البغوي عن الكلبي ان
الذين ثبتوا يومئذ ثلاثمائة قال وقال آخرون لم يبق مع النبي صلى الله عليه
وسلم غير العباس بن عبد المطلب
(1/424)
رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل بيته
علي بن أبى طالب والعباس وابنه الفضل وأبو سفيان وربيعة بن الحارث بن عبد
المطلب وأيمن ابن أم أيمن أخو أسامة بن زيد* ومن رؤساء المهاجرين أبو بكر
وعمر رضي الله عنهم أجمعين قال ابن اسحق فلما هزمت هوازن استجر القتل من
ثقيف في بني مالك فقتل منهم تحت رايتهم سبعون رجلا وتفرق المشركون في
الهزيمة فلحق عوف بن مالك في آخرين بالطائف وتركوا أولادهم وأموالهم واحتبس
كثير منهم بأوطاس على أموالهم وتوجه بعضهم نحو نخلة وتبعت خيل رسول الله
صلى الله عليه وسلم من سلك في نخله ولم تتبع من سلك الثنايا فأدرك ربيعة بن
رفيع السلمى دريد بن الصمة وهو في شجار له فأناخ به ثم ضربه فلم تغن شيئا
فقال بئس ما سلحتك أمك خذ سيفي هذا من مؤخر الرحل ثم أضرب به وارفع عن
العظام واخفض عن الدماغ فاني كنت كذلك أضرب الرجال ثم اذا أتيت أمك فاخبرها
اني قتلت دريد فرب والله يوم قد منعت فيه نساءك ويقال انه أنشد حين تحقق
الهزيمة:
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى ... فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد
وما أنا الا من غزية إن غوت ... غويت وان ترشد غزية أرشد
[الكلام على غزوة أوطاس ومقتل أبي عامر الأشعري
رضى الله عنه]
«غزوة أوطاس» ثم ان النبى صلى الله عليه وسلم أمّر ابا عامر الاشعري على
جيش من المسلمين وبعثه في آثار من توجه قبل أوطاس فأدرك بعض من انهزم
فناوشوه القتال فقتل أبو عامر وأخذ الراية بعده ابن أخيه أبو موسى الاشعري
رضي الله عنه ففتح الله عليه وقتل قاتل أبى عامر وهزمهم وغنم أموالهم.
روينا في صحيح البخاري عن أبي موسى الاشعري رضي الله وأبي سفيان بن الحارث
وأيمن ابن أم أيمن (استجر القتل) بالجيم أي انجر (ربيعة بن رفيع) بالتصغير
ابن أهبان بن ثعلبة (سلمى) بضم السين (في شجار له) بكسر المعجمة قال
الحريري هي المحفة ما لم تكن مظللة والا فهى هودج (بئسما سلحتك) أي أعطتك
من السلاح (من مؤخر الرحل) بضم الميم وسكون الهمزة وكسر الخاء ويقال بفتح
الهمزة والخاء المشددة ويقال موخرة بالهاء آخره وهي العود الذي في آخر
الرحل (أمرتهم أمري) باشباع ضمة الميم (بمنعرج اللوى) بكسر الراء أي منعطفه
(الا من غزية) بفتح المعجمة وكسر الزاي وتشديد التحتية (غوت) بكسر الواو في
الماضي وفتحها في المضارع* غزوة أوطاس وهو واد في ديار هوازن (أبا عامر
الاشعري) اسمه عبيد بالتصغير (قبل) بكسر القاف وفتح الباء الموحدة (أوطاس)
لا ينصرف (فناوشوه القتال) بالنون والمعجمة قال في القاموس المناوشة
المنازلة في القتال (وقيل) أي أبو موسى (قاتل) بالنصب (روينا في صحيح
البخاري) وصحيح مسلم وسنن الترمذي (لما رمى)
(1/425)
عنه قال لما رمي أبو عامر قلت يا عم من
رماك فأشار اليّ أبي موسى قال ذاك قاتلي الذي رماني فقصدت له فلحقته فلما
رآنى ولى مدبرا فأتبعته وجعلت أقول له ألا تستحيي الا تثبت فكف فاختلفنا
ضربتين بالسيف فقتلته ثم قلت لأبى عامر قتل الله صاحبك قال فانزع هذا السهم
فنزعته فنزا منه الماء قال يابن أخي أبلغ النبي صلى الله عليه وسلم السلام
وقل له أستغفر لى واستخلفنى أبو عامر على الناس فمكث يسيرا ثم مات فرجعت
فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته على سرير مرمل وما عليه فراش
قد أثر رمال السرير بظهره وجنبيه فأخبرته بخبرنا وخبر أبى عامر وقوله قل له
استغفر لى فدعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال اللهم اغفر لعبيدك أبي عامر
ورأيت بياض ابطيه ثم قال اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك مبنى
للمفعول (ذاك قاتلى الذي رماني) قال ابن اسحاق في المغازي يزعمون ان سلمة
بن دريد بن الصمة هو الذي رمى أبا عامر وقال ابن هشام حدثني من أثق به ان
الرامي له العلاء بن الحارث الجشمى وأخوه أو في فأصاب أحدهما قلبه وآخر
ركبته فقتلاه فقتلهما أبو موسى فرثاهما بعضهم بأبيات منهما
* هما القاتلان أبا عامر* (فنزعته) قال المهلب فيه جواز نزع السهام من
البدن وان خيف من نزعها الموت قلت ولا يخلو من نظر (فنزا منه الماء) بالنون
والزاي أى صب وظهر وارتفع وجرى ولم ينقطع (على سرير مرمل) بضم الميم الاولى
وفتح الثانية وسكون الراء بلا تشديد وبفتح الراء مع التشديد أي معمول برمال
وهي الحبال التى يضفر بها الاسرة يقال منه أرملته فهو مرمل ورملته بالتشديد
فهو مرمل قال النووي وحكى رملته فهو مرمول (عليه فراش) قال القابسى الذي
أحفظه في غير الصحيحين ما عليه فراش قال وأظن لفظة ما سقطت لبعض الرواة
وتابعه عياض وغيره على ذلك قالوا وقد جاء في حديث عمر في تخيير النبي صلى
الله عليه وسلم أزواجه على رمال سرير ليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال
بجنبه هذا ملخص ما نقله النووى قلت ومعلوم ان رواية أثبات الفراش ان صحت لا
ينافي نفيه في حديث عمر ولا ينافي تأثير الرمال بالجنب اذ ربما أثرت مع
الفراش لعدم ثخانته (رمال) بكسر الراء وضمها (بظهره وجنبه) فيه قوة زهده
صلى الله عليه وسلم في الدنيا وعدم اتباع ملاذها وشهواتها (فدعا بماء
فتوضأ) فيه ندب الوضوء للدعاء كما في حديث جريج وحديث الاعمى الذى جاء الى
النبي صلى الله عليه وسلم فقال ادع الله ان يعافيني ففيه فأمره ان يتوضأ
فيحسن وضوءه ويدعو (ثم يرفع يديه) فيه ندب رفع اليدين في الدعاء والمبالغة
في رفعها ومر في الاستسقاء الكلام على نفى أنس له قال النووى قد ثبت الرفع
في مواطن كثيرة فوق ثلاثين موطنا قلت منها يوم بدر وفي الاستسقاء وفي هذا
الحديث وفي حديث أبي حميد الساعدى في الصحيحين وسنن أبي داود والنسائي قال
استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له ابن اللتبية؟؟؟ الى
ان قال فرفع يديه حتى رأينا عفرة ابطيه وقال اللهم هل بلغت ثلاثا وفي حديث
الدعاء لدوس كما رواه أبو عوانة في مسنده الصحيح وابن حبان في صحيحه عن أبي
هريرة وفي حديث خالد اللهم اني أبرأ اليك مما صنع خالد
(1/426)
أو من الناس فقلت ولى فاستغفر فقال اللهم
اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما قال أبو بردة
احداهما لابى عامر والأخرى لابى موسى. وروي ابن هشام عمن يثق به من أهل
العلم ان أبا عامر الاشعري لقى يوم أوطاس عشرة أخوة من المشركين فحمل عليه
احدهم فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه الى الاسلام ويقول اللهم اشهد عليه
فقتله أبو عامر ثم كذلك واحدا بعد واحد حتى قتل تسعة وبقي العاشر فحمل على
أبى عامر فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه الى الاسلام ويقول اللهم أشهد عليه
فقال الرجل اللهم لا تشهد كما رواه البخارى والنسائي عن ابن عمرو في كسوف
الشمس كما رواه مسلم وأبو داود والنسائي عن عبد الرحمن بن سمرة وعلى الصفا
يوم فتح مكة كما رواه مسلم وأبو داود عن أبى هريرة وفي البقيع اذ جاء جبريل
فقال ان ربك يأمرك ان تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم ففيه ثم رفع يديه ثلاث
مرات كما رواه البخارى ومسلم والنسائي وابن ماجه عن عائشة وفي حديث صاحب
الطفيل بن عمرو الذي قطع براجمه فشخبت حتى مات ففيه انه صلى الله عليه وسلم
رفع يديه وقال اللهم وليديه فاغفر كما رواه مسلم والبخاري في كتاب رفع
اليدين وابن حبان في صحيحه عن جابر وفي قوله اللهم أمتي أمتي وبكى رفع يديه
كما رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو ابن العاص وفي دعائه لسعد بن عبادة يوم
زاره في منزله كما رواه أبو داود والنسائي عن قيس بن سعد ويوم شكى الى رسول
الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر كما رواه أبو داود والحاكم في المستدرك
وابن حبان في صحيحه عن عائشة وعند عزوراء بين مكة والمدينة كما رواه أبو
داود عن سعد بن أبي وقاص وفي مرض موته وهو يدعو لاسامة كما رواه الترمذي
وحسنه عن أسامة وفي مرض موته رفع يديه يقول اللهم لا تمتني حتى تريني عليا
وكان علي غائبا رواه الترمذي وحسنه عن أم عطية وفي استسقائه عند أحجار
الزيت قريبا من الزوراء كما رواه البخاري في كتاب رفع اليدين وأبو داود
والترمذي والنسائي والحاكم وابن حبان في صحيحه عن عمير مولى آبي اللحم وفي
قوله صلى الله عليه وسلم انما أنا بشر أيما رجل من المؤمنين آذيته الى آخره
كما رواه البخاري في كتاب رفع اليدين عن عائشة وفي حديث الوليد لما شكته
امرأته رفع يديه وقال اللهم عليك بالوليد كما رواه البخاري في كتاب رفع
اليدين عن علي وفي غزوة تبوك لما أصابهم العطش رفع يديه فلم يرجعهما حتى
حالت السماء كما رواه الحاكم في المستدرك عن عبد الله بن عباس وفي دعائه
لاهل بيته كما رواه الحاكم في المستدرك عن عبد الله بن جعفر وفي دعائه
لعائشة كما سيأتي ذكره المحب الطبري في الخلاصة (من خلقك أو من الناس) شك
من الراوي (اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه) فيه جواز الدعاء بالمغفرة
للحي ليضمنها الدعاء له بحسن الخاتمة وفي جوازها لعموم المسلمين خلاف
والاصح كما قاله ابن عبد السلام الجواز نعم يكره ذلك لجميع الخلق اذ يدخل
فيه المخلدون في النار (مدخلا كريما) بضم الميم وفتحها (قال أبو بردة) هو
ابن أبي موسى واسمه الحارث وقيل عامر
(1/427)
علىّ فكف أبو عامر عنه فأفلت ثم أسلم بعد
فحسن اسلامه فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا رأه قال هذا شريد أبي
عامر واستشهد من المسلمين يوم حنين وأوطاس أيمن بن عبيد الهاشمي وهو ابن أم
أيمن قتل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وزيد بن زمعة بن الأسود
الاسدي جمح به فرسه الذي يقال له الجناح فقتل وسراقة بن الحارث الانصاري
وأبو عامر الأشعرى أربعة رجال ولأبي الفضل عباس بن مرادس السلمى في يوم
حنين جملة من الشعر وكان اسلامه قبيل ذلك ولا سلامه خبر عجيب سيأتي قريبا
ان شاء الله تعالى ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم امر سبايا هوازن
وأموالها فحبست له بالجعرانة وجعل عليها مسعود بن عمر والغفارى وقيل أبا
سفيان بن حرب الاموى وقيل أبا جهم حذيفة العدوى وكانت سباياهم ستة آلاف رأس
ومن الابل والشاء مالا يعد*
[الكلام على غزوة الطائف وحصاره]
ومن توابع الفتح أيضا غزوة الطائف وكان من خبرها ان النبى صلى الله عليه
وسلم لما فرغ من الفتح وحنين وأوطاس تحصن شراد حنين بالطائف توجه رسول الله
صلى الله عليه وسلم نحوهم في عدد وعدة ففى ذلك يقول كعب (فافلت ثم أسلم)
بقطع الهمزة وفتحها وفتح اللام وسكون الفاء أي غلبني وهرب (أيمن) بفتح
الهمزة والميم بينهما تحتية ساكنة (ابن عبيد) اسم أبي أيمن (الهاشمي)
مولاهم (وزيد بن زمعة) بفتح الزاي وسكون الميم كما مر قال ابن عبد البر
وقيل استشهد بالطائف (جمح به) أي غلبه وفر به (يقال له الجناح) على لفظ
جناح الطائر (وسراقة بن الحارث) هو أبو حارثة بن سراقة الذي استشهد يوم بدر
(وأبو عامر الاشعري أربعة رجال) وبقي منهم ثقف بكسر المثلثة وسكون القاف
ابن عمر الاسلمي والحويرث بن عبد الله بن خلف الغفاري ومرة بن سراقة ومسعود
بن عبد سعد الانصاري (عباس) بالموحدة والمهملة (مرداس) بكسر الميم وسكون
الراء ثم مهملتين بينهما ألف مصروف (السلمي) بضم السين منسوب الى سليم
القبيلة وهو عباس بن مرداس بن أبي وأبي هذا ابن حارثة بن عبد بن عباس بن
رفاعة بن الحارث بن نهبة بن سليم قال السهيلي كان أبوه صاحبا لحرب بن أمية
وقتلتهما الجن في خبر مشهور (فحبست بالجعرانة) بكسر الجيم وسكون المهملة
وتخفيف الراء وقيل بكسر العين وتشديد الراء وعليه عاما المحدثين وعده
الخطابى من تصحيفهم وقال صاحب المطالع كلا اللغتين صواب وهو موضع بين
الطائف ومكة بينه وبين مكة ثمانية عشر ميلا أو اثنى عشر قولان سميت باسم
امرأة من تميم وقيل من قريش وبها ماء شديد العذوبة قال الفاكهي يقال انه
صلى الله عليه وسلم حفر موضعه بيده الشريفة المباركة فانبجس فشرب منه وسقي
الناس أو غرز رمحه فنبع (وقيل أبا جهم) بفتح الجيم وسكون الهاء اسمه عامر
وهو غير أبي الجهيم بالتصغير عبد الله بن الحارث بن الصمة الانصاري (وكانت
سباياهم) من الآدميين (ستة آلاف) بالنصب على الخبر (ومن الابل) كما قال
الشمني نحو أربعة وعشرين ألفا (ومن) الشاء فوق أربعين ألفا ومن الفضة أربعة
آلاف أوقية* غزوة الطائف (شراد حنين) جمع شارد أي هارب (في عدد) بفتح العين
أي جمعه (وعدة) بضمها أي آلات الحرب
(1/428)
ابن مالك في قصيدة له:
قضينا من تهامة كل ريب ... وخيبر ثم اجممنا السيوفا
تخبرنا ولو نطقت لقالت ... قواطعهن دوسا أو ثقيفا
فسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم على قرن مهل أهل نجد ثم على وادى لية
وابتنى به مسجدا وقتل هناك رجلا من بنى ليث بقتيل قتله من هذيل وهو أوّل دم
اقيد به في الاسلام وأمر بحصن مالك بن عوف النصرى فهدم ثم سلك من لية على
ثجب ونزل تحت سدرة تسمى الصادرة وخرب حائط رجل من ثقيف ثم ارتحل فنزل على
حص الطائف فقتل جماعة من أصحابه وانتقل بعيدا منه وضرب هناك قبتبين لعائشة
وأم سلمة وصلى بينهما وهو موضع مسجده الذي بالطائف اليوم وفي ركنه الأيمن
القبلى قبر حبر الأمة أبا العباس عبد الله بن العباس رضي الله عنهما ثم
حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقطع أعنابهم ورماهم بالمنجنيق
ودخل ناس من أصحابه تحت دبابة ثم زحفوا تحتها الى جدار الحصن فرمتهم ثقيف
بالنار فاحترقت الدبابة فخرجوا من تحتها فرموهم بالنبل رويناه في الصحيحين
واللفظ للبخاري عن عبد الله بن عمرو أو ابن عمرو رضى الله عنهما قال لما
وحاصر رسول الله صلى الله عليه (وخيبر) أي ومن خيبر (ثم أجمعنا) بالجيم
أرحنا (السيوفا) بألف الاطلاق من القتال بها (قواطعهن) من قواطع أي هن
قواطع وهو في محل التنوين فمن ثم نصب (دوسا) بفتح الدال المهملة (قرن) بفتح
القاف وسكون الراء وغلطوا من فتحها وهو جبل بينه وبين مكة من جهة المشرق
مرحلتان وتسمى قرن المنازل (مهل أهل نجد) أي محل إهلالهم أي احرامهم وهو
بضم الميم وفتح الهاء (وادي لية) بكسر اللام وتشديد التحتية وهو واد بثقيف
أو جبل بالطائف أعلاه لثقيف وأسفله لنصر بن معاوية قاله في القاموس (من بني
ليث) بفتح اللام وبالمثلثة قبيلة معروفة (على ثجب) بفتح المثلثة وسكون
الجيم فموحدة وهو جبل بنجد لبني كلاب عنده معدن ذهب ومعدن جزع أبيض قاله في
القاموس (الصادرة) باهمال الصاد والدال (فقتل جماعة) بالبناء للمفعول (حبر
الامة) بفتح الحاء وكسر الهاء أي عالمها (وقطع أعنابهم) أي أشجار عنبهم
(ورماهم بالمنجنيق) فيه جواز رمي الكفار به وقد مر ضبطه وأوّل من رمى به في
الاسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما في الجاهلية فجذيمة الابرش ذكره
السهيلي ويذكر انه أوّل من أوقد الشمع (تحت دبابة) بمهملة مفتوحة وموحدة
مكررة الاولى منهما مشددة بينهما ألف قال في القاموس آلة تتخذ للحروب فتدفع
في أصل الحصن فينقبون وهم في جوفها (ابن عمر) بن الخطاب هذا هو الصواب وقد
زاد الحميدي في مسنده ابن الخطاب فاوضح ذلك (أو ابن عمرو) بن العاص كما
للاصيلى وغيره في
(1/429)
وآله وسلم الطائف فلم ينل منهم شيئا قال
انا قافلون انشاء الله تعالى فثقل عليهم فقالوا نذهب ولا نفتحه فقال اغدوا
على القتال فغدوا فأصابهم جراج فقال انا قافلون غدا انشاء الله تعالى
فأعجبهم فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم* وروي أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم رأى رؤيا فقصها على أبى بكر فقال أبو بكر ما أظن أن تدرك
منهم يومك هذا ما تريد فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا لا أرى
ذلك* وروي ان خولة بنت حكيم السلمية سألته ان فتح الله عليه الطائف حلى
بادية بنت غيلان أو الفارعة بنت عقيل فقال لها وان كان لم يؤذن لي في ثقيف
يا خويلة فأخبرت عمر بذلك قال عمر أفلا اؤذن بالرحيل يا رسول الله قال بلى
فأذن عمر بالرحيل ويقال انما انصرف عنهم حين هل ذو القعدة وهو شهر حرام
وكان مدة حصارهم بضعا وعشرين ليلة ويقال سبعة عشرة واستشهد بها من المسلمين
اثنى عشر أو ثلاثة عشر رجلا سبعة من قريش وأربعة من الأنصار وواحد من بنى
ليث وعد منهم عبد الله بن أبى بكر الصديق وكان أصابه سهم فمات منه بعد موت
النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنهم ختن النبي صحيح البخارى (الطائف) بلد
على مرحلتين أو ثلاث من مكة من جهة المشرق قال في التوشيح قيل ان أصلها ان
جبريل اقتلع الجنة التي كانت لاصحاب الصريم فصار بها الى مكة فطاف بها حول
البيت ثم أنزلها حول الطائف فسمى الموضع بها وكانت أولا بنواحي صنعاء
(قافلون) أى راجعون الى المدينة (ان شاء الله) قالها تبركا وامتثالا لأمر
ربه كما مر (فضحك النبى صلى الله عليه وسلم) تعجبا من أمرهم حيث كانوا أولا
لا يحبون الرجوع فلما أصابهم ما أصابهم أحبوه وكرهوا ما كانوا يحبونه أولا
لاجبنا وجزعا بل ضعفا جليا (وأنا لا أرى) بضم الهمزة أي لا أظن (خولة) بفتح
المعجمة وسكون الواو (السلمية) بضم السين (بادية) بموحدة ودال مهملة وتحتية
وقيل بدلها نون قال ابن حجر والاول أرجح قال وقد تزوجها عبد الرحمن بن عوف
بعد ذلك (بنت غيلان) بفتح المعجمة وسكون التحتية هو الذى أسلم على عشر نسوة
(أو) حلي (الفارعة) بالفاء (بنت عقيل) مكبر (سبعة من قريش) نسبا أو حلفا
وهم عبد الله بن أبي بكر الصديق كما ذكره المصنف وعبد الله بن أبي أمية كما
ذكره أيضا وجليحة بن عبد الله بن الحارث والحباب بن جبير الاموى حليف لهم
وعبد الله بن عامر بن ربيعة العدوي حليف لهم وعبد الله بن الحارث السهمى
وسعيد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس (وأربعة من الانصار) بل هم خمسة
وهم الحارث بن سهل بن أبي صعصعة النجاري وثابت بن أبى الجعد الانصارى
السلمى ورقيم بن ثابت الانصارى الاوسي والمنذر بن عباد الانصاري الساعدى
والمنذر بن عبد الله الانصارى الساعدى (وواحد من بنى ليث)
(1/430)
صلى الله عليه وسلم وابن عمته عبد الله بن
أبى أمية المخزومي وهو الذي قال له هيت المخنث يا عبد الله ارأيت ان فتح
الله عليكم الطائف غدا فعليك بابنة غيلان فانها تقبل بأربع وتدبر بثمان
فقال النبى صلى الله عليه وسلم لا يدخلن هؤلاء عليكم رواه البخاري زاد
السهيلي بعد قوله تدبر بثمان مع ثغر كالأقحوان وثدي كالرمان اذا قامت تثنت
واذا قعدت تبنت وان تكلمت تغنت وهي هيفاء شموع نجلاء فقال النبي صلى الله
عليه وسلم قاتلك الله هذا بعينه النظر وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم
نفاه لروضة خاخ فقيل له انه يموت بها جوعا فأذن له أن يدخل المدينة كل جمعة
يسأل الناس
[مطلب المخنثون على عهد رسول الله أربعة]
وكان المخنثون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة هيت وهرم وماتع
وأنة ولم يكن واحد منهم يرتكب الفاحشة الكبرى وانما هو التشبه بالنساء فقط
وفي الصحيح ان أبا بكرة نفيع بن الحارث تدلى من حصن الطائف على بكرة ونزل
الى النبي صلى الله عليه وسلم ثالث ثلاثة وعشرين من عبيد أهل الطائف وهو
عرفطة بن الحباب بن جندب فهؤلاء ثلاثة عشر (وهو الذى قال له هيت) بكسر
الهاء وسكون التحتية ومثناة فوق وقيل بفتح الهاء وقيل بنون وموحدة وهو مولى
لفاختة المخزومية (المخنث) بكسر النون وفتحها وهو الذي يشبه النساء في
اخلاقه وكلامه وحركاته خلقة مأخوذ من التكسر في المشى وغيره (فانها تقبل
باربع) أى باربع عكن من كل ناحية ثنتان (وتدبر بثمان) لان لكل واحدة من
الاربع طرفين فاذا أدبرت صارت الاطراف ثمانية وأنشدوا عليه قول كعب ابن
زهير
بنت أربعا منها على ظهر أربع ... فهن تحسب بهن ثمانى «1»
(زاد السهيلى) وابن الكلبى (مع ثغر) أى فم (كالاقحوان) بضم الهمزة والمهملة
وسكون القاف بينهما وهو نبت طيب الرائحة حواليه ورق أبيض ووسطه أصفر يشبه
به الثغر اذا كان أبيض (ان قامت تثنت) بالمثلثة أى تمايلت (وان قعدت تبنت)
بالموحدة أي جلست جلسة المفترش لانها ألطف الجلسات (وان تكلمت) تغنت وصفها
بقوة الفصاحة (وهى هيفاء) أى ضامرة البطن (شموع) بفتح المعجمة وآخره مهملة
أى كثيرة المزاح (نجلاء) بالمد واسعة العين زاد ابن الكلبى وبين رجليها
كالاناء المكفوء (قاتلك الله) فيه جواز سب أرباب المعاصى ولم يرد صلى الله
عليه وسلم لعنك الله وانما كانت كلمة يدعمون بها كلامهم لا يقصدون معناها
(نفاه لروضة خاخ) أو الى الجمى ذكره الواقدى أو الى حمراء الاسد كما ذكره
أبو منصور الماوردى وانما أخرجه صلى الله عليه وسلم لانه كان يظن انه من
غير أولى الاربة وكان منهم ويتكتم بذلك ولوصفه النساء ومحاسنهن وعوراتهن
بحضرة الرجال (وهرم) بفتح الهاء وكسر الراء (وماتع) بالمثناة وقيل بالنون
(وانة) على وزن جنة (ألفاحشة الكبرى) أى اللواط (نفيع) بالنون والفاء صغر
(بن الحارث) هذا هو الصواب وقيل ان اسمه مسروح (ثالث ثلاثة وعشرين من عبيد
أهل الطائف)
__________
(1) كذا في الأصل.
(1/431)
وروي ان اهل الطائف لما أسلموا كلموا النبي
صلى الله عليه وسلم فيهم فقال هؤلاء عتقاء الله وجعل ولاءهم لهم* وروي أن
النبي صلى الله عليه وسلم لما انصرف عن أهل الطائف قيل له ادع عليهم قال
اللهم اهد ثقيفا وائت بهم*
[الكلام على غنائم حنين وتقسيمها]
خبر غنائم حنين ولما رجع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الطائف ونزل
الجعرانة قسم بها الغنائم فأعطا الطلقاء ورؤساء العرب ومن ضعف إيمانه
يتألفهم ويتألف بهم ووكل آخرين الى إيمانهم ويقينهم من الأنصار* وروينا في
صحيح مسلم عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال أعطى رسول الله صلى الله عليه
وسلم أبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وعيينة بن حصن والاقرع بن حابس كل
انسان منهم مائة من الابل وأعطى عباس بن مرداس دون ذلك فقال شعرا:
أتجعل نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع
فما كان بدر ولا حابس ... يفوقان مرداس في مجمع
وما كنت دون امرئ منهما ... ومن يخفض اليوم لا يرفع
فاتم له رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة من الابل وذكر خارج الصحيحين
جماعة من أهل المئين سوى هؤلاء وآخرين دون ذلك وأعطى من الشاء بغير عدد وفي
الحديث أن اعرابيا سأله فاعطاه غنما بين جبلين فلما رجع الى قومه قال
أسلموا فان محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة وقد أتى على هذا المعنى في
مدحه صلى الله عليه وسلم أحد المحبين عفيف الدين عبد الله بن جعفر التميمى
رحمه الله فقال: سمي منهم ابن اسحق في غير رواية ابن هشام الازرق عبد
للحارث بن كلدة والدابي بكرة والمنبعث عبد لعثمان بن عامر بن معتب وكان
اسمه المضطجع فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبعث ويحنس النبال؟؟؟
عبد لبعض آل يسار وورد ان عبد لعبد الله بن ربيعة بن حرشة وابراهيم بن جابر
عبد لحرشة أيضا قال وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاء هؤلاء العبيد
لساداتهم حين أسلموا وزاد ابن عبد البر نافع بن الحارث أخا أبى بكرة وزاد
ابن سلام نافعا مولى عيلان بن سلمة (اللهم اهد ثقيفا) أخرجه الترمذى من
حديث جابر فلفظه قالوا يا رسول الله أحرقتنا نبال ثقيف فادع عليهم فقال
اللهم أهد ثقيفا* خبر غنائم حنين (ونهب العبيد) اسم فرسه وهو مصغر وباؤه
موحدة (فما كان بدر) في رواية حصن وكلاهما صحيح لانه عيينة بن حصن بن حذيفة
بن بدر ونسب الى بدر لشهرته (يفوقان) يفضلان (مرداس) بترك الصرف لضرورة
الشعر (وفي الخبران اعرابيا) هو صفوان بن أمية (من لا يخشي الفاقة) أى
الحاجة
(1/432)
القاسم الآبال رب هنيدة ... بحنين جاد بها
على العربان
والقاسم الاغنام لا عدد لها ... الا بما يطيف به الجبلان
ولما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المقاسم الجليلة وأعطى العطايا
الحفيله استشره جفاة العرب واجفوه في المسئلة حتى اضطروه الى سمرة فخطفت
رداءه فقال اعطوني ردائى فلو كان لى عدد هذه العضاءة نعما لقسمته بينكم ثم
لا تجدونى بخيلا ولا كذابا ولا جبانا وحتى قال له الاعرابى الا تنجز لى ما
وعدتني فقال أبشر فقال أكثرت على من قول أبشر وقال له الآخر ان هذه القسمة
ما أريد بها وجه الله فقال رحم الله موسى قد أوذى بأكثر من هذا فصبر وقال
له آخر اعدل يا محمد قال ويحك ومن يعدل ان لم أعدل (القاسم الابال) بالكسر
على الاضافة غير المحضة والابال جمع ابل (رب هنيدة) بالتصغير اسم للمائة من
الابل كما ان الذود اسم لما بين والثلاث الي العشر والضرمة اسم لما بين
العشرة الى الاربعين والهجمة اسم لما فوق ذلك والعكرة اسم لما بين الخمسين
الى السبعين (بحنين) بلا صرف لضرورة الشعر (العربان) بضم العين (والقاسم
الاغنام) جمع غنم وهو بالجر كما مر (لا عدد) بالتنوين لضرورة الشعر (يطيف
به) بضم أوله رباعي أى يحيط به (الحفيلة) بفتح الحاء المهملة وكسر الفاء أي
الكثيرة المجموعة والحفل كما في الصحاح الاجتماع (استشره) تطلع (جفاة
العرب) أي أجلافهم (واجفوه) بفتح الفاء أي ألحوا عليه (حتى اضطروه) بهمزة
وصل وتشديد الراء أى الجأوه (فخطفت) بكسر الطاء (هذه العضاءة) بالمهملة
فالمعجمة على وزن المساة كما سبق (ثم لا تجدوني الى آخره) لمسلم انهم
خيروني بين ان يسألوني بالفحش أو يبخلوني ولست بباخل أي انهم ألحوا على في
السؤال لضعف ايمانهم والجأوني بمقتضي حالهم الى السؤال بالفحش أو نسبتى الى
البخل ولست ببخل فينبغى احتمال واحد من الامرين قال النووي في الحديث
مداراة أهل الجهالة والقسوة وتألفهم اذا كان فيه مصلحة وجواز دفع المال
اليهم لهذه المصلحة (وحتي قال له الاعرابي) قيل هو الاقرع بن حابس (وقال له
الاخر) هو معتب بن قثير سماه الواقدى وغيره (ان هذه القسمة ما أريد بها وجه
الله) قال عياض حكم الشرع تكفير من سبه صلى الله عليه وسلم وقتله ولم يقتل
هذا الرجل قال المازرى لانه لم يفهم منه الطعن في النبوة وانما نسبه الى
ترك العدل في القسمة أو لعله صلي الله عليه وسلم لم يسمعه بل نقله عن واحد
وشهادة الواحد لا يراق لها الدم قال وهذا الأويل باطل يدفعه قوله في الحديث
اتق الله يا محمد واعدل يا محمد فانه خاطبه خطاب المواجهة بحضرة الملأ حتى
استأذن عمر وخالد النبي صلى الله عليه وسلم في قتله فقال معاذ الله ان
يتحدث الناس ان محمدا يقتل أصحابه فهذه هي العلة وسلك معه مسلك غيره من
المنافقين الذين آذوه وسمع منهم في غير موطن ما يكرهه (وقال له آخر) هو ذو
الخويصرة واسمه حرقوص بن زهير (فمن يعدل ان لم اعدل) في رواية ان لم يعدل
الله ورسوله بين فيها
(1/433)
[تتمة في
مؤاخذة النبي صلي الله عليه وسلم الأنصار حين بلغه موجدتهم لتقسيمه غنائم
حنين في قريش]
ولما لم يصب الانصار من هذه المقاسم قليل شيء ولا كثيره وجدوا وجدا عظيما
ووقع في أنفسهم ما لم يقع قبل ذلك وقالوا يغفر الله لرسول الله يعطى قريشا
ويدعنا وسيوفنا تقطر من دمائهم وقالوا اذا كانت شديدة فنحن ندعى وتعطى
الغنيمة غيرنا فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم خبر موجدتهم جمعهم فخطبهم
فقال يا معشر الانصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بى وكنتم متفرقين فألفكم
الله بي وعالة فأغناكم الله بي كلما قال شيئا قالوا الله ورسوله أمنّ قال
ما يمنعكم ان تجيبوا رسول الله كلما قال شيئا قالوا الله ورسوله أمن قال لو
شئتم لقلتم جئتنا كذا وكذا أما ترضون ان يذهب الناس بالشاء والبعير وتذهبون
بالنبي صلى الله عليه وسلم الى رحالكم لولا الهجرة لكنت أمر أمن الانصار ان
فعله ذلك بأمر من الله عز وجل وتتمة الحديث خبت وخسرت ان لم اعدل وهو بضم
التاء فيهما ومعناه ظاهر وبفتحها على الاشهر ومعناه ان جرت لزم ان تجور أنت
لأنك مأمور باتباعي فتخيب وتخسر باتباعك الجائر قال القرطبي هذا معنى ما
قاله الائمة قال ويظهر لى وجه آخر وهو انه كان قال له لو كنت جائرا لكنت
أنت أحق الناس بان يجار عليك ويلحقك بادرة الجور الذى صد عنك فتعاقب عقوبة
معجلة في نفسك ومالك يخسر كل ذلك بسبها لكن العدل هو الذى منع من ذلك
وتلخيصه لولا امتثال أمر الله تعالى في الرفق لك لادركك الهلاك والخسار قال
في الديباج فاقول الذي عندي ان هذه الجملة اعتراضية للدعاء عليه والاخبار
عنه بالحيبة والخسران وليس قوله ان لم اعدل معلقا بها بل بالاول وهو قوله
ومن يعدل وما بينهما اعتراض انتهي قلت ايضاح هذا انه صلى الله عليه وسلم
كأنه قال ومن يعدل ان لم اعدل خيبك الله وزادك خسرانا وما قاله محتمل لكن
تأويل غيره أليق بمقام النبوة وانزه عن مكافأة ذى الشر بمثله وأعظم مدحا له
صلي الله عليه وسلم بالحلم والصبر واحتمال الأذى ومقابلته بالعطاء (لم يصب
الانصار) بالنصب (قليل شيء) بالرفع (وجدوا) بفتح الجيم (وجدا) بفتح الواو
وقد مر ان مصدر الوجد الذى هو بمعنى الغضب موجدة بفتح الميم وسكون الواو
وكسر الجيم (وسيوفنا تقطر من دمائهم) قال السيوطى وغيره فيه قلب أى ودماؤهم
تقطر من سيوفنا أو من بمعنى الباء (اذا كانت شديدة) أي حرب شديدة (وتعطى)
بالفوقية مبنى للمفعول (الغنيمة) بالرفع (غيرنا) بالنصب وروي ويعطي
بالتحتية مبني للمفعول الغنيمة بالنصب غيرنا بالرفع وبالتحتية مبنى للفاعل
الغنيمة غيرنا بنصبهما (فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم) بالنصب (خبر)
بالرفع (موجدتهم) أي غضبهم ومرضبطها آنفا (جمعهم) زاد مسلم في رواية فقال
أفيكم أحد من غيركم قالوا لا الا ابن اخت لنا فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم ابن أخت القوم منهم قال النووي استدل به من يورث ذوى الارحام وأجاب
المانعون بانه ليس في هذا اللفظ ما يقتضي توريثه وانما معناه ان بينه
وبينهم ارتباطا وقرابة ولم يتعرض للارث وسياق الحديث يقتضى ان المراد انه
كالواحد منهم في إفشاء سرهم بحضرته ونحو ذلك (ألم أجدكم ضلالا) بالتشديد
جمع ضال (وعالة) بالمهملة وتخفيف اللام أي فقراء (الله ورسوله أمن) بتشديد
النون افعل تفضيل من المن (الى رحالكم) بالمهملة أي بيوتكم (لولا الهجرة
لكنت أمرا من الانصار) أراد بذلك ان يطيب قلوبهم حيث رضى بان يكون واحدا
منهم أي لولا أمر الهجرة التى لا يمكن تبديلها والمعنى
(1/434)
ولو سلك الناس واديا أو شعبا لسلكت وادى
الانصار وشعبها الانصار شعار والناس دثار انكم ستلقون بعدى أثرة فاصبروا
حتى تلقوني على الحوض روي جميع ذلك البخاري. وفي رواية فيه انه صلى الله
عليه وسلم جمعهم في قبة من أدم ولم يدع معهم غيرهم فلما اجتمعوا قام النبي
صلى الله عليه وسلم فقال ما حديث بلغنى عنكم فقال فقهاء الانصار اما
رؤساؤنا يا رسول فلم يقولوا شيئا واما ناس منا حديثة أسنانهم فقالوا يغفر
الله لرسول الله يعطى قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم فقال النبي صلى
الله عليه وسلم فاني أعطى رجالا حديثى عهد بكفر أتألفهم أما ترضون ان يذهب
الناس بالاموال وتذهبون بالنبي صلى الله عليه وسلم الى رحالكم والله لما
تنقلبون به خير مما ينقلبون به قالوا يا رسول الله قد رضينا وفي رواية أخرى
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ترضون ان يذهب الناس بالدنيا وتذهبون
برسول الله صلى الله عليه وسلم الى بيوتكم قالوا بلى وفيها قال هشام لأنس
يا أبا حمزة وأنت شاهد ذلك اليوم قال وأين أغيب عنه* وروي خارج الصحيحين ان
سعد بن عبادة وحسان بن ثابت لولا ان النسبة التي لا يسعني تركها لانتسبت
اليكم وتسميت باسمكم لكن خصوصية الهجرة سبقت فمنعت من ذلك وهي أعلا وأشرف
فلا تبدل بغيرها هذا معنى ما ذكره الخطابي (واديا) أي مكانا منخفضا وقيل
الوادي مجري الماء المتسع (أو شعبا) بكسر المعجمة وسكون المهملة ثم موحدة
وهو الفرجة بين الجبلين قاله الخليل أو الطريق في الجبل قاله ابن السكيت
(الانصار شعار) بكسر المعجمة الثوب الذي يلى الجسد استعاره لشدة قربهم منه
وانهم بطانته وخاصته وألصق به من غيرهم (والناس دثار) بكسر المهملة ومثلثة
الثوب الذي فوق الشعار (ستلقون بعدى أثرة) بضم الهمزة مع سكون المثلثة
وبفتحهما وهو الاشهر والافصح وهو الاستئثار بالمشرك يستأثر عليكم ويفضل
عليكم غيركم بغير حق وهذا من اعلام النبوة فقد وقع الأمر كما قال صلى الله
عليه وسلم (روى جميع ذلك) أحمد و (البخارى) ومسلم وأصحاب السنن عن أنس وعن
عبد الله بن زيد وعن أسيد بن حضير (من أدم) أي جلود (ولم يدع معهم) روى من
الدعاء ومن الودع وهو الترك (فاني اعطى رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم) عد
منهم المجد في القاموس الاقرع بن حابس وجبير بن مطعم والحارث بن قيس
والحارث بن هشام وحكيم بن حزام وحكيم بن طليق وحويطب بن عبد العزي وخالد بن
أسيد وخالد بن قيس وزيد الخيل وسعيد بن بربوع وسهيل بن عمرو بن عبد شمس
العامرى وسهيل بن عمرو الجمحى وصخر بن أمية وصفوان بن أمية الجمحي والعباس
بن مرداس وعبد الرحمن بن يربوع والعلاء بن حارثة وعلقمة بن علاثة وأبو
السنابل بن عمرو بن بعكك وعمرو بن مرداس وعمير بن وهب وعيينة بن حصن وقيس
بن عدى وقيس بن مخرمة ومالك ابن عوف ومخرمة بن نوفل ومعاوية بن أبي سفيان
والمغيرة بن الحارث والنضر بن الحارث بن علقمة وهشام بن عمرو
(1/435)
انطلقا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فاخبراه بموجدة الانصار فقال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن عبادة هل
وجدت في نفسك كما وجد قومك فقال والله يا رسول الله ما أنا الا رجل من قومي
فأطرق صلى الله عليه وسلم فبينما هو يفكر إذ اندفع حسان يقول
هام الشجي فدمع العين ينحدر ... سحا على وجنتيه هاطل درر
وجدا بسلمى وقد شط المزار بها ... وغيرتها نوي في صرفها غير
غراء واضحة الخدين خرعبة ... ما عابها أود فيها ولا قصر
كأن ريقتها من بعد رقدتها ... مسك يداف بخمر حين يعتصر
فدع سليمة اذ شط المزار بها ... واصرف مديحك فيمن فيه تفتخر
ائت الرسول رسول الله أكرمنا ... ومن بطلعته يستنزل المطر
ائت الرسول وقل ياخير منتخب ... وزين من يرتجي جودا وينتظر
علام تعطي قريشا وهى نازحة ... انفال قوم هم أو واوهم نصروا
سماهم الله أنصارا لنصرهم ... دين الهدى وعوان الحرب تستعر
هم بايعوك وأهل الارض كلهم ... في حالة الشرك لا سمع ولا بصر
* شعر حسان (هام) أي ذهب لوجهه (الشجي) بالمعجمة والجيم بوزن القوي وهو
الذي يعرض له الشجا في حلقه فيغص (ينحدر) يسيل من أعلا الى أسفل (سحا)
منصوب على المصدر أو على الحال والسح في الاصل المطر العزير (على وجنتيه)
وهما جانبا الجبهة وفي هاء وجنتيه تزحيف (هاطل) سائل وزنا ومعنى (درر) بفتح
المهملة وكسر الراء كثير (بسلمى) بفتح السين (شط المزار) أي بعد (وغيرتها
نوي) أى بعد (في صرفها) بفتح المهملة وسكون الراء أى الحادث فيها من الكروب
(غير) بكسر المعجمة وفتح التحتية قال الشمني اسم من قولك غيرت الشيء فتغير
(غراء) بالمد والغرة البياض في وجه الفرس واستعير هنا (واضحة الخدين) أي
ظاهرتهما (خرعبة) بضم المعجمة والمهملة وسكون الراء بينهما وبالموحدة وهى
البيضاء الناعمة ويقال لها الرعبوبة أيضا (أود) أي انحناء يصفها بانتصاب
القامة (من بعد رقدتها) خص ذلك الوقت لأن الريق حينئذ يجف وينتن فاذا كان
وصف ريقها بعد الرقدة ما ذكر فكيف اذا كانت لم ترقد والريقة أخص من الريق
لانها القليل منه (يداف) يخلط به ويذاف بالمعجمة والمهملة (فدع) اترك
(سليمة) بالتصغير (ائت الرسول) أمر من الاتيان (نازحة) بعيدة في الموالاة
وان قويت في النسب (لنصرهم) بضم الهاء والميم وكسرهما وكسر الهاء وضم الميم
وفي الميم تزحيف وفي بعض النسخ لنصرتهم (وعوان الحرب) أي الحرب العوان بفتح
المهملة أي العظيمة (تستعر) تشتعل وزنا ومعنى (وأهل الارض كلهم) فيه ما في
لنصرتهم (لا سمع ولا بصر)
(1/436)
نحن الحماة لدين الله ننصره ... بالمشرفية
والاكباد تنفطر
نجالد الناس لا نخشى غوائلهم ... ولا نهاب العدى يوما وان كثروا
وقد رأيت ببدر والسيوف لها ... وقع تطير له من حره الشرر
ونحن جندك يوم الشعب من أحد ... بالمشرفية ما في عودنا خور
والناس الب علينا فيك ليس لنا ... الا السيوف وأطراف القناوزر
لا ننثنى عن لقا الاعداء كلهم ... وليس يزجرنا عن حربهم زجر
ويوم سلع وقد خانت وقد نكلت ... من خوف أسيافنا لما أتت مضر
وكم مقام لنا في الحرب تعلمه ... قمنا وأوجهنا في ذاك تزدهر
ما ان ضجرنا ولا رابت كتائبنا ... عن العداة وأهل الشرك قد ضجروا
صخر وعمرو وصفوان وعكرمة ... وآخرون وقوم ما لهم خطر
فكيف قدمتهم يا خير مؤتمن ... وقد تبين منا فيهم الأثر
الا العطاء الذي قدمته لهم ... ولم يكن لك في سادتنا نظر
معنويان (بالمشرفية) جمع مشرفي بفتح الميم والراء وسكون المعجمة بينهما ثم
فاء ثم تحتية مشددة منسوب الى مشارف الشام وهى قري من أرض العرب تدنو من
الريف قاله في القاموس (والاكباد) بالموحدة (تنفطر) بالفاء تنشق (نجالد
الناس) بالجيم أى نصابرهم في الحرب من الجلد وهو الصبر والقوة (غوائلهم)
جمع غائلة بالمعجمة والتحتية وهى كل امر يفضي الى الفساد والشر (ولا نهاب)
لا نحاف وزنا ومعنى (العدا) بكسر المهملة الأعداء (وقد رايت) بياء المتكلم
يريد نفسه أو بياء الخطاب يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما في عودنا)
بضم المهملة أي فينا (خور) بفتح المعجمة والواو أي ضعف (والناس إلب علينا)
بكسر الهمزة وسكون اللام أي متألبون مجتمعون (فيك) أي بسببك (الا السيوف)
بالرفع (واطراف القنا) يعني الرماح (وزر) بضم الواو والزاى جمع وزير أي
معين (لا ننثنى) أى لا نرجع (يزجرنا) ينهانا (زجر) بفتح الزاى والجيم أي
زاجر كحاكم (ويوم سلع) يريد يوم الخندق (وقد نكلت) بالنون وفتح الكاف أي
امتنعت من الحرب (وكم) خبرية (مقام) مجرور بها (تعلمه) بالفوقية (ما) نافية
(ان) زائدة (ضجرنا) بكسر الجيم مللنا وزنا ومعنا (ولا رابت) أي خافت
(كتائبنا) جمع كتيبة وهي الخيل المجتمعة (صخر) يعني أبا سفيان بن حرب
(وعمرو) يعني بن مرداس أو ابن بعكك أبا السنابل فكلاهما كان ممن أعطاه
يومئذ كما مر (وصفوان) بالصرف لضرورة الشعر يعنى ابن أمية (وعكرمة) بالصرف
كذلك أيضا يعني ابن أبي جهل (ما لهم خطر) بالمعجمة فالمهملة أي قدر يقال
فلان عظيم الخطر أي القدر ويحتمل
(1/437)
هذا ما ذكره محمد بن الحسن الكلاعى في
سيرته وحذفت بعض القصيدة اختصارا
وقد ذكر ابن اسحق شيأ من ذلك وتشاركا في بعض الألفاظ وروي ان النبي صلى
الله عليه وسلم حين سمع ذلك بكي وأمر سعدا ان يجمع قومه فجمعهم ثم جاء
النبي صلى الله عليه وسلم فكلمهم بما قدمناه والله أعلم.
[الكلام على وفد هوازن واستعطافهم النبي صلى
الله عليه وسلم في سباياهم]
ثم ان وفد هوازن جاؤوا مسلمين ومناشدين للنبي صلى الله عليه وسلم برضاعه
فيهم فقال له قائلهم يا رسول الله لو أنا ملحنا للحارث بن أبى شمر الغساني
أو النعمان بن المنذر ثم نزل منا بمثل الذي نزلت به رجونا عطفه وعائدته
علينا وأنت خير المكفولين وأنشده أحد سراتهم وهو زهير بن صرد الجشمى السعدي
أمنن علينا رسول الله في كرم ... فانك المرء نرجوه وننتظر
أمنن على بيضة قد عاقها قدر ... مشتت شملها في دهرها غير
يا خير طفل ومولود ومنتجب ... في العالمين اذا ما حصل البشر
ان لم تداركهم نعم تنشرها ... يا أرجح الناس حلما حين يختبر
أمنن على نسوة قد كنت ترضعها ... إذ فوك يملأه من محضها درر
انه أراد الخطر الذي بمعنى الخوف أي قوم لا يخاطرون معك ولم يلقوا الشدائد
دونك (الكلاعي) بفتح الكاف وتخفيف اللام منسوب الى كلاع موضع بالاندلس* خبر
مجىء وفد هوازن (ملحنا) بتخفيف اللام ثم مهملة أي أرضعنا (ابن أبي شمر)
بكسر المعجمة وسكون الميم (الغسانى) بفتح المعجمة وتشديد المهملة نسبة الى
غسان القبيلة المشهورة وأصله ماء نزل عليه الأزد فنسبوا اليه (أو النعمان)
بضم النون (وأنشده أحد سراتهم) بفتح المهملة وتخفيف الراء وبالفوقية أى
ساداتهم (زهير بن صرد) بضم الصاد المهملة وفتح الراء على لفظ الصرد الطائر
المعروف وهو صحابى كما ذكره ابن عبد البر وغيره ويكنى أبا جرول وروي ابياته
هذه الطبرانى في الصغير كما سيأتي (امنن) بضم الهمزة والنون أي انعم وقيل
أنعم نعمة عظيمة (رسول الله) منادى حذفت أداته (فانك المرء) بفتح الميم
وسكون الراء ثم همزة أي الرجل الذي (نرجوه) باشباع ضمة الهاء (على بيضة)
بفتح الموحدة وسكون التحتية ثم معجمة أي جماعة (قد عاقها) بالمهملة والقاف
أى شغلها عن الايمان بك قبل ان ينزل بها (قدر) قدره الله علها (مشتت) مفرق
(شملها) هو ما يجتمع من الشخص ويتفرق (غير) بالمعجمة والتحتية ومضى ذكره
أيضا في كلام حسان (ومنتجب) بالجيم (حصل) بالبناء للمفعول أى جمع (البشر)
لمعرفة خبرها (ان لم تداركهم) بفتح الفوقية وحذف تاء الاستقبال أى تتداركهم
وميمه مشبع الضمة (نعم) بالرفع فاعله (على نسوة) أراد حليمة ومن يقرب منها
من النساء اللاتي ينسب اليهن صلى الله عليه وسلم نسب الرضاع أو أراد مرضعة
أخرى من بني سعد لم تسم فجمع لوقوع الجمع على اثنين (ترضعها) بفتح الضاد في
المستقبل وكسرها في الماضى على الافصح (اذفوك) بضم الفاء اى فمك (من محضها)
باهمال الحاء واعجام الضاد أي لبنها الخالص (درر) بكسر الدال وفتح
(1/438)
لا تجعلنها كمن شالت بعامته ... واستبق منا
فانا معشر زهر
اذ أنت طفل صغير كنت ترضعها ... واذ يزينك ما تأتى وما تذر
انا لنشكر للنعمى اذا كفرت ... وعندنا بعد هذا اليوم مدخر
فألبس العفو من قد كنت ترضعه ... من أمهاتك ان العفو مشتهر
يا خير من مرحت كمت الجياد به ... عند الهياج اذا ما استوقد الشرر
انا نؤمل عفوا منك تلبسه ... هادي البريئة اذ تعفو وتنتصر
فاغفر عفا الله عما أنت راهبه ... يوم القيامة اذ يهدي لك الظفر
فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الشعر قال ما كان لي ولبني عبد
المطلب فهو لكم وقالت قريش ما كان لنا فهو لله عز وجل ولرسوله صلى الله
عليه وسلم وقالت الأنصار ما كان لنا فهو لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم
وروينا ذلك من عوالى شيخنا الامام الحافظ تقى الدين الراء جمع در بكسر
الدال وهي كثرة اللبن (كمن شالت) باعجام الشين أي تفرقت (نعامته) بفتح
النون وتخفيف المهملة يقال شالت نعامة القوم اذا رحلوا وتفرقوا أي لا
تجعلنا كمن ارتحل عنك وتفرق ويكني به أيضا عن الموت وذلك لارتفاع القدم
بالموت والنعامة باطن القدم قاله أبو البقاء وقال الشاعر
فليتما أمنا شالت نعامتها ... اما الى جنة اما الى نار
والمعنى على هذا لا تجعلنا كمن مات فلا ينتفع به في الحرب وغيرها والنعامة
أيضا الظلم فيجوز أن يكون قوله شالت نعامتهم منه كما يقال زال سواده ومحي
ظله اذا مات قاله السهيلى (واستبق) بكسر القاف (معشر) جماعة (زهر) بضم
الزاى والهاء (واذ يزينك) بفتح أوله وكسر ثانيه من زان بمعنى زين (وما تذر)
تترك (من امهاتك) اراد ما ذكرته على قوله على نسوة (من مرحت) بالمهملة وفتح
الراء أي مشت مختالة (كمت) بضم الكاف وسكون الميم جمع كميت وهو من الخيل
الشديد الحمرة قال في كفاية التحفظ ولا يقال كميت حتى يكون عرفه وذنبه
أسودين فان كانا أحمرين فهو أشقر والورد ما بين الكميت والاشقر (الجياد)
جمع جواد وهو الفرس الكريم السريع ويقال له اليعبوب أيضا (عند الهياج) جمع
هيجاء بالمد والقصر وهي الحرب (استوقد الشرر) أى أوقدت نار الاشتعال للحرب
(تلبسه) بضم أوله من ألبس (البريئة) بالنصب وهو بالهمز من قولهم برأ الله
الخلق وبتركه في الاستعمال مع التشديد (راهبه) خائفه (يهدى) مبني للمفعول
(الظفر) الفلاح (ما كان لى ولبني عبد المطلب فهو لكم الى آخره) فيه ما كان
عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من التأسى به وايثار ما يهواه صلى
الله عليه وسلم وفيه صلة من هو منه بسبيل صلى الله عليه وسلم (من عوالى
شيخنا) أي أسانيده العالية (تقى الدين) بالفوقية كما
(1/439)
محمد بن فهر القرشى الهاشمى العلوي كان
الله له قراءة مني عليه لجميعها بالمسجد الحرام سنة خمس وثلاثين وثمانمائة
يروي ذلك بسنده الى الحافظ أبى القاسم الطبرانى قال حدثنا عبد الله بن
رماجس القيسى من زمكة بزيادة رملة سنة أربع وسبعين ومائتين قال حدثنا أبو
عمرو زياد بن طارق وكان قد أتت عليه عشرون ومائة سنة قال سمعت أبا جرول
زهير بن صرد الجشمى فذكر الشعر وما بعده وذكر ما قبله ابن اسحق ولم يذكر
الشعر في رواية ابن هشام عنه وذكره في رواية ابراهيم بن سعد عنه وفيه زيادة
ونقص وقد اخترنا من ذلك البيت الثالث بدلا عن بيت أخرجناه من رواية شيخنا*
وروينا في الصحيحين عن المسور بن مخرمة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين يسئلونه أن يرد اليهم أموالهم
وسبيهم فقال لهم ان معي من ترون وأحب الحديث الى أصدقه فاختاروا احدى
الطائفتين اما المال واما السبي وفد كنت استأنبت لكم وفي رواية وقد كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظرهم بضع عشرة ليلة حين أقبل من الطائف
فلما تبين لهم أن النبى مر (ابن فهر) بفتح الفاء وسكون الهاء كما مر
(الطبراني) هو الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد منسوب الي طبرية بفتح
المهملة والموحدة وهي قصبة الاردن قاله في القاموس (رماجس) بفتح الراء
وتخفيف الميم وكسر الجيم ثم سين مهملة غير مصروف وهو في الاصل الشجاع
الجريء (القيسي) بفتح القاف وسكون التحتية نسبة الى قيس القبيلة المشهورة
(من زمكة) بفتح الزاى بلد معروفة قريبة من مصر (بزيادة) بكسر الزاي وتخفيف
التحتية (طارق) بالطاء المهملة وكسر الراء والقاف وهو ابن زهير بن صرد (أبا
جرول) بفتح الجيم وسكون الراء وفتح الواو مصروف قال العلماء وهذا من
ثلاثيات الطبرانى وفيه لطيفة وهي ان عبيد الله بن رماجس عاش بعد الامام
الشافعي رحمه الله سبعين سنة وأكثر وأدرك بعض التابعين وهو زياد ابن طارق
لانه تابعى رأي زهير بن صرد وهو صحابي كما مر (ما قبله ابن اسحق) عن محمد
بن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (وقد أخترنا من ذلك البيت الثالث) وهو
يا خير طفل ومولود ومنتجب ... فى العالمين اذا ما حصل البشر
(عن بيت أخرجناه من رواية شيخنا) وهو
أبنت لنا الدهر هنانا على حزن ... على قلوبهم العمى والغمر «1»
(وروينا في) مسند أحمد و (الصحيحين عن المسور بن محرمة) ومروان (وأحب
الحديث) بالرفع ويجوز النصب بان المقدرة (الى) بتشديد التحتية (أصدقه) فيه
فضيلة الصدق وكونه من شيم الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم (اما المال
واما السبي) بكسر همزة اما ونصب المال والسبي (استأنيت) من الاناة أي
انتظرت مجيئكم وأخرت قسمة السبي لتحضروا فابطأتم على وكان صلى الله عليه
وسلم ترك
__________
(1) كذا بالاصل والبيت فاسد كما لا يخفى ولم تقف على اصابه بعد البحث
الشديد فليحرر
(1/440)
صلى الله عليه وسلم غير راد اليهم الا احدى
الطائفتين قالوا فانا نختار سبينا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في
المسلمين فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فان اخوانكم هؤلاء
جاءونا تائبين واني قد رأيت ان أرد اليهم سبيهم فمن أحب منكم أن يطيب ذلك
فليفعل ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أوّل ما يفىء الله
علينا فليفعل فقال الناس طيبنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم
في ذلك انا لا ندري من أذن ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع الينا عرفاؤكم
أمركم فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم ثم رجعوا الى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا فهذا الذي بلغنا من شأن بني هوازن وروي
أنه كان في السبى الشيماء بنت الحرث وهي بنت حليمة فجاءت النبى صلى الله
عليه وسلم فتعرفت له بالاخوة. فلما عرفها بسط لها رداءه ووهبها عبدا وجارية
فزوجت العبد الجارية فلم يزل فيهم من نسلها بقية وقال أبو الطفيل وهو آخر
الصحابة موتا رأيت النبى صلى الله قسمة السبي حتى توجه الى الطائف فحاصرها
ثم رجع فقسمها (بكم) للكشميهنى في صحيح البخارى لكم (غير راد) بالرفع خبران
(يطيب) بضم أوله وفتح المهملة وكسر التحتية المشددة أي يعطى عن طيب نفس بلا
عوض (على حظه) أي نصيبه (يفىء) بضم أوله رباعي من أفاء (انا لا ندري من أذن
ممن لم يأذن) فيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من شدة الورع حيث لم يقنع
بظاهر الحال حتى يتحقق رضي جميعهم (عرفاؤكم) جمع عريف وهو الرئيس الذي يدور
عليه أمر الرعية ويتعرف أحوالهم وفي ذلك ثبوت العرافة وانها لا باس بها
وجاء في الحديث التحذير منها نحو لا بد من العريف والعريف في النار أخرجه
أبو نعيم في المعرفة عن معاوية بن زياد وأخرج الطيالسي عن أبي هريرة
العرافة أولها ملامة وآخرها ندامة والعذاب يوم القيامة وهو محمول على من لم
يقم بحق الرعية في النظر لمصالحهم ودرء مفاسدهم كالامارة (فهذا الذى بلغنا)
هو من كلام الزهرى (وروى انه كان في السبي) ذكره عياض في الشفاء بصيغة جزم
فقال ولما جيء باخته الشما الى آخره (الشيماء) بفتح المعجمة وسكون التحتية
والمد قال المحب الطبرى ويقال لها الشماء بغير ياء قال وكانت تربى النبي
صلى الله عليه وسلم مع امها حليمة وقد عدها ابن الاثير في الصحابة (بنت
الحارث) أبي النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة قال المحب الطبرى أدرك
الاسلام وأسلم بمكة (بالاخوة) بضم الهمزة والمعجمة وتشديد الواو (وقال أبو
الطفيل الى آخره) واسم أبي الطفيل عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمير بن
جابر بن خمس بن سعد بن ليث بن بكر بن مناة بن كنانة بن خزيمة (وهو) على
الاطلاق (آخر الصحابة) رضى الله عنهم (موتا) وكانت وفاته عام مائة من
الهجرة على الصحيح قال الحافظ عبد الرحيم العراقى في ألفيته
ومات آخرا بغير مرية ... أبو الطفيل مات عام مائة
(1/441)
عليه وسلم وأنا غلام اذ أقبلت امرأة حتى
دنت منه فبسط لها رداءه فجلست عليه فقلت من هذه قالوا أمه التي أرضعته فلما
انصرف وفد هوازن قال لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم اخبروا مالك بن عوف
انه ان أتاني مسلما رددت اليه أهله وماله وأعطيته مائة من الابل فلما
أخبروه خرج من الطائف ولحق بالنبى صلى الله عليه وسلم فأدركه بالجعرانة أو
بمكة فأعطاه ما كان وعده به وأسلم وحسن اسلامه وقال حين أسلم
ما ان رأيت ولا سمعت بمثله ... في الناس كلهم كمثل محمد
أو في وأعطى للجزيل اذا اجتدى ... ومتى تشأ يخبرك عما في غد
واذا الكتيبة عردت أنيابها ... بالسمهري وضرب كل مهند
ومن شعره رضى الله عنه
وبقيت سهما في الكنانة مفردا ... سيرمي به أو يكسر السهم كاسر
لكن أورد على ذلك عكراش بن ذؤيب فانه لقي النبي صلى الله عليه وسلم وشهد
الجمل مع عائشة وقال الاحنف كأنكم به قد أتي به قتيلا أو به جراحة لاتفارقه
حتى يموت فضرب يومئذ ضربة على أنفه فعاش بعدها مائة سنة وأثر الضربة به
وذكر ذلك ابن دريد فعلى هذا تكون وفاته سنة خمس وثلاثين ومائة وعكراش لا
خلاف في صحبته وأجيب بان هذه الحكاية لم يطلع لها على اسناد يثبت بمثله ذلك
وأما آخر من مات بالمدينة فجابر بن عبد الله كما روي عن قتادة وقيل سهل بن
سعد وقيل السائب بن يزيد وبمكة عبد الله بن عمر وقيل جابر وذكر ابن المدينى
ان أبا الطفيل مات بمكة فيكون الآخر بها موتا وبالبصرة أنس وبالكوفة عبد
الله بن أبي أو في وبالشام عبد الله بن بسر وقيل أبو امامة وبمصر عبد الله
بن الحرث بن حزن وبفلسطين أبو أبي ابن أم حرام وبدمشق واثلة بن الاسقع
وبحمص عبد الله بن بشر وباليمامة الهرماس بن زياد وبالجزيرة العرس بن عميرة
وبافريقية رويقع بن ثابت وبالبادية سلمة بن الاكوع قال ابن عبد البر وقال
غيره مات رويقع بحاضرة برقة وسلمة بالمدينة بعد نزوله من البادية بليال
(اذا قبلت امرأة الى آخره) أخرج أبو داود من حديث عمرو ابن السائب انه بلغه
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا يوما فأقبل أبوه من الرضاعة
فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه ثم أقبلت امه فوضع لها شق ثوبه من جانبه الآخر
فجلست عليه ثم أقبل أخوه من الرضاعة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأجلسه بين يديه قال المحب الطبري وهذا الحديث معضل لان عمرو بن السائب
يروي عن التابعين (فبسط لها رداء الى آخره) في ذلك وفيما سيأتي عقبه ما كان
عليه صلى الله عليه وسلم من حسن الخلق في الوفاء وحسن العهد وصلة الرحم
قاله عياض (ما) نافية (ان) زائدة (كلهم) فيه ما مر في قصيدة حسان (اذا
اجتدي) بالجيم والمهملة أي طلب جداوة أى عطية وباهمال الحاء واعجام الذال
أي سئل منه أن يحذي أى يعطى (عردت أنيابها) بالعين المهملة أي قدت وقطعت
(بالسمهري) بفتح المهملة وسكون الميم وفتح الهاء أي الريح الشديد الصلب أو
منسوب الى سمهر زوج ردينة كان يثقف الرماح أو الى قرية بالحبشة أقوال (كل
مهند) بضم الميم وفتح الهاء وتشديد النون أى سيف منسوب الى الهند
(1/442)
فكأنه ليث على أشباله ... وسط الهباء خادر
في مرصد
فاستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه فحارب بهم ثقيفا حتى ضيق
عليهم ففي ذلك يقول أبو محجن الثقفي هابت الأعداء جانبنا ثم يغزونا بنو
اسلمه
ثم خرج النبى صلى الله عليه وسلم من الجعرانة معتمرا فلما فرغ من عمرته
انصرف راجعا الى المدينة وانقطعت الهجرة واستعمل على أهل مكة عتاب بن أسيد
وخلف مع معاذ ابن جبل يفقه الناس ويعلمهم أمر دينهم فحج عتاب ذلك العام
بالناس وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في آخر ذي القعدة أو في
أوّل ذي الحجة وبقى أهل الطائف على شركهم الى رمضان من سنة تسع وأوفدوا
قوما منهم باسلامهم على ما سيأتي في تواريخ السنة التاسعة ان شاء الله
تعالى
[مطلب ومما اتصل بالفتح بعث خالد بن الوليد الى بني جذيمة يدعوهم إلى
الإسلام]
* ومما اتصل بالفتح بعث خالد بن الوليد الى بنى جذيمة من كنانة وذلك ما
رويناه في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر قال بعث رسول الله صلى الله
عليه وسلم خالد بن الوليد الى بني جذيمة فدعاهم الى الإسلام فلم يحسنوا أن
يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا فجعل لان السيوف كانت تعمل بها
(فكأنه ليث) أى أسد (اشباله) بالمعجمة والموحدة أولاده وزنا ومعنى (وسط)
بسكون السين (الهباء) بفتح الهاء والموحدة والمد وهى الاجمة وهي الشجر
الملتف (خادر) بالمعجمة أى متخذ الهباء خدرا (أبو محجن) بكسر الميم وسكون
المهملة وفتح الجيم قال ابن عبد البر اسمه مالك بن حنيف على الصحيح (هابت)
بالموحدة من الهيبة (بنو سلمة) بكسر اللام (من الجعرانة معتمرا) وبه استشهد
أصحابنا على تفضيل الاحرام بالعمرة منها على التنعيم قال الواقدي لمجاهد
وكان احرامه صلى الله عليه وسلم بها من المسجد الاقصى الذي تحت الوادى
بالعدوة القصوي قال وكان ليلة الاربعاء لاثنتي عشرة بقيت من ذى القعدة قال
شيخنا الشهاب ابن حجر في حاشية الايضاح ولا يقال انما اعتمر بها مجتازا في
رجوعه من الطائف أى فلا يستدل بذلك لتقديمها على التنعيم لما صح انه صلى
الله عليه وسلم خرج من مكة ليلا معتمرا ثم عاد وأصبح كبائت (عتاب بن أسيد)
تقدم في غزوة حنين ذكره (في آخر ذي القعدة) بفتح القاف أشهر من كسرها (ذى
الحجة) بكسر الحاء أشهر من فتحها يوم الاثنين اليوم الخامس منه وهذا هو
الصحيح بعث خالد بن الوليد الى بني جذيمة (ومما اتصل بالفتح من البعوث بعث
خالد بن الوليد) وكان في شهر شوال عقب الفتح (بنى جذيمة) بجيم ومعجمة بوزن
عظيمة قبيلة من عبد القيس والنسبة اليها جذمي بفتح المعجمة مع فتح الجيم
وضمها قال السهيلى وتعرف تلك الغزوة بالغميصاء اسم ماء لبنى جذيمة (ما
رويناه في صحيح البخارى) وسنن النسائي (بن عمر) بن الخطاب (صبأنا صبأنا)
بالهمز وتركه والصابئ الخارج
(1/443)
خالد يقتل ويأسر ودفع الى كل رجل منا أسيره
حتى اذا كان يوم أمر خالد أن يقتل كل منا أسيره فقلت والله لا أقتل أسيرى
ولا يقتل أحد من أصحابى أسيره حتى قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم
فذكرناه فرفع يديه فقال اللهم انى أبرأ اليك مما صنع خالد مرتين قال أهل
السير ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم علي بن ابى طالب كرم الله وجهه في
الجنة ليتلافي خطأ خالد وبعث معه بمال فودى لهم الدماء والاموال حتى ميلغة
الكلب ثم بقي من المال بقية فقال أعطيكم هذا احتياطا لرسول الله صلى الله
عليه وسلم مما لم يعلم ولا تعلمون فلما رجع علي الى النبي صلى الله عليه
وسلم وأخبره الخبر قال أصبت وأحسنت وانما أنكر النبي صلى الله عليه وسلم
على خالد حيث لم يتثبت في أمرهم ثم عذره في اسقاط القصاص لأن هذا ليس
تصريحا في قبولهم الدين وقد سأل عمر أبا بكر في خلافته قتل خالد بن الوليد
حين قتل مالك بن نويرة فقال لا أفعل لأنه متاول ثم سأله عزله فقال لا أغمد
سيفا سله الله على المشركين ولا أعزل واليا ولاه رسول الله صلى الله عليه
وسلم*
[مطلب ومما اتصل بالفتح إرسال البعوث الى هدم أصنام العرب]
ومما ذكر هنا أيضا بعث خالد بن الوليد لهدم العزى وكانت بنخلة وكان سدنتها
وحجابها بنو شيبان من بنى سليم فهدمها خالد من دين الى دين (وياسر) بكسر
السين (اذا كان يوم) بالتنوين وكان تامة (لتلافى خطأ خالد) أى تداركه وهو
بالفوقية والفاء (فودى لهم) أى أدي الدية (حتى ميلغة الكلب) بكسر الميم
وفتح اللام الاناء الذى يلغ فيه وهذا وصف مبالغة في انه ضمن لهم كل فائت
لهم (قال) له (اصبت وأحسنت) فيه منقبة لعلى كرم الله وجهه ورضي عنه حيث
استحسن صلى الله عليه وسلم ما فعله من الاحتياط (قتل مالك بن نويرة) بالنون
والتصغير هو اليربوعي وله أخ اسمه متمم بن نويرة ورثاه يومئذ فقال
وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
وعشنا بخير في الحياة وقبلنا ... أصاب المنايا رهط كسري وتبعا
فلما تفرقنا كانى ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
(لانه متأول) وكان تأوله انه كان يقول له قال صاحبكم كذا وكذا يعنى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فتأول خالد انه غير مصدق بنبوته صلى الله عليه
وسلم ولا تغتر بما ذكره ابن عبد السلام في قواعده انه انما قتله ليتزوج
امرأته ثم تزوجها بعد ذلك فليس هذه طريق تحسين الظن باصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم* بعث خالد لهدم العزي (وكانت بنخلة) لا ينصرف قال البغوي
وكانت لسليم وغطفان وجشم وضعها لهم على ما قاله الضحاك سعد بن ظالم
العطفاني وكانت شجرة قاله مجاهد أو حجرا من الصفا أو حجرا من المروءة
وثلاثة أحجار جعل التي من الصفا الصفا والتى من المروة المروة وثلاثة أحجار
أسندها الى شجرة وقال هذه ربكم قاله الضحاك وقال ابن دريد كانت بيتا
بالطائف (سدنتها) جمع سادن بالمهملتين والنون وهو متولي خدمتها (بنو شيبان)
بفتح المعجمة وسكون التحتية فالموحدة (فهدمها خالد) قال البغوي
(1/444)
ثم رجع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم*
وبعث صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص الى سواع صنم هذيل فهدمه* وروينا في
صحيح البخاري عن ابن عباس قال صارت الأوثان التى كانت تعبد في قوم نوح عليه
السلام في العرب بعد. أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل وأما سواع فكانت
لهذيل وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبنى غطيف بالجوف عند سبأ وأما يعوق فكانت
لهمدان.
وأما نسر فكانت لحمير لآل ذى الكلاع وكانت للعرب أصنام أخر فاللات لثقيف
ومناة لقديد جعل يضربها بالفاس ويقول يا عزى كفرانك لا سبحانك اني رأيت
الله قد أهانك فخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها داعية ويلها واضعة يدها على
رأسها (ثم رجع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد البغوي وأخبره بذلك
فقال تلك العزي ولن تعبد أبدا (الى سواع) مصروف (صنم هذيل) بدل من سواع
(بعد) مبني على الضم (اماود) بفتح الواو وضمها (فكانت لكلب) بالصرف (بدومة
الجندل) بضم الدال وفتحها وفتح الجيم وسكون النون فمهملة فلام قال في
التوشيح مدينة بالشام مما يلى العراق (يغوث) لا ينصرف (فائدة) ذكر ابن
الاثير ان سادن يغوث اسمه العوام بن جهبذ سمع هاتفا يقول ادخل على اسم الله
والتوفيق رحلة لاوان ولا مسبوق الى فريق خير ما فريق الى النبي الصادق
المصدوق فرمى الصنم وأسلم (فكانت لمراد) بالصرف وهو أبو قبيلة سمى به لانه
تمرد قاله في القاموس (لبني غطيف) باعجام الغين واهمال الطاء والتصغير
(بالجوف) بفتح الجيم وسكون الواو وللكشميهني بالجرف بضم الجيم والراء
وللنسفى بالجون بالجيم وواو ونون (يعوق) لا ينصرف (لهمدان) بسكون الميم
واهمال الدال القبيلة المعروفة (نسر) بالصرف (لحمير) بكسر المهملة وسكون
الميم وفتح التحتية قبيلة من اليمن (لآل ذي الكلاع) بفتح الكاف وتخفيف
اللام ومهملة اسمه أنفع بن باكورا ويقال اسميفع بفتح الهمزة والميم والفاء
وسكون المهملة والتحتية وتتمة الحديث وكلها أسماء رجال صالحين من قوم نوح
فلما هلكوا أوحى الشيطان الى قومهم ان انصبوا الى مجالسهم التى كانوا
يجلسون فيها أنصابا وسموها باسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتي اذا هلك أولئك
ونسخ العلم وللكشميهنى ونسخ عبدت انتهى الحديث وروي عن ابن عباس انها دفنها
الطوفان وطمها التراب فلم تزل كذلك حتى أخرجها اللعين لمشركى العرب
(فاللات) كانت بالطائف قاله قتادة أو بنخلة قاله زيد ابن أسلم وفي صحيح
البخارى كان اللات رجلا يلت سويق الحاج قال الاسماعيلى وهذا على قراءة
اللات بتشديد التاء وهى قراءة ابن عباس في مجاهد وأبي صالح (لثقيف) يعبدها
وعبدتها قريش معهم أيضا (ومناة) بالقصر غير مهموز وقرأ ابن كثير بالمد
والهمز وكانت بالمشلل بفتح المعجمة واللام المشددة وهو جبل (لقديد) بقاف
ومهملة مصغر مكان بين مكة والمدينة بقرب خليص وكانت مناة يعبدها خزاعة قاله
قتادة أوهم وهذيل قاله الضحاك أو كانت تعبده بنو كعب قاله ابن زيد وجاء في
الحديث قالت عائشة رضي الله عنها في الانصار كانوا يصلون لمناة وكانت حذو
قديد (فائدة) قال البغوي اختلف القراء في الوقف على اللات ومناة فوقف بعضهم
عليهما بالهاء وبعضهم بالتاء وقال بعضهم ما كتب في المصحف بالتاء وقف عليه
بالتاء وما
(1/445)
واساف ونائلة وهبل لاهل مكة وذو الخلصة
لخثعم ودوس فهدمها صلى الله عليه وسلم جميعا ومما ذكر أيضا اسلام عباس بن
مرداس ذكره ابن هشام عقيب فراغه من قصة الفتح وكان من خبره انه كان لأبيه
مرداس صنم يعبده يقال له ضمار فأوصاه به عند موته وقال له اعبد ضمارا فانه
ينفعك ويضرك فبينما عباس يوما عنده اذ سمع مناديا من جوفه يقول
قل للقبائل من سليم كلها ... أودى ضمار وعاش أهل المسجد
ان الذى ورث النبوة والهدى ... بعد ابن مريم من قريش مهتدى
أودى ضمار وكان يعبد مرة ... قبل الكتاب الى النبى محمد
فحرقه عباس ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلم
[مطلب في مقدم كعب بن زهير مسلما وانشاده
قصيدته المشهورة]
ومما ذكر هنا أيضا قصة كعب بن زهير بن أبى سلمى المزنى وكان ممن يهجو رسول
الله صلى الله عليه وسلم ويؤذيه وكان كتب بالهاء وقف عليه بالهاء (اساف)
بكسر الهمزة وتخفيف المهملة وبالفاء مصروف (ونائلة) بالنون وكسر الهمزة
والمد غير مصروف (و) كذا (هبل) بالموحدة بوزن عمر (وذوا الخلصة) بفتح
المعجمة واللام على المشهور وحكى عياض ضم المعجمة مع فتح اللام وحكى أيضا
فتح المعجمة وسكون اللام (الخثعم) بفتح المعجمة والمهملة بينهما مثلثة
ساكنة بوزن جعفر أبو قبيلة من معد* ذكر اسلام عباس بن مرداس (وكان من خبره
انه كان لابيه مرداس صنم يعبده الى آخره) ظاهر كلام المصنف ان تكلم ضمار
كان هو السبب في اسلام عباس بن مرداس وأخرج بن أبى الدنيا في سبب اسلامه من
حديثه انه كان في لقاح له نصف النهار فطلعت عليه نعامة بيضاء عليها راكب
عليه ثياب بيض فقال لى يا عباس بن مرداس ألم تر ان السماء كفت احراسها وان
الحرب جوعت أنفاسها وان الجعال وضعت أحلاسها وان الذى نزل عليه البر والتقى
يوم الاثنين ليلة الثلثاء صاحب الناقة القصوى قال فخرجت مرعوبا قد راعني ما
رأيت وسمعت حتي جئت وثنا لنا يقال له ضمار وذكر القصة (ضمار) بكسر المعجمة
مصروف وقيل بفتح المعجمة وبنائه على الكسر كحذام وقطام (أودي) بفتح الهمزة
وسكون الواو وفتح المهملة أى سري الداء في كله (ضمار) بلا صرف لضرورة الشعر
(قبل الكتاب) أى قبل نزوله (فحرقه عباس) بالنار (ولحق بالنبي صلى الله عليه
وسلم) زاد ابن أبي الدنيا في ثلثمائة من قومه وفيه انهم لما قدموا المدينة
دخلوا المسجد فلما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم تبسم وقال يا عباس كيف
اسلامك فقص عليه القصة فقال صدقت وأسلم هو وقومه قال عياض في الشفاء لما
تعجب من كلام ضمار صنمه وانشاده الشعر الذي ذكر فيه النبي صلى الله عليه
وسلم اذا طائر سقط فقال يا عباس أتعجب من كلام ضمار ولا تعجب من نفسك ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الى الاسلام وأنت جالس فكان ذلك سبب
اسلامه* ذكر قصة كعب بن زهير (بن أبي سلمى) بضم السين واسم أبى سلمى
(1/446)
أخوه بجير قد أسلم ولما رجع رسول الله صلى
الله عليه وسلم من الطائف كتب بجير الى كعب يخبره ان النبي صلى الله عليه
وسلم قتل رجالا بمكة ممن كان يهجوه ويؤذيه فان كان لك في نفسك حاجة فطر الى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فانه لا يقتل أحدا جاءه تائبا وكان كعب قد
كتب الى بجير أبياته التي يقول فيها
الا أبلغا عني بجيرا رسالة ... فهل لك فيما قلت ويلك هل لكا
سقاك بها المأمون كأسا روية ... فانهلك المأمون منها وعلكا
وخالفت أسباب الهدى وتبعته ... على أي شيء ويب غيرك دلكا
على مذهب لم تلف أما ولا أبا ... عليه ولم تدرك عليه أخا لكا
فلما جاءت بجيرا أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سمع قوله
المأمون قال صدق وانه لكذوب انا المأمون وكانت قريش تسمى رسول الله صلى
الله عليه وسلم الامين والمأمون وصدقه أيضا في البيت الآخر فقال أجل لم تلف
عليه أباه ولا أمه ثم ان بجيرا كتب الى كعب أبياتا يخوفه فيها فلما بلغته
ضاقت به الارض وأشفق على نفسه وأرجف به من كان في حاضره فسار حتى قدم
المدينة فنزل على صديق له من جهينه فذهب به الى النبى صلى الله عليه وسلم
فوافقوه في صلاة الصبح فلما انقضت الصلاة قال له الجهني هذا رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقام كعب فجلس بين يديه ووضع يده في يده وقال يا رسول الله
ان كعب بن زهير قد جاء مسلما تائبا فهل أنت قابل منه ان جئتك به فقال رسول
الله صلى ربيعة بن رباح أحد بنى مزينة قاله السهيلى (أخوه بجير) بضم
الموحدة وفتح الجيم (فطر) أمر من الطيران أى سر سيرا سريعا (بها المأمون)
الذى لابن اسحاق ولغيره المحمود (كأسا) هى من أسماء الخمر وهي هنا استعارة
(روية) بفتح الراء وكسر الواو وتشديد التحتية أي شديدة الارواء (فأنهلك)
سقاك نهلا وهو الشرب الاول (وعلكا) بالف الاطلاق وكذا ما بعده أي سقاك عللا
وهو الشرب الثانى (ويب) بفتح الواو وسكون التحتية ثم موحدة بمعنى ويل قال
في القاموس يقال ويبك وويب بك وويب لزيد وويبا له وويب له وويبه وويب غيره
وويب زيد وويب فلان بكسر الباء ورفع فلان عن ابن الاعرابي ومعنى الكل ألزمه
الله ويلا (لم تلف) بالضم من الفى أى وجد (اما ولا أبا) قال ذلك لان أمهما
واحدة واسمها كبشة بنت أبى عمار السجمية نقله ابن الاعرابي عن ابن الكلبي
(فلما جاءت) الابيات (بحيرا) مفعول (وأشفق) أى خاف (وارجف) بالجيم والفاء
أي أكثروا الكلام عليه يخيفونه بذلك (فوافوه) أي وافقوه* شرح
(1/447)
الله عليه وسلم نعم قال أنا يا رسول الله
كعب بن زهير فقال رجل من الانصار يا رسول الله دعني أضرب عنقه فقال دعه
فانه قد جاء تائبا ثم أنشد القصيدة في المسجد
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيم اثرها لم يفد مكبول
وما سعاد غداة البين اذ برزت ... الا أغن غضيض الطرف مكحول
هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة ... لا يشتكي قصر فيها ولا طول
تجلو عوارض ذي ظلم اذا ابتسمت ... كانه منهل بالراح معلول
شجت بدي شبم من ماء محنية ... صاف بأبطح أضحى وهو مشمول
تنفى الرياح القذا عنه وأفرطه ... من صوب عادية بيض يعاليل
قصيدته المشهورة (بانت) أي فارقت والبين الفراق (سعاد) غير مصروف (متبول)
بتقديم الفوقية على الموحدة أي سقيم من بتله الحب أى أسقمه (متيم) مستعبد
للحب (مكبول) بالموحدة مقيد والكبل بفتح الكاف وسكون الموحدة القيد الضخم
(البين) الفراق كما مر (اذ برزت) للرحيل وفي بعض النسخ اذ رحلوا وعليها
التخميس (الا أغن) أى مثل أغن حذف المضاف وأقام المضاف اليه مقامه والاغن
بالمعجمة وتشديد النون ولد البقرة الوحشية (غضيض) بالاعجام أى فاتر (الطرف)
أي النظر (مكحول) هو الذي غشى عينيه سواد مثل الكحل من غير اكتحال (هيفاء)
بفتح الهاء وسكون التحتية وبالفاء والمد وهي مهضومة البطن والخاصرة (عجزاء)
بالمد عظيمة العجز (تجلو) تكشف (عوارض) ثعر (ذي ظلم) والعوارض الانياب
والضواحك التي تلى الانياب بينها وبين الاضراس والظلم بفتح المعجمة وسكون
اللام ماء الاسنان (كانه) أي الثغر الموصوف (منهل) بضم الميم وفتح الهاء أى
مسقى (بالراح) أي الخمر أوّل مرة (معلول) بالمهملة مسقى بها مرة أخرى (شجت)
بالمعجمة والجيم مبني للمفعول أى مزجت (بذي) أى بماء ذي (شبم) بفتح المعجمة
والموحدة أي برد والشبم بالكسر الماء البارد ولا يجوز الكسر هنا لان ذا لذى
بمعنى صاحب لا يضاف الا الى أسماء الاجناس وهو بالفتح جنس وبالكسر صفة (من
ماء محنية) بفتح الميم وسكون المهملة وكسر النون وهو منعطف الوادى (بابطح)
وهو المسيل المتسع (أضحى) وقت الضحي كاصبح وقت الصباح (وهو مشمول) بالمعجمة
أى اصابته ريح الشمال وهى رياح باردة تقابل الجنوب واذا كان الماء بهذه
الصفات فهو من أبرد الماء وأصفاه (القذا) بفتح القاف وتخفيف المعجمة ما سقط
(وأفرطه) بالفاء والمهملة أي ملأه (من صوب) بفتح المهملة وسكون الواو أي
مطر (عادية) هى السحابة التى تأتى نهارا وفي بعض النسخ سارية وهي التى تأتي
ليلا (يعاليل) بالتحتية فالمهملة جمع يعلول بفتح التحتية وهو السحاب الراوي
(ويل امها) مضى شرحه على قوله صلى الله عليه وسلم ويل أمه مسعر حرب وفي
(1/448)
سقيا لها خلة لو انها صدقت ... موعودها أو
لوان النصح مقبول
لكنها خلة قد سيط من دمها ... فجع وولع واخلاف وتبديل
فما تدوم على حال تكون بها ... كما تلون في أثوابها الغول
ولا تمسك بالوعد الذى زعمت ... الا كما تمسك الماء الغرابيل
كانت مواعيد عرقوب لها مثلا ... وما مواعيده الا الأباطيل
أرجوا وآمل ان تدنوا مودتها ... وما أخال لدينا منك تنويل
فلا يغرنك ما منت وما وعدت ... ان الاماني والأحلام تضليل
أمست سعاد بأرض لا يبلغها ... الا العتاق النجيبات المراسيل
بعض النسخ بدله سقيا لها أى سقاها الله سقيا (خلة) بضم المعجمة وتشديد
اللام وهي الخليل ويقع على الذكر والانثى والتثنية والجمع لانه في الاصل
مصدر (أولوان) بوصل ألف القطع ونقل حركته الي الواو لضرورة الشعر (سيط)
بكسر المهملة واشمامها ثم تحتية ساكنة ثم مهملة أي خلط ومزج (من دمها) أى
به وعدل عنه الى من ليتزن البيت (فجع) بفتح الفاء وسكون الجيم ثم مهملة أى
افجاع ويقال فجعته المصيبة أى أوجعته (وولع) بالمهملة بوزن الاول أى كذب
(فما تقوم) في بعض النسخ فما تدوم (كما تلون) أى تتلون فحذف تاء الاستقبال
(في أثوابها) بالمثلثة والموحدة أى صفلتها (الغول) بضم المعجمة ما يغتال
الانسان ويهلكه وقيل أراد السعالى وهي نوع من الجن في صفات مختلفة (ولا
تمسك) بفتح الفوقية والسين أى تتمسك وبضم الفوقية وكسر السين بمعناه
(بالوعد) هى اليمين والموثق والذمة (الذى زعمت) أي قالت (الماء) مفعول
(الغرابيل) فاعل وهو جمع غربال بكسر المعجمة وبالموحدة وهو المنخل (عرقوب)
بالصرف لضرورة الشعر وهو بضم المهملة والقاف وسكون الراء آخره موحدة ابن
معبد بن أسد من العمالقة أتاه أخاله يسأله فقال اذا طلع نخلى فجاءه للوعد
فقال اذا أبلح فجاءه للوعد فقال اذا أزهى فجاءه للوعد فقال اذا أرطب فجاءه
للوعد فقال اذا صار تمرا فلما صار تمرا أخذه ليلا ولم يعطه شيأ فضربت به
الامثال في خلف الوعد قال
وعدت وكان الوعد منك سجية ... مواعيد عرقوب أخاه بيثرب
(الاباطيل) جمع باطل على غير قياس (ان يعجلن) أى يسرعن (في أمد) أى مدة
قريبة وفي بعض النسخ ان تدنو مودتها (اخال) أي وهو بكسر الهمزة عند
المحدثين وبفتحها عند اللغويين (الدهر) بالنصب على المصدر (تعجيل) وفي بعض
النسخ وما اخال لدينا منك تنويل أى عطاء (ما منت) أي منتك به من الوصل
والوفاء والاماني جمع أمنية وهو ما يتمني الانسان مما ليس عنده ولا يقدر
عليه (الاحلام) جمع حلم بضم المهملة وسكون اللام وهو رؤيا النوم (تضليل)
ينسب الي الضلال وجعل ذلك مثلا لتمنيه له ووعدها اياه بالوصل والوفاء (الى
العتاق) جمع عتيقة بالفوقية والقاف وهى الفرس السابقة يقال عتقت الفرس اذا
سبقت ونجت (النجيبات) جمع نجيبة بمعناه (المراسيل) بمعنى مرسال بكسر الميم
وهي الناقة السهلة
(1/449)
ولن يبلغها إلا عذافرة ... فيها على الأين
ارقال وتبغيل
من كل نضاحة الذفري اذا عرفت ... عرضتها طامس الاعلام مجهول
ترمى النجاد بعين مفرد لهق ... اذا توقدت الحزان والميل
ضخم مقلدها فعم مقيدها ... في خلقها عن بنات الفحل تفضيل
غلباء وجناء علكوم مذكرة ... في دفها سعة قدامها ميل
وجلدها من أطوم لا يؤيسه ... طلح بضاحية المتنين مهزول
السريعة (الاعذافرة) بضم المهملة وتخفيف المعجمة فالف ففاء مكسورة فراء
خفيفة وهي الناقة الشديدة السريعة (على الاين) بالتحتية إلعناء والتعب
(إرقال) بالقاف أي اسراع (وتبغيل) بالموحدة والمعجمة وهو مشى فيه اختلاف
بين سير العنق والهملجة يشبه مشية البغل (نضاحة) بتشديد المعجمة وتخفيف
الحاء المهملة مشتق من النضح وهو العرق ويجوز اعجام الحاء لأن معناه العين
الغزيرة (الذفرا) بكسر المعجمة وسكون الفاء وفتح الراء الموضع الذي يعرق من
البعير خلف اذنه (عرضتها) بضم المهملة همتها (طامس الاعلام) أى الطريق الذي
اعلامه طامسة أي دارسة لبعده وقلة سالكيه والاعلام العلامات التى يستدل بها
على الطريق (مجهول) لا يعلم لدروس علاماته (النجاد) بكسر النون جمع نجد وهو
ما أشرف من الارض ويقال في جمعه أيضا أنجد وأنجاد ونجود ونجد وفي بعض النسخ
ترمى الغيوب وهو ما غاب عنها من الارض وبعد وصفها بحدة بصرها (بعين مفرد)
أى بعين كعين مفرد وهو بضم الميم وسكون الفاء وفتح الراء ثور الوحش (لهق)
بفتح اللام وكسر الهاء وفتحها ثم قاف صفة للثور أي أبيض (الحزان) بكسر
المهملة ويجوز ضمها وتشديد الزاي جمع حزن وهو ما غلظ من الارض (والميل)
بكسر الميم وسكون التحتية جمع ميلاء وهي العقدة الضخمة من الرمل (ضخم)
بالمعجمتين غليظ (مقلدها) بضم الميم وفتح اللام موضع القلادة وهو العنق
(فعم) بالفاء والمهملة أي ممتلئ (مقيدها) بوزن مقلدها وهو موضع القيد من
الرجل (في خلقها عن بنات الفحل تفضيل) أي انها تشبه الذكر لعظم حسنها
(غلباء) بفتح المعجمة وسكون اللام ثم موحدة ثم المد وهو غلظ الرقبة (وجناء)
بالجيم والنون بوزن غلباء أي عظيمة الوجنتين (علكوم) بضم المهملة والكاف
وسكون اللام أي ضخمة (مذكرة) تشبه الذكر لعظمها (في دفها) بفتح الدال
المهملة ثم فاء أى جنبها (قدامها) مبتدأ (ميل) خبر شبه مقدم رأسها بميل
الكحل في ملاسته واستوائه أو اراد أنها بحدة نظرها تنظر نظرا يدرك به الميل
وهو القدر المعلوم من الارض (من اطوم) بفتح الهمزة وضم المهملة وهى
السلحفاة البحرية شبه جلدها في قوته بالذيل الذى يتخذ منه السواد وهو ظهر
السلحفاة لملاسة وبرها (لا يؤيسه) بفتح الهمزة وكسر التحتية ثم مهملة أي لا
يؤثر فيه (طلح) بكسر المهملة وسكون اللام ثم مهملة أى قراد (بضاحية
المتنين) أى ما برز منهما للشمس والمتنان مكتنفا الصلب من يمين وشمال من
عصب ولحم (مهزول) عجيف يريدان القراد الجائع المهزول
(1/450)
حرف أخوها أبوها من مهجنة ... وعمها خالها
قوداء شمليل
يمشى القراد عليها ثم تزلقه ... عنها لبان وأقراب زهاليل
عيرانة قذفت بالنحض عن عرض ... مرفقها عن بنات الزور مفتول
كأنما قاب عينيها ومذبحها ... من خطمها ومن اللحيين برطيل
قنواء في حرتيها للبصير بها ... عتق مبين وفي الخدين تسهيل
تمر مثل عسيب النخل ذا خصل ... في غارز لم تخونه الاحاليل
لا يؤثر في جلدها ولا يثبت عليه لملاستها (حرف) بفتح المهملة وسكون الراء
ثم فاء وهي الناقة القوية الصلب شبهت بحرف الجبل (أخوها أبوها وعمها خالها)
صورتها ان بعيرا نزى على بنته فجاءت ببعيرين فنزى أحدهما على أمه فجاءت
بناقة فهى هذه الموصوفة (من مهجنة) بضم الميم وفتح الهاء والجيم المشددة
والنون نسبة الى الابل الهجان وهي البيض وأكثر ما تكون النجابة فيها
(قوداء) أى سلسلة القياد (شمليل) بكسر المعجمة أى حقيقة (ثم تزلقه) بالزاى
أي تدحضه (لبان) بفتح اللام وهو الصدر (واقراب) جمع قرب بضم القاف مع ضم
الراء وسكونها وهي الخاصرة (زهاليل) بالزاي جمع زهلول وهو الاملس أى انها
لملاسة وبرها لا يثبت عليها القراد (عيرانة) بفتح العين والراء والنون
وسكون التحتية وهي الصلبة شبهها بعير الوحش في صلابته ونشاطه (قذفت) مبني
للمفعول أي رمت (بالنحض) بضم النون وسكون المهملة ثم معجمة وهو اللحم
المكتنز اراد انها سمينة (عن عرض) بضم المهملة والراء أي عن كل جانب يقال
خرجوا يضربون الناس عن عرض أي عن كل ناحية كيفما اتفق لا يبالون من ضربوا
(مرفقها) بكسر الميم وفتح الفاء وعكسه (عن بنات) بتقديم الموحدة على النون
(الزور) بفتح الزاي وسكون الواو ثم راء وهو أعلا الصدر وبناته الاضلاع
المتصلة به (مفتول) بالفاء أى مرفقها متباعد عن جنبها يقال مرفق أفتل
ومفتول اذا كان كذلك (قنواء) أي محدودبة الأنف (حرتيها) تثنية حرة بضم
المهملة وتشديد الراء وهو موضع محل القرط من الاذن وهو أسفلها وأراد
بالحرتين الاذنين (للبصير بها) أى العارف الخبير بالابل (عتق مبين) بكسر
العين سبق بين ومعناها ان الخبير بالابل اذا نظر لاذنيها عرف عتقها وكونها
سابقة (وفي الخدين تسهيل) ملاسة واستواء وطول (كأنما قاب) أى قدر (عينيها)
فيه حذف تقديره كأنما قاب بين عينها (ومذبحها) أي موضع الذبح وهو مقدم
العنق وهو مرفوع عطفا على قاب ويكون فيه حذف مضاف تقديره وقاب مذبحها ويجوز
الكسر عطفا على عينيها (من خطمها) بفتح المعجمة وسكون المهملة وهو مقدم
الأنف والفم (برطيل) بفتح الموحدة وكسر المهملة أي حجر طويل شبه رأسها من
عينيها ومذبحها الى خطمها بالبرطيل (تمر) بالضم من أمر (مثل عسيب النخل) أى
ذنبا حذف الموصوف وأقام الصفة مقامه والمعنى انها تمر ذنبها يمينا وشمالا
وعسيب النخل جريده (ذا خصل) بضم المعجمة وفتح المهملة وهي لفائف الشعر
الواحدة خصلة (في) ناقة (غارز) باعجام الغين وتقديم الراء على الزاي وهى
الناقة القليلة اللبن يقال غرزت الناقة اذا قل لبنها (لم تخونه) بفتح
الفوقية وحذف تاء الاستقبال أي لم تتخونه لم تتعهده والهاء عائدة على الذنب
لدلالة الصفة عليه (الاحاليل) جمع احليل بكسر الهمزة وسكون المهملة وهو
مخرج اللبن من الضرع والمعنى أن
(1/451)
تخدي على يسرات وهى لاهية ... ذوابل وقعهن
الارض تحليل
سمر العجايات يتركن الحصى زيما ... لم يبقهن رؤس الاكم تنعيل
يوما يضل به الحرباء مرتبيا ... كان ضاحيّه بالنار مملول
وقال للقوم حاديهم وقد جعلت ... ورق الجنادب يركضن الحصى قيلوا
كان أوب ذراعيها اذا عرقت ... وقد تلفع بالقور العساقيل
أوب يدى فاقد شنطاء معولة ... قامت فجاوبها نكد مثاكيل
الناقة اذا قل لبنها وفر شعر ذنبها وحسن والاتمزق (تخدى) تسير بسرعة وفي
بعض النسخ بجدي بمعجمة فمهملة والجدي ضرب من السير سريع يقال جدي يجدي جديا
وجدوا (على يسرات) بفتح التحتية والمهملة والراء ثم ألف ثم فوقية وهى
القوائم الخفاف (وهي لاهية) من اللهو أى غير مبالية وفي بعض النسخ لاحقة أى
مدركة (ذوابل) جمع بالصرف لضرورة الشعر وهي بالمعجمة والموحدة أي ضامرة صفة
لليسرات (وقعهن الارض) أى على الارض (تحليل) أى حقيقة لسرعتها في السير
مأخوذ من نحلة القسم اذا فعل الحالف قدر ما يحلل به عن يمينه ولم يبالغ
(سمر العجايات) السمر الذي يخالط بياضها أدنى جزء من السواد حتى يكون كلون
الحنطة والعجايات بضم العين وبالجيم والتحتية جمع عجاية وهى عصبة في خف
البعير (زيما) زيما بكسر الزاي وفتح التحتية أى متفرقا (رؤوس) مفعول
(الاكم) بضم الهمزة وسكون الكاف جمع اكمة على غير قياس (تنعيل) فاعل يبقهن
والتنعيل ان تجعل للدابة نعال تقيها من الحجارة ومعناه انها لا تحتاج الى
تنعيل لصلابتها وإلفها السفر ودوس الحجر (الحرباء) بكسر المهملة وسكون
الراء وهو ذكر أم حنين (مرتبيا) مرتفعا وزنا ومعنى أى غير نازل الى الارض
خوفا من ان تحرقه الشمس وفي بعض النسخ بدله مصطخدا بضم الميم وسكون المهملة
واهمال الطاء واعجام الخاء وفتحهما أى محرقا (كان ضاحيه) أى ما برز منه
للشمس (مملول) أي تحرك بالملة وهي الرماد الحار وانما خص الحرباء لانها لا
تزال متعلقة بأغصان الشجر من اقبال الشمس تنظر اليها من حين تطلع الى ان
تغرب فاذا غربت انتشر في طلب المعاش (حاديهم) أى سائق أبلهم (ورق الجنادب)
الورق التي يخالط سوادها بياض فيكون كلون الرماد والجنادب شبه الجراد يطير
في شدة الحر ويصيح وهى الصرارة (يركضن الحصى) أى يسرن عليها بارجلهن يطلبن
الظل (قيلوا) أمر من القائلة وهو النزول وقت القائلة (كأن أوب) أي رجوع
(ذراعيها) أى ذراعي يديها وأراد رجوع يديها الى الارض بعد رفعهما في السير
(وقد تلفع) بالفاء والمهملة أى اشتمل وتغطي (بالقور) بضم القاف جمع قارة
وهي الجبل الصغير أو الاسود (العساقيل) بفتح المهملتين وكسر القاف وهو
السراب وفي الكلام قلب تقديره وقد تلفعت القور بالعساقيل (أوب) بالرفع خبر
كان (يدي) تثنية يد (فاقد) أى امرأة فاقدة ولدها لموته (شمطاء) سائبة
(معولة) صائحة من العويل وهو الصياح وفي بعض النسخ شد النهار ذراعا عيطل
نصف وشد النهار منصوب على الظرف وذراعا تثنية ذراع وارتفع لكونه خبر كان
المشددة والعيطل المرأة الطويلة العنق والنصف المرأة اذا جاوزت الاربعين
الى الخمسين (نكد) بضم النون وسكون الكاف فمهملة وهن اللاتي لا يعيش لهن
ولد (مثاكيل) بالمثلثة اللاتي فقدن
(1/452)
نواحة رخوة الضبعين ليس لها ... لما نعى
بكرها الناعون معقول
تفري اللبان بكفيها ومدرعها ... مشقق عن تراقيها رعابيل
تسعى الغواة بجنبيها وقيلهم ... انك يا ابن أبي سلمى لمقتول
وقال كل صديق كنت آمله ... لا ألهينك اني عنك مشغول
فقلت خلوا سبيلى لا أبالكم ... فكل ما قدر الرحمن مفعول
كل ابن أنثى وان طالت سلامته ... يوما على آلة حدباء محمول
أنبئت ان رسول الله أوعدنى ... والعفو عند رسول الله مأمول
مهلا هداك الذي أعطاك نافلة ال ... قرآن فيه مواعيظ وتفصيل
لا تأخذنى بأقوال الوشاة ولم ... أذنب ولو كثرت في الاقاويل
لقد أقوم مقاما لا يقوم به ... أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل
أولادهن شبه سرعة خبط ذراعى هذه الناقة بسرعة خبط يدي امرأة على هذه الصفة
وخص الشابة لان الشابة تستحى من ذلك (نواحة) كثيرة النياحة وهي البكاء مع
رفع الصوت (رخوة) بكسر الراء وهي السهلة المسترسلة (الضبعين) بفتح المعجمة
العضدين (بكرها) بكسر الباء الموحدة أوّل أولادها (معقول) عقل (تفرى) تقطع
(اللبان) بفتح اللام الصدر كما مر (ومدرعها) قميص مهنتها (تراقيها) جمع
ترقوة بفتح الفوقية وسكون الراء وضم الكاف وهى العظم الذي ما بين ثغرة
النحر والعاتق (رعابيل) بالراء والمهملة والموحدة أى ممزق (الغواة) في بعض
النسخ الوشاة وهو جمع واش وهو الساعي بالكلام الى من يخاف وأراد الذين
أخبروه وعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم (بجنبيها) الكناية عائدة على
الناقة (وقيلهم) بالنصب على المصدر أي ويقولون قيلهم وهو عطف جملة على جملة
كانه قال يمشي الغواة بجنبيها ويقولون انك يا ابن أبي سلمي ويجوز الرفع على
الابتداء وخبره الجملة التى بعده (كل صديق) أى صاحب صادق الود وفي بعض
النسخ بدله خليل (لا الهينك) أي لا أشغلنك بما يلهيك عما أنت فيه من الهم
(خلوا سبيلى) أى طريقى (لا أبالكم) في موضع رفع بالابتداء وخبره محذوف
وتقديره لا أبالكم موجود وقد مضى شرح معناه (على آلة) أراد بها النعش
(حدباء) مرفوعة على مناكب الرجال من الحدب وهو ما ارتفع من الارض (أوعدني)
يقال في الشر أوعدني ووعدني في الخير (مهلا) منصوب على المصدر أى أمهل مهلا
(نافلة القرآن) النافلة عطية التطوع وهو عز وجل لا يجب عليه لاحد شئ وكل
عطاء منه نافلة (فيه مواعيظ) جمع موعظة على غير قياس وهي النصح والتذكير
(وتفصيل) تبيين (الوشاة) من ذكرهم آنفا (الاقاويل) جمع أقوال وهي جمع قول
(لقد أقوم مقاما) بفتح الميم وفي هذا البيت تقديم وتأخير وحذف وتقديره لقد
أقوم مقاما أري فيه واسمع ما لو يقوم به الفيل ويرى ما فيه ويسمع وخصه دون
غيره
(1/453)
لظل ترعد من خوف بوادره ... ان لم يكن من
رسول الله تنويل
حتى وضعت يمينى لا أنازعها ... في كف ذي نقمات قيله القيل
فكان أخوف عندى أن أكلمه ... وقيل انك منسوب ومسئول
من ضيغم بضراء الارض مخدره ... ببطن عثر غيل دونه غيل
يعدو فيلحم ضرغامين عيشهما ... لحم من القوم معفور خراديل
اذا يساور قرنا لا يحل له ... ان يترك القرن الا وهو مفلول
منه تظل سباع الجو طائرة ... ولا تمشى بواديه الا راجيل
ولا يزال بواديه أخو ثقة ... مطرح البز والدرسين مأكول
من الدواب لقوته وعظم جثته (ترعد) بضم الفوقية وفتح المهملة أى تضطرب
وتتحرك (بوارده) بالباء الموحدة ومضي ذكرها وفي بعض النسخ لظل يرعد الا أن
يكون له (ننويل) عطاء (لا انازعها) أى اليمين يعني لا انزعها وفي بعض النسخ
لا انازعه يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم (ذي نقمات) بفتح النون مع فتح
القاف وكسرها وهى العقوبات (قوله القيل) أى كل قول يخالف قوله فباطل
(منسوب) أى مسؤل عن نسبك (ومسؤول) عما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم
عنك (من) أسد (ضيغم) بفتح المعجمتين وسكون التحتية أى شديد البأس وفي بعض
النسخ من خادر ومضى ذكره (بضراء الارض) جمع ضار وفي بعض النسخ من ليوس
الاسد (مخدره) موضع خدره وفي بعض النسخ منزله (ببطن عثر) بفتح المهملة
وتشديد المثلثة وهو موضع أسده خبيثة (غيل) بكسر المعجمة وسكون التحتية شجر
ملتف (دونه غيل) أي انه لا يقنع بالشجر المتطرف بل يتوغل فيه ويبعد عن
الطرف وهذا وصف الخبيث (يعدو) بالمهملة يثب الى الفريسة (فيلحم) أي يطعم
اللحم (ضرغامين) بكسر المعجمة أسدين شديدين (معفور) بالعين المهملة والفاء
أي ممرغ بالتراب يقال عفره بالتراب أي مرغه فيه مأخوذ من العفر بالتحريك
وهو التراب (خراديل) باعجام الحاء واهمال الدال أي مقطوع قطعا صغارا يقال
خردل اللحم اذا قطعه كذلك (اذا يساور) بالمهملة والراء أي يواثب والمساورة
المواثبة (قرنا) بكسر القاف وسكون الراء مثله في الشجاعة يقال فلان قرن
فلان اذا كان مثله في الشجاعة (لا يحل له أن يترك القرن) لما كان لا بد له
من أكل قرنه عبر عن ذلك بقوله لا يحل له (مفلول) بالفاء مكسور (سباع الجو)
هى حمير الوحش كما في نسخة وهو الفراء بكسر الفاء والمد الواحد فرا بفتح
الفاء والراء وهو مهموز مقصور وربما حذفت الهمزة تخفيفا (ولا تمشي) بضم
أوله مع كسر الشين وبفتحهما (بواديه) أضاف الوادي اليه لسكونه الاودية
كثيرا لما فيها من الشجر الملتف (الاراجيل) جمع أرجل وهي جمع رجل (أخو ثقة)
هو الواثق بنفسه في القوة والشجاعة (مطرح) باهمال الطاء والحاء أي مطروح
(البز) بالزاي السلاح وروي مضرج بالمعجمة والجيم أي ملطخ بالدماء
(والدرسين) بكسر المهملة تثنية درس وهو الثوب وثناهما لان الغالب أن الشخص
يلبس ثوبين ازار او رداء (مأكول) بالرفع ووجهه انه أضمر في قوله ولا يزال
ضمير الشأن فيكون أخو ثقة مبتدأ ومطرح
(1/454)
ان الرسول لنور يستضاء به ... وصارم من
سيوف الله مسلول
في عصبة من قريش قال قائلهم ... ببطن مكة لما أسلموا زولوا
زالوا فما زال انكاس ولا كشف ... عند اللقاء ولا ميل مغازيل
يمشون مشى الجمال الزهر يعصمهم ... ضرب اذا عرّد السود التنابيل
شم العرانين أبطال لبوسهم ... من نسج داود في الهيجا سرابيل
بيض سوابغ قد شكت لها حلق ... كأنها حلق القفعاء مجدول
لا يفرحون اذ نالت رماحهم ... قوما وليسوا مجازيعا إذا نيلوا
لا يقع الطعن الا في نحورهم ... وما لهم عن حياض الموت تهليل
البز خبره ومأكول خبر بعد خبر وتكون هذه الجملة في موضع نصب خبر ولا يزال
وضمير الشأن اسمها (وصارم) هو في الاصل السيف القاطع واستعاره لشجاعته وشدة
بأسه وفي بعض النسخ مهند وهو من نعوت السيف كما مر (في عصبة) وهم من الرجال
من العشرة الى الاربعين (من قريش) هم ولد النضر ابن كنانة سموا بذلك من
القرش وهو الجمع أو من القرش الذي في البحر كما مر (قال قائلهم) وهو سيدنا
عمر رضى الله عنه (زولوا) أي هاجروا الى المدينة (انكاس) بفتح الهمزة جمع
نكس بكسر النون وهم السفلة من الناس مشتق من السهم الذي انكسر فوقه بضم
الفاء موضع الوتر من السهم فنكسه صاحبه في الجعبة ليلا يغلط اذا رمي عدوا
أو صيدا في حال العجلة (ولا كشف) بضم الكاف والمعجمة والفاء جمع اكشف وهو
الذي لا تتريس معه وشين كشف أصلها السكون كاحمر وحمر لكن حرك لضرورة الشعر
(ولا ميل) بكسر الميم وسكون التحتية جمع أميل وهو الذي لا يستوي على السرج
(معازيل) بالمهملة والزاى جمع معزال وهو الضعيف الاحمق والمعزال أيضا الذى
لا سلاح له (الجمال الزهر) جمع أزهر وهو الابيض النير (يعصمهم) أي يمنعهم
من العصمة وهي المنعة (عرد) بالعين المهملة أى قد وقطع كما مر (التنابيل)
بالفوقية فالنون فالموحدة القصار واحدهم تنبال بكسر أوله (شم) بضم المعجمة
وتشديد الميم جمع اشم وهو مرتفع قصبة الانف مع استواء أعلاها (العرانين)
بالمهملة والنون جمع عرنين وهو الانف (أبطال) جمع بطل وهو الشجاع (لبوسهم)
بفتح اللام (من نسج داود) لا على الحقيقة بل العرب يسمون دروع الحديد نسج
داود وان لم يكن نسجه (في الهيجا) الحرب كما مر (سرابيل) أراد بها دروع
الحديد (سوابغ) تامات وافرات (قد شكت) مبني للمفعول أى أدخل بعضها في بعض
(لها حلق) بفتح المهملة وكسرها وفتح اللام جمع حلقة بفتح المهملة وسكون
اللام (القفعاء) بفتح القاف وسكون الفاء ثم المهملة وهي شجر له نور احمر
وثمره مقنع من تحت ورقه يشبه به حلق الدروع (مجدول) صفة لحلق وهو المحكم
(ليسوا مفاريح) جمع مفراح بكسر الميم وهو كثير الفرح (مجازيعا) بالصرف
لضرورة الشعر وهو جمع مجزاع وهو كثير الجزع (عن حياض الموت) أي محاله
ومواطنه (تهليل) أى
(1/455)
ستر الذي خار من ألفاظه كملا ... فالهم
مجتمع والقلب مشغول
هذا ما ذكره ابن هشام من هذه القصيدة وزاد على ما رواه عن ابن اسحاق سبعة
أبيات وقد اختلفت النسخ في ضبطها وكثر اعتناء الفضلاء بها ما بين شارح
وموشح ومعارض فشرفت بشرف من صنعت فيه وأنشدت بين يديه وذكر انه لما أتى حين
انشاده على قوله
ان الرسول لنور يستضاء به ... وصارم من سيوف الله مسلول
نظر النبي صلى الله عليه وسلم الى أصحابه كالمعجب لهم من حسن القول وجودة
الشعر وانه صلى الله عليه وسلم خلع عليه بردته وقال له لولا ذكرت الانصار
بخير فانهم أهل لذلك فقال أبياتا بعد فيها مناقب الانصار
[تتمة في الكلام على كعب هذا وشىء من شعره في
مدح النبى صلى الله عليه وسلم]
وكان كعب هذا وأبوه وأولاده من فحول الشعراء ومن قوله في النبي صلى الله
عليه وسلم
تحدي به الناقة الا دماء معتجرا ... بالبرد كالبد رجلى ليلة الظلم
ففي عطا فيه أو أثناء بردته ... ما يعلم الله من خير ومن كرم
ومما يستجاد من قوله
لو كنت أعجب من شئ لا عجبني ... سعي الفتى وهو مخبوء له القدر
يسعى الفتى لامور ليس يدركها ... فالنفس واجدة والهم منتشر
والمرء ما عاش ممدود له أمل ... لا تنتهى العين حتى ينتهى الأثر
ومنه أيضا تنكيل وجبن يقال نكل فما حمل أى فما جبن (شارح) متكلم على جميعها
بعبارة متسعة (وموشح) باعجام الشين واهمال الحاء متكلم على ما يحتاج الكلام
منها فقط مأخوذ من الوشاح الذي تجعله المرأة في خلقها (ومعارض) منشد على
قافيتها (فشرفت) بفتح المعجمة وضم الراء (وذكر انه لما أتاه حين انشاده الى
آخره) ذكر ذلك أهل السير (وجودة الشعر) بفتح الجيم وضمها (خلع عليه بردته)
مكافأة لما قاله ففيه جواز كسوة الشاعر واعطائه شيأ من المال ما لم يكن في
ذلك اعانة على شعر محرم (لولا) أى هلا (فانهم أهل لذلك) هذا من جملة
مناقبهم اذ شهد النبي صلى الله عليه وسلم باهليتهم للخير (فقال أبياتا)
أولها
من سره كرم الحياة فلا يزل ... في مغنم من صالحى الانصاري
(الادماء) بالمد السوداء (معتجرا) بالمهملة والجيم والراء أي شادا وسطه
(ففى عطا فيه) بكسر العين تثنية عطف وهو الجانب (وهو مخبوء) بالهمز مرصد من
حيث لا يشعر
(1/456)
مقالة السوء الى أهلها ... أسرع من منحد
رسائل
ومن دعا الناس الى ذمه ... ذموه بالحق وبالباطل
[مطلب في الكلام على قصة محلم بن جثامة الليثى
وخبرها]
ومن النوازل في سفر الفتح قصة محلم بن جثامة الليثى وخبرها ان النبى صلى
الله عليه وسلم قد كان بعث عبد الله بن أبى حدرد الأسلمى في جيش فلما كانوا
ببطن إضم مر بهم عامر بن الاسبط الاشجعي فسلم عليهم فكف القوم عنه فحمل
عليه محلم فقتله لعداوة كانت بينهما وذلك قبل الفتح فلما قدموا على النبي
صلى الله عليه وسلم وأخبروه عظم ذلك عليه ونزل في ذلك يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا
تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً الآية فلما
فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين جاءه عيينة بن حصن يطلب القود من
محلم لكونه يومئذ رئيس غطفان وجاءه الاقرع بن حابس يدافع عن محلم لكونه
وإياه من خندف فاختصما في ذلك وجعل صلى الله عليه وسلم يشير بالدية فقال
عيينة والله لا أدعه حتي أذيق نساءه من الحر ما أذاق نسائى فقام رجل يقال
له مكيتل أو مكيتر فقال يا رسول الله ما وجدت لهذا القتيل مثلا في غرة
الاسلام الا كغنم وردت فرمت أولاها فنفرت أخراها أسنن اليوم وغير عدا فرفع
النبي صلى الله عليه وسلم يده وقال بل يأخذون الدية خمسين في سفرنا هذا
وخمسين اذا رجعنا فقبلوا فقام محلم فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه
وسلم ليستغفر له فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أمنته بالله ثم
قتلته ثم رفع رسول الله صلى الله عليه (مقالة السوء الى أهلها الى آخره) هو
رابع بيت من قصيدة له أولها
ان كنت لا ترهب ذمي لما ... تعرف من صفحى عن الجاهل
فاخش سكوتي إذ أنا منصت ... فيك لمسموع خنا القائل
فالسامع الذم شريك له ... ومطعم المأكول كالآكل
قصة محلم بن جثامة وهو بضم الميم وفتح المهملة وكسر اللام المشددة وجثامة
بفتح الجيم وتشديد المثلثة وهو أخو الصعب بن جثامة قال السهيلي مات في حمص
أيام ابن الزبير انتهي ويرده سياق القصة (ابن أبى حدرد) بحاء مهملة مفتوحة
فدالين مهملتين الاولى ساكنة بينهما راء مفتوحة مصروف (ببطن إضم) بكسر
الهمزة وفتح المعجمة وتخفيف الميم واد بين مكة واليمامة (ابن الاضبط)
باعجام الضاد واهمال الطاء بينهما موحدة (رئيس غطفان) بالنصب خبر كان
وغطفان بفتح المعجمة والمهملة والفاء (خندف بكسر) المعجمة وسكون النون وكسر
المهملة وفتحهما كما مر (من الحر) بالمهملة والراء أى الحرقة وهى المصيبة
(مكيتل أو مكيتر) بتقديم التحتية على الفوقية مصغرا ويكبر كالاول الا ان
فيه ابدال اللام (في غرة الاسلام) بضم المعجمة وتشديد الراء أي في الاسلام
والغرة صلة (اسنن) أمر من السنن (وغير) أمر من التغيير
(1/457)
وسلم يديه وقال اللهم لا تغفر لمحلم بن
جثامة ثلاثا فقام وهو يتلقى دمعه بفضل ردائه فمكث بعدها سبعا ومات فدفنوه
ثلاث مرات فلم تقبله الارض فألقوه بين جبلين فلما بلغ النبي صلى الله عليه
وسلم خبره قال ان الارض لتقبل من أشر منه ولكن الله أراد ان يعظكم به في
جرم ما بينكم بما أراكم منه رواه ابن اسحق وأبو داود وابن عبد البر وتفاوتت
ألفاظهم فيه وروي كثير من المفسرين في سبب نزول الآية غير هذا ولا خلاف ان
الذي لفظته الارض محلم بن جثامة والله أعلم* وفي هذه السنة ولد ابراهيم بن
محمد صلى الله عليه وسلم وكان مولده في ذي الحجة مرجع أبيه من سفر الفتح
وكانت قابلته سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمه مارية بنت
شمعون القبطية من هدايا المقوقس واسترضع عند أبي سيف (اللهم لا تغفر لمحلم)
انما دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم زجرا وتنكيلا له ولغيره عن الجرأة
على اراقة الدماء ولا يلزم من الدعاء عليه بعدم المغفرة عدم كونه مسلما ولا
صحابيا لان عدمها انما يقتضى التعذيب على ذلك الذنب الصادر منه ثم ربما كان
في الدنيا والآخرة وربما كان في أحداهما فقط وكان تعذيب محلم عدم قبول
الارض له ولا يلزم من ذلك نفي صحبته وعدالته اذ قرينة الحال دالة على انه
جاء تائبا (فمكث) مثلث الكاف والضم والفتح أشهر (بعدها) أى بعد هذه القصة
قال في الشفاء كان مكثه (سبعا) أي سبعة أيام وهذا يرد ما مر آنفا عن
السهيلي ثلاث مرات وفي الشفاء مرات بعد ذكر ثلاث (بين جبلين) وفي الشفاء
بين صدين بضم الصاد وفتحها وتشديد الدال المهملتين والصد جانب الوادى (في
جرم) بضم الجيم وسكون الراء (رواه) محمد (ابن اسحق) فى السيرة (وأبو داود)
في السنن (و) ساق ابن عبد البر في الاستيعاب عن ابن عباس رضى الله عنهما
(وروي كثير من المفسرين في سبب نزول الآية غير هذا) وهو انها انما نزلت في
شأن اسامة بن زيد حين قتل مرداس بن نهيك بعد ان قال لا اله الا الله محمد
رسول وقصته مشهورة أو فى نفر من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم مر عليهم
رجل من بنى سليم معه غنم فسلم عليهم فقالوا ما سلم عليكم الا ليتعوذ منكم
فقاموا فقتلوه وأخذوا غنمه وأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فانزل
الله الآية رواه الشيخان وأبو داود والترمذى عن ابن عباس (لفظته) بكسر
الفاء أي أخرجته* تاريخ ولادة ابراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(وكان مولده في) يوم الاربعاء آخر يوم من (ذي الحجة) بكسر الحاء أشهر من
فتحها كما مر (وكانت قابلته) بالفتح خبر كان و (سلمى) اسمها ويجوز عكسه
وسلمى بفتح السين المهملة وسكون اللام بلا خلاف (مولاة رسول الله صلى الله
عليه وسلم) وقيل مولاة صفية عمته وهي زوجة أبي رافع وداية فاطمة الزهراء
(مارية) بوزن حارثة (بنت شمعون) بفتح المعجمة وسكون الميم وضم المهملة
(القبطية) نسبة الي القبط (المقوقس) بضم الميم وفتح القاف الاولى وكسر
الثانية بينهما واو ساكنة كما مر (واسترضع) مبني للمفعول فيه كما قال
النووي جواز الاسترضاع (أبي سيف) اسمه البراء بن أوس
(1/458)
القين وامرأته أم سيف وكان النبي صلى الله
عليه وسلم يذهب اليه فيزوره عنده وفي الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم
قال ولد لى الليلة ولد فسميته باسم أبى ابراهيم وانه دخل عليه في مرضه
فوجده يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان فقال له
عبد الرحمن بن عوف وأنت يا رسول الله فقال يا ابن عوف انها رحمة ثم اتبعها
بأخرى فقال ان العين يدمع والقلب يحزن ولا نقول الا ما يرضى ربنا وانا
بفراقك يا ابراهيم لمحزون وكان عمره سبعين ليلة (القين) بفتح القاف وسكون
التحتية ثم نون الحداد (و) عند (امرأته أم سيف) اسمها خولة بنت المنذر
(وكان يذهب اليه فيزوره عنده) كما روى مسلم عن أنس قال ما رأيت أحدا كان
ارحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ابراهيم مسترضعا له في
عوالى المدينة فكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيت وانه ليدخلن وكان ظئره قينا
فيأخذه فيقبله ثم يرجع انتهي قال النووي فيه استتباع العالم والكبير بعض
أصحابه اذا ذهب الى منزل قوم ونحوه وفيه الادب مع الكبار وفيه بيان كريم
خلقه صلى الله عليه وسلم ورحمته للعيال وفيه فضيلة رحمة العيال والاطفال
وتقبيلهم (وورد في الحديث الصحيح) فى مسند أحمد والصحيحين وسنن أبى داود عن
أنس (ولد) فى بعض الروايات غلام (فسميته باسم أبي ابراهيم) ففيه كما قال
النووى جواز تسمية المولود يوم ولادته وجواز تسميته بأسماء الانبياء وانما
سماه باسم ابراهيم مع ان التسمية بعبد الله وعبد الرحمن ونحوهما أفضل احياء
لاسم ابراهيم بأمر من الله عز وجل ويرشد الى ذلك قوله باسم ابراهيم ولم يقل
فسميته ابراهيم (يجود بنفسه) أى يخرجها ويدفعها كما يجود الانسان بماله
ولمسلم يقيد بنفسه بفتح الياء وكسر القاف وهو بمعناه (تذرفان) بفتح الفوقية
وسكون المعجمة وكسر الراء أى يجري دمعهما ولمسلم فدمعت عينا رسول الله صلى
الله عليه وسلم ففيه جواز البكاء على المريض والحزن وان ذلك لا ينافي الرضى
بالقدر بل رحمة جعلها الله في قلوب عباده وانما المحرم الندب ونحوه من
القول الباطل ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نقول الا ما
يرضى ربنا (وأنت يا رسول الله) قال في التوشيح معطوف على مقدر في المعنى أي
الناس لا يصبرون وأنت تفعل كفعلهم ولابن سعد عن عبد الرحمن بن عوف فقلت يا
رسول الله تبكى أو لم تنه عن البكاء فقال انما نهيت عن صوتين فاجرين صوت
عند نغمة لهو ولعب ومزامير الشيطان وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة
شيطان انما هذا رحمة ومن لا يرحم لا يرحم وله عن محمود بن لبيد انما أنا
بشر وعن عبد الرزاق من مرسل مكحول انما انه الناس عن النياحة ان يندب الرجل
بما ليس فيه (ثم اتبعها) أى اتبع الدمعة الاولى (باخرى) وقيل اتبع الكلمة
بكلمة أخري (فقال ان العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول الاما) أي الذى (يرضي
ربنا وانا بفراقك يا ابراهيم لمحزون) ولمسلم والله يا ابراهيم انا بك
لمحزونون زاد ابن سعد في الطبقات لولا انه أمر حق ووعد صدق وسبيل مأتية وان
آخرنا سيلحق أولنا لحزنا عليك حزنا هو أشد من هذا (وكان عمره سبعين ليلة)
كما في سنن أبي داود لان وفاته كانت يوم الثلاثاء لعشر خلون من ربيع الاول
كما مر عن الواقدي
(1/459)
وقيل سبعة أشهر وقيل ثمانية عشر شهرا وقال
صلى الله عليه وسلم ان له مرضعا في الجنة وكسفت الشمس يوم مات فقال الناس
كسفت لموت ابراهيم فنهاهما النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال ان الشمس
والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته.
والزبير ابن بكار في الكسوف (وقيل) ستة عشر شهرا وقيل (سبعة أشهر) صوابه
سبعة عشر شهرا واقتصر على ذلك النووي في شرح مسلم (وقيل ثمانية عشر شهرا)
وقال ابن حزم سنتان الاشهرين (وقال النبي صلى الله عليه وسلم ان له مرضعا)
وفي رواية ظئران تكملان رضاعه (في الجنة) رواه مسلم عن أنس والظئر بكسر
المعجمة وسكون الهمزة وراء هي المرضع ولد غيرها ويسمى زوجها ظئرا أيضا
ويكون هذا الاتمام عقب موته نقله النووى عن صاحب التحرير فيدخل الجنة متصلا
بموته فيتم بها رضاعه كرامة له ولابيه صلي الله عليه وسلم وظاهر هذا الكلام
أنها خصوصية لابرهيم قال في الديباج وقد أخرج ابن أبى الدنيا في العزاء من
حديث ابن عمر مرفوعا كل مولود يولد في الاسلام فهو في الجنة شبعان ريان
يقول يا رب أورد على ابوى وأخرج ابن أبي الدنيا وابن ابى حاتم في تفسيره عن
خالد بن معدان قال ان في الجنة لشجرة يقال لها طوبي كلها ضروع فمن مات من
الصبيان الذين يرضعون رضع من طوبى وحاضنهم ابراهيم خليل الرحمن وأخرج ابن
أبى الدنيا عن عبيد بن عمير قال ان في الجنة لشجرة لها ضروع البقر يغذى
منها ولدان أهل الجنة فهذه الاحاديث عامة في اولاد المؤمنين ويمكن أن يقال
وجه الخصوصية في السيد ابرهيم كونه له ظئران اي مرضعان من خلقة الآدميات
اما من الحور العين أو غيرهن وذلك خاص به فان رضاع سائر الاطفال انما يكون
من صروع شجرة طوبي ولا شك ان الذى للسيد ابراهيم اكمل وأتم واشرف واحسن
وآنس فان الذى يرضع من مرضعتين يكرمانه ويربيانه ويؤنسانه ويخدمانه ليس
كالذى يرضع مرضع شجرة او ضرع بقرة ويمكن ان يكون له خصوصية أخرى وهو ان
يدخل الجنة عقب الموت بجسده وروحه ويرضع بهما معا وسائر الاطفال انما
يرضعون عقب الموت في الجنة بأرواحهم لا بأجسادهم فتنزل كلام صاحب التحرير
على هذا وقد نص على ما يؤخذ منه ذلك البيهقي في كتاب عذاب القبر (وكسفت
الشمس الى آخره) مضي الكلام عليه في الكسوف (فائدة) الحكم في موت ابرهيم
وسائر ولد النبي الذكور في حياته صلى الله عليه وسلم ما رواه الماوردى عن
أنس وابن عساكر عن جابر وابن عباس وابن ابى اوفي عنه صلي الله عليه وسلم
قال لو عاش ابراهيم لكان صديقا نبيا وروى ابن سعد عن مكحول مرسل لو عاش
ابراهيم مارق له خال وروي أيضا عن الزهرى مرسلا لو عاش ابراهيم لوضعت
الجزية عن كل قبطى.
تم بتوفيق الله وعونه طبع الجزء الاول من كتاب بهجة المحافل وشرحه ويتلوه
الجزء الثاني وأوله فصل اذكر فيه شيئا من السرايا والبعوث الخ وكان ذلك في
أواخر شهر شوال سنة 1330 هجرية وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
(1/460)
|