تاريخ
الخميس في أحوال أنفس النفيس * (الركن الاوّل فى الحوادث من عام ولادته
الى زمان نبوّته
وفيه ثلاثة أبواب
الباب الاوّل فى الحوادث من عام ولادته الى السنة الحادية عشر من تاريخ
ولادته
وفيه ذكر خالد بن سنان وحنظلة بن صفوان وما وقع ليلة ميلاده وما وقع حين
الولادة وذكر الختان وذكر أسمائه والقابه وكناه وشمائله وصفاته وخصائصه
ومعجزاته وارضاع الاظآر وعددها وما وقع عند حليمة من شق الصدر وغيره وولادة
أبى بكر وردّ حليمة الى أمه وفقده فى الطريق ووفاة أمه وكفالة عبد المطلب
وحديث سيف بن ذى يزن ورمده واستسقاء عبد المطلب وذكر سليمان وبلقيس ووفاة
عبد المطلب وكفالة أبى طالب وموت حاتم الطائى وموت كسرى أنوشروان وولاية
ابنه هرمز وخروج أبى طالب به الى الشام وحرب الفجار الاوّل وشق الصدر على
قول) *
*
(ذكر تاريخ ولادته)
فى المواهب اللدنية اختلف فى عام ولادته صلّى الله عليه وسلم فالاكثرون على
أنه عام الفيل وبه قال ابن عباس* ومن العلماء من حكى الاتفاق عليه وقال وكل
قول يخالفه فهو وهم وقال ابن الجوزى فى الصفوة اتفقوا على أن رسول الله
صلّى الله عليه وسلم ولد بمكة يوم الاثنين فى شهر
(1/195)
ربيع الاوّل عام الفيل وبعد ما اتفقوا على
أن ولادته كانت فى عام الفيل اختلفوا فيما مضى من ذلك العام ففى المنتقى
قال ابن عباس ولد يوم الفيل وكان قدوم الفيل يوم الاحد لخمس خلون من
المحرّم كذا فى سيرة مغلطاى وهلاك أصحابه لثلاث عشرة ليلة بقيت من المحرم
وكان أوّل المحرم تلك السنة يوم الجمعة وذلك فى عهد كسرى أنوشروان بن قباد
بن فيروز بن يزدجرد بن بهرام جور لمضىّ اثنتين وأربعين سنة وفى أسد الغابة
لاربعين سنة من ملكه وعاش كسرى بعد مولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم سبع
سنين وثمانية أشهر وكان ملكه سبعا أو ثمانيا وأربعين سنة وثمانية أشهر كذا
قاله ابن الاثير وفى المنتقى كانت وفاة عبد المطلب فى ملك هرمز بن أنوشروان
ورسول الله صلّى الله عليه وسلم يومئذ كان ابن ثمان سنين وقيل غير ذلك وفى
شواهد النبوّة عاش كسرى أنوشروان بعد مولده صلّى الله عليه وسلم اثنتين
وعشرين سنة والله أعلم وفى المواهب الدنية المشهور أنه ولد بعد الفيل
بخمسين يوما واليه ذهب السهيلى فى جماعة وفى المنتقى أيضا قال بعضهم ولد
بعد الفيل بخمسين يوما وكان بين الفيل والفجار عشرون سنة وكان بين بنيان
الكعبة والفجار خمس عشرة سنة وفى المواهب اللدنية وقيل بعده بخمسة وخمسين
يوما حكاه الدمياطى فى آخرين وفى المنتقى عن أبى جعفر محمد بن على قال ولد
رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم الاثنين لعشر خلون من ربيع الاوّل وكان
قدوم الفيل للنصف من المحرم فبين الفيل وبين مولد النبىّ صلّى الله عليه
وسلم خمس وخمسون ليلة* وفى المواهب اللدنية وقيل بعده بشهر وقيل بأربعين
يوما وقيل بشهرين وعشرة أيام وقيل بعشرين سنة وقيل بثلاثين سنة وقيل
بأربعين سنة وقيل بسبعين سنة وقيل غير ذلك كذا فى مورد اللطافة* وفى سيرة
مغلطاى وقيل بخمسين يوما وقيل بشهرين وستة أيام وقيل لثنتى عشرة ليلة خلت
من رمضان سنة ثلاث وعشرين من غزوة أصحاب الفيل وقيل بعد الفيل بعشر سنين
ويروى هذا القول عن الزهرى ولا يصح وقيل قبل الفيل بخمس عشرة سنة وقيل غير
ذلك والمشهور أنه بعد الفيل لان قصة الفيل كانت توطئة وارهاصا لنبوّته
وتقدمة وأساسا لظهور بعثته والا فاصحاب الفيل كما قاله ابن القيم كانوا
نصارى أهل كتاب وكان دينهم خيرا من دين أهل مكة اذ ذاك لانهم كانوا عبدة
الاوثان فنصرهم الله على أهل الكتاب نصرا لا صنع للبشر فيه ارهاصا وتقدمة
للنبىّ الذى خرج من مكة وتعظيما للبلد الحرام واختلف أيضا فى الشهر الذى
ولد فيه والمشهور أنه ولد فى شهر ربيع الاوّل وهو قول جمهور العلماء ونقل
ابن الجوزى الاتفاق عليه كما مر وفيه نظر فقد قيل ولد يوم عاشوراء وقيل فى
صفر وقيل فى ربيع الآخر وقيل فى رجب وقيل فى رمضان وروى عن ابن عمر باسناد
لا يصح وهو موافق لمن قال ان آمنة حملت به فى أيام التشريق وأغرب من قال
ولد يوم عاشوراء وكذا اختلف أيضا فى أىّ يوم من الشهر ولد فقيل انه غير
معين وانما ولد يوم الاثنين من ربيع الاوّل من غير تعيين والجمهور على أنه
يوم معين منه فقيل لليلتين خلتا منه وقيل لثمان خلت منه قال الشيخ قطب
الدين القسطلانى وهو اختيار أكثر أهل الحديث ونقله عن ابن عباس وجبير بن
مطعم وهو اختيار أكثر من له معرفة بهذا الشان واختاره الحميدى وشيخه ابن
حزم وحكى القضاعى فى عيون المعارف اجماع أهل الزيج عليه ورواه الزهرى عن
محمد بن جبير بن مطعم وكان عارفا بالنسب وأيام العرب أخذ ذلك عن أبيه جبير
وقيل لعشر وقيل لاثنتى عشرة ليلة وعليه عمل أهل مكة فى زيارتهم موضع مولده
فى هذا الوقت وقيل لسبع عشرة وقيل لثمان بقين منه وقيل ان هذين القولين غير
صحيحين عمن حكيا عنه بالكلية والمشهور أنه ولد فى ثانى عشر ربيع الاوّل وهو
قول ابن اسحاق وغيره وانما كان فى شهر ربيع الاوّل على الصحيح ولم يكن
فى المحرم ولا فى رجب ولا فى رمضان ولا فى غيرها من الاشهر ذوات الشرف لانه
صلّى الله عليه وسلم لا يتشرّف بالزمان وانما الزمان يتشرّف به كالا ما كن
(1/196)
فلو ولد فى شهر من الشهور المذكورة لتوهم
أنه تشرّف بها فجعل الله مولده فى غيرها ليظهر عنايته به وكرامته عليه واذا
كان يوم الجمعة الذى خلق الله فيه آدم عليه السلام خص بساعة لا يصادفها عبد
مسلم يسأل الله خيرا الا أعطاه اياه فما ظنك بالساعة التى ولد فيها سيد
المرسلين ولم يجعل الله تعالى فى يوم الاثنين يوم مولده عليه السلام من
التكليف بالعبادات ما جعل فى يوم الجمعة المخلوق فيه آدم من الجمعة والخطبة
وغير ذلك اكراما لنبيه صلّى الله عليه وسلم بالتخفيف عن أمته بسبب عنايته
وجوده قال الله تعالى وما أرسلناك الا رحمة للعالمين ومن جملة ذلك عدم
التكليف* واختلف أيضا فى الوقت الذى ولد فيه والمشهور أنه يوم الاثنين فعن
قتادة الانصارى انه صلّى الله عليه وسلم سئل عن صيام الاثنين قال ذلك يوم
ولدت فيه وأنزل علىّ فيه النبوّة رواه مسلم وهذا يدل على أنه صلّى الله
عليه وسلم ولد نهارا*
ذكر يوم ولادته
وفى المسند عن ابن عباس قال ولد صلّى الله عليه وسلم يوم الاثنين واستنبئ
يوم الاثنين وخرج مهاجرا من مكة الى المدينة يوم الاثنين ودخل المدينة يوم
الاثنين ورفع الحجر يوم الاثنين وقبض يوم الاثنين انتهى وكذا فتح مكة ونزول
سورة المائدة يوم الاثنين* وقد روى ولد عند طلوع الفجر فعن عبد الله بن
عمرو بن العاص قال كان بمرّ الظهران راهب من أهل الشام يسمى عيصى وكان يقول
يوشك أن يولد منكم يا أهل مكة مولود تدين له العرب ويملك العجم هذا زمانه
فكان لا يولد مولود بمكة الا يسأل عنه فلما كان صبيحة اليوم الذى ولد فيه
رسول الله صلّى الله عليه وسلم خرج عبد المطلب حتى أتى عيصى فناداه فأشرف
عليه فقال له عيصى كن أباه فقد ولد ذلك المولود الذى كنت أحدّثكم عنه يوم
الاثنين ويبعث يوم الاثنين ويموت يوم الاثنين قال ولدلى الليلة مع الصبح
مولود قال فما سميته قال محمدا قال والله لقد كنت أشتهى أن يكون هذا
المولود فيكم أهل هذا البيت بثلاث خصال نعرفه فقد أتى عليهنّ منها أنه طلع
نجمه البارحة وانه ولد اليوم وان اسمه محمد رواه جعفر بن أبى شيبة وخرّجه
أبو نعيم فى الدلائل بسند فيه ضعف وقيل كان وضعه صلّى الله عليه وسلم عند
طلوع الغفر من منازل القمر وهى ثلاثة أنجم صغار ينزلها القمر وهو مولد
النبىّ صلّى الله عليه وسلم ووافق ذلك من الشهور الشمسية نيسان وهو برج
الحمل وكان لعشرين درجة مضت منه*
ذكر طالع ولادته
وفى روضة الاحباب نقل عن أبى معشر البلخى وهو من مهرة علماء النجوم أنه
استخرج طالع النبىّ صلّى الله عليه وسلم عشرين درجة من الجدى حين كان زحل
والمشترى فى ثلاث درج من العقرب مقترنين فى درجة وسط السماء والمرّيخ فى
بيته فى الحمل والشمس أيضا فى الحمل فى الشرف والزهرة فى الحوت فى الشرف
وعطارد أيضا فى الحوت والقمر فى أوّل الميزان والرأس فى الجوزاء فى الشرف
والذنب فى القوس فى الشرف فى بيت الاعداد* وفى المواهب اللدنية وقيل ولد
ليلا فعن عائشة كان بمكة يهودى يتجر فيها ولما كانت الليلة التى ولد فيها
رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال يا معشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود
قالوا لا نعلمه قال انظروا يا معشر قريش وأحصوا ما أقول لكم ولد الليلة بنى
هذه الامة الاخيرة بين كتفيه علامة فيها شعرات متواترات كأنهنّ عرف فرس*
وفى شواهد النبوّة ولا يشرب اللبن ليلتين متتابعتين لان عفريتا من الجنّ
يجعل اصبعه فى فيه فيمنعه من شرب اللبن فتصدّع القوم من مجالسهم وهم
يتعجبون من حديثه فلما صاروا فى منازلهم ذكروه لاهاليهم فقيل لبعضهم ولد
لعبد الله بن عبد المطلب الليلة غلام سماه محمدا فأتوا اليهودى فى منزله
فقالوا له أعلمت أنه ولد فينا مولود فقالوا اذهبوا بنا اليه فخرجوا
باليهودى حتى أدخلوه على أمه فقالوا أخرجى لنا ابنك فأخرجته وكشفوا عن ظهره
فرأى تلك السامة فوقع اليهودى مغشيا عليه فلما أفاق قالوا مالك ويلك قال
ذهبت والله النبوّة من بنى اسرائيل رواه الحاكم وزاد فى المنتقى وخرج
الكتاب من أيديهم وهذا مكتوب بقتلهم وتدمير أخيارهم فازت العرب بالنبوّة
أفرحتم يا معشر قريش أما والله
(1/197)
ليسطونّ بكم سطوة يخرج نبؤها من المشرق الى
المغرب* قال الشيخ الزركشى والصحيح ان ولادته صلّى الله عليه وسلم كانت
نهارا قال وأما ما روى من تدلى النجوم فضعفه ابن دحية لاقتضائه أن الولادة
كانت ليلا قال وهذا لا يصح أن يكون تعليلا فان زمان النبوّة صالح للخوارق
ويجوز أن تسقط النجوم نهارا انتهى فاذا قلنا أنه صلّى الله عليه وسلم ولد
ليلا فليلة مولده أفضل من ليلة القدر من وجوه ثلاثة* أحدها أن ليلة المولد
ليلة ظهوره صلّى الله عليه وسلم وليلة القدر معطاة له وما شرف بظهور ذات
المشرف من أجله أشرف مما شرف بسبب ما أعطيه ولا نزاع فى ذلك فكانت ليلة
المولد بهذا الاعتبار أفضل* الثانى ان ليلة القدر تشرفت بنزول الملائكة
فيها وليلة مولده تشرفت بظهوره فيها صلّى الله عليه وسلم ومن تشرّفت به
ليلة المولد أفضل ممن تشرّفت به ليلة القدر على الاصح المرتضى فتكون ليلة
المولد أفضل* والثالث ان ليلة القدر وقع فيها التفضل على أمة محمد صلّى
الله عليه وسلم وليلة المولد الشريف وقع التفضل فيها على جميع الموجودات
فهو الذى بعثه الله رحمة للعالمين فعمت به النعمة على جميع الخلائق فكانت
ليلة المولد أعمّ نفعا فكانت أفضل فسبحان من جعل مولده للقلوب ربيعا وحسنه
بديعا
شعر
يقول لنا لسان الحال منه ... وقول الحق يعذب للسميع
فوجهى والزمان وشهر وضعى ... ربيع فى ربيع فى ربيع
مكان ولادته
واختلف أيضا فى مكان ولادته صلّى الله عليه وسلم قيل ولد بمكة فى الدار
التى كانت لمحمد بن يوسف الثقفى أخى الحجاج ويقال بالشعب ويقال بالردم
ويقال بعسفان كذا فى المواهب اللدنية وسيرة مغلطاى وقال فى غيره وتلك الدار
فى زقاق بمكة معروف بزقاق المولد فى شعب مشهور بشعب بنى هاشم من الطرف
الشرقى لمكة تزار ويتبرك بها الى الآن وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم
ورث تلك الدار فوهبها لعقيل بن أبى طالب زمن الهجرة فلم تزل فى يد عقيل حتى
توفى وبعد وفاته باعها أولاده من محمد ابن يوسف الثقفى أخى الحجاج بن يوسف
وأدخل ذلك البيت أى مولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى داره التى يقال لها
البيضاء ولم تزل كذلك حتى حجت خيزران جارية المهدى أم هارون الرشيد فأفرزت
ذلك البيت عن تلك الدار وجعلته مسجدا يصلى فيه*
بيان التواريخ
قال صاحب جامع الاصول وغيره حين ولد النبىّ صلى الله عليه وسلم كان قد مضى
من وفاة الاسكندر الرومى ثمانمائة واثنتان وثمانون سنة وفى المنتقى بين
مولد نبينا محمد صلّى الله عليه وسلم وبين آدم مدّة مختلف فيها فعلى ما روى
الواقدى أربعة آلاف وستمائة سنة وقال قوم ستة آلاف سنة ومائة وثلاث عشرة
سنة* وفى رواية أبى صالح عن ابن عباس خمسة آلاف وخمسمائة سنة* قال مؤلف
المنتقى شاهدت فى كتب التفاسير ان من آدم الى نوح ألف سنة وقيل ألفا سنة
ومن نوح الى ابراهيم ألفا سنة وستمائة وأربعون سنة كما ذكره فى الكشاف ومن
ابراهيم الى موسى ألف سنة ومن موسى الى عيسى ألفا سنة ومن عيسى الى نبينا
محمد صلّى الله عليه وسلم خمسمائة وستون سنة أو ستمائة سنة فتكون الجملة
ثمانية آلاف ومائتين وأربعين سنة* ونقل ابن الجوزى فى التلقيح عن ابن عباس
ومحمد بن اسحاق انه كانت من زمان عيسى الى مولد نبينا عليهما السلام ستمائة
سنة وفى رواية خمسمائة وثمان وسبعون سنة مما رفع عيسى الى السماء ونقل ان
ذلك بعد هبوط آدم بستة آلاف وثلاث وأربعين سنة* وفى شواهد النبوّة من مولد
النبىّ صلّى الله عليه وسلم الى زمن عيسى ستمائة وعشرون سنة ومن عيسى الى
داود ألف ومائتا سنة ومن داود الى موسى خمسمائة سنة ومن موسى الى ابراهيم
سبعمائة وسبعون سنة ومن ابراهيم الى نوح ألف وأربعمائة وعشرون سنة ومن
الطوفان الى آدم ألف ومائتان وأربعون سنة فالجملة ستة
(1/198)
آلاف وسبعمائة وخمس وستون سنة* وفى صحيح
البخارى عن سلمان أنه قال فترة ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم
ستمائة سنة ومن عيسى الى موسى ألفا سنة ومن موسى الى ابراهيم ألف سنة ومن
ابراهيم الى نوح ألفا سنة وستمائة وأربعون سنة ومن نوح الى آدم ألف سنة
وقيل ألفا سنة وفى أنوار التنزيل ان بين عيسى وموسى ألفا سنة وسبعمائة سنة
وألف نبى* وفى المشكاة عن أبى هريرة أنه قال ليس بين عيسى وبين نبينا صلّى
الله عليه وسلم نبى وفى الكشاف وأنوار التنزيل الفترة بين عيسى ومحمد
عليهما السلام ستمائة أو خمسمائة وتسع وستون سنة وأربعة أنبياء ثلاثة من
بنى اسرائيل وواحد من العرب خالد بن سنان العبسى فكان ارسال نبينا صلّى
الله عليه وسلم على فترة حين انطمست آثار الوحى* وفى حياة الحيوان وكان
حنظلة بن صفوان فى زمن الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام
*
(ذكر خالد بن سنان العبسى وحنظلة بن صفوان)
فأما خالد بن سنان فروى أنه كان فى عهد كسرى أنوشروان وكان يدعو الناس الى
دين عيسى وكان بأرض بنى عبس وأطفأ النار التى كانت تخرج من بئر هناك وتحرق
من لقيته من عابرى سبيل أو غيرهم* وفى المختصر خالد بن سنان العبسى كان
نبيا من ولد اسماعيل وكان بعد المسيح بثلثمائة سنة وهى الفترة* روى عن ابن
عباس أنه قال ظهرت نار بالبادية بين مكة والمدينة فى الفترة فسمتها العرب
بد او كادت طائفة منهم أن تعبدها مضاهاة للمجوس وفى الكامل لابن الاثير كان
فى الفترة خالد بن سنان العبسى قيل كان نبيا ومن معجزاته ان نارا ظهرت بأرض
العرب فافتتنوا بها وكادوا يتمجسون فأخذ خالد عصاه ودخلها حتى توسطها
ففرّقها وهو يقول بدا بدا كل هدى مؤدّى الى الله الاعلى لا دخلنها وهى تلظى
ولاخرجنّ منها وثيابى تندى ثم انها طفئت وهو فى وسطها* وفى الوفاء روى ابن
أبى شيبة فى خبر من طرق ملخصة انه كان بأرض الحجاز نار يقال لها نار
الحدثان فى حرّة بأرض بنى عبس تعشى الابل بضوئها من مسيرة ثمان ليال وربما
خرج منها العنق وذهب فى الارض فلا يبقى شيئا الا أكله ثم يرجع حتى يعود الى
مكانه وان الله تعالى أرسل اليها خالد بن سنان فقال لقومه يا قوم ان الله
أمرنى أن أطفئ هذه النار التى قد أضرت بكم فليقم معى من كل بطن رجل فخرج
بهم حتى انتهى الى النار فخط عليهم خطا ثم قال اياكم أن يخرج أحد منكم من
هذا الخط فيحترق ولا ينوّهنّ باسمى فأهلك وجعل يضرب النار ويقول بدا بدا كل
هدى لله مؤدّى حتى عادت من حيث جاءت وخرج يتبعها حتى ألجأها فى بئر فى وسط
الحرة منها تخرج النار فانحدر فيها خالد وفى يده درة فاذا هو بكلاب تحتها
فرضهنّ بالحجارة وضرب النار حتى أطفأها الله على يده ومعهم ابن عم لهم فجعل
يقول هلك خالد فخرج وعليه بردان ينطفان من العرق وهو يقول كذب ابن راعية
المعزى لأخرجنّ منها وثيابى تندى فسمى بنو ذلك الرجل ببنى راعية المعزى الى
اليوم* وفى رواية ان قومه سالت عليهم نار من حرة النار فى ناحية خيبر
والناس فى وسطها وهى تأتى من ناحيتين جميعا فحافها الناس خوفا شديدا* وفى
رواية تخرج من شعب فى شق جبل من حرّة يقال لها حرة أشجع فقال لهم خالد بن
سنان ابعثوا معى انسانا حتى أطفئها من أصلها فخرج معه راعى غنم هو ابن
راعية المعزى حتى جاء غارا تخرج منه النار* وفى رواية انها كانت تخرج من
بئر ثم قال خالد أمسك ثوبى ثم دخل فى الغار وفى رواية انطلق فى ناس من قومه
حتى أتاها وقال لهم ان أبطأت عنكم فلا تدعونى باسمى فخرجت كأنها خيل شقر
يتبع بعضها بعضا فاستقبلها خالد فجعل يضربها بعصاه وهو يقول هديا هديا كل
بهنّ مؤدّى زعم ابن راعية المعزى انى لا أخرج منها وثيابى تندى حتى دخل
معها الشعب فأبطأ عليهم فقال بعصهم لو كان حيا لخرج اليكم فقالوا انه قد
نهانا أن ندعوه باسمه قالوا ادعوه باسمه فو الله لو كان حيا لخرج اليكم بعد
فدعوه باسمه فخرج وهو آخذ برأسه فقال ألم أنهكم
(1/199)
أن تدعونى باسمى فقد والله قتلتمونى
احملونى ادفنونى فاذا مرّت بكم حمر معها حمار أبتر* وفى رواية فاذا
دفنتمونى فأتى علىّ ثلاثة أيام وفى رواية حول فأتوا قبرى فارصدوه فاذا عرضت
لكم عانة من حمر وحش وبين يديها عير فانبشونى وفى رواية فارموه واذبحوا على
قبرى ثم انبشوا قبرى* وفى الكامل يقدمها غير أبتر فيضرب قبرى بحافره فاذا
رأيتم ذلك فانبشوا قبرى فانى أقوم فأخبركم بجميع ما هو كائن الى يوم
القيامة فلما مات دفنوه فأتوا القبر بعد ثلاثة أيام وسخت لهم الحمر قال
فرموه وذبحوا على قبره وأرادوا نبشه فمنعهم قوم من أهل بيته وقالوا لا
ندعكم تنبشون صاحبنا فنعير بذلك وندعى بنى المنبوش وفى رواية فتكون سنة
علينا فتركوه وفى رواية لابن القعقاع بن خليد العبسى عن أبيه عن جدّه قال
بعث الله خالد بن سنان نبيا الى بنى عبس فدعاهم الى الله فكذبوه فقال قيس
بن زهير ان دعوت فأسلت علينا هذه الحرّة نارا اتبعناك فانك انما تخوّفنا
بالنار وان لم تسل نارا كذبناك قال فذلك بينى وبينكم قالوا نعم قال فتوضا
ثم قال اللهمّ انّ قومى كذبونى ولم يؤمنوا برسالتى الا أن تسيل عليهم هذه
الحرّة نارا فأسلها عليهم نارا قال فطلع مثل رأس الحريش ثم عظمت حتى عرضت
أكثر من ميل فسالت عليهم فقالوا يا خالد ارددها فانا مؤمنون بك فتناول عصا
ثم استقبلها بعد ثلاث ليال فدخل فيها فضربها بالعصا فلم يزل يضربها حتى
رجعت فقال فرأيتنا نعشى الابل على ضوئها ضلعا الربذة وبين ذلك ثلاث ليال*
روى ان خالدا كان اذا أراد أن يستسقى يدخل رأسه فى جيبه فتمطر ولا يمسك
المطر حتى يرفعه كذا فى الوفاء*
ذكر حنظلة بن صفوان
وأما حنظلة بن صفوان فقيل بعثه الله الى أصحاب الرس وهم قوم ابتلاهم الله
بطير عظيم لها عنق طويل من أحسن الطير كان فيها من كل لون وسموها عنقاء
لطول عنقها وكانت تسكن جبلهم الذى يقال له فتح أو دمخ مصعده فى السماء ميل
وكانت تنقض على صبيانهم فتخطفهم اذا أعوزها الصيد ويقال لها عنقاء مغرب
لانها تغرب بكل ما اختطفته وانقضت على جارية قد ترعرعت وضمتها الى جناحين
لها صغيرين غير جناحيها الكبيرين ثم ذهبت بها فضربتها العرب مثلا فقالوا
طارت به العنقاء فشكوا الى نبيهم حنظلة بن صفوان فدعا عليها فأصابتها
الصاعقة فأهلكتها ثم انهم قتلوا حنظلة فأهلكوا وقيل أصحاب الرس قوم كانوا
يعبدون الاصنام فبعث الله اليهم شعيبا فكذبوه فبينما هم حول الرس وهى البئر
غير المطوية فانهارت فخسف بهم وبديارهم وقيل الرس قرية بفلج اليمامة كان
فيها بقايا ثمود فبعث الله اليهم نبيا فقتلوه فهلكوا وقيل الاخدود وقيل بئر
بانطاكية فقتلوا فيها حبيبا البحار وقيل قوم كذبوا بينهم ورسوه أى دسوه فى
بئر ذكره فى أنوار التنزيل ببعض تغيير وفى العمدة الرس بئر بأذربيجان* وفى
المختصر حنظلة بن صفوان كان نبيا بعد خالد بن سنان بمائة سنة ويقال انه من
ولد اسماعيل وأرسل الى قبيلتين يقال لاحداهما قدمان وللاخرى رعويل فأرسله
الله اليهم فعصوه وقتلوه وأنزل الله فيهم فلما أحسوا بأسنا اذاهم منها
يركضون الآية*
(ذكر ما وقع ليلة ميلاده عليه السلام)
* فى ليلة ميلاده صلّى الله عليه وسلم صارت الشياطين وكبيرهم ابليس محجوبة
من السماء مرمية بالشهب الثواقب وكانت قبل تصعد فتسترق السمع قال الشيخ
الزرندى فى كتاب الاعلام كان من أعظم الحوادث عند مولد النبىّ صلّى الله
عليه وسلم انشقاق ايوان كسرى ثم بقاؤه كذلك الى زماننا سنة ست وأربعين
وسبعمائة ثم الله أعلم الى أىّ زمان يبقى* روى مخزوم بن هانئ المخزومى عن
أبيه وكانت له مائة وخمسون سنة قال لما ولد رسول الله صلّى الله عليه وسلم
ارتجس ايوان كسرى أنوشروان فسقطت منه أربع عشرة شرفة وكانت له اثنتان
وعشرون شرفة وانشق بحيث سمع صوته وبقى كذلك آية وخمدت نار فارس ولم تخمد
قبل ذلك بألف سنة وغاضت بحيرة ساوة وهى بين همدان وقم وكانت أكثر من ستة
فراسخ فى الطول والعرض وكانت يعبر عنها بالسفينة وبقيت كذلك ناشفة
(1/200)
يابسة على هؤلاء القوم حتى بنيت موضعها
مدينة ساوة الباقية اليوم ورأى الموبدان كأنّ ابلاصعابا تقود خيلا عرابا
حتى عبرت دجلة وانتشرت فى بلاد فارس فلما أصبح تجلد كسرى وجلس على سرير
ملكه ولبس تاجه وأرسل الى موبدان فقال يا موبدان انه سقط من ايوانى أربع
عشرة شرفة وخمدت نار فارس ولم تحمد قبل اليوم بألف سنة فقال الموبذان وأنا
أيها الملك قد رأيت كانّ ابلا صعابا تقود خيلا عرابا حتى عبرت دجلة وانتشرت
فى بلاد فارس قال فما ترى ذلك يا موبذان وكان موبذان أعلمهم قال حدث يكون
من جانب العرب* فكتب حينئذ من كسرى ملك الملوك الى النعمان بن المنذر أن
ابعث الىّ رجلا من العرب يخبرنى عما أسأله عنه فبعث اليه عبد المسيح بن
حيان بن عمرو الغسانى قيل كان له من العمر قريب من أربعمائة سنة فقال له
كسرى يا عبد المسيح هل عندك علم بما أريد أن أسألك عنه فقال يسألنى الملك
فان كان عندى منه علم أعلمته والا فأعلمته بمن علمه عنده فأخبره به فقال
علمه عند خال لى يسكن مشارف الشام يقال له سطيح* وفى سيرة ابن هشام اسم
سطيح ربيع بن ربيعة بن مازن ابن مسعود بن ذئب بن عدى بن مازن بن غسان روى
أن سطيحا الغسانى كاهن بنى ذئب كان كاهنا لم يكن مثله من بنى آدم وكان
مخلوقا عجيبا* وفى كتاب الحسنى عن ابن عباس ان الله خلق سطيحا الغسانى كلحم
على وضم ليس له عظم ولا عصب الا الجمجمة والكفين ولم يتحرّك منه الا اللسان
قيل لكونه مخلوقا من ماء امرأتين ولم يقدر على القيام والقعود الا انه وقت
غضبه يمتلئ من الريح فيجلس وكان وجهه فى صدره لم يكن له رأس وعنق وقد عمل
له سرير من السعف والجريد والخوص فاذا أريد نقله الى مكان يطوى من رجليه
الى ترقوته كما يطوى الثوب فيوضع على ذلك السرير فيذهب به الى حيث يشاء
واذا أريد تكهنه واخباره عن المغيبات يحرّك كما يحرّك وطب المخيض فينتفخ
ويمتلئ ويعلوه النفس فيخبر عن المغيبات وكان يسكن الجابية وهى مدينة من
مشارف الشام* وفى حياة الحيوان روى انه ولد شق وسطيح فى اليوم الذى ماتت
فيه ظريفة الكاهنة امرأة عمرو بن عامر ودعت بسطيح قبل أن تموت فتفلت فى فيه
وأخبرت انه سيخلفها فى علمها وكهانتها ودعت بشق ففعلت به مثل ذلك ثم ماتت
وقبرها بالجحفة* وفى سيرة ابن هشام شق بن صعب بن يشكر بن رهم بن أفرك بن
قسر بن عبقر بن انمار ابن نزار وانمار أبو بجيلة وخثعم وكان شق شق انسان له
يد واحدة ورجل واحدة وعين واحدة ذكر أن أبا الفرج بن خالد بن عبد الله
القشيرى كان من ولد شق هذا قيل كانت ولادة سطيح فى أيام سيل العرم وخرج من
المأرب مع رهط من الازد فى أيام تفرق الناس منها وعاش الى زمان ولادة
النبىّ صلى الله عليه وسلم فكان له من العمر قريب من ستمائة سنة وفيه نظر*
روى عن وهب بن منبه سئل سطيح من أين لك علم الكهانة قال ان لى قرينا من
الجنّ كان قد استمع أخبار السماء فى زمان كلم الله موسى فى الطور فيقول لى
من ذلك أشياء وأنا أقولها للناس انتهى* قال كسرى لعبد المسيح اذهب اليه
فاسأله وأخبرنى بما يخبرك به فخرج عبد المسيح حتى قدم على سطيح وهو مشرف
على الموت فأنشد عبد المسيح رجزا فلما سمعه سطيح رفع رأسه اليه وقال عبد
المسيح من بلد نزيح على جمل مشيح جاء الى سطيح وقد وافاه على ضريح بعثك ملك
ساسان لارتجاس الايوان وخمود النيران ورؤيا الموبذان رأى ابلا صعابا تقود
خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت فى بلاد فارس يا عبد المسيح اذا ظهرت
التلاوة وبعث صاحب الهراوة وغاضت بحيرة ساوة وفاض وادى سماوه وخمذت نيران
فارس لم يكن بابل للفرس مقاما ولا الشام لسطيح شاما يملك منهم ملوك وملكات
على عدد الشرفات ثم يكون هنآت وكل ما هوآت آت ثم مات* وفى معجم ما استعجم
السماوة بفتح أوّله وتخفيف الميم مفازة بين الكوفة والشام وقيل بين الموصل
والشام وهى من أرض كلب* وقال أبو
حاتم عن الاصمعى وغيره
(1/201)
السماوة قليل العرض طويلة قيل سميت بذلك
لعلوّها وارتفاعها انتهى فرجع عبد المسيح الى كسرى وأخبره بما قال سطيح قال
كسرى الى أن يملك منا أربعة عشر ملكا كانت أمور قال فملك منهم عشرة فى أربع
سنين وملك الباقون الى زمان خلافة عثمان كذا فى المنتقى* روى أن عبد المسيح
هذا هو الذى صالح خالد بن الوليد على الحيرة وكان ذلك المال أوّل مال ورد
على أبى بكر الصدّيق* وفى نظام التواريخ لما ملك كسرى أنوشروان عمل بوصايا
أزدشير واستوزر بزرجمهر وشاور معه ومع سائر الوزراء فى أمر مزدك الملحد
الذى أنشأ مذهب الاباحة وسماه مذهب العدل ورفع العبادة عن الخلق ورخص للناس
فى أن يتصرّف بعضهم فى حرم بعض وأموالهم وخدع قباد بن فيروز حتى صار مطواعا
له فلما شاور كسرى مع الوزراء استقرّ رأيهم على أن يرفعوه بالمكر والحيلة
فقربه كسرى وعزه وعلم تفصيل اتباعه بلطائف الحيل وبعث الى نوّابه وأمرهم أن
يقتلوا اتباعه يوم المهرجان فأحضروا يوم المهرجان مزدك وأتباعه وقتلهم وقتل
كسرى بيده مزدك وفى أيامه استمدّه سيف بن ذى يزن من أبناء ملوك حمير فأمدّه
على مسروق بن ابرهة الذى نزل فى شأن أبيه سورة الفيل واستخلص منهم اليمن
وكانت مدّة كسرى سبعا وأربعين سنة وأربعة أشهر* ومن حوادث ليلة ميلاده ما
وقع من زيادة حراسة السماء بالشهب وقطع رصد الشياطين ومنعهم من استراق
السمع ولقد أحسن السقراطيسى حيث قال
ضاءت لمولده الآفاق واتصلت ... بشرى الهواتف فى الاشراق والطفل
وصرح كسرى تداعى من قواعده ... وانقض منكسر الارجاء ذاميل
ونار فارس لم توقد وما خمدت ... مذالف عام ونهر القوم لم يسل
خرّت لمبعثه الاوثان وانبعثت ... ثواقب الشهب ترمى الجنّ بالشعل
ومن حوادث ليلة ميلاده صلّى الله عليه وسلم ما نقل عن عبد المطلب أنه قال
ليلة ميلاد محمد كنت فى الطواف فلما مضى نصف الليل رأيت الكعبة سجدت نحو
مقام ابراهيم وسمعت صوت التكبير الله أكبر الله أكبر الآن طهرت من أنجاس
المشركين وأرجاس الجاهلية ثم تساقطت الاصنام وأنا أنظر الى هبل الذى هو
أكبر الاصنام فرأيته سقط منكسا على الحجر ونادى مناد ألا ان آمنة قد ولدت
محمدا كذا فى شواهد النبوّة*
(ذكر بعض ما وقع حين الولادة)
* فى المواهب اللدنية روى عن آمنة أمّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم انها
قالت كانت ولادتى يوم الاثنين ولما أخذنى ما يأخذ النساء ولم يعلم بى أحد
لا ذكر ولا أنثى وانى لوحيدة فى المنزل وعبد المطلب فى طوافه فسمعت وجبة
عظيمة وصوت زلزلة شديدة وأمرا عظيما فأخذنى الرعب وهالنى ثم رأيت كانّ جناح
طائر أبيض قد مسح على فؤادى فذهب عنى الروع وكل وجع كنت أجده ثم التفت واذا
أنا بشربة بيضاء ظننتها لبنا وكنت عطشى فشربتها فاذا هى أحلى من العسل
فأضاء منى نور غالب* وفى رواية فأصابنى نور عال ثم رأيت نسوة كالنخل طولا
كأنهنّ من بنات عبد مناف يحدقن بى وأنا أتعجب من ذلك وأقول وا غوثاه من اين
علمن هؤلاء بى وفى غير هذه الرواية فقلن لى نحن آسية امرأة فرعون ومريم
ابنة عمران وهؤلاء من الحور العين واشتدّ بى الامر وانا اسمع الوجبة فى كل
ساعة اعظم واهول مما تقدّم فبينا انا كذلك اذا بديباج ابيض مدّ بين السماء
والارض واذا بقائل يقول خذاه عن اعين الناس قالت ورأيت رجالا قد وقفوا فى
الهواء بأيديهم اباريق من فضة ثم نظرت فاذا انا بقطعة من طير قد اقبلت حتى
غطت حجرتى مناقرها من الزمرّد واجنحتها من الياقوت فكشف الله عن بصرى فرأيت
مشارق الارض ومغاربها ورايت ثلاثة اعلام مضروبات علما بالمشرق وعلما
بالمغرب وعلما على ظهر الكعبة فأخذنى
(1/202)
المخاض فوضعت محمدا صلّى الله عليه وسلم
فنظرت اليه فاذا هو ساجد قد رفع اصبعيه الى السماء كالمتضرّع المبتهل ثم
رايت سحابة بيضاء قد أقبلت من السماء حتى غشيته فغيبته عنى فسمعت مناديا
ينادى طوفوا به مشارق الارض ومغاربها وأدخلوه البحار ليعرفوه باسمه ونعته
وصورته ويعلموا انه سمى فيها الماحى لا يبقى شىء من الشرك الا محى فى زمنه
ثم تجلت عنه فى أسرع وقت الحديث وهو مما تكلم فيه* وروى الخطيب البغدادى
بسنده أن آمنة قالت لما وضعته عليه السلام رأيت سحابة بيضاء عظيمة لها نور
أسمع فيها صهيل الخيل وخفقان الاجنحة وكلام الرجال حتى غشيته وغيب عنى
فسمعت مناديا ينادى طوفوا بمحمد صلّى الله عليه وسلم جميع الارض واعرضوه
على كل روحانى من الجنّ والانس والملائكة والطيور والوحوش وأعطوه خلق آدم
ومعرفة شيث وشجاعة نوح وخلة ابراهيم ولسان اسماعيل ورضا اسحاق وفصاحة صالح
وحكمة لوط وبشرى يعقوب وشدّة موسى وصبر أيوب وطاعة يونس وجهاد يوشع وصوت
داود وحب دانيال ووقار الياس وعصمة يحيى وزهد عيسى واغمسوه فى اخلاق
النبيين قالت ثم انجلت عنى فاذا به قد قبض على حريرة خضراء مطوية طيا شديدا
ينبع من تلك الحريرة ماء فاذا قائل يقول بخ بخ قبض محمد صلّى الله عليه
وسلم على الدنيا كلها لم يبق خلق من أهلها الا دخل طائعا فى قبضته* قالت ثم
نظرت اليه فاذا به كالقمر ليلة البدر وريحه يسطع كالمسك الاذفر واذا بثلاثة
نفر فى يد أحدهم ابريق من فضة وفى يد الثانى طست من زمرد أخضر وفى يد
الثالث حريرة بيضاء فنشرها فأخرج منها خاتما تحار أبصار الناظرين دونه
فغسله من ذلك الابريق سبع مرات ثم ختم بين كتفيه بالخاتم ولفه فى الحرير ثم
احتمله بين أجنحته ساعة ثم ردّه الىّ رواه أبو نعيم عن ابن عباس وفيه
نكارة* وروى الحافظ أبو بكر بن عائذ فى كتاب المولد كما نقله الشيخ بدر
الدين الزركشى فى شرح بردة المديح عن ابن عباس لما ولد النبىّ صلّى الله
عليه وسلم قال فى اذنه رضوان خازن الجنان ابشريا محمد فما بقى لنبىّ علم
الا وقد أعطيته فأنت أكثرهم علما وأشجعهم قلبا وروى الطبرانى انه لما وقع
الى الارض وقع مقبوضة أصابع يديه مشيرا بالسبابة كالمسبح بها* وفى شواهد
النبوّة روى انه صلّى الله عليه وسلم لما وقع على الارض رفع رأسه وقال
بلسان فصيح لا اله الا الله وانى رسول الله وعن فاطمة بنت عبد الله امّ
عثمان بن أبى العاص قالت لما حضرت ولادة رسول الله صلّى الله عليه وسلم
رأيت البيت حين وقع قد امتلأ نورا ورأيت النجوم تدنو حتى ظننت انها ستقع
علىّ رواه البيهقى* وأخرج أحمد والبزار والطبرانى والحاكم والبيهقى عن
العرباض بن سارية كما ذكر فى اوّل الكتاب ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم
قال انى عبد الله وخاتم النبيين وان آدم لمنجدل فى طينته وسأخبركم عن ذلك
أنا دعوة ابراهيم وبشارة عيسى ورؤيا أمى التى رأت وكذلك أمهات الانبياء
يرين وان أمّ رسول الله رأت حين وضعته نورا أضاءت له قصور الشام* قال
الحافظ ابن حجر صححه ابن حبان والحاكم واخرج ابو نعيم عن بردة عن مرضعته فى
بنى سعد أن آمنة قالت رأيت كأنه خرج من فرجى شهاب أضاءت له الارض حتى رأيت
قصور الشام* وعن همام بن يحيى عن اسحاق بن عبد الله ان امّ رسول الله صلّى
الله عليه وسلم قالت لما ولدته خرج من فرجى نور أضاء له قصور الشام فولدته
نظيفا ما به قذر رواه ابن سعد* واخرج ابو نعيم عن عبد الرحمن بن عوف عن أمه
الشفاء قالت لما ولدت آمنة رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقع على يدى
فاستهل فسمعت قائلا يقول رحمك الله وأضاءت لى ما بين المشرق والمغرب حتى
نظرت الى بعض قصور الروم قالت ثم ألبنته وأضجعته فلم أنشب أن غشيتنى ظلمة
ورعب وقشعريرة ثم غيب عنى فسمعت قائلا يقول أين ذهبت به قال الى المشرق
قالت فلم يزل الحديث منى على بال حتى بعثه الله فكنت فى أوّل الناس اسلاما
ذكرهما فى المواهب اللدنية وذكر فى غيره
عن أبى بكر
(1/203)
ابن البراء قال قالت آمنة ولدته جاثيا على
ركبتيه ينظر الى السماء ثم قبض قبضة من الارض فأهوى ساجدا وغطيت عليه اناء
فوجدته قد تفلق الاناء عليه وهو يمص ابهامه تشخب لبنا* وفى المنتقى ورد أنه
صلى الله عليه وسلم لما ولد وقع جاثيا على ركبتيه وخرج معه نور أضاءت له
قصور الشام وأسواقها حتى رأيت أعناق الايل ببصرى رافعا رأسه الى السماء
فحقق الله بذلك رؤيا أمه* وفى المواهب اللدنية قال فى اللطائف وخروج هذا
النور عند وضعه اشارة الى ما يجىء به من النور الذى اهتدى به أهل الارض
وزال به ظلمة الشرك كما قال تعالى قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدى به
الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الى النور باذنه* وأما
اضاءة قصور بصرى بالنور الذى خرج معه فهو اشارة الى ما خص الشام من نور
نبوّته فانها دار ملكه كما ذكر كعب ان فى الكتب السالفة محمد رسول الله
مولده مكة ومهاجره يثرب وملكه بالشام ولهذا اسرى به صلّى الله عليه وسلم
الى الشام الى بيت المقدس كما هاجر قبله ابراهيم عليه السلام الى الشام
وبها ينزل عيسى ابن مريم عليهما السلام وهى أرض المحشر والمنشر* وفى
المنتقى كانت سنتهم فى المولود اذا ولد فى استقبال الليل كفأوا عليه قدرا
حتى يصبح ففعلوا ذلك بالنبىّ صلّى الله عليه وسلم فأصبحوا وقد انشق عنه
القدر وهو شاخص ببصره الى السماء وفيه أيضا روى أنها لما ولدته صلّى الله
عليه وسلم أرسلت الى عبد المطلب وجاءه البشير وهو جالس فى الحجر معه ولده
ورجال من قومه فأخبره أن آمنة ولدت غلاما فسرّ بذلك عبد المطلب وقام هو ومن
كان معه ودخل عليها فأخبرته بكل ما رأت وما قيل لها وما أمرت به فأخذه عبد
المطلب فأدخله جوف الكعبة وقام عندها يدعو الله ويشكره بما أعطاه فقال
يومئذ
الحمد لله الذى أعطانى ... هذا الغلام الطيب الاردان
قد ساد فى المهد على الغلمان ... أعيذه بالبيت ذى الاركان
حتى أراه بالغ البيان ... أعيذه من شرّ ذى شنآن
من حاسد مضطرب العينان
روى أنه لما ولد رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمر عبد المطلب بجزور فنحرت
ودعا رجالا من قريش فحضروا وطعموا* وفى بعض الكتب كان ذلك يوم سابعه يعنى
عقيقته فلما فرغوا من أكله قالوا ما سميته قال سميته محمدا قالوا لم رغبت
عن أسماء آبائه قال أردت أن يكون محمودا فى السماء لله وفى الارض لخلقه قيل
بل سمته بذلك أمه لما رأته وقيل لها فى شأنه ويمكن أن يجمع بين القولين بأن
يقال نقلت أمه لجدّه ما رأته فسماه به فوقعت التسمية منه واذا كانت هى
سببها يصح القول بأنها سمته به*
(ذكر ختانه صلّى الله عليه وسلم)
اختلف فى ختانه على ثلاثة أقوال وسيجىء* جمهور أهل السير والتواريخ على انه
صلّى الله عليه وسلم ولد معذورا مسرورا أى مختونا مقطوع السرّ وسيجىء بيان
الاعذار وأعجب ذلك عبد المطلب وحظى عنده وقال ليكونن لا بنى هذا شأن* وفى
المواهب اللدنية روى من حديث أبى هريرة عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم عند
ابن عساكر وروى الطبرانى فى الاوسط وأبو نعيم والخطيب وابن عساكر من طرق عن
أنس بن مالك أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال من كرامتى على ربى انى ولدت
مختونا ولم ير أحد سوأتى وصححه أيضا فى المختارة* وعن ابن عمر قال ولد
النبىّ صلّى الله عليه وسلم مسرورا مختونا رواه ابن عساكر قال الحاكم فى
المستدرك تواترت الاخبار أنه صلّى الله عليه وسلم ولد مختونا انتهى وتعقبه
الحافظ الذهبى فقال ما أعلم صحة ذلك فكيف يكون متواترا* أجيب باحتمال أن
يكون أراد بتواتر الاخبار اشتهارها وكثرتها فى السير لا من طريق السند
المصطلح عليه عند أئمة الحديث ولكن قد حكى الحافظ زين الدين العراقى ان
الكمال بن العديم
(1/204)
ضعف أحاديث كونه عليه السلام ولد مختونا
وقال انه لا يثبت فى هذا شئ من ذلك وأقرّه عليه وبه صرّح ابن القيم ثم قال
ليس هذا من خصائصه صلّى الله عليه وسلم فان كثيرا من الناس ولد مختونا وحكى
الحافظ ابن حجر أن العرب تزعم أن الغلام اذا ولد فى القمر فسخت قلفته أى
اتسعت فيصير كالمختون وفى الوشاح لابن دريد قال ابن الكلبى بلغنا أن آدم
خلق مختونا واثنى عشر نبيا بعده خلقوا مختونين آخرهم محمد صلّى الله عليه
وسلم شيث وادريس ونوح وسام ولوط ويوسف وموسى وسليمان وشعيب ويحيى وهود
ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين* وذكر ابن الجوزى عن كعب الاحبار ان
ثلاثة عشر من الانبياء خلقوا مختونين وعدّ الانبياء المذكورين غير هود وذكر
عيسى مكانه وقال محمد بن حبيب الهاشمى هم أربعة عشر وعدّ الانبياء
المذكورين غير هود وعيسى وذكر زكريا وحنظلة بن صفوان كذا فى مريل الخلفا*
وفى المواهب اللدنية وفى هذه العبارة تجوّز لان الختان هو القطع وهو غير
موجود لان الله تعالى يوجد ذلك على هذه الهيئة من غير قطع فيحمل الكلام
باعتبار أنه على صفة المقطوع وقد حصل من الاختلاف فى ختانه ثلاثة أقوال كما
أشرنا اليه سابقا أحدها انه ولد مختونا كما تقدّم الثانى انه ختنه جدّه عبد
المطلب يوم سابعه وصنع له مأدبة وسماه محمدا رواه الوليد بن مسلم بسنده الى
ابن عباس وحكاه ابن عبد البرّ فى التمهيد وابن الاثير فى اسد الغابة الثالث
انه ختن عند حليمة كذا ذكره ابن القيم والدمياطى ومغلطاى قالا ان جبريل
ختنه حين طهر قلبه وكذا أخرجه الطبرانى فى الاوسط وأبو نعيم من حديث أبى
بكرة وقال الذهبى وهذا منكر* واعلم أن الختان هو قطع القلفة التى تغطى
الحشفة من الرجل وقطع بعض الجلدة التى فى أعلى الفرج من المرأة ويسمى ختان
الرجل اعذارا بالعين المهملة والذال المعجمة والراء وختان المرأة خفضا
بالخاء المعجمة والفاء والضاد المعجمة وفى القاموس خفاض كختان لفظا ومعنى*
واختلف العلماء هل هو واجب أو سنة فذهب أكثرهم الى أنه سنة وهو قول أبى
حنيفة ومالك وبعض أصحاب الشافعى وذهب الشافعى الى وجوبه وهو مقتضى قول
سحنون من المالكية وذهب بعض أصحاب الشافعى الى أنه واجب فى حق الرجال وسنة
فى حق النساء واحتج من قال انه سنة بحديث أبى المليح بن اسامة عن أبيه أن
النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال الختان سنة للرجال مكرمة للنساء رواه أحمد
فى مسنده والبيهقى وأجاب من أوجبه بأنه ليس المراد بالسنة هنا خلاف الواجب
بل المراد به الطريقة واحتجوا على وجوبه بقوله تعالى أن اتبع ملة ابراهيم
حنيفا وثبت فى الصحيح من حديث أبى هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه
وسلم اختتن ابراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم وبما روى أبو
داود من قوله عليه السلام للرجل الذى أسلم ألق عنك شعار الكفر واختتن واحتج
القفال بوجوبه بأن بقاء القلفة تحبس النجاسة وتمنع صحة الصلاة فيجب وقال
الامام فخر الدين الرازى الحكمة فى الختان أن الحشفة قوى الحس فما دامت
مستورة بالقلفة تقوى اللذة عند المباشرة فاذا قطعت القلفة تصلبت الحشفة
فضعفت اللذة وهو اللائق بشر بعتنا تقليلا للذة لا قطعا كما فعله المانوية
فذلك افراط وابقاء القلفة تفريط فالعدل الختان* وفى الملل والنحل لمحمد بن
عبد الكريم الشهرستانى المانوية أصحاب مانى بن فاتك الحكيم الذى ظهر فى
زمان سابور بن أزدشير وقتله بهرام بن هرمز بن سابور بن أزدشير وذلك بعد
عيسى عليه السلام أخذ دينا بين المجوسية والنصرانية وكان لا يقول بنبوّة
عيسى ولا بنبوّة موسى عليهما السلام وحكى محمد بن هارون المعروف بأبى عيسى
الورّاق وكان فى الاصل مجوسيا ارفا بمذاهب القوم ان الحكيم مانى زعم ان
العالم مصنوع مركب من أصلين قديمين أحدهما نور والآخر ظلمة وانهما أزليان
لم يزولا ولا يزالا وأنكر وجود شىء الا من أصل قديم انتهى وادا قلنا
(1/205)
بوجوب الختان فحمل الوجوب بعد البلوغ على
الصحيح من مذهب الشافعى لما روى البخارى فى صحيحه عن ابن عباس انه سئل مثل
من أنت حين قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال أنا يومئذ مختون وكانوا
لا يختنون الرجل حتى يدرك قال بعض اصحاب الشافعى يجب على الولىّ أن يختن
الصبى قبل البلوغ والله أعلم*
أسماؤه صلّى الله عليه وسلم
أما أسماؤه صلّى الله عليه وسلم فكثيرة بعضها ورد فى القرآن المجيد وبعضها
فى الاحاديث الصحيحة وبعضها فى كتب الانبياء أما ما فى القرآن فمنها محمد
وأحمد والرسول والنبىّ والشاهد والبشير والنذير والمبشر والمنذر والداعى
الى الله والسراج المنير والرؤف والرحيم والمصدّق والمذكر والمزمل والمدّثر
وعبد الله والكريم والحق والمبين والنور وخاتم النبيين والرحمة والنعمة
والهادى وطه ويس على قول بعض المفسرين وأما ما فى الاحاديث غير ما ذكرناه
فمنها الماحى والحاشر والعاقب والمقفى ونبىّ الرحمة ونبىّ التوبة ونبىّ
الملاحم ورحمة مهداة والقتال والمتوكل والفاتح والخاتم والمصطفى والامى
والقثم أى جامع الخير قال ابن الجوزى هو مشتق من القثم وهو الاعطاء يقال
قثم له من العطاء يقثم اذا أعطاه كذا فى المواهب اللدنية* وأماما فى كتب
الانبياء فمنها الضحوك وحميالها أو حمطايا وأحيد وبارقليط وفارقليط وفارق
ليطا وماذماذ والمشقح والمنحمنا والمختار وروح الحق ومقيم السنة والمقدّس
وحرز الاميين ومعلوم أن أكثر الاسماء المذكورة صفات واطلاق الاسم عليها
مجاز فى المواهب اللدنية قوله حمياطا بفتح الحاء المهملة ثم ميم ساكنة
فمثناة تحتية فألف فطاء مهملة فألف قال أبو عمرو سألت بعض من أسلم من
اليهود عنه فقال معناه يحمى الحرم من الحرام ويوطئ الحلال فأما حمطايا
فبفتح الحاء المهملة وسكون الميم قال الهروى أى حامى الحرم فأما أحيد فهو
بهمزة مضمومة ثم حاء مهملة مكسورة ثم مثناة تحتية ساكنة ثم دال مهملة قال
القسطلانى كذا وجدته فى بعض نسخ الشفاء المعتمدة والمشهور ضبطه بفتح الهمزة
وكسر الحاء المهملة وبفتح المثناة التحتية وفى نسخة بفتح الهمزة وكسر الحاء
وسكون المثناة فقال النووى فى كتاب تهذيب الاسماء واللغات عن ابن عباس قال
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم اسمى فى القرآن محمد وفى الانجيل أحمد
وفى التوراة أحيد وانما سميت أحيد لانى أحيد عن أمتى نار جهنم* وأما
بارقليط وفارقليط بالموحدة التحتية وبالفاء وفتح الراء والقاف وسكون الراء
مع فتح القاف وبكسر الراء وسكون القاف وغير منصرف للعجمة والعلمية فوقع فى
انجيل يوحنا ومعناه روح الحق وقال ثعلب معناه الذى يفرق بين الحق والباطل
وانما قال فى انجيل يوحنا لان عيسى لم تظهر دعوته فى عصره وانما أخذ
الانجيل عن أربعة من الحواريين متى ويوحنا ومرقس ولوقا* تكلم كل واحد من
هؤلاء بعبارة عبرها للامة الذين تابعوه دعاهم بلغتهم نجلها أى ولدها مما
سمع من المسيح عليه السلام ولذلك اختلفت الاناجيل الاربعة اختلافا شديدا
كذا فى المنتقى* وفى نهاية ابن الاثير فى صفته عليه السلام ان اسمه مكتوب
فى الكتب السالفة فارق ليطا أى يفرق بين الحق والباطل* وأما ماذماذ بميم ثم
ألف ثم ذال معجمة منوّلة ثم ميم ثم ألف ثم ذال معجمة قال القسطلانى كذا
رأيته لبعض العلماء ونقل العلامة الحجازى فى حاشيته على الشفاء بضم الميم
واشمام الهمزة ضمة بين الواو والالف ممدودا وقال نقلته عن رجل أسلم من
علماء بنى اسرائيل وقال معناه طيب طيب ولا ريب أنه أطيب الطيبين وحسبك أنه
كان يؤخذ من عرقه ليتطيب به وأما المشفح فهو بضم الميم وبالشين المعجمة
وبالفاء المشدّدة المفتوحتين ثم حاء مهملة وروى بالقاف بدل الفاء من الشفح
والشقح وهما بالسريانية الحمد* وأما المنحمنا فهو بضم الميم وسكون النون
وفتح الحاء المهملة وكسر الميم وتشديد النون الثانية المفتوحة مقصورا وضبطه
بعضهم بفتح الميمين فمعناه بالسريانية محمد* ذكر الحسين
(1/206)
ابن محمد الدامغانى فى كتاب شوق العروس
وأنس النفوس نقلا عن كعب الاحبار أنه قال اسم النبىّ صلى الله عليه وسلم
عند أهل الجنة عبد الكريم وعند أهل النار عبد الجبار وعند أهل العرش عبد
الحميد وعند سائر الملائكة عبد المجيد وعند الانبياء عبد الوهاب وعند
الشيطان عبد القهار وعند الجنّ عبد الرحيم وفى الجبال عبد الخالق وفى البرّ
عبد القادر وفى البحر عبد المهيمن وعند الحيتان عبد القدّوس وعند الهوام
عبد الغياث وعند الوحوش عبد الرزاق وعند السباع عبد السلام وعند البهائم
عبد المؤمن وعند الطيور عبد الغفار وفى التوراة موذ موذ وفى الانجيل طاب
طاب وفى الصحف عاقب وفى الزبور فاروق وعند الله طه ويس وعند المؤمنين محمد
صلى الله عليه وسلم ذكر هذا كله القسطلانى فى المواهب اللدنية وذكر فيه من
الاسماء والالقاب والكنى ما يزيد على أربعمائة* قال ابن دحية أسماؤه تقرب
من الثلثمائة وانتهى بها بعض الصوفية الى ألف كذا فى سيرة مغلطاى*
ألقابه صلّى الله عليه وسلم
وأما ألقابه صلّى الله عليه وسلم فكثيرة مثل صاحب البراق وصاحب التاج
المراد به العمامة لان العمائم تيجان العرب وصاحب المعراج وصاحب الهراوة
والنعلين وصاحب الخاتم والعلامة وصاحب البرهان والحجة وصاحب الحوض المورود
والمقام المحمود وصاحب الوسيلة وصاحب الفضيلة وصاحب الدرجة الرفيعة وصاحب
الشفاعة وسيد أولاد آدم وسيد المرسلين وامام المتقين وقائد الغرّ المحجلين
وحبيب الله وخليل الله والعروة الوثقى والصراط المستقيم والنجم الثاقب
ورسول رب العالمين والمصطفى والمجتبى والمزكى* وأما كنيته صلّى الله عليه
وسلم المشهورة فأبو القاسم لانّ أكبر أولاده القاسم والعرب تكنى الشخص
غالبا بأكبر أولاده* وقال صلّى الله عليه وسلم سموا باسمى ولا تكنوا بكنيتى
فانما أنا قاسم أوفانى أبو القاسم أقسم بينكم وقال أبو هريرة لما ولد
ابراهيم من مارية لقى جبريل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال له السلام
عليك يا أبا ابراهيم رواه أحمد وروى هذا الحديث عن أنس أيضا تغيير يسير كما
سيجىء فى مولد ابراهيم فى الموطن الثامن ويكنى بأبى الارامل فيما ذكره ابن
دحية وبأبى المؤمنين فيما ذكره غيره والله أعلم*
(ذكر شمائله وصفاته)
* كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها وأحسنهم خلقا* وعن أنس
كان النبىّ صلّى الله عليه وسلم ربعة من القوم ليس بالقصير ولا بالطويل
البائن وفى رواية الذاهب وفى رواية علىّ لم يكن بالطويل الممغط ولا بالقصير
المتردّد كان ربعة من القوم وفى رواية وهو الى الطول أقرب وفى رواية أطول
من المربوع وأقصر من المشذب* وفى رواية مربوعا ومع ذلك لم يكن يماشيه أحد
ينسب الى الطول الا طاله وفى رواية اذا جاء مع القوم غمرهم وكان فخما مفخما
يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر أزهر اللون كانّ الشمس تجرى فى وجهه
أبيض مشربا بياضه بحمرة* وفى رواية أزهر ليس بالابيض الامهق ولا بالادم وفى
رواية أبيض مليح الوجه مليحا مقصدا وفى رواية حسن الوجه أسمر اللون عظيم
الهامة وفى رواية ضخم الرأس وفى رواية على رضى الله عنه ليس بالمطهم ولا
بالمكلثم وكان فى وجهه تدوير وفى رواية كانّ على وجهه مثل الشمس والقمر
مستدير سهل الخدّين واسع الجبين أزج الحواجب سوابغ من غير قرن وفى رواية
أبلج بينهما عرق يدرّه الغضب أنجل وفى رواية عظيم العينين أدعج وفى رواية
أسود الحدق أشكل العينين وفى رواية مشرب العينين حمرة أهدب الاشفار وكان
يرى من خلفه كما يرى من قدّامه وفى رواية مسلم من أمامه* قال بعض العلماء
وهو مختار بن محمود كان بين كتفيه عينان مثل سمّ الخياط يبصر بهما ولا
يحجبهما الثياب وقال بعضهم ان الله خلق له ادراكا فى قفاه يبصر به من وراءه
ويرى فى الليل والظلمة كما يرى بالنهار والضوء رواه البيهقى والبخارى وانه
رأى الله بعينه على
(1/207)
الخلاف كذا فى المواهب اللدنية وكان يرى فى
الثريا أحد عشر نجما قال أحمد بن حنبل وجمهور العلماء ان هذه الرؤية رؤية
عين حقيقة وذهب بعضهم الى ردّها الى العلم والظواهر بخلافه ولا احالة فى
ذلك وهى من خواص الانبياء كما روى عن أبى هريرة عن النبىّ صلّى الله عليه
وسلم انه قال لما تجلى الله لموسى عليه السلام كان يبصر النملة على الصفاء
فى الليلة الظلماء مسيرة عشرة فراسخ ولا يبعد على هذا أن يختص نبينا صلّى
الله عليه وسلم بما ذكرناه من هذا الباب بعد الاسراء لما رأى من آيات ربه
الكبرى كذا فى الشفاء* خافض الطرف نظره الى الارض أطول من نظره الى السماء
جل نظره الملاحظة وفى سيرة اليعمرى وكان تنام عيناه ولا ينام قلبه انتظارا
للوحى وكذا فى البخارى واذا نام نفخ ولا يغط أقنى العرنين له نور يعلوه
يحسبه من لم يتأمله أشم ضليع الفم مفلج الاسنان أشنب اذا افتر ضاحكا افتر
عن مثل حب الغمام أو مثل سنا البرق جل ضحكه التبسم وفى رواية أفلج الثنيتين
اذا تكلم رؤى كالنور يخرج من ثناياه وقال شمر عظيم الاسنان وكان ريقه يعذب
الماء الملح رواه أبو نعيم ويجزى الرضيع رواه البيهقى وما تثاءب قط كما
رواه ابن أبى شيبة والبخارى فى تاريخه وأخرج الخطابى قال ما تثاءب نبىّ قط
ويؤيد ذلك ان التثاؤب من الشيطان رواه البخارى طويل السكوت لا يتكلم فى غير
حاجة ويتكلم بجوامع الكلم كلامه فصل لا فضول ولا تقصير* وفى رواية علىّ رضى
الله عنه أسيل الخدّكث اللحية على شفته السفلى خال وفى رواية تملأ صدره
عظيم الجمة الى شحمة أذنيه وفى رواية له شعر يضرب منكبيه وفى رواية بين
أذنيه وعاتقه وفى رواية أنس رجل الشعر ليس بالسبط ولا بالجعد القطط وفى
رواية علىّ كان جعدا رجلا ذا أربع غدائر وفى رواية ذا ضفائر أربع وللترمذى
كان شعره فوق الجمة ودون الوفرة ولابى داود فوق الوفرة ودون الجمة وليس فى
رأسه ولحيته حين توفى عشرون شعرة بيضاء وفى رواية أنس ما عددت فى رأسه
ولحيته الا أربع عشرة شعرة بيضاء* قال أبو بكر يا رسول الله قد شبت فقال
رسول الله صلّى الله عليه وسلم شيبتنى هود والواقعة والمرسلات وعمّ
يتساءلون واذا الشمس كوّرت رواه الترمذى وكان رسول الله صلّى الله عليه
وسلم قد شمط مقدّم رأسه ولحيته واذا ادّهن لم يتبين واذا شعث رأسه تبين
وكان فى عنفقته شعرات بيض* وعن أنس أنه صلّى الله عليه وسلم لم يخضب وانما
كان البياض فى عنفقته وفى الصدغين وفى الرأس يبدو وعنه رأيت شعر رسول الله
صلّى الله عليه وسلم مخضوبا وسئل أبو هريرة هل خضب رسول الله صلّى الله
عليه وسلم قال نعم* وفى رواية أخرجت أمّ سلمة شعرا من شعر رسول الله صلّى
الله عليه وسلم مخضوبا وفى رواية أرت شعره صلّى الله عليه وسلم أحمر ورأى
ربيعة بن عبد الرحمن شعرا من شعره صلّى الله عليه وسلم أحمر فسأل فقيل
احمرّ من الطيب وكان صلّى الله عليه وسلم يترجل غبا وفى رواية كان يكثر دهن
رأسه وتسريح لحيته وحلق صلّى الله عليه وسلم فى حجة الوداع وفى رواية بمنى
بعد ما نحر جانبه الايمن ثم الايسر ثم بقية الرأس كما سيجىء فى الموطن
العاشر وقصر عن رأسه بمشقص وهو على المرأة وكان صلّى الله عليه وسلم يقص أو
يأخذ من شاربه رواه الترمذى عن ابن عباس وعنده أيضا من حديث زيد بن أرقم
قال صلّى الله عليه وسلم من لم يأخذ من شاربه فليس منا وقال صلّى الله عليه
وسلم الفطرة خمس الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الاظفار ونتف الابط*
وفى شرح السنة أنه صلّى الله عليه وسلم كان يقص شاربه ويأخذ من أظفاره قبل
أن يروح الى صلاة الجمعة* وفى الشرعة أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم كان
يقص من لحيته من عرضها وطولها ويفعل ذلك فى الخميس والجمعة* وعن أنس أنه
صلّى الله عليه وسلم كان لا يتنوّر فاذا
كثر شعره حلقه وكان صلّى الله عليه وسلم أحسن الناس عنقا كانّ عنقه جيد
دمية أو ابريق فضة فى صفاء فضة
(1/208)
وفى رواية أبيض كأنما صيغ من فضة معتدل
الخلق بادنا متماسك البدن كأنّ عرقه اللؤلؤ وكان يؤخذ من عرقه ليتطيب به
واذا مرّ بسكة يبقى أثر الطيب فيها زمانا وثبت فى الصحيح أن ابطه كان نظيفا
طيب الرائحة ولم تكن له رائحة كريهة وكان ضرب اللحم سواء البطن والصدر عريض
الصدر وفى رواية واسع الصدر بعيد ما بين المنكبين وللنسائى عريض عظم
المنكبين وللترمذى ضخم الكراديس وفى رواية ضخم العظام وفى رواية جليل
المشاش والكتد بين كتفيه خاتم النبوّة مثل زرّ الحجلة كذا فى البخارى وفى
مسلم جمع عليه خيلان كأنها الثآليل السود عند نغض كتفه وروى عند غضروف كتفه
اليسرى وفى كتاب أبى نعيم الايمن وفى مسلم كبيضة الحمامة وفى صحيح الحاكم
شعر مجتمع وفى البيهقى مثل السلعة وفى الشمائل بضعة ناشزة وفى حديث عمرو بن
أخطب كشىء يختم به وفى تاريخ ابن عساكر مثل البندقة وفى الترمذى ودلائل
البيهقى كالتفاحة* وفى الروض وسيرة ابن هشام وحياة الحيوان كأثر المحجمة
القابضة على اللحم وفى تاريخ ابن خيثمة شامة خضراء محتفرة فى اللحم وفيه
أيضا شامة سوداء تضرب الى الصفرة حولها شعرات متراكبات كأنها عرف الفرس وفى
تاريخ القضاعى ثلاث شعرات مجتمعات وفى كتاب الترمذى الحكيم كبيضة الحمام
مكتوب فى باطنها الله وحده لا شريك له وفى ظاهرها توجه حيث شئت فانك منصور
وفى كتاب المولد لابن عائذ كان نورا يتلألأ* وفى سيرة ابن أبى عاصم عذرة
كعذرة الحمام قال أبو أيوب يعنى قرطمة الحمام فى القاموس قرطمتا الحمام
بكسر القاف نقطتان على أصل منقاره* وفى تاريخ نيسابور مثل البندقة من لحم
مكتوب عليه باللحم محمد رسول الله وفى رواية عن صفية بنت عبد المطلب مكتوب
عليه لا اله الا الله محمد رسول الله كذا فى حياة الحيوان نقلا عن دلائل
النبوّة للبيهقى* وعن عائشة كتينة صغيرة تضرب الى الدهمة وكان مما يلى
الفقار قالت فلمسته حين توفى فوجدته قد رفع حكى هذا كله الحافظ مغلطاى كذا
فى المواهب اللدنية* وفى حياة الحيوان عن الواقدى عن شيوخه انهم قالوا لما
شك فى موت النبىّ صلّى الله عليه وسلم وضعت أسماء بنت عميس يدها بين كتفيه
فقالت توفى رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد رفع الخاتم من بين كتفيه وكان
هذا الذى عرف به موت النبىّ صلّى الله عليه وسلم* قال فى فتح البارى ما ورد
من أن الخاتم كان كأثر محجم أو كالشامة السوداء أو الخضراء مكتوب عليها
محمد رسول الله أو سرفانك المنصور أو لا اله الا الله محمد رسول الله لم
يثبت منها شىء قال لا تغترّ بما وقع فى صحيح ابن حبان فانه غفل حيث صحح ذلك
وقال الهيتمى فى مورد الظمآن بعد أن أورد الحديث ولفظه مثل البندقة من
اللحم مكتوب عليه محمد رسول الله مما اختلط على بعض الرواة خاتم النبوّة
بالخاتم الذى كان يختم به وبخط الحافظ ابن حجر على الهامش البعض المذكور هو
اسحاق بن راهويه قاضى سمرقند وهو ضعيف (قوله) زرّ الحجلة بالحاء المهملة
والجيم قال النووى هو واحد الحجال وهو بيت كالقبة لها ازرار كبار وعرى هذا
هو الصواب وقال بعضهم المراد بالحجلة الطائر المعروف وزرّها بيضها وأشار
اليه الترمذى وأنكره عليه العلماء (قوله) جمع بضم الجيم واسكان الميم أى
كجمع الكف وهو صورته بعد أن يجمع الاصابع ويضمها (قوله) الخيلان جمع خال
وهو الشامة على الجسد (قوله) نغض بالنون والغين والضاد المعجمتين قال
النووى النغض بضم النون وفتحها والناغض أعلا الكتف وقيل هو العظم الرقيق
الذى على طرفه وقيل ما يظهر منه عند التحرّك سمى ناغضا التحرّكه (قوله)
بضعة ناشزة بالمعجمة والزاى أى قطعة لحم مرتفعة على جسده وهذا الخاتم هو
أثر الملكين بين كتفيه حين شقا صدره الشريف وخيط حتى التأم كما كان وختم
بين كتفيه فبقى أثر الختم فى ظهره كما بقى أثر الخيط فى صدره* وفى دلائل
أبى نعيم لما ولد ذكرت أمه أن الملك غمسه فى الماء الذى أنبعه ثلاث غمسات
ثم أخرج صرة من حرير أبيض فاذا فيها خاتم فضرب على كتفه كالبيضة المكنونة
تضىء
(1/209)
كالزهرة وقيل ولد به والله أعلم ذكر ذلك
كله فى المواهب اللدنية* وروى الحاكم فى مستدركه عن وهب ابن منبه أنه قال
لم يبعث الله نبيا الا وقد كانت شامة النبوّة فى يده اليمنى الا أن يكون
نبينا صلّى الله عليه وسلم فانّ شامة النبوّة بين كتفيه* وفى حياة الحيوان
ان خاتم النبوّة لم يكن قبل شق الصدر وقد مرّ قال السهيلى الحكمة فى خاتم
النبوّة على جهة الاعتبار أنه لما ملئ قلبه صلّى الله عليه وسلم حكمة
ويقينا ختم عليه كما يختم على الوعاء المملوء مسكا أو درّا وأما وضعه عند
نغض الكتف فلانه صلّى الله عليه وسلم معصوم من وسوسة الشيطان وذلك الموضع
يوسوس لابن آدم لانه يحاذى قلبه وكان صلّى الله عليه وسلم عبل العضدين
والذراعين والا سافل أنور المتجرّد أجرد ذا مسربة وفى رواية دقيق المسربة
وفى رواية طويل المسربة موصول ما بين اللبة والسرّة بشعر يجرى كالخط وفى
رواية كالقضيب لم يكن فى صدره ولا فى بطنه شعر غيرها عارى الثديين والبطن
مما سوى ذلك أشعر الذراعين والمنكبين وأعالى الصدر طويل الزندين وفى رواية
سبط القصب رحب الراحة شثن الكفين والقدمين أى غليظ أصابعهما رواه الترمذى
وفى رواية ضخم اليدين والقدمين سبط أو بسط الكفين وفى رواية رحب الكفين
طويل اصبع قدميه السبابة على سائر أصابعه قالت ميمونة بنت كردم رأيت رسول
الله صلّى الله عليه وسلم بمكة وهو على ناقته وأنا مع أبى فدنا منه أبى
فأخذ بقدمه فاستقرّ له رسول الله صلّى الله عليه وسلم أى أمسك عن مسيره
قالت فاستطولت أصبع قدميه السبابة على سائر أصابعه رواه أحمد والترمذى قال
الحافظ ابن حجر انما ذلك فى أصابع رجليه فقط دون اليد* وعن جابر بن سمرة
كانت خنصر رسول الله صلّى الله عليه وسلم من رجله متظاهرة رواه البيهقى كذا
فى المواهب اللدنية وكان فى ساقه خموش منهوس العقب سائل أو شائل الاطراف
خمصان الاخمصين مسيح القدمين ينبو عنهما الماء ذريع المشية اذا مشى تقلع
كأنما ينحط فى صبب وكان لا يؤثر فى الرمل نعله وتلين الصخرة تحت قدميه وكان
لا ظل له فى شمس ولا قمر ولا يقع الذباب على جسده ولا ثيابه ولا يمص دمه
البعوض كذا نقل الامام فخر الدين الرازى ولا يقمل ثوبه قط وقال ابن سبع فى
الشفاء والسبتى فى أعذب الموارد وأطيب الموالد لم يكن القمل يؤذيه تعظيما
له وتكريما لكن يشكل عليه بما رواه أحمد والترمذى فى الشمائل عن عائشة رضى
الله عنها كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يفلى ثوبه ويحلب شاته كذا فى
المواهب اللدنية* واذا أراد أن يتغوّط انشقت له الارض فابتلعت غائطه وبوله
وفاحت لذلك رائحة طيبة كذا فى الشفاء وكان يتبرك ببوله ودمه وكان يسبق
أصحابه فى المشى ويبدأ من لقيه بالسلام وكان متواصل الاحزان دائم الفكرة
ليست له راحة دمثا ليس بالجافى ولا المهين يعظم النعمة وان دقت لا يذم شيئا
منها ولا يذم ذواقا ولا يمدحه ولا تغضبه الدنيا ولا ما كان لها ولا يغضب
لنفسه ولا ينتصر لها واذا غضب أعرض وأشاح واذا فرح غض طرفه أجود الناس صدرا
وفى رواية أرحب الناس صدرا وأصدقهم لهجة وأوفاهم ذمّة وألينهم عريكة
وأكرمهم عشرة وأحلمهم وأشدّهم بأسا أشدّ حياء من العذراء فى خدرها لا يثبت
بصره فى وجه أحد قالت عائشة ما أتى أحدا من نسائه الا متقنعا يرخى الثوب
على رأسه ولم أرمنه ولا رآى منى كذا فى سيرة مغلطاى من رآه بديهة هابه ومن
خالطه معرفة أحبه روى أنه دخل عليه رجل فقام بين يديه فأخذته رعدة من هيبته
فقال له هوّن عليك فانى لست بملك ولا جبار وانما أنا ابن امرأة من قريش
تأكل القديد بمكة فنطق الرجل بحاجته كذا فى المواهب اللدنية*
مزاحه صلّى الله عليه وسلم
وفى سيرة اليعمرى وكان يمزح ولا يقول الا الحق جاءته امرأة فقالت يا رسول
الله احملنى على جمل قال انما أحملك على ولد الناقة قالت لا يطيقنى قال لا
أحملك الا على ولد الناقة قالت لا يطيقنى فقال لها الناس وهل الجمل الا ولد
الناقة وجاءت امرأة فقالت يا رسول الله ان زوجى مريض وهو يدعوك فقال لعل
زوجك الذى فى عينه بياض فرجعت وفتحت عين زوجها فقال
(1/210)
مالك فقالت أخبرنى رسول الله صلّى الله
عليه وسلم ان فى عينك بياضا فقال وهل أحد الا وفى عينه بياض وقالت اخرى يا
رسول الله ادع الله أن يدخلنى الجنة فقال يا أمّ فلان ان الجنة لا يدخلها
عجوز فولت المرأة وهى تبكى فقال عليه السلام انها لا تدخلها وهى عجوز ان
الله يقول انا أنشأنا هنّ انشاء فجعلنا هنّ أبكارا عربا أترابا* وفى سيرة
اليعمرى وكان أرحم الناس يصغى الاناء للهرة فما يرفعه حتى تروى رحمة لها
ويمسح وجه فرسه بكمه أو ردائه وكان أشجع الناس وأسخاهم وأجودهم ما سئل شيئا
فقال لا ولا يبيت فى بيته درهم ولا دينار فان فضل شىء ولم يجد من يأخذه
وجاء الليل لم يرجع الى منزله حتى يبرأ منه الى من يحتاج اليه لا يأخذ مما
آتاه الله الا قوت أهله عاما فقط من أيسر ما يجد من التمر والشعير ثم يؤثر
من قوت أهله حتى ربما يحتاج قبل انقضاء العام وكان أعف الناس وأشدّهم
اكراما لاصحابه لا يمدّ رجليه بينهم ويوسع عليهم اذا ضاق المكان ولم تكن
ركبتاه تتقدّمان ركبة جليسه ويخدم من خدمه وله عبيد واماء لا يترفع عليهم
فى مأكل ولا فى ملبس قال أنس خدمته نحوا من عشر سنين فو الله ما صحبته فى
حضر ولا سفر لا خدمه الا كانت خدمته لى أكثر من خدمتى له* وفى المشكاة عن
أنس قال خدمت رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأنا ابن ثمان سنين خدمته عشر
سنين فما لا منى على شىء قط أتى فيه على يدى فان لا منى لائم من أهله قال
دعوه فانه لو قضى شىء كان هذا لفظ المصابيح ورواه البيهقى فى شعب الايمان
مع تغيير يسير وكان صلّى الله عليه وسلم فى سفر فأمر باصلاح شاة فقال رجل
يا رسول الله علىّ ذبحها وقال آخر علىّ سلخها وقال آخر علىّ طبخها فقال
صلّى الله عليه وسلم وعلىّ جمع الحطب فقالوا يا رسول الله نحن نكفيك فقال
قد علمت انكم تكفونى ولكنى أكره أن أتميز عنكم فان الله بكره من عبده أن
يراه متميزا بين أصحابه فقام فجمع الحطب وكان يحب الفأل ويكره التطير واذا
جاء ما يحب قال الحمد لله رب العالمين واذا جاء ما يكره قال الحمد لله على
كل حال* وفى الشفاء كان صلى الله عليه وسلم يحب الطيب والرائحة الحسنة
ويستعملها كثيرا ويحض عليها ويقول حبب الىّ من دنياكم ثلاث النساء والطيب
وجعلت قرّة عينى فى الصلاة* وفى سيرة اليعمرى وكان يحب الطيب ويكره الرائحة
الكريهة ويقول ان الله جعل لذتى فى النساء والطيب وجعل قرّة عينى فى الصلاة
وعن أنس أنه صلّى الله عليه وسلم كان يدور على نسائه فى الساعة من الليل
والنهار وهنّ احدى عشرة قال أنس وكنا نتحدّث أنه أعطى قوّة ثلاثين رجلا
خرّجه النسائى وروى نحوه عن أبى رافع وعن طاوس أعطى عليه السلام قوّة
أربعين رجلا ومثله عن صفوان بن سليم وعند الاسماعيلى عن معاذ قوّة أربعين
زاد أبو نعيم عن مجاهد كل رجل من رجال أهل الجنة* وعن أنس مرفوعا يعطى
المؤمن فى الجنة قوّة مائة قال الترمذى صحيح غريب فاذا ضربنا أربعين فى
مائة بلغت أربعة آلاف مع قناعته صلى الله عليه وسلم فى الاكل كذا فى
المواهب اللدنية* وقالت سلمى مولاته طاف النبىّ صلّى الله عليه وسلم على
نسائه التسع وتطهر من كل واحدة منهنّ قبل أن يأتى الاخرى وقد حفظه الله من
الاحتلام فعن ابن عباس قال ما احتلم نبىّ قط وانما الاحتلام من الشيطان
رواه الطبرانى وقد قال سليمان عليه السلام لا طوفنّ الليلة على مائة امرأة
أو تسع وتسعين امرأة وانه فعل ذلك* قال ابن عباس كان فى ظهر سليمان ماء
مائة رجل وكانت له ثلثمائة امرأة وثلثمائة سرية وكان لداود عليه السلام على
زهده وأكله من عمل يده تسع وتسعون امرأة وتمت بزوجة اورياء مائة كذا فى
الشفاء*
مصارعته عليه السلام
وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم قوّة لم تقاوم روى أنه صارعه صلّى
الله عليه وسلم جماعة منهم ركانة بن عبد زيد وهو أشدّ أهل وقته وكان دعاه
الى الاسلام فصرعه النبىّ صلّى الله عليه وسلم فأسلم يوم الفتح وتوفى سنة
أربعين وصارع أباركانة فى الجاهلية وكان شديدا فعاوده ثلاث مرّات كل ذلك
صرعه النبىّ صلّى الله عليه وسلم
(1/211)
كذا ذكره فى الشفاء وصارع أبا جهل ولا يصح
وأبا الاشد واسمه الاسيد بن كلدة الجمحى قاله السهيلى وفى أنوار التنزيل
يبسط تحت قدمه أديم عكاظى وفى المواهب اللدنية كان يجعل تحت قدميه جلد
البقرة ويجذبه فوق عشرة فيتقطع ولا يزال قدماه ويزيد بن ركانة أو ركانة بن
يزيد على الشك رواه البيهقى وأبو داود فى مراسيله كذا فى مزيل الخفاء وكان
صلّى الله عليه وسلم أكثر الناس تبسما وأحسنهم بشرا وكان يعصب على بطنه
الحجر من الجوع وآتاه الله تعالى مفاتيح خزائن الارض فلم يقبلها ولما شكى
الاصحاب اليه الجوع يوم الخندق ورفعوا عن بطونهم عن حجر حجر رفع صلّى الله
عليه وسلم عن بطنه عن حجرين كما سيجىء
وشدّ من سغب أحشاءه وطوى ... تحت الحجارة كشحا مترف الادم
ويشرب قاعدا وربما شرب قائما ويتنفس ثلاثا مبينا للاناء وكان ينظر فى
المرآة ويزجل جمته ويمتشط وربما نظر فى الماء ويسوّى فيه جمته فقيل له فى
ذلك فقال ان الله يحب من عبده اذا خرج لاخوانه أن يتهيأ لهم كذا فى المنتقى
وكان لا يجلس ولا يقوم الا على ذكر الله واذا انتهى الى القوم جلس حيث
ينتهى به المجلس* وفى الشفاء عن أبى امامة قال خرج علينا رسول الله صلّى
الله عليه وسلم متوكئا على عصا فقمنا له فقال لا تقوموا كما تقوم الاعاجم
يعظم بعضهم بعضا انما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد
واذا جلس فى المجلس احتبى بيديه وكذلك كان أكثر جلوسه محتبيا وعن جابر بن
سمرة أنه تربع وربما جلس القرفصاء كذا فى الشفاء وكان خلقه القرآن يرضى
برضاه ويسخط بسخطه وكان فيما ذكره المحققون مجبولا على الاخلاق الحميدة
والآداب الشريفة من أصل خلقته وبدوّ فطرته ولم يحصل له باكتساب ولا رياضة
الابجود الهى وخصوصية ربانية وكذا سائر الانبياء عليهم السلام وعن عائشة
رضى الله عنها ما دعاه أحد من أصحابه ولا من أهل بيته الا قال لبيان
أوردهما فى الشفاء وكان يفلى ثوبه ويخصف نعله* وفى سيرة اليعمرى وكان يلبس
الصوف وينتعل المخصوف ويرقع ثوبه ويخدم نفسه ويحلب شاته ويوقد ناره ويكنس
داره* وفى الشفاء يقمّ البيت ويكرم ضيفه ويحفظ جاره ويعقل ناقته أو بعيره*
وفى سيرة اليعمرى وكان فى سفر ونزل للصلاة ثم كرّ راجعا فقيل يا رسول الله
أين تريد فقال أعقل ناقتى قالوا نحن نعقلها قال لا يستعن أحدكم بالناس ولو
فى قضمة سواك* وفى سيرة مغلطاى وكان لا يأكل متكئا ولا على خوان ولا فى
سكرجة ولا خبز له مرقق أكل البطيخ بالرطب والقثاء بالرطب وقال يكسر حرّ هذا
برد هذا وبرد هذا حرّ هذا وكان يحب الحلوى والعسل وأحب الشراب اليه الحلو
البارد* وفى الشفاء ويعلف ناضحه ويأكل مع الخادم ويعجن معها ويحمل بضاعته
من السوق ويكون فى مهنة أهله ويقطع معهنّ اللحم ويركب الفرس والبغل والحمار
ويردف خلفه عبده أو غيره وفى الشفاء وكان يوم بنى قريظة على حمار مخطوم
بحبل من ليف عليه اكاف*
لطيفة
وفى سيرة اليعمرى ولا يدع أحدا يمشى معه وهو راكب حتى يحمله روى انه ركب
يوما حمارا عريا الى قباء وأبو هريرة معه فقال يا أبا هريرة أحملك فقال ما
شئت يا رسول الله فقال اركب وكان فى أبى هريرة ثقل فوثب ليركب فلم يقدر على
ذلك فاستمسك برسول الله صلّى الله عليه وسلم فوقعا جميعا ثم ركب رسول الله
صلّى الله عليه وسلم فقال يا أبا هريرة أحملك فقال ما شئت يا رسول الله
فقال اركب فلم يقدر على ذلك فتعلق برسول الله صلّى الله عليه وسلم فوقعا
جميعا فركب رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم قال يا أبا هريرة أحملك فقال
لا والذى بعثك بالحق نبيا لاصرعتك ثالثا وذكره المحب الطبرى أيضا فى مختصر
السيرة الا أن فيه لارميتك بدل لا صرعتك كذا فى المواهب اللدنية والكلام فى
بسط شمائله وتعديد أخلاقه كثير وبحر خصائصه وأوصافه زاخر غزير لكن أتينا
فيه بالمعروف من الصفات مما هو فى الصحيح والمشهور من المصنفات واقتصرنا فى
ذلك بقلّ من كل
(1/212)
واكتفينا بغيض من فيض* |