تاريخ
الخميس في أحوال أنفس النفيس (الموطن العاشر فى
حوادث السنة العاشرة من الهجرة
من قدوم عدى بن حاتم وبعث أبى موسى الاشعرى ومعاذ بن جبل الى اليمن وبعث
خالد بن الوليد الى بنى الحارث بن كعب بنجران وبعث على بن أبى طالب بعد ذلك
الى اليمن وبعث جرير بن عبد الله البجلى الى تخريب ذى الخاصة وبعث جرير بن
عبد الله ايضا الى ذى الكلاع وسيجيئان فى الخاتمة فى ذكر الوفود وقصة بديل
وتميم الدارى ووفاة ابراهيم ابن النبىّ صلى الله عليه وسلم وانكساف الشمس
وطلوع جبريل مجلس النبىّ صلى الله عليه وسلم وقدوم فيروز الديلمى واسلام
فروة بن عمرو الجذامى وخروج النبىّ صلى الله عليه وسلم من المدينة للحج
واتيان صبىّ فى حجة الوداع وموت باذان ونزول آية الاستئذان) *
* وفى اول هذه السنة قدم عدى بن حاتم على ما فى الوفاء وفى بعض كتب السير
أورد قدومه فى شعبان سنة تسع وسيجىء فى الخاتمة*
بعث أبى موسى الاشعرى الى اليمن
وفى هذه السنة بعث أبا موسى الاشعرى ومعاذ بن جبل الى اليمن قبل حجة الوداع
عند انصرافه من تبوك فى ربيع الاوّل كلا على مخلاف منه وهو مخلا فان ثم قال
يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا وطاوعا ولا تخالفا* المخلاف بكسر الميم
وسكون المعجمة وآخره فاء بلغة أهل اليمن السكورة والاقليم والرستاق وكانت
جهة معاذ العليا الى صوب عدن وكان من عمله الجند بفتح الجيم والنون وله بها
مسجد مشهور وكانت جهة أبى موسى السفلى كذا فى المواهب اللدنية وفى رواية
بعث معاذ بن جبل لاهل البلدين اليمن وحضر موت*
(ذكر معاذ بن جبل)
* فى الصفوة معاذ بن جبل بن أوس ويكنى أبا عبد الرحمن أسلم وهو ابن ثمان
عشرة سنة وشهد العقبة مع السبعين وبدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأردفه وراءه وبعثه الى اليمن بعد غزوة تبوك وشيعه ماشيا
وهو راكب وسيجىء قريبا صفته* عن الواقدى عن أشياخه قالوا كان معاذ رجلا
طويلا أبيض حسن الشعر عظيم العينين مجموع الحاجبين جعدا قططا وقال غيره
أكحل العينين براق الثنايا اذا تكلم كأنما يخرج من فيه نور ولؤلؤ وله من
الولد عبد الرحمن وأمّ عبد الله وولد آخر لم يذكر اسمه* وفى المنتقى عن ابن
عمر لما أراد النبىّ صلى الله عليه وسلم أن يبعث معاذ بن جبل الى اليمن صلى
صلاة الغداة ثم أقبل علينا بوجهه فقال يا معشر المهاجرين والانصار أيكم
ينتدب الى اليمن فقال أبو بكر بن أبى قحافة أنا يا رسول الله قال فسكت عنه
فلم يجبه ثم قال يا معشر المهاجرين والانصار ايكم ينتدب الى اليمن فقام عمر
بن الخطاب فقال أنا يا رسول الله فسكت عنه فلم يجبه ثم قال يا معشر
المهاجرين والانصار أيكم ينتدب الى اليمن فقام معاذ بن جبل فقال أنا يا
رسول الله فقال له أنت يا معاذ وهى لك يا بلال ائتنى بعما متى فعمم بها
رأسه وشدّ له على راحلته وشيعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كان معه
من المهاجرين والانصار وفتاء الناس من قريش وغيرهم ممن شاء الله ومعاذ راكب
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشى الى جنبه يوصيه فقال معاذ يا رسول الله
أنا راكب وأنت تمشى ألا أنزل فأمشى معك ومع أصحابك فقال يا معاذ انما أحتسب
خطاى هذه فى سبيل الله قال فأوصاه بوصايا ثم قال يا معاذ لو أنا نلتقى بعد
يومنا هذا لقصرت اليك فى الوصية ولكنا لا نلتقى الى يوم القيامة*
وصيته عليه السلام لمعاذ
وفى رواية قال يا معاذ لا تلقانى بعد عامى هذا ولعلك تمرّ بمسجدى وقبرى
فبكى معاذ خشعا لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم التفت فأقبل بوجه
نحو المدينة فقال ان أولى الناس بى المتقون من كانوا
(2/142)
وحيث كانوا رواه أحمد* وفى رواية قال يا
معاذ انك تقدم على قوم أهل كتاب وانهم سائلوك عن مفاتيح الجنة فأخبرهم ان
مفاتيح الجنة لا اله الا الله وانها تخرق كل شئ حتى تنتهى الى الله عز وجل
ولا تحجب دونه من جاء بها يوم القيامة مخلصا رجحت بكل ذنب فقال معاذ أرأيت
ما سئلت عنه واختصم الىّ فيه مما ليس فى كتاب ولم أسمع منك عنه فقال تواضع
لله يرفعك الله ولا تقضين الا بعلم فان أشكل عليك أمر فسل ولا تستحى واستشر
ثم اجتهد فان الله عز وجل ان يعلم منك الصدق يوفقك فان التبس عليك فقف حتى
تثبته أو تكتب الىّ فيه واحذر الهوى فانه قائد الاشقياء الى النار وعليك
بالرفق* وعن معاذ بن جبل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعثه الى
اليمن قال كيف تقضى اذا عرض لك قضاء قال أقضى بكتاب الله قال فان لم تجد فى
كتاب الله قال فبسنة رسول الله قال فان لم تجد فى سنة رسول الله قال أجتهد
رأيى ولا آلو قال فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدره وقال الحمد
لله الذى وفق رسول رسول الله لما يرضى رسول الله رواه الترمذى وأبو داود
والدارمى كذا فى المشكاة* وعن ابن عباس بعث معاذا الى اليمن فقال انك تأتى
قوما أهل كتاب فادعهم الى شهادة أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله
فان هم أطاعوا لك بذلك فأعلمهم ان الله قد فرض عليهم خمس صلوات فى اليوم
والليلة فان هم أطاعوا لك بذلك فأعلمهم ان الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من
أغنيائهم فتردّ فى فقرائهم فان هم أطاعوا لك بذلك فاياك وكرائم أموالهم
واتق دعوة المظلوم فانه ليس بينها وبين الله حجاب رواه البخارى كذا فى
المواهب اللدنية* قال ثم ودّعه وانصرف ومضى معاذ حتى أتى صنعاء اليمن فصعد
على منبرها فحمد الله وأثنى عليه ثم صلى على النبىّ صلى الله عليه وسلم ثم
قرأ عليهم عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نزل فأتاه صناديد صنعاء
فقالوا يا معاذ هذا نزل قد هيأنا لك ومنزل قد فرغنا لك فقال معاذ ما بهذا
أوصانى حبيبى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فمكث معاذ بن جبل أربعة عشر
شهرا فبينما هو ذات ليلة على فراشه اذا هو بهاتف يهتف به عند رأسه ويقول له
يا معاذ كيف يهنأ لك العيش ومحمد صلى الله عليه وسلم فى سكرات الموت فوثب
معاذ فزعا ما ظنّ الا أن القيامة قد قامت فلما رأى السماء مصحية والنجوم
ظاهرة استعاذ بالله من الشيطان الرجيم ثم نودى فى الليلة الثانية يا معاذ
كيف يهنأ لك العيش ومحمد بين أطباق التراب فوثب معاذ ووضع يده على أم رأسه
وجعل ينادى بأعلى صوته يا محمداه يا محمداه فخرج العواتق من النساء والشباب
من الرجال فجعلوا يقولون ما الذى جاءك وما الذى دهاك فجعل يبكى وينادى
بأعلى صوته يا محمداه حتى أصبح فلما أصبح شدّ على راحلته فأخذ جرابا فيه
سويق وأخذ أداوة من ماء ثم قال لا أنزل عن ناقتى هذه ان شاء الله الا لوقت
صلاة أو لوقت قضاء حاجة حتى اذا كان على ثلاث مراحل من المدينة فاذا هو
بهاتف يهتف عن يسار الطريق وهو يقول يا محمداه فعلم معاذ بأن محمدا قد ذاق
الموت وفارق الدنيا فقال معاذ أيها الهاتف فى هذا الليل الغاوى من أنت
يرحمك الله فقال له أنا عمار بن ياسر فقال له معاذ وأين تريد يرحمك الله
فقال ان معى كتابا من أبى بكر الصدّيق الى معاذ بن جبل باليمن يعلمه بأن
محمدا قد ذاق الموت وفارق الدنيا قال له فان كان محمد قد فارق الدنيا فمن
للارامل واليتامى والضعفاء من بعده صلى الله عليه وسلم ثم سار وهو يقول يا
عمار كيف تركت أصحاب محمد قال يا معاذ تركتهم كالغنم لا راعى لها ثم قال يا
عمار كيف تركت المدينة قال تركتها وهى على أهلها أضيق من الخاتم قال فوضع
معاذ يده على أمّ رأسه وجعل يبكى ويقول يا محمداه يا محمداه حتى ورد
المدينة نصف الليل وستجىء وفاة معاذ فى الخاتمة فى خلافة عمر بن الخطاب رضى
الله تعالى عنه وأرضاه
*
ذكر أبى موسى الاشعرى
ذكر أبى موسى الاشعرى رضى الله عنه* فى الصفوة أبو موسى الاشعرى عبد الله
بن قيس بن سليم أسلم بمكة وهاجر الى أرض الحبشة ثم قدم مع أهل السفينتين
(2/143)
ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر
وبعضهم ينكر هجرته الى الحبشة وعن أبى موسى الاشعرى ان رسول الله صلى الله
عليه وسلم بعثه ومعاذا الى اليمن وأمرهما أن يعلما الناس القرآن وقد صح
حديث أبى موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو رأيتنى وأنا أسمع
قراءتك البارحة لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود فقلت يا رسول الله لو
علمت انك تسمع قراءتى لحبرته لك تحبيرا وكان عمر بن الخطاب يقول لابى موسى
الاشعرى ذكرنا ربنا تعالى فيقرأ* عن ابى عثمان النهدى قال صلى لنا أبو موسى
الاشعرى صلاة الصبح فما سمعت صوت صنج ولا بربط كان أحسن من صوته وستجىء
وفاته فى الخاتمة فى خلافة معاوية*
بعث خالد بن الوليد الى عبد المدان بنجران
وفى هذه السنة أرسل خالد بن الوليد قبل حجة الوداع أيضا فى ربيع الاوّل سنة
عشرو فى الاكليل فى ربيع الاخر وفى المنتقى فى ربيع الاخر أو جمادى الاولى
الى عبد المدان قبيلة بنجران وأمره أن يدعوهم الى الاسلام فأسلموا كذا فى
المواهب اللدنية* وفى رواية الى بنى الحارث بن كعب بنجران وأمره أن يدعوهم
الى الاسلام ثلاثا قبل أن يقاتلهم فان أجابوا فاقبل منهم وأقم فيهم وعلمهم
كتاب الله وسنة نبيه فأسلم ناس ودخلوا فيما دعاهم اليه وأقام خالد فيهم
يعلمهم الاسلام وكتاب الله وسنة نبيه ثم كتب خالد بن الوليد الى رسول الله
صلى الله عليه وسلم* بسم الله الرحمن الرحيم لمحمد رسول الله صلى الله عليه
وسلم من خالد بن الوليد السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته فانى
أحمد اليك الله الذى لا اله الا هو أما بعد يا رسول الله فانك بعثتنى الى
بنى الحارث بن كعب وأمرتنى اذا أتيتهم لا أقاتلهم ثلاثة أيام وأن أدعوهم
الى الاسلام فان أسلموا قبلت منهم وانى قدمت عليهم ودعوتهم الى الاسلام
فأسلموا فأنا مقيم فيهم أعلمهم معالم الاسلام* فكتب رسول الله صلى الله
عليه وسلم* من محمد رسول الله الى خالد بن الوليد سلام عليك فانى أحمد اليك
الله الذى لا اله الا هو أما بعد فان كتابك جاءنى مع رسولك يخبر بأن بنى
الحارث قد أسلموا قبل أن تقاتلهم فبشرهم وأنذرهم وأقبل معهم وليقبل معك
وفدهم والسلام عليك ورحمة الله وبركاته* فأقبل خالد بن الوليد الى رسول
الله صلى الله عليه وسلم معه وفد بنى الحارث بن كعب فيهم قيس ابن الحصين
فسلموا عليه وقالوا نشهد انك رسول الله وأن لا اله الا الله فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأنا أشهد أن لا اله الا الله وانى رسول الله وأمر
عليهم قيسا فلم يلبثوا فى قومهم أربعة أشهر حتى توفى رسول الله وكان رسول
الله صلى الله عليه وسلم بعث الى بنى الحارث بعد أن ولى وفدهم عمرو بن حزم
الانصارى ليفقههم ويعلمهم السنة ومعالم الاسلام ويأخذ منهم صدقاتهم فتوفى
رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمرو بن حزم عامله على وفد نجران كذا فى
المنتقى*
بعث على بن أبى طالب الى اليمن
وفى رمضان هذه السنة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب الى
اليمن وعقد له لواء وعممه بيده وأخرج أبو داود وأحمد والترمذى من حديث علىّ
قال بعثنى النبىّ صلى الله عليه وسلم الى اليمن فقلت يا رسول الله تبعثنى
الى قوم أسنّ منى وأنا حديث السن لا أبصر القضاء قال فوضع يده فى صدرى وقال
اللهمّ ثبت لسانه واهد قلبه وقال يا على اذا جلس اليك الخصمان فلا تقض
بينهما حتى تسمع من الاخر الحديث فخرج علىّ فى ثلثمائة فارس ففرق أصحابه
فأتوا بنهب وغنائم ونساء وأطفال ونعم وشاء وغير ذلك ثم لقى جمعهم فدعاهم
الى الاسلام فأبوا ورموا بالنبل حتى حمل عليهم علىّ وأصحابه فقتل منهم
عشرين رجلا فتفرّقوا وانهزموا فكف عن طلبهم ثم دعاهم الى الاسلام فأسرعوا
وأجابوا وبايعه نفر من رؤسائهم على الاسلام ثم قفل فوافى النبىّ صلى الله
عليه وسلم بمكة قد قدمها للحج سنة عشر* وفى رواية لما وجه صلى الله عليه
وسلم عليا الى اليمن عقد له لواء وعممه بيده وأرخى طرفها من قدّامه نحو
ذراع ومن خلفه قيد شبر وكان كعب الاحبار اذ ذاك باليمن فلقيه* وفى الاصل
الاصيل فى تحريم النقل من التوراة والانجيل للسخاوى قال ذكر الواقدى
(2/144)
قال حدّثنى اسحاق بن عبد الله بن نسطاس عن
عمر بن عبد الله العنسى* قال قال كعب الاحبار لما قدم علىّ اليمن لقيته
فقلت له اخبرنى عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يخبرنى عنها
وجعلت أتبسم فقال لى مم تتبسم قلت مما يوافق ما عندنا فى صفته وقلت ما يحلّ
وما يحرّم فاخبرنى فقلت هو عندنا كما وصفت وصدّقت برسول الله صلى الله عليه
وسلم وآمنت به ودعوت من قبلنا من الاحبار وأخرجت اليهم سفرا قلت هذا كان
أبى يختمه علىّ ويقول لا تفتحه حتى تسمع بنبى يخرج بيثرب قال فأقمت على
اسلامى باليمن حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفى أبو بكر فقدمت
فى خلافة عمر يا ليت انى كنت تقدّمت فى الهجرة* وعن سعيد بن المسيب قال قال
العباس لكعب الاحبار ما منعك أن تسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأبى بكر قال كعب ان أبى قد كتب لى كتابا من التوراة ودفعه الىّ وقال لى
اعمل بهذا وختم على سائر كتبه وأخذ علىّ ميثاقا وقال لى بحق الوالد على
ولده ان لا أفض الخاتم فلما كان الان ورأيت الاسلام يظهر ولم أر بأسا قالت
لى نفسى لعل أباك غيب عنك علما وكتمه عنك ففضضته فوجدت فيه صفة النبىّ صلى
الله عليه وسلم وأمته فجئت الان مسلما فوالى العباس وقيل المشهوران اسلام
كعب كان فى الشام فى خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه* وفى رواية بعث
النبىّ صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فى جماعة الى اليمن ثم بعث عليا
بعد ذلك مكانه وقال له مر أصحاب خالد من شاء أن يعقب معك فليعقب ومن شاء
فليقفل قال البراء كنت فيمن عقب معه فغنمت أواقى ذوات عدد* وفى ذخائر
العقبى فى ذكر اسلام همدان على يد على بن أبى طالب عن البراء بن عازب قال
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد الى اليمن يدعوهم الى
الاسلام وكنت فيمن سار معه فأقام عليهم ستة أشهر لا يجيبونه الى شئ فبعث
النبىّ صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب وأمر أن يرسل خالدا ومن معه الا
من أراد البقاء مع علىّ فيتركه فكنت فيمن بقى مع على فلما انتهينا الى
أوائل اليمن بلغ القوم الخبر فجمعوا له فصلى بنا الفجر فلما فرغ صفنا صفا
واحدا ثم تقدّم بين أيدينا فحمد الله وأثنى عليه ثم قرأ عليهم كتاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت همدان كلها فى يوم واحد وكتب بذلك كتابا
الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرأ كتابه خرّ ساجدا لله وقال
السلام على همدان مرّتين أخرجه أبو عمرو
* بعث جرير بن عبد الله الى ذى الكلاع
وفى هذه السنة بعث جرير بن عبد الله البجلى الى تخريب ذى الخلصة وسيجىء فى
الفصل الاوّل من الخاتمة فى ذكر الوفود* وفى هذه السنة بعث جرير بن عبد
الله البجلى الى ذى الكلاع بن باكور بن حبيب بن مالك بن حسان بن تبع فأسلم
وأسلمت امرأته صريمة بنت أبرهة بن الصباح واسم ذى الكلاع سميفع وفى القاموس
سميفع كسميدع وقد يضم سينه بن باكور ذو الكلاع الاصغر روى عن الاصمعى أنه
قال كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الكلاع من ملوك الطوائف على يد
جرير بن عبد الله البجلى يدعوه الى الاسلام وكان قد استعلى أمره حتى ادّعى
الربوبية فأطيع وتوفى النبىّ صلى الله عليه وسلم ثم وفد ذو الكلاع فى خلافة
عمر ومعه ثمانية آلاف عبد فأسلم على يده وأعتق من عبيده أربعة آلاف ثم قال
عمر يا ذا الكلاع يعنى ما بقى عندك من عبيدك أعطك ثلث أثمانهم ههنا وثلثا
باليمن وثلثا بالشام فقال أجلنى يومى حتى أفكر فيما قلت ومضى الى منزله
فأعتقهم جميعا فلما غدا على عمر قال له ما رأيك فيما قلت لك فى عبيدك قال
قد اختار الله لى ولهم خيرا مما رأيت قال وما هو قال هم أحرار لوجه الله
تعالى قال أصبت يا ذا الكلاع قال يا أمير المؤمنين لى ذنب ما أظنّ الله
تعالى يغفره لى قال وما هو قال تواريت يوما ممن يتعبدنى ثم أشرفت عليهم من
مكان عال فسجدلى زها مائة ألف انسان فقال عمر التوبة باخلاص والانابة
باقلاع يرجى بهما مع رأفة الله عز وجل
(2/145)
الغفران* وفى رواية أعتق ذو الكلاع اثنى
عشر ألف بيت وقتل ذو الكلاع بصفين*
بعث أبى عبيدة بن الجرّاح الى أهل نجران
وفى هذه السنة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة عامر بن الجرّاح
الى أهل نجران لما طلبوا رجلا أمينا وقال هذا أمين هذه الامة وسيجىء تمامه
فى الفصل الاوّل فى الخاتمة وسيجىء موته وبعض أحواله فى الفصل الثانى منها
فى خلافة عمر بن الخطاب*
قصة بديل وتميم الدارى
وفى هذه السنة خرج بديل بن أبى مارية مولى عمرو بن العاص وكان من المهاجرين
فى تجارة الى الشام مع تميم الدارى وعدى بن بدأ وكانا نصرانيين فمرض بديل
وكتب وصيته فى صحيفة وطرحها فى متاعه ولم يخبر بها صاحبيه وأوصى اليهما أن
يدفعا متاعه الى أهله فمات بأرض ليس بها مسلم ففتشا متاعه وأخذا اناء من
فضة منقوشا بالذهب فيه ثلثمائة مثقال فضة فغيباه فلما قدما المدينة بتركته
أصاب أهل بديل الصحيفة وفقدوا الاناء فطالبوهما بالاناء فجحدا وترافعوا الى
النبىّ صلى الله عليه وسلم فاستحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد
العصر عند المنبر فحلفا ثم وجد الاناء بمكة فقالوا اشتريناه من عدى وتميم
فلما ظهرت خيانتهما قام رجلان من ورثة بديل وهما عبد الله بن عمرو بن العاص
والمطلب بن أبى وداعة فحلفا بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما أى ليميننا أحق
بالقبول من يمين هذين الوصيين الخائنين فاستحقا الاناء وفيهم نزلت يا أيها
الذين آمنوا شهادة بينكم اذا حضر أحدكم الموت الاية*
وفاة ابراهيم ابن رسول الله عليه السلام
وفى هذه السنة العاشرة من الهجرة يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من ربيع
الاوّل توفى ابراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ولد فى ذى
الحجة من السنة الثامنة من الهجرة ودفن بالبقيع* روى أنه لما توفى قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم ان ابراهيم ابنى وانه مات فى الثدى وان له لظئرين
يكملان رضاعه فى الجنة وعن البراء ابن عازب أنّ رسول الله صلى الله عليه
وسلم صلى على ابنه ابراهيم ومات وهو ابن ستة عشر شهرا وثمانية أيام* وفى
صحيح البخارى توفى ابراهيم ابن النبىّ صلى الله عليه وسلم وله سبعة عشر أو
ثمانية عشر شهرا* وفى الوفاء وسنه عام ونصف وستة أيام وقيل عام وثلث وفيما
ذكره أبو داود توفى وله سبعون يوما فى ربيع الاوّل يوم الثلاثاء لعشر خلون
منه كذا فى المواهب اللدنية وقال ان له لظئرا تتمّ له رضاعه فى الجنة* وفى
رواية ابن ماجه ان له مرضعا فى الجنة كذا فى المواهب اللدنية ولما مات غسله
الفضل بن عباس ورسول الله صلى الله عليه وسلم والعباس جالسان ثم حمل على
سرير صغير وصلى الله عليه وسلم بالبقيع وقال يدفن عند فرطنا عثمان بن
مظعون* وروى عن عائشة أنها قالت دفنه عليه السلام ولم يصل عليه يحتمل أن
يكون لم يصل عليه بنفسه وأمر أصحابه أن يصلوا عليه فى جماعة* وروى ان الذى
غسله أبو بردة وروى انه الفضل بن العباس ولعلهما اجتمعا عليه ونزل قبره
الفضل وأسامة والنبىّ صلى الله عليه وسلم جلس على شفير القبر والعباس جالس
على جنبه ورش قبره وعلم بعلامة قال الزبير وهو أوّل قبر رش* وقد روى من
حديث أنس بن مالك انه قال لو بقى يعنى ابراهيم ابن النبىّ صلى الله عليه
وسلم لكان نبيا ولكن لم يبق لان نبيكم آخر الانبياء أخرجه أبو عمرو* وقال
الطبرى وهذا انما يقوله أنس عن توقيف يخص ابراهيم والا فلا يلزم أن يكون
ابن النبىّ نبيا بدليل ابن نوح* وعن أنس قال كان ابراهيم قد ملأ المهد ولو
بقى لكان نبيا وعن البخارى من طريق محمد بن بشر عن اسماعيل بن أبى خالد قال
قلت لعبد الله بن أبى أوفى رأيت ابراهيم ابن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال
مات صغيرا ولو قضى بعد محمد نبى عاش ابنه ابراهيم ولكن لا نبىّ بعده كذا فى
المواهب اللدنية*
كسوف الشمس
وفى هذه السنة انكسفت الشمس يوم مات ابراهيم فقال الناس انما كسفت لموت
ابراهيم فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم ان الشمس والقمر آيتان من آيات
الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته رواه الشيخان وزاد فى رواية
(2/146)
اذا رأيتموهما فعليكم بالدعاء حتى يكشفا
قيل ان الغالب ان الكسوف يكون يوم الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين
فانكسفت الشمس يوم موت ابراهيم فى العاشر فلذلك قالوا ابها كسفت لموته
*
طلوع جبريل مجلس النبى فى صورة رجل
وفى هذه السنة طلع جبريل مجلس النبىّ صلى الله عليه وسلم فى صورة رحل شديد
بياض الثياب شديد سواد الشعر طيب الرائحة حسن الوجه رآه حضار المجلس لا يرى
عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد فتعجبوا من حاله فلما دنا قال السلام
عليك يا رسول الله فردّ النبىّ عليه السلام فجاء حتى جلس الى النبىّ صلى
الله عليه وسلم وأسند ركبتيه الى ركبتيه ووضع يديه على فخذيه وسأل عن
الايمان والاسلام والاحسان والقيامة وأماراتها فأجابه النبىّ صلى الله عليه
وسلم عن غير القيامة وقال له ما المسئول عنها بأعلم من السائل فخرج جبريل
من المجلس فأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم أن يطلبوه فما وجدوه فقال النبىّ
صلى الله عليه وسلم أتدرون من السائل قالوا الله ورسوله اعلم فقال لهم انه
جبريل أتاكم ليعلمكم دينكم وكان كلما يأتيه يعرفه فى أى صورة كان الا هذه
المرة ولما غاب علم انه جبريل عليه الصلاة والسلام وفى رواية قال لعمر بن
الخطاب بعد ثلاثة أيام أتدرى من السائل قال الله ورسوله أعلم قال انه جبريل
أتاكم يعلمكم دينكم*
قدم فيروز الديلمى إلى المدينة
وفى هذه السنة قدم فيروز الديلمى المدينة فأسلم وهو الذى قتل الاسود العنسى
الكذاب المتنبى قتله فى السنة الحادية عشر من الهجرة وسيجىء فى الموطن
الحادى عشر وفى هذه السنة أسلم فروة بن عمر والجذامى ثم النفاثى* وفى
الاكتفاء ذكر الواقدى باسناد له ان فروة ابن عمرو هذا كان عاملا لقيصر على
عمان من أرض البلقاء وفى كتاب ابن اسحاق على معان وما حولها من أرض الشام
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب الى هرقل والى الحارث بن أبى شمر
ولم يكتب اليه* وفى المواهب اللدنية بعث اليه يدعوه الى الاسلام انتهى
فأسلم فروة وكتب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم باسلامه وبعث من عنده
رسولا يقال له مسعود بن سعد من قومه بكتاب مختوم فيه* بسم الله الرحمن
الرحيم لمحمد رسول الله النبىّ انى مقرّ بالاسلام مصدّق به وأنا أشهد أن لا
اله الا الله وأشهد ان محمدا عبده ورسوله وانه الذى بشربه عيسى ابن مريم
والسلام عليك ثم بعث مع الرسول بغلة بيضاء يقال لها فضة وحمارة يقال لها
يعفور وفرسا يقال لها الظرب وبعث بأثواب من لين وقباء من سندس مخوّص بالذهب
فقدم الرسول ودفع الكتاب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقترأه وأمر
بلالا أن ينزله ويكرمه فلما أراد الخروج كتب اليه رسول الله صلى الله عليه
وسلم جواب كتابه* من محمد رسول الله الى فروة بن عمرو سلام عليك فانى أحمد
اليك الله الذى لا اله الا هو أما بعد فانه قدم علينا رسولك بكتابك فبلغ ما
أرسلت به وخبر عما قبلك وأنبأنا باسلامك وان الله عز وجل قد هداك بهداه الى
دين الاسلام فان أنت أصلحت وأطعت الله ورسوله وأقمت الصلاة وآتيت الزكاة
دخلت الجنة والسلام عليك* ولما بلغ قيصر اسلام فروة بن عمرو بعث اليه وحبسه
ولما طال سجنه أرسلوا اليه أن ارجع الى دينك ونعيد اليك ملكك فقال لا أفارق
دين محمد أبدا أما انك تعرف انه رسول الله بشربه عيسى ابن مريم ولكنك ضننت
بملك وأحببت بقاءه قال قيصر صدق والانجيل وذكر الواقدى انه مات فى ذلك
الحبس فلما مات صلبوه قال ابن اسحاق انهم صلبوه حيا على ماء لهم يقال له
عفراء بفلسطين قال فلما اجتمعت الروم لقتله قال فى ذلك
الا هل اتى سلمى بأن حليلها ... على ماء عفرا فوق احدى الرواحل
على ناقة لم يضرب الفحل أمها ... مشذبة أطرافها بالمناجل
وذكر ابن شهاب الزهرى انهم لما قدّموه ليقتلوه قال
(2/147)
أبلغ سراة المسلمين بأننى ... سلم لربى
أعظمى ومقامى
ثم ضربوا عنقه على ذلك الماء رحمة الله عليه وسيجىء فى الفصل الاوّل فى
الخاتمة بتغيير يسير*
حجة الوداع
وفى هذه السنة كانت حجة الوداع وتسمى حجة الاسلام وحجة التمام وحجة البلاغ
وكره ابن عباس أن يقال حجة الوداع وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام
بالمدينة يضحى كل عام ويغزو المغازى فلما كان فى ذى القعدة سنة عشر من
الهجرة أجمع على الخروج الى الحج قال ابن سعد لم يحج غيرها منذ تنبأ الى أن
توفاه الله* وفى البخارى عن زيد بن أرقم ان النبىّ صلى الله عليه وسلم غزا
تسع عشرة غزوة وانه حج بعد ما هاجر حجة واحدة وهى حجة الوداع ولم يحج
بعدها* قال ابن اسحاق وأخرى بمكة وقيل حج بمكة حجتين هذا بعد النبوّة وما
قبلها لا يعلمه الا الله وأخرج الترمذى عن جابر بن عبد الله حج رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثلاث حجات حجتين قبل أن يهاجر وحجة بعد ما هاجر معها
عمرة هذا لفظ الدار قطنى وابن ماجه والحاكم وصححه على شرط مسلم قال الشيخ
محب الدين الطبرى لعل جابرا أشار الى حجتين بعد النبوّة وقال ابن حزم حج
رسول الله واعتمر قبل النبوّة وبعدها وقبل الهجرة وبعدها حججا وعمرا لا
يعلمهما الا الله وكذا قال ابن أبى الفرج فى كتاب مثير الغرام وقال السهيلى
فى شرح السيرة لا ينبغى أن يضاف اليه فى الحقيقة الا حجة الوداع وان حج مع
الناس اذ كان بمكة فلم يكن ذلك الحج على سنة الحج وكما له لانه صلى الله
عليه وسلم كان مغلوبا على أمره وكان الحج منقولا عن وقته فقد ذكر ان أهل
الجاهلية كانوا ينقلون الحج عن حساب الشهور الشمسية ويؤخرونه فى كل سنة احد
عشر يوما وقد كان النبىّ صلى الله عليه وسلم أراد أن يحج مقفله من تبوك
وذلك اثر فتح مكة بيسير ثم ذكر ان بقايا المشركين يحجون ويطوفون بالبيت
عراة فأخر الحج حتى نبذ الى كل ذى عهد عهده وذلك فى السنة التاسعة ثم حج فى
العاشرة بعدا محاء رسوم الشرك كذا فى البحر العميق* وفى الاستيعاب لم يحج
رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة غير حجته الواحدة وهى حجة الوداع
وذلك فى سنة عشر من الهجرة وفى سيرة اليعمرى حج صلى الله عليه وسلم بعد فرض
الحج حجة واحدة وقبل ذلك مرّتين واعتمر صلى الله عليه وسلم أربع عمر كلها
فى ذى القعدة الا التى مع حجته واحدة منهنّ فى ذى القعدة عام الحديبية سنة
ست من الهجرة وصدّوا فيها فتحلل فحسبت له عمرة والثانية فى ذى القعدة من
العام المقبل وهى سنة سبع وهى عمرة القضاء والثالثة فى ذى القعدة سنة ثمان
وهى عام الفتح من جعرانة حيث قسم غنائم حنين والرابعة مع حجته الكبرى سنة
عشر وكان احرامها فى ذى القعدة واعمالها فى ذى الحجة كذا رواه البخارى فى
صحيحه عن أنس وكذا فى منهاج النووى ولما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم
حجة الوداع خرج من طريق الشجرة وعن ابن عباس أنّ رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان يخرج من طريق الشجرة ويدخل من طريق المعرس وهو موضع معروف على ستة
أميال من المدينة كذا فى منهاج النووى وهو أسفل من المسجد الذى ببطن الوادى
وانّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا خرج الى مكة يصلى فى مسجد الشجرة
واذا رجع صلى بذى الحليفة ببطن الوادى وبات حتى يصبح رواه البخارى وذو
الحليفة ماء لجشم على ستة أميال من المدينة قاله النووى وقال ابن حزم انه
على أربعة أميال وقيل سبعة وفى شرح مختصر الوقاية للشمنى فسر ابن شجاع
الميل بثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة ذراع الى أربعة آلاف وفى الصحاح الميل من
الارض منتهى مدّ البصر عن ابن السكيت وفى شرح الكنز ثلاث فراسخ أربعة آلاف
ذراع بذراع محمد بن فرج الشاشى طولها أربعة وعشرون أصبعا وعرض كل أصبع ست
حبات شعير ملصقة ظهرا لبطن* وفى الينابيع الميل ثلث فرسخ والفرسخ اثنا عشر
ألف خطوة وكل خطوة ذراع ونصف بذراع العامة وهو أربعة وعشرون
(2/148)
اصبعا ومسجد ذى الحليفة يسمى مسجد الشجرة
وقد خرب وبه البئر التى تسميها العوام بئر على وينسبونها الى على بن أبى
طالب لظنهم انه قاتل الجنّ بها وهو كذب كذا فى تشويق الساجد وذو الحليفة هو
الميقات لاهل المدينة ولمن مرّ به من غيرهم وهو أبعد المواقيت وهناك منزل
رسول الله صلى الله عليه وسلم واردا وصادرا فخرج صلى الله عليه وسلم من
المدينة مغتسلا مدّهنا مترجلا فى ثوبين ازار ورداء وذلك يوم السبت لخمس
بقين من ذى القعدة فصلى الظهر بذى الحليفة* وفى المواهب اللدنية ثبت فى
الصحيحين عن أنس صلينا مع النبىّ صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعا
والعصر بذى الحليفة ركعتين صرّح الواقدى بأنّ خروجه صلى الله عليه وسلم كان
يوم السبت لخمس بقين من ذى القعدة وكان وقت خروجه من المدينة بين الظهر
والعصر وكان أوّل ذى الحجة يوم الخميس وكان دخوله مكة صبح أربعة الى رابع
ذى الحجة كما ثبت فى صحيح حديث عائشة وذلك يوم الاحد* وفى سيرة اليعمرى دخل
مكة يوم الاحد بكرة وهذا يؤيد أنّ خروجه من المدينة كان يوم السبت كما
تقدّم فيكون المكث فى الطريق ثمان ليال وهى المسافة الوسطى وخرج معه عليه
السلام تسعون ألفا ويقال مائة ألف وأربعة عشر ألفا ويقال أكثر كما حكاه
البيهقى وكانت الوقفة يوم الجمعة وأخرج صلى الله عليه وسلم معه نساءه كلهنّ
فى الهوادج وأشعر هديه وقلده* وفى سيرة اليعمرى خرج فى حجة الوداع نهارا
بعد ما ترجل وادّهن وتطيب وبات بذى الحليفة وقال أتانى الليلة آت من ربى
وقال صل بهذا الوادى المبارك وقل عمرة فى حجة فأحرم بهما قارنا* وسئل جابر
بن عبد الله عن حجة رسول الله قال انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث
تسع سنين لم يحج ثم أذن فى الناس فى العاشرة انّ رسول الله حاج فقدم
المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل
مثل عمله فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس محمد بن
أبى بكر فأرسلت الى رسول الله كيف أصنع قال اغتسلى واستشعرى وأحرمى فصلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين فى مسجد ذى الحليفة ثم ركب القصوى حتى
اذا استوت به على البيداء كان الى مدّ البصر الناس من راكب وماش وعن يمينه
مثل ذلك وعن يساره مثل ذلك ومن خلفه مثل ذلك فأهلّ بالتوحيد لبيك اللهم
لبيك لبيك لا شريك لك لبيك انّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وأهلّ
الناس بهذا ولزم رسول الله تلبيته قال لسنا ننوى الا الحج ولسنا نعرف
العمرة* وعن ابن عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل مكة من الثنية
العليا يعنى كداء وهو المشهور بالمعلاة ويخرج من الثنية السفلى يعنى كدى
كذا رواه البخارى* وفى سيرة اليعمرى ونزل على الحجون* وفى مناسك الكرمانى
روى أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم دخل مكة صبيحة اليوم الرابع من ذى الحجة
وأقام بها محرما الى يوم التروية ثم راح الى منى محرما بذلك الا حرام* قال
جابر حتى اذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا ثم تقدّم
الى مقام ابراهيم فقرأ واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى فجعل المقام بينه وبين
البيت فصلى فيه ركعتين وكان النبىّ صلى الله عليه وسلم يقرأ فى الركعتين قل
يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد عن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول من طاف بهذا البيت أسبوعا فأحصاها كان كعتق رقبة رواه
الترمذى كذا فى المشكاة* قال جابر ثم رجع الى الركن فاستلمه ثم خرج من
الباب الى الصفا فلما دنا منه قرأ انّ الصفا والمروة من شعائر الله وقال
أبدأ بما بدأ الله به فرقى عليه حتى رأى البيت فاستقبله فوحد الله وكبره
وقال لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ
قدير لا اله الا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الاحراب وحده ثم دعا
قال مثل هذا ثلاث مرّات ثم نزل الى المروة حتى انصبت
قدماه فى بطن الوادى حتى اذا صعدنا مشى حتى أتى المروة ففعل عليها كما فعل
على الصفا حتى أتمّ السبع على المروة* وفى سيرة اليعمرى
(2/149)
سعى راكبا انتهى* قال جابر قال لو أنى
استقبلت من أمرى ما استدبرت لم أسق الهدى وجعلتها عمرة فمن كان منكم ليس
معه هدى فليحلّ وليجعلها عمرة فقام سراقة بن مالك بن جشم فقال يا رسول الله
ألعامنا هذا أم للابد فشبك رسول الله أصابعه واحدة فى الآخرى وقال دخلت
العمرة فى الحج مرّتين لابل لأبد أبد* وقدم علىّ من اليمن ببدن رسول الله
صلى الله عليه وسلم فوجد فاطمة ممن حلّ ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت فأنكر
ذلك عليها فقالت أبى أمرنى بهذا* قال علىّ فذهبت الى رسول الله صلى الله
عليه وسلم محرشا على فاطمة للذى صنعت مستفتيا لرسول الله فيما ذكرت عنه
فأخبرته انى أنكرت ذلك عليها فقال صدقت صدقت ماذا قلت حين فرضت الحج قال
قلت اللهم انى أهلّ بما أهلّ به رسولك قال فانّ معى الهدى فلا تحلّ* وكانت
جملة الهدى الذى قدم به علىّ من اليمن والذى أتى به النبىّ صلى الله عليه
وسلم مائة فحلق الناس كلهم وقصروا الا النبىّ صلى الله عليه وسلم ومن كان
معه هدى* فلما كان يوم التروية توجهوا الى منى فأهلوا بالحج وركب النبىّ
صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ومكث
قليلا حتى طلعت الشمس وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة فنزل بها حتى اذا
زاغت الشمس أمر بالقصوى فرحلت له فأتى بطن الوادى فخطب الناس فقال انّ
دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا ألا
كل شئ من أمر الجاهلية تحت قدمىّ موضوع ودماء الجاهلية موضوعة وانّ أوّل دم
أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث كان مسترضعا فى سعد فقتلته هذيل وربا
الجاهلية موضوعة وأوّل ربا أضع ربا العباس بن عبد المطلب فانه موضوع كله
فاتقوا الله فى النساء فانكم أخذتموهنّ بأمانة الله واستحللتم فروجهنّ
بكلمة الله ولكم عليهنّ أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فان فعلن ذلك
فاضربوهنّ ضربا غير مبرّح ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف وقد تركت
فيكم ما ان تضلوا بعده ان اعتصمتم به كتاب الله وأنتم تسألون عنى فما أنتم
قائلون قالوا نشهد أنك قد بلغت وأدّيت ونصحت فقال بأصبعه السبابة يرفعها
الى السماء وينكتها الى الناس اللهم اشهد اللهم اشهد اللهم اشهد ثلاث مرّات
ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ثم ركب
حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصوى الى الصخرة وجعل حبل الشاة بين يديه
فوقف مستقبل القبلة وكان يوم الجمعة وكان واقفا اذ نزل عليه اليوم أكملت
لكم دينكم الاية* وفى بحر العلوم فبركت ناقته من هيبة القرآن* قال جابر فلم
يزل واقفا حتى غربت الشمس وأردف أسامة خلفه ودفع وقد شنق القصوى الزمام حتى
انّ رأسها ليصيب مورك الرحل ويقول بيده اليمنى أيها الناس السكينة السكينة
كلما أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى تصعد حتى أتى المزدلفة فصلى
بها المغرب والعشاء بأذان واقامتين ولم يسبح بينهما شيئا ثم اضطجع حتى طلع
الفجر فصلى الفجر حين تبين الصبح وركب القصوى حتى أتى المشعر الحرام
فاستقبل القبلة ودعا الله وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفا حتى أسفر جدّا
فدفع قبل أن تطلع الشمس وأردف الفضل بن عباس وكان رجلا حسن الشعر أبيض
وسيما فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّت ظعن البحرين فطفق الفضل
ينظر اليهنّ فوضع صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل فحوّل الفضل وجهه
الى الشق الاخر ينظر فحوّل صلى الله عليه وسلم يده من الشق الاخر على وجه
الفضل فصرف وجهه من الشق الاخر ينظر حتى أتى بطن محسر فحرّك قليلا* وفى
شفاء الغرام ذكر المحب الطبرى وابن خليل سمى محسرا لانّ فيل أصحاب الفيل
حسر فيه أى أعيا واهل مكة يسمونه وادى النار زعموا أنّ رجلا اصطاد فيه
غزالة فنزلت نار فأحرقته والله أعلم وليس وادى محسر من مزدلفة ولا من منى
وهو مسيل ما بينهما وفى المشكاة وادى محسر من منى*
نفيسة
وفى منسك يحيى بن زكريا أنّ رجلا من
(2/150)
الصالحين تأخر بعرفات فغلبه النوم فرأى فى
منامه كأنّ عرفة مملوءة قردة وخنازير فتعجب من ذلك فهتف به هاتف هذه ذنوب
الحجاج تركوها ومضوا طاهرين من الذنوب* وعن ابن الموفق قال حججت سنة فلما
كانت ليلة عرفة بت بمنى فرأيت فى المنام ملكين قد نزلا من السماء فنادى
أحدهما صاحبه يا عبد الله فقال له لبيك يا عبد الله قال أتدرى كم حج فى هذه
السنة بيت ربنا قال لا أدرى قال حج ستمائة ألف فقال أتدرى كم قبل منهم قال
لا قال قبل منهم ستة قال ثم ارتفعا فنادى فى السماء فانتبهت فزعا خائفا
مرعوبا وغمنى ذلك وقلت فى نفسى اذا قبل حج ستة فمن أكون أنا فلما أفضت من
عرفات وصرت عند المشعر الحرام جعلت أفكر فى كثرة الخلائق وقلة من قبل منهم
فغلبنى النوم فاذا الملكان بعينهما قد نزلا فقال أحدهما لصاحبه المقالة
الاولى ثم قال أتدرى ما حكم ربنا فى هذه الليلة قال لا قال وهب ربنا لكل
واحد من الستة مائة ألف فانتبهت مملوآ من السرور ما الله به عالم* وفى
المشكاة عن عباس بن مرداس أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لأمّته
عشية عرفة بالمغفرة فأجيب بأنى قد غفرت لهم ما خلا المظالم فانى آخذ
للمظلوم من الظالم قال أى رب ان شئت أعطيت المظلوم من الجنة وغفرت للظالم
فلم يجب عشيته فلما أصبح بالمزدلفة أعاد الدعاء فأجيب الى ما سأل* قال فضحك
رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال تبسم فقال له أبو بكر وعمر بأبى أنت
وأمى انّ هذه لساعة ما كنت تضحك فيها فما الذى أضحكك أضحك الله سنك قال انّ
عدوّ الله ابليس لما علم انّ الله عز وجل قد استجاب دعائى وغفر لأمّتى أخذ
التراب فجعل يحثو على رأسه ويدعو بالويل والثبور فأضحكنى ما رأيت من جزعه
رواه ابن ماجه والبيهقى فى كتاب البعث والنشور* قال جابر ثم سلك الطريق
الوسطى التى تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التى عند الشجرة فرماها
بسبع حصيات مثل حصى الخذف يكبر مع كل حصاة منها من بطن الوادى ثم انصرف الى
المنحر فنحر بيده ثلاثا وستين بدنة وأعتق ثلاثا وستين رقبة عدد سنى عمره ثم
أعطى عليا ما بقى الى تمام المائة وقد كان صلى الله عليه وسلم أتى ببعضها
وقدم علىّ بشئ منها من اليمن* وفى حياة الحيوان نحر بيده فى حجة الوداع
ثلاثا وستين بدنة وأعتق ثلاثا وستين رقبة ثم حلق رأسه بمنى جانبه الايمن ثم
الايسر وحالقه معمر بن عبد الله العدوى وقيل اسمه خراش بن أمية بن ربيعة
الكلبى* وفى منهاج النووى انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منى ثم أتى
الجمرة ولم يزل يلبى حتى رمى ثم أتى منزله بمنى ونحر ثم قال للحلاق خذو
أشار الى جانبه الأيمن ثم الأيسر ثم جعل يعطيه الناس* وفى المناسك للكرمانى
انّ النبىّ صلى الله عليه وسلم لما رمى جمرة العقبة رجع الى منزله بمنى ثم
دعا بذبائح فذبح ثم دعا بالحلاق فأعطاه شقه الأيمن فحلقه فدفعه الى أبى
طلحة ليفرّقه بين الناس ثم أعطاه شقه الأيسر فحلقه ثم دفعه الى أبى طلحة
ليفرّقه بين الناس قيل أصاب خالد بن الوليد شعرات من شعرات ناصيته صلى الله
عليه وسلم* وفى الشفاء كانت شعرات من شعره عليه السلام فى قلنسوة خالد فلم
يشهد بها قتالا الارزق النصر* قال جابر وأشرك صلى الله عليه وسلم عليا فى
هديه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت فى قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من
مرقها ثم ركب صلى الله عليه وسلم فأفاض الى البيت وصلى الظهر بمكة فأتى بنى
عبد المطلب وهم يسقون على زمزم فقال انتزعوا بنى عبد المطلب فلولا أن
يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم فناولوه دلوا فشرب منه وطاف صلى الله
عليه وسلم فى حجة الوداع على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة ليراه الناس
وليشرف ويسألوه فانّ الناس قد غشوه وكان صلى الله عليه وسلم لا يستلم فى
طوافه الا الحجر الأسود والركن اليمانى* وعن الزبير قال سأل رجل ابن عمر عن
استلام الحجر قال رأيت رسول الله يستلمه ويقبله رواه البخارى وعن ابن عمر
قال لم أر النبىّ صلى الله عليه وسلم يستلم من
البيت الا الركنين اليمانيين متفق عليه* وعن ابن عباس قال
(2/151)
طاف النبىّ صلى الله عليه وسلم فى حجة
الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن متفق عليه* وعن أبى الطفيل قال رأيت
رسول الله يطوف بالبيت على بعير ويستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن رواه
مسلم ذكر الاحاديث الاربعة فى المشكاة* وقال النووى فى شرح صحيح مسلم انّ
للبيت أربعة أركان الركن الأسود والركن اليمانى ويقال لهما اليمانيان
للتغليب وأمّا الركنان الاخران فيقال لهما الشاميان فالركن الأسود فيه
فضيلتان* احداهما كونه على قواعد ابراهيم عليه السلام* والثانية كون الحجر
الأسود فيه وأمّا اليمانى ففيه فضيلة واحدة وهى كونه على قواعد ابراهيم
وأمّا الركنان الاخران فليس فيهما شئ من هاتين الفضيلتين فلهذا خص الحجر
الأسود بسنة الاستلام والتقبيل وأمّا اليمانى فيستلم ولا يقبل لانّ فيه
فضيلة واحدة وأمّا الركنان الاخران فلا يقبلان ولا يستلمان* وفى تشويق
الساجد قال المحب الطبرى فى كتابه المسمى بالقربى العمل عند أهل العلم فى
كيفية التقبيل أن يضع شفتيه على الحجر من غير تصويت كما يفعله كثير من
الناس انتهى فانه صح أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قبله من غير صوت وأمّا
السجود على الحجر الأسود فقد ورد أنّ ابن عباس قبل الحجر الأسود وسجد عليه
وقال رأيت عمر قبله ثم سجد عليه ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فعل هذا رواه ابن المنذر وأبو يعلى الموصلى والحاكم وصحح اسناده وليس فى
حديث جابر الطويل المشهور فى صفة حج النبىّ ذكر السجود على الحجر الأسود
والحنفية لم يذكروا فى كتبهم ومناسكهم السجود على الحجر الأسود وأغرب الشيخ
فخر الدين الزيلعى الحنفى فقال فى شرح الكنز انه يسجد عليه وكأنه أخذ هذا
عن الشافعية* وحكى السكاكى من الحنفية عن الشافعى السجود عليه واستدلّ
بحديث ابن عباس المذكور ثم قال وعندنا الاولى أن لا يسجد عليه لعدم الرواية
فى المشاهير وكذلك قاله الطرابلسى وأنكر مالك وضع الخدّ والجبهة عليه وقال
انه بدعة نقله ابن جماعة فى منسكه* وقال ابن المنذر انه لا يعلم أحد أنكر
ذلك الا مالكا* وفى البحر العميق ثم يستلم الحجر بيده ثم يقبله من غير أن
يظهر الصوت فى القبلة ويسجد عليه ويكرّر التقبيل والسجود عليه ثلاثا* قال
رشيد الدين فى مناسكه ينبغى أن يبدأ من جانب الحجر الذى يلى الركن اليمانى
ليكون مروره على جميع الحجر بجميع بدنه* قال الطرابلسى انما قال هذا ليخرج
من خلاف من يشترط المرور على الحجر بجميع بدنه وقال ابن الصلاح ثم النووى
انه يستقبل القبلة ويقف على جانب الحجر بحيث يصير جميع الحجر على يمينه
ويصير منكبه الايمن عند طرف الحجر ثم ينوى الطواف ثم يمشى مستقبل الحجر
مارّا الى جهة يمينه حتى يجاوز الحجر فاذا جاوز انفتل وجعل يساره الى البيت
ويمينه الى خارج البيت ولو فعل هذا من الاوّل فلم يستقبل الحجر عند محاذاته
بل جعله عن يساره جاز* ومن البدعة ما يفعله بعض الجهال من استلام الركنين
الشاميين وبعضهم يمسح عليهما بيده ويقبلهما وبعضهم يمرّ عليهما ويشير
اليهما بيده من غير تقبيل وهذه بدعة منكرة مخالفة لسنة رسول الله صلى الله
عليه وسلم* وقال ابن جماعة فى منسكه اتفقت الائمة الاربعة على انه لا يستلم
الركنان الشاميان ولا يقبلان اقتداء بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
انتهى* وأما رفع اليدين عند الاستلام فقال القاضى بدر الدين بن جماعة
الشافعى فى مناسكه الكبرى لا يسنّ ولا يستحب رفع اليدين عند نية الطواف قبل
استقبال الحجر الاسود على المذاهب الاربعة ولا يسنّ عند استقبال الحجر
الاسود أيضا الاعلى مذهب أبى حنيفة فقط انتهى وأما رفع اليدين وكيفيته على
مذهب أبى حنيفة عند استقبال الحجر الاسود فانه يرفع يديه حذو أذنيه مستقبلا
بوجهه الحجر كما فى الصلاة لقوله عليه السلام لا ترفع الايدى الا فى سبع
مواطن فى افتتاح الصلاة وفى القنوت وفى الوتر وفى العيدين وعند استلام
الحجر وعلى الصفا والمروة وبعرفات وبجمع
(2/152)
* قال الشيخ فخر الدين الزيلعى فى شرح
الكنز ثلاثة منها فى الصلاة عند الافتتاح والقنوت وتكبيرات العيدين وأربع
فى الحج وهى ما عداها ففى أربع من هذه السبعة يرفع يديه حذو أذنيه وهى
الثلاثة التى فى الصلاة وعند الاستلام وفى ثلاثة يرفع يديه بسطا الاوّل على
الصفا والمروة يجعل باطن كفيه نحو السماء كما يفعل فى الدعاء ويستقبل
القبلة ويدعو بحاجته والثانى والثالث بعرفة وجمع أما بعرفة فبعد ما صلى
الظهر والعصر مع الامام ووقف ودعا الى وقت الغروب ويجعل باطن كفيه نحو
السماء فقد كان صلى الله عليه وسلم يدعو بعرفة مادّا يديه فى نحره
كالمستطعم المسكين وأما بجمع فبعد ما صلى الفجر بغلس يوم النحر وقف ودعا
ويجعل باطن كفيه نحو السماء والرابع عند الجمرتين الاولى والوسطى دون جمرة
العقبة ويرفع يديه حذو منكبيه ويجعل باطنهما نحو السماء* وفى السراج الوهاج
فى باب صفة الصلاة انه عند الجمرتين يجعل باطنهما نحو الكعبة فى ظاهر
الرواية وعن أبى يوسف يجعل باطنهما نحو السماء انتهى* وقد جمع بعضهم هذه
السبعة فى تسعة أحرف وأفرد كلا من الصفا والمروة وكلا من العيدين وعرفات
وهى فقعس صمعجم فالفاء للافتتاح والقاف للقنوت والعين الاولى للعيدين
والسين لاستلام الحجر والصاد للصفا والميم الاولى للمروة والعين الثانية
لعرفات والجيم للجمرتين والميم الثانية لمزدلفة فيرفع الايدى فى فقعس حذاء
الاذنين وفى صمعجم حذاء منكبيه بسطا نحو السماء* قال صاحب الوقاية
ارفع يديك لدى التكبير مفتتحا ... وقانتا وبها العيدان قد وصفا
وفى الوقوفين ثم الجمرتين معا ... وفى استلام كذا فى مروة وصفا
وجه الانحصار فى الحديث أى لا ترفع الايدى على وجه السنن الاصلية التى هى
سنة الهدى الا فى هذه المواضع واما فى سائر المواضع انما ترفع فى الدعاء
على انه من باب الاستحباب لا على سنة الهدى واذا رفع يديه عند الاستلام
يرسلهما ويكبر ويهلل ويحمد الله تعالى ويصلى على النبىّ صلى الله عليه وسلم
ثم يستلم الحجر وتفسير الاستلام كما قال الكرمانى والفارسى وقاضى خان وشارح
الطحاوى أن يضع كفيه على الحجر ويقبله بفمه بين يديه اذا أمكن من غير ايذاء
أحد* الاستلام افتعال من السلام وهو التحية مشتق منه ومعناه يحيى نفسه
بالحجر وقيل من السلم بكسر السين وهى الحجارة فادامس الحجر بيده فقد استلم
أى مس به السلم وهو الحجر* وفى شرح الوقاية استلم الحجر أى تناوله باليد أو
القبلة أو مسحه بالكف من السلمة بفتح السين وكسر اللام وهو الحجر والايمس
بشئ فى يده ثم يقبله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقدم مكة ينزل
بذى طوى ويبيت به حتى يصلى الصبح ومصلاه ذلك على أكمة غليظة ليس فى المسجد
المبنى ثمة ولكن أسفل من ذلك عليها*
اتيان الصبى وتكلمه بين يدى النبىّ يوم ولد
وفى هذه السنة فى حجة الوداع جىء بصبىّ الى رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوم ولد فقال من أنا فقال رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم صدقت بارك
الله فيك ثم ان الغلام لم يتكلم بعدها حتى شب وكان يسمى ذلك الغلام مبارك
اليمامة* وفى هذه السنة مات باذان والى اليمن ففرّق رسول الله صلى الله
عليه وسلم عملها بين شهر بن باذان وعامر بن شهر الهمدانى وأبى موسى الاشعرى
وخالد بن العاص ويعلى بن أمية وعمرو بن حزم وجعل زياد بن لبيد على حضرموت
وعكاشة بن ثور على السكاسك والسكون والسكاسك حىّ باليمن جدّهم القيل بن
سكسك بن الاشرس كذا فى القاموس والسكون بفتح السين حىّ باليمن*
موت باذان
وفى هذه السنة مات أبو عامر الراهب عند هرقل كذا فى سيرة مغلطاى*
نزول آية الاستئذان
وفى هذه السنة نزلت آية الاستئذان روى ان غلاما لأسماء بنت أبى مرثد دخل
عليها فى وقت كرهته فنزلت يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت
أيمانكم الى آخرها وقيل أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم مدلج بن عمرو
الانصارى وكان غلاما وقت الظهيرة ليدعو عمر فدخل وهو نائم وقد انكشف عنه
ثوبه فقال عمر لوددت ان الله تعالى
(2/153)
نهى آباءنا وأبناءنا وخدمنا أن لا يدخلوا هذه الساعة علينا الا باذن تم
انطلق معه الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فوجده وقد نزلت عليه هذه الاية
كذا فى أنوار التنزيل وكانوا لا يفعلون قبل ذلك* وفى الكشاف يحكى ان عيينة
بن حصن دخل على النبىّ صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة من غير استئذان فقال
رسول الله يا عيينة أين الاستئذان قال يا رسول الله ما استأذنت على رجل قط
ممن مضى منذ أدركت ثم قال من هذه الجميلة الى جنبك فقال عليه السلام هذه
عائشة أمّ المؤمنين فقال عيينة أفلا أنزل لك عن أحسن الخلق فقال صلى الله
عليه وسلم ان الله قد حرم ذلك فلما خرج قالت عائشة من هذا يا رسول الله قال
أحمق مطاع وانه على ما ترين لسيد قومه وقوله عليه السلام ان الله قد حرّم
ذلك اشارة الى تحريم التبدل فى قوله تعالى ولا أن تبدّل بهنّ من أزواج وهو
من البدل الذى كان فى الجاهلية كان يقول الرجل للرجل بادلنى بامرأتك وأباد
لك بامر أتى فينزل كل واحد منهما عن امرأته لصاحبه
* |