تاريخ
الخميس في أحوال أنفس النفيس (الموطن الثامن فى
وقائع السنة الثامنة من الهجرة
من اسلام خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة وتزوّج فاطمة بنت
الضحاك وسرية غالب بن عبد الله الليثى الى بنى الملوّح وسرية غالب بن عبد
الله الى مصاب أصحاب بشر بن سعد بفدك واتخاذ المنبر والقصاص وسرية شجاع بن
وهب الى بنى عامر بالسىء وسرية كعب بن عمير الغفارى الى ذات اطلاح وسرية
مؤتة وسرية عمرو بن العاص الى ذات السلاسل وسرية أبى عبيدة بن الجرّاح الى
سيف البحر وسرية أبى قتادة الى خضرة وسرية أبى قتادة الى بطن اضم وسرية عبد
الله بن أبى حدرد الى الغابة وغزوة فتح مكة واسلام ابى سفيان بن حرب واسلام
أبى قحافة واسلام حكيم بن حزام واسلام عكرمة بن أبى جهل وسرية خالد بن
الوليد عقب فتح مكة الى العزى بنخلة وسرية عمرو بن العاص الى سواع صنم هذيل
وسرية سعد بن زيد الاشهل الى مناة صنم للأوس وسرية خالد بن الوليد الى بنى
جذيمة وغزوة حنين وسرية أبى عامر الى أوطاس وسرية الطفيل الى ذى الكفين
وغزوة الطائف واسلام مالك بن عوف النضرى واسلام صفوان بن أمية وتزوّج
المليكة الكندية وبعث عمرو بن العاص الى حيفر وعبد بعمان وبعث العلاء
الحضرمى الى المنذر بن الساوى وانصرافه الى المدينة واسلام عروة بن مسعود
الثقفى وقتله وبعث قيس بن سعد بن عبادة الى ناحية اليمن وطلاق سودة وولادة
ابراهيم وقدوم أوّل الوفود وفد هوازن ووفاة زينب بنت رسول الله صلى الله
عليه وسلم
*
اسلام خالد وعمرو بن العاص وعثمان الحجبى
وفى صفر هذه السنة قدم المدينة خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن
طلحة الحجبى فأسلموا فى أسد الغابة اختلفوا فى وقت اسلام خالد بن الوليد
وهجرته قيل كان اسلامه سنة خمس بعد فراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من
بنى قريظة وقيل كان اسلامه بين الحديبية وخيبر وقيل بل كان اسلامه
(2/65)
وهجرته سنة ثمان وقد قيل فى أوّل سنة ثمان
مع عمرو بن العاص وعثمان بن طلحة فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال رمتكم مكة بافلاذ كبدها قال أبو عمرو ولم يصح لخالد بن الوليد مشهد مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الفتح* وفى المواهب اللدنية كان قدومه
المدينة واسلامه سنة خمس قاله ابن أبى خيثمة وقال الحاكم سنة سبع وكذا فى
الوفاء وفى كون اسلام خالد سنة خمس أو سبع نظر لما ورد فى صحيح البخارى عن
المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قال انّ
خالد بن الوليد بالغميم فى خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين قاله زمن
الحديبية سنة ست كذا فى المشارق وهذا ينافى اسلامه سنة خمس أو سبع* وفى
الصفوة خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم يكنى أبا
سليمان وأمّه أسماء وهى لبابة الصغرى بنت الحارث أخت أمّ الفضل امرأة عباس
قال خالد لما أراد الله بى ما أراد من الخير قذف فى قلبى حب الاسلام وحضرنى
رشدى وأرى فى المنام كأنى فى بلاد ضيقة جدب فخرجت الى بلاد احسن وأوسع فقلت
انّ هذه لرؤيا فذكرتها لابى بكر فقال هو مخرجك الذى هداك الله فيه للاسلام
والضيق هو الشرك فاجمعت الخروج الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبت من
أصحابه فلقيت عثمان بن طلحة فذكرت له الذى أريد فأسرع الى الاجابة وخرجنا
جميعا فأدلجنا سحرا فلما كان بالهدة اذا عمرو بن العاص فقال مرحبا بالقوم
فقلنا له وبك قال أين مسيركم فأخبرناه وأخبرنا أيضا أنه يريد النبىّ صلى
الله عليه وسلم فاصطحبنا حتى قدمنا المدينة أوّل يوم من صفر سنة ثمان فلما
طلعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمت عليه بالنبوّة فردّ علىّ
السلام بوجه طلق فقال صلى الله عليه وسلم قد كنت أرى لك عقلا رجوت أن لا
يسلمك الا لخير وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت استغفر لى كل ما
أوضعته من صدّعن سبيل الله عز وجل قال انّ الاسلام يجب ما كان قبله ثم
استغفر لى وتقدّم عمرو وعثمان بن طلحة فأسلما فو الله ما كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم من يوم أسلمت يعدل بى أحدا من أصحابه فيما يحزبه* وفى أسد
الغابة فلم يزل خالد من حين أسلم يوليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أعنة
الخيل فيكون فى مقدمتها فى محاربة العرب وكان فى مقدمة رسول الله صلى الله
عليه وسلم يوم حنين فى بنى سليم وجرح يومئذ فأتاه رسول الله صلى الله عليه
وسلم فى رحله بعد ما هزم من هوازن ليعرف خبره ويعوده فنفث فى جرحه فانطلق
وسيجىء وفاة خالد فى الخاتمة فى خلافة عمر بن الخطاب* وفى المنتقى روى أنّ
عمرو بن العاص كان أسلم بالحبشة على يد النجاشى ولكن كان يكتم اسلامه من
أصحابه فخرج متوجها الى المدينة فلما كان ببعض الطريق عند الهدة اذ لقى
خالد بن الوليد وهو يريد المدينة وذلك قبل الفتح فقال عمرو يا أبا سليمان
أين تريد فقال خالد والله لقد استقام الميسم أى تبينت الطريق وظهر الامر
وانّ هذا الرجل لنبىّ فاذهب فأسلم فحتى متى قال عمرو والله ما جئت الا
لأسلم فقد ما المدينة فتقدّم خالد بن الوليد فأسلم وبايع ثم عمرو بن العاص
فبايعه ثم انصرف قال ابن اسحق وحدّثنى من لا أتهم أنّ عثمان بن طلحة بن أبى
طلحة العبدرى الحجبى كان معهما حين أسلما قال عثمان بن طلحة لما دخل رسول
الله صلى الله عليه وسلم مكة عام عمرة القضاء غير الله قلبى عما كان عليه
ودخلنى الاسلام وجعلت أفكر فيما نحن عليه وما نعبد من حجر لا يسمع ولا يبصر
ولا ينفع ولا يضرّ وأنظر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وظلف
أنفسهم عن الدنيا فيقع ذلك فأقول ما عمل القوم الاعلى الثواب ليكون بعد
الموت وجعلت أحب النظر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أن رأيته
خارجا من باب بنى شيبة يريد منزله بالابطح فأردت أن آتيه وآخذ بيده وأسلم
فلم يعزم لى ذلك فانصرف رسول الله صلى الله عليه
وسلم راجعا الى المدينة ثم عزم لى على الخروج اليه فأدلجت الى بطن يأجج
فألقى خالد بن الوليد فاصطحبنا حتى نزلنا الهدة فما شعرنا
(2/66)
الا بعمرو بن العاص فانقمعنا منه وانقمع
منا ثم قال اين يريد الرجلان فأخبرناه فقال وأنا والله أريد الذى تريدان
فاصطحبنا جميعا حتى قدمنا المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فبايعته على الاسلام وأقمت حتى خرجت معه فى غزوة الفتح ودخل مكة فقال لى يا
عثمان ايت بالمفتاح فأتيته به فأخذه منى ثم دفعه الىّ وقال خذوها تالدة
خالدة ولا ينزعها منكم أحد الا ظالم يا عثمان ان الله استأمنكم فكلوا مما
يصل اليكم من هذا البيت بالمعروف وسيجىء* قال الواقدى هذا أثبت الوجوه فى
اسلام عثمان* فى الاستيعاب وأسد الغابة عثمان بن طلحة بن أبى طلحة واسم أبى
طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصى بن كلاب بن مرّة
القرشى العبدرى الحجبى أمه أم سعيد سلافة بنت سعد من بنى عمرو بن عوف قتل
أبوه طلحة وعمه عثمان بن أبى طلحة جميعا يوم أحد كافرين قتل حمزة عثمان
وقتل علىّ طلحة مبارزة وقتل يوم أحد منهم أيضا مسافع والجلاس والحارث وكلاب
بنو طلحة كلهم اخوة عثمان بن طلحة هذا قتلوا كفارا قتل عاصم بن ثابت بن أبى
الافلح رجلين منهم مسافعا والجلاس وقتل الزبير كلابا وقتل قزمان الحارث وقد
مرّ فى الموطن الثالث فى غزوة أحد وهاجر عثمان بن طلحة الى رسول الله صلى
الله عليه وسلم فى هدنة الحديبية مع خالد فلقيا عمرو بن العاص قد أتى من
عند النجاشى يريد الهجرة فاصطحبوا جميعا حتى قدموا على رسول الله صلى الله
عليه وسلم المدينة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم ألقت اليكم
مكة أفلاذ كبدها كذا فى الاستيعاب كما مرّ* وفى أسد الغابة رمتكم مكة
بأفلاذ كبدها يعنى انهم وجوه أهل مكة فأسلموا وأقام عثمان مع النبىّ صلى
الله عليه وسلم بالمدينة وشهد معه فتح مكة ودفع رسول الله صلى الله عليه
وسلم مفتاح الكعبة اليه والى شيبة بن عثمان بن أبى طلحة وقال خذوها يا بنى
طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم الا ظالم ثم نزل عثمان بن طلحة المدينة
وأقام بها الى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتقل الى مكة فسكنها
حتى مات بها فى أوّل خلافة معاوية سنة اثنتين وأربعين وقيل انه قتل يوم
اجنادين* وفى هذه السنة تزوّج صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت الضحاك بن
سفيان الكلابية وقد سبق فى الباب الثالث*
بعث غالب بن عبد الله الى فدك
وفى صفر هذه السنة كانت سرية غالب بن عبد الله الليثى الى بنى الملوّح
بالكديد بفتح الكاف فغنم* وفى صفر هذه السنة بعث غالب بن عبد الله أيضا*
وفى معالم التنزيل غالب بن فضالة الليثى مع جماعة الى فدك لينتقموا من
الذين قتلوا أصحاب بشر بن سعد روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد
لواء للزبير بن العوّام وأمره على مائتى رجل وأمره أن يأتى مصارع أصحاب بشر
بن سعد ويستأصلهم ان ظفر بهم فبينما هو على ذلك اذ قدم غالب بن عبد الله
الليثى من الكديد فدفع اليه النبىّ صلى الله عليه وسلم اللواء المعقود
للزبير وأمره على تلك السرية وبعثه الى فدك وكان ابو مسعود الثقفى وعقبة بن
عامر الانصارى وكعب بن عجرة وأسامة بن زيد فى تلك السرية فلما انتهوا الى
فدك أغاروا عليهم مع الصبح وقاتلوا قتالا شديدا وقتل كثير من المشركين وأخذ
المسلمون كثيرا من الاسارى والابل والغنم* روى ان أسامة بن زيد اتبع رجلا
من الكفار يقال له نهيك بن مرداس ولما لحقه وسل السيف ليضربه قال نهيك لا
اله الا الله فقتله أسامة فلما رجع الى غالب وذكر له ما جرى بينه وبين نهيك
لامه غالب وقال لم قتلته ولما قدموا المدينة ذكر للنبىّ صلى الله عليه وسلم
ذلك فقال يا أسامة أقتلته بعد ان قال لا اله الا الله فقال يا رسول الله
كان متعوّذا بها من السيف قال أفلا شققت قلبه فتعلم أصادق هو أم كاذب قال
أسامة لن أقاتل من قال لا اله الا الله أبدا كذا فى روضة الاحباب* وفى
معالم التنزيل غير هذا ظاهرا وهو ما روى عن ابن عباس أنه قال نزلت هذه
الاية* يا أيها الذين آمنوا اذا ضربتم فى سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن
ألقى اليكم السلام لست مؤمنا الاية فى رجل
(2/67)
من بنى مرّة بن عوف يقال له نهيك بن مرداس
وكان من أهل فدك وكان مسلما لم يسلم من قومه غيره فسمعوا بأن سرية لرسول
الله صلى الله عليه وسلم تريدهم وكان على السرية غالب بن فضالة الليثى
فهربوا وأقام الرجل لانه كان على دين الاسلام فلما رأى الخيل خاف أن يكونوا
من غير أصحاب النبىّ صلى الله عليه وسلم فألجأ غنمه الى عال من الجبل فلما
تلاحقت الخيل سمعهم يكبرون فعرف انهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم فكبر ونزل وهو يقول لا اله الا الله محمد رسول الله السلام عليكم
فقتله أسامة واستاق غنمه ثم رجعوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخبروه فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدا شديدا وكان قبل ذلك قد سبق
ذلك الخبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقتلتموه ارادة ما معه ثم قرأ
هذه الاية على أسامة بن زيد فقال يا رسول الله استغفر لى فقال فكيف بلا اله
الا الله قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات قال أسامة فما زال
رسول الله يكررها ويعيدها حتى وددت انى لم أكن أسلمت الا يومئذ ثم ان رسول
الله صلى الله عليه وسلم استغفر لى بعد ثلاث مرات وقال اعتق رقبة* وروى أبو
ظبيان عن أسامة بن زيد قال مرّ رجل من بنى سليم على نفر من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم ومعه غنم له فسلم عليهم فقالوا ما سلم عليكم الا
ليتعوّذ منكم فقاموا وقتلوه وأخذوا غنمه وأتوا بها الى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا اذا ضربتم فى سبيل الله
فتبينوا* وفى رواية بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد مع
جماعة الى الحرقات من جهينة فصبحوهم فهزموهم وقتل أسامة رجلا ظنه متعوّذا
بقول لا اله الا الله فكرر رسول الله صلى الله عليه وسلم له أقتلته بعد ما
قال لا اله الا الله حتى قال تمنيت انى لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم وقد مرت
هذه القصة فى الموطن السابع فى سرية غالب بن عبد الله الليثى الى الميفعة
بناحية نجد*
اتخاذ المنبر
وفى هذه السنة على ما فى أسد الغابة أو السابعة أو التاسعة من الهجرة اتخذ
المنبر لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أثل الغابة* وفى رواية من طرفاء
الغابة روى انه صلى الله عليه وسلم بنى مسجده مسقوفا على جذوع النخل وكان
اذا خطب يقوم الى جذع من جذوعه فصنع له منبر* وفى خلاصة الوفاء أشهر
الاقوال ان الذى صنع المنبر باقوم بموحدة وقاف وهو بانى الكعبة لقريش وقيل
باقول باللام بدل الميم وأشبه الاقوال بالصواب ما قاله الحافظ ابن حجرانه
ميمون وقيل صباح غلام العباس وقيل غلامه كلاب وقيل مينا غلام امرأة من
الانصار ونقل ابن النجار عن الواقدى انه درجتان ومجلس وللدارمى فى صحيحه عن
أنس فصنع له منبر له درجتان ويقعد على الثالثة* وفى رواية الدارمى هذه
المراقى الثلاث أو الاربع على الشك* وفى صحيح مسلم هذه الثلاث درجات من غير
شك فأطلق على المجلس درجة* وليحيى عن ابن أبى الزناد ان النبىّ صلى الله
عليه وسلم كان يجلس على المجلس ويضع رجليه على الدرجة الثانية فلما ولى أبو
بكر قام على الدرجة الثانية ووضع رجليه على الدرجة السفلى فلما ولى عمر قام
على الدرجة السفلى ووضع رجليه على الارض فلما ولى عثمان فعل ذلك ست سنين من
حلافته ثم علا الى موضع النبىّ صلى الله عليه وسلم ولما استخلف معاوية زاد
فى المنبر فجعل له ست درجات وكان عثمان أوّل من كسا المنبر قطيفة وعن أبى
الزناد قال فسرقت الكسوة امرأة فأتى بها عثمان فقال لها هل سرقت قولى الحق
فاعترفت فقطعها قالوا فلما قدم معاوية عام حج حرك المنبر وأراد أن يخرجه
الى الشام الى دمشق فكسفت الشمس يومئذ حتى رؤيت النجوم فاعتذر معاوية الى
الناس وقال أردت أن أنظر الى ما تحته وخشيت عليه من الارضة قال بعضهم كساه
يومئذ قطيفة أولينة* وفى رواية ان معاوية كتب الى مروان بذلك فقلعه
فأصابتهم ريح مظلمة بدت فيها النجوم نهارا ويلقى الرجل الرجل يصكه ولا
يعرفه فقال مروان انما كتب
(2/68)
الىّ أن أصلحه فدعا النجارين فعمل هذه
الدرجات ورفعوه عليها وهى يعنى الدرجات التى زادها ست درجات ولم يزد فيه
أحد قبله ولا بعده* وفى تاريخ الواقدى أراد معاوية سنة خمسين تحويل منبر
رسول الله صلى الله عليه وسلم الى دمشق بالشام فكسفت الشمس يومئذ وكلمه أبو
هريرة فيه فتركه فلما كان عبد الملك أراد ذلك فكلمه قبيصة فتركه فلما كان
الوليد أراد ذلك فأرسل سعيد بن المسيب الى عمر بن عبد العزيز فكلمه فتركه
فلما كان سليمان قيل له فى تحويله فقال لاها الله أخذنا الدنيا ونعمد الى
علم من أعلام الاسلام نريد تحويله ذاك شىء لا أفعله وما كنت أحب ان يذكر
هذا عن عبد الملك ولا عن الوليد وما لنا ولهذا قال ابن النجار فيما رواه عن
ابن أبى الزناد انه صار بما زاد فيه مروان تسع درجات بالمجلس فلما قدم
المهدى قال لمالك أريد أن أعيده على حاله فقال له مالك انما هو من طرفاء
الغابة وقد سمر الى هذه العيدان وشدّ فمتى نزعته خفت أن تتهافت فانصرف
المهدى عن ذلك* قال ابن زياد وطول منبر النبىّ صلى الله عليه وسلم خاصة
ذراعان فى السماء وعرضه أى عرض مقعده ذراع فى ذراع وتربيعه سواء وعرض درجه
شبران لان كل درجة شبر وان طول المنبر فى السماء بعد ما زاد فيه أربعة أذرع
وصار امتداده فى الارض سبعة أذرع بتقديم السين باضافة عتبة الدكة الرخام
التى المنبر فوقها وتلك العتبة ذراع فامتداد المنبر بدونها ستة أذرع انتهى
وعن جابر بن عبد الله الانصارى أنه قال كان المسجد مسقوفا على جذوع نخل
وكان النبىّ صلى الله عليه وسلم اذا خطب يقوم الى جذع منها كما مرّ وكانت
امرأة من الانصار اسمها عائشة وكان لها غلام نجار اسمه باقوم الرومى قالت
يا رسول الله ان لى غلاما نجارا أفلا آمره يتخذ لك منبرا تخطب عليه قال بلى
فأمرته فاتخذ له منبرا* وفى رواية سأله رجل عن اتخاذ المنبر فأجابه اليه
وفى هذه الرواية صنع له ثلاث درجات فلما كان يوم الجمعة خطب على المنبر قال
جابر سمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار*
حنين الجذع
وفى خلاصة الوفاء اضطربت تلك السارية كحنين الناقة الخلوج أى التى انتزع
ولدها قال عياض حديث حنين الجذع مشهور والخبر به متواتر أخرجه أهل الصحيح
ورواه من الصحابة بضع عشر وفى رواية أنس حتى ارتح المسجد لخواره وفى رواية
أنّ كأنين الصبىّ وفى رواية سهل وكثر بكاء الناس لما رأوا به* وفى رواية
المطلب حتى تصدع وانشق حتى جاءه النبىّ صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليه
فسكت* وفى رواية فنزل النبىّ صلى الله عليه وسلم يمسحه بيده حتى سكن أو سكت
كالصبى الذى يسكت ثم رجع الى المنبر وزاد غيره فقال قال النبىّ صلى الله
عليه وسلم هذا بكى لما فقد من الذكر وزاد غيره والذى نفسى بيده لو لم
ألتزمه لم يزل هكذا الى يوم القيامة تحزنا على رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفن تحت المنبر هكذا فى حديث
المطلب* وفى حديث أبى بن كعب فكان اذا صلى النبىّ صلى الله عليه وسلم صلى
اليه فلما هدم المسجد وغير أخذ ذلك الجذع أبى وكان عنده فى تلك الدار الى
أن بلى وأكلته الارضة وعادر فاتا وذكر الاسفراينى ان النبىّ صلى الله عليه
وسلم دعاه الى نفسه فجاءه يحرق الارض فالتزمه ثم أمره فعاد الى مكانه* وفى
حديث بريدة قال النبىّ صلى الله عليه وسلم ان شئت أردّك الى الحائط الذى
كنت فيه تنبت لك عروقك ويكمل خلقك ويجدّد لك خوصك وثمرك وان شئت أغرسك فى
الجنة فيأكل أولياء الله من ثمرك ثم أصغى له النبىّ صلى الله عليه وسلم
بسمع ما يقول فقال بل تغرسنى فى الجنة فيأكل منى أولياء الله فأكون فى مكان
لا أبلى فيه يعنى فى الجنة فسمعه من يليه فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم
قد فعلت ثم قال قد اختار دار البقاء على دار الفناء أورده فى الشفا* وفى
خلاصة الوفا اعتمد المطرى فى بيان محل الجذع على ما روى ابن زبالة فقال
وكان هذا الجذع عن يمين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصقا بجدار
المسجد القبلى فى موضع
(2/69)
كرسى الشمعة اليمنى التى توضع عن يمين
الامام المصلى فى مقام النبىّ صلى الله عليه وسلم والاسطوانة التى قبلى
الكرسى متقدّمة على موضع الجذع فلا يعتمد على قول من جعلها فى موضع الجذع*
أوّل قود فى الاسلام
وفى هذه السنة أقاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من هذيل برجل من بنى
ليث وهو أوّل قود كان فى الاسلام*
سرية شجاع بن وهب الى بنى عامر
وفى ربيع الاوّل من هذه السنة كانت سرية شجاع بن وهب الى بنى عامر بالسىء
ماء من ذات عرق الى وجرة على ثلاث مراحل من مكة الى البصرة وخمس من المدينة
ومعه أربعة وعشرون رجلا الى جمع من هوازن وأمره أن يغير عليهم فكان يسير
بالليل ويكمن بالنهار حتى صبحهم فأصابوا نعما وشاء واستاقوا ذلك حتى قدموا
المدينة وكانت غيبتهم خمس عشرة ليلة واقتسموا الغنيمة وكانت سهامهم خمسة
عشر بعيرا وعدّلوا البعير بعشر من الغنم*
سرية كعب بن عمير الى ذات اطلاح
وفى ربيع الاوّل من هذه السنة كانت سرية كعب بن عمير الغفارى الى ذات اطلاح
وراء ذات القرى فى خمسة عشر رجلا فساروا حتى انتهوا الى ذات اطلاح فوجدوا
فيها جمعا كثيرا فقاتلهم الصحابة أشدّ القتال حتى قتلوا وأفلت منهم رجل
جريح فى القتلى* قال مغلطاى قيل هو الامير فلما برد عليه الليل تحامل حتى
أتى النبىّ صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فشق ذلك عليه فهم بالبعث اليهم
فبلغه انهم ساروا الى موضع آخر فتركهم*
سرية مؤتة
وفى جمادى الاولى من هذه السنة كانت سرية مؤتة وهى بضم أوّله واسكان ثانيه
بعده تاء مثناة فوقية* وفى المواهب اللدنية بضم الميم وسكون الواو بغير همز
لاكثر الرواة وبه جزم المبرد وجزم ثعلب والجوهرى وابن فارس بالهمز* وحكى
غيرهم الوجهين وهى موضع من أرض الشام من عمل البلقاء والبلقاء دون دمشق
وكان لقاؤهم الروم بقرية يقال لها مشارف من تخوم البلقاء ثم انحاز المسلمون
الى مؤتة كذا فى معجم ما استعجم* وفى مورد اللطافة وكانت وقعة مؤتة بالكرك*
وقال فى الاكتفاء ولما صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمرة القضاء
الى المدينة أقام بها نحوا من ستة أشهر ثم بعث الى الشام فى جمادى الاولى
من سنة ثمان بعث الذين أصيبوا بمؤتة* روى انه صلى الله عليه وسلم بعث
الحارث بن عمير الازدى الى ملك بصرى بكتاب فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن
عمرو الغسانى وهو من أمراء قيصر فقتله ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه
وسلم رسول غيره فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر عن قتل
الحارث وقاتله ودعا الناس وعسكر بالجرف وهم ثلاثة آلاف فقال النبىّ صلى
الله عليه وسلم أمير الناس زيد بن حارثة فان قتل أو قال أصيب فجعفر بن أبى
طالب فان قتل أو قال أصيب فعبد الله بن رواحة فان قتل أو قال أصيب فيتربص
المسلمون بينهم رجلا* روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين عين أمراء
السرية كان يهودى عنده فقال ان كان محمد نبيا فيقتل هؤلاء الذين عينهم
للامارة فانّ أنبياء بنى اسرائيل كانوا اذا عينوا الامراء مثل ما عينه
يقتلون البتة ثم قال لزيد ودّع أبا القاسم فانك مقتول ثم عقد النبىّ صلى
الله عليه وسلم لواء أبيض ودفعه الى زيد بن حارثة وخرج مشيعا لهم حتى بلغ
ثنية الوداع فوقف وودّعهم وأمرهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير وأن يدعوا
من هناك الى الاسلام فان أجابوا والا فقاتلوهم* وفى الصفوة عن محمد بن جعفر
بن الزبير قال فلما تجهز الناس وتهيؤا للخروج الى مؤتة قال المسلمون صحبكم
الله ودفع عنكم السوء وردّكم سالمين غانمين فقال عبد الله بن رواحة عند ذلك
شعرا
لكننى أسأل الرحمن مغفرة ... وضربة ذات قرع تقذف الزبدا
أو طعنة بيدى حران مجهزة ... بحربة تنفذ الاحشاء والكبدا
حتى يقولوا اذا مرّوا على جدثى ... أرشدك الله من غاز وقد رشدا
فلما فصلوا من المدينة سمع العدوّ بمسيرهم فجمعوا لهم وتهيؤا لحربهم وقام
فيهم شرحبيل بن عمرو فجمع
(2/70)
أكثر من مائة ألف وقدّم الطلائع أمامه* قال
ابن اسحاق لما نزل المسلمون معان وهو حصن كبير بين الحجاز والشام على خمسة
أيام من دمشق بطريق مكة* وفى الصفوة لما نزلوا معان من أرض الشام بلغهم ان
هرقل قد نزل ماب من أرض البلقاء فى مائة ألف من الروم وانضمت اليه
المستعربة من لخم وجذام والقين وبلى وبهراء ووائل فلما بلغ ذلك المسلمين
أقاموا على معان ليلتين ينظرون فى أمرهم وقالوا نكتب الى رسول الله صلى
الله عليه وسلم فنخبره بعدد عدوّنا فاما أن يمدّنا بالرجال واما أن يأمرنا
بأمر فنمضى له فشجعهم عبد الله بن رواحة فقال والله يا قوم ان الذى تكرهونه
للذى خرجتم له تطلبون الشهادة وما نقاتل الناس بعدّة ولا قوّة ولا كثرة وما
نقاتلهم الا بهذا الدين الذى أكرمنا الله به فانطلقوا فانما هى احدى
الحسنيين اما الظهور واما الشهادة قال الناس قد والله صدق ابن رواحة فمضوا
لوجوههم* وفى الاكتفاء ثم مضى الناس حتى اذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم
جموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال لها مشارف وانحاز
المسلمون الى قرية يقال لها مؤتة فالتقى الناس عندها فتعبى لهم المسلمون
فجعلوا على ميمنتهم رجلا من بنى عذرة يقال له قطبة بن قتادة وعلى ميسرتهم
رجلا من الانصار يقال له عباية بن مالك ويقال عبادة ثم التقى الناس
فاقتتلوا فقاتل زيد براية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شاط فى رماح
القوم ثم أخذها جعفر فقاتل حتى اذا لحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء ثم
عرقبها ثم قاتل القوم حتى قتل رحمه الله تعالى وهو يقول
يا حبذا الجنة واقترابها ... طيبة وباردا شرابها
والروم روم قددنا عذابها ... علىّ اذ لاقيتها ضرابها
وكان جعفر أوّل من عقر فى الاسلام وفى رواية فأخذ اللواء زيد بن حارثة فوقع
بين الجمعين قتال فقتل سدوم أخو شرحبيل وهرب أصحابه وخاف شرحبيل ودخل حصنا
وبعث أخاه الاخر الى هرقل يستمدّه فبعث هرقل زها مائتى ألف ولما التقى
الجمعان أخذ اللواء زيد بن حارثة فقاتل حتى قتل بطعنة رمح ثم أخذ اللواء
جعفر فنزل عن فرسه فعرقبها وكان أوّل فرس عرقبت فى الاسلام فقاتل حتى قطعت
يده اليمنى فأخذ اللواء بيده اليسرى فقطعت فضمه بعضديه أو قال احتضنه فضربه
رجل من الروم فقطعه نصفين* وفى الاكتفاء قتل وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة
فأثابه الله بذلك جناحين يطير بهما فى الجنة حيث يشاء قال ابن عمر كنت فى
تلك الغزوة فالتمسنا جعفرا فوجدناه فى القتلى ووجدنا فيما أقبل من بدنه ما
بين منكبينه تسعين ضربة بين طعنة برمح وضربة بسيف* وفى رواية قال عددت
خمسين جراحة من قدامه وفى رواية وجدت فى أحد نصفيه بضعا وثلاثين جراحة* ذكر
عبد الله بن رواحة عن النعمان بن بشير أن جعفر بن أبى طالب حين قتل دعا
الناس يا عبد الله بن رواحة وهو فى جانب العسكر ومعه ضلع جمل ينتهشه ولم
يكن ذاق طعاما منذ ثلاث فرمى الضلع وجعل يلوم نفسه فقال قتل جعفر وأنت مع
الدنيا ثم تقدّم وأخذ اللواء فقاتل فأصيبت اصبعه فنزل عن فرسه وجعلها تحت
رجله ومدّ حتى طرحها عنه وجعل يرتجز ويقول
هل أنت الا اصبع دميت ... وفى سبيل الله ما لقيت
فجعل يستنزل نفسه ويتردّد بعض التردّد ثم قال يا نفس الى أىّ شئ تتوقين الى
فلانة امرأة له فهى طالقة ثلاثا أو الى فلان وفلان غلامان له فهما حرّان أو
الى معجف حائط له فهو لله ولرسوله ثم قال
أقسم يا نفس لتنزلته ... طائعة لى أو لتكرهنه
قد طال ما كنت مطمئنة ... هل أنت الا نطفة فى شنه
قد أجلب الناس وشدّوا الرنة ... مالى أراك تكرهين الجنة
(2/71)
* وفى الاكتفاء قال
يا نفس ان لا تقتلى تموتى ... هذى حياض الموت قد صليت
وما تمنيت فقد أعطيت ... ان تفعلى فعلهما هديت
وان تأخرت فقد شقيت
يعنى صاحبيه زيدا وجعفرا ثم نزل فأتاه ابن عم له بعرق من لحم فقال شدّ بها
صلبك فانك قد لقيت أيامك فأخذه من يده فانتهش منه نهشة ثم سمع الحطمة فى
ناحية الناس فقال وأنت فى الدنيا ثم ألقاه من يده ثم أخذ سيفه فتقدّم فقاتل
حتى قتل فبادر ثابت بن قيس بن الارقم الانصارى أخو بنى العجلان وأخذ الراية
فجعل يصيح يا آل الانصار فجعل الناس يثوبون اليه فقال يا معشر المسلمين
اصطلحوا على رجل منكم فقالوا أنت قال ما أنا بفاعل فنظر الى خالد بن الوليد
فقال يا أبا سليمان خذ اللواء قال لا آخذه أنت أحق به منى لك سن قد شهدت
بدرا قال ثابت خذ أيها الرجل فو الله ما أخذته الا لك وقال ثابت للناس
اصطلحتم على خالد قالوا نعم فأخذ خالد اللواء وحمل بأصحابه ففض جمعا من جمع
المشركين كذا فى الصفوة وقد جاء فى بعض الروايات اصطلح الناس على خالد بن
الوليد وأخذ اللواء وانكشف المسلمون وكانت الهزيمة فلما سمع أهل المدينة
بجيش مؤتة قادمين تلقوهم فجعلوا يحثون فى وجوههم التراب ويقولون يا فرار
أفررتم فى سبيل الله فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم ليسوا بفرار ولكنهم
كرار ان شاء الله تعالى* وفى الاكتفاء فلما أخذ خالد الراية دافع القوم
وحاشى بهم ثم انحازوا حتى انصرف الناس قافلا ودنوا من المدينة تلقاهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ولقيهم الصبيان يشتدّون ورسول الله صلى
الله عليه وسلم مقبل مع القوم على دابة فقال خذوا الصبيان فاحملوهم وأعطونى
ابن جعفر فأتى بعبد الله بن جعفر فأخذه وحمله بين يديه وجعل الناس يحثون
على الجيش التراب ويقولون يا فرار فررتم فى سبيل الله فيقول رسول الله صلى
الله عليه وسلم ليسوا بالفرار ولكنهم بالكرار ان شاء الله تعالى* وقالت أمّ
سلمة زوج النبىّ صلى الله عليه وسلم لامرأة سلمة بن هشام بن المغيرة مالى
لا أرى سلمة يحضر الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت انه والله
لا يستطيع أن يخرج كلما خرج صاح به الناس يا فرار فررتم فى سبيل الله حتى
قعد فى بيته* وعن أبى هريرة أنه قال لما قتل ابن رواحة انهزم المسلمون فجعل
خالد يدعوهم فى أخراهم ويمنعهم عن الفرار وهم لا يسمعون حتى نادى قطبة ابن
عامر أيها الناس لان يقتل الرجل فى حرب الكفار خير من ان يقتل حال الفرار
فلما سمعوا كلام قطبة تراجعوا* وروى ان خالدا لما أصبح أخذ اللواء فبعد ما
صفوا للقتال غير صفوف جيشه فجعل المقدمة مكان الساقة والساقة مكان المقدمة
والميمنة مكان الميسرة والميسرة مكان الميمنة فوقع الكفار من ذلك فى غلط
فحسبوا أن لحق المسلمين مدد فوقع فى قلوبهم من ذلك الرعب فانهزموا فتعهم
المسلمون يقتلونهم كيف شاؤا فغنم المسلمون من أموالهم فرجعوا الى المدينة
وفى مقفلهم مروا بمدينة لها حصن وقد كان أهل الحصن قتلوا رجلا من المسلمين
فى مرورهم الى مؤتة فحاصروهم وفتحوا حصنهم وقتل خالد كثيرا منهم* وعن أنس
ان النبىّ صلى الله عليه وسلم نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن
يأتيهم خبرهم فقال أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذ جعفر فأصيب ثم أخذ ابن
رواحة فأصيب وعيناه تذرفان حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله خالد بن الوليد
ففتح الله عليهم* وفى معجم ما استعجم فأصيبوا متتابعين وخرج الى الظهر من
ذلك اليوم تعرف الكابة فى وجهه فخطب الناس بما كان من أمرهم وقال أخذ
اللواء سيف من سيوف الله يعنى خالد بن الوليد فقاتل حتى فتح الله عليه
فيومئذ سمى خالد سيف الله* وفى الاكتفاء لما أصيب القوم قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم أخذ
(2/72)
الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل
شهيدا ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى قتل شهيدا ثم صمت؟؟؟ رسول الله صلى الله
عليه وسلم حتى تغيرت وجوه الانصار وظنوا انه قد كان فى عبد الله بن رواحة
بعض ما يكرهون ثم قال أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيدا ثم
قال لقد رفعوا الى الجنة فيما يرى النائم على سرر من ذهب فرأيت فى سرير عبد
الله بن رواحة ازورارا عن سريرى صاحبيه قلت عمّ هذا فقيل لى مضيا وتردّد
عبد الله بعض التردّد ثم مضى* وروى انه لما قدم يعلى بن أمية بخبر أهل مؤتة
قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ان شئت فاخبرنى وان شئت فأخبرتك قال
فأخبرنى يا رسول الله فأخبره صلى الله عليه وسلم بخبرهم كله ووصفه له فقال
يعلى والذى بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفا واحدا لم تذكره وان أمرهم
لكما ذكرت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع لى الارض حتى رأيت
معركتهم كذا رواه البخارى* وفى الصحيح عن خالد بن الوليد أنه قال انقطع فى
يدى يوم مؤتة تسعة أسياف فما بقى فى يدى الا صفيحة يمانية* وفى الصفوة صبرت
فى يدى صفيحة يمانية وفيها أيضا عن أبى عبيدة بن الجراح قال سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول خالد بن الوليد سيف من سيوف الله نعم فتى العشيرة
قال العلماء بالسير بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فى
السرايا وخرج معه فى غزاة الفتح والى حنين وتبوك وحجة الوداع فلما حلق رسول
الله صلى الله عليه وسلم رأسه أعطاه ناصيته وكانت فى مقدمة قلنسوته وكان لا
يلقى أحدا الا هزمه ولما خرج أبو بكر الى أهل الردّة كان خالد بن الوليد
يحمل لواءه فلما تلاحق الناس به استعمل خالدا ورجع الى المدينة وستجىء وفاة
خالد بن الوليد فى الخاتمة فى خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنهم*
(ذكر زيد بن حارثة بن شرحبيل بن عبد العزى بن
امرىء القيس)
ويقال له زيد الحب وأمه سعدى ابنة ثعلبة بن عبد عمرو وعن أسامة بن زيد قال
كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين زيد عشر سنين ورسول الله صلى
الله عليه وسلم أكبر منه* ذكر صفته* وكان زيد رجلا قصيرا آدم شديد الادمة
فى أنفه فطس وكان يكنى أبا أسامة وكان فى ابتداء حاله مع أمه وقد خرجت به
تزور قومها فأغارت خيل لبنى القين فى الجاهلية فمروا على أبيات بنى معن
فاحتملوه وهو يومئذ غلام يفعة فوافوا به سوق عكاظ فعرضوه للبيع فاشتراه
حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد بأربعمائة درهم فلما تزوّجها النبىّ
صلى الله عليه وسلم وهبته له فقبضه اليه وكان أبوه حارثة حين فقده قال
بكيت على زيد ولم أدر ما فعل ... أحىّ فيرجى أم أتى دونه الاجل
فو الله ما أدرى وان كنت سائلا ... أغالك سهل الارض أم غالك الجبل
فياليت شعرى هل لك الدهر رجعة ... فحسبى من الدنيا رجوعك لى علل
تذكرنيه الشمس عند طلوعها ... وتعرض ذكراه اذا قارب الطفل
وان هبت الارواح هيجن ذكره ... فيا طول ما حزنى عليه وما وجل
سأعمل نص العيس فى الارض جاهدا ... ولا أسأم التطواف أو تسأم الابل
حياتى أو تأتى علىّ منيتى ... فكل امرئ فان وان غرّه الامل
وأوصى به قيسا وعمرا كليهما ... وأوصى يزيدا ثم من بعده جبل
يعنى جبلة بن حارثة أخا زيد ويزيد أخوه لامه فحج ناس من كعب فرأوا زيدا
فعرفوه وعرفهم فقال أبلغوا أهلى هذه الابيات
أكنى الى قوم وان كنت نائيا ... بأنى قطين البيت عند المشاعر
فكفوا عن الوجد الذى قد شجاكم ... ولا تعملوا فى الارض نص الاباعر
(2/73)
فانى بحمد الله فى خير أسرة ... كرام معدّ
كابرا بعد كابر
فانطلقوا وأعلموا أباه ووصفوا له مكانه وعند من هو فخرج حارثة وكعب ابنا
شرحبيل بفدائه فقد ما مكة وسألا عن النبىّ صلى الله عليه وسلم فقيل هو فى
المسجد فدخلا عليه فقالا يا ابن هاشم يا ابن سيد قومه أنتم أهل حرم الله
وجيرانه تفكون العانى وتطعمون الاسير جئناك فى ابننا عندك فامنن علينا
وأحسن الينا فى فدائه فاننا سنرفع لك فى الفداء قال ما هو قالوا زيد بن
حارثة فقال صلى الله عليه وسلم هلا غير ذلك فقالوا ما هو قال ادعوه وخيروه
فان اختاركم فهو لكما بغير فداء وان اختارنى فو الله ما أنا بالذى أختار
على من اختارنى أحدا قالوا لقد زدتنا على النصفة وأحسنت فدعاه فقال له هل
تعرف هؤلاء فقال نعم هذا أبى وهذا عمى فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم فأنا
من قد علمت وقد رأيت صحبتى لك فاخترنى أو اخترهما فقال زيد ما أنا بالذى
اختار عليك أحدا أبدا أنت منى بمكان الاب والعم فقالا ويحك يا زيد أتختار
العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك قال نعم انى قد رأيت من هذا
الرجل شيئا ما أنا بالذى أختار عليه أحدا أبدا فلما رأى رسول الله صلى الله
عليه وسلم ذلك أخرجه الى الحجر فقال يا من حضر اشهدوا انّ زيدا ابنى أرثه
ويرثنى فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت أنفسهما وانصرفا فدعى بزيد بن محمد حتى
أتى الله بالاسلام فزوّجه النبىّ صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش فلما
طلقها تزوّجها النبىّ صلى الله عليه وسلم فتكلم المنافقون فى ذلك وقالوا
تزوّج امرأة ابنه فنزلت هذه الاية قوله تعالى ما كان محمد أبا أحد من
رجالكم الاية وقال ادعوهم لابائهم فدعى يومئذ بزيد بن حارثة كذا فى الصفوة*
روى ان زيدا تزوّج أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط فولدت له ثم طلقها
وتزوّج درّة ابنة أبى لهب ثم طلقها وتزوّج هند بنت العوّام أخت الزبير ثم
زوّجه النبىّ صلى الله عليه وسلم أمّ أيمن فولدت له أسامة* قال الزهرى أوّل
من أسلم زيد قال أهل السير شهد زيد بدرا وأحدا والخندق والحديبية وخيبر
واستخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة حين خرج الى المريسيع
وخرج أميرا فى سبع سرايا ولم يسم أحد من أصحابه صلى الله عليه وسلم باسمه
فى القرآن غيره وكان له من الولد زيد فهلك صغيرا ورقية أمّها أمّ كلثوم بنت
عقبة بن أبى معيط وأسامة وأمه أمّ أيمن حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقتل زيد فى غزوة مؤتة فى جمادى الاولى سنة ثمان من الهجرة وهو ابن خمس
وخمسين سنة وعن خالد بن الوليد قال لما أصيب زيد بن حارثة أتاهم النبى صلى
الله عليه وسلم فجهشت بنت زيد فى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتحب* النحيب رفع الصوت بالبكاء كذا فى
الصحاح فقال له سعد بن عبادة يا رسول الله ما هذا قال هذا شوق الحبيب الى
حبيبه كذا فى الصفوة*
(ذكر جعفر بن أبى طالب)
* كان أسن من علىّ بعشر سنين وكان أسلم قديما بمكة قبل دخول رسول الله صلى
الله عليه وسلم دار الارقم وهاجر الى الحبشة فى الهجرة الثانية مع امرأته
أسماء بنت عميس فولدت له هناك عبد الله وبه كان يكنى ومحمدا وعونا فلم يزل
هناك حتى قدم على النبىّ صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر سنة سبع فقال النبىّ
صلى الله عليه وسلم ما أدرى بأيهما أفرح بقدوم جعفر أم بفتح خيبر كذا فى
الصفوة* وفى ذخائر العقبى أشدّ فرحا بدل أفرح وقال ثم التزمه وقبله بين
عينيه خرجه البغوى فى معجمه* وعن جابر قال لما قدم جعفر بن أبى طالب من أرض
الحبشة تلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما نظر جعفر الى رسول الله
صلى الله عليه وسلم حجل وقال سفين أى مشى على رجل واحدة اعظاما منه لرسول
الله صلى الله عليه وسلم فقبله النبىّ صلى الله عليه وسلم بين عينيه وأعطاه
وامرأته أسماء بنت عميس من غنائم خيبر وقال له أشبهت خلقى وخلقى* وعن أبى
هريرة قال كان جعفر يحب المساكين ويجلس اليهم ويحدّثهم ويحدّثونه وكان
(2/74)
رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميه أبا
المساكين ولما قتل بمؤتة أمهل النبىّ صلى الله عليه وسلم آل جعفر أن يأتيهم
ثلاثة أيام فندبوا ثم قال لا تبكوا على أخى بعد اليوم وقال ان له جناحين
يطير بهما حيث شاء من الجنة* وروى عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال أدخلت الجنة البارحة فنظرت فيها فاذا جعفر يطير مع الملائكة* وفى
الاكتفاء استشهد يوم مؤتة من المسلمين سوى الامراء الثلاثة رضى الله عنهم
من قريش من بنى عدى بن كعب مسعود بن الاسود بن حارثة ومن بنى مالك بن جبل
وهب بن سعد بن أبى سرح ومن الانصار عباد بن قيس من بنى الحارث بن الخزرج
والحارث بن النعمان بن أساف من بنى غنم بن مالك بن النجار وسراقة بن عمرو
بن عطية بن خنساء من بنى مازن بن النجار وأبو كليب ويقال أبو كلاب وجابر
ابنا عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول وهما لاب وأمّ وعمرو وعامر ابنا سعد بن
الحارث بن عباد من بنى مالك بن أقصى وهؤلاء الاربعة عن ابن هشام
* سرية عمرو بن العاص الى ذات السلاسل
وفى جمادى الاخرة من هذه السنة كانت سرية عمرو بن العاص الى ذات السلاسل
وسميت بذلك لان المشركين ارتبط بعضهم الى بعض مخافة أن يفروا وقيل لان بها
ماء يقال له السلسل وراء ذات القرى من المدينة على عشرة أيام* قال اسماعيل
بن أبى خالد هى غزوة لخم وجذام وقال عروة هى بلاد بلى وعذره وبنى القين أو
بنى العنبر وقال بعضهم هى موضع معروف بناحية الشام فى أرض بنى عذرة وفى
سيرة ابن هشام انه ماء بأرض جذام وبذلك سميت الغزوة ذات السلاسل وكانت فى
جمادى الاخرة سنة ثمان وقيل سنة سبع وبه جزم ابن أبى خالد فى كتاب صحيح
التاريخ ونقل ابن عساكر الاتفاق على انها كانت بعد غزوة مؤتة الا ان ابن
اسحاق قال قبلها* وسببها انه بلغه صلى الله عليه وسلم ان جمعا من قضاعة
تجمعوا للاغارة فعقد لواء أبيض وجعل معه راية سوداء وبعثه فى ثلثمائة من
سراة المهاجرين والانصار ومعهم ثلاثون فرسا فسار الليل وكمن النهار فلما
قرب منهم بلغه ان لهم جمعا كثيرا فبعث رافع بن مكيث الجهنى الى رسول الله
صلى الله عليه وسلم يستمدّه فبعث اليه أبا عبيدة بن الجراح وعقد له لواء
وبعث معه مائتين من سراة المهاجرين والانصار فيهم أبو بكر وعمر وأمره أن
يلحق بعمرو وأن يكونا جميعا ولا يختلفا فأراد أبو عبيدة أن يؤم الناس فقال
عمرو انما قدمت علىّ مددا وأنا الامير فأطاع له بذلك أبو عبيدة وكان عمرو
يصلى بالناس حتى وصل الى العدوّ بلى وعذرة فحمل عليهم المسلمون فهربوا فى
البلاد وتفرّقوا*
سرية أبى عبيدة الى سيف البحر
وفى رجب هذه السنة كانت سرية أبى عبيدة الى سيف البحر وهى سرية الخبط
وسماها البخارى غزوة سيف البحر قال شيخ الاسلام ابن العراقى فى شرح التقريب
قالوا وكانت هذه السرية فى شهر رجب سنة ثمان من الهجرة وذلك بعد ان نكثت
قريش العهد وقبل الفتح فان النكث كان فى رمضان من السنة المذكورة* فى
استقامة هذا الكلام نظر فليتأمل أو تكون هذه السرية فى سنة ست أو قبلها قبل
هدنة الحديبية كما قاله ابن سعد وكان فيها ثلثمائة من المهاجرين والانصار
الى ساحل البحر وكان فيها عمر بن الخطاب وقيس بن سعد بن عبادة* وعن جابر بن
عبد الله الانصارى أنه قال بعثنا النبىّ صلى الله عليه وسلم فى ثلثمائة
راكب وأميرنا أبو عبيدة ابن الجراح فى طلب عير قريش وترصدها فأقمنا على
الساحل حتى فنى زادنا وأكلنا الخبط حتى تقرّحت أشداقنا ثم انّ البحر ألقى
الينا دابة يقال لها العنبر فأكلنا منها نصف شهر حتى صحت أجسامنا* وفى
رواية عنه فرفع لنا على ساحل البحر كهيئة الكثيب الضخم فأتيناها فاذا هى
دابة تدعى العنبر فأقمنا عليها شهرا ونحن ثلثمائة حتى سمنا ولقد رأيتنا
نغترف من وقب عينه بالقلال الدهن ونقطع منه القدر كالثور ولقد أخذمنا أبو
عبيدة ثلاثة عشر رجلا فاقعدهم فى وقب عينها وأخذ ضلعا من أضلاعها وأقامها
ثم رحل أعظم بعير معنا ثم ركبه أطول رجل منا فجاز من تحتها وتزوّدنا من
لحمه
(2/75)
الوسائق فلما قدمنا المدينة أتينا رسول
الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له فقال هو رزق أخرجه الله لكم فهل
معكم من لحمه شئ فتطعمونا فأرسلنا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه
فأكله
* سرية أبى قتادة الانصارى الى خضرة
وفى شعبان هذه السنة كانت سرية أبى قتادة بن ربعى الانصارى الى خضرة وهى
أرض محارب وبعث معه خمسة عشر رجلا الى غطفان فقتل من أشرافهم وسبى سبيا
كثيرا واستاق النعم فكانت الابل مائتى بعير والغنم ألفى شاة وكانت غيبته
خمس عشرة ليلة*
سرية أبى قتادة الى بطن اضم
وفى أوّل رمضان هذه السنة كانت سرية أبى قتادة أيضا الى بطن اضم فيما بين
ذى خشب وذى المروة على ثلاثة برد من المدينة لما هم رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن يغزو أهل مكة بعث أبا قتادة فى ثمانية نفر سرية الى بطن اضم
ليظنّ ظانّ أنه صلى الله عليه وسلم توجه الى تلك الناحية ولأن تذهب بذلك
الاخبار فلقوا عامر بن الاضبط فحياهم بتحية الاسلام يعنى السلام فقتله محكم
بن جثامة ولم يلقوا العدوّ فرجعوا الى المدينة فلما بلغوا موضعا يقال له ذو
خشب سمعوا بخروج النبىّ صلى الله عليه وسلم من المدينة نحو مكة فساروا فى
أثره حتى لحقوا به فى السقيا بالضم بين المدينة ووادى الصفراء وكذا فى
القاموس* فأنزل الله عز وجل ولا تقولوا لمن ألقى اليكم السلام لست مؤمنا
الاية وهو عند ابن جرير من حديث ابن عمر بنحوه وزاد فجاء محكم بن جثامة فى
بردين فجلس بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر له فقال له رسول
الله صلى الله عليه وسلم لا غفر الله لك فقام وهو يتلقى دموعه بردائه فما
مضت له سابعة حتى مات فلفظته الارض وعند غيره ثم عادوا به فلفظته فلما غلب
قومه عمدوا الى صدين فسطحوه ثم رضموا عليه الحجارة حتى واروه* وفى القاموس
الصد الجبل وناحية الوادى والرضم وضع الحجر بعضه على بعض وفى رواية ابن
جرير ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ان الارض لتطابق على من
هو شر من صاحبكم ولكن الله أراد أن يعظكم ونسب ابن اسحاق هذه السرية لابن
أبى حدرد كذا فى الاكتفاء*
سرية عبد الله بن أبى حدرد الى الغابة
وفى هذه السنة كانت سرية عبد الله بن أبى حدرد الاسلمى أيضا ومعه رجلان الى
الغابة لما بلغه صلى الله عليه وسلم ان رفاعة بن قيس يجمع لحربه فقتلوا
رفاعة وهزموا عسكره وغنموا غنيمة عظيمة حكاه مغلطاى وعن عبد الله بن أبى
حدرد أنه قال أقبل رجل من جشم بن معاوية يقال له رفاعة بن قيس أو قيس بن
رفاعة فى بطن عظيم من بنى جشم حتى نزل بقومه ومن معه بالغابة يريد أن يجمع
جيشا على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذا اسم فى جشم وشرف فدعانى
رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلين معى من المسلمين فقال اخرجوا الى هذا
الرجل حتى تأتوا منه بخبر وعلم قال فخرجنا ومعنا سلاحنا من النبل والسيوف
حتى اذا جئنا قريبا من الحاضر عشية مع غروب الشمس كنت فى ناحية وأمرت
صاحبىّ فكمنا فى ناحية أخرى من حاضر القوم وقلت لهما اذا سمعتمانى قد كبرت
وشددت فى ناحية العسكر فكبرا وشدّا معى فو الله انا لذلك ننتظر غرّة القوم
أو أن نصيب منهم شيئا وقد غشينا الليل حتى ذهبت فحمة العشاء وكان لهم راعى
سرح فى ذلك البلد فأبطأ عليهم حتى تخوّفوا عليه فقام صاحبهم ذلك فأخذ سيفه
فجعله فى عنقه ثم قال والله لأتبعنّ أثر راعينا هذا ولقد أصابه شرّ فقال
نفر ممن كان معه والله لا تذهب أنت نحن نذهب نكفيك قال والله لا يذهب الا
أنا قالوا فنحن معك قال والله لا يتبعنى أحد منكم وخرج حتى مرّ بى فلما
أمكننى نفحته بسهم فوضعته فى فؤاده فو الله ما تكلم ووثبت عليه فاحتززت
رأسه وشددت فى ناحية العسكر وكبرت وشدّ صاحباى فكبرا فو الله ما كان الا
النجا ممن فيه عندك عندك بكل ما قدروا عليه من نسائهم وأبنائهم وما خف معهم
من أموالهم واستقنا ابلا عظيمة وغنما كثيرة فجئنا بها الى رسول الله صلى
الله عليه وسلم وجئت برأسه أحمله معى فأعاننى رسول الله صلى الله عليه وسلم
من تلك الابل بثلاثة
(2/76)
عشر بعيرا فى صداق امرأة تزوّجتها من قومى
على مائتى درهم فجئت بها الى أهلى كذا فى الاكتفاء
*
غزوة فتح مكة
وفى عشرين من رمضان هذه السنة يوم الجمعة وقيل فى سادس عشر منه وقعت غزوة
فتح مكة* وفى البخارى على رأس ثمان ونصف من مقدمه المدينة* وفى خلاصة السير
لسبع ستين وثمانية أشهر واحد عشر يوما* وفى الاكتفاء أقام رسول الله صلى
الله عليه وسلم بعد بعثه الى مؤتة جمادى الاخرة ورجبا ثم عدت بنو بكر بن
عبد مناة بن كنانة على خزاعة قال أصحاب الاخبار ان رسول الله صلى الله عليه
وسلم لما صالح قريشا عام الحديبية واصطلحوا على وضع الحرب بين الناس عشر
ستين يأمن فيهنّ الناس ويكف بعضهم عن بعض وانه من أحب أن يدخل فى عقد رسول
الله صلى الله عليه وسلم وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل فى عقد قريش وعهدهم
دخل فيه كما مرّ فدخلت بنو بكر فى عقد قريش ودخلت خزاعة فى عقد رسول الله
صلى الله عليه وسلم وكان بينهما شرّ قديم ولما دخل شعبان على رأس اثنين
وعشرين شهرا من صلح الحديبية عدت بنو بكر على خزاعة وهم على ماء لهم بأسفل
مكة يقال له الوتير فخرج نوفل بن معاوية الديلى فى بنى ديل من بنى بكر وليس
كل بنى بكر تابعه كذا فى معالم التنزيل* وفى المنتقى كلمت بنو نفاثة وهم من
بنى بكر أشراف قريش أن يعينوهم على خزاعة بالرجال والسلاح فوعدوهم ووافوهم
وكان ممن أعان بنى بكر من قريش على خزاعة ليلتئذ متنكرين صفوان بن أمية
وعكرمة بن أبى جهل وسهيل بن عمرو وحويطب ومكرز مع عبيدهم فبيتوا خزاعة ليلا
وهم غارّون فقتلوا منهم عشرين رجلا ثم ندمت قريش على ما صنعت وعلموا ان هذا
نقض للعهد الذى بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج عمرو بن سالم
الخزاعى فى أربعين راكبا حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم
المدينة وكان ذلك مما هاج فتح مكة* وروى عن ميمونة بنت الحارث زوج النبىّ
صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بات عندها فى ليلتها
ثم قام وتوضأ للصلاة فسمعته يقول لبيك لبيك ثلاثا فلما خرج من متوضئه قلت
له يا رسول الله بأبى أنت وأمى انى سمعتك تكلم انسانا فهل كان معك أحد قال
هذا راجز بنى كعب يستصرخنى ويزعم ان قريشا أعانت عليهم بنى بكر قال فأقمنا
ثلاثة أيام ثم صلى الصبح بالناس فسمعت راجزا ينشد على رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهو فى المسجد جالس بين ظهرانى الناس وهو يقول
لاهمّ انى ناشد محمدا ... حلف أبينا وأبيه الا تلدا
انا ولدناك وكنت الولدا ... ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا
ان قريشا أخلفوك الموعدا ... ونقضوا ميثاقك المؤكدا
هم بيتونا بالوتير هجدا ... وقتلونا ركعا وسجدا
وجعلوا لى فى كداء رصدا ... وزعموا أن لست أدعو أحدا
وهم أذل وأقل عددا ... فانصر هداك الله نصرا أبدا
وادع عباد الله يأتوا مددا ... فيهم رسول الله قد تجردا
فى فيلق كالبحر يجرى مزبدا ... أبيض كالبدر ينمى صعدا
ان سيم خسفا وجهه تربدا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نصرت يا عمرو بن سالم* وفى المنتقى
نصرت نصرت ثلاثا أو لبيك لبيك ثلاثا ثم عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم
عنان من السماء فقال ان هذه السحابة لتستهل لنصر بنى كعب وهم رهط عمرو بن
سالم* وفى المنتقى فلما كان بالروحاء نظر الى سحاب منصب فقال ان هذا السحاب
لنصب لنصر بنى كعب ثم خرج يديل بن ورقاء الخزاعى فى نفر من خزاعة حتى قدموا
(2/77)
على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه
بما أصيب منهم ومظاهرة قريش بنى بكر عليهم ثم انصرفوا راجعين الى مكة وقد
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس كأنكم بأبى سفيان قد جاء
ليشدّد العقد ويزيد فى المدّة ومضى بديل بن ورقاء فلقى أبا سفيان بعسفان قد
بعثه قريش الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشدد العقد ويزيد فى المدّة
وقد رهبوا الذى صنعوا فلما لقى أبو سفيان بديلا قال من أين أقبلت يا بديل
فظن أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سرت الى خزاعة فى هذا الساحل
وفى بطن هذا الوادى قال أو ما أتيت محمدا قال لا فلما راح بديل مكة قال أبو
سفيان لئن كان بالمدينة لقد علف بها فعمد الى منزل ناقته فأخذ من بعرها
ففته فرأى فيه النوى فقال أحلف بالله لقد جاء بديل محمدا ثم خرج أبو سفيان
حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل البيت وهو بيت ابنته أم
حبيبة ابنة أبى سفيان فأتى ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم
فطوته عنه قال يا بنية أرغبت بى عن هذا الفراش أم رغبت به عنى قالت بلى هو
فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت رجل مشرك نجس وما أحب ان تجلس على
فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال والله لقد أصابك يا بنية بعدى شر
ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه فلم يردّ عليه شيئا ثم
ذهب الى أبى بكر وكلمه أن يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما أنا
بفاعل ثم أتى عمر بن الخطاب فأبى ثم أتى على بن أبى طالب فأبى ثم قال
لفاطمة ان تأمر ابنها الحسين وهو غلام يدب بين يدى أبويه حتى يجير له فأبت
فقال يا أبا حسن انى أرى الامور قد اشتدّت علىّ فانصحنى قال والله ما أعلم
شيئا يغنى عنك ولكنك سيد بنى كنانة فقم فأجر بين الناس ثم الحق بأرضك قال
وترى ذلك مغنيا شيئا قال لا والله ما أظن ولكن لا أجد لك غير ذلك فقام أبو
سفيان فى المسجد فقال أيها الناس انى قد أجرت بين الناس ثم ركب بعيره
فانطلق فلما أن قدم على قريش قالوا ما وراءك قال جئت محمدا فكلمته فو الله
ما ردّ علىّ بشئ ثم جئت ابن أبى قحافة فلم أجد عنده خيرا وجئت ابن الخطاب
فوجدته أعدى القوم ثم أتيت علىّ بن أبى طالب فوجدته ألين الناس فقد أشار
علىّ بشئ صنعته فو الله ما أدرى هل يغنينى شيئا أم لا قالوا وماذا أمرك قال
أمرنى أن أجير بين الناس ففعلت قالوا فهل أجاز ذلك محمد قال لا قالوا والله
ان زاد علىّ الا أن لعب بك الناس فما يغنى عنا ما قلت قال لا والله ما وجدت
غير ذلك وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاز وأمر أهله أن يجهزوه
ولم يعلموا به أحدا فدخل أبو بكر على ابنته عائشة رضى الله عنها وهى تصلح
بعض جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا بنية ما هذا الجهاز قالت لا
أدرى قال أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن تجهزوه قالت نعم فنجهزه
قال فأين ترينه يريد قالت ما أدرى قال ما هذا زمان غزوة بنى الاصفر فأين
يريد قالت لا علم لى ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس انه
سائر الى مكة وقال اللهمّ خذ العيون والاخبار عن قريش حتى نسبقها فى
بلادها* وفى رواية قال اللهم عمّ عليهم خبرنا حتى نأخذهم بغتة فتجهز الناس
فكتب حاطب بن أبى بلتعة كتابا الى أهل مكة وبعثه مع سارة مولاة بنى المطلب*
وفى معالم التنزيل والمدارك ان مولاة لابى عمرو بن صيفى بن هاشم بن عبد
مناف يقال لها سارة أتت المدينة من مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم
يتجهز لفتح مكة فقال لها أمسلمة جئت قالت لا فال أفمهاجرة قالت لا قال فما
جاء بك قالت قد ذهبت الموالى وقد احتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطونى
وتكسونى وتحملونى فقال لها وأين أنت من شباب مكة وكانت مغنية نائحة قالت ما
طلب منى شئ بعد وقعة بدر فحث عليها رسول الله
صلى الله عليه وسلم بنى عبد المطلب وبنى المطلب فاعطوها نفقة وكسوة
وحملوها* وفى شفاء الغرام حامل كتاب حاطب بن أبى بلتعة أم سارة مولاة لقريش
وفيه أيضا أم سارة هى التى أمر النبىّ صلى الله
(2/78)
عليه وسلم بقتلها يوم فتح مكة وانها كانت
مولاة لقريش وبين الحافظ مغلطاى اسم المرأة وقال كتب حاطب كتابا وأرسله مع
أم سارة كنود المزنية انتهى* ولما علم حاطب بن أبى بلتعة حليف بنى أسد أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو أهل مكة كتب اليهم كتابا ودفعه الى سارة
وأعطاها عشرة دنانير وكساها بردا على ان توصل الكتاب الى أهل مكة وكتب فى
الكتاب وفى المدارك واستحملها كتابا نسخته* من حاطب بن أبى بلتعة الى أهل
مكة اعلموا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم فخذوا حذركم* وفى رواية
كتب فيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه اليكم بجيش كالليل يسير
كالسيل واقسم بالله لو سار اليكم وحده لنصره الله عليكم فانه منجز له وعده*
وفى رواية كتب فيه ان محمدا قد نفر فاما اليكم واما الى غيركم فعليكم الحذر
ذكرهما السهيلى فخرجت سارة ونزل جبريل بالخبر فبعث رسول الله صلى الله عليه
وسلم عليا وعمارا وعمر والزبير وطلحة والمقداد بن الاسود وأبا مرثد فرسانا
فقال لهم انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فان بها ظعينة معها كتاب من حاطب بن
أبى بلتعة الى المشركين أو الى أهل مكة فخذوه منها وخلوا سبيلها فان لم
تدفعه اليكم أو قال فان أبت فاضربوا عنقها* قال الواقدى روضة خاخ بقرب ذى
الحليفة على بريد من المدينة فانطلقوا تعادى بهم خيلهم حتى أتوا الروضة
فأدركوها فى ذلك المكان الذى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا لها
أين الكتاب فحلفت بالله ما معها كتاب فبحثوها وفتشوا متاعها فلم يجدوا معها
كتابا فهموا بالرجوع فقال علىّ والله ما كذبنا ولا كذبنا وسل سيفه وقال
أخرجى الكتاب والا لا جردنك أو لا ضربن عنقك* وفى المدارك اخرجى الكتاب أو
تضعى رأسك* وفى رواية لتخرجن الكتاب أو لتلقنّ الثياب فلما رأت الجد أخرجته
من عقيصتها قد خبأته فى شعرها فخلوا سبيلها ولم يتعرّضوا لها ولا لما معها
فرجعوا بالكتاب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل رسول الله صلى الله
عليه وسلم الى حاطب فأتاه فقال هل تعرف الكتاب قال نعم قال ما حملك على ما
صنعت قال يا رسول الله لا تعجل علىّ والله يا رسول الله ما كفرت منذ أسلمت
ولا غششتك منذ صحبتك أو قال نصحتك ولا أجبتهم منذ فارقتهم ولكن لم يكن أحد
من المهاجرين الا وله بمكة من يمنع عشيرته* وفى رواية وكان لمن معك من
المهاجرين بمكة قرابات يحمون أهلهم وأموالهم وكنت غريبا فيهم* وفى رواية
كنت امرأ ملصقا فى قريش بقول حليفا ولم أكن من أنفسها وليس فيهم من يحمى
أهلى وكان أهلى بين ظهرانيهم فخشيت على أهلى فأحببت اذ فاتنى ذلك من النسب
فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتى وقد علمت بأن الله ينزل بهم بأسه وان
كتابى لا يغنى عنهم شيئا ولم أفعل ذلك ارتدادا عن دينى ولا رضا بالكفر بعد
الاسلام فصدّقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعذره فقال أما انه قد صدقكم
فقام عمر بن الخطاب فقال دعنى يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال انه
شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال لهم اعملوا ما شئتم فقد
غفرت لكم ففاضت عينا عمر فأنزل الله عز وجل فى حاطب يا أيها الذين آمنوا لا
تتخذوا عدوّى وعدوّكم أولياء تلقون اليهم بالمودّة الاية وبعث رسول الله
صلى الله عليه وسلم الى من حوله من الاعراب فجلبهم وهم أسلم وغفار ومزينة
وجهينة وأشجع وسليم فمنهم من وافاه بالمدينة ومنهم من لحقه بالطريق واستخلف
على المدينة أبارهم كلثوم بن حصين بن خلف الغفارى* وفى المنتقى عبد الله بن
أم مكتوم وخرج عامدا الى مكة يوم الاربعاء بعد العصر لعشر مضين من رمضان
السنة الثامنة من الهجرة فصام صلى الله عليه وسلم وصام الناس حتى اذا كان
بالكديد ما بين عسفان وأمج* وعن ابن عباس الكديد الماء الذى بين قديد
وعسفان* وفى القاموس الكديد ماء بين الحرمين أفطر فلم يزل مفطرا حتى انسلخ
الشهر وقدّم أمامه الزبير وقد كان ابن عمته*
وأخوه من رضاع حليمة السعدية أبو سفيان بن
(2/79)
الحارث بن عبد المطلب ومعه ولده جعفر بن
أبى سفيان وكان أبو سفيان يألف رسول الله فلما بعث عاداه وهجاه وابن عمته
عاتكة بنت عبد المطلب عبد الله بن أبى أمية بن المغيرة لقياه بنبق العقاب
فيما بين مكة والمدينة* وفى المواهب اللدنية كان لقاؤهما له عليه السلام
بالابواء وقيل بين السقيا والعرج فالتمسا الدخول عليه فأعرض صلى الله عليه
وسلم عنهما لما كان يلقى منهما من شدّة الاذى والهجو وكلمته أم سلمة وهى
أخت عبد الله فيهما فقالت يا رسول الله لا يكن ابن عمك وابن عمتك وصهرك
أشقى الناس بك قال لا حاجة لى فيهما أما ابن عمى فهتك عرضى وأما ابن عمتى
وصهرى فهو الذى قال لى بمكة ما قال فلما خرج الخبر اليهما بذلك قال أبو
سفيان ومعه بنى له اسمه جعفر بن أبى سفيان والله ليأذنن لى أو لاخذنّ بيد
بنى هذا ثم لنذهبن فى الارض حتى نموت عطشا وجوعا فلما بلغ ذلك رسول الله
صلى الله عليه وسلم رق لهما ثم أذن لهما فدخلا عليه فأسلما* وفى المواهب
اللدنية قال علىّ لابى سفيان فيما حكاه ابو عمرو وصاحب ذخائر العقبى ائت
رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل وجهه فقل ما قال اخوة يوسف تالله لقد
آثرك الله علينا وان كنا لخاطئين فانه لا يرضى أن يكون أحد أحسن منه قولا
ففعل ذلك أبو سفيان فقال له صلى الله عليه وسلم لا تثريب عليكم اليوم يغفر
الله لكم وهو أرحم الراحمين* وقد مرّ فى أولاد عبد المطلب فى النسب ويقال
ان أبا سفيان ما رفع رأسه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم حياء منه قالوا
ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان بقديد عقد الالوية والرايات
ودفعها الى القبائل ثم سار حتى نزل مرّ الظهران فى عشرة آلاف من المسلمين
لم يتخلف عنه من المهاجرين والانصار أحد* وفى القاموس ظهران واد بقرب مكة
يضاف اليه مر ومرّ الظهران موضع على مرحلة من مكة وقال بعضهم ومنه الى مكة
أربعة فراسخ قال ابن سعد نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ الظهران
عشاء فأمر أصحابه فأوقدوا عشرة آلاف نار وجعل على الحرس عمر بن الخطاب وقد
عميت الاخبار عن قريش فلا يأتيهم خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا
يدرون ما هو فاعل وهم مغتمون لما يخافون من غزوه اياهم وقد كان عباس بن عبد
المطلب لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق فخرج فى تلك الليلة
أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يتجسون الاخبار هل يجدون
خبرا وقد قال العباس ليلتئذ واصباح قريش والله لئن دخل رسول الله صلى الله
عليه وسلم مكة عنوة قبل أن يستأمنوا انه لهلاك قريش الى آخر الدهر فخرج على
بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء وقال اخرج الى الاراك لعلى ألقى
بعض الخطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة يأتى مكة فيخبرهم بمكان رسول الله صلى
الله عليه وسلم فيأتونه فيستأمنونه قبل أن يدخلها عليهم عنوة قال فخرجت
وانى لا طوف فى الاراك التمس ما خرجت له اذ سمعت صوت أبى سفيان وبديل بن
ورقاء وهما يتراجعان فأبو سفيان يقول والله ما رأيت كالليلة قط نيرانا فقال
بديل والله هذه نيران خزاعة حشتها الحرب فقال أبو سفيان خزاعة والله ألأم
وأذل من ان تكون هذه نيرانها وعسكرها فعرفت صوته فقلت يا أبا حنظلة فعرف
صوتى فقال أبو الفضل فقلت نعم قال مالك فداك أبى وأمى فقلت ويحك يا أبا
سفيان هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءكم بما لا قبل لكم به بعشرة
آلاف من المسلمين واصباح قريش قال فما الحيلة فداك أبى وأمى قلت والله لئن
ظفر بك ليضربن عنقك فاركب فى عجز هذه البغلة حتى آتى بك رسول الله صلى الله
عليه وسلم فاستأمنه لك فردفنى ورجع صاحباه فحرّكت به بغلة رسول الله صلى
الله عليه وسلم فكاه امررت بنار من نيران المسلمين قالوا من هذا فاذا رأوا
بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا هذا عم رسول الله صلى الله عليه
وسلم على
بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مررت بنار عمر
(2/80)
فقال من هذا وقام الىّ فلما رأى أبا سفيان
على عجز البغلة قال أبو سفيان عدوّ الله الحمد لله الذى أمكننى منك بغير
عقد ولا عهد ثم اشتدّ نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم وركضت البغلة
فسبقته بما تسبق الدابة البطيئة الرجل البطىء فاقتحمت عن البغلة فدخلت على
رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل عمر فقال يا رسول الله هذا أبو سفيان
عدوّ الله قد أمكن الله تعالى منه بغير عقد ولا عهد فدعنى أضرب عنقه فقلت
يا رسول الله انى قد أجرته ثم جلست الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت
برأسه قال قال النبىّ صلى الله عليه وسلم للعباس بعد تنازع وتراجع فى
الكلام بينه وبين عمر اذهب به يا عباس الى رحلك فاذا أصبحت فأتنى به قال
فذهبت به الى رحلى فبات عندى فلما أصبحت غدوت به الى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فلما رآه قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا اله
الا الله قال بأبى أنت وأمى ما أحلمك وما اكرمك وأوصلك والله لقد ظننت ان
لو كان مع الله غيره لقد أغنى عنى شيئا قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك
أن تعلم انى رسول الله قال بأبى أنت وأمى ما أحلمك وما أكرمك وأوصلك أما
هذه والله كان فى النفس حتى الان منها شئ قال العباس قلت ويحك يا أبا سفيان
أسلم واشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله قبل أن يضرب عنقك فشهد
شهادة الحق وأسلم وفى رواية عروة لما دخل أبو سفيان مع العباس على رسول
الله صلى الله عليه وسلم صبيحة أسلم* قال أبو سفيان يا محمد انى قد استنصرت
الهى واستنصرت الهك فو الله ما لقيتك من مرة الا ظهرت علىّ فلو كان الهى
محقا والهك مبطلا لظهرت عليك فشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله
فقال العباس يا رسول الله ان أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا قال
نعم من دخل دار أبى سفيان فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن ومن دخل المسجد
فهو آمن فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عباس احبسه
بمضيق الوادى عند حطم الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها قال فخرجت به حتى
حبسته حيث أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومرّت به القبائل على
راياتها كلما مرّت قبيلة قال من هؤلاء يا عباس فأقول سليم فيقول مالى
ولسليم ثم تمرّ القبيلة قال من هؤلاء فأقول مزينة فيقول مالى ولمزينة حتى
نفدت القبائل لا تمرّ قبيلة الا سألنى عنها فاذا أخبرته فيقول مالى ولبنى
فلان حتى مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الخضراء كتيبة رسول الله صلى
الله عليه وسلم فيها المهاجرون والانصار لا يرى منهم الا الحدق قال سبحان
الله من هؤلاء يا عباس قلت هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المهاجرين
والانصار قال ما لأحد بهؤلاء من قبل والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن
اخيك عظيما قلت ويحك يا أبا سفيان انها النبوّة قال فنعم اذا قلت الحق
بقومك فحذرهم* وفى الاكتفاء التجئ الى قومك فخرج سريعا حتى اذا جاءهم فصرخ
باعلى صوته يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به قالوا فه قال
فمن دخل دار أبى سفيان فهو آمن فقامت اليه هند بنت عتبة فأخذت بشار به
فقالت اقتلوا الحميت الدسم الاحمس قبح من طليعة قوم قال ويحكم لا تغرّن هذه
من أنفسكم فانه قد جاءكم بما لا قبل لكم به فمن دخل دار أبى سفيان فهو آمن
قالوا قاتلك الله وما تغنى دارك عنا شيئا قال فمن أغلق عليه بابه فهو آمن
ومن دخل المسجد فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن* وفى رواية نادى أبو سفيان
أسلموا تسلموا فتفرق الناس الى دورهم والى المسجد* وروى ان حكيم بن حزام
وبديل بن ورقاء قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرّ الظهر ان
فأسلما فبايعاه فبعثهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه الى قريش
يدعو انهم الى الاسلام ولما خرج أبو سفيان وحكيم من عند النبىّ صلى الله
عليه وسلم
راجعين الى مكة بعث فى أثرهما الزبير بن العوّام وأعطاه الراية وأمره على
خيل المهاجرين والانصار وأمره أن يسير من طريق كداء وأن يركز رايته باعلى
الحجون
(2/81)
وقال له لا تبرح من حيث أمرتك أن تركز
رايتى حتى آتيك* وفى الاكتفاء وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرق
جيشه من ذى طوى الزبير بن العوّام أن يدخل فى بعض الناس من كداء وكان على
المجنبة اليسرى وأمر سعد بن عبادة ان يدخل فى بعض الناس من كدى فذكروا ان
سعدا حين وجه داخلا قال اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة فسمعها رجل
من المهاجرين قيل هو عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال يا رسول الله أتسمع
ما قال سعد ما نأمن أن يكون له فى قريش صولة وصدمة فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لعلىّ بن أبى طالب أدركه فخذ الراية فكن أنت الذى تدخل بها ويقال
أخذت الراية من سعد ودفعت الى ابنه قيس بن سعد ويقال أمر الزبير بأخذ
الراية وجعله مكان سعد على الانصار مع المهاجرين* وفى المواهب اللدنية هذه
ثلاثة أقوال فيمن دفعت اليه الراية التى نزعت من سعد والذى يظهر من الجميع
ان عليا أرسل لينزعها من سعد ويدخل بها ثم خشى من تغير خاطر سعد فأمر
بدفعها الى ابنه قيس ثم ان سعدا خشى أن يقع من ابنه شئ ينكره النبىّ صلى
الله عليه وسلم فسأل النبىّ صلى الله عليه وسلم أن يأخذها من قيس فحينئذ
أخذها الزبير وجعل أبا عبيدة بن الجراح على الحسر والبيادق كذا فى المواهب
اللدنية والمنتقى* فسار الزبير بالناس حتى وقف بالحجون وغرز هناك راية رسول
الله صلى الله عليه وسلم وأمر خالد بن الوليد وكان على المجنبة اليمنى أن
يدخل فيمن أسلم من قضاعة وبنى سليم وأسلم وغفار وجهينة ومزينة وسائر
القبائل فدخل من الليط أسفل مكة وبها بنو بكر وبنو الحارث بن عبد مناة
والاحابيش الذين استنفرتهم واستنصرتهم قريش وأمرتهم أن يكونوا بأسفل مكة
وأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم خالدا أن يركز رايته عند منتهى البيوت
وأدناها وكان ذلك أوّل امارة خالد وقال النبىّ صلى الله عليه وسلم لخالد
والزبير حين بعثهما لا تقاتلوا الا من قاتلكم ولما انتهى رسول الله صلى
الله عليه وسلم الى ذى طوى وقف على راحلته معتجرا بشقة برد حمراء وانه ليضع
رأسه تواضعا لله وشكرا له حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح حتى ان عثنونه
ليكاد يمس واسطة الرحل* العثنون بالعين المهملة والثاء المثلثة والنونين
بينهما واو اللحية أو ما فضل منها بعد العارضين أو نبت على الذقن وتحته
سفلا أو هو طولها وشعيرات طوال تحت حنك الابل كذا فى القاموس* ولما وقف صلى
الله عليه وسلم هناك قال أبو قحافة وقد كف بصره لابنة له من أصغر ولده وهو
على أبى قبيس مشرفا عليه أى بنية ماذا ترين قالت أرى سوادا مجتمعا قال تلك
الخيل قالت وأرى رجلا يسعى بين يدى ذلك السواد مقبلا ومدبرا قال أى بنية
ذاك الوازع يعنى الذى يأمر الخيل ويتقدّم اليها ثم قالت قد والله انتشر
السواد فقال قد والله اذا دفعت الخيل فأسرعى بى الى بيتى فانحطت به وتلقاه
الخيل قبل أن يصل الى بيته وفى عنق الجارية طوق من ورق فتلقاها رجل فقطعه
من عنقها قال فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه أبو بكر بأبيه
يقوده فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هلا تركت الشيخ فى بيته
حتى أكون أنا آتيه فيه فقال أبو بكر يا رسول الله هو أحق أن يمشى اليك من
ان تمشى أنت اليه قال فأجلسه بين يديه ثم مسح صدره ثم قال له أسلم فأسلم
ورآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانّ رأسه ثغامة فقال غيروا هذا من
شعره وسيجىء ثم قام أبو بكر فأخذ بيد أخته فقال انشد الله والاسلام طوق
أختى فلم يجبه أحد فقال أى أخية احتسبى طوقك فو الله ان الامانة اليوم فى
الناس قليل ولم يكن بأعلى مكة من قبل الزبير قتال وأما خالد بن الوليد فدخل
من الليط أسفل مكة فلقيه قريش وبنو بكر والاحابيش فقاتلوه فقتل منهم قريبا
من عشرين رجلا ومن هذيل ثلاثة أو أربعة وانهزموا وقتلوا بالحزورة حتى بلغ
قتلهم باب المسجد وهرب فضيضهم حتى دخلوا الدور
وارتفعت طائفة منهم على الجبال واتبعهم
(2/82)
المسلمون بالسيوف وهربت طائفة منهم الى
البحر والى صوب اليمن وأقبل أبو عبيدة بن الجراح بالصف من المسلمين ينصب
لمكة بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل رسول الله صلى الله عليه
وسلم من أواخر المهاجرين حتى نزل بأعلى مكة وضربت له هناك قبة* وروى مسلم
من حديث جابر دخل النبىّ صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء
من غيرا حرام* وروى ابن ابى شيبة باسناد صحيح عن طاوس لم يدخل النبىّ صلى
الله عليه وسلم مكة الا محرما الا يوم فتح مكة وقد اختلف العلماء هل يجب
على من دخل مكة الاحرام أم لا فالمشهور من مذهب الشافعىّ عدم الوجوب مطلقا
وفى قول يجب مطلقا وفيمن يتكرّر دخوله خلاف مرتب فاولى بعدم الوجوب
والمشهور عن الائمة الثلاثة الوجوب كذا فى المواهب اللدنية* ولما علا رسول
الله صلى الله عليه وسلم ثنية كداء نظر الى البارقة على الجبل مع فضض
المشركين فقال ما هذا وقد نهيت عن القتال فقال المهاجرون نظنّ ان خالدا
قوتل وبدئ بالقتال فلم يكن بد أن يقاتل من قاتله وما كان يا رسول الله
ليعصيك ولا ليخالف أمرك فهبط رسول الله صلى الله عليه وسلم من الثنية فأجاز
على الحجون واندفع الزبير بن العوّام حتى وقف بباب الكعبة* وفى الاكتفاء
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عهد الى أمرائه من المسلمين حين
أمرهم أن يدخلوا مكة أن لا يقاتلوا الا من قاتلهم الا انه قد عهد فى نفر قد
سماهم أمر بقتلهم وان وجدوا تحت أستار الكعبة وسيجىء ذكرهم وكان صفوان بن
أمية وعكرمة بن أبى جهل وسهيل بن عمرو قد جمعوا ناسا بالحندمة ليقاتلوا
فيهم حماس ابن قيس بن خالد اخو بنى بكر وقد كان أعدّ سلاحا وأصلح منها
فقالت له امرأته لم تعدّ سلاحك هذا قال لمحمد وأصحابه قالت والله ما أراه
يقوم لمحمد شئ قال والله انى لأرجو أن أخدمك بعضهم ثم قال
ان يقتلوا اليوم فما لى علة ... هذا سلاح كامل وألة
وذو غرارين سريع السلة
ثم شهد الحندمة فلما لقيهم المسلمون من أصحاب خالد ناوشوهم شيئا من قتال
فقتل كرز بن جابر الفهرى وخنيس بن خالد بن الاشقر كانا فى خيل خالد فشذا
عنه وسلكا طريقا غير طريقه فقاتلا جميعا وأصيب سلمة بن الميلاء الجهنى من
خيل خالد وأصيب من المشركين ناس ثم انهزموا فخرج حماس منهزما حتى دخل بيته
وقال لامرأته أغلقى علىّ بابى قالت فأين ما كنت تقول فقال
انك لو شهدت يوم الخندمة ... اذ فرّ صفوان وفرّ عكرمة
واستقبلتهم بالسيوف المسلمة ... يقطعن كل ساعد وجمجمة
ضربا فلا تسمع الا غمغمة ... لهم نهيت خلفنا وهمهمة
لم تنطقى فى اللوم أدنى كلمة
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد بعد أن اطمأنّ لم قاتلت
وقد نهيتك عن القتال قال هم يدؤنا ووضعوا فينا السلاح وأشعرونا النبل وقد
كففت يدى ما استطعت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قضاء الله خير وفرّ
يومئذ صفوان بن أمية عامد اللبحر وعكرمة بن أبى جهل عامد الليمن وستجىء
قصتهما* وفى المنتقى وكل الجنود لم يلقوا جنودا غير خالد فانه لقى صفوان بن
أمية وسهيل ابن عمرو وعكرمة ابن أبى جهل فى جمع من قريش فمنعوه من الدخول
وشهروا السلاح ورموا بالنبل فصاح خالد فى أصحابه فقاتلهم فقتل أربعة وعشرون
من قريش وأربعة من هذيل فلما ظهر النبى صلى الله عليه وسلم قال لخالد ألم
أنه عن القتال فقيل قوتل خالد فقاتل كما مرّ* وفى شفاء الغرام عن عطاء ابن
السائب قال حدّثنى طاوس وعامر قالا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم
خالد بن الوليد
(2/83)
فانا لهم شيئا من قتل فجاء رجل من قريش
فقال يا رسول الله هذا خالد بن الوليد قد أسرع فى القتل فقال النبىّ صلى
الله عليه وسلم لرجل من الانصار عنده يا فلان قال لبيك يا رسول الله قال
ائت خالد بن الوليد قل له ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن لا
تقتل بمكة أحدا فجاء الانصارى فقال يا خالد ان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يأمرك أن تقتل من لقيت فاندفع خالد فقتل سبعين رجلا من مكة فجاء الى
النبىّ صلى الله عليه وسلم رجل من قريش فقال يا رسول الله هلكت قريش لا
قريش بعد اليوم قال ولم قال هذا خالد لا يلقى أحدا من الناس الا قتله فقال
النبىّ صلى الله عليه وسلم ادع لى خالدا فلما أتى اليه خالد قال يا خالد
ألم أرسل اليك أن لا تقتل أحدا قال بل أرسلت الىّ أن أقتل من قدرت عليه قال
ادع لى الانصارى فدعاه له فقال ألا آمرك أن تأمر خالدا أن لا يقتل أحدا قال
بلى ولكنك أردت أمرا وأراد الله غيره فكان ما أراد الله فسكت صلى الله عليه
وسلم ولم يقل للانصارى شيئا وقال يا خالد قال لبيك يا رسول الله قال لا
تقتل أحدا قال لا* وفى المواهب اللدنية والمنتقى روى أحمد ومسلم والنسائى
عن أبى هريرة قال أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بعث على احدى
المجنبتين خالد بن الوليد وبعث الزبير على الآخرى وبعث أبا عبيدة على الحسر
بضم المهملة وتشديد السين المهملة أى الذين بغير سلاح فقال لى يا أبا هريرة
اهتف لى بالانصار فهتفت بهم فجاؤا فأطافوا فقال لهم أترون الى أوباش قريش
وأتباعهم ثم قال باحدى يديه على الآخرى احصدوهم حصدا حتى توافونى بالصفا
قال أبو هريرة فانطلقنا فما نشاء أن نقتل أحدا منهم الا قتلناه فجاء أبو
سفيان فقال يا رسول الله ابحت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم فقال صلى الله
عليه وسلم من أغلق بابه فهو آمن* وفى الاكتفاء قالت أمّ هانئ بنت أبى طالب
وكانت عند هبيرة بن أبى وهب المخزومى لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم
بأعلى مكة فرّ الىّ رجلان من أحمائى من بنى مخزوم فدخل علىّ أخى على بن أبى
طالب فقال والله لاقتلنهما فأغلقت عليهما بيتى ثم جئت رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهو بأعلى مكة فوجدته يغتسل من جفنة كان فيها أثر العجين وفاطمة
ابنته تستره بثوبه فلما اغتسل أخذ ثوبه فتوشح به ثم صلى ثمان ركعات من
الضحى ثم انصرف الىّ فقال مرحبا وأهلا بأمّ هانئ ما جاء بك فأخبرته خبر
الرجلين وخبر علىّ فقال قد أجرنا من أجرت يا أمّ هانئ وأمّنا من أمّنت فلا
يقتلنهما* قال ابن هشام هما الحارث بن هشام وزهير بن أمية بن المغيرة* وفى
رواية للبخارى انه صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة اغتسل فى بيت أم هانئ ثم
صلى الضحى ثمان ركعات فقالت لم أره صلى صلاة أخف منها غير انه يتم الركوع
والسجود وذكره فى المواهب اللدنية* وفى رواية دخل رسول الله صلى الله عليه
وسلم مكة حين ارتفعت الشمس على ناقته القصوى بين أبى بكر وأسيد بن حضير وقد
أردف أسامة بن زيد وقد طأطأ رأسه تواضعا لله وهو يقرأ سورة الفتح* وفى
الاكتفاء ولما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم واطمأنّ الناس خرج حتى أتى
البيت فطاف به سبعا على راحلته يستلم الركن بمحجن فى يده فلما قضى طوافه
دعا عثمان بن طلحة وأخذ منه مفتاح الكعبة ففتحت له فدخلها فوجد فيها حمامة
من عيدان فكسرها بيده ثم طرحها ثم وقف على باب الكعبة فقال لا اله الا الله
صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده ألاكل مأثرة أو دم أو مال يدعى
فهو تحت قدمىّ هاتين الاسدانة البيت وسقاية الحاج يا معشر قريش ان الله قد
أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالاباء الناس لادم وآدم خلق من تراب ثم
تلاهذه الاية فقال يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى الاية ثم قال يا
معشر قريش أو يا أهل مكة ماذا ترون أنى فاعل فيكم قالوا خيرا أخ كريم وابن
أخ كريم فقال اذهبوا فأنتم الطلقاء
(2/84)
فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد
كان الله أمكنه من رقابهم عنوة فلذلك تسمى اهل مكة الطلقاء أى الذين أطلقوا
فلم يسترقوا ولم يؤسروا والطليق هو الاسير اذا أطلق قال ثم جلس رسول الله
صلى الله عليه وسلم فى المسجد فقام اليه علىّ بن أبى طالب ومفتاح الكعبة فى
يده فقال يا رسول الله اجمع لنا الحجابة مع السقاية صلى الله عليك فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم أين عثمان بن طلحة فدعى له فقال هاك مفتاحك
يا عثمان اليوم يوم برّ ووفاء وقال لعلىّ فيما حكى ابن هشام انما أعطيكم ما
تزرؤن لا ما ترزؤن* وفى البحر العميق دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة
يوم الفتح فقبض السقاية من العباس بن عبد المطلب والحجابة من عثمان بن طلحة
فقام العباس بن عبد المطلب فبسط يده وقال يا رسول الله بأبى أنت وأمى اجمع
لى الحجابة مع السقاية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطيكم ما تزرؤن
فيه لا ما ترزؤن منه قال أبو على معناه أنا أعطيكم ما تتموّنون على السقاية
التى تحتاج الى مؤن أى فأنتم ترزؤن بضم التاء وسكون الراء المهملة قبل
الزاى المعجمة المفتوحة من الرزء بالضم وهو النقص أى يرزؤكم الناس أى
ينقصونكم بالاخذ لتموينكم اياهم بتموين السقاية المعدّة لهم وأما السدانة
فيرزؤ بها الناس بالبعث اليها أى بعث كسوة البيت أى لا يليق أن ترزؤا بفتح
التاء وسكون الراء المهملة قبل المعجمة أى تنقصوا الناس بأخذ أموالهم
والتعرّض لذلك لشرفكم وقيل معنى ترزؤن فيه بضم المثناة أى تصيبون فيه الخير
بصرف أموالكم فى موّنات زمزم ومعنى ما تزرؤن منه بفتح المثناة أى تستجلبون
به الاموال أى تأخذون منه أموال الناس كالحجابة فقام رسول الله صلى الله
عليه وسلم بين عضادتى باب الكعبة فقال ألا ان كل دم أو مأثرة كانت فى
الجاهلية فهى تحت قدمىّ هاتين الا السقاية وسدانة الكعبة فانى قد أمضيتهما
لاهلهما على ما كانت فى الجاهلية فقبضها العباس وكانت فى يده حتى توفى
فوليها بعده عبد الله بن عباس فكان يفعل فيها كفعله دون بنى عبد المطلب
وكان محمد بن الحنفية قد كلم فيها ابن عباس فقال له ابن عباس مالك ولها نحن
أولى بها فى الجاهلية والاسلام وقد كان أبوك تكلم فيها فأقمت البينة طلحة
بن عبيد الله وعامر بن ربيعة وأزهر ابن عبد عوف ومخرمة بن نوفل ان العباس
بن عبد المطلب كان يليها فى الجاهلية بعد عبد المطلب وجدك أبو طالب فى ابله
فى باديته بعرفة وان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها العباس يوم الفتح
دون بنى عبد المطلب فعرف ذلك من حضر وكانت بيد عبد الله بن عباس بتولية
رسول الله صلى الله عليه وسلم دون غيره لا ينازعه فيها منازع ولا يتكلم
فيها متكلم حتى توفى فكانت فى يد علىّ بن عبد الله بن عباس يفعل فيها كفعل
أبيه وجدّه ويأتيه الزبيب من ماله بالطائف وينبذه حتى توفى فكانت فى يد
ولده حتى الان قال الازرقى كان لزمزم حوضان حوض بينها وبين الركن يشرب منه
وحوض من ورائها للوضوء له سرب يذهب فيه الماء* وذكر ابن عقبة ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم لما قضى طوافه نزل فأخرجت الراحلة فركع ركعتين ثم انصرف
الى زمزم فاطلع فيها وقال لولا أن تغلب بنو عبد المطلب على سقايتهم لنزعت
منها بيدى تم انصرف الى ناحية المسجد قريبا من مقام ابراهيم وكان المقام لا
صقا بالكعبة فأخره رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا صلى الله عليه وسلم
بسجل من ماء فشرب وتوضأ والمسلمون يبتدرون وضوءه ويصبونه على وجوههم
والمشركون ينظرون اليهم ويتعجبون ويقولون ما رأينا ملكا قط بلغ هذا ولا
سمعنا به*
ذكر الاصنام التى كانت فى البيت
وذكر ابن هشام أيضا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل البيت يوم الفتح
فرأى فيه صور الملائكة وغيرهم فرأى ابراهيم مصورا فى يده الازلام يستقسم
بها فقال قاتلهم الله جعلوا شيخنا يستقسم بالازلام ما شأن ابراهيم والازلام
ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً
مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثم أمر بتلك الصور كلها فطمست
(2/85)
* وعن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه
وسلم لما قدم مكة أبى أن يدخل البيت وفيه الالهة فأمر بها فأخرجت وأخرجوا
صورة ابراهيم واسماعيل فى أيديهما الازلام فقال قاتلهم الله لقد علموا
انهما ما استقسما بها قط ثم دخل البيت فكبر فى نواحى البيت ولم يصل وفى
رواية صلى فيه* وفى الاكتفاء عن ابن عباس قال دخل رسول الله صلى الله عليه
وسلم مكة يوم الفتح على راحلته فطاف عليها وحول البيت أصنام مشدودة بالرصاص
فجعل النبىّ صلى الله عليه وسلم يشير بقضيب فى يده الى الاصنام وهو يقول
جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً فما أشار
الى صنم منها فى وجهه الا وقع ذلك الصنم لقفاه ولا أشار لقفاه الا وقع
لوجهه حتى ما بقى منها صنم الا وقع* وفى رواية يشير الى الصنم بقوس فى يده
وهو آخذ بسيتها وهو يقول جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ
كانَ زَهُوقاً وقل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد فيقع الصنم لوجهه
وكان أعظمها هبل وهو وجاه الكعبة حذاء مقام ابراهيم لاصقا بها وقال تميم بن
أسد الخزاعى
وفى الاصنام معتبر وعلم ... لمن يرجو الثواب أو العقابا
* وفى المواهب اللدنية وكان حول البيت ثلثمائة وستون صنما فكلما مرّ صلى
الله عليه وسلم بصنم أشار اليه الخ رواه البيهقى* وفى رواية أبى نعيم قد
أوثقها الشياطين بالرصاص والنحاس* وفى تفسير العلامة ابن النقيب المقدسى ان
الله تعالى أعلمه انه قد أنجزه وعده بالنصر على أعدائه وفتح له مكة وأعلى
كلمته ودينه وأمره اذا دخل مكة أن يقول جاء الحق وزهق الباطل فصار صلى الله
عليه وسلم يطعن الاصنام التى حول الكعبة بمحجنه ويقول جاء الحق وزهق الباطل
فيخر الصنم ساقطا مع انها كلها كانت مثبتة بالحديد والرصاص وكانت ثلثمائة
وستين صنما بعدد أيام السنة قال ابن عباس ولما نزلت الاية يوم الفتح قال
جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم خذ مخصرتك ثم ألقها فجعل
يأتى صنما صنما ويطعن فى عينه أو بطنه بمخصرته ويقول جاء الحق وزهق الباطل
فينكب الصنم لوجهه حتى ألقاها جميعا وبقى صنم خزاعة فوق الكعبة وكان من
قوارير أو صفر وقال يا على ارم به فحمله عليه السّلام حتى صعد ورمى به
وكسره فجعل أهل مكة يتعجبون انتهى كلام المواهب اللدنية* وفى الرياض النضرة
روى عن علىّ أنه قال حين أتينا الكعبة قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم
اجلس فجلست الى جنب الكعبة فصعد على منكبى فذهبت لا نهض به فرأى ضعفا منى
تحته قال لى اجلس فجلست فنزل عنى وجلس لى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال لى اصعد على منكبى فصعدت على منكبيه فنهض بى وانه يخيل الىّ انى لو
شئت لنلت أفق السماء حتى صعدت البيت* وفى شواهد النبوّة سأل رسول الله صلى
الله عليه وسلم عليا حين صعد منكبه كيف تراك قال علىّ أرانى كأن الحجب قد
ارتفعت ويخيل الىّ انى لو شئت لنلت أفق السماء فقال رسول الله طوبى لك تعمل
للحق وطوبى لى أحمل للحق أو كما قال انتهى قال فصعدت البيت وكان عليه تمثال
صفر أو نحاس وهو أكبر أصنامهم وتنحى رسول الله فقال لى ألق صنمهم الاكبر
وكان موتدا على البيت بأوتاد حديد الى الارض فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم ايه ايه عالجه جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ
زَهُوقاً فجعلت أزاوله أو قال أعالجه عن يمينه وعن شماله ومن بين يديه ومن
خلفه حتى اذا استمكنت منه قال لى رسول الله اقذف به فقذفت به فتكسر كما
يتكسر القوارير ثم نزلت وزاد الحاكم فما صعدت حتى الساعة* ويروى انه كان من
قوارير رواه الطبرانى وقال خرجه أحمد ورواه الزرندى والصالحانى ثم ان عليا
أراد أن ينزل فألقى نفسه من صوب الميزاب تأدبا وشفقة على النبىّ صلى الله
عليه وسلم ولما وقع على الارض تبسم فسأله النبىّ صلى الله عليه وسلم عن
تبسمه قال لأنى
(2/86)
ألقيت نفسى من هذا المكان الرفيع وما
أصابنى ألم قال كيف يصيبك ألم وقد رفعك محمد وأنزلك جبريل* ويقال ان واحدا
من الشعراء أشار الى هذه القصة فى هذه الابيات فقال
قيل لى قل فى علىّ مدحا ... ذكره يخمد نارا مؤصده
قلت لا أقدم فى مدح امرئ ... ضل ذو اللب الى أن عبده
والنبىّ المصطفى قال لنا ... ليلة المعراج لما صعده
وضع الله بظهرى يده ... فأحس القلب أن قد برده
وعلىّ واضع أقدامه ... فى محل وضع الله يده
روى ان الزبير بن العوّام قال لأبى سفيان ان هبل الذى كنت تفتخر به يوم أحد
قد كسر قال دعنى ولا توبخنى لو كان مع اله محمد اله آخر لكان الامر غير ذلك
كذا وجد فى روضة الاحباب* وفى رواية فجاء النبىّ صلى الله عليه وسلم الى
مقام ابراهيم فصلى ركعتين ثم جلس ناحية فبعث عليا الى عثمان بن طلحة الحجبى
فى طلب مفتاح الكعبة فأبى دفعه اليه وقال لو علمت انه رسول الله لم أمنعه
منه فلوى علىّ يده وأخذ المفتاح منه قهرا وفتح الباب* وفى شفاء الغرام كلام
الواحدى ان عثمان لم يكن حين أخذ ذلك منه مسلما يخالف ما ذكره العلماء من
انه كان مسلما* قال ابن ظفر فى ينبوع الحياة قوله لو أعلم انه رسول الله لم
أمنعه هذا وهم لانه كان ممن أسلم فلو قال هذا لكان مرتدا* وعن الكلبى لما
طلب عليه الصلاة والسلام المفتاح من عثمان بن طلحة مدّيده اليه فقال العباس
يا رسول الله اجعلها مع السقاية فقبض عثمان يده بالمفتاح فقال له رسول الله
صلى الله عليه وسلم ان كنت يا عثمان تؤمن بالله واليوم الاخر فهاته فقال
عثمان فهاكه بالامانة فأعطاه اياه ونزلت الاية قال ابن ظفر وهذا أولى
بالقبول* وعن عبد الله بن عمر انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يوم
الفتح من أعلا مكة على راحلته مردفا أسامة بن زيد ومعه بلال وعثمان بن طلحة
من الحجبة حتى أناخ بالمسجد فأمره أن يأتى بمفتاح البيت ففتح ودخل معه
أسامة بن زيد وبلال وعثمان ابن طلحة* وفى شفاء الغرام ان النبىّ صلى الله
عليه وسلم دخل الكعبة بعد هجرته أربع مرّات يوم الفتح ويوم ثانى الفتح وفى
حجة الوداع وفى عمرة القضاء وفى كل هذه الدخلات خلاف الا الدخول الذى يوم
فتح مكة* وفى شفاء الغرام طاف النبىّ صلى الله عليه وسلم بالبيت يوم الفتح
يوم الجمعة لعشر بقين من رمضان وفى الاكتفاء وأراد فضالة ابن عمير بن
الملوح الليثى قتل النبىّ صلى الله عليه وسلم وهو بالبيت عام الفتح فلما
دنا منه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضالة قال نعم يا رسول الله قال
ماذا كنت تحدّث نفسك قال لا شئ كنت أذكر الله فضحك النبىّ صلى الله عليه
وسلم ثم قال استغفر الله ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه فكان يقول والله ما
رفع يده عن صدرى حتى ما خلق الله شيئا أحب الىّ منه قال فضالة فرجعت الى
أهلى فمررت بامرأة كنت أتحدّث اليها
قالت هلم الى الحديث فقلت لا ... يأبى عليك الله والاسلام
لو ما رأيت محمدا وقبيله ... بالفتح يوم تكسر الاصنام
لرأيت دين الله أضحى بيننا ... والشرك يغشى وجهه الاظلام
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة عام الفتح بلالا أن يؤذن
وكان دخل معه وأبو سفيان بن حرب وعتاب بن أسيد والحارث بن هشام جلوس بفناء
الكعبة فقال عتاب لقد أكرم الله أسيدا أن لا يكون سمع هذا فيسمع منه ما
يغيظه فقال الحارث أما والله لو أعلم انه محق لا تبعته وقال أبو سفيان لا
أقول شيئا لو تكلمت لأخبرته عنى هذه الحصاة فخرج عليهم النبىّ صلى الله
عليه وسلم فقال
(2/87)
لقد علمت الذى قلتم ثم ذكر ذلك لهم فقال
الحارث وعتاب نشهد انك رسول الله والله ما اطلع على هذا أحد كان معنا فنقول
أخبرك* وفى المواهب اللدنية عن ابن عمر قال أقبل رسول الله صلى الله عليه
وسلم عام الفتح على ناقته القصوى وهو مردف أسامة بن زيد حتى أناخ بفناء
الكعبة ثم دعا عثمان بن طلحة فقال له ائتنى بالمفتاح فذهب الى أمه فأبت أن
تعطيه فقال والله لتعطينه أو ليخرجن هذا السيف من صلبى فأعطته اياه فجاء به
الى النبىّ صلى الله عليه وسلم ففتح به الباب رواه مسلم* وروى الفاكهانى من
طريق ضعيف عن ابن عمر أيضا قال كان بنو طلحة يزعمون انه لا يستطيع فتح
الكعبة أحد غيرهم فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم المفتاح ففتحها وعثمان
المذكور هو عثمان بن طلحة وعثمان هذا لا ولد له وله صحبة ورواية واسم أمّ
عثمان سلافة بضم السين المهملة وتخفيف الفاء* وفى الطبقات لابن سعد عن
عثمان بن طلحة قال كنا نفتح الكعبة فى الجاهلية يوم الاثنين والخميس فأقبل
النبىّ صلى الله عليه وسلم يوما يريد أن يدخل الكعبة مع الناس فأغلظت له
ونلت منه فحلم عنى ثم قال يا عثمان لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدى أضعه
حيث شئت فقلت لقد هلكت قريش يومئذ وذلت فقال بل عمرت وعزت يومئذ ودخل
الكعبة فوقعت كلمته منى موقعا ظننت يومئذ الامر سيصير الى ما قال فلما كان
يوم الفتح قال ائتنى بالمفتاح يا عثمان فأتيته به فأخذه منى ثم دفعه الىّ
وقال خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم الا ظالم يا عثمان ان الله استأمنكم
على بيته فكلوا مما يصل اليكم من هذا البيت بالمعروف كذا فى شفاء الغرام*
قال فلما وليت نادانى فرجعت اليه فقال ألم يكن الذى قلت لك قال فذكرت قوله
لى بمكة قبل الهجرة لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدى أضعه حيث شئت قلت بلى
أشهد انك رسول الله* وفى التفسير ان هذه الاية ان الله يأمركم أن تؤدّوا
الامانات الى أهلها نزلت فى عثمان بن طلحة الحجبى أمره عليه السلام أن يأتى
بمفتاح الكعبة فأبى عليه وأغلق عليه الباب وصعد البيت وقال لو علمت انه
رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أمنعه منه فلوى علىّ يده وأخذ منه المفتاح
وفتح الباب فدخل صلى الله عليه وسلم ولما خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح
وقال بأبى أنت وأمى يا رسول الله اجمع لى السدانة مع السقاية وكان النبىّ
صلى الله عليه وسلم يريد أن يدفعها الى العباس فانزل الله تعالى ان الله
يأمركم أن تؤدّوا الامانات الى أهلها أى سادنها وهو عثمان بن طلحة كذا فى
معالم التنزيل فأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم عليا أن يردّه الى عثمان
ويعتذر اليه وقال قل له خذوها يا بنى طلحة بأمانة الله فاعملوا فيها
بالمعروف خالدة تالدة لا ينزعها منكم أو من أيديكم أو لا يأخذها منكم الا
ظالم فردّها علىّ فلما ردّها قال أكرهت وآذيت ثم حئت ترفق قال علىّ لان
الله أمرنا بردّه عليك كذا فى معالم التنزيل* وفى المواهب اللدنية قال علىّ
لقد أنزل الله فى شأنك وقرأ عليه ان الله يأمركم أن تؤدّوا الامانات الى
أهلها فأتى النبىّ صلى الله عليه وسلم فأسلم كذا فى العمدة* وفى المنتقى ان
اسلام عثمان بن طلحة كان قبل ذلك بالمدينة مع اسلام خالد بن الوليد وعمرو
بن العاص كما مرّ* وفى روضة الاحباب فى هذا الكلام مخالفة بين أهل التفسير
وأهل السير لانه ان كان المراد بعثمان سبط عبد الدار بلا واسطة فأبوه أبو
طلحة لا طلحة وهو باتفاق أهل السير كان صاحب لواء المشركين يوم أحد فقتل فى
ذلك اليوم كما ذكر فى غزوة أحد وان كان المراد به عثمان بن طلحة بن أبى
طلحة بن عبد الدار الذى هو ابن أخى عثمان بن طلحة بن عبد الدار فهو أسلم
قبل فتح مكة* وفى المواهب اللدنية فجاء جبريل عليه السلام فقال ما دام هذا
البيت أو لبنة من لبناته قائمة فان المفتاح والسدانة فى أولاد عثمان وكان
المفتاح معه فلما مات دفعه الى أخيه فالمفتاح والسدانة فى أولادهم الى يوم
القيامة* وفى رواية مسلم دخل صلى الله عليه وسلم يعنى يوم الفتح هو وأسامة
ابن زيد وبلال وعثمان بن طلحة الحجبى فأغلقوا عليهم الباب قال ابن عمر فلما
فنحوا كنت أوّل
(2/88)
من ولج فلقيت بلالا فسألته هل صلى فيه رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال نعم بين العمودين اليمانيين وذهب عنى أن أسأله
كم صلى* وفى رواية جعل العمودين عن يساره وعمودا عن يمينه وثلاثة أعمدة
وراءه وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة وقد بين موسى بن عقبة فى روايته عن
نافع ان بين موقفه صلى الله عليه وسلم وبين الجدار الذى استقبله قريبا من
ثلاثة أذرع وجزم برفع هذه الزيادة مالك عن نافع فقال أخرجه الدار قطنى فى
الغرائب ولفظه وصلى وبينه وبين القبلة ثلاثة أذرع وفى رواية ابن عباس قال
أخبرنى أسامة أنه عليه السلام لما دخل البيت دعا فى نواحيه كلها ولم يصل
فيه حتى خرج فلما خرج ركع فى قبل البيت ركعتين فقال هذه القبلة رواه مسلم*
وأفاد الازرقى فى تاريخ مكة ان خالد بن الوليد كان على باب الكعبة يذب عنه
صلى الله عليه وسلم الناس* وفى شفاء الغرام فخرج عثمان بن طلحة الى هجرته
مع النبىّ صلى الله عليه وسلم الى المدينة وأقام ابن عمه شيبة بن عثمان بن
أبى طلحة مقامه ودفع المفتاح اليه فلم يزل يحجب هو وولده وولد أخيه وهب بن
عثمان حتى قدم عثمان بن طلحة بن أبى طلحة وولد مسافع بن طلحة بن أبى طلحة
من المدينة وكانوا بها دهرا طويلا فلما قدموا حجبوا مع بنى عمهم* وفى
الصفوة قال الواقدى كان عثمان بن طلحة بن أبى طلحة يلى فتح البيت الى أن
توفى فدفع ذلك الى شيبة بن عثمان بن أبى طلحة وهو ابن عمه فبقيت الحجابة فى
ولد شيبة وبقى شيبة حتى أدرك يزيد بن معاوية ودفع السقاية الى العباس وأذن
بلال الظهر فوق ظهر الكعبة وكسرت الاصنام* وفى الاكتفاء وقام رسول الله صلى
الله عليه وسلم حين افتتح مكة على الصفا يدعو وقد أحدقت به الانصار فقالوا
فيما بينهم أترون رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ فتح الله عليه أرضه
وبلده يقيم بها فلما فرغ من دعائه قال ماذا قلتم قالوا لا شئ يا رسول الله
فلم يزل بهم حتى أخبروه فقال معاذ الله المحيا محياكم والممات مماتكم ثم
اجتمع الناس للبيعة فجلس لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا يبايع
الناس وعمر بن الخطاب أسفل منه يأخذ على الناس فبايعوه على السمع والطاعة
فيما استطاعوا* وفى المدارك روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ
يوم فتح مكة من بيعة الرجال أخذ فى بيعة النساء وهو على الصفا وعمر جالس
أسفل منه يبايعهن بأمره ويبلغهن عنه فجاءت هند ابنة عتبة امرأة أبى سفيان
وهى متنكرة خوفا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرفها لما صنعت بحمزة
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا يعكن على أن لا تشركن بالله شيئا
فبايع عمر النساء على أن لا يشركن بالله شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم ولا يسرقن فقالت هند ان أبا سفيان رجل شحيح فان أصبت من ماله هناة
فقال أبو سفيان ما أصبت فهو لك حلال فضحك النبىّ صلى الله عليه وسلم وعرفها
وقال لها وانك لهند فقالت نعم فاعف عما سلف يا نبىّ الله عفا الله عنك فقال
ولا يزنين فقالت أتزنى الحرّة فقال ولا يقتلن أولادهنّ فقالت ربيناهم صغارا
وقتلتهم كبارا فأنتم وهم أعلم وكان ابنها حنظلة بن أبى سفيان قد قتل يوم
بدر فضحك عمر حتى استلقى فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ولا
يأتين ببهتان فقالت والله ان البهتان أمر قبيح وما تأمرنا الا بالرشد
ومكارم الاخلاق فقال ولا يعصينك فى معروف فقالت والله ما جلسنا مجلسنا هذا
وفى أنفسنا أن نعصيك فلما رجعت جعلت تكسر صنمها وتقول كنا منك فى غرور
وستجىء وفاة هند فى الخاتمة فى اوائل خلافة عمرو فى معالم التنزيل قال ابن
اسحاق وكان جميع من شهد فتح مكة من المسلمين عشرة آلاف* وفى شفاء الغرام عن
ابن عباس من بنى سليم سبعمائة وقيل ألف ومن غفار أربعمائة ومن أسلم
أربعمائة ومن مزينة ألف وثلاثة نفر وسائرهم من قريش والانصار وحلفائهم
وطوائف العرب من
بنى تميم وقيس وأسد وفى الاكتفاء وعدت خزاعة الغد من يوم الفتح على رجل من
هذيل يقال له ابن الابوع فقتلوه وهو
(2/89)
مشرك برجل من أسلم يقال له احمر باسا وكان
رجلا شجاعا قتله خراش بن أمية الخزاعى ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه
وسلم ما صنع خراش بن أمية قال ان خراشا لقتال يعنفه بذلك وقام صلى الله
عليه وسلم فى الناس خطيبا وقال يا أيها الناس ان الله قد حرم مكة يوم خلق
السموات والارض فهى حرام بحرمة الله الى يوم القيامة فلا يحلّ لامرئ يؤمن
بالله واليوم الاخر أن يسفك فيها دما وأن يعضد فيها شجرة لم تحل لاحد كان
قبلى ولا تحلّ لاحد يكون بعدى ولم تحلّ لى الا هذه الساعة غضبا على أهلها
ألا قد رجعت كحرمتها بالامس فليبلغ الشاهد منكم الغائب فمن قال لكم ان رسول
الله صلى الله عليه وسلم قد قاتل فيها فقولوا له ان الله قد أحلها لرسوله
ولم يحلها لكم يا معشر خزاعة ارفعوا أيديكم عن القتل فقد كثر القتل لقد
قتلتم قتيلا لأدينه فمن قتل بعد مقامى هذا فأهله بخير النظرين ان شاؤا فدم
قاتله وان شاؤا فعقله ثم ودى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الذى
قتلته خزاعة* وفى المواهب اللدنية فان ترخص أحد فيها بقتال رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقولوا ان الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم وانما احلت لى ساعة
من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالامس فليبلغ الشاهد الغائب* وفى
معالم التنزيل وكان فتح مكة لعشر ليال بقين من رمضان السنة الثامنة من
الهجرة وأقام بمكة بعد فتحها خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة كذا فى البخارى وفى
رواية تسع عشرة* وفى رواية أبى داود سبع عشرة وعند الترمذى ثمان عشرة ليلة
يصلى ركعتين* وفى الاكليل بضع عشرة يقصر الصلاة* قال ابن عباس ونحن نقصر ما
بيننا وبين تسع عشرة فاذا زدنا أتممنا وفى رواية أقام بمكة بقية الشهر وستة
أيام من شوّال ثم خرج الى هوازن وثقيف وقد نزلوا حنينا وسيجئ*
ذكر الرجال الاحد عشر الذين أهدر دمهم يوم فتح
مكة
الاوّل عبد الله بن خطل
روى ان النبى صلى الله عليه وسلم عهد الى أمرائه حين أمرهم أن يدخلوا مكة
أن لا يقاتلوا الا من قاتلهم الا أحد عشر رجلا وست نسوة فانه أمر بقتلهم
أينما ثقفوا من الحلّ والحرم وان وجدوا تحت أستار الكعبة* وفى المواهب
اللدنية وقد جمع الواقدى عن شيوخه أسماء من لم يؤمن يوم الفتح وأمر بقتله
عشرة أنفس ستة رجال وأربع نسوة انتهى* اما الرجال الاحد عشر فواحد منهم عبد
الله بن خطل رجل من تيم بن غالب بن فهر وقد كان قدم المدينة قبل فتح مكة
وأسلم وكان اسمه عبد العزى فغير النبىّ صلى الله عليه وسلم اسمه وسماه عبد
الله وبعثه الى قبيلة مصدّقا وكان معه رجل من أسلم وفى رواية من خزاعة أو
من الروم* وكان يخدمه وأمره أن يصنع له طعاما* وفى المواهب اللدنية كان معه
مولى يخدمه وكان مسلما ونزل منزلا فأمر المولى أن يذبح تيسا ويصنع له طعاما
ونام ثم استيقظ ولم يصنع له شيئا فعدا عليه فقتله ثم ارتدّ وكان له قينتان
تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بقتلهما معه كذا فى معالم
التنزيل ففى يوم فتح مكة استعاذ بالكعبة وتعلق بأستارها واختفى تحتها وحين
كان صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت قيل له يا رسول الله هذا ابن خطل متعلق
بأستار الكعبة فقال اقتلوه فقتلوه فى ذلك المكان وهو آخذ بثياب الكعبة
يتعوّذ بها وفى قاتله اختلاف والصحيح انه أبو برزة الاسلمى وسعيد بن حريث
المخزومى اشتركا فى قتله كذا فى شفاء الغرام*
والثانى عبد الله بن سعد بن أبى سرح
وكان أخا لعثمان بن عفان من الرضاعة وكان أسلم قبل الفتح وكتب لرسول الله
صلى الله عليه وسلم وكان اذا أملى عليه سميعا بصيرا كتب عليما حكيما واذا
قال عليما حكيما كتب غفورا رحيما وكان يفعل أمثال هذه الخيانات حتى صدر عنه
أن قال ان محمد الّا يعلم ما يقول فلما ظهرت خيانته لم يستطع أن يقيم
بالمدينة فارتدّ وهرب الى مكة* وفى شفاء الغرام ارتدّ مشركا الى قريش بمكة
فقال لهم انى كنت أصرف محمدا حيث أريد كان يملى علىّ عزيز حكيم فأقول عليم
كريم فيقول نعم كل صواب* وفى الكشاف ومعالم التنزيل
(2/90)
روى أنّ عبد الله بن أبى سرح كان يكتب
لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى فى سورة المؤمنين ولقد خلقنا الانسان
من سلالة من طين الى قوله ثم أنشأناه خلقا آخر فتعجب عبد الله من تفصيل خلق
الانسان فنطق بقوله فتبارك الله أحسن الخالقين قبل املائه فقال له رسول
الله صلى الله عليه وسلم اكتب هكذا نزلت فقال عبد الله ان كان محمد نبيا
يوحى اليه فأنا نبىّ يوحى الىّ فلحق بمكة كافرا ثم أسلم يوم الفتح* وفى
شفاء الغرام يوم فتح مكة فزع الى عثمان بن عفان فقال يا أخى استأمن لى
النبىّ صلى الله عليه وسلم فانه ان رآنى بغتة يضرب عنقى فانّ جرمى عظيم
وأنا الان تائب الى الله عز وجلّ فأدخله عثمان فى منزله حتى هدأ الناس
واطمأنوا فاستأمن له ثم أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم يشفع له عنده
وكان رجل من الانصار نذر ان رأى عبد الله بن سعد بن أبى سرح قتله فلما بصر
به الانصارى احتمل السيف على عاتقه وخرج فى طلبه فوجده فى حلقة النبىّ صلى
الله عليه وسلم فهاب قتله فجعل يتردّد ويكره أن يقدم على قتله فى حلقة
النبى صلى الله عليه وسلم فبالغ عثمان فى شفاعته ثم قال بعد ما أعرض عنه
النبىّ صلى الله عليه وسلم مرارا يا رسول الله أمّته فصبر رسول الله صلى
الله عليه وسلم وصمت طويلا ثم قال نعم فبسط يده فبايعه فلما خرج عثمان وعبد
الله قال النبىّ صلى الله عليه وسلم لمن حوله من أصحابه لقد صمت ليقوم اليه
بعضكم ويضرب عنقه ثم قال للانصارى انتظرتك أن توفى بنذرك قال يا رسول الله
هبتك أفلا أو مضت الىّ قال انه ليس لنبىّ أن يومض* وفى رواية لا ينبغى
لنبىّ أن تكون له خائنة الاعين قيل انّ ذلك الانصارى عباد بن بشر* وفى
معالم التنزيل رجع عبد الله الى الاسلام قبل فتح مكة اذ نزل النبىّ صلى
الله عليه وسلم بمرّ الظهران وكان عبد الله اذا رأى النبىّ صلى الله عليه
وسلم يختفى فأخبر النبى صلى الله عليه وسلم بذلك عثمان فتبسم وقال أما
بايعته وأمنته قال بلى ولكن يذكر جرمه العظيم فيستحيى منك قال الاسلام يجب
ما كان قبله فأخبر عثمان عبد الله بن أبى سرح بقول النبىّ صلى الله عليه
وسلم فبعد ذلك اذا جاءته صلى الله عليه وسلم جماعة يجىء عبد الله فيهم
ويسلم عليه* وفى شفاء الغرام وكان عبد الله بن أبى سرح فارس بنى عامر بن
لؤى معدودا فيهم وهو أحد النجباء العقلاء الكرام من قريش وكان مجاب الدعوة
وله فى ذلك خبر غريب وذلك أنّ عبد الله لما عاد من المدينة من عند عثمان
مضى الى عسقلان وقيل الى الرملة ودعا ربه أن يجعل خاتمة عمله صلاة الصبح
فتوضأ ثم صلى وقرأ فى الركعة الاولى بأمّ القرآن والعاديات وفى الركعة
الثانية بأمّ القرآن وسورة ثم سلم عن يمينه وذهب يسلم عن يساره فقبض الله
روحه على ما ذكر يزيد ابن حبيب وغيره فيما حكاه ابن عبد البرّ فى الاستيعاب
وذكر ابن عبد البرّ انه لم يبايع لعلىّ ولا لمعاوية وانه توفى سنة ست أو
سبع وثلاثين*
الثالث عكرمة بن أبى جهل
واسم أبى جهل عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم* وفى
الصفوة عن أبى مليكة قال لما كان يوم الفتح ركب عكرمة بن أبى جهل الى البحر
هاربا فخب بهم فجعل الصرارى والملاحون ومن فى السفينة يدعون الله ويوحدونه
قال ما هذا قالوا هذا مكان لا ينفع فيه الا الله* وفى رواية جاء ملاح الى
عكرمة وقال له أخلص العمل قال ماذا أقول قال قل لا اله الا الله فانّ هذا
مكان لا ينفع فيه الا الله قال عكرمة فهذا اله محمد الذى يدعونا اليه
فارجعوا بنا فرجع فأسلم وقيل وقع بصره على دفة السفينة فرأى عليها مكتوبا
وكذب به قومك وهو الحق وكان معه محك فأراد أن يمحو به تلك الكنابة فلم
يستطع فعلم أنه كلام الحق جلّ وعلا فوقع فى باطنه تغير وقد كانت امرأته أمّ
حكيم بنت الحارث بن هشام امرأة عاقلة أسلمت قبله وفى المشكاة وهرب زوجها من
الاسلام حتى قدم اليمن فسافرت أمّ حكيم حتى قدمت عليه اليمن فدعته الى
الاسلام فأسلم وثبتا على نكاحهما رواه مالك عن ابن شهاب مرسلا انتهى
فاستأمنت له
(2/91)
من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمّنه
فخرجت فى طلبه لتبلغه خبر الامان فلما بلغت ساحل البحر رأت زوجها عكرمة
راكب السفينة فربطت مقنعها على رأس خشب فأرسى أهل السفينة فجلست فى زورق
حتى أتت زوجها وقالت يا عكرمة ويا ابن عمّ جئتك من عند أوصل الناس وأبرّ
الناس وخير الناس لا تهلك نفسك فقد استأمنته لك فأمّنك فقال أنت فعلت ذلك
قالت نعم انا كلمته فأمّنك فرجع عكرمة مع امرأته الى مكة فبينما هما يسيران
فى الطريق اذ مال عكرمة اليها وطلب منها الخلوة فأبت أن تمكنه منها وقالت
لا حتى تسلم وأمّا أنا الان فمسلمة وأنت كافر والاسلام حائل بينى وبينك
فلما بلغا قريبا من مكة قال النبىّ صلى الله عليه وسلم لاصحابه يأتيكم
عكرمة بن أبى جهل مؤمنا فلا تسبوا أباه فانّ سب الميت يؤذى الحىّ ولا يلحق
الميت فانتهى عكرمة مع امرأته الى باب النبىّ صلى الله عليه وسلم وامرأته
منتقبة فاستأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت وأخبرته بقدوم
عكرمة فاستبشر النبىّ صلى الله عليه وسلم ووثب قائما على قدميه فرحا بقدومه
وقال لها أدخليه فدخل فلما رآه قال مرحبا بالراكب المهاجر ثم جلس النبىّ
صلى الله عليه وسلم وجاء عكرمة حتى وقف بحذائه وقال يا محمد انّ هذه
أخبرتنى انك أمنتنى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقت فانك آمن* فقال
عكرمة أشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له وأنك عبد الله ورسوله وطأطأ
رأسه من الحياء وقال أنت أبرّ الناس وأو فى الناس فقال النبىّ صلى الله
عليه وسلم يا عكرمة ما تسألنى شيئا أقدر عليه الا أعطيتكه قال استغفرلى كل
عداوة عاديتكها أو مركب وضعت فيه أريد به اطهار الشرك فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم اللهم اغفر لعكرمة كل عداوة عادانيها أو منطق تكلم به أو
مركب وضع فيه يريد أن يصدّ عن سبيلك فقال يا رسول الله مرنى بخير ما تعلم
فأعمله قال قل أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله وجاهد
فى سبيله ثم قال عكرمة أما والله ما تركت نفقة كنت أنفقها فى صدّ عن سبيل
الله الا أنفقت ضعفيها فى سبيل الله ولا قتالا كنت أقاتل فى صدّعن سبيل
الله الا أنكيت ضعفه فى سبيل الله وكان عكرمة وامرأته أمّ حكيم على نكاحهما
الاوّل وقد أسلمت امرأته قبله واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم عام
حج على هوازن يصدقها ثم اجتهد فى القتال حتى قتل شهيدا يوم اليرموك
بأجنادين فى خلافة أبى بكر الصدّيق رضى الله عنه فوجدوا فيه بضعا وسبعين من
بين ضربة وطعنة ورمية كذا فى الصفوة*
الرابع حويرث بن نقيد ابن وهب بن عبد قصى
وهو كثيرا ما كان يؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ويهجوه* وفى شفاء
الغرام الحويرث بن نقيد الذى نخس بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين أدركها هو وهبار بن الاسود فسقطت عن دابتها وألقت جنينا* وفى الاكتفاء
ولما حمل العباس بن عبد المطلب فاطمة وأمّ كلثوم ابنتى رسول الله صلى الله
عليه وسلم من مكة يريد بهما المدينة نخس بهما الحويرث هذا فرمى بهما الى
الارض فقتله يوم الفتح على بن أبى طالب انتهى ويوم الفتح لما سمع ان رسول
الله صلى الله عليه وسلم أهدر دمه أغلق بابه واستتر فى بيته فجاء علىّ بن
أبى طالب الى بابه يطلبه ويسأل عنه فقيل له قد خرج الى البادية فعلم حويرث
أنّ المسلمين يطلبونه فمكث حتى ذهب علىّ عن بابه فخرج من بيته وأراد أن
ينتقل الى مكان آخر متنكرا فصادفه علىّ فضرب عنقه*
الخامس المقيس بن صبابة الكندى
الخامس المقيس بكسر الميم وسكون القاف وفتح المثناة التحتية وآخره سين
مهملة هو ابن صبابة الكندى بالصاد المهملة المضمومة وبالموحدتين الاولى
خفيفة كذا فى المواهب اللدنية وجرمه انّ أخاه هشام بن صبابة قدم المدينة
وأسلم وكان مع النبىّ صلى الله عليه وسلم فى غزوة المريسيع فظنّ انصارى من
بنى عمرو بن عوف أنه مشرك فقتله خطأ فقدم مقيس المدينة يطلب دم أخيه فأمر
النبىّ صلى الله عليه وسلم الانصارى بالدية فعقل
(2/92)
دية فأسلم مقيس وبعد ما أخذ الدية قتل
الانصارى وارتدّ ورجع الى مكة مشركا كما مرّ وفى يوم الفتح كان يشرب الخمر
فى ناحية مع جماعة من المشركين فأخبر نميلة بن عبد الله الليثى وهو رجل من
قومه بحاله فذهب اليه فقتله كذا فى معالم التنزيل فى تفسير سورة الفتح وذكر
فى موضع آخر منه أنّ مقيس بن صبابة الكندى كان قد أسلم هو وأخوه هشام فوجد
أخاه هشاما قتيلا فى بنى النجار فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر
ذلك له فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه رجلا من بنى فهر الى بنى
النجار انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم ان علمتم قاتل هشام بن
صبابة ادفعوه الى مقيس فيقتص منه وان لم تعلموا ادفعوا اليه ديته فأبلغهم
الفهرى ذلك فقالوا سمعا وطاعة لله ولرسوله والله ما نعلم له قاتلا لكنا
نعطى ديته فأعطوه مائة من الابل وانصرفا راجعين نحو المدينة فأتى الشيطان
مقيسا فوسوس اليه فقال تقبل دية أخيك فتكون عليك مسبة اقتل الذى معك فتكون
نفس بنفس وفضل الدية فتغفل الفهرى فرماه بصخرة فشدخه ثم ركب بعيرا وساق
بقيتها راجعا الى مكة كافرا فنزلت هذه الاية ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه
جهنم خالدا فيها وهو الذى استثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح
مكة ممن أمّنه فقتل وهو متعلق باستار الكعبة* وفى شفاء الغرام امّا مقيس
فقتل عند الردم وهو ردم بنى جمح الذى قيل انّ النبىّ صلى الله عليه وسلم
ولد فيه وليس الردم الذى هو بأعلا مكة لانه لم يكن الا فى خلافة عمر عمله
صونا للمسجد من السيل حين ذهب بالمقام*
السادس هبار بن الاسود
وكان كثيرا ما يؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن جملة أذيته أنّ أبا
العاص بن الربيع حين خلص من الاسر يوم بدر رجع الى مكة وأرسل زينب بنت رسول
الله صلى الله عليه وسلم كما شرط مع النبىّ صلى الله عليه وسلم يوم بدر
فعرض هبار مع جماعة لطريق زينب ومنعها وضرب زينب بالرمح فسقطت من الابل
وكانت حاملا فألقت حملها ومرضت وماتت بهذا المرض فغضب عليه النبىّ صلى الله
عليه وسلم غضبا شديدا وأهدر دمه حتى بعث مرّة سرية الى نواحى مكة فقال لاهل
السرية ان ظفرتم بهبار فاحرقوه ثم قال انما يعذب بالنار رب النار ان ظفرتم
به فاقطعوا يده ورجله ثم اقتلوه وفى يوم الفتح أى فتح مكة اختفى ولم يدر
مكانه ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة جاء هبار رافعا
صوته وقال يا محمد أنا جئت مقرّا بالاسلام وقد كنت قبل هذا مخذولا ضالا
والان قد هدانى الله للاسلام وأنا أشهد أن لا اله الا الله وأنّ محمدا عبده
ورسوله واعتذر اليه معترفا بذنبه مظهر الحجالته فقبل النبىّ صلى الله عليه
وسلم اسلامه وقال يا هبار عفوت عنك والاسلام يجب ما كان قبله أو كما قال*
السابع صفوان بن أمية
ولما علم انّ النبىّ صلى الله عليه وسلم أهدر دمه يوم فتح مكة هرب مع عبد
له اسمه يسار الى جدّة يريد أن يركب منها الى اليمن فقال عمير بن وهب
الجمحى يا نبىّ الله انّ صفوان بن أمية سيد قومى وقد خرج هاربا منك ليقذف
نفسه فى البحر فأمنه عليك قال هو آمن قال يا رسول الله أعطنى شيئا يعرف به
أمانك فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمامته التى دخل بها مكة وفى
المشكاة فبعث اليه ابن عمه وهب بن عمير برداء رسول الله صلى الله عليه وسلم
أمانا لصفوان انتهى* فخرج بها عمير حتى أدركه بجدّة وهو يريد أن يركب البحر
فقال يا صفوان فداك أبى وأمى اذكر الله فى نفسك أن تهلكها فهذا أمان رسول
الله صلى الله عليه وسلم قد جئتك عدة فقال ويلك اعزب عنى فلا يكلمه فقال أى
صفوان فداك أبى وأمى أفضل الناس وأبرّ الناس وخير الناس ابن عمك وعزه عزك
وشرفه شرفك وملكه ملكك قال فانى أخاف على نفسى قال هو أحلم من ذلك وأكرم
فرجع معه حتى وقف به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صفوان هذا يزعم
أنك أمنتنى قال صدق قال فاجعلنى فى أمرى بالخيار شهرين قال أنت فيه بالخيار
أربعة أشهر كذا فى معالم التنزيل فلما خرج النبىّ صلى الله عليه وسلم الى
حنين وهوازن كان صفوان مع كفره رفيقه
(2/93)
واستعار منه النبىّ صلى الله عليه وسلم
مائة درع قال صفوان اغصبايا محمد فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم بل عارية
مضمونة وسيجىء وحين قفل النبىّ صلى الله عليه وسلم من الطائف الى الجعرانة
مرّ مع صفوان على شعب مملوء من الابل والغنم وسائر أنعام الغنيمة وكان
صفوان يحدّ النظر الى تلك الاموال ولم يرفع بصره منها وكان النبىّ صلى الله
عليه وسلم يلاحظه فقال يا أبا وهب أتعجبك هذه قال نعم قال وهبتها لك كلها
فقال صفوان ما طابت نفس أحد بمثل هذا الانفس نبىّ فأسلم هناك*
الثامن حارث بن طلاطلة
وهو من جملة مؤذى النبىّ صلى الله عليه وسلم وفى يوم فتح مكة قتله على بن
أبى طالب*
التاسع كعب بن زهير بن أبى سلمى المزنى الشاعر
صاحب بانت سعاد القصيدة المشهورة وكان يهجو النبىّ صلى الله عليه وسلم فجاء
وهو جالس فى المسجد فدخل وأسلم وأنشأ قصيدته التى أوّلها بانت سعاد فقلبى
اليوم متبول* فلما بلغ الى قوله
انّ الرسول لسيف يستضاء به ... مهند من سيوف الله مسلول
أنبئت أنّ رسول الله أوعدنى ... والعفو عند رسول الله مأمول
قال النبىّ صلى الله عليه وسلم اسمعوا ما يقول وقيل فرح النبىّ صلى الله
عليه وسلم وكساه بردا جائزة له وكان اسلام كعب فى السنة التاسعة كما سيجىء
فيها*
العاشر وحشى بن حرب
قاتل حمزة وكان كثير من المسلمين حريصا على قتله ويوم فتح مكة هرب الى
الطائف وأقام هناك الى زمان قدوم وفد الطائف الى النبىّ صلى الله عليه وسلم
فجاء معهم ودخل عليه وقال أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أنّ محمدا رسول
الله فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم أنت وحشىّ قال نعم قال أأنت قتلت حمزة
قال قد كان من الامر ما بلغك يا رسول الله قال اجلس واحك لى كيف قتلته ولما
قص عليه قصة قتله قال أما تستطيع أن تغيب وجهك عنى وكان وحشى بعد ذلك اذا
رأى النبىّ صلى الله عليه وسلم يفرّ منه ويختفى*
الحادى عشر عبد الله بن الزبعرى
وكان من شعراء العرب وكان يهجو أصحاب النبىّ صلى الله عليه وسلم ويحرض
المشركين على قتالهم ويوم الفتح لما سمع أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم
أهدر دمه هرب الى نجران وسكنها وبعد مدّة وقع الاسلام فى قلبه فأتى النبىّ
صلى الله عليه وسلم فلما رآه من بعيد قال هذا ابن الزبعرى ولما دنا منه قال
السلام عليك يا رسول الله أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أنك رسول الله*
ذكر النساء اللاتى أهدر النبىّ دماءهنّ يوم الفتح
أولاهنّ هند بنت عتبة امرأة أبى سفيان
وأمّا النساء الست اللاتى أهدر النبىّ صلى الله عليه وسلم دماءهنّ يوم
الفتح فاحداهنّ هند بنت عتبة وهى امراة أبى سفيان أم معاوية وايذاؤها
للنبىّ صلى الله عليه وسلم مشهور ويوم أحد مثلت بحمزة ومضغت كبده وبعد ما
فتحت مكة جاءت الى النبىّ صلى الله عليه وسلم متنكرة متنقبة فى النساء حين
يبايع النساء على الصفا فأسلمت وقد سبق ذكرها*
! الثانية والثالثة قريبة والفرتنا الرابعة
مولاة بنى خطل والخامسة مولاة بنى عبد المطلب
الثانية والثالثة قريبة بالقاف والموحدة مصغرا والفرتنا بالفاء المفتوحة
والراء المهملة الساكنة والمثناة الفوقية والنون كذا صححه القسطلانى فى
المواهب اللدنية وهما فتيتان قينتان أى مغنيتان لابن خطل وكانتا تغنيان
بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بقتلهما مع ابن خطل فأمّا قريبة
فقتلت مصلوبة وأمّا فرتنا ففرّت حتى استؤمن لها من رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأمنها فامنت وذكر السهيلى أنّ اسم قينتى ابن خطل فرتنا وسارة وهذا
يخالف ما ذكره ابن سيد الناس اليعمرى من ان اسم احداهما قريبة والآخرى
فرتنا كما سبق ذكرهما كذا فى شفاء الغرام* الرابعة مولاة بنى خطل وقتلت يوم
الفتح* الخامسة مولاة بنى عبد المطلب* وفى شفاء الغرام مولاة عمرو بنى صيفى
بن هاشم انتهى وهى التى حملت كتاب حاطب بن أبى بلتعة من المدينة ذاهبة الى
مكة الى قريش وكانت تؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وتغيبت يوم
الفتح حتى استؤمن لها فعاشت حتى أوطأها رجل فرساله فى زمن عمر بن الخطاب
بالابطح فقتلها ونقل الحميدى أنها قتلت* وفى فتح البارى فى شرح صحيح
البخارى أنها أسلمت والله أعلم* وفى المدارك روى أنّ رسول الله صلى الله
عليه
(2/94)
وسلم أمّن جميع الناس يوم الفتح الا أربعة
هى أحدهم*
السادسة أمّ سعد أرنب
فقتلت* وفى رمضان هذه السنة أسلم أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس
وكان اسلامه قبيل الفتح بمرّ الظهران حين نزله النبىّ صلى الله عليه وسلم
وقد مرّ وستجىء وفاته فى الخاتمة فى خلافة عثمان*
إسلام أبي قحافة والد أبى بكر
وفى رمضان هذه السنة يوم الفتح أسلم أبو قحافة والد أبى بكر رضى الله عنهما
روى أنّ أبا بكر لما جاء الى النبىّ صلى الله عليه وسلم بأبيه أبى قحافة
ليسلم قال له النبىّ صلى الله عليه وسلم لم عنيت الشيخ ألا تركته حتى أكون
أنا آتيه فى منزله فقال أبو بكر بأبى انت وأمى هو أولى أن يأتى رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقد سبق وكانت امرأة أبى قحافة أمّ الخير أمّ أبى بكر
قد أسلمت قديما فى السنة السادسة من النبوّة كما سبق فيها واسم أبى قحافة
عثمان بن عامر توفى فى السنة الرابعة عشر من الهجرة فى خلافة عمر بعد وفاة
أبى بكر رضى الله عنه بسنة وكان ابن سبع وتسعين سنة وورث حصته السدس من
تركة أبى بكر فردّه الى أولاده وليس فى الاسلام والد خليفة تأخرت وفاته عن
وفاة ابنه الخليفة وورث منه غير أبى قحافة* وعن جابر قال أتى بأبى قحافة
يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغام بياضا قال النبىّ صلى الله عليه وسلم
غيروا هذا بشئ واجتنبوا السواد رواه مسلم* وعن النبىّ صلى الله عليه وسلم
قال يكون قوم فى آخر الزمان يخضبون بهذا السواد كحواصل الحمام لا يجدون
رائحة الجنة رواه أبو داود والنسائى كذا فى المشكاة*
إسلام حكيم بن حزام
وفى هذه السنة أيام فتح مكة أسلم حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد
العزى ويكنى أبا خالد وعن أمّ مصعب بن عثمان قالت دخلت أمّ حكيم بن حزام
الكعبة مع نسوة من قريش وهى حامل متم بحكيم بن حزام فضربها المخاض فى
الكعبة فأتيت بنطع حيث أعجلتها الولادة فولدت حكيم بن حزام فى الكعبة على
النطع وكان حكيم من سادات قريش ووجوهها فى الجاهلية والاسلام* وعن مصعب بن
عبد الله قال جاء الاسلام ودار الندوة بيد حكيم بن حزام فباعها بعد من
معاوية بن أبى سفيان بمائة ألف درهم فقال له عبد الله بن الزبير بعت مكرمة
قريش فقال حكيم ذهبت المكارم الا التقوى يا ابن أخى انى اشتريت بها دارا فى
الجنة أشهدك انى جعلتها فى سبيل الله عز وجل* وعن أبى بكر بن ابى سليمان
قال حج حكيم بن حزام معه مائة بدنة قد أهداها وجللها الحبرة وكفها عن
أعجازها ووقف مائة وصيف يوم عرفة وفى أعناقهم أطواق الفضة نقش فى رؤسها
عتقاء الله عن حكيم بن حزام وأعتقهم وأهدى ألف شاة* وعن هشام بن عروة عن
أبيه ان حكيم بن حزام أعتق فى الجاهلية مائة رقبة وفى الاسلام مائة رقبة
وحمل على مائة بعير قال حكيم نجوت يوم بدر ويوم أحد فلما غزا النبىّ صلى
الله عليه وسلم مكة خرجت أنا وأبو سفيان نستروح الخبر فلقى العباس أبا
سفيان فذهب به الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فرجعت ودخلت بيتى فأغلقته
علىّ ودخل النبىّ صلى الله عليه وسلم مكة فأمّن الناس فجئته فأسلمت وخرجت
معه الى حنين* وعن محمد بن عمر قال قدم حكيم ابن حزام المدينة ونزلها وبنى
بها دارا ومات بها سنة أربع وخمسين وهو ابن مائة وعشرين سنة كذا فى الصفوة
وسيجىء فى الخاتمة* وفى هذه السنة أسلم عكرمة بن أبى جهل وقد مرّ كيفية
اسلامه
* سرية خالد بن الوليد الى العزى
وفى هذه السنة عقب فتح مكة فى خمس وعشرين ليلة من شهر رمضان بعث خالد بن
الوليد فى ثلاثين رجلا الى العزى بنخلة*
ذكر منشأ اتخاذ الاصنام
وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق ويزعمون ان أوّل ما كانت عبادة الاحجار فى
بنى اسماعيل انه كان لا يظعن من مكة ظاعن منهم حين ضاقت عليهم والتمسوا
الفسح فى البلاد الاحمل معه حجرا من حجارة الحرم تعظيما للحرم فحيثما نزلوا
وضعوه وطافوا به كطوافهم بالكعبة حتى اشتهر ذلك فيهم الى ان كانوا يعبدون
ما استحسنوا من الحجارة وأعجبهم حتى خلفت الخلوف ونسوا ما كانوا عليه
واستبدلوا بدين ابراهيم واسماعيل غيره فعبدوا الاوثان وصاروا الى ما كانت
عليه
(2/95)
الامم السابقة من الضلالات ومنهم على ذلك
بقايا من عهد ابراهيم عليه السلام يتمسكون بها من تعظيم البيت والطواف به
والحج والعمرة مع ادخالهم فيه ما ليس منه فكانت كنانة وقريش اذا أهلوا
قالوا لبيك اللهمّ لبيك لا شريك لك الا شريك هو لك تملكه وما ملك فيوحدونه
بالتلبية ثم يدخلون معه أصنامهم ويجعلون ملكها بيده بقول الله تعالى وما
يؤمن أكثرهم بالله الا وهم مشركون وقد كان لقوم نوح أصنام قد عكفوا عليها
قال الله تعالى لا تذرنّ الهتكم ولا تذرنّ ودّا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق
ونسرا فكان الذين اتخذوا تلك الاصنام من ولد اسماعيل وغيرهم وسموا بأسمائها
حين فارقوا دين اسماعيل هذيل بن مدركة بن الياس بن مضر اتخذوا سواعا فكان
لهم برهاط وكلب ابن وبرة من قضاعة اتخذوا ودّا بدومة الجندل وأنعم من طى
وأهل جرش من مذحج اتخذوا يغوث بجرش وحيوان بطن من همدان اتخذوا يعوق بأرض
همدان من اليمن وذو الكلاع من حمير اتخذوا نسرا بأرض حمير وكانت قريش قد
اتخذوا صنما على بئر فى جوف الكعبة يقال له هبل واتخذوا اسافا ونائلة فى
موضع زمزم ينحرون عندهما وكان اساف ونائلة رجلا وامرأة من جرهم هو اساف بن
بغى ونائلة بنت ديك فوقع اساف على نائلة فى الكعبة فمسخهما الله تعالى
حجرين وكانت اللات لثقيف بالطائف وكانت سدنتها وحجابها بنى معتب من ثقيف
وكانت مناة للاوس والخزرج ومن دان بدينهم من أهل يثرب على البحر من ناحية
المشلل بقديد هذا ما فى سيرة ابن هشام* وفى أنوار التنزيل والمدارك العزى
سمرة وأصلها تأنيث الاعز* وفى المنتقى العزى كانت بنخلة لقريش وجميع بنى
كنانة وكانت أعظم أصنامهم وسدنتها بنو شيبان وقد اختلفوا فى العزى على
ثلاثة أقوال أحدها انها كانت شجرة لغطفان يعبدونها قاله مجاهد والثانى انها
صنم قاله الضحاك والثالث انها بيت فى الطائف كانت تعبده ثقيف قاله ابن زيد*
وفى معالم التنزيل العزى صنم اشتقوا لها اسما من العزيز فبعث رسول الله صلى
الله عليه وسلم خالد بن الوليد ليقطعها فجعل خالد يضربها بالفأس ويقول يا
عزى كفرانك لا سبحانك انى رأيت الله قد أهانك فخرجت منها شيطانه ناشرة
شعرها داعية ويلها واضعة يدها على رأسها ويقال ان خالد ارجع الى النبىّ صلى
الله عليه وسلم وقال له قد قلعتها قال هل رأيت شيئا قال لا قال ما قلعت*
وفى رواية قال انك لم تهدمها فارجع اليها فاهدمها فعاد اليها خالد متغيظا
ومعه المعول فقلعها واستأصلها فخرجت منها امرأة عجوز عريانة سوداء ثائرة
الرأس فجعل السادن يصيح فسلّ خالد سيفه فضربها فقتلها وجزها باثنتين ثم رجع
الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فقال نعم تلك العزى ولن تعبد
أبدا* وفى رواية وقد يئست أن تعبد ببلادكم أبدا وقال الضحاك كان أصل وضع
العزى لغطفان أن سعد بن ظالم الغطفانى قدم مكة ورأى الصفا والمروة ورأى أهل
مكة يطوفون بينهما فعاد الى بطن نخلة وقال لقومه ان لاهل مكة الصفا والمروة
وليسا لكم ولهم اله يعبدونه وليس لكم قالوا فما تأمرنا قال أنا أصنع لكم
كذلك فأخذ حجرا من الصفا وحجرا من المروة ونقلهما الى نخلة فوضع الذى اخذ
من الصفا فقال هذا الصفا ووضع الذى أخذ من المروة فقال هذه المروة ثم أخذ
ثلاثة أحجار فأسندها الى شجرة فقال هذا ربكم فجعلوا يطوفون بين الحجرين
ويعبدون الحجارة الثلاثة وسموها العزى حتى افتتح رسول الله صلى الله عليه
وسلم مكة فأمر برفع الحجارة وبعث خالد بن الوليد الى العزى فقطعها*
بعث عمرو بن العاص الى سواع
وفى رمضان هذه السنة بعث عمرو بن العاص الى تخريب سواع وهو صنم لهذيل على
ثلاثة أميال من مكة قال عمرو فانتهيت اليه وعنده السادن فقال ما تريد فقلت
أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهدمه قال لا تقدر قلت لم قال تمنع
قلت ويحك هل يسمع أو يبصر فكسرته فأمرت أصحابى فهدموا بيت خزانته ثم قلت
للسادن كيف
(2/96)
رأيت قال أسلمت لله رب العالمين* وفى مزيل
الخفا روى انه كان لادم عليه السلام خمس بنين يسمون نسرا وودّا وسواعا
ويغوث ويعوق وكانوا عبادا فماتوا فحزن أهل عصرهم عليهم فصوّر لهم ابليس
أمثالهم من صفر ونحاس ليستأنسوا بهم فجعلوها فى مؤخر المسجد فلما هلك أهل
ذلك العصر قال ابليس لاولادهم هذه آلهة آبائكم فعبدوها بعدهم ثم ان الطوفان
دفنها فأخرجها اللعين للعرب فكانت ودّ لكلب بدومة الجندل وسواع لهذيل بساحل
البحر ويغوث لغطفان من مراد ثم لبنى غطيف بالحوف وفى القاموس غطيف كزبير
حىّ من العرب أو قوم بالشام والحوف موضع بأرض مراد ويعوق لهمدان ونسر لذى
الكلاع وحمير* وفى المدارك ودّ صنم على صورة رجل وسواع على صورة امرأة
ويغوث على صورة أسد ويعوق على صورة فرس ونسر على صورة نسر* ويروى ان سواعا
لهمدان ويغوث لمذحج ويعوق لمراد كذا فى معالم التنزيل وأنوار التنزيل
والمدارك* وفى معالم التنزيل كانت للعرب أصنام أخر فاللات كانت لثقيف
اشتقوا لها اسما من أسماء الله تعالى* قال قتادة كانت اللات بالطائف وقال
ابن زيد بيت بنخلة لقريش تعبده قال ابن عباس ومجاهد وأبو صالح بتشديد التاء
وقالوا كان رجلا يلت السويق للحاج فلما مات عكفوا على قبره يعبدونه وكان
ببطن نخلة* وفى القاموس سمى بالذى يلت السويق بالسمن ثم خفف والعزى لسليم
وغطفان وجشم ومناة لخزاعة وكانت بقديد قاله قتادة وقالت عائشة رضى الله
عنها فى الانصار من كانوا يهلون لمناة وكانت حذو قديد وقال ابن زيد بيت
بالمشلل يعبده بنو بكر وقال الضحاك مناة صنم لهذيل وخزاعة يعبدها أهل مكة
وقال بعضهم اللات والعزى ومناة أصنام من حجارة وكانت فى جوف الكعبة
يعبدونها واساف ونائلة وهبل لاهل مكة*
بعث سعد بن زيد الى مناة
وفى رمضان هذه السنة حين فتح مكة بعث سعد ابن زيد الاشهلى الى مناة صنم
للاوس والخزرج ومن دان بدينهم من أهل يثرب على البحر من المشلل بقديد كذا
فى سيرة ابن هشام* وفى القاموس مشلل كمعظم جبل يهبط منه الى قديد وفى خلاصة
الوفاثنية تشرف على قديد كان بها مناة الطاغية وفى أنوار التنزيل* هى صخرة
كانت لهذيل وخزاعة وثقيف وهى فعلة من مناه اذا قطعه فانهم كانوا يذبحون
عندها القرابين ومنه منى فخرج سعد فى عشرين فارسا حتى انتهى اليها قال
السادن ما تريد قال هدمها قال أنت وذاك فأقبل سعد يمشى اليها فخرجت منه
امرأة عريانة سوداء ثائرة الرأس تدعو بالويل وتضرب صدرها فضربها سعد بن زيد
فقتلها وانتقل الى الصنم ومعه أصحابه فهدموه وانصرفوا راجعين الى النبىّ
صلى الله عليه وسلم
* بعث خالد بن الوليد الى بنى جذيمة
وفى شوّال هذه السنة بعث خالد بن الوليد الى بنى جذيمة وهم قبيلة من عبد
القيس أسفل مكة بناحية يلملم وهو يوم الغميصاء بعثه عليه السلام لما رجع من
هدم العزى وهو صلى الله عليه وسلم مقيم بمكة وبعث معه ثلثمائة وخمسين رجلا
داعيا الى الاسلام لا مقاتلا فلما انتهى اليهم خالد قال لهم ما أنتم قالوا
مسلمون صلينا وصدّقنا بمحمد وبنينا المساجد فى ساحاتنا* وفى صحيح البخارى
بعث النبى صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد الى بنى جذيمة فدعاهم الى
الاسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا فجعل خالد
يقتلهم ويأسرهم ودفع الى كل رجل ممن كان معه أسيره فأمر يوما أن يقتل كل
رجل أسيره فأبى ابن عمرو أصحابه حتى قدموا على النبىّ صلى الله عليه وسلم
فذكّروا له ذلك فرفع النبىّ صلى الله عليه وسلم يديه وقال اللهمّ انى أبرأ
اليك مما صنع خالد مرّتين* وفى المواهب اللدنية فقال لهم استأسروا فأسر
القوم فأمر بعضهم فكتف بعضا وفرّقهم فى أصحابه فلما كان السحر نادى منادى
خالد من كان معه أسير فليقتله فقتلت بنو سليم من كان بأيديهم وأما
المهاجرون والانصار فأرسلوا أساراهم فبلغ ذلك النبىّ صلى الله عليه وسلم
فقال اللهمّ انى أبرأ اليك من فعل خالد وبعث عليا فودى
(2/97)
لهم قتلاهم قال الخطابى يحتمل أن يكون خالد
نقم عليهم للعدول عن لفظ الاسلام ولم ينقادوا الى الدين فقتلهم متأوّلا
وأنكر عليه النبىّ صلى الله عليه وسلم العجلة وترك التثبت فى أمرهم قبل أن
يعلم المراد من قولهم صبأنا* وفى بعض الكتب كان بنو جذيمة فى الجاهلية
قتلوا أبا عبد الرحمن ابن عوف وعم خالد الفاكه بن المغيرة فلما سمعوا بقدوم
خالد استقبلوه لا بسى السلاح فقال لهم من أنتم قالوا مسلمون صدّقنا بمحمد
وبنينا المساجد فى ساحاتنا وصلينا قال فما بالكم مسلحين قالوا كان بيننا
وبين حى من العرب عداوة حسبناكم اياهم فلبسنا السلاح فلم يقبل خالد منهم
عذرهم فأمرهم حتى ألقوا سلاحهم الى آخر ما ذكرناه* وفى الاكتفاء لما فتح
الله على رسوله مكة بعث السرايا فيما حولها يدعو الى الله تعالى ولم يأمرهم
بقتال وكان ممن بعث خالد بن الوليد وأمره أن يسير بأسفل تهامة داعيا ولم
يبعثه مقاتلا ومعه قبائل من العرب فوطئوا بنى جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن
كنانة فلما رآه القوم أخذوا السلاح فقال خالد ضعوا السلاح فان الناس قد
أسلموا فقال رجل منهم يقال له جحدم ويلكم يا بنى جذيمة انه خالد والله ما
بعد وضع السلاح الا الاسر وما بعد الاسر الا ضرب الاعناق ووالله لا أضع
سلاحى أبدا فأخذه رجال من قومه وقالوا يا جحدم أتريد أن تسفك دماءنا ان
الناس قد أسلموا ووضعت الحرب وأمن الناس فلم يزالوا به حتى نزعوا سلاحه
ووضع القوم السلاح لقول خالد فلما وضعوه أمرهم خالد عند ذلك فكتفوا ثم
عرضهم على السيف فقتل من قتل منهم وقال لهم جحدم حين وضعوا سلاحهم ورأى ما
يصنع بهم يا بنى جذيمة ضاع الضرب قد كنت حذرتكم ما وقعتم فيه فلما انتهى
الخبر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه الى السماء ثم قال اللهمّ
انى أبرأ اليك مما صنع خالد ابن الوليد وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لرجل انفلت منهم فأتاه بالخبر هل أنكر عليه أحد فقال نعم قد أنكر عليه رجل
أبيض ربعة فنهمه خالد فسكت عنه وأنكر عليه رجل آخر مضطرب فراجعه فاشتدّت
مراجعتهما فقال عمر بن الخطاب امّا الاوّل يا رسول الله فابنى عبد الله
وأمّا الاخر فسالم مولى أبى حذيفة وذكروا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال رأيت كأنى لقمت لقمة من حيس فالتذذت طعمها فاعترض فى حلقى منها شئ حين
ابتلعتها فأدخل علىّ يده فانتزعه فقال أبو بكر هذه سرية من سراياك تبعثها
فيأتيك منها بعض ما تحب ويكون فى بعضها اعتراض فتبعث عليا فيسهله ثم لما
كان من خالد فى بنى جذيمة ما كان دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن
أبى طالب فقال يا على اخرج الى هؤلاء القوم فانظر فى أمرهم واجعل أمر
الجاهلية تحت قدميك فخرج علىّ حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله صلى
الله عليه وسلم فودى لهم الدماء وما أصيب من الاموال حتى انه ليدى لهم
مبلغة الكلب حتى اذا لم يبق شئ من دم ولا مال الاوداه بقيت معه بقية من
المال فقال لهم علىّ حين فرغ منه هل بقى دم أو مال لم يود لكم قالوا لا قال
فانى أعطيتكم هذه البقية من هذا المال احتياطا لرسول الله صلى الله عليه
وسلم مما لا يعلم ولا تعلمون ففعل ثم رجع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخبره الخبر قال أصبت وأحسنت ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل
القبلة قائما شاهرا يديه حتى انه ليرى ما تحت منكبيه يقول اللهمّ انى أبرأ
اليك مما صنع خالد بن الوليد ثلاث مرّات وقد قال بعض من يعذر خالدا انه قال
ما قاتلت حتى أمرنى بذلك عبد الله بن حذافة السهمى وقال ان رسول الله صلى
الله عليه وسلم أمر أن تقاتلهم لامتناعهم من الاسلام وحدّث ابن ابى حدرد
الاسلمى قال كنت يومئذ فى خيل خالد بن الوليد فقال لى فتى من بنى جذيمة وهو
فى سنى وقد جمعت يداه الى عنقه برمة ونسوة مجتمعات غير بعيد منه يا فتى قلت
ما تشاء قال هل أنت آخذ بهذه الرمة فقائدى الى هؤلاء النسوة حتى أقضى
اليهنّ حاجة ثم تردّنى بعد فتصنعوا بى ما بدا لكم قال قلت والله ليسير
ما طلبت
(2/98)
فأخذته برمته فقدته بها حتى أوقفته عليهنّ
فقال اسلمى حبيش على فقد العيش وأنشد أبياتا فقالت
وأنت فحبيت سبعا وعشرا ... وشفعا ووترا ثمانين تترى
قال ثم انصرفت به فضربت عنقه فحدّث من حضرها انها قامت اليه حين ضربت عنقه
فلم تزل تقبله حتى ماتت عنده وخرج النساءى هذه القصبة فى مصنفه فى باب قتل
الاسارى من حديث ابن عباس ان النبىّ صلى الله عليه وسلم بعث سرية فغنموا
وفيهم رجل فقال انى لست منهم عشقت امرأة فلحقتها فدعونى أنظر اليها نظرة ثم
اصنعوا بى ما بدا لكم قال فاذا امرأة طويلة أدماء فقال اسلمى حبيش قبل فقد
العيش وتكلم بأبيات فقالت نعم فديتك قال فقدّموه فضربوا عنقه فجاءت المرأة
فوقعت عليه فشهقت شهقة أو شهقتين ثم ماتت فلما قدموا على رسول الله صلى
الله عليه وسلم أخبروه الخبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما كان
فيكم رجل رحيم*
غزوة حنين
وفى شوّال هذه السنة بعد رجوع خالد من تخريب العزى خرج رسول الله صلى الله
عليه وسلم الى غزوة حنين بالتصغير وهو واد قرب ذى المجاز وقيل ماء بينه
وبين مكة ثلاث ليال قرب الطائف وتسمى غزوة هوازن* وفى شرح مختصر الوقاية
حنين واد بين مكة والطائف وراء عرفات بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا وفى
القاموس حنين موضع بين مكة والطائف قال أهل السير انّ رسول الله صلى الله
عليه وسلم فتح مكة يوم الجمعة وقد بقى من رمضان عشرة أيام فأقام بها خمسة
عشر يوما أو تسعة عشر أو ثمانية عشر يوما على اختلاف الاقوال كما مرّ ثم
خرج الى حنين* وسببها أنّه لما فتح الله على رسوله مكة وأسلم عامة أهلها
أطاعت له قبائل العرب الا هوازن وثقيفا فانّ أهلهما كانوا طغاة عتاة مردة
مبارزين فاجتمع أشرافهما فقال بعضهم لبعض انّ محمدا قاتل قوما لم يحسنوا
القتال ولم يكن لهم علم بالحروب فغلب عليهم فانه سيقصدنا فقبل أن يظهر ذلك
منه سيروا اليه فقصدوا محاربة المسلمين وكان على هوازن رئيسهم مالك بن عوف
النضرى وعلى ثقيف قائدهم ورئيسهم عبد يا ليل الثقفى كذا فى معالم التنزيل*
وقيل قائد ثقيف قارب ابن الاسود واتفق معهما نضر وجشم كلها وسعد بن بكر
وأناس من بنى هلال وهم قليل ولم يشهد من قيس عيلان الا هؤلاء فعبوا جيشهم
وعددهم أربعة آلاف مقاتل وخرجوا مع أموالهم وأولادهم وذراريهم وتخلف منهم
قبيلتان كعب وكلاب وكان دريد بن الصمة فى بنى جشم وكان شيخا كبيرا قد عمى
من الكبر وكان له مائة وخمسون سنة وقيل مائة وسبعون سنة وكان صاحب رأى
وتدبير وله معرفة بالحروب* وفى الاكتفاء ليس فيه شئ الا التيمن برأيه
ومعرفته بالحروب انتهى وكان رأيه أن لا تخرج معهم الاموال والذرارى ولكن
غلب على الرأى مالك بن عوف فأخرجوهم معهم فساروا حتى انتهوا الى أوطاس* وفى
الاكتفاء فلما نزل بأوطاس اجتمع اليه الناس وفيهم دريد بن الصمة فى شجار له
يقاد به فلما نزل قال فى أىّ واد أنتم قالوا بأوطاس قال نعم مجال الخيل لا
حزن ضرس ولا سهل دهس قال مالى أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير
ويعار الشاء قالوا ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم قال
اين مالك فدعى له فقال يا مالك انك أصبحت رئيس قومك وانّ هذا يوم له ما
بعده مالى أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير ويعار الشاء قال سقت
مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم وأردت أن أجعل خلف كل رجل منهم أهله
وماله ليقاتل عنهم قال فانقض به ثم قال راعى ضأن والله وهل يردّ المنهزم
شىء انها ان كانت لك لن ينفعك الا رجل بسيفه ورمحه وان كانت عليك فضحت فى
أهلك ومالك ثم قال ما فعلت كعب وكلاب قالوا لم يشهدها منهم أحد قال غاب
الحدّ والجدّ لو كان يوم علاء ورفعة لم يغب عنه كعب وكلاب ولوددت انكم
فعلتم ما فعلت كعب وكلاب فمن شهدها منكم قالوا عمرو بن عامر وعوف بن عامر
قال ذلك الجذعان لا ينفعان ولا يضرّان يا مالك انك لم تصنع بتقديم بيضة
هوازن فى نحور
(2/99)
الخيل شيئا ارفعهم الى ممتنع بلادهم وعلياء
قومهم ثم الق الصبا على متون الخيل فان كانت لك لحق بك من وراءك وان كانت
عليك ألقاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك قال والله لا أفعل انك قد كبرت وكبر
عقلك والله لتطيعننى يا معشر هوازن أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من
ظهرى وكره أن يكون لدريد فيها ذكر ورأى قالوا أطعناك قال دريد هذا يوم لم
أشهده ولم يفتنى
يا ليتنى فيها جذع ... أخب فيها وأضع
أقور وطفاء الزمع ... كأنها شاة صدع
وبعث مالك بن عوف عيونا من رجاله فأتوه وقد تفرّقت أوصالهم فقال ويلكم ما
شأنكم قالوا رأينا رجالا بيضا على خيل بلق والله ما تماسكنا أن أصابنا ما
ترى فو الله ما ردّه ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد* ولما سمع بهم نبىّ
الله صلى الله عليه وسلم بعث اليهم عبد الله بن أبى حدرد الاسلمى فدخل فيهم
حتى سمع وعلم ما قد أجمعوا عليه من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع
من مالك وأمر هوازن ما هم عليه ثم أقبل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأخبره الخبر ولما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير الى هوازن
ذكر له انّ عند صفوان بن أمية ادراعا له وسلاحا فأرسل اليه وهو يومئذ مشرك
فقال يا أبا أمية أعرنا سلاحك هذا نلق فيه عدوّنا غدا فقال صفوان أغصبا يا
محمد فقال بل عارية مضمونة حتى نؤدّيها اليك فقال ليس بهذا بأس فأعطاه مائة
درع بما يكفيها من السلاح فزعموا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله أن
يكفيهم حملها ففعل* وفى شفاء الغرام جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى
شوّال هذه السنة عتاب بن أسيد بن أبى العيص بن أمية بن عبد شمس على مكة
أميرا ومعاذ بن جبل اماما بها ومفتيا لمن فيها* وذكر ابن عبد البرّ أنّ
عتاب بن أسيد أسلم يوم فتح مكة واستعمله النبىّ صلى الله عليه وسلم عليها
حين خرج الى حنين فأقام عتاب للناس الحج تلك السنة وهى سنة ثمان ثم قال فلم
يزل عتاب أميرا على مكة حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقرّه أبو
بكر الصدّيق رضى الله عنه وقيل ماتا فى يوم واحد وكذلك كان يقول ولد عتاب
وقال محمد بن سلام وغيره جاء نعى أبى بكر الصديق رضى الله عنه الى مكة يوم
دفن عتاب بن أسيد بها وقال السهيلى قال أهل التعبير رأى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فى المنام أسيد بن أبى العيص واليا على مكة مسلما فمات على الكفر
وكانت الرؤيا لولده عتاب حين أسلم فولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على
مكة وهو ابن احدى وعشرين سنة* وفى الاكتفاء ثم خرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم عامد الحنين معه ألفان من أهل مكة وعشرة آلاف من أصحابه الذين فتح
الله عليهم فكانوا اثنى عشر ألفا وذكر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال حين فصل من مكة الى حنين ورأى كثرة من معه من جنود الله لن نغلب اليوم
من قلة وزعم بعض الناس أنّ رجلا من بنى بكر قالها* وفى رواية يونس بن بكير
عن الربيع قال رجل يوم حنين لن نغلب اليوم فشق ذلك من قلة على رسول الله
صلى الله عليه وسلم* وفى رواية أنّ أبا بكر قاله للنبىّ صلى الله عليه وسلم
أو لسلمة بن سلامة بن وقش وقيل قائله سلمة فكره رسول الله صلى الله عليه
وسلم كلامه فوكلوا الى كلمة الرجل فالهزيمة لجيش الاسلام فى أوّل الحال
كانت بسببه* وفى رواية باهى العباس بكثرة العسكر فمنعه النبىّ صلى الله
عليه وسلم وقال تستنصر بصعاليك الامة* وفى المواهب اللدنية ثم خرج من مكة
الى حنين يوم السبت لست ليال خلون من شوّال فى اثنى عشر ألفا من المسلمين
عشرة آلاف من أهل المدينة من المهاجرين والانصار وغيرهم والفان ممن أسلم من
أهل مكة وهم الطلقاء يعنى الذين خلى عنهم يوم فتح مكة وأطلقهم فلم يسترقهم
واحدهم طليق فعيل بمعنى مفعول وهو الاسير اذا أطلق سبيله وخرج معه ثمانون
من المشركين منهم صفوان بن أمية وقال عطاء كانوا ستة عشر ألفا وقال الكلبى
كانوا عشرة آلاف وكانوا يومئذ أكثر مما كانوا فى سائر المواطن
(2/100)
وفى المشكاة ساروا مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم يوم حنين فأطنبوا السير حتى كان عشية فجاء فارس فقال يا رسول
الله انى اطلعت على جبل كذا وكذا فاذا أنا بهوازن على بكرة أبيهم بظعنهم
ونعمهم وشائهم اجتمعوا على حنين فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال
تلك غنيمة للمسلمين غدا ان شاء الله تعالى ثم قال من يحرسنا الليلة قال أنس
بن أبى مرثد الغنوى أنا يا رسول الله قال اركب فركب فرساله فقال استقبل هذا
الشعب حتى تكون فى أعلاه ففعل فلما أصبح جاء وقال طلعت الشعبين كليهما فلم
أر أحدا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل نزلت الليلة قال لا الا
مصليا أو قاضى حاجة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا عليك أن لا تعمل
بعد هذا رواه أبو داود وقال ابن عقبة وكان أهل حنين يظنون أنّ رسول الله
صلى الله عليه وسلم حين دنا منهم فى توجهه الى مكة أنه بادئ بهم وصنع الله
لرسوله ما هو أحسن من ذلك فتح له مكة وأقرّ بها عينه وكبت عدوّه فلما خرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم الى حنين خرج معه أهل مكة ركبانا ومشاة حتى
خرج معه النساء يمشين على غير دين قطارا ينظرون ويرجون الغنائم ولا يكرهون
ان تكون الصدمة برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه* وحدث أبو واقد
الليثى قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى حنين ونحن حديثو عهد
بالجاهلية وكانت لكفار قريش ومن سواهم من العرب شجرة عظيمة خضراء يقال لها
ذات أنواط يأتونها كل سنة فيعلقون عليها أسلحتهم ويذبحون عندها ويعكفون
عليها يوما قال فرأينا ونحن نسير معه الى حنين سدرة خضراء عظيمة فتنادينا
على جنبات الطريق فقلنا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كمالهم ذات أنواط
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر قلتم والذى نفس محمد بيده
كما قال قوم موسى له اجعل لنا الها كما لهم آلهة انكم قوم تجهلون فانها
السنن لتركبن سنن من كان قبلكم قال انتهى النبىّ صلى الله عليه وسلم الى
حنين مساء ليلة الثلاثاء لعشر خلون من شوّال وكان قد سبقهم مالك بن عوف
فأدخل جيشه بالليل فى ذلك الوادى وفرّقهم على الطرق والمداخل وحرّضهم على
قتال المسلمين وأمرهم أن يكمنوا لهم ويرشقوهم أوّل ما طلعوا ويحملوا عليهم
حملة واحدة* وفى الاكتفاء قال مالك للناس اذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم
ثم شدّوا شدّة رجل واحد ولما كان وقت السحر جهز رسول الله صلى الله عليه
وسلم جيشه وعقد الالوية والرايات وفرّقها على الناس فدفع لواء المهاجرين
الى عمر بن الخطاب ولواء الى على بن أبى طالب ولواء الى سعد بن أبى وقاص
ولواء الاوس الى أسيد بن حضير ولواء الخزرج الى خباب بن المنذر وآخر الى
سعد بن عبادة وقيل كان لكل بطن من الاوس والخزرج لواء فى تلك الغزوة ولكل
قبيلة من القبائل التى كانت معه لواء ثم ركب صلى الله عليه وسلم بغلته
البيضاء دلدل ولبس درعين والمغفر والبيضة واستقبل وادى حنين فى غبش الليل
وفى الاكتفاء عن جابر بن عبد الله قال لما استقبلنا وادى حنين انحدرنا فى
واد من أودية تهامة أجوف حطوطا انما ننحدر فيها انحدارا وذلك فى عماية
الصبح وكان القوم قد سبقوا الى الوادى فكمنوا لنا فى شعابه وأحنائه ومضائقه
واجتمعوا وتهيئوا فو الله ما راعنا ونحن منحطون الا الكتائب قد شدّوا علينا
شدّة رجل واحد وانشمر الناس راجعين لا يلوى أحد على أحد وانحاز رسول الله
صلى الله عليه وسلم ذات اليمين ثم قال أيها الناس هلموا الىّ أنا رسول الله
أنا محمد بن عبد الله قال فلا شئ حملت الابل بعضها على بعض* وفى رواية كان
خالد بن الوليد مع بنى سليم فى مقدمة الجيش وكان أكثرهم حسرا ليس عليه سلاح
أو كثير سلاح فلقوا قوما كمنوا لهم جمع هوازن وبنى النضير وهم قوم رماة لا
يكاد يسقط لهم سهم والمسلمون عنهم غافلون فرشقوهم رشقا لا يكادون يخطئون
فولى جماعة كفار قريش الذين كانوا فى جيش الاسلام وشبان الاصحاب وأخفاؤهم
وتبعهم المسلمون الذين كانوا قريب العهد بالجاهلية ثم انهزم بقية الاصحاب
(2/101)
وكان النبىّ صلى الله عليه وسلم على بغلته
البيضاء التى أهداها له فروة بن نفاثة الجذامى كذا فى رواية البراء بن عازب
وكذا قاله السهيلى* وفى رواية كان مركبه يومئذ الدلدل كما مرّ وكان ينطلق
من خلفهم ويقول يا أنصار الله وأنصار رسوله أنا عبد الله ورسوله* وفى رواية
الىّ أيها الناس* وفى الاكتفاء انطلق الناس الى أن بقى مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم نفر من المهاجرين أبو بكر وعمر ومن أهل بيته على بن أبى
طالب والعباس وأبو سفيان بن الحارث وابنه جعفر والفضل بن عباس وفى رواية
وقثم بن عباس بدل ابن أبى سفيان انتهى وربيعة بن الحارث وأسامة بن زيد
وأيمن بن عبيد قتل يومئذ بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا فى
معالم التنزيل* وفى رواية وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب وعقيل بن أبى
طالب* وفى رواية ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة فى كمية عددهم
وتعيين أشخاصهم وردت روايات مختلفة* ففى رواية الكلبى كان حول رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثلثمائة من المسلمين وانهزم سائر الناس كذا فى معالم
التنزيل* وفى رواية لم يبلغوا مائة وفى رواية ثمانون وفى رواية اثنا عشر
وفى رواية عشرة* وفى رواية لم يبق معه الا أربعة ثلاثة من بنى هاشم علىّ
والعباس وأبو سفيان بن الحارث وواحد من غيرهم وهو عبد الله بن مسعود فعلىّ
والعباس يحفظانه من قبل وجهه وأبو سفيان بن الحارث آخذ بعنان بغلته وعبد
الله بن مسعود يحفظه من جانبه الا يسر وكان كل من يقبل اليه صلى الله عليه
وسلم يقتل البتة* وفى رواية بقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده فلعلّ
هذه الرواية كناية عن غاية القلة أو محمولة على أوّل الحال وبعد ذلك
اجتمعوا اليه* وفى معالم التنزيل ولما تلاقوا اقتتلوا قتالا شديدا فانهزم
المشركون وجلوا عن الذرارى ثم نادوا يا حماة السوء اذكروا الفضائح فتراجعوا
وانكشف المسلمون وانهزموا* وفى الاكتفاء كان رجل من هوازن على جمل له أحمر
وبيده راية سوداء فى رأس رمح طويل امام هوازن وهم خلفه اذا أدرك طعن برمحه
واذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه فاتبعوه فبينما ذلك الرجل يصنع ما يصنع
اذ هوى له علىّ ابن أبى طالب ورجل من الانصار يريد انه فأتى علىّ من خلفه
فضرب عرقوبى الجمل فوقع على عجزه فوثب الانصارى على الرجل فضربه ضربة أطنّ
قدمه بنصف ساقه فانجعف عن رحله قال ابن اسحاق فلما انهزم الناس ورأى من كان
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جفاة أهل مكة الهزيمة تكلم رجال منهم
بما فى أنفسهم من الضغن فقال أحدهم وهو أبو سفيان بن حرب لا تنتهى عزيمتهم
دون البحر وانّ الازلام لمعه فى كنانته* وفى رواية قيل لما انهزم المسلمون
فى أوّل القتال استبشر أبو سفيان وقال غلبت والله هوازن لا يردّهم شئ الا
البحر وكان أبو سفيان أسلم يوم الفتح لكن لم يتصلب فيه بعد وكان هو وابنه
معاوية يومئذ من المؤلفة قلوبهم وبعد ذلك حسن اسلامهما ولذا استبشر أبو
سفيان وقال غلبت والله هوازن فردّ عليه قوله صفوان بن أمية الجمحى وهو
يومئذ مشرك فى المدّة التى جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بفيك
الكثكث أى الحجارة والتراب لأن يرينى رجل من قريش أحب الىّ أن يربنى رجل من
هوازن أراد صفوان برجل من قريش النبىّ صلى الله عليه وسلم وبرجل من هوازن
رئيسهم مالك بن عوف كذا قاله الشريف الجرحانى فى حاشية الكشاف* وفى
الاكتفاء وصرخ آخر منهم ألابطل السحر اليوم قيل قائله كلدة بن حسل وهو أخو
صفوان بن أمية لأمه كذا فى سيرة ابن هشام وقال الاخر لصفوان ابشر فانّ
محمدا وأصحابه قد انهزموا قال صفوان فى جواب كل منهم اسكت فض الله فاك فو
الله لأن يرينى رجل من قريش أحب الىّ من أن يرينى رجل من هوازن ولما رأى
رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرق أصحابه طفق يركض بغلته قبل الكفار وكان
العباس بن عبد المطلب آخذا بلجام بغلته
ارادة أن لا تسرع وأبو سفيان بن الحارث آخذا بركابه الايمن* وفى رواية انّ
العباس
(2/102)
آخذ بركابه الايمن وأبو سفيان بالايسر
يكفانها ارادة أن لا تسرع وهو يقول* أنا النبىّ لا كذب** أنا ابن عبد
المطلب* وفى معالم التنزيل وأبو سفيان يقود به بغلته فنزل واستنصر وقال
* أنا النبىّ لا كذب* أنا ابن عبد المطلب* وهذا يدل على كمال شجاعته وتمام
صولته وقوّته صلى الله عليه وسلم اذ فى هذا اليوم الشديد اختار ركوب البغلة
التى ليس لها كر ولا فرّ كما يكون للفرس ومع ذلك توجه وحده نحو العدوّ ولم
يخف صفته ونسبه وما هذا كله الا لوثوقه بالله وتوكله عليه وجعل صلى الله
عليه وسلم يقول للعباس ناديا معشر الانصار يا أصحاب السمرة يعنى الشجرة
التى بايعوا تحتها بيعة الرضوان يوم الحديبية أن لا يفرّوا عنه ويا أصحاب
سورة البقرة فجعل العباس ينادى تارة يا أصحاب السمرة وتارة يا أصحاب سورة
البقرة وكان العباس رجلا صيتا* وفى الكشاف قال عليه السلام للعباس بن عبد
المطلب لما انهزم الناس يوم حنين اصرخ بالناس وكان العباس أجهر الناس صوتا*
وفى رواية أنّ غارة اتتهم يوما فصاح العباس يا صباحاه فأسقطت الحوامل لشدّة
صوته وزعمت رواة أنه كان يزجر السباع عن الغنم فيفتق مرارة السبع فى جوفه
انتهى ولما سمع المسلمون نداء العباس أقبلوا كأنهم الابل اذا حنت على
أولادها* وفى رواية مسلم قال العباس فو الله كانت عطفتهم حين سمعوا صوتى
عطفة البقر على أولادها يقولون يا لبيك يا لبيك أو لبيك لبيك* وفى رواية
عطفة النحل على يعسو بها فتراجعوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ان
الرجل منهم اذا لم يطاوعه بعيره على الرجوع انحدر عنه وأرسله ورجع بنفسه*
وفى الاكتفاء فيذهب الرجل ليثنى بعيره فلا يقدر على ذلك فيأخذ درعه فيقذفها
على عنقه ويأخذ سيفه وترسه ويقتحم عن بعيره ويخلى سبيله ويؤم الصوت حتى
ينتهى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى* فثاب اليه من كان انهزم
أوّلا من المسلمين حتى اذا اجتمع عنده مائة استقبلوا الناس فاقتتلوا فأشرف
رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته فى ركابه فنظر الى مجتلد القوم
وقتالهم كالمتطاول عليها فقال الان حمى الوطيس وهو التنور يخبز فيه يضرب
مثلا لشدّة الحرب التى يشبه حرّها حرّه وهذه من فصيح الكلام الذى لم يسمع
مثله قبل النبىّ صلى الله عليه وسلم قال جابر بن عبد الله فى حديثه اجتلد
الناس فو الله ما رجعت راجعة الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الاسارى مكتفين
عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم
الى أبى سفيان بن الحارث وكان قد حسن اسلامه وكان ممن صبر معه يومئذ وهو
آخذ شفير بغلته فقال من هذا قال أنا ابن عمك يا رسول الله وقال شيبة بن
عثمان بن أبى طلحة أخو بنى عبد الدار وكان أبوه قد قتل يوم أحد قلت اليوم
أدرك ثارى اليوم أقتل محمدا قال فأردت برسول الله صلى الله عليه وسلم لا
قتله فأقبل شئ حتى تغشى فؤادى فلم أطق ذلك وعلمت انى ممنوع منه وفى سيرة
ابن هشام انه ممنوع منى* وذكر ابن أبى خيثمة حديث شيبة هذا قال لما رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين أعرى فذكرت أبى وعمى قتلهما حمزة
قلت اليوم أدرك ثارى فى محمد فجئته عن يمينه فاذا أنا بالعباس قائما عن
يمينه عليه درع بيضاء قلت عمه لن يخذ له فجئته عن يساره فاذا أنا بأبى
سفيان بن الحارث قلت ابن عمه لن يخذ له فجئته من خلفه فدنوت منه حتى لم يبق
الا أن أسور سورة بالسيف فرفع الىّ شواظ من نار كأنه البرق فنكصت على عقبى
القهقرى فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا شيبة أدن فدنوت فوضع
يده على صدرى فاستخرج الله الشيطان من قلبى فرفعت اليه بصرى فهو أحب الىّ
من سمعى وبصرى فقال لى يا شيبة هكذا قاتل الكفار فقاتلت معه صلى الله عليه
وسلم* وفى الصفوة عن شيبة بن عثمان بن أبى طلحة الحجبى أنه قال لما كان عام
الفتح دخل النبىّ صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قلت أسير مع قريش الى
(2/103)
هوازن بحنين فعسى ان اختلطوا أن أصيب من
محمد غرّة فأثار منه فأكون أنا الذى قمت بثار قريش كلها وأقول لو لم يبق من
العرب والعجم أحد الا اتبع محمدا ما اتبعته أبدا فلما اختلط الناس واقتحم
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بغلته أصلت السيف فدنوت منه أريد منه ما
أريد فرفعت سيفى فرفع لى شواظ من نار كالبرق حتى كاد يمتحشنى فوضعت يدى على
بصرى خوفا عليه فالتفت الىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادى يا شيبة
ادن منى فدنوت منه فمسح صدرى وقال اللهم أعذه من الشيطان فو الله فهو كان
ساعتئذ أحب الىّ من سمعى وبصرى وأذهب الله عز وجل ما كان عندى ثم قال ادن
فقاتل فتقدّمت بين يديه ولو لقيت تلك الساعة أبى أو كان جبلا أوقعت به
السيف فلما تراجع المسلمون وكروا كرة رجل واحد قربت بغلته صلى الله عليه
وسلم فاستوى عليها فخرج فى أثرهم حتى تفرقوا فى كل وجه ورجع معسكره فدخل
خباءه فدخلت عليه فقال يا شيبة الذى أراده الله بك خير مما أردت لنفسك ثم
حدّثنى بكل ما أضمرت فى نفسى مما لم أكن أذكره لاحد قط قلت أشهد أن لا اله
الا الله وأشهد انك رسول الله وقلت استغفر لى فقال غفر الله لك* وروى ان
النبىّ صلى الله عليه وسلم تناول حصيات من الارض ثم قال شاهت الوجوه أى
قبحت ورمى بها فى وجوه المشركين فما كان انسان منهم الا وقد امتلأت عيناه
من تلك القبضة التراب وكذا عن سلمة بن الاكوع وقيل انه أخذ تلك القبضة بأمر
جبريل عليه السلام* وفى رواية مسلم انها قبضة من تراب من الارض فيحتمل أن
يكون رمى بهذه مرّة وبالاخرى أخرى ويحتمل أن تكون قبضة واحدة مخلوطة من حصى
وتراب ولاحمد وأبى داود والدارمى من حديث أبى عبد الرحمن الفهرى فى قصة
حنين قال فولى المسلمون مدبرين كما قال الله تعالى فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنا عبد الله ورسوله ثم اقتحم عن مركبه فأخذ كفا من تراب قال
فأخبرنى الذى كان أدنى اليه منى أنه ضرب وجوههم فهزمهم الله تعالى قال يعلى
بن عطاء رواية عن أبى همام عن أبى عبد الرحمن الفهرى فحدّثنى أبناؤهم عن
آبائهم انهم قالوا لم يبق منا أحد الا امتلأت عيناه وفمه ترابا وسمعنا
صلصلة من السماء كامرار الحديد على الطست الجديد بالجيم المعجمة من قبيل
امرأة قتيل* ولأحمد والحاكم من حديث ابن مسعود فحادت به رسول الله صلى الله
عليه وسلم بغلته فمال السرج فقلت ارتفع يرحمك الله فقال ناولنى كفا من تراب
فضرب فى وجوههم وامتلأت أعينهم ترابا وجاء المهاجرون والانصار وسيوفهم
بأيمانهم كأنها الشهب فولى المشركون الادبار كذا فى المواهب اللدنية وفى
معجم الطبرانى الاوسط قال لما انهزم المسلمون يوم حنين ورسول الله صلى الله
عليه وسلم على بغلته الشهباء يقال لها الدلدل فقال لها رسول الله صلى الله
عليه وسلم دلدل البدى فألصقت بطنها بالارض حتى أخذ النبىّ صلى الله عليه
وسلم حفنة من تراب فرمى بها فى وجوههم وقال حم لا ينصرون فانهزم القوم كما
قال الله تعالى وما رميت اذ رميت ولكنّ الله رمى فما رموا بسهم ولا طعنوا
برمح ولا ضربوا بسيف فهزمهم الله* وفى حياة الحيوان أن النبىّ صلى الله
عليه وسلم قال يوم حنين لعمه العباس ناولنى من البطحاء فأفقه الله البغلة
كلامه فانخفضت به الى الارض حتى كاد بطنها يمس الارض فتناول صلى الله عليه
وسلم كفا من الحصباء فنفخ فى وجوه الكفار وقال شاهت الوجوه حم لا ينصرون
وقال انهزموا ورب محمد وفى رواية قال اللهمّ أنشدك وعدك لا ينبغى لهم أن
يظهروا علينا وفى رواية اللهمّ انجزلى ما وعدتنى وفى رواية اللهمّ لك الحمد
ولك المشتكى وأنت المستعان فقال له جبريل يا محمد أنت اليوم لقنت بكلمات
لقن بها موسى يوم فلق البحر لبنى اسرائيل* وفى الاكتفاء وذكر ابن عقبة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم لما غشيه القتال قام يومئذ فى المركلتين وهو
على البغلة ويقولون نزل ورفع يديه الى الله عز وجل يدعوه يقول اللهم انى
أنشدك ما وعدتنى اللهمّ لا ينبغى لهم أن يظهروا علينا ونادى
أصحابه فذكرهم
(2/104)
يا أصحاب البيعة يوم الحديبية يا أصحاب
سورة البقرة يا أنصار الله وأنصار رسوله يا بنى الخزرج وقبض قبضة من
الحصباء فحصب بها فى وجوه المشركين ونواحيهم كلها وقال شاهت الوجوه فهزم
الله أعداءه من كل ناحية حصبهم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبعهم
المسلمون يقتلونهم وغنمهم الله نساءهم وذراريهم وشاءهم وابلهم وفرّ مالك بن
عوف حتى دخل حصن الطائف فى ناس من أشراف قومه وأسلم عند ذلك ناس كثير من
أهل مكة وغيرهم حين رأوا نصرة الله لرسوله واعزاز دينه وهزيمة القوم فالتفت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ فرأى أمّ سليم بنت ملحان وكانت مع
زوجها أبى طلحة وهى حازمة وسطها ببردتها وانها لحامل بعبد الله بن أبى طلحة
ومعها جمل أبى طلحة وقد خشيت أن يغرها فأذنت رأسه منها وأدخلت يده فى خزامه
مع الخطام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمّ سليم قالت نعم يا نبىّ
الله بأبى أنت وأمى يا رسول الله اقتل هؤلاء الذين ينهزمون عنك كما تقتل
الذين يقاتلونك فانهم لذلك أهل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يكفى
الله يا أم سليم كذا فى الاكتفاء قال ومعها خنجر فقال لها أبو طلحة ما هذا
الخنجر معك يا أمّ سليم قالت خنجر اخذته اذا دنا منى أحد من المشركين بعجته
به قال يقول أبو طلحة ألا تسمع يا رسول الله ما تقول أمّ سليم الرمصاء كذا
فى سيرة ابن هشام* وفى المواهب اللدنية روى أبو جعفر بن جرير بسنده عن عبد
الرحمن عن رجل كان فى المشركين قال لما التقينا نحن وأصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم يوم حنين لم يقوموا لنا مقدار حلب شاة فلما لقيناهم جعلنا
نسوقهم فى آثارهم حتى انتهينا الى صاحب البغلة البيضاء فاذا هو رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال فتلقتنا عنده رجال بيض الوجوه حسان فقالوا لنا شاهت
الوجوه ارجعوا قال فانهزمنا وركبوا أكتافنا انتهى* ولما اجتمع عند النبىّ
صلى الله عليه وسلم زها مائة رجل وشرعوا فى القتال لم تلبث هوازن مقدار حلب
شاة أو حلب ناقة الا انهزموا* وعن جبير بن مطعم رأيت قبل هزيمة القوم
والناس يقتتلون مثل النجاد الاسود نزل من السماء حتى سقط بيننا وبين القوم
فنظرت فاذا نمل أسود مبثوث قد ملأ الوادى لم أشك انها الملائكة فلم تكن الا
هزيمة القوم كذا فى حياة الحيوان* وفى الاكتفاء عن سعيد بن جبير أنه قال
أمدّ الله نبيه يومئذ بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين* وروى ان رجلا من
المشركين من بنى النضير يقال له شمرة قال للمؤمنين بعد القتال أين الخيل
البلق والرجال الذين عليهم ثياب بيض ما نراكم فيهم الا كهيئة الشامة وما
كان قتلنا الا بأيديهم فأخبروا بذلك رسول صلى الله عليه وسلم قال تلك
الملائكة* وروى عن مالك بن أوس أنه قال ان نفرا من قومى حضروا معركة حنين
قد حكوا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رمى تلك القبضة من الحصى لم
تبق عين أحد منا الا وقعت فيها الحصاة وأخذ قلوبنا الخفقان ورأينا رجالا
بيضا على خيل بلق بين السماء والارض وعليهم عمائم حمر قد أرخوا أطرافها بين
أكتافهم وما كنا نقدر أن ننظر اليهم من الرعب وما خيل الينا الا ان كل شجر
وحجر فارس يطلبنا* وفى سيرة الدمياطى كانت سيما الملائكة يوم حنين عمائم
حمر أرخوا أطرافها بين أكتافهم* وفى البخارى عن البراء وسأله رجل من قيس
أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فقال لكن رسول الله صلى
الله عليه وسلم لم يفر كان هوازن رماة وانا لما حملنا عليهم انكشفوا
فانكببنا على المغانم فاستقبلتنا بالسهام ولقد رأيت النبىّ صلى الله عليه
وسلم على بغلته البيضاء وان أبا سفيان بن الحارث آخذ بزمامها وهو يقول* أنا
النبىّ لا كذب* أنا ابن عبد المطلب* وبهاتين الغزاتين أعنى حنينا وبدرا
قاتلت الملائكة بأنفسها مع المسلمين ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وجوه الكفار بالحصاة فيهما* وعن أبى قتادة قال لما كان يوم حنين نظرت الى
رجل من المسلمين يقاتل رجلا من المشركين وآخر من المشركين
(2/105)
يختله من ورائه ليقتله فأسرعت الى الذى
يختله فرفع يده ليضربنى فضربت يده فقطعتها وعبارة الاكتفاء قال أبو قتادة
رأيت يوم حنين رجلين يقتتلان مسلما وكافرا فاذا رجل من المشركين يريد أن
يعين صاحبه المشرك على المسلم فأتيته فضربت يده فقطعتها واعتنقنى بيده
الآخرى فو الله ما أرسلنى حتى وجدت ريح الدم ويروى ريح الموت فلولا ان الدم
نزفه لقتلنى فسقط فضربته فقتلته وأجهضنى عنه القتال انتهى* وفى رواية عنه
فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين فضربته من ورائه على حبل
عاتقه بالسيف فقطعت الدرع وأقبل علىّ فضمنى ضمة وجدت ريح الموت ثم أدركه
الموت فأرسلنى* وفى رواية ثم نزف فتحلل ودفعته ثم قتلته وانهزم المسلمون
وانهزمت معهم فاذا عمر بن الخطاب فى الناس فقلت له ما شأن الناس فقال أمر
الله* ثم تراجع الناس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما وضعت الحرب أو
زارها وفرغنا من القوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أقام بينة على
قتيل قتله فله سلبه* وفى الاكتفاء من قتل قتيلا فله سلبه* وفى رواية من قتل
قتيلا له عليه بينة فله سلبه قمت لالتمس بينة على قتيلى فلم أر أحدا يشهد
فجلست ثم بدا لى فذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله
لقد قتلت قتيلا ذا سلب فأجهضتى عنه القتال فما أدرى من استلبه فقال رجل من
جلسائه من أهل مكة سلاح هذا القتيل الذى تذكره عندى فأرضه عنه* وفى
الاكتفاء فقال رجل من أهل مكة صدق يا رسول الله فأرضه عنى من سلبه قال أبو
بكر كلا يعطيه أضيبع من قريش ويدع أسدا من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله
والا ضيبع تصغير الضبع كذا فى حياة الحيوان فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم
صدق أبو بكر فأعطه فأعطانيه فاشتريت مخرفا فى بنى سلمة وانه لاوّل مال
تأثلته فى الاسلام* وفى الاكتفاء قال أبو بكر لا والله لا يرضيه منه تعمد
الى اسد من أسد الله يقاتل عن دين الله تقاسمه سلبه أردد عليه سلب قتيله
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أردد عليه سلبه قال أبو قتادة فأخذته
منه وبعته فاشتريت بثمنه مخرفا فانه لاوّل مال اعتقرته وعن أنس قتل أبو
طلحة يوم حنين عشرين رجلا وأخذ سلبهم* وفى الشفاء وسلت رسول الله صلى الله
عليه وسلم الدم عن وجه عائذ بن عمرو وكان جرح يوم حنين ودعا له وكانت له
غرّة كغرّة الفرس وروى ان النبىّ صلى الله عليه وسلم مرّ يومئذ بامرأة قتلت
فازدحم الناس عليها فسأل عنها فقالوا له هى امرأة من الكفار قد قتلها خالد
بن الوليد فبعث الى خالد ونهاه عن قتل المرأة والطفل والاجير* وفى الاكتفاء
لما انهزمت هوازن استمرّ القتل من ثقيف فى بنى مالك فقتل منهم سبعون رجلا
تحت رايتهم فيهم عثمان بن عبد الله بن ربيعة ومعه كانت راية بنى مالك وكانت
قبله مع ذى الخمار فلما قتل أخذها عثمان فقاتل بها حتى قتل فلما بلغ رسول
الله صلى الله عليه وسلم قتله قال أبعده الله فانه كان يبغض قريشا* وعن ابن
اسحاق أنه قتل مع عثمان بن عبد الله غلام له نصرانى أغرل قال فبينما رجل من
الانصار يسلب قتلى ثقيف اذ كشف العبد يسلبه فوجده أغرل فصاح بأعلى صوته يا
معشر العرب يعلم الله ان ثقيفا غرل قال المغيرة بن شعبة فأخذت بيده وخشيت
أن تذهب عنا فى العرب فقلت لا تقل كذا فداك أبى وأمى انه غلام لنا نصرانى
قال ثم جعلت اكشف له القتل أقول ألا تراهم مختتنين كما ترى كذا فى سيرة ابن
هشام* وكانت راية الاحلاف مع قارب بن الاسود فلما انهزم الناس هرب هو وقومه
من الاحلاف فلم يقتل منهم غير رجلين يقال لاحدهما وهب وللاخر الجلاح فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه قتل الجلاح قتل اليوم سيد شباب ثقيف
الا ما كان ابن هنيدة يعنى الحارث بن أويس ولما انهزم المشركون أتوا الطائف
ومعهم مالك بن عوف وعسكر بعضهم بأوطاس وتوجه بعضهم نحو نخلة وتبعت خيل رسول
الله صلى الله عليه وسلم من سلك فى نخلة من الناس
(2/106)
ولم تتبع من سلك الثنايا فأدرك ربيعة بن
رفيع وهو غلام ويقال له ابن الدغنة وهى أمه غلبت على اسمه دريد بن الصمة
فأخذ بخطام جمله وهو يظن انه امرأة وذلك انه كان فى شجار له فأناخ به فاذا
شيخ كبير واذا هو دريد بن الصمة ولا يعرفه الغلام فقال له دريد ماذا تريد
بى قال أقتلك قال من أنت قال انا ربيعة ابن رفيع السلمى ثم ضربه بسيفه فلم
يغن شيئا فقال بئس ما سلحتك أمك خذ سيفى هذا من مؤخر الرحل ثم اضرب به
وارفع عن العظام واخفض عن الدماغ فانى كذلك كنت أضرب الرجال ثم اذا أتيت
أمك فأخبرها انك قتلت دريد بن الصمة فرب والله يوم منعت فيه نساءك فزعم بنو
سليم ان ربيعة قال لما ضربته فوقع تكشف فاذا عجانه وبطون فخذيه مثل القرطاس
من ركوب الخيل أعراء فلما رجع ربيعة الى أمه أخبرها بقتله اياه فقالت أمه
والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثا كذا فى الاكتفاء* وفى رواية قتله الزبير بن
العوّام قالت عمرة بنت دريد ترثى أباها
قالوا قتلنا دريدا قلت قد صدقوا ... فظل دمعى على السربال ينحدر
لولا الذى قهر الاقوام كلهمو ... رأت سليم وكعب كيف تأتمر
قال ابن هشام ويقال اسم الذى قتل دريدا عبد الله بن قنيع بن اهبان بن
ربيعة*
سرية أبى عامر الاشعرى الى أوطاس
وفى شوّال هذه السنة كانت سرية أبى عامر الاشعرى الى أوطاس وهو عمّ أبى
موسى الاشعرى وقال ابن اسحاق ابن عمه والاوّل أشهر وأوطاس واد معروف فى
ديار هوازن بين حنين والطائف* روى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما
فرغ من حنين عقد لواء ودفعه الى ابى عامر الاشعرى وأمّره على جمع من
الصحابة منهم أبو موسى الاشعرى وسلمة بن الاكوع والزبير بن العوّام وبعثه
فى آثار من توجه قبل أوطاس من فرّار هوازن يوم حنين فأدرك بعض المنهزمين
فناوشوه القتال فرمى أبو عامر بسهم فقتل فأخذ الراية أبو موسى الاشعرى ففتح
الله عليه وهزمهم الله ويزعمون أنّ سلمة بن دريد هو الذى رمى أبا عامر وذكر
ابن هشام عمن يثق به أنّ أبا عامر الاشعرى لقى يوم أوطاس عشرة اخوة من
المشركين فحمل عليه أحدهم فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه الى الاسلام ويقول
اللهم اشهد عليه فقتله أبو عامر ثم جعلوا يحملون عليه رجلا بعد رجل ويحمل
أبو عامر ويقول ذلك حتى قتل تسعة وبقى العاشر فحمل على أبى عامر وحمل عليه
أبو عامر وهو يدعوه الى الاسلام ويقول اللهم اشهد عليه فقال الرجل اللهم لا
تشهد علىّ فكف عنه أبو عامر فأفلت ثم أسلم بعد فحسن اسلامه فكان رسول الله
صلى الله عليه وسلم اذا رآه قال هذا شريد أبى عامر كذا فى الاكتفاء* وعن
ابن اسحاق وغيره من أصحاب السير لما قال عاشر الاخوة اللهم لا تشهد علىّ
أمسك عنه أبو عامر يظنّ أنه أسلم فقتل ذلك الرجل أبا عامر وبعد ذلك أسلم
وحسن اسلامه وكان النبىّ صلى الله عليه وسلم يقول له شريد أبى عامر* وعن
أبى موسى الاشعرى أنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عامر الى
أوطاس وبعثنى معه فلما لقينا العدوّ وقاتلناه رمى رجل من بنى جشم بسهم فى
ركبة أبى عامر فأثبته فيها فانتهيت اليه أى عمّ من رماك فأشار الى رجل
فقصدته ولحقته فلما رآنى ولى هاربا فتبعته وهو يهرب وجعلت أقول له ألا
تستحيى ألا تثبت فكف عن الهرب فاختلفنا ضربتين بالسيف فقتلته فرجعت ثم قلت
لابى عامر قتل الله صاحبك الذى رماك بالسهم فقال لى انزع منى هذا السهم
فنزعته من ركبته فخرج منه الماء أو قال الدم مثل الماء فلما رأى ذلك أبو
عامر يئس من حياته وقال يا ابن أخى أقرئ النبىّ صلى الله عليه وسلم منى
السلام وقل له يستغفرلى واستخلفنى أبو عامر فمكث يسيرا ثم توفى رحمة الله
عليه ووقع فتح أوطاس بيدى فرجعت ثم دخلت على النبىّ صلى الله عليه وسلم فى
بيته وهو على سرير مرمّل أى منسوج من ليف وما عليه فراش قد أثر رمال السرير
فى ظهره وجنبيه فأخبرته بخبر أبى عامر وقوله قل له يستغفرلى فدعا بماء
وتوضأ
(2/107)
وفى رواية صلى ركعتين ثم رفع يديه فرأيت
بياض ابطيه وقال اللهم اغفر لعبيدك أبى عامر واجعله يوم القيامة فوق كثير
من خلقك فقلت ولى فقال اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه وأدخله يوم
القيامة مدخلا كريما والتوفيق بين الروايتين أن يقال انّ الرجل الذى قاله
محمد بن اسحاق لم يكن قاتلا حقيقيا لابى عامر بل كانت له شركة فى قتله
والله أعلم* وذكر ابن هشام انه رمى أبا عامر يومئذ أخوان من بنى جشم بن
معاوية فأصاب أحدهما قلبه والاخر ركبته فقاتلاه وولى الناس أبو موسى
الاشعرى فحمل عليهما فقتلهما وذكر ابن اسحاق ان القتل استحرّ فى بنى رباب
وزعموا ان عبد الله بن قيس الذى يقال له العوراء وهو أحد بنى وهب بن رباب
قال يا رسول الله هلكت بنو رباب فزعموا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال اللهم اجبر مصيبتهم وخرج مالك بن عوف عند الهزيمة فوقف فى فوارس من
قومه على ثنية من الطريق وقال لاصحابه قفوا حتى تمضى ضعفاؤكم وتلحق أخراكم
فوقف هنالك حتى مرّ من كان لحق بهم من منهزمة الناس* قال ابن هشام وبلغنى
أنّ خيلا طلعت ومالكا وأصحابه على الثنية فقال لاصحابه ماذا ترون قالوا نرى
أقواما عارضى رماحهم أغفالا على خيلهم قال هؤلاء الاوس والخزرج فلا بأس
عليكم منهم فلما انتهوا الى أصل الثنية سلكوا طريق بنى سليم فقال لاصحابه
ماذا ترون قالوا نرى قوما واضعى رماحهم بين آذان خيلهم طويلة بوادّهم قال
هؤلاء بنو سليم ولا بأس عليكم منهم فلما سلموا سلكوا بطن الوادى ثم اطلع
فارس فقال لاصحابه ماذا ترون قالوا نرى فارسا طويل البادّوا ضعا رمحه على
عاتقه عاصبا رأسه بملاءة حمراء قال هذا الزبير بن العوّام وأحلف باللات
والعزى ليخالطنكم فاثبتوا له فلما انتهى الزبير الى أصل الثنية أبصر القوم
فصمد لهم فلم يزل يطاعنهم حتى أزاحهم عنها* وروى أنّ المسلمين قد كانوا
أخذوا سبايا يوم حنين وأوطاس وكانوا يستكرهون نساء السبى اذ كنّ ذوات أزواج
فاستفتوا فى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الاية وهى
والمحصنات من النساء الا ما ملكت أيمانكم يريد ما ملكت أيمانهم من اللاتى
سبين ولهنّ أزواج كفار فهنّ حلال للسابين والنكاح مرتفع بالسبى لقول أبى
سعيد رضى الله عنه أصبنا سبايا يوم أوطاس ولهنّ أزواج فكرهنا أن نقع عليهنّ
فسألنا النبىّ صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الاية فاستحللناهنّ واياه عنى
الفرزدق بقوله
وذات حليل أنكحتها رماحنا ... حلال لمن يا بنى بها لم تطلق
وقال أبو حنيفة رحمه الله لو سبى الزوجان لم يرتفع النكاح ولم يحلّ للسابى
كذا فى أنوار التنزيل وأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم فى سبايا حنين وأوطاس
لا توطأ حامل من السبى حتى تضع حملها ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة فسألوا
عن العزل قال ليس من كل الماء يكون الولد واذا أراد الله أن يخلق شيئا لم
يمنعه شئ* وفى الاكتفاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ان قدرتم
على بجاد رجل من بنى سعد بن بكر فلا يفلتنكم وكان قد أحدث حدثا فلما ظفر به
المسلمون ساقوه وأهله وساقوا معه الشيماء ابنة الحارث بن عبد العزى أخت
رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة فعنفوا عليها فى السياق فقالت
للمسلمين اعلموا أنى أخت صاحبكم من الرضاعة فلم يصدّقوها حتى أتوابها الى
النبىّ صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله انى أختك قال وما علامة ذلك
قالت عضة عضضتنيها فى ظهرى وأنا متورّكتك فعرف رسول الله صلى الله عليه
وسلم العلامة فبسط لها رداءه وأجلسها عليه* وفى رواية ودمعت عيناه وخيرها
وقال ان أحببت فأقيمى عندى محبة مكرمة وان أحببت أن أمتعك وترجعى انى قومك
فعلت فقالت بل تمتعنى وتردّنى الى قومى فأسلمت فمتعها رسول الله صلى الله
عليه وسلم وردّها الى قومها فزعمت بنو سعد أنه أعطاها غلاما يقال له مكحول
وجارية فزوّجت الغلام
(2/108)
للجارية فلم يزل فيهم من نسلهما بقية* وفى
المواهب اللدنية روى أنّ خيلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أغارت على
هوازن فأخذوها فى جملة السبى* وفى رواية أعطاها ثلاثة أعبد وجارية وبعيرين
وشاء ذكره ابو عمرو وابن قتيبة وسماها حذافة ولقبها بشيماء فانصرفت الى
أهلها* وفى المواهب اللدنية جاءته يوم حنين أمّه من الرضاع وهى حليمة
السعدية بنت أبى ذؤيب من هوازن وهى التى أرضعته حتى أكملت رضاعه فقام اليها
وبسط رداءه لها فجلست عليه واختلف فى اسلامها واسلام زوجها كما اختلف فى
اسلام ثويبة* وفى الاكتفاء وأنزل الله تبارك وتعالى فى يوم حنين لقد نصركم
الله فى مواطن كثيرة ويوم حنين اذ أعجبتكم كثرتكم الى قوله جزاء الكافرين
واستشهد من المسلمين يوم حنين أربعة فمن قريش من بنى هاشم أيمن بن عبيد
مولاهم ومن بنى أسد بن عبد العزى يزيد بن زمعة بن الاسود بن المطلب جمح به
فرس له يقال له الجناح فقتله ومن الانصار سراقة بن الحارث العجلانى ومن
الاشعريين أبو عامر الاشعرى وقتل من المشركين أكثر من سبعين قتيلا كذا فى
المواهب اللدنية* وفى الاكتفاء ثم جمعت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم
سبايا حنين وأموالها فأمر بها الى الجعرانة فحبست بها حتى أدركها هناك
منصرفه عن الطائف على ما يذكر بعد ان شاء الله تعالى
* سرية الطفيل بن عامر الى ذى الكفين
وفى شوّال هذه السنة كانت سرية الطفيل بن عمرو الدوسى الى ذى الكفين وهو
صنم من خشب كان لعمرو بن حممة ولما أراد النبىّ صلى الله عليه وسلم السير
الى الطائف بعث الطفيل اليه ليهدمه ويوافيه بالطائف فخرج الطفيل سريعا
فهدمه وجعل يحش النار ويحرقه ويقول
يا ذا الكفين لست من عبادكا ... ميلادنا أقدم من ميلادكا
انى حشيت النار فى فؤادكا
وانحدر معه من قومه أربعمائة رجل سراعا فوافوا النبىّ صلى الله عليه وسلم
بالطائف بعد مقدمه بأربعة أيام وقدموا معهم المنجنيق والدبابة بالدال
المهملة وتشديد الباء الموحدة وهى آلة تتخذ للحرب تدفع فى أصل الحصن
فينقبونه وهم فى جوفها كذا فى القاموس وعند مغلطاى وقدم معه أربعة مسلمون
كذا فى المواهب اللدنية*
غزوة الطائف
وفى شوّال هذه السنة كانت غزوة الطائف وفى معجم ما استعجم الطائف التى
بالغور لثقيف وانما سميت بالحائط الذى بنوا حواليها وأطافوا بها تحصينا
لهم* وفى المواهب اللدنية الطائف بلد كبير على ثلاث مراحل أو مرحلتين من
مكة من جهة المشرق كثير الاعناب والفواكه وقيل انّ أصلها أنّ جبريل عليه
السلام اقتلع الجنة التى كانت لاهل الصريم باليمن وقيل كان اسمها صراون
وقيل حرد* وفى أنوار التنزيل يريد بستانا كان دون صنعاء بفرسخين وكان لرجل
صالح انتهى* وفى المواهب اللدنية اقتلعها جبريل وسار بها الى مكة فطاف بها
حول البيت ثم أنزلها حيث الطائف فسمى الموضع بها وكانت أوّلا بنواحى صنعاء
واسم الارض وج بتشديد الجيم* وفى زبدة الاعمال عن سائب بن يسار قال سمعت
ولد رافع بن جبير وغيره يذكرون انهم سمعوا انه لما دعا ابراهيم عليه السلام
لاهل مكة أن يرزقوا من الثمرات نقل الله تعالى بقعة الطائف من الشام فوضعها
هناك رزقا للحرم* روى عن النبىّ صلى الله عليه وسلم وج على ترعة من ترع
الجنة الترعة ممرّ الماء الى الاسفل كما انّ التلعة ممرّ الماء الى الاعلى
كذا نقل عن الزمخشرى* وفى الصحاح الترعة بالضمّ الباب* وفى الحديث انّ
منبرى هذا على ترعة من ترع الجنة ويقال الترعة الروضة ويقال الدرجة وقيل
الترعة أفواه الجداول* وفى الفائق ما روى فى الحديث من ترع الحوض والاصل فى
هذا البناء الترع وهو الاسراع والنزوّ الى الشرّ يقال يتترّع الينا أى
يتسرّع ويتنزى الى شرّنا ثم قيل كوز مترع وجفنة مترعة لان الاناء اذا امتلأ
سارع الى السيلان ثم قيل لمفتح الماء الى الحوض ترعة وشبه به الباب وأمّا
الترعة بمعنى الروضة على المرتفع والدرجة فمن النزوّ لان فيه معنى
الارتفاع* وروى عن شيخ الخدّام للضريح
(2/109)
النبوى المعروف ببدر الدين الشهابى بلغه
أنّ ميضأة وقعت فى عين الازرق فى الطائف فخرجت بعين الازرق بمدينة النبىّ
صلى الله عليه وسلم وفى كون وج حرما اختلاف فعند أبى حنيفة انه ليس بحرم
وعند الشافعى ومالك انه حرم كمكة والمدينة* قال صاحب الوجيز ورد النهى عن
صيد وج الطائف وقطع نباتها وهو نهى كراهة يوجب تأديبا لا ضمانا* وسئل محمد
بن عمر القسطلانى امام المالكية ومفتيها هل رأيت فى مذهب مالك مسئلة فى
صيدوج فقال لا أعرفها ولا يسعنى أن أفتى بتحريم صيدها لان الحديث ليس من
الاحاديث التى ينبنى عليها التحريم والتحليل* قال أصحاب السير لما فتح رسول
الله صلى الله عليه وسلم حنينا لعشر أو لاحد عشر من شوّال وهو من أشهر
السنة الثامنة من الهجرة خرج الى الطائف يريد جمعا من هوازن وثقيف قد هربوا
من معركة حنين وتحصنوا بحصن الطائف وقدّم خالد بن الوليد فى ألف رجل على
مقدمته طليعة ومرّ فى طريقه بقبر أبى رغال وهو أبو ثقيف فيما يقال فاستخرج
منه غصنا من ذهب وقد كان فلّ ثقيف لما قدموا الطائف دخلوا حصنهم وهو حصن
الطائف ورمّوه وأدخلوا فيه من الزاد وغيره من جميع ما يصلحهم لسنة ثم رتبوا
عليه المجانيق وأدخلوا فيه الرماة وأغلقوا عليهم أبواب مدينتهم وتهيؤا
للقتال* وفى الاكتفاء ولم يشهد حنينا ولا الطائف عروة بن مسعود ولا غيلان
بن سلمة كانا بجرش يتعلمان صنعة الدباب والمجانيق والضبور ثم سار رسول الله
صلى الله عليه وسلم الى الطائف حين فرغ من حنين وسلك على نخلة اليمانية ثم
على قرن ثم المليح ثم بحرة الرغا من لية فابتنى بها مسجدا فصلى فيه وأقاد
فيها يومئذ بدم رجل من هذيل قتله رجل من بنى ليث فقتله به وهو أوّل دم أقيد
به فى الاسلام ومر فى طريقه بحصن مالك بن عوف فهدمه ثم سلك فى طريق فسأل عن
اسمها فقيل له الضيقة فقال بل هى اليسرى ثم خرج منها حتى نزل تحت سدرة يقال
لها الصادرة قريبا من مال رجل من ثقيف فأرسل اليه رسول الله صلى الله عليه
وسلم امّا أن تخرج وامّا أن تخرب عليك حائطك فأبى أن يخرج فأمر باخرابه ثم
مضى حتى انتهى الى الطائف فنزل قريبا من حصنه فضرب به عسكره فقتل ناس من
أصحابه بالنبل رشقهم أهل الحصن رشقا وأصيب ناس من المسلمين* وفى المواهب
اللدنية فرموا المسلمين بالنبل رميا شديدا كأنه رجل جراد حتى أصيب ناس من
المسلمين بجراحته وقتل منهم اثنا عشر رجلا فيهم عبد الله بن ابى أمية* ورمى
عبد الله ابن أبى بكر الصدّيق رضى الله عنه يومئذ بجرح رماه أبو محجن
الثقفى فاندمل ثم نقض عليه بعد ذلك فمات فى خلافة أبيه وذلك أنّ العسكر
اقترب من حائط الطائف فكانت النبل تنالهم ولم يقدر المسلمون على أن يدخلوا
حائطهم أغلقوه دونهم فلما أصيب أولئك النفر من أصحابه بالنبل ارتفع النبىّ
صلى الله عليه وسلم الى موضع مسجده الدى فى الطائف اليوم ووضع عسكره هناك
فحاصرهم بضعا وعشرين ليلة وقيل بضع عشرة ليلة ومعه امرأتان من نسائه أمّ
سلمة وزينب فضرب لهما قبتين ثم صلى بينهما طول خصاره الطائف فلما أسلمت
ثقيف بنى عمرو بن أمية بن وهب بن معتب بن مالك على مصلاه ذلك مسجد او كانت
فيه سارية فيما يزعمون لا تطلع الشمس عليها يوما من الدهر الا سمع لها نضيض
فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاتلهم قتالا شديدا وتراموا بالنبل
ونصب عليهم المنجنيق ورماهم به فيما ذكر ابن هشام قال وهو أوّل منجنيق رمى
به فى الاسلام اذ ذاك وكان قدم به الطفيل الدوسى معه لما رجع من سرية ذى
الكفين* وفى المنتقى عن مكحول أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نصب
المنجنيق على أهل الطائف أربعين يوما حتى اذا كان يوم الشدخة عند جدار
الطائف دخل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت دبابة ثمّ زحفوا
بها الى جدار الطائف ليخرقوه فأرسلت عليهم ثقيف سلك الحديد محماة بالنار
فخرجوا من تحتها فرمتهم بالنبل فقتلوا منهم رجلا ثم أمر النبىّ صلى
(2/110)
الله عليه وسلم يقطع أعناب ثقيف وتحريقها
فوقع الناس فيها يقطعون قطعا ذريعا ثم سألوه أن يدعها لله وللرّحم فقال
عليه السلام انى أدعها لله وللرّحم* وفى الاكتفاء وتقدّم أبو سفيان بن حرب
والمغيرة ابن شعبة الى الطائف فناديا ثقيفا أن أمّنونا حتى نكلمكم
فأمّنوهما فدعوا نساء من نساء قريش وبنى كنانة منهنّ آمنة بنت أبى سفيان
كانت عند عروة بن مسعود فولد له منها داود بن عروة* قال ابن هشام ويقال أم
داود وميمونة بنت أبى سفيان كانت عند مرّة بن عروة بن مسعود فولدت له داود
بن مرّة ليخرجنّ اليهما وهما يخافان عليهما السبى فأبين فلما أبين قال لهما
الاسود بن مسعود يا أبا سفيان ويا مغيرة ألا أدلكما على خير مما جئتما له
انّ مال بنى الاسود حيث علمتما وكان صلى الله عليه وسلم نازلا بينه وبين
الطائف بواد يقال له العقيق انه ليس بالطائف مال أبعد رشاء ولا أشدّ مؤنة
ولا أبعد عمارة من مال بنى الاسود وانّ محمدا ان قطعه لم يعمر أبدا فكلماه
فليأخذه لنفسه أو ليدعه لله وللرّحم فانّ بيننا وبينه من القرابة مالا يجهل
فزعموا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم تركه لهم* وفى المواهب اللدنية ثم
نادى مناديه عليه السلام أيما عبد نزل من الحصن وخرج الينا فهو حرّ* قال
الدمياطى فخرج منهم بضع عشرة وأسلموا فيهم أبو بكرة واسمه نفيع بن الحارث
تسوّر حصن الطائف فى أناس وتدلى منه ببكرة بفتح الباء خشبة مستديرة فى
وسطها محز يستقى عليها كذا فى القاموس فكناه رسول الله صلى الله عليه وسلم
أبا بكرة وعند مغلطاى ثلاثة وعشرون عبدا وكذا فى البخارى وأعتق رسول الله
صلى الله عليه وسلم من نزل منهم ودفع كل رجل منهم الى رجل من المسلمين
يمونه فشق ذلك على أهل الطائف مشقة شديدة فلما أسلم أهل الطائف تكلم نفر
منهم فى أولئك العبيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أولئك عتقاء
الله* وعن أمّ سلمة أنها قالت دخل النبىّ صلى الله عليه وسلم خيمتها فى
أيام محاصرة الطائف وعندها أخوها عبد الله بن أبى أمية ومخنث يقول يا عبد
الله ان فتح الله عليكم الطائف غدا فعليك بابنة غيلان فانها تقبل بأربع
وتدبر بثمان كناية عن سمنها يعنى بأربع عكن فى بطنها لكل عكنة طرفان فيكون
ثمان من خلفها فلما سمعه النبىّ صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل هؤلاء
عليكنّ ولم يؤذن للنبىّ صلى الله عليه وسلم فى فتح الطائف سنتئذ* وفى
الاكتفاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر لابى بكر الصدّيق رضى
الله عنه وهو محاصر ثقيفا يا أبا بكر انى رأيت أن أهديت لى قعبة مملوءة
زبدا فنقرها ديك فهراق ما فيها وكان أبو بكر ماهرا فى تعبير الرؤيا مشهورا
بين العرب فقال ما أظنّ انك تدرك منهم يومك هذا ما تريد فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم وانا لا أرى ذلك ثم ان خويلة بنت حكيم السلمية امرأة عثمان
بن مظعون قالت يا رسول الله أعطنى ان فتح الله عليك الطائف حلى بادية ابنة
غيلان أو حلى الفارعة ابنة عقيل وكانتا من أحلى نساء ثقيف فذكر أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال لها وان كان لم يؤذن فى ثقيف يا خويلة فخرجت
خويلة فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب فدخل عمر رضى الله عنه على رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما حديث حدّثتنيه خويلة زعمت انك قلته
قال قد قلته قال أو ما أذن فيهم يا رسول الله قال لا قال أفلا أوذن بالرحيل
قال بلى فاذن عمر بالرحيل فلما استقبل الناس نادى سعيد ابن عبيد ألا انّ
الحى مقيم يقول عيينة بن حصن أجل والله مجدة كراما فقال له رجل من المسلمين
قاتلك الله يا عيينة تمدح المشركين بالامتناع من رسول الله صلى الله عليه
وسلم وقد جئت تنصره قال والله انى جئت لا قاتل ثقيفا معكم ولكنى أردت أن
يفتح محمد الطائف فأصيب من ثقيف جارية أطأها لعلها تلد لى رجلا فان ثقيفا
قوم مناكير انتهى* وفى رواية فلما آذن عمر بالرحيل ضج الناس من ذلك وقالوا
نرحل ولم يفتح علينا الطائف فقال عليه السلام فاغدوا على القتال فغدوا
فأصاب المسلمين
(2/111)
جراحات وفقئت يومئذ عين أبى سفيان بن حرب
فذكر ابن سعد أن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال له وهى فى يده أيما أحب
اليك عين فى الجنة أو أدعو الله تعالى أن يردّها عليك قال له بل عين فى
الجنة ورمى بها وشهد اليرموك فقتل وفقئت عينه الآخرى يومئذ ذكره الحافظ زين
الدين العراقى فى شرح التقريب كذا فى المواهب اللدنية* ثم قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم انا قافلون ان شاء الله فسرّوا بذلك وأذعنوا وجعلوا
يرحلون ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك واستشهد من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم اثنا عشر رجلا سبعة من قريش وأربعة من الانصار ورجل من بنى
ليث اما الذين من قريش فمن بنى أمية بن عبد شمس سعيد بن سعيد بن العاص بن
أمية وعرفطة بن حباب حليف لهم من الاسد بن غوث* قال ابن هشام ويقال ابن
خباب قال ابن اسحاق ومن تيم بن مرّة عبد الله بن أبى بكر الصدّيق رمى بسهم
فمات منه بالمدينة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بنى مخزوم
عبد الله بن أمية بن المغيرة من رمية رميها يومئذ ومن بنى عدى بن كعب عبد
الله بن عامر بن ربيعة حليف لهم ومن بنى سهم بن عمرو السائب بن الحارث ابن
قيس بن عدى واخوه عبد الله بن الحارث ومن بنى سعد بن ليث جليحة بن عبد الله
وأمّا الذين هم من الانصار فمن بنى سلمة سالم بن الجذع ومن بنى مازن بن
النجار الحارث بن سهيل بن أبى صعصعة ومن بنى ساعدة المنذر بن عبد الله ومن
الاوس رقيم بن ثابت بن ثعلبة بن زيد بن لوذان بن معاوية ثم انصرف رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن الطائف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه
قولوا لا اله الا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده فلما
ارتحلوا قال قولوا آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون ولما قيل له يوم ظعن
عن ثقيف يا رسول الله ادع على ثقيف قال اللهمّ اهد ثقيفا وائت بهم وكان
النبىّ صلى الله عليه وسلم أمر أن يجمع السبى والغنائم مما أفاء الله عليه
يوم حنين فجمع ذلك كله الى الجعرانة وكان بها الى أن انصرف من الطائف من
غير فتح وفى تاريخ اليافعى أسلم أهل الطائف فى العام القابل لا فى عام
المحاصرة فرجع صلى الله عليه وسلم مارا على دحناء ثم على قرن المنازل ثم
على نخلة حتى خرح الى الجعرانة ونزلها وهى بين الطائف ومكة وهى الى مكة
أدنى وبها قسم غنائم حنين ومنها أحرم لعمرته فى جهته تلك* وفى هذه السنة
أسلم صفوان بن أمية الجمحى وقد مرّت كيفية اسلامه* وفى خلاصة السير أنه صلى
الله عليه وسلم كان فى غزوة الطائف فبينما هو يسير ليلا بواد بقرب الطائف
اذ غشى سدرة فى سواد الليل وهو فى سنة النوم فانفرجت السدرة له نصفين فمرّ
بين نصفيها وبقيت منفرجة على حالتها فأتى الجعرانة لخمس ليال خلون من ذى
القعدة فأقام بها ثلاثة عشر يوما وسيجىء واستأنى صلى الله عليه وسلم بهوازن
أى تربص بهم وانتظرهم أن يقدموا عليه مسلمين ثم أتاه وفد من هوازن من أهل
الطائف ولحقوا به بالجعرانة فأسلموا وقد كان المسلمون جمعوا بها غنائم حنين
وما حصل من أوطاس والطائف فقسمها على الناس وذلك ستة آلاف من الذرارى
والنساء وأربعة وعشرون ألفا من الابل وأربعة آلاف أوقية من الفضة وأكثر من
أربعين ألفا من الغنم* وفى الاكتفاء ومن الابل والشاء ما لا يدرى عدّتهم
قيل قدمت هوازن فقالوا يا رسول الله انا أصل وعشيرة وقد أصابنا من البلاء
ما لم يخف عليك فامنن علينا منّ الله عليك وقام رجل منهم من سعد بن بكر
يقال له زهير يكنى بأبى صرد فقال يا رسول الله انما فى لحظائر عماتك
وخالاتك وحواضنك اللاتى كن يكفلنك ولو أنا ملكنا للحارث بن أبى شمر
وللنعمان بن المنذر ثم نزلا منا بمثل ما نزلت به رجونا عطفه وعائدته علينا
وأنت خير المكفولين* ثم أنشأ أبياتا منها قوله
أمنن علينا رسول الله فى كرم ... فانك المرء نرجوه وننتظر
(2/112)
أمنن على بيضة قد عاقها قدر ... مفروقة
شملها فى دهرها غير
أمنن على نسوة قد كنت ترضعها ... وفوك تملأه من مخضها الدرر
اذ أنت طفل صغير كنت ترضعها ... واذ يزينك ما تأتى وما تذر
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤكم وأبناؤكم أحب اليكم أم أموالكم
فقالوا يا رسول الله خيرتنا بين أموالنا واحسابنا بل تردّ الينا نساءنا
وأبناءنا فهو أحب الينا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أما ما كان
لى ولبنى عبد المطلب فهو لكم فاذا انا صليت الظهر بالناس فقوموا فقولوا انا
نستشفع برسول الله الى المسلمين وبالمسلمين الى رسول الله فى أبنائنا
ونسائنا فسأعطيكم عند ذلك واسأل لكم فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
الظهر قاموا اليه فتكلموا بالذى أمرهم به فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم أماما كان لى ولبنى عبد المطلب فهو لكم فقال المهاجرون وما كان لنا
فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت الانصار وما كان لنا فهو لرسول
الله فقال الاقرع بن حابس أمّا أنا وبنو تميم فلا وقال عيينة بن حصن امّا
أنا وبنو فزارة فلا وقال العباس بن مرداس اما أنا وبنو سليم فلا فقالت بنو
سليم بلى ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال العباس
بهتمونى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمّا من تمسك منكم بماله من هذا
السبى فله بكل انسان ست فرائض من أوّل شئ أصيبه فردّوا الى الناس أبناءهم
ونساءهم وكان عيينة بن حصن قد أخذ عجوزا من عجائزهم وقال انى لأحسب ان لها
فى الحى نسبا وعسى أن يعظم فداؤها فلما ردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم
السبايا بست فرائض أخذ ذلك من ولدها بعد أن ساومه فيها مائة من الابل وقال
له ولدها والله ما ثديها بناهد ولا بطنها بوالد ولا فوها ببارد ولا صاحبها
بواجد أى يحزن لفواتها فقال عيينة خذها لا بارك الله لك فيها* وفى سيرة ابن
هشام قال ابن اسحاق حدّثنى أبو وجرة يزيد بن عبد الله السعدى ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم أعطى على بن أبى طالب جارية يقال لها ريطة بنت هلال بن
حيان وأعطى عثمان ابن عفان جارية يقال لها زينب بنت حيان وأعطى عمر بن
الخطاب جارية فوهبها لعبد الله ولده رضى الله تعالى عنهم أجمعين*
(ذكر اسلام مالك بن عوف النضرى)
* وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد هوازن ما فعل مالك بن عوف النضرى
قالوا هو بالطائف مع ثقيف فقال لهم أخبروا مالكا أنه ان أتانى مسلما رددت
عليه ماله وأهله وأعطيته مائة من الابل فأتى مالك بذلك فخاف ثقيفا أن
يعلموا بما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحبسوه فأمر براحلته فهيئت
له وأمر بفرس له فأتى به بالطائف فخرج ليلا على فرسه حتى أتى راحلته حيث
أمر بها أن تحبس فركبها فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركه
بالجعرانة أو بمكة فردّ عليه ماله وأهله وأعطاه مائة من الابل وأسلم فحسن
اسلامه فاستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه وكان
يقاتل بهم ثقيفا فكان لا يخرج لهم سرح الا أغار عليهم حتى ضيق عليهم وفى
رواية لما أتاه وفد هوازن فسألوا أن يردّ عليهم سبيهم وأموالهم فقام رسول
الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فيهم وقال ان معى من ترون وأحب الحديث أصدقه
فاختاروا احدى الطائفتين اما السبى واما المال قالوا انا نختار سبينا فقام
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أمّا بعد
فان اخوانكم قد جاؤا تائبين وانى قد رأيت أن أردّ اليهم سبيهم فمن أحب منكم
أن يطيب بذلك فليفعل ومن أحب أن يكون على حظه حتى نعطيه اياه من أوّل ما
يفئ الله علينا فليفعل قال ناس قد طبنا بذلك يا رسول الله فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم انا لا ندرى من أذن منكم فى ذلك ممن لم يأذن فارجعوا
حتى يرفع الينا عرفاؤكم أمركم فرجع الناس كلهم وعرفاؤهم ثم رجعوا الى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه انهم
(2/113)
قد طيبوا وأذنوا* وفى الشفاء ردّ رسول الله
صلى الله عليه وسلم على هوازن سباياها وكانوا ستة آلاف ولما فرغ من ردّ
سبايا حنين الى أهلها ركب واتبعه الناس يقولون يا رسول الله اقسم علينا
سبايا الابل والغنم حتى ألجأوه الى شجرة فاختطفت عنه رداءه فقال ردّوا علىّ
ردائى أيها الناس فو الله لو كان لى بعدد شجر تهامة نعم لقسمته عليكم ثم ما
لقيتمونى بخيلا ولا جبانا ولا كذوبا ثم قام الى جنب بعيره فأخذ وبرة من
سنامه فرفعها ثم قال أيها الناس والله مالى من فيئكم ولا هذه الوبرة الا
الخمس والخمس مردود عليكم فأدّوا الخياط والمخيط فان الغلول يكون على أهله
عارا وشنارا ونارا يوم القيامة* وفى رواية فجاء رجل من الانصار بكبة من
خيوط شعر فقال يا رسول الله أخذت هذه البكبة أعمل بها برذعة بعير لى من وبر
فقال أما نصيبى منها فلك قال اذا بلغت ذلك فلا حاجة لى بها ثم طرحها من
يده* وفى رواية ان عقيل بن أبى طالب دخل يوم حنين على امرأته فاطمة بنت
شيبة وسيفه متلطخ دما فقالت انى قد عرفت انك قد قاتلت فماذا أصبت من غنائم
المشركين قال دونك هذه الابرة بخيطين فخيطى بها ثوبك فدفعها اليها فسمع
منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أخذ شيئا فليردّه حتى الخياط
والمخيط فرجع عقيل فقال ما أدرى ابرتك الا قد ذهبت وأخذها فألقاها فى
الغنائم وقد صح ان النبىّ صلى الله عليه وسلم أعطى المؤلفة قلوبهم عطاء
كاملا وكانوا أشرافا من أشراف الناس يتألفهم ويتألف بهم قومهم كيما يودّوه
ويكفوا عن حربه قيل هم خمسة عشر رجلا* وفى المضمرات المؤلفة قلوبهم ثلاثة
أصناف صنف يتألفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلموا ويسلم قومهم
باسلامهم وصنف أسلموا فيريد تقريرهم وصنف يعطيهم لدفع شرّهم مثل عباس بن
مرداس وعيينة بن حصن وعلقمة بن عدية* وفى السراجية من المؤلفة قلوبهم أبو
سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وعيينة بن حصن الفزارى والأقرع بن حابس الطائى
وعباس بن مرداس السلمى وزيد الخيل* وفى رواية ان أبا سفيان بن حرب جاء الى
النبىّ صلى الله عليه وسلم والاموال من نقود وغيرها مجموعة عنده فقال يا
رسول الله أنت اليوم أغنى قريش فتبسم صلى الله عليه وسلم فقال أبو سفيان
حظنا من هذه الاموال فأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم بلالا فأعطاه مائة من
الابل وأربعين أوقية من الفضة فقام اليه يزيد وهو يزيد بن أبى سفيان
الصحابى أخو معاوية أسلم يوم الفتح ويقال له يزيد الخير فأعطاه أيضا مائة
من الابل وأربعين أوقية من الفضة فقال أبو سفيان فأين حظ ابنى معاوية
فأعطاه مائة من الابل وأربعين أوقية من الفضة حتى أخذ أبو سفيان ثلثمائة من
الابل ومائة وعشرين أوقية من الفضة فقال أبو سفيان بأبى أنت وأمى يا رسول
الله لأنت كريم فى الحرب وفى السلم هذا غاية الكرم جزاك الله خيرا وأعطى
صفوان بن أمية من الابل مائة ثم مائة كذا فى الشفاء وأعطى حكيم بن حزام
مائة من الابل فسأل مائة أخرى فأعطاه اياها وأعطى كل واحد من الحارث بن
كلدة والحارث بن هشام أخى أبى جهل وعبد الرحمن بن يربوع المخزوميان وسهيل
بن عمرو وحويطب ابن عبد العزى كل هؤلاء من أشراف قريش والاقرع بن حابس
التميمى وعيينة بن حصن الفزارى ومالك بن عوف النصرى وهؤلاء من غير قريش
أعطى كل واحد من هؤلاء المسمين من قريش وغيرهم مائة بعير وأعطى دون ذلك
رجالا منهم من قريش مخرمة بن نوفل وعمير بن وهب وأعطى سعيد بن يربوع
المخزومى وعدى بن قيس السهمى وعلاء بن حارثة الثقفى وعثمان بن نوفل وهشام
بن عمرو العامرى خمسين خمسين وأعطى العباس بن مرداس أبا عر فسخطها* فقال
وما كان حصن ولا حابس ... يفوقان مرداس فى مجمع
وما كنت دون امرئ منهما ... ومن يضع اليوم لا يرفع
(2/114)
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهبوا
به فاقطعوا عنى لسانه فأعطوه حتى رضى فكان ذلك قطع لسانه* وفى رواية فأتم
له مائة أيضا وذكر ابن هشام ان عباسا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت القائل
فأصبح نهبى ونهب العبيد بين الاقرع وعيينة
فقال أبو بكر بين عيينة والاقرع* فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هما
واحد فقال أبو بكر أشهد انك كما قال الله وما علمناه الشعر وما ينبغى له*
وذكر ابن عقبة ابن عباسا لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع لسانه
فزع لها وقال من لا يعرف أمر بعباس يمثل به فأتى به الى الغنائم فقيل له خذ
منها ما شئت فقال العباس وانما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطع
لسانى بالعطاء بعد ان تكلمت فتكرم أن يأخذ منها شيئا فبعث اليه رسول الله
صلى الله عليه وسلم بحلة فقبلها ولبسها وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم
قائل من أصحابه يا رسول الله أعطيت عيينة بن حصن والاقرع ابن حابس مائة
مائة وتركت جعيل بن سراقة الضمرى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اما
والذى نفس محمد بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع الارض كلهم مثل عيينة ابن
حصن والاقرع ولكنى تألفتهما ليسلما ووكلت جعيل بن سراقة الى اسلامه وجاء
رجل من تميم يقال له ذو الخو يصرة فوقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال يا محمد قد رأيت ما صنعت فى هذا اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم أجل فكيف رأيت قال لم أرك عدلت فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم
قال ويحك اذا لم يكن العدل عندى فعند من يكون فقال عمر رضى الله عنه ألا
نقتله فقال لا دعوه فانه ستكون له شيعة يتعمقون فى الدين حتى يخرجوا منه
كما يخرج السهم من الرمية تنظر فى النصل فلا يوجد شئ ثم فى القدح فلا يوجد
شئ ثم فى الفوق فلا يوجد شئ سبق الفرث والدم* وروى انه صلى الله عليه وسلم
لما أراد أن يقسم الغنائم أمر زيد بن ثابت حتى أحصى الناس ثم عدّ الابل
والغنم وقسمها على الناس فوقع فى سهم كل رجل أربع من الابل مع أربعين من
الشاء وان كان فارسا فسهمه اثنا عشر بعيرا مع مائة وعشرين من الشاء ولم يعط
لغير فرس واحد وعن أنس سأله صلى الله عليه وسلم رجل فأعطاه غنما بين جبلين
فرجع الى بلده فقال يا قوم اسلموا فان محمدا صلى الله عليه وسلم يعطى عطاء
من لا يخشى فاقة* وفى معالم التنزيل لما أفاء الله على رسوله يوم حنين من
أموال هوازن ما أفاء قسم فى الناس من المهاجرين والطلقاء والمؤلفة قلوبهم*
وفى رواية طفق يعطى رجالا من قريش وغيرهم المائة من الابل ولم يعط الانصار
منها شيئا فكأنهم وجدوا اذا لم يصيبوا ما أصابه الناس فقالوا يغفر الله
لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطى قريشا ويدعنا وسيوفنا تقطر من دمائهم
فحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقالتهم فأرسل الى الانصار فجمعهم فى
قبة من أدم ولم يدع معهم أحدا غيرهم فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم فخطبهم فقال ما كان بلغنى عنكم فقال له فقهاؤهم أما ذو ورأينا
فلم يقولوا شيئا واما أناس منا حديثة أسنانهم فقالوا يغفر الله لرسول الله
صلى الله عليه وسلم يعطى قريشا ويترك الانصار وسيوفنا تقطر من دمائهم فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم انى أعطى رجالا حديثى عهد بكفر أتألفهم أما
ترضون أن يذهب الناس بالاموال أو بالدنيا وترجعوا الى رحالكم برسول الله
وتحوزونه الى بيوتكم فو الله ما تنقلبون به خير مما ينقلبون به قالوا يا
رسول الله قد رضينا* وفى رواية قال أما ترضون أن يذهب الناس بالشاء والابل
وتذهبوا بالنبىّ الى رحالكم ولولا الهجرة لكنت امرأ من الانصار ولو سلك
الناس واديا أو شعبا والانصار واديا لسلكت وادى الانصار والانصار شعار
والناس دثار وانكم ستلقون بعدى أثرة فاصبروا حتى
(2/115)
تلقونى على الحوض وفى رواية سترون بعدى
اثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله فانى على الحوض قالوا ستصبر* وفى
الاكتفاء ولما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى فى قريش وفى
قبائل العرب ولم يعط الانصار شيئا وجدوا فى أنفسهم حتى كثرت منهم المقالة
حتى قال قائلهم لقى والله رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه فدخل سعد بن
عبادة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انّ هذا الحىّ
من الانصار قد وجدوا عليك لما صنعت فى هذا الفىء الذى أصبت قسمت فى قومك
وأعطيت عطايا عظاما فى قبائل العرب ولم يكن فى هذا الحىّ من الانصار منها
شئ قال فأين أنت من ذلك يا سعد قال يا رسول الله ما أنا الا من قومى قال
فاجمع لى قومك فى هذه الحظيرة فخرج سعد وجمع الانصار فى تلك الحظيرة فجاء
رجال من المهاجرين فتركهم فدخلوا وجاء آخرون فردّهم فلما اجتمعوا له أعلمه
سعد بهم فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه بما هو
أهله ثم قال يا معشر الانصار مقالة بلغتنى عنكم وجدة وجدتموها فى أنفسكم
ألم آتكم ضلالا فهذا كم الله وعالة فأغناكم الله وأعداء فألف الله بين
قلوبكم قالوا بلى يا رسول الله الله ورسوله أمنّ وأفضل ثم قال ألا تجيبون
يا معشر الانصار قالوا بماذا نجيبك يا رسول الله لله ورسوله المنّ والفضل
فقال صلى الله عليه وسلم أما والله لو شئتم لقلتم فلصدّقتكم ولصدقتم أتيتنا
مكذبا فصدّقناك ومخذولا فنصرناك وطريدا فاويناك وعائلا فأغنيناك يا معشر
الانصار أوجدتم فى أنفسكم فى لعاغة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا
ووكلتكم الى اسلامكم ألا ترضون يا معشر الانصار أن يذهب الناس بالشاة
والبعير وترجعوا برسول الله الى رحالكم فو الذى نفس محمد بيده لولا الهجرة
لكنت امرأ من الانصار ولو سلك الناس شعبا وسلك الانصار شعبا لسلكت شعب
الانصار اللهم ارحم الانصار وأبناء الانصار وأبناء أبناء الانصار فبكى
القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا رضينا يا رسول الله بك قسما وحظا ثم انصرف
رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرّقوا*
بعث عمرو بن العاص الى حيفر وعبد
وفى هذه السنة فى ذى القعدة الحرام بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو
بن العاص الى حيفر وعبدا بنى الجلندى بعمان فأسلما وصدّقا* وفى هذه السنة
قبل منصرفه من الجعرانة وقيل قبل الفتح وفى الاكتفاء بعد انصرافه من
الحديبية
بعث العلاء الحضرمى الى ملك البحرين
فيكون قبل الفتح بعث العلاء الحضرمى الى المنذر الساوى العبدى ملك البحرين
وكتب اليه كتابا ودعاه الى الاسلام فلما انتهى اليه وقرأ الكتاب أسلم وكتب
جواب الكتاب فقال يا رسول الله انّ الله تعالى قد أعطانى بك نعمة الاسلام
وقد قرأت كتابك على أهل البحرين* وفى الاكتفاء على أهل هجر فأسلم بعضهم
وأبى بعضهم وفى أرضنا المجوس فمرنا كيف نعاملهم* فكتب النبىّ صلى الله عليه
وسلم انّ من ثبت على المجوسية خذ منه الجزية ولا يناكحهم المسلمون ولا
يأكلوا من ذبائحهم وكتب كتابا للعلاء الحضرمى وعين فيه نصاب زكاة الابل
والبقر والغنم والزرع والثمار وأموال التجارة فقرأ العلاء كتاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم على الناس وأخذ صدقاتهم* وفى الاكتفاء ذكر ابن اسحاق
وغيره أنّ المنذر توفى قبل ردّة أهل البحرين والعلاء عنده أميرا لرسول الله
صلى الله عليه وسلم على البحرين* وفى رواية بعث صلى الله عليه وسلم أبا
هريرة مع العلاء فى هذه السفرة وكان العلاء مجاب الدعوة وانه خاض فى البحر
بكلمات قالهنّ وكان له أثر عظيم فى قتال أهل الردّة عند البحرين فى خلافة
أبى بكر الصدّيق وسيجىء فى الخاتمة ان شاء الله تعالى* قال ابن سيد الناس
انّ النبىّ صلى الله عليه وسلم انتهى الى الجعرانة ليلة الخميس لخمس ليال
خلون من ذى القعدة الحرام فأقام بها ثلاث عشرة ليلة فلما أراد الانصراف الى
المدينة خرج ليلة الاربعاء لثنتى عشرة ليلة بقيت من ذى القعدة الحرام ليلا
فأحرم بعمرة ودخل مكة* وفى المواهب اللدنية ذكر محمد بن سعد كاتب الواقدى
عن ابن عباس
(2/116)
أنه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم
من الطائف نزل الجعرانة فقسم بها الغنائم ثم اعتمر منها وذلك لليلتين بقينا
من شوّال قال ابن سيد الناس هذا ضعيف والمعروف عند أهل السير هو الاوّل انه
اعتمر فى ذى القعدة قال فطاف وسعى وحلق رأسه وحالقه أبو هند ففرغ من عمرته
ليلا ثم رجع الى الجعرانة من ليلته وأصبح بها كبائت* وفى تاريخ الازرقى عن
مجاهد أنه عليه السلام أحرم من وراء الوادى حيث الحجارة المنصوبة* وفى معجم
ما استعجم روى أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم جاء الى المسجد فركع ما شاء
ثم أحرم ثم استوى على راحلته فاستقبل بطن سرف حتى لقى طريق مكة فأصبح بمكة
كبائت* وفى المواهب اللدنية عن الواقدى أنه أحرم من المسجد الاقصى الذى تحت
الوادى بالعدوة القصوى وكان مصلاه اذ كان بالجعرانة والجعرانة موضع بينه
وبين مكة بريد كما قاله الفاكهانى وقال الباجى ثمانية عشر ميلا وسميت
بامرأة تلقب بالجعرانة كما ذكره السهيلى* وفى الاكتفاء ثم خرج رسول الله
صلى الله عليه وسلم من الجعرانة معتمرا وأمر ببقايا الفئ فحبس بمجنة بناحية
مرّ الظهران فلما فرغ من عمرته انصرف راجعا الى المدينة واستخلف عتاب بن
أسيد على مكة وخلف معه معاذ بن جبل يفقه الناس فى الدين ويعلمهم القرآن
وأتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ببقايا الفئ ولما استعمل رسول الله صلى
الله عليه وسلم عتابا على مكة رزقه فى كل يوم درهما فقام عتاب خطيبا فى
الناس فقال أيها الناس أجاع الله كبد من جاع على درهم فقد رزقنى رسول الله
صلى الله عليه وسلم كل يوم درهما فليست لى حاجة الى أحد* وكانت عمرة رسول
الله فى ذى القعدة وقدم المدينة فى بقيته أو فى أوّل ذى الحجة وقد غاب عنها
شهرين وستة عشر يوما وحج الناس تلك السنة على ما كانت العرب تحج عليه وحج
عتاب ابن أسيد بالمسلمين فيها وهى سنة ثمان وأقام أهل الطائف على شركهم
وامتناعهم فى طائفهم ما بين ذى القعدة اذ انصرف رسول الله صلى الله عليه
وسلم الى رمضان سنة تسع*
اسلام عروة بن مسعود
وفى هذه السنة أسلم عروة ابن مسعود الثقفى وقتل* وفى الاكتفاء وكان من حديث
ثقيف أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عنهم من الطائف اتبع أثره
عروة بن مسعود حتى أدركه قبل أن يصل الى المدينة فأسلم وسأله أن يرجع الى
قومه بالاسلام فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم انهم قاتلوك وعرف رسول
الله صلى الله عليه وسلم أنّ فيهم نخوة الامتناع الذى كان منهم فقال عروة
يا رسول الله أنا أحب اليهم من أبكارهم ويقال من أبصارهم وكان فيهم كذلك
محببا مطاعا فخرج يدعو قومه الى الاسلام رجاء أن لا يخالفوه لمنزلته فيهم
فلما أشرف لهم على علية له وقد دعاهم الى الاسلام وأظهر لهم دينه رموه
بالنبل من كل جهة فأصابه سهم فقتله فقيل له ما ترى فى دمك قال كرامة أكرمنى
الله بها وشهادة ساقها الله الىّ فليس فىّ الا ما فى الشهداء الذين قتلوا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم فادفنونى معهم فزعموا
أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال انّ مثله فى قومه كمثل صاحب يس فى
قومه* ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من الطائف كتب بجير
بن زهير بن ابى سلمى الى أخيه كعب بن زهير يخبره بخبر رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقدم كعب فى السنة التاسعة المدينة وأسلم وستجىء قصته فى السنة
التاسعة* وفى هذه السنة بعث قيس بن سعد بن عبادة الى ناحية اليمن فى
أربعمائة فارس وأمره أن يقاتل قبيلة صداء حين مروره عليهم فى الطريق فقدم
زياد بن الحارث الصدائى فسأل عن ذلك البعث فأخبر فقال يا رسول الله أنا
وافد فاردد الجيش فأنا لك بقومى فردّهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من
قناة وقدم الصدائيون بعد خمسة عشر يوما*
تزوّجه عليه السلام بمليكة الكندية
وفى هذه السنة تزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم مليكة الكندية وكان قتل
أبوها قبل الفتح فقال لها بعض أزواج النبىّ صلى الله عليه وسلم ألا تستحيين
أن تتزوّجى رجلا قتل أباك فاستعاذت ففارقها وقد مرّ فى الباب الثالث فى
حوادث السنة الخامسة
(2/117)
والعشرين من مولده* وفى هذه السنة أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم طلاق
سودة فقالت دعنى أكن فى أزواجك وأجعل يومى لعائشة ففعل صلى الله عليه وسلم*
وفى رواية أنه طلقها وجلست فى طريقه حين ينصرف الى بيت عائشة وقالت راجعنى
يا رسول الله فو الله ما بقى حب الزوج فى قلبى ولكن أريد أن أحشر يوم
القيامة فى زمرة أزواجك وأجعل يومى لعائشة فراجعها صلى الله عليه وسلم
ويكون يوم نوبتها فى بيت عائشة قيل وآية وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو
اعراضا نزلت فى قصة سودة*
ولادة ابراهيم من مارية القبطية
وفى ذى الحجة من هذه السنة ولد ابراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم
من مارية القبطية وكانت قابلتها سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فخرجت الى زوجها ابى زافع فأخبرته بأنّ مارية قد ولدت غلاما فجاء الى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فبشره فوهب له عبدا وسماه ابراهيم وعق عنه بكبشين
يوم سابعه وحلق رأسه وتصدّق بزنة شعره فضة على المساكين وأمر بدفن شعره فى
الارض وتنافست فيه نساء الانصار أيتهنّ ترضعه فدفعه الى أمّ بردة بنت
المنذر بن زيد وزوجها البراء بن أوس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يأتى الى أمّ بردة ويقيل عندها وتأتى له بابراهيم وغارت نساء رسول الله صلى
الله عليه وسلم واشتدّ عليهنّ حين رزق منها الولد* روى عن أنس أنه قال لما
ولد ابراهيم عليه السلام جاءه جبريل عليه السلام فقال السلام عليك يا أبا
ابراهيم ورواه أبو هريرة أيضا بتغيير يسير كما مرّ فى الركن الاوّل فى
الباب الاوّل وعن أنس أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد لى
الليلة غلام فسميته باسم أبى ابراهيم ثم دفعه الى أمّ سيف امرأة قين
بالمدينة يقال له أبو سيف يشبه أن تكون أمّ سيف هى أمّ بردة ابنة المنذر
وستجىء وفاة ابراهيم فى الموطن العاشر* وفى آخر هذه السنة ابتدأ قدوم
الوفود عليه بعد رجوعه من الجعرانة فقدم عليه وفد هوازن* وفى هذه السنة
توفيت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم* وفى المنتقى أنها ماتت فى
أوّل هذه السنة وقد مرّ فى السنة الخامسة والعشرين من مولده فى ذكر أولاده
صلى الله عليه وسلم والله أعلم
* |