تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس

(ذكر خصائصه عليه السلام)
* قد جمع بعضها الشيخ جلال الدين السيوطى فى رسالة سماها انموذج اللبيب فى خصائص الحبيب وقال وهى منحصرة فى قسمين*

(القسم الاوّل) فى الخصائص التى اختص بها عن جميع الانبياء ولم يؤتها نبىّ قبله وهى أربعة أنواع
* (النوع الاوّل ما اختص به فى ذاته فى الدنيا)
اختص صلّى الله عليه وسلم بأنه اوّل النبيين خلقا وبتقدّم نبوّته فكان نبيا وآدم منجدل فى طينته وتقدّم أخذ الميثاق عليه وانه أوّل من قال بلى يوم ألست بربكم وخلق آدم وجميع المخلوقات لاجله وكتابة اسمه الشريف على العرش وكل سماء والجنان وما فيها وسائر ما فى الملكوت وذكر الملائكة له فى كل ساعة وذكر اسمه فى الاذان فى عهد آدم وفى الملكوت الاعلى وأخذ الميثاق على النبيين آدم فمن بعده أن يؤمنوا به وينصروه والتبشير به فى الكتب السابقة ونعته فيها ونعت أصحابه وخلفائه وأمّته وحجب ابليس من السموات لمولده وشق صدره فى أحد القولين وهو الاصح وجعل خاتم النبوّة بظهره بازاء قلبه حيث يدخل الشيطان وسائر الانبياء كان الخاتم فى يمينهم وبأنّ له ألف اسم وباشتقاق اسمه من اسم الله وبأنه سمى من أسماء الله بنحو سبعين اسما وبأنه سمى أحمد ولم يستم به أحد قبله وقد عدّت هذه من الخصائص فى حديث مسلم وباظلال الملائكة فى سفره وبأنه أرجح الناس عقلا وبأنه أوتى كل الحسن ولم يؤت يوسف الا الشطر وبغطه ثلاثا عند ابتداء الوحى وبرؤيته جبريل فى صورته التى خلق عليها عدّ هذه البيهقى وبانقطاع الكهانة لمبعثه وحراسة السماء من استراق السمع والرمى بالشهب عدّ هذه ابن سبع وباحياء أبويه له حتى آمنا به وقد مرّ فى ذكر نسبه وبوعده بالعصمة من الناس وبالاسراء وما تضمنه من اختراق السموات السبع والعلوّ الى قاب قوسين وبوطئه مكانا ما وطئه نبى مرسل ولا ملك مقرب واحياء الانبياء له وصلاته اماما بهم وبالملائكة وباطلاعه على الجنة والنار عدّ هذه البيهقى ورؤيته من آيات ربه الكبرى وحفظه حتى ما زاغ البصر وما طغى ورؤيته للبارى تعالى مرّتين وقتال الملائكة معه وسيرهم معه حيث سار يمشون خلف ظهره وبايتائه الكتاب وهو أمىّ لا يقرأ ولا يكتب وبأن كتابه معجز ومحفوظ من التبديل والتحريف على ممرّ الدهور ومشتمل على ما اشتمل عليه جميع الكتب وزيادة وجامع لكل شىء ومستغن عن غيره وميسر للحفظ ونزل منجما وعلى سبعة أحرف من سبعة أبواب وبكل لغة عدّ هذه ابن النقيب وأعطى من كنز العرش ولم يعط منه أحد وخص بالبسملة والفاتحة وآية الكرسى وخواتيم سورة البقرة والسبع الطوال والمفصل وبأن معجزته مستمرة الى يوم القيامة وهو القرآن ومعجزات سائر الانبياء انقرضت لوقتها وبأنه أكثر الانبياء معجزات فقد قيل انها تبلغ ألفا وقيل ثلاثة آلاف سوى القرآن فان فيه ستين ألف معجزة تقريبا* قال الحليمى وفيها مع كثرتها معنى آخر وهو انه ليس فى شىء من معجزات غيره ما ينحو نحو اختراع الاجسام وانما ذلك فى معجزات نبينا محمد صلّى الله عليه وسلم خاصة وبأنه جمع له كل ما أوتيه الانبياء من معجزات وفضائل ولم يجمع ذلك لغيره بل اختص كلّ بنوع وأوتى انشقاق القمر وتسليم الحجر وحنين الجذع ونبع الماء من بين الاصابع ولم يثبت لواحد من الانبياء مثل ذلك ذكره ابن عبد السلام وبأنه خاتم النبيين وآخرهم بعثا فلا نبى بعده وشرعه مؤيد الى يوم القيامة لا ينسخ وناسخ لجميع الشرائع قبله ولو أدركه الانبياء لوجب عليهم اتباعه وفى كتابه الناسخ والمنسوخ وبعموم الدعوة للناس كافة وانه أكثر الانبياء تابعا وأرسل الى الجنّ بالاجماع والى الملائكة فى أحد القولين ورجحه السبكى وبعثه رحمة للعالمين حتى للكافر بتأخير العذاب ولم يعاجلوا بالعقوبة كسائر الامم المكذبة وبأن الله أقسم بحياته وأقسم على رسالته وتولى الردّ على أعدائه عنه وخاطبه بألطف ما خاطب به الانبياء وقرن اسمه باسمه فى كتابه وفرض على العالم طاعته والتأسى به فرضا مطلقا

(1/213)


لا شرط فيه ولا استثناء ووصفه فى كتابه عضوا عضوا قلبه بقوله ما كذب الفؤاد ما رأى وقوله نزل به الروح الامين على قلبك ولسانه بقوله وما ينطق عن الهوى وقوله فانما يسرناه بلسانك وبصره بقوله ما زاغ البصر وما طغى ووجهه بقوله قد نرى تقلب وجهك فى السماء ويده وعنقه بقوله ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك وظهره وصدره بقوله ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذى أنقض ظهرك كذا فى المواهب اللدنية ولم يخاطبه فى القرآن باسمه بل يأيها النبىّ يأيها الرسول وحرّم على الامة نداءه باسمه وفرض على من ناجاه أن يقدّم بين يدى نجواه صدقة ثم نسخ ذلك ولم يره فى أمته شيئا يسوءه حتى قبضه بخلاف سائر الانبياء وانه حبيب الرحمن وجمع له بين المحبة والخلة وبين الكلام والرؤية وكلمه عند سدرة المنتهى وكلم موسى بالجبل عدّ هذه ابن عبد السلام وجمع بين القبلتين والهجرتين وجمعت له الشريعة والحقيقة ولم يكن للانبياء الا احداهما بدليل قصة موسى مع الخضر وقوله انى على علم لا ينبغى لك أن تعلمه وأنت على علم لا ينبغى لى أن أعلمه ونصر بالرعب مسيرة شهر أمامه وشهر خلفه وأوتى جوامع الكلم وأوتى مفاتيح خزائن الارض ولقيه الخازن على فرس أبلق عليه قطيفة من سندس وكلم بأصناف جميع الوحى عدّ هذه ابن عبد السلام وهبط اسرافيل عليه ولم يهبط على نبىّ قبله عدّ هذه ابن سبع وجمع له بين النبوّة والسلطنة ولم يجمع لنبىّ قبله عدّ هذه الغزالى فى الاحياء وأوتى علم كل شىء الا الخمس التى فى آية ان الله عنده علم الساعة وقيل انه أوتيها أيضا وأمر بكتمها والخلاف جار فى الروح أيضا وبين له فى أمر الدجال ما لم يبين لاحد ووعد بالمغفرة وهو يمشى حيا صحيحا ورفع ذكره فلا يذكر الله جل جلاله فى أذان ولا خطبة ولا تشهد الا ذكر معه وعرض عليه أمّته بأسرهم حتى رآهم وعرض عليه ما هو كائن فى أمته حتى تقوم الساعة وهو سيد ولد آدم وأكرم الخلق على الله فهو أفضل من المرسلين وجميع الملائكة المقرّبين وأيد بأربعة وزراء جبريل وميكائيل وأبى بكر وعمر وأعطى من أصحابه أربعة عشر نجيبا وكل نبىّ أعطى سبعة وأسلم قرينه وكانت أزواجه عونا له وبناته وزوجاته أفضل نساء العالمين وثواب أزواجه وعقابهنّ مضاعف وأصحابه أفضل العالمين الا النبيين ومسجده أفضل المساجد وبلده أفضل البلاد بالاجماع ما عدا مكة وعلى أحد القولين فيها وهو المختار ويسأل عنه الميت فى قبره واستأذن ملك الموت عليه ولم يستأذن على نبىّ قبله وحرم نكاح أزواجه من بعده وأمة وطئها والبقعة التى دفن فيها أفضل من الكعبة ومن العرش ويحرم التكنى بكنيته ويجوز أن يقسم على الله به وليس ذلك لاحد ذكر هذه ابن عبد السلام ولم ترعورته قط ولورآها أحد طمست عيناه ولا يجوز عليه الخطأ عدّ هذه ابن أبى هريرة والماوردى قال قوم ولا النسيان حكاه النووى فى شرح مسلم*

(النوع الثانى ما اختص به فى شرعه وأمته فى الدنيا)
* اختص صلّى الله عليه وسلم باحلال الغنائم وجعل الارض كلها مسجدا ولم تكن الامم تصلى الا فى البيع والكنائس والتراب طهورا وهو التيمم وبالوضوء فى أحد القولين وهو الاصح فلم يكن الا للانبياء دون أممهم وبمجموع الصلوات الخمس ولم تجمع لاحد قبله وبالعشاء ولم يصلها أحد وبالاذان والاقامة وافتتاح الصلاة بالتكبير وبالتأمين وبالركوع فيما ذكره جماعة من المفسرين وبقول اللهم ربنا لك الحمد وباستقبال الكعبة وبالصف فى الصلاة كصفوف الملائكة وبالجماعة فى الصلاة كما يفهم من كلام ابن فرشته فى شرح المجمع وبتحية السلام وبالجمعة وبساعة الاجابة وبعيد الاضحى وبشهر رمضان وان الشياطين تصفد فيه وان الجنة تزين فيه وان خلوف فم الصائمين فيه أطيب عند الله تعالى من ريح المسك وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا ويغفر لهم فى آخر ليلة منه وبالسحور وتعجيل الفطر واباحة الاكل والشرب والجماع ليلا الى الفجر وكان محرما على من قبلنا بعد النوم وكذا كان فى صدر الاسلام وبليلة

(1/214)


القدر كما قاله النووى فى شرح المهذب وبجعل صوم عرفة كفارة سنتين لانه سنته وصوم عاشوراء كفارة سنة لانه سنة موسى وغسل اليدين بعد الطعام بحسنتين لانه شرعه وقبله بحسنة لانه شرع التوراة وبالاسترجاع عند المصيبة وبالحوقلة وباللحد ولاهل الكتاب الشق وبالنحر ولهم الذبح فيما قاله مجاهد وعكرمة وبالعذبة فى العمامة وهى سيماء الملائكة وبالاتزار فى الاوساط وان أمّته خير الامم وآخر الامم ففضحت الامم عندهم ولم يفضحوا واشتق لهم اسمان من أسماء الله المسلمون والمؤمنون وسمى دينهم الاسلام ولم يوصف بهذا الوصف الا الانبياء دون أممهم ورفع عنهم الاصر الذى كان على الامم قبلهم وأحل لهم كثير مما شدّد على من قبلهم ولم يجعل عليهم فى الدين من حرج ورفع عنهم المؤاخذة بالخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وحديث النفس وان من همّ منهم بسيئة ولم يفعلها لم تكتب سيئة فان عملها كتبت سيئة واحدة ومن همّ بحسنة ولم يعملها تكتب حسنة فان عملها كتبت عشرا ووضع عنهم قتل النفس فى التوبة وقرض موضع النجاسة وربع المال فى الزكاة وشرع لهم نكاح أربع ورخص لهم فى نكاح غير ملتهم وفى نكاح الامة وفى مخالطة الحائض سوى الوطء وفى اتيان المزأة على أى شق شاء وشرع لهم التخيير بين القصاص والدية وحرّم عليهم كشف العورة والتصوير وشرب المسكر وعصموا من الاجتماع على ضلالة واجماعهم حجة واختلافهم رحمة وكان اختلاف من قبلهم عذابا والطاعون لهم شهادة ورحمة وكان على الامم عذابا وما دعوا به استجيب لهم ويأكلون صدقاتهم فى بطونهم ويثابون عليها ويجعل لهم الثواب فى الدنيا مع ادّخاره فى الآخرة ويغفر لهم الذنوب بالاستغفار ووعدوا أن لا يهلكوا بجوع ولا بعدوّ من غيرهم يستأصلهم ولا بغرق ولا يعذبوا بعذاب عذب به من قبلهم واذا شهد الاثنان منهم لعبد بخير وجبت له الجنة وكان الامم السالفة اذا شهد منهم مائة ردّهم وهم أقل الامم عملا وأكثرهم أجرا وأقصرهم أعمارا وأوتوا العلم الاوّل والعلم الآخر وفتح عليهم خزائن كل شىء حتى العلم وأوتوا الاسناد والانساب والاعراب وتصنيف الكتب ولا تزال طائفة منهم على الحق حتى يأتى أمر الله وفيهم أقطاب وأوتاد ونجباء وأبدال ومنهم من يصلى اما ما بعيسى ابن مريم ومنهم من يجرى مجرى الملائكة فى الاستغناء عن الطعام بالتسبيح ويقاتلون الدجال وعلماؤهم كأنبياء بنى اسرائيل وتسمع الملائكة فى السماء أذانهم وتلبيتهم وهم الحامدون لله على كل حال ويكبرون على كل شرف ويسبحون عند كل هبوط ويقولون عند ارادة الامر أفعل ان شاء الله واذا غضبوا هللوا واذا تنازعوا سبحوا ومصاحفهم فى صدورهم وسابقهم سابق ومقتصدهم ناج وظالمهم مغفور له وليس أحد منهم الامر حوما ويلبسون ألوان ثياب أهل الجنة ويراعون الشمس للصلاة وهم أمة وسط عدول بتزكية الله وتحضرهم الملائكة اذا قاتلوا وافترض عليهم ما افترض على الانبياء والرسل وهو الوضوء والغسل من الجنابة والحج والجمعة والجهاد وأعطوا من النوافل ما أعطى الانبياء وقال الله فى حق غيرهم ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون وقال فى حقهم وممن خلقنا أمّة يهدون بالحق وبه يعدلون ونودوا فى القرآن بيأيها الذين آمنوا ونوديت الامم فى كتبهم بيا أيها المساكين وشتان ما بين الخطابين*

(النوع الثالث فيما اختص به فى ذاته فى الآخرة)
* اختص صلّى الله عليه وسلم بأنه أوّل من تنشق الارض عنه وأوّل من يفيق من الصعقة وبأنه يحشر فى سبعين ألف ملك ويحشر على البراق ويؤذن باسمه فى الموقف ويكسى فى الموقف أعظم الحلل من الجنة وبأنه يقوم عن يمين العرش وبالمقام المحمود وان بيده لواء الحمد وآدم ومن دونه تحت لوائه وانه امام النبيين يومئذ وقائدهم وخطيبهم وأوّل من يؤذن له بالسجود وأوّل من يرفع رأسه وأوّل من ينظر الى الله تعالى وأوّل شافع وأوّل مشفع وبالشفاعة العظمى فى فصل القضاء وبالشفاعة

(1/215)


فى ادخال قوم الجنة بغير حساب وبالشفاعة فيمن استحق النار أن لا يدخلها وبالشفاعة فى رفع درجات ناس فى الجنة كما جوّز النووى اختصاص هذه والتى قبلها به ووردت الاحاديث به فى التى قبل وبالشفاعة فيمن خلد فى النار من الكفار أن يخفف عنهم العذاب وبالشفاعة فى أطفال المشركين أن لا يعذبوا وانه أوّل من يجيز على الصراط وان له فى كل شعرة من رأسه ووجهه نورا وليس للانبياء الا نوران ويؤمر أهل الجمع بغض أبصارهم حتى تمرّا بنته على الصراط وانه أوّل من يقرع أبواب الجنة وأوّل من يدخلها وبعده أمّته وبالكوثر والوسيلة وهى أعلى درجة فى الجنة وقوائم منبره رواتب الجنة ومنبره على ترعة من ترع الجنة وما بين قبره ومنبره روضة من رياض الجنة ولا يطلب منه شهيد على التبليغ ويطلب من سائر الانبياء وكل سبب ونسب منقطع يوم القيامة الا سببه ونسبه فقيل معناه ان أمّته ينسبون اليه يوم القيامة وأمم سائر الانبياء لا ينسبون اليهم وقيل ينتفع يومئذ بالنسبة اليه ولا ينتفع بسائر الانساب*

(النوع الرابع ما اختص به فى أمّته فى الآخرة)
* اختص صلّى الله عليه وسلم بأن أمّته أوّل من تنشق عنهم الارض من الامم ويأتون يوم القيامة غرّا محجلين من آثار الوضوء ويكونون فى الموقف على كوم عال ولهم نوران كالانبياء وليس لغيرهم الانور واحد ولهم سيماء فى وجوههم من أثر السجود ويسعى نورهم بين أيديهم ويؤتون كتبهم بايمانهم وعجل الله عذابها فى الدنيا وفى البرزخ لتوافى القيامة ممحصة الذنوب وتدخل قبورها بذنوبها وتخرج منها بلا ذنوب تمحص عنها باستغفار المؤمنين لها ولها ما سعت وما سعى لها وليس لمن قبلهم الا ما سعى قاله عكرمة ويقضى لهم قبل الخلائق ويغفر لهم المقحمات وهم أثقل الناس ميزانا ونزلوا منزلة العدول من الحكام فيشهدون على الناس ان رسلهم بلغتهم ويدخلون الجنة قبل سائر الامم ويدخل منهم الجنة سبعون ألفا بغير حساب وأطفالهم كلهم فى الجنة وليس ذلك لسائر الامم فى أحد احتمالين للسبكى فى تفسيره وذكر الامام فخر الدين الرازى ان من كانت معجزته أظهر يكون ثواب أمّته اقل قال السبكى الا هذه الامّة فان معجزات نبينا أظهر وثوابنا أكبر من سائر الامم*