تاريخ
الخميس في أحوال أنفس النفيس (الموطن الحادى عشر
فى وقائع السنة الحادية عشر من الهجرة
من قدوم وفد النخع واستغفاره صلى الله عليه وسلم لأهل البقيع وسرية أسامة
بن زيد الى أبنى وذكر الاسود العنسى ومسيلمة الكذاب وسجاح وطليحة وذكر ما
وقع قبل مرضه وابتداء مرضه وما وقع فى مرضه ومدّة مرضه وذكر سنه ووقت موته
وذكر بيعة أبى بكر وذكر غسله وتكفينه والصلاة عليه وقبره ودفنه والندب عليه
وميراثه وتركته وحكمه فيها ورؤيته فى المنام وزيارته صلى الله عليه وسلم
وسائر المزارات بالمدينة) ** وفى هذه السنة قدم وفد النخع من اليمن للنصف
من المحرم وهم مائتا رجل مقرين بالاسلام وقد كانوا بايعوا معاذ بن جبل
باليمن وهم آخر وفد قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم*
استغفاره عليه السلام لاهل البقيع
وفى هذه السنة استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل البقيع بالليل فى
المحرم مرجعه من حجته قال أبو مويهبة اشتكى صلى الله عليه وسلم بعد ذلك
بأيام* وفى رواية عنه فما لبث بعد ذلك الاستغفار الاسبعا أو ثمانيا حتى قبض
وكان مامورا بالاستغفار* وفى المواهب اللدنية روى الشيخان من حديث عقبة بن
عامر قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد بعد ثمان سنين
كالمودع للاحياء والاموات*
سرية أسامة بن زيد الى أهل ابنى
وفى هذه السنة كانت سرية أسامة بن زيد الى أهل أبنى بضم الهمزة وسكون الباء
الموحدة وفتح النون على وزن فعلى موضع بناحية البلقاء كانت يوم الاثنين
لاربع ليال بقين من صفر سنة احدى عشرة كما مرّ وهى آخر سرية جهزها النبىّ
صلى الله عليه وسلم وأوّل شئ جهزه أبو بكر لغزو الروم الى مكان قتل أبيه
زيد* قال الواقدى قبض النبىّ صلى الله عليه وسلم وأسامة ابن عشرين سنة كذا
فى الصفوة* روى ان رسول الله أمر بالتهيؤ لغزو الروم يوم الاثنين لأربع
ليال بقين من صفر سنة احدى عشرة من الهجرة فلما كان من الغد دعا أسامة بن
زيد فقال سر الى موضع مقتل أبيك فأوطئهم الخيل فقد وليتك هذا الجيش فاغز
صباحا على أهل أبنى وحرق عليهم فان أظفرك الله فاقلل اللبث فيهم وخذ معك
الادلاء وقدّم العيون والطلائع أمامك فلما كان يوم الاربعاء بدأ مرض رسول
الله صلى الله عليه وسلم فحمّ وصدع فلما أصح يوم الخميس عقد لا سامة لواء
بيده ثم قال اغز بسم الله فى سبيل الله فقاتل من كفر بالله فخرج وعسكر
بالجرف على فرسخ من المدينة فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين والانصار الا
انتدب فى تلك الغزوة فيهم أبو بكر وعمر وسعد بن أبى وقاص وسعيد بن زيد وأبو
عبيدة وقتادة بن النعمان فتكلم قوم وقالوا يستعمل هذا الغلام على المهاجرين
الاوّلين فغضب رسول الله غضبا شديدا فخرج وقد عصب على رأسه عصابة وعليه
قطيفة فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس فما
مقالة بلغتنى عن بعضكم فى تأمير أسامة ولئن طعنتم فى تأميرى أسامة لقد
طعنتم فى تأميرى أباه من قبله وأيم الله ان كان للامارة لخنيقا وان ابنه
بعده
(2/154)
لخليق للامارة وان كان لمن أحب الناس الىّ
فاستوصوا به خيرا فانه من خياركم ثم نزل ودخل بيته وذلك فى يوم السبت لعشر
خلون من ربيع الاوّل وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودّعون رسول
الله صلى الله عليه وسلم ويمضون الى العسكر بالجرف وثقل رسول الله فلما كان
يوم الاحد اشتت برسول الله وجعه فدخل أسامة من معسكره والنبىّ صلى الله
عليه وسلم مغمى عليه* وفى رواية قد أصمت وهو لا يتكلم وهو اليوم الذى لدّوه
فيه فطأطأ رأسه فقبله ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتكلم فجعل يرفع
يديه الى السماء ثم يضعهما على أسامة قال فعرفت انه يدعو لى ورجع أسامة الى
معسكره فأمر الناس بالرحيل فبينما هو يريد الركوب اذا رسول أمه أمّ أيمن قد
جاءه يقول ان رسول الله يموت فأقبل وأقبل معه عمر وأبو عبيدة وانتهوا الى
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يموت* فتوفى صلى الله عليه وسلم حين زاغت
الشمس يوم الاثنين ودخل المدينة المسلمون الذين عسكروا وكان لواء أسامة مع
بريدة بن الحصيب فدخل بريدة بلواء أسامة حتى غرزه عند باب رسول الله صلى
الله عليه وسلم فلما بويع لأبى بكر بعد النبىّ صلى الله عليه وسلم أمر
باللواء الى أسامة ليمضى لوجهه فمضى بريدة الى معسكرهم الاوّل فلما ارتدّت
العرب كلم أبو بكر فى حبس جيش أسامة وكلم أبو بكر أسامة فى أن يأذن لعمر فى
التخلف ففعل فلما كان هلال ربيع الاخر من السنة الحادية عشر بعث أبو بكر
على مقتضى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد الى حرب الشام
فخرج فابتدأ الاغارة من قضاعة الى مؤتة من الشام وسار الى أهل أبنى فى
عشرين ليلة فأغارهم وقتل من أشرف له وسبى من قدر عليه وقتل قاتل أبيه ورجع
الى المدينة بالغلبة والظفر وكانت مدّة غيبته فى ذلك السفر أربعين يوما
فخرج أبو بكر فى المهاجرين وأهل المدينة يتلقونهم سرورا لقدومهم وستجىء
وفاة أسامة فى الخاتمة فى آخر خلافة معاوية*
ظهور الاسود العنسى
وفى هذه السنة فى زمان مرضه عليه السلام جاء الخبر بظهور الاسود العنسى
ومسيلمة الكذاب وكانا يستغويان أهل بلادهما قبل الا انه لم يظهر أمرهما الا
فى زمان مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله قد لحقه مرض بعيد
عوده من الحج ثم عوفى ثم عاد فمرض مرض الموت* وقال ابو مويهبة لما رجع رسول
الله عليه السلام طارت الاخبار بأنه قد اشتكى فوثب الاسود باليمن ومسيلمة
باليمامة فجاء الخبر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مرضه* قال بعض
أصحاب السير وذلك بعد ما ضرب على الناس بعث أسامة* وروى عن ابن عباس ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عاصبا رأسه من الصداع وقال انى رأيت
البارحة فيما يرى النائم ان فى عضدىّ سوارين من ذهب فكرهتهما فنفختهما
فطارا فوقع أحدهما باليمامة والاخر باليمن قيل ما أوّلتهما يا رسول الله
قال فاوّلتهما هذين الكذابين صاحب اليمامة وصاحب اليمن يخرجان من بعدى* وفى
الاكتفاء قال ابن اسحاق وقد كان تكلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
الكذابان مسيلمة بن حبيب الحنفى باليمامة فى بنى حنيفة والاسود بن كعب
العنسى بصنعاء* وذكر باسناد له عن أبى سعيد الخدرى قال سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم وهو يخطب على منبره وهو يقول أيها الناس انى قد رأيت ليلة
القدر ثم أنسيتها ورأيت فى ذراعىّ سوارين من ذهب فكرهتهما فنفختهما فطارا
فأوّلتهما هذين الكذابين صاحب اليمن وصاحب اليمامة* وعن أبى هريرة قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالا
كلهم يدعى النبوّة* وفى معالم التنزيل قد ارتدّ فى حياة النبىّ صلى الله
عليه وسلم ثلاث فرق* الفرقة الاولى بنو مذحج ورئيسهم الاسود العنسى* فى
القاموس العنس لقب زيد بن مالك بن أدد أبو قبيلة من اليمن ومخلاف بها مضاف
اليه واسم الاسود عبهلة بن كعب العنسى ويقال له ذو الخمار بخاء معجمة لانه
كان يغطى وجهه
(2/155)
بخمار ويقال ان ذا الخمار اسم شيطانه* وفى
المنتقى وكان يقال له ذو الحمار بالحاء المهملة لقب بذلك لانه كان يقول
يأتينى ذو حمار* وفى تفسير الكورانى لانه كان له حمار اذا قال له قف وقف قد
ادّعى النبوّة باليمن فى عهد النبىّ صلى الله عليه وسلم فاتبع على ذلك وكان
كاهنا مشعبذا يرى الناس الاعاجيب ويسبى منطقه قلب من سمعه وكان يزعم ان
ملكين يكلمانه اسم أحدهما شهيق والاخر شريق* وفى روضة الاحباب وكان له
شيطانان اسم أحدهما سحيق والاخر شقيق وكانا يخبر انه بالامور الحادثة بين
الناس فلما مات باذان الفارسى عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم بصنعاء
اليمن أخبراه بموته فسار اليها واستولى عليها وكان أوّل خروجه بعد حجة رسول
الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع ومن أوّل خروجه الى أن قتل أربعة أشهر
فخرج مع قومه وغلب على اليمن فكتب فروة ابن مسيك عامل رسول الله على مراد
بخبره الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج معاذ بن جبل هاربا حتى مرّ
بأبى موسى الاشعرى وهو بمأرب فاقتحما حضرموت ورجع عمرو بن خالد الى المدينة
فغلب أمر الاسود وجعل أمره يستطير استطارة الحريق* وفى الاكتفاء فتزوّج
المرزبانة امرأة باذان الفارسى وكانت من عظماء فارس وقسرها على ذلك فأبغضته
أشدّ البغض* وفى المنتقى قتل شهر ابن باذان وتزوّج امرأته وكانت بنت عمّ
فيروز الديلمى فكتب رسول الله الى معاذ بن جبل ومن معه من المسلمين وأمرهم
أن يحثوا الناس على التمسك بدينهم وعلى النهوض الى حرب الاسود فقتله فيروز
الديلمى على فراشه كما سيجئ وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا الى
نفر من الابناء وكتب اليهم أن يحاولوا الاسودا ما غيلة واما مصادمة وأمرهم
أن يستمدّوا رجالا سماهم لهم ممن حولهم من حمير وهمدان وأرسل الى أولئك
الرجال أن يمدّوهم فدخلوا على زوجته فقالوا هذا قتل أباك وزوجك فما عندك
قالت هو أبغض الناس الىّ وهو مجرّد والحرس محيطون بقصره الا هذا البيت
فانقبوا عليه فنقبوا عليه البيت ودخل فيروز الديلمى ورجل آخر يقال له
دادويه فقتله فيروز فخار كأشدّ خوار الثور فابتدر الحرس الى الباب فقالوا
ما هذا الصوت قالت المرأة النبىّ يوحى اليه فاليكم ثم خمد وقد كان يجىء
شيطانه فيوسوس اليه فيغط فيعمل بما قال له* فلما طلع الفجر نادى المسلمون
بشعارهم الذى بينهم ثم بالاذان وقالوا فيه وأشهد أنّ محمدا رسول الله وأنّ
عبهلة كذاب وأغار واو تراجع أصحاب رسول الله الى أعمالهم وكتبوا الى رسول
الله صلى الله عليه وسلم بالخبر فسبق خبر السماء اليه* وعن ابن عمر أتى
الخبر النبىّ صلى الله عليه وسلم من السماء الليلة التى قتل فيها الاسود
فخرج رسول الله قبل موته بيوم فأخبر الناس بذلك فقال قتل الاسود البارحة
قتله رجل مبارك من أهل بيت مباركين قيل ومن هو يا رسول الله قال فيروز فاز
فيروز فبشر النبىّ صلى الله عليه وسلم بهلاك الاسود وقبض من الغد فأتى خبر
مقتل العنسى المدينة بعد وفاة رسول الله فى خلافة أبى بكر فى آخر شهر ربيع
الاوّل بعد مخرج أسامة بن زيد الى أبنى* وكان ذلك أوّل فتح جاء أبا بكر وفى
الاكتفاء سمعت بخروج الاسود بنو الحارث بن كعب من أهل نجران وهم يومئذ
مسلمون فأرسلوا اليه يدعونه أن يأتيهم فى بلادهم فجاءهم فاتبعوه وارتدّوا
عن الاسلام ويقال دحلها يوم دخلها فى آلاف من حمير يدعى النبوّة ويشهدون له
بها فنزل غمدان فلم يتبعه من النخع ولا من جعفى أحد وتبعه ناس من مذحج وعنس
وبنى الحارث وأود ومسلية وحكم وأقام الاسود بنجران يسيرا ثم رأى أنّ صنعاء
خير له من نجران فسار اليها فى ستمائة راكب من بنى الحارث فنزل صنعاء فأبت
الابناء أن يصدّقوه فغلب على صنعاء واستذلّ الابناء بها وقهرهم وأساء
جوارهم لتكذيبهم اياه
قتل الاسود العنسى
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الازد وقيل من خزاعة يقال له
وبر بن يخنس الى الابناء فى أمر الاسود فدخل صنعاء مختفيا فنزل على دادويه
الابناوى فخبأه
(2/156)
عنده وتأمّرت الابناء لقتل الاسود فتحرّك
فى قتله نفر منهم قيس بن عبد يغوث المكشوح وفيروز الديلمى ودادويه الابناوى
وكانت المرزبانة كما تقدّم قد أبغضت الاسود أشدّ البغض فوعدتهم موعدا أتوا
لميقاته وقد سقته الخمر حتى سكر فسقط نائما كالميت فدخل عليه فيروز وقيس
ونفر معهما فوجدوه على فراش عظيم من ريش قد غاب فيه فأشفق فيروز أن يتعادى
عليه السيف ان ضربه به فوضع ركبته على صدر الكذاب ثم فتل عنقه فحوّله حتى
حوّل وجهه من قبل ظهره وأمر فيروز قيسا فاحتزّ رأسه فرمى به الى الناس ففض
الله الذين اتبعوه وألقى عليهم الخزى والذلة وفيروز الديلمى كنيته أبو عبد
الله وقيل أبو عبد الرحمن يقال هو ابن أخت النجاشى وقيل هو من أبناء فارس
ويقال له الحميرى لانه نزل حمير* فى الصحاح حمير أبو قبيلة من اليمن وهو
حمير بن سبا بن يشجب بن يعرب ابن قحطان ومنهم كانت الملوك فى الدهر الاوّل
واسم حمير العرفج*
قصة مسيلمة الكذاب
الفرقة الثانية بنو حنيفة وفى القاموس حنيفة لقب اثال بن لجيم أبى حى انتهى
ورئيسهم مسيلمة الكذاب اسمه هارون ابن حبيب من بنى حنيفة وكنيته أبو ثمامة
ولقبه مسيلمة وهو قبيح الخلقة دميم الصورة وصفته على عكس صفة رسول الله
وكان يزعم أنّ جبريل نزل عليه بالقرآن وكان يقال له رحمن اليمامة لانه كان
يقول الذى يأتينى اسمه رحمن أو هو من باب تعنتهم فى الكفر كما هو فى
الكشاف* وعن رافع بن خديج قال قدمت على النبىّ صلى الله عليه وسلم وفود
العرب فلم يقدم علينا وفد أقسى قلوبا ولا أحرى أن يكون الاسلام لم يقرّ فى
قلوبهم من بنى حنيفة وقد ذكر مسيلمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
أما انه ليس بشرّكم مكانا لما كانوا أخبروه به من أنهم تركوه فى رحالهم
حافظا لها* وعن ابن عباس أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر له أنّ
مسيلمة قال عند ما قدم فى قومه لو جعل لى محمدا لخلافة من بعده لاتبعته
فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس وفى يد رسول
الله ميتخة من نخل فوقف عليه ثم قال لئن أقبلت ليفعلن الله بك ولئن أدبرت
ليقطعن الله دابرك وما أراك الا الذى رأيت فيه ما رأيت ولئن سألتنى هذه
الشظية لشظية من الميتخة التى فى يده ما أعطيتكها وهذا ثابت يجيبك* قال ابن
عباس سألت أبا هريرة عن قول النبىّ صلى الله عليه وسلم ما أراك الا الذى
رأيت فيه ما رأيت قال كان رسول الله قال بينا أنا نائم رأيت فى يدىّ سوارين
من ذهب فنفختهما فطارا فوقع أحدهما باليمامة والاخر باليمن قيل ما أوّلتهما
يا رسول الله قال أوّلتهما كذا بين يخرجان من بعدى ولما انصرف فى قومه الى
اليمامة ارتدّ عدوّ الله وادّعى الشركة فى النبوّة مع النبىّ صلى الله عليه
وسلم وقال للوفد الذين كانوا معه ألم يقل لكم حين ذكرتمونى له أما انه ليس
بشرّكم مكانا ما ذاك الا لما علم أنى أشركت فى الامر معه وكتب الى رسول
الله* من مسيلمة رسول الله الى محمد رسول الله أمّا بعد فانى قد أشركت فى
الامر معك وانّ لنا نصف الارض ولقريش نصفها ولكن قريش قوم يعتدون وبعث
الكتاب مع رجلين من أصحابه فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قرأ
كتابه أتشهدان انى رسول الله قالا نعم قال أتشهدان أنّ مسيلمة رسول الله
قالا نعم قد اشترك معك فى الامر فقال أما والله لولا انّ الرسل لا تقتل
لضربت أعناقكما* وعن ابن مسعود قال جاء ابن النواحة وابن أنال رسولا مسيلمة
الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال لهما أتشهدان انى رسول الله قالا نشهد
أنّ مسيلمة رسول الله فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم آمنت بالله ورسوله لو
كنت قاتلا رسولا لقتلتكما* قال عبد الله فمضت السنة انّ الرسول لا يقتل
رواه أحمد كذا فى المشكاة* ثم كتب الى مسيلمة فى جوابه بسم الله الرحمن
الرحيم من محمد رسول الله الى مسيلمة الكذاب السلام على من اتبع الهدى أمّا
بعد فانّ الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين وقد أهلكت
أهل الحجر أبادك الله ومن
(2/157)
صوّت معك فلما وصله كتاب رسول الله أخفاه
وكتب عن رسول الله كتابا وصله بثبوت الشركة بينهما وأخرج ذلك الكتاب الى
قومه فافتتنوا بذلك* وفى الاكتفاء قال ابن اسحاق وكان ذلك يعنى كتاب مسيلمة
الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتابه الى مسيلمة فى آخر سنة عشر* وقال
أبو جعفر محمد ابن جرير الطبرى وقد قيل انّ دعوى الكذابين مسيلمة والعنسى
للنبوّة فى عهد النبىّ صلى الله عليه وسلم بعد انصراف النبىّ من حجة الوداع
ووقوعه فى المرض الذى توفاه الله فيه والله أعلم* وفى المواهب اللدنية لما
انصرف وفد بنى حنيفة من عند النبىّ صلى الله عليه وسلم وقدموا اليمامة
ارتدّ عدوّ الله مسيلمة وتنبأ وقال انى أشركت معه ثم اشتغل بالمعارضة
الركيكة التى هى ضحكة العقلاء وجعل يسجع السجعات فيقول فيما يقول مضاهاة
للقرآن لقد أنعم الله على الحبلى أخرج منها نسمة تسعى من بين صفاق وحشا
وقال آخر ألم تر كيف فعل ربك بالحبلى أخرج منها نسمة تسعى من بين شراسيف
وحشا وقال آخر الفيل ما الفيل وما أدراك ما الفيل له ذنب وثيل ومشفر أو
خرطوم طويل انّ ذلك من خلق ربنا لقليل ويقول فى التشبيه بالسور القصار يا
ضفدع نقى كم تنقين النقيق صوت الضفدع فاذا رجع صوته قيل نقنق كذا فى نهاية
ابن الاثير أعلاك فى الماء وأسفلك فى الطين لا الماء تكدرين ولا الشارب
تمنعين كذا فى شرح المواهب اللدنية* وفى الاكتفاء انه كان يقول يا ضفدع بنت
ضفدعين لحسن ما تنقنقين لا الشارب تمنعين ولا الماء تكدرين امكثى فى الارض
حتى يأتيك الخفاش بالخبر اليقين لنا نصف الارض ولقريش نصفها ولكن قريش قوم
لا يعدلون وسجع اللعين على سورة انا أعطيناك الكوثر فقال انا أعطيناك
الجواهر فصل لربك وهاجر انّ مبغضك رجل فاجر* وفى رواية انا أعطيناك الجماهر
فخذّ لنفسك وبادر واحذر أن تحرص أو تكاثر* وفى رواية انا أعطيناك الكواثر
فصل لربك وبادر فى الليالى الغوادر ولما سمع الملعون والنازعات غرقا قال
والزارعات زرعا فالحاصدات حصدا والذاريات قمحا والطابخات طبخا والحافرات
حفرا والخابزات خبزا فالثاردات ثردا فاللاقمات لقما والاكلات أكلا لقد
فضلتم على أهل الوبر وما سبقكم أهل المدر* روى أنّ امرأة أتت مسيلمة فقالت
ادع الله لنا ولنخلنا ولمائنا فانّ محمدا دعا لقومه فجاشت آبارهم وكثر
ماؤها قال كيف صنع قالت دعا بسجل فدعا لهم فيه ثم تمضمض ومج فيه فأفرغوه فى
تلك الابار ففعل مسيلمة كذلك فغارت تلك المياه* وفى المواهب اللدنية ولما
سمع اللعين أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم تفل فى عين علىّ وكان أرمد فبرئ
تفل فى عين بصير فعمى ومسح بيده ضرع شاة حلوب فارتفع درّها ويبس ضرعها
وحفرت بنو حنيفة بئرا فأعذبوها متاحا فجاؤا الى مسيلمة وطلبوا اليه أن
يأتيها وأن يبارك فيها فأتاها فبصق فيها فعادت أجاجا وتوضأ مسيلمة فى حائط
فصب وضوءه فيه فلم ينبت وقال له رجل بارك على ولدى فانّ محمدا يبارك على
أولاد أصحابه فلم يؤت بصبىّ مسح مسيلمة رأسه أو حنكه الاقرع أو لثغ وجاءه
رجل وقال يا أبا ثمامة انى ذو مال وليس لى مولود يبلغ سنتين حتى يموت غير
هذا المولود وهو ابن عشر سنين ولى مولود ولد أمس أحب أن تبارك فيه وتدعو أن
يطيل الله عمره فقال سأطلب لك الذى طلبت فجعل عمر المولود أربعين سنة فرجع
الرجل الى منزله مسرورا فوجد الاكبر قد تردّى فى بئر ووجد الصغير ينزع فى
الموت فلم يمس من ذلك اليوم حتى ماتا جميعا تقول أمّهما فلا والله ما لأبى
ثمامة عند الهه مثل منزلة محمد عليه السلام قيل انه أدخل البيضة فى
القارورة وادّعى أنها معجزة فافتضح بنحو ما ذكر أنّ النوشادر اذا ضرب فى
الخلّ ضربا جيدا وجعلت فيه البيضة بنت يومها يوما وليلة فامتدّت كالخيط
فتجعل فى القارورة ويصب عليها الماء البارد فانها تجمد كذا فى المواهب
اللدنية* وفى ربيع الابرار قال الجاحظ كان مسيلمة قبل ادعاء النبوّة يدور
(2/158)
فى الاسواق التى بين دور العرب والعجم كسوق
الابلة وسوق بقة وسوق الانبار وسوق الحيرة يلتمس تعلم الحيل والنيرنجات
واحتيالات أصحاب الرقى والنجوم ومن حيلته أنه صب على بيضة من خلّ حاذق قاطع
فلانت حتى اذا مددتها استطالت واستدقت كالعلك ثم أدخلها قارورة ضيقة الرأس
وتركها حتى انضمت واستدارت وعادت كهيئتها الاولى فأخرجها الى قومه وهم قوم
اعراب وادّعى النبوّة فامن به جماعة ووضع فى الاخر الصلاة عن قومه وأحلّ
الخمر والزنا ونحو ذلك واتفق معه بنو حنيفة الا افذاذا من ذوى عقولهم ومن
أراد الله به الخير منهم وكان من أعظم ما فتن به قومه شهادة الدجال ابن
عنفوة له باشراك النبىّ صلى الله عليه وسلم اياه فى الامر وكان من قصة
الدجال انه قدم مع قومه وافدا على النبىّ صلى الله عليه وسلم فقرأ القرآن
وتعلم السنن وكان يأتى أبيا يقرئه فقدم اليمامة وشهد لمسيلمة على رسول الله
أنه أشركه فى الامر من بعده فكان أعظم على أهل اليمامة فتنة من غيره قالوا
وسمع الدجال يقول كبشان انتطحا فأحبهما الينا كبشنا وكان ابن عمير اليشكرى
من سراة أهل اليمامة وأشرافهم وكان مسلما يكتم اسلامه وكان صديقا للدّجال
فقال شعر افشافى اليمامة حتى كانت المرأة والوليدة والصبىّ ينشدونه وهو
يا سعاد الفؤاد بنت أثال ... طال ليلى بفتنة الدجال
فتن القوم بالشهادة والله ... عزيز ذو قوّة ومحال
لا يساوى الذى يقول من الام ... ر قبالا وما احتذى من قبال
انّ دينى دين النبىّ وفى القو ... م رجال على الهدى أمثالى
أهلك القوم محكم بن طفيل ... ورجال ليسوا لنا برجال
بزهم أمرهم مسيلمة اليو ... م فلن يرجعوه أخرى الليالى
قلت للنفس اذ تعاظمها الصب ... ر وساءت مقالة الاقوال
ربما تجزع النفوس من الام ... ر له فرجة كحل العقال
ان تكن ميتتى على فطرة الله ... حنيفا فاننى لا أبالى
فبلغ ذلك مسيلمة ومحكما وأشراف اهل اليمامة فطلبوه ففاتهم ولحق بخالد بن
الوليد فأخبره بحال أهل اليمامة ودله على عوراتهم*
قصة سجاح
واستضاف مسيلمة الى ضلالته فى دين الله وتكذبه على الله ضلالة سجاح وكانت
امرأة من بنى تميم* وفى القاموس سجاح كقطام امرأة تنبأت وادّعت أنها نبية*
وفى الاكتفاء أجمع قومها على أنها نبية فادّعت الوحى واتخذت مؤذنا وحاجبا
ومنبرا فكانت العشيرة اذا اجتمعت تقول الملك فى أقربنا من سجاح وفيها يقول
عطارد بن حاجب بن زرارة
أضحت نبيتنا أنثى نطيف بها ... وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا
ثم انّ سجاح جيشت جيوشا ورحلت تريد حرب مسيلمة وأخرجت معها من قومها من
تابعها على قولها وهم يرون أنّ السجاح أولى بالنبوّة من مسيلمة فلما قدمت
عليه خلابها وقال لها تعالى نتدارس النبوّة أينا أحق بها فقالت له سجاح قد
أنصفت وفى الخبر بعد هذا ما يحق الاعراض عن ذكره وقيل انّ سجاح توجهت الى
مسيلمة مستجيرة به لما وطئ خالد العرب ورأت انه لا أحد أعزّ لها منه وقد
كانت أمرت مؤذنها شيث بن ربعى أن يؤذن بنبوّة مسيلمة فكان يفعل فلما قدمت
على مسيلمة قالت اخترتك على من سواك ونوّهت باسمك حتى انّ مؤذنى ليؤذن
بنبوّتك فخلابها ليتدارسا النبوّة* وفى روضة الاحباب بعث مسيلمة اليها
بهدية وخطبها فقبلت الخطبة وسارت الى اليمامة فتزوّجها وجعل مهرها اسقاط
صلاتى الفجر والعشاء انتهى ولما قتل مسيلمة أخذ خالد بن الوليد سجاح فأسلمت
ورجعت الى
(2/159)
ما كانت عليه ولحقت بقومها وبقيت الى زمان
معاوية وصارت مقبولة الاسلام* وفى المنتقى واتفقت مع مسيلمة أكثر بنى حنيفة
وغلب على حجر اليمامة وأخرج ثمامة بن أثال عامل رسول الله صلى الله عليه
وسلم على اليمامة فكتب ثمامة الى رسول الله يخبره فلما توفى رسول الله كتب
الى أبى بكر الصدّيق يخبره أنّ أمر مسيلمة قد استغلظ فبعث أبو بكر خالد بن
الوليد فى جيش كثير الى حرب مسيلمة وذلك بعد قتال طليحة فانه أوّل من قوتل
من أهل الردّة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآخر من ارتدّ وسيجىء
بقية قصتهما فى الخاتمة*
قصة طليحة بن خويلد
الفرقة الثالثة بنو أسد رئيسهم طليحة بن خويلد وكان طليحة آخر من ارتدّ
وادّعى النبوّة فى حياة النبىّ صلى الله عليه وسلم وأوّل من قوتل بعد وفاته
كما مرّ وكان طليحة رجلا من بنى أسد وكان من أشجع العرب يعدل بألف فارس
وكان قد قدم على النبىّ صلى الله عليه وسلم فى وفد بنى أسد فى السنة
التاسعة من الهجرة وأسلموا ولما رجعوا الى قومهم ارتدّ طليحة وادّعى
النبوّة فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرار بن الازور الى قتاله
فتوفى عليه السلام فظهر أمر طليحة وقويت شوكته بعد وفاة النبىّ صلى الله
عليه وسلم وارتدّ عيينة بن حصن الفزارى مع قومه ومنعوا الزكاة فتبعوا طليحة
ولحقوا به وكان طليحة يزعم ان الملك يأتيه ورفع السجود عن الصلاة وأوّل ما
صدر عنه وكان سببا لضلال الناس انه كان مع بعض قومه فى سفر فأعوزهم الماء
وغلب العطش على الناس فقال اركبوا أعلالا واضربوا أميالا تجدوا بلالا
واعلال اسم فرس له ففعلوا فوجدوا الماء فكان ذلك سبب وقوع الاعراب فى
الفتنة وستجىء فى الخاتمة* ومما وقع قبل مرضه بشهر ما روى عن ابن مسعود قال
نعى لنا نبينا وحبيبنا قبل موته بشهر بأبى هو وأمى ونفسى له الفداء فلما
دنا الفراق جمعنا فى بيت أمّنا عائشة وتشدّد لنا وقال مرحبا بكم وحياكم
الله بالسلامة رحمكم الله حفظكم الله جبركم الله رزقكم الله رفعكم الله
نفعكم الله آواكم الله وقاكم الله أوصيكم بتقوى الله وأوصى الله بكم
وأستخلفه عليكم وأحذركم الله انى لكم نذير مبين ألا تعلوا على الله فى
عباده وبلاده فانه قال لى ولكم تلك الدار الاخرة نجعلها للذين لا يريدون
علوّا فى الارض ولا فسادا والعاقبة للمتقين وقال أليس فى جهنم مثوى
للمتكبرين قلنا يا رسول الله متى أجلك قال دنا الفراق والمنقلب الى الله
والى جنة المأوى والى سدرة المنتهى والى الرفيق الاعلى والكاس الاوفى
والحوض والعيش الهنى قلنا يا رسول الله من يغسلك قال رجال أهلى الادنى
فالادنى قلنا يا رسول الله ففيم نكفنك فقال فى ثيابى هذه ان شئتم أو ثياب
مصر أو حلة يمانية قلنا يا رسول الله من يصلى عليك وبكينا وبكى فقال مهلا
رحمكم الله وجزاكم عن نبيكم خيرا اذا أنتم غسلتمونى وكفنتمونى فضعونى على
سريرى هذا على شفير قبرى فى بيتى هذا ثم اخرجوا عنى ساعة فان أوّل من يصلى
علىّ حبيبى وخليلى جبريل ثم ميكائيل ثم اسرافيل ثم ملك الموت مع جنود من
الملائكة بأجمعهم ثم ادخلوا علىّ فوجا فوجا فصلوا علىّ وسلموا تسليما ولا
تؤذونى بتزكية ولا برنة وليبتدئ بالصلاة علىّ رجال أهل بيتى ثم نساؤهم ثم
أنتم بعد ثم اقرؤا السلام على من غاب عنى من أصحابى واقرؤا السلام على من
تبعنى على دينى من يومى هذا الى يوم القيامة قلنا يا رسول الله من يدخلك
قبرك قال أهلى مع ملائكة كثيرة يرونكم من حيث لا ترونهم* وفى أنوار التنزيل
والمدارك عن ابن عباس أنه قال آخر آية نزل بها جبريل واتقوا يوما ترجعون
فيه الى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون وقال ضعها فى رأس
المائتين والثمانين من البقرة وعاش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها
احدا وعشرين يوما وقيل احدا وثمانين وقيل سبعة أيام وقيل ثلاث ساعات* وفى
تفسير الزاهدى وبكى ابن عباس وقال ختم الوحى كان بالوعيد*
(ذكر ابتداء مرضه وكيفيته)
* روى انه ابتدأ به صداع
(2/160)
فى اواخر صفر لليلتين بقيتا منه يوم
الاربعاء فى بيت ميمونة وقيل لليلة وقيل بل فى مفتتح ربيع الاوّل* وفى
الوفاء مرض فى صفر لعشر بقين منه وتوفى صلى الله عليه وسلم لاثنتى عشرة
ليلة خلت من ربيع الاوّل يوم الاثنين انتهى ما ذكره رزين عن أبى حاتم وشهر
ربيع هذا من السنة الحادية عشر وكان ابتداء مرضه فى بيت ميمونة وقيل زينب
بنت جحش وقيل ريحانة* وذكر الخطابى ان ابتداءه يوم الاثنين وقيل السبت وقيل
الاربعاء قاله الحاكم* وحكى فى الروضة قولين وفى مدته اختلاف قيل أربعة عشر
يوما وقيل اثنا عشر وقيل ثلاثة عشر وعليه الاكثرون وقيل عشرة وبه جزم
سليمان التيمى وهو أحد الثقات بأن ابتداء مرضه يوم السبت الثانى والعشرين
من صفر ومات يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الاول* وفى الاكتفاء ولما
قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع أقام بالمدينة بقية ذى
الحجة والمحرم وصفر وضرب على الناس بعث أسامة بن زيد الى الشام وأمره أن
يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين فتجهز الناس وأوعب مع
أسامة المهاجرون الاوّلون وكان آخر بعث بعثه رسول الله فبينا الناس على ذلك
ابتدأ صلوات الله عليه وسلامه بشكواه التى قبضه الله فيها الى ما أراد به
من رحمته وكرامته فى ليال بقين من صفر أو فى أوّل شهر ربيع الاوّل فكان
أوّل ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر انه خرج الى بقيع
الغرقد من جوف الليل فأستغفر لهم ثم رجع الى أهله فلما أصبح ابتدأ بوجعه فى
يومه ذلك* حدث أبو مويهبة مولى رسول الله قال بعثنى صلى الله عليه وسلم من
جوف الليل فقال يا أبا مويهبة انى قد أمرت أن أستغفر لاهل هذا البقيع
فانطلق معى فانطلقت معه فلما وقف بين أظهرهم قال السلام عليكم يا أهل
المقابر ليهنأ لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه أقبلت الفتن كقطع
الليل المظلم يتبع آخرها أوّلها ثم أقبل علىّ فقال يا أبا مويهبة انى قد
أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة فحيرت بين ذلك وبين لقاء
ربى والجنة فقلت بأبى أنت وأمى فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم
الجنة قال لا والله يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربى والجنة ثم استغفر
لاهل البقيع ثم انصرف فبدأ به وجعه الذى قبضه الله فيه* وقالت عائشة رجع
رسول الله من البقيع فوجدنى وأنا أجد صداعا فى رأسى وأنا أقول وارأساه فقال
بل أنا والله يا عائشة وارأساه قالت وكان سكتنى رسول الله صلى الله عليه
وسلم بالمزاح على تحشم منه فقال وما ضرك لومت قبلى فقمت عليك وكفنتك وصليت
عليك ودفنتك قلت والله لكأنى بك لو قد فعلت ذلك لرجعت الى بيتى فأعرست فيه
ببعض نسائك من آخر ذلك اليوم فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتمادى به
وجعه وهو يدور على نسائه حتى استقر به وهو فى بيت ميمونة فدعا نساءه
فاستأذنهن فى أن يمرّض فى بيتى فأذنّ له فخرج رسول الله يمشى بين رجلين من
أهله أحدهما الفضل بن عباس ورجل آخر عاصبا رأسه تخط قدماه حتى دخل بيتى*
وعن ابن عباس ان الرجل الاخر هو على بن أبى طالب ثم عز رسول الله صلى الله
عليه وسلم واشتدّ به وجعه* وفى رواية بعد ان قال وارأساه فذهب فلم يلبث الا
يسيرا حتى جىء به محمولا فى كساء فدخل علىّ وبعث الى النساء فقال انى قد
اشتكيت وانى لا أستطيع أن أدور بينكنّ فأذنّ فلأكن عند عائشة فكنت أوضيه
ولم أوض أحدا قبله* روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأل فى مرضه
أين أنا غدا أين أنا غدا يريد يوم عائشة فأذن له أزواجه يكون حيث شاء وكان
فى بيت عائشة حتى مات عندها* وفى رواية ان النبىّ صلى الله عليه وسلم كان
يحمل فى ثوب يطاف به على نسائه وهو مريض يقسم بينهنّ قالت عائشة ثم تمادى
به وجعه وهو فى ذلك يدور على نسائه حتى اجتمعن برسول الله صلى الله عليه
وسلم فى بيت ميمونة فلما رأوا ما به اجتمع رأى من
فى البيت على أن يلدّوه وتخوّفوا أن يكون به ذات الجنب ففعلوا* وفى رواية
عن عائشة قالت كانت تأخذ
(2/161)
رسول الله الخاصرة فأخذته يوما فأغمى عليه
حتى ظننا انه قد هلك فلددناه ثم فرج عن النبىّ صلى الله عليه وسلم وقد
لدّوه فقال من صنع هذا فهبنه فاعتللن بالعباس واتخذ جميع من فى البيت
العباس سببا ولم يكن له فى ذلك رأى فقالوا يا رسول الله عمك العباس أمر
بذلك وتخوّفنا أن يكون بك ذات الجنب فقال انها من الشيطان ولم يكن الله عز
وجل ليسلطها علىّ ولا ليرمينى بها ولكن هذا عمل النساء لا يبقى أحد فى
البيت الا لدّالا عمى العباس فان يمينى لا تناله فلدّوا كلهم ولدّت ميمونة
وكانت صائمة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج رسول الله الى بيت
عائشة وكان يومها بين العباس وعلىّ والفضل ممسك بظهره ورجلاه تخطان فى
الارض حتى دخل على عائشة فلم يزل عندها مغلوبا لا يقدر على الخروج من بيتها
الى غيره ثم ان وجعه اشتدّ قالت عائشة جعل يشتكى ويتقلب على فراشه فقلت له
لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه فقال ان المؤمنين تشتدّ علتهم انه لا يصيب
المؤمن نكتة من شوكة فما فوقها الا رفع الله له بها درجة وحط عنه بها خطيئة
وقالت ما رأيت أحدا كان اشدّ عليه الوجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم*
روى انه كان لا يكاد تقرّ يد أحد عليه من شدّة الحمى فقال ليس أحد أشدّ
بلاء من الانبياء كما يشتدّ علينا البلاء كذلك يضاعف لنا الاجر* وعن عبد
الله ابن مسعود قال دخلت على النبىّ صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فقلت يا
رسول الله انك لتوعك وعكا شديدا قال أجل انى أوعك كما يوعك رجلان منكم قلت
ذلك بأن لك أجرين قال أجل ذلك كذلك ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها
الا كفر الله به سياته كما تحط الشجرة ورقها رواه البخارى* وعن عائشة قالت
لما اشتدّ وجعه قال صبوا علىّ من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلى أستريح
فأعهد الى الناس قالت عائشة فأجلسناه فى مخضب لحفصة من نحاس وسكبنا عليه
الماء حتى طفق يشير الينا أن قد فعلتن ثم خرج فقام يومئذ خطيبا فحمد الله
وأثنى عليه واستغفر للشهداء الذين قتلوا يوم أحد*
(ذكر شدّة مرضه)
* كانت مدّة علته اثنى عشر يوما وقيل أربعة عشر يوما وقيل ثمانية عشر يوما
وقال عليه السلام فى مرضه سدّوا هذه الابواب الشوارع الى المسجد الاباب أبى
بكر فانى لا أعلم رجلا أحسن يدا عندى فى الصحابة من أبى بكر* وفى رواية لا
يبقين فى المسجد باب الاسدّ الاباب أبى بكر* وفى رواية سدّوا عنى كل خوخة
فى هذا المسجد غير خوخة أبى بكر* وعن ابن عمر جاء أبو بكر الى النبىّ صلى
الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ائذن لى فأمرّضك وأكون الذى يقوم عليك
فقال يا أبا بكر ان لم أحمل أزواجى وبناتى وأهل بيتى علاجى ازدادت مصيبتى
عليهم عظما وقد وقع أجرك على الله* ومما وقع فى مرضه انه خطب الناس فى مرضه
وقال فى خطبته ان الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد
ما عند الله فبكى أبو بكر فعجبنا من بكائه ان أخبر رسول الله عن عبد خير
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم المخير وكان أبو بكر أعلمنا وانه أعتق
رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مرضه أربعين نفسا* روى ان رسول الله صلى
الله عليه وسلم كان لم يشتك شكوى الاسأل الله العافية حتى كان فى مرضه الذى
توفى فيه فانه لم يدع بالشفاء بل عاتب نفسه وشرع يقول يا نفس مالك تلوذين
كل ملاذ*
اسراره عليه السلام الى فاطمة
ومما وقع فى مرضه انه أسرّ الى فاطمة حديثا فبكت ثم أسرّ اليها حديثا فضحكت
قالت عائشة سألت عنها قالت ما كنت لأفشى سر رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى اذا قبض سألتها فقالت انه أسرّ الىّ فقال ان جبريل كان يعارضنى القرآن
فى كل عام مرّة وانه عارضنى العام مرّتين ولا أراه الا قد حضر أجلى وانك
أوّل أهل بيتى لحوقا بى ونعم السلف انا لك فبكيت لذلك ثم قال ألا ترضين أن
تكونى سيدة نساء هذه الامة أو نساء المؤمنين فضحكت لذلك* ومما وقع فى مرضه
انه كان يصلى بالناس فى مدّة مرضه وانما انقطع ثلاثة أيام وقيل سبع عشرة
(2/162)
صلاة فلما آذن بالصلاة فى أوّل ما امتنع
وهى صلاة العشاء قال مروا أبا بكر فليصل بالناس* وعن الزهرى قال النبىّ صلى
الله عليه وسلم لعبد الله بن زمعة مر الناس فليصلوا فخرج عبد الله ابن زمعة
فلقى عمر بن الخطاب فقال صل بالناس فصلى عمر بالناس فجهر بصوته وكان جهير
الصوت فسمع رسول الله صوته فقال أليس هذا صوت عمر فقالوا بلى يا رسول الله
فقال يأبى الله ذلك والمؤمنون ليصل بالناس أبو بكر كذا ذكره فى المنتقى*
وفى شرح المواقف ان بلالا آذن بالصلاة فى أيام مرضه فقال النبىّ صلى الله
عليه وسلم لعبد الله بن زمعة اخرج وقل لأبى بكر يصلّ بالناس فخرج فلم يجد
على الباب الا عمر فى جماعة ليس فيهم أبو بكر فقال يا عمر صل بالناس فلما
كبر وكان رجلا صيتا وسمع النبىّ صلى الله عليه وسلم صوته قال يأبى الله
والمسلمون الا أبا بكر ثلاث مرّات قال فقال عمر لعبد الله ابن زمعة بئس ما
صنعت كنت أرى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تأمرنى قال لا والله
ما أمرنى أن آمر أحدا* وروى ان بلالا آذن فوقف بالباب فقال السلام عليك يا
رسول الله الصلاة يرحمك الله فقال له مر أبا بكر يصلّ بالناس فخرج بلال
ويده على أمّ رأسه وهو ينادى واغوثاه وا انقطاع رجاه وا انكسار ظهراه ليتنى
لم تلدنى أمى واذا ولدتنى لم أشهد من رسول الله هذا ودخل المسجد وقال يا
أبا بكر ان رسول الله يأمرك أن تتقدّم فلما نظر أبو بكر الى خلو المكان عن
رسول الله وكان رجلا رقيقا لم يتمالك ان خرّ مغشيا عليه فضج المسلمون فسمع
رسول الله صلى الله عليه وسلم الضحة وقال يا فاطمة ما هذه الضجة قالت يا
رسول الله ضج المسلمون لفقدك فدعا بعلىّ وابن عباس وانكب عليهما وخرج الى
المسجد وصلى ثم قال يا معشر المسلمين أنتم فى وداع الله وكنفه والله خليفتى
عليكم وعليكم بتقوى الله وحفظ طاعته فانى مفارق الدنيا* وعن عائشة قالت لما
ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بلال يؤذنه بالصلاة فقال مروا أبا
بكر فليصل بالناس قلت يا رسول الله ان أبا بكر رجل أسيف وانه متى يقوم
مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت
فقلت لحفصة قولى له فقالت له حفصة يا رسول الله أبو بكر رجل أسيف وانه متى
يقوم مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر فقال انكن صواحب يوسف مروا أبا بكر
فليصل بالناس قالت فأمروا أبا بكر فلما دخل الصلاة وجد رسول الله صلى الله
عليه وسلم من نفسه خفة فقام يتهادى بين رجلين ورجلاه تخطان فى الارض حتى
دخل المسجد فلما سمع أبو بكر حسه ذهب ليتأخر فأومأ اليه رسول الله أن قم
كما أنت فجاء رسول الله حتى جلس عن يسار أبى بكر وكان رسول الله يصلى
بالناس قاعدا وأبو بكر قائما يقتدى أبو بكر بصلاة رسول الله صلى الله عليه
وسلم والناس يقتدون بصلاة أبى بكر* وفى سيرة ابن هشام فلما خرج رسول الله
صلى الله عليه وسلم تفرّج الناس فعرف أبو بكر أن الناس لم يصنعوا ذلك الا
لرسول الله فنكص عن مصلاه فدفع رسول الله فى ظهره وقال صل بالناس وجلس رسول
الله صلى الله عليه وسلم الى جنبه فصلى قاعدا عن يمين أبى بكر فلما فرغوا
من الصلاة قال له أبو بكر يا نبىّ الله انى أراك قد أصبحت بنعمة من الله
وفضل كما تحب واليوم يوم بنت خارجة فاتيها قال نعم ثم دخل رسول الله وخرج
أبو بكر الى أهله بالسنح* وفى المواقف وأمر أبا بكر بالصلاة بالناس فى مرضه
الذى توفى فيه والروايات الصحيحة متعاضدة على ذلك* وفى شرحه للشريف
الجرجانى روى عن ابن عباس أنه قال لم يصل النبىّ صلى الله عليه وسلم خلف
أحد من أمّته الا خلف أبى بكر وصلى خلف عبد الرحمن بن عوف فى سفر ركعة
واحدة* وعن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه انه كان مع النبىّ صلى
الله عليه وسلم فى سفر غزوة فذهب النبىّ عليه السلام لحاجة الطهارة فأقاموا
الصلاة وتقدّمهم عبد الرحمن فجاء النبىّ صلى الله
عليه وسلم وعبد الرحمن قد صلى بهم ركعة وصلى
(2/163)
مع الناس خلفه وأتم الذى فاته وقال ما قبض
نبىّ حتى يصلى خلف رجل صالح من أمّته كذا فى الصفوة* وعن المغيرة بن شعبة
انه غزا مع رسول الله غزوة تبوك قال المغيرة فتبرز رسول الله قبل الغائط
فحملت معه اداوة قبل الفجر فلما رجع أخذت أهريق على يديه من الاداوة فغسل
يديه ووجهه وعليه جبة من صوف وذهب يحسر عن ذراعيه فضاق كم الجبة فأخرج يديه
من تحت الجبة وألقى الجبة على منكبيه وغسل ذراعيه ثم مسح ناصيته وعلى
العمامة ثم أهويت لا نزع خفيه فقال دعهما فانى أدخلتهما طاهرتين فمسح
عليهما* وفى رواية عن المغيرة قلت يا رسول الله نسيت فقال بل أنت نسيت بهذا
أمرنى ربى عز وجل روى هذه الرواية أبو داود وللدارمى معناه قال المغيرة ثم
ركب وركبت فانتهينا الى القوم وقد قاموا الى الصلاة ويصلى بهم عبد الرحمن
بن عوف وقد ركع بهم ركعة فلما أحسّ بالنبىّ ذهب ليتأخر فأومأ اليه فأدرك
النبىّ صلى الله عليه وسلم احدى ركعتين معه فلما سلم قام النبى وقمت معه
فركعنا الركعة التى سبقنا رواه مسلم كذا فى المشكاة* وروى عن رافع بن عمرو
بن عبيد عن أبيه أنه قال لما ثقل النبىّ صلى الله عليه وسلم عن الخروج أمر
أبا بكر أن يقوم مقامه فكان يصلى بالناس وربما خرج النبىّ صلى الله عليه
وسلم بعد ما دخل أبو بكر فى الصلاة ويصلى خلفه ولم يصل خلف أحد غيره الا
أنه صلى خلف عبد الرحمن بن عوف ركعة واحدة فى سفر وأمّا ما رواه البخارى
باسناده الى عروة عن أبيه عن عائشة انه عليه السلام أمر أبا بكر أن يصلى
بالناس فى مرضه فكان يصلى بهم فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه
خفة فخرج الى المحراب وكان أبو بكر يصلى بصلاة رسول الله والناس يصلون
بصلاة أبى بكر أى بتكبيره كما مرّ فهو انما كان فى وقت آخر* وفى المواقف
أيضا ان النبىّ صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر فى الصلاة حال مرضه
واقتدى به وما عز له ولذلك قال علىّ قدمك رسول الله فى أمر ديننا أفلا
نقدّمك فى أمر دنيانا* وفى أسد الغابة عن الحسن البصرى عن علىّ بن أبى طالب
قال قدّم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فصلى بالناس وانى شاهد غير
غائب وانى لصحيح غير مريض ولو شاء أن يقدّمنى لقدّمنى فرضينا لدنيانا من
رضى الله ورسوله لديننا* ومما وقع فى مرضه ان وجعه اشتدّ يوم الخميس فأراد
أن يكتب كتابا فقال لعبد الرحمن بن أبى بكر ائتنى بكتف أو لوح أكتب لابى
بكر كتابا لا يختلف عليه فلما ذهب عبد الرحمن ليقوم قال أبى الله والمؤمنون
ان يختلف عليك يا أبا بكر* وعن ابن عباس لما حضر رسول الله وفى البيت رجال
منهم عمر بن الخطاب قال النبىّ صلى الله عليه وسلم هلم أكتب لكم كتابا لا
تضلوا بعده فقال عمران رسول الله قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب
الله فاختلف أهل البيت واختصموا منهم من يقول قدّموا يكتب لكم رسول الله
كتابا لا تضلوا بعده ومنهم من يقول ما قال عمر فلما كثرا للغو والاختلاف
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا عنى فكان ابن عباس يقول ان الرزية
كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم
ولغطهم رواه البخارى وعن سهيل بن سعد قال كانت عند رسول الله سبعة دنانير
وضعها عند عائشة فلما كان فى مرضه قال يا عائشة ابعثى بالذهب الى علىّ
فيتصدّق به ثم أغمى عليه وشغل عائشة ما به حتى قال ذلك ثلاث مرّات كل ذلك
يغمى عليه ويشغل عائشة ما به فبعثت به الى علىّ فتصدّق به ثم أمسى رسول
الله صلى الله عليه وسلم ليلة الاثنين فى حديد الموت فأرسلت عائشة الى
امرأة من النساء بمصباحها فقالت اقطرى لنا فى مصباحنا من عكتك السمن فان
رسول الله أمسى فى حديد الموت* وفى رواية قال لعائشة وهى مسندته الى صدرها
يا عائشة ما فعلت بتلك الذهب قالت هى عندى قال فأنفقيها ثم غشى على رسول
الله وهو على صدرها فلما أفاق قال أنفقت تلك الذهب يا عائشة قالت لا
(2/164)
فدعا بها ووضعها فى كفه فعدّها فاذا هى ستة
فقال ما ظنّ محمد بربه أن لو لقى الله وهذه عنده فأنفقها كلها ومات من ذلك
اليوم* ومما وقع فى مرضه أنه خير عند موته قالت عائشة كنت أسمع أنه لا يموت
نبىّ حتى يخير بين الدنيا والاخرة فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى
آخر مرضه يقول مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء
والصالحين وحسن أولئك رفيقا فظننت أنه خير* وفى رواية مع الرفيق الاعلى فى
الجنة مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن
أولئك رفيقا* ومما وقع فى مرضه استعمال السواك قبل موته* روى عن عائشة انها
كانت تقول من نعم الله علىّ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى فى بيتى
وفى يومى وبين سحرى ونحرى وانّ الله عز وجلّ جمع ريقى وريقه عند موته دخل
عبد الرحمن وبيده سواك وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته
ينظر اليه فعرفت أنه يحب السواك فقلت آخذه لك فأشار برأسه أن نعم فتناولته
فاشتدّ عليه فقلت ألينه لك فأشار برأسه أن نعم فلينته فأخذه فأمره وبين
يديه ركوة أو علبة يدخل يديه فى الماء ويمسح بهما وجهه ويقول لا اله الا
الله انّ للموت سكرات ثم نصب يده فجعل يقول فى الرفيق الاعلى حتى قبض ومالت
يده* ومما وقع فى مرضه انه كشف الستر يوم الاثنين فنظر الى الناس وهم فى
صلاة الفجر عن أنس انّ أبا بكر كان يصلى بهم فى وجع النبىّ صلى الله عليه
وسلم الذى توفى فيه حتى اذا كان يوم الاثنين وهم صفوف فى الصلاة وكشف
النبىّ صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة ينظر الينا وهو قائم كانّ وجهه ورقة
مصحف ثم تبسم فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبىّ صلى الله عليه وسلم
فنكص أبو بكر على عقبه ليصل الصف فظنّ أنّ النبىّ خارج الى الصلاة فأشار
الينا النبىّ صلى الله عليه وسلم أن أتموا صلاتكم فأرخى الستر وتوفى من
يومه* ومما وقع فى مرضه ما روى أنّ العباس وعليا خرجا من عند رسول الله فى
مرضه فلقيهما رجل فقال كيف أصبح رسول الله يا أبا الحسن فقال أصبح بريئا
فقال العباس لعلىّ أنت بعد ثلاث عبد العصا ثم خلا به فقال له انه يخيل الىّ
أنى أعرف وجوه بنى عبد المطلب عند الموت وانى خائف أن لا يقوم رسول الله من
وجعه فاذهب بنا اليه فلنسأ له فان يك هذا الامر الينا فعلمنا ذلك وان لا
يكن الينا أمرناه أن يوصى بنا خيرا فقال له علىّ أرأيت اذا جئناه فلم
يعطناها أترى الناس يعطوناها والله لا أسأله اياها أبدا* ومما جرى فى مرضه
تردّد جبريل اليه ثلاثة أيام قبل موته برسالة من الله يقول له كيف تجدك
وكان ذلك فى يوم السبت والأحد والاثنين واستئذان ملك الموت عليه يوم
الاثنين* روى عن أبى هريرة أنّ جبريل أتى النبىّ صلى الله عليه وسلم فى
مرضه الذى قبض فيه فقال انّ الله يقرئك السلام ويقول كيف تجدك قال أجدنى
وجعا يا أمين الله ثم جاء من الغد فقال يا محمد انّ الله يقرئك السلام
ويقول كيف تجدك قال أجدنى وجعا يا أمين الله ثم جاء اليوم الثالث ومعه ملك
الموت فقال يا محمد انّ ربك يقرئك السلام ويقول كيف تجدك فقال أجدنى وجعا
يا أمين الله من هذا الذى معك قال هذا ملك الموت وهذا آخر عهدى بالدنيا
بعدك وآخر عهدك بها ولن آسى على هالك من ولد آدم بعدك ولن أهبط الارض الى
أحد بعدك فوجد النبىّ صلى الله عليه وسلم سكرة الموت وعنده قدح فيه ماء
فكلما وجد سكرة أخذ من ذلك الماء فمس به وجهه ويقول اللهمّ أعنى على سكرة
الموت* وعن أبى هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى وجعه الذى
مات فيه ما زالت أكلة خيبر تعاودنى فالان أوان قطعت أبهرى* وحكى ابن اسحاق
عن عائشة ان كان المسلمون ليرون أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مات
شهيدا مع ما أكرمه الله تعالى من النبوة أورده فى الشفاء* وعن عائشة كان
رسول الله يعوذ بهذه الكلمات أذهب الباس رب
الناس واشف أنت الشافى لا شفاء الا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما متفق عليه
قالت فلما ثقل رسول الله
(2/165)
صلى الله عليه وسلم فى مرضه الذى مات فيه
أخذ بيدى فجعلت أمسحه بها وأقولها فنزع يده منى ثم قال رب اغفر لى وألحقنى
بالرفيق الاعلى وكان هذا آخر ما سمعته من كلامه أخرجاه فى الصحيحين* قال
السهيلى وجدت فى بعض كتب الواقدى انّ أوّل كلمة تكلم بها النبىّ صلى الله
عليه وسلم وهو مسترضع عند حليمة الله أكبر وآخر كلمة تكلم بها الرفيق
الاعلى كذا فى المواهب اللدنية* وعن عائشة قالت كان آخر ما عهد رسول الله
أن قال لا يترك بجزيرة العرب دينان وقالت أمّ سلمة كانت عامّة وصية رسول
الله صلى الله عليه وسلم عند موته الصلاة وما ملكت أيمانكم حتى جعل يلجلجها
فى صدره وما يفيض بها لسانه كذا فى الاكتفاء* وعن أنس كانت وصية النبىّ صلى
الله عليه وسلم حين حضره الموت الصلاة وما ملكت أيمانكم حتى جعل رسول الله
يتغر غربها فى صدره ولا يفيض بها لسانه* وروى أنه استأذن عليه ملك الموت
وعنده جبريل فقال جبريل يا محمد هذا ملك الموت يستأذن عليك ولم يستأذن على
آدمى كان قبلك ولا يستأذن على آدمى بعدك قال ائذن له فدخل ملك الموت فوقف
بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله يا أحمد انّ الله
أرسلنى اليك وأمرنى أن أطيعك فى كل ما تأمرنى به ان أمرتنى أن أقبض نفسك
قبضتها وان أمرتنى أن أتركها تركتها قال وتفعل يا ملك الموت قال بذلك أمرت
أن أطيعك فى كل ما تأمرنى فقال جبريل انّ الله قد اشتاق اليك قال فامض يا
ملك الموت لما أمرت به قال جبريل يا رسول الله هذا آخر موطئى الارض اذ كنت
حاجتى من الدنيا فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم* وفى الاكتفاء قالت
عائشة توفى رسول الله بين سحرى ونحرى وفى دولتى لم أظلم فيه أحدا فمن سفاهة
رأيى وحداثة سنى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وهو فى حجرى ثم وضعت
رأسه على وسادة وقمت ألتدم مع النساء وأضرب وجهى ولما توفى جاء التعزية
يسمعون الصوت والحس ولا يرون الشخص السلام عليكم يا أهل البيت ورحمة الله
وبركاته كل نفس ذائقة الموت وانما توفون أجوركم يوم القيامة انّ فى الله
عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل فائت فبا لله فثقوا واياه
فارجوا فانما المصاب من حرم الثواب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته فقال
علىّ أتدرون من هذا هو الخضر عليه السلام كذا فى المشكاة نقلا عن دلائل
النبوّة*
(ذكر سنه صلى الله عليه وسلم)
* عن ابن عباس قال أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين
فأقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين وتوفى وهو ابن ثلاث وستين سنة
أخرجاه فى الصحيحين وكذا الصحيح فى سنّ أبى بكر وعمر وعائشة ثلاث وستون
سنة* وعن أنس أنه توفى وله ستون سنة* وفى رواية خمس وستون وصححه أبو حاتم
فى تاريخه وفى تاريخ ابن عساكر ثنتان وستون ونصف* وفى كتاب ابن شيبة احدى
أو اثنتان لا أراه بلغ ثلاثا وستين وجمع بين الاقاويل بأنّ من قال خمسا
وستين حسب السنة التى ولد فيها والسنة التى قبض فيها ومن قال ثلاثا وستين
وهو المشهور أسقطهما ومن قال ستين أسقط الكبور ومن قال ثنتين ونصف كأنه
اعتمد على حديث فى الاكليل وفيه كلام لم يكن نبىّ الاعاش نصف عمر أخيه الذى
قبله وقد عاش عيسى خمسا وعشرين ومائة ومن قال احدى أو اثنتين فشك ولم يتيقن
وكل ذلك انما نشأ من الاختلاف فى مقامه بمكة بعد البعثة والله أعلم كذا فى
سيرة مغلطاى*
(ذكر وقت موته عليه السلام)
* توفى صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين نصف النهار لاثنتى عشرة ليلة خلت من
ربيع الاوّل سنة احدى عشرة من الهجرة صحى فى مثل الوقت الذى دخل فيه
المدينة* وعن ابن عباس ولد صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين واستنبئ يوم
الاثنين وخرج مهاجرا من مكة الى المدينة يوم الاثنين ودخل المدينة يوم
الاثنين ورفع الحجر يوم الاثنين وقبض يوم الاثنين* وقبض صلى الله عليه وسلم
فى كساء ملبد* قال أبو بردة أخرجت الينا عائشة كساء ملبدا وازارا غليظا
فقالت قبض رسول الله
(2/166)
صلى الله عليه وسلم فى هذين* وفى الاكتفاء
ولما توفى رسول الله وارتفعت الرنة عليه وسجته الملائكة دهش الناس كما روى
عن غير واحد من الصحابة وطاشت عقولهم وأقمحوا واختلطوا فمنهم من خبل ومنهم
من أصمت ومنهم من أقعد الى الارض فكان عمر ممن خبل فجعل يصيح ويقول انّ
رجالا من المنافقين يزعمون أنّ رسول الله توفى وانه والله ما مات ولكنه ذهب
الى ربه كما ذهب موسى بن عمران فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع اليهم
بعد أن قيل قد مات والله ليرجعنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رجع
موسى فليقطعنّ أيدى رجال وأرجلهم زعموا أنّ رسول الله مات* فأمّا عثمان ابن
عفان فأخرس حتى يذهب به ويجاء ولا يتكلم الا بعد الغد وأقعد علىّ فلم يستطع
حراكا وأضنى عبد الله بن أنيس ولم يكن فيهم أثبت وأحزم من أبى بكر والعباس*
وفى رواية لما مات عليه السلام اختلفوا فى أنه هل مات أم لا* قال أنس لما
توفى النبى صلى الله عليه وسلم بكى الناس فقام عمر بن الخطاب فى المسجد
خطيبا فقال لا أسمعنّ أحدا يقول انّ محمدا قد مات ولكنه أرسل اليه كما أرسل
الى موسى ابن عمران فلبث عن قومه أربعين ليلة والله لارجو أن يقطع أيدى
رجال وأرجلهم يزعمون أنه قد مات* قال عكرمة ما زال عمر يتكلم ويوعد
المنافقين حتى أزيد شدقاه فقال العباس انّ رسول الله يأسن كما يأسن الناس
وانه قد مات فادفنوا صاحبكم* روى عن عائشة أنّ أبا بكر أقبل على فرس من
مسكنه بالسخ منازل بنى الحارث من الخزرج بعوالى المدينة بينه وبين منزل
النبىّ صلى الله عليه وسلم ميل قالت حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس
حتى دخل على عائشة فيمم نحو رسول الله وهو مغشى بثوب حبرة فكشف عن وجهه ثم
أكب عليه فقبله وبكى ثم قال بأبى أنت وأمى والله لا يجمع الله عليك موتتين
أما الموتة الاولى التى كتبت عليك فقدمتها* وعن ابن عباس أنّ أبا بكر خرج
وعمر يكلم الناس فقال اجلس يا عمر فأبى عمر أن يجلس فأقبل الناس الى أبى
بكر وتركوا عمر فقال أبو بكر من كان منكم يعبد محمدا فانّ محمدا قد مات ومن
كان منكم يعبد الله فانّ الله حىّ لا يموت قال تعالى وما محمد الا رسول قد
خلت من قبله الرسل الى قوله الشاكرين قال والله لكانّ الناس لم يعلموا انّ
الله أنزل هذه الاية حتى تلاها أبو بكر فتلقاها الناس كلهم فما أسمع بشرا
من الناس الا يتلوها* وفى حياة الحيوان عن الواقدى عن شيوخه انهم قالوا لما
شك فى موت النبىّ صلى الله عليه وسلم وضعت أسماء بنت عميس يدها بين كتفيه
فقالت توفى رسول الله فقد رفع الخاتم من بين كتفيه وكان هذا الذى عرف به
موت النبىّ صلى الله عليه وسلم* وروى عن أمّ سلمة أنها قالت وضعت يدى على
صدر رسول الله يوم مأت فمرّ بى جمع آكل الطعام وأتوضأ ما تذهب ريح المسك من
يدى*
(ذكر بيعة أبى بكر)
* قال ابن اسحاق لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم انحاز هذا الحىّ من
الانصار الى سعد بن عبادة فى سقيفة بنى ساعدة واعتزل علىّ بن أبى طالب
والزبير بن العوّام وطلحة بن عبيد الله فى بيت فاطمة وانحاز بقية المهاجرين
الى أبى بكر وانحاز معهم أسيد بن حضير فى بنى عبد الاشهل فأتى آت الى أبى
بكر وعمر فقال انّ هذا الحىّ من الانصار مع سعد بن عبادة فى سقيفة بنى
ساعدة قد انحازوا اليه فان كان لكم بأمر الناس حاجة فأدركوا الناس قبل أن
يتفاقم أمرهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيته لم يفرغ من أمره قد
أغلق دونه الباب أهله قال عمر لابى بكر انطلق بنا الى اخواننا هؤلاء من
الانصار حتى ننظر ما هم عليه فانطلقا يؤمّانهم فلقيهما رجلان صالحان منهم
عويمر بن ساعدة ومعن بن عدى فذكرا لهما ما تمالأ عليه القوم وقالا أين
تريدون يا معشر المهاجرين قالوا نريد اخواننا هؤلاء من الانصار فقالا فلا
عليكم أن لا تقربوهم يا معشر المهاجرين اقضوا آمركم قال عمر والله لنأتينهم
فانطلقا حتى أتياهم فى سقيفة بنى ساعدة فاذا بين ظهرانيهم رجل مزمّل فقال
عمر من هذا فقالوا سعد بن عبادة فقال ما له فقالوا وجع
(2/167)
فلما جلسا تشهد خطيبهم فأثنى على الله بما
هو أهله ثم قال أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الاسلام وأنتم يا معشر
المهاجرين رهط منا وقد دفت دافة من قومكم قال عمر يريدون أن يجتازونا من
أصلنا ويغصبونا الامر فلما سكت خطيبهم قال أبو بكر أما ما ذكرتم من خير
فيكم فأنتم له أهل ولن يعرف هذا الامر الا لهذا الحىّ من قريش هم أوسط
العرب نسبا ودارا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم وأخذ
بيد عمر وأبى عبيدة بن الجرّاح وهو جالس بينهما فقال قائل من الانصار وهو
الخباب بن المنذر أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير يا
معشر قريش فى الصحاح الجذل أصل الحطب العظام والجذل المحكك الذى ينصب فى
العطن لتحتك به الابل الجربى ومنه قول الخباب بن المنذر الانصارى أنا
جذيلها المحكك* وفى نهاية ابن الاثير فى حديث السقيفة قول الخباب أنا
جذيلها المحكك هو تصغير جذل وهو العود الذى ينصب للابل الجربى لتحتك به وهو
تصغير تعظيم أى انا ممن يستشفى برأيه كما تستشفى الابل الجربى بالاحتكاك
بهذا العود المحكك وهو الذى كثر الاحتكاك به وقيل أراد به شديد البأس صلب
المكسر كالجذل المحكك* وفى النهاية أيضا العذق بالفتح النخلة وبالكسر
العرجون بما فيه من الشماريخ وفى حديث السقيفة أنا عذيقها المرجب تصغير
العذق النخلة وهو تصغير تعظيم* وفى الصحاح الترجيب التعظيم والترجيب أيضا
أن يدعم الشجرة اذا كثر حملها لئلا تنكسر أغصانها انتهى* قال عمر فكثر
اللغط وارتفعت الاصوات حتى تخوّفت الاختلاف فقلت ابسط يدك يا أبا بكر
فبسطها فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعه الانصار ونزونا على سعد بن عبادة
فقال قائل منهم قتلتم سعد بن عبادة فقلت قتل الله سعد بن عبادة* وذكر موسى
بن عقبة انهم لما توجهوا الى سقيفة بنى ساعدة أراد عمر أن يتكلم فزجره أبو
بكر فقال على رسلك فستكفى الكلام ان شاء الله ثم تقول بعدى ما بدا لك فتشهد
أبو بكر وأنصت القوم ثم قال هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق فدعا صلى
الله عليه وسلم الى الاسلام فأخذ الله بنوا صينا وقلوبنا الى ما دعانا اليه
فكنا معشر المهاجرين أوّل الناس اسلاما ونحن عشيرته وأقاربه وذو ورحمه فنحن
أهل النبوّة وأهل الخلافة وأوسط الناس انسابا فى العرب ولدتنا العرب كلها
فليست منها قبيلة الا لقريش فيها ولادة ولن تعرف العرب ولا تصلح الا على
رجل من قريش هم أصبح الناس وجوها وأبسط ألسنا وأفضل قولا فالناس لقريش تبع
فنحن الامراء وأنتم الوزراء وهذا الامر بيننا وبينكم قسمة الابلمة وأنتم
معشر الانصار اخواننا فى كتاب الله وشركاؤنا فى الدين وأحب الناس الينا
وأنتم الذين آووا ونصروا وأنتم أحق بالرضا بقضاء الله والتسليم لفضيلة ما
أعطى الله اخوانكم من المهاجرين وأحق الناس أن لا تحسدوا على خير آتاهم
الله اياه فأنا أدعوكم الى أحد هذين الرجلين عمر بن الخطاب وأبى عبيدة عامر
بن الجرّاح ووضع يديه عليهما وكان قائما بينهما فكلاهما قد رضيته للقيام
بهذا الامر ورأيته أهلا لذلك فقال عمر وأبو عبيدة لا ينبغى لاحد بعد رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن يكون فوقك يا أبا بكر أنت صاحب الغار مع رسول
الله وثانى اثنين وأمرك رسول الله حين اشتكى فصليت بالناس فأنت أحق الناس
بهذا الامر قالت الانصار والله لا نحسدكم على خير ساقه الله اليكم وما خلق
الله قوما أحب الينا ولا أعزّ علينا منكم ولا أرضى عندنا هديا ولكنا نشفق
بعد اليوم فلو جعلتم اليوم رجلا منكم فاذا مات أخذنا رجلا من الانصار
فجعلناه فاذا مات أخذنا رجلا من المهاجرين فجعلناه فكنا كذلك أبدا ما بقيت
هذه الأمة بايعناكم ورضينا بذلك من أمركم وكان أجدر أن يشفق القرشى ان زاغ
أن ينقض عليه الانصارى وأن يشفق الانصارى ان زاغ أن ينقض عليه القرشى فقال
عمر لا ينبغى هذا الامر ولا يصلح الا لرجل من قريش ولن ترضى العرب الا به
ولن تعرف العرب الامارة
(2/168)
الا له ولن تصلح الا عليه والله لا يخالفنا
أحد الا قتلناه فقام الخباب بن المنذر من بنى سلمة فقال منا أمير ومنكم
أمير يا معشر قريش أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب دفت علينا منكم دافة
أرادوا أن يخرجونا من أصلنا ويختصوا من هذا الامر وان شئتم كرّرناها جذعة
فكثر القول حتى كادت الحرب تقع بينهم وأوعد بعضهم بعضا ثم ترادّ المسلمون
وعصم الله دينهم فرجعوا بقول حسن وسلموا الامر وعصوا الشيطان* وفى أسد
الغابة عن رزين بن حبيش عن عبد الله قال كان رجوع الانصار يوم سقيفة بنى
ساعدة بكلام قاله عمر قال أنشدكم بالله أمر أبو بكر أن يصلى بالناس قالوا
اللهمّ نعم قال فأيكم تطيب نفسه أن يزيله عن مقامه الذى أقامه فيه رسول
الله صلى الله عليه وسلم قالوا كلنا لا تطيب أنفسنا نستغفر الله وكان عمر
بن الخطاب أوّل من بايعه فوثب عمر فأخذ بيد أبى بكر وقام أسيد بن حضير
الاشهلى وبشر بن سعد أبو النعمان بن بشير يستبقان ليبايعا أبا بكر فسبقهما
عمر فبايع ثم بايعا معا ووثب أهل السقيفة يبتدرون البيعة وسعد بن عبادة
مضطجع يوعك فازدحم الناس على أبى بكر فقال رجل من الانصار اتقوا سعدا لا
تطئوه فتقتلوه فقال عمرو هو مغضب قتل الله سعدا فانه صاحب فتنة* فلما فرغ
أبو بكر من البيعة رجع الى المسجد فقعد على المنبر فبايعه الناس حتى أمسى
وشغلوا عن دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان آخر الليل من ليلة
الثلاثاء مع الصبح* وفى أسد الغابة كانت بيعة أبى بكر فى السقيفة يوم وفاة
رسول الله ثم كانت بيعة العامّة من الغد وتخلف عن بيعته علىّ وبنو هاشم
والزبير بن العوّام وخالد بن سعيد بن العاص وسعد بن عبادة الانصارى ثم انّ
الجميع بايعوا بعد موت فاطمة بنت رسول الله الاسعد بن عبادة فانه لم يبايع
أحدا الى أن مات وبيعتهم بعد ستة أشهر من موت فاطمة على القول الصحيح وقيل
غير ذلك* وذكر موسى بن عقبة أنّ رجالا من المهاجرين غضبوا فى بيعة أبى بكر
منهم على بن أبى طالب والزبير بن العوّام فدخلا بيت فاطمة بنت رسول الله
فجاءهما عمر بن الخطاب فى عصابة من المهاجرين والانصار فيهم أسيد بن حضير
وسلمة ابن سلامة ابن وقش الاشهليان وثابت بن قيس بن شماس الخزرجى فكلموهما
حتى أخذ أحد القوم سيف الزبير فضرب به الحجر حتى كسره ثم قام أبو بكر فخطب
الناس واعتذر اليهم وقال والله ما كنت حريصا على الامارة يوما قط ولا ليلة
ولا سألتها الله قط سرّا ولا علانية ولكنى أشفقت من الفتنة ومالى فى
الامارة من راحة ولقد قلدت أمرا عظيما مالى به طاقة ولا يد الا بتقوية الله
ولوددت أن أقوى الناس عليها مكانى اليوم فقبل المهاجرون منه وقال علىّ
والزبير ما غضبنا الا انا أخرنا عن المشورة وانا لنرى أنّ أبا بكر أحق
الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وانه لصاحب الغار وثانى اثنين وانا
لنعرف له شرفه وسنه ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس
وهو حىّ* وعن أنس بن مالك قال لما بويع أبو بكر فى السقيفة وكان الغد جلس
أبو بكر على المنبر فقام عمر وتكلم قبل أبى بكر فحمد الله وأثنى عليه وتكلم
بكلمات ثم قال فى آخره انّ الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله
ثانى اثنين اذهما فى الغار فقوموا فبايعوه فبايع الناس أبا بكر بيعة
العامّة بعد بيعة السقيفة ثم تكلم أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه بالذى هو
أهله ثم قال أمّا بعد أيها الناس فانى قد وليت عليكم ولست بخيركم فان أحسنت
فأعينونى وان أسأت فقوّمونى الصدق أمانة والكذب خيانة والضعيف فيكم قوىّ
عندى حتى أريح عليه حقه ان شاء الله والقوىّ فيكم ضعيف عندى حتى آخذ الحق
منه ان شاء الله لا يدع قوم الجهاد فى سبيل الله الا ضربهم الله بالذل ولا
تشيع الفاحشة فى قوم الاعمهم الله بالبلاء أطيعونى ما أطعت الله ورسوله
فاذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لى عليكم قوموا الى صلاتكم يرحمكم الله*
وذكر غير ابن عقبة أنّ أبا بكر قام فى الناس
بعد مبايعتهم اياه يقيلهم
(2/169)
فى بيعتهم ويستقيلهم فيما يتحمله من امرهم
ويعيد ذلك عليهم كل ذلك يقولون له والله لا نقيلك ولا نستقيلك قدّمك رسول
الله صلى الله عليه وسلم فمن ذا يؤخرك*
(ذكر غسله عليه السلام)
* فى الاكتفاء ولما فرغ الناس من بيعة أبى بكر الصدّيق وجمعهم الله عليه
وصرف عنهم كيد الشيطان أقبلوا على تجهيز نبيهم صلى الله عليه وسلم
والاشتغال به* سئل ابن عباس كيف كان غسل النبىّ عليه السلام قال ضرب العباس
كلة له من ثياب يمانية صفاق فصارت سنة فينا وفى كثير من صالحى الناس ثم أذن
لرجال بنى هاشم فقعدوا بين الحيطان والكلة ثم دخل العباس الكلة ودعا عليا
والفضل وأبا سفيان بن الحارث وأسامة بن زيد فلما اجتمعوا فى الكلة ألقى
عليهم النعاس وعلى من وراء الكلة فى البيت فناداهم مناد انتبهوا به وهو
يقول ألا لا تغسلوا النبىّ فانه كان طاهرا فقال العباس ألابلى وقال أهل
البيت صدق فلا تغسلوه فقال العباس لا ندع سنة بصوت لا ندرى ما هو وغشيهم
النعاس ثانية فناداهم مناد فانتبهوا به وهو يقول ألا لا تغسلوا النبىّ صلى
الله عليه وسلم فانه كان طاهرا فقال العباس ألابلى وقال أهل البيت فلا
تغسلوه فقال العباس لا ندع سنة بصوت لا ندرى ما هو وغشيهم النعاس ثالثة
فناداهم مناد وتنبهوا به وهو يقول اغسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى
ثيابه فقال أهل البيت ألا لا فقال العباس ألا نعم وقد كان العباس حين دخل
الكلة للغسل قعد متربعا وأقعد عليا متربعا متواجهين وأقعدا النبىّ صلى الله
عليه وسلم على حجورهما فنودوا أن أضجعوا رسول الله على ظهره ثم اغسلوا
واستروا فثاروا عن الصفيح وأضجعاه فغرّبا رجل الصفيح وشرّقا رأسه ثم أخذوا
فى غسله وعليه قميصه ومجوله مفتوح الشق ولم يغسلوه الا بالماء القراح
وطيبوه بالكافور ثم اعتصر قميصه ومجوله وحنطوا مساجده ومفاصله ووضؤا منه
وجهه وذراعيه وكفيه ثم أدرجوا أكفانه على قميصه ومجوله وجمروه عودا وندا ثم
احتملوه حتى وضعوه على سريره وسجوه* وروى عن ابن عباس انه كان يقال لهم
استروا نبيكم يستركم الله* وفى الاكتفاء قالت عائشة لما أرادوا غسل رسول
الله اختلفوا فيه فقالوا والله ما ندرى أنجرّد رسول الله من ثيابه كما
نجرّد موتانا أو نغسله وعليه ثيابه فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى
ما منهم رجل الاوذقنه فى صدره وكلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو
أن اغسلوا النبىّ صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه فقاموا الى رسول الله
فغسلوه وعليه قميصه* وفى المشكاة يصبون الماء فوق القميص ويد لكونه بالقميص
رواه البيهقى فى دلائل النبوّة وكانت عائشة تقول لو استقبلت من أمرى ما
استدبرت ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الا نساؤه* ويروى عن غير واحد
انّ الذين ولو اغسله عليه السلام ابن عمه على بن أبى طالب وعمه العباس ابن
عبد المطلب وابناه الفضل وقثم وحبه أسامة بن زيد ومولاه شقران ولما اجتمع
القوم لغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى من وراء الباب أوس بن خولى
الانصارى أحد بنى عوف بن الخزرج وكان بدريا على بن أبى طالب فقال يا على
نشدتك بالله حظنا من رسول الله فقال له علىّ ادخل فدخل فحضر غسل رسول الله
صلى الله عليه وسلم ولم يل من غسله شيئا وقيل بل كان يحمل الماء قال فأسنده
على صدره وعليه قميصه وكان العباس والفضل وقثم يقلبونه مع علىّ وكان آسامة
وشقران يصبان الماء عليه وأعينهم معصوبة من وراء الستر لحديث علىّ لا
يغسلنى أحد الا أنت* وفى رواية أوصانى رسول الله لا يغسله غيرى فانه لا يرى
أحد عورتى الا طمست عيناه كذا فى سيرة مغلطاى والشفاء وعلىّ يغسله بالماء
والسدر ولم ير من رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ مما يرى من الميت وهو
يقول بأبى أنت وأمى ما أطيبك حيا وميتا* وعن محمد قال غسل رسول الله صلى
الله عليه وسلم علىّ والفضل والعباس وأسامة بن زيد وغسل ثلاث غسلات بماء
وسدر من بئر غرس كانت لسعد بن خيثمة
(2/170)
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب
منها ذكره ابن الاثير فى جامعه وجعل علىّ على يده خرقة وأدخلها تحت القميص
كذا فى سيرة مغلطاى* روى أنّ الغسلة الاولى كانت بالماء القراح والثانية
بالماء والسدر والثالثة بالماء والكافور غسله علىّ والفضل بن عباس كان
الفضل رجلا قويا وكان يقلبه شقران مولى رسول الله وقال علىّ كأنا نعاون على
غسله* وروى جعفر بن محمد قال كان الماء يجتمع فى جفون النبىّ صلى الله عليه
وسلم وكان علىّ يشربه* وفى شواهد النبوّة سئل علىّ رضى الله عنه عن سبب
زيادة فهمه وحفظه قال لما غسلت النبىّ صلى الله عليه وسلم اجتمع ماء فى
جفونه فرفعته بلسانى وازدردته فأرى قوّة حفظى منه ويقال انّ عليا رأى فى
عين النبىّ صلى الله عليه وسلم قذاة فأدخل لسانه فأخرجها منها يقال انّ
عليا والفضل كانا يغسلان رسول الله فنودى على أن ارفع طرفك الى السماء
أورده فى الشفاء*
(ذكر تكفينه عليه السلام)
* ولما فرغوا من غسله جففوه ثم صنع به ما صنع بالميت ثم أدرج فى ثلاثة
أثواب ثوبين أبيضين وبرد حبرة* وفى الاكتفاء زاد الترمذى قال فذكروا لعائشة
قولهم فى ثوبين وبرد حبرة فقالت قد أتى بالبرد ولكنهم ردّوه ولم يكفنوه
فيه* وعن ابن عباس أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم كفن فى ريطتين وبرد
نجرانى* وعن عائشة قالت كفن رسول الله فى ثلاثة أثواب بيض سحولية بلد
باليمن من كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة قالت نظر الى ثوب عليه كان يمرّض
فيه به ردع من زعفران قال اغسلوا قميصى هذا وزيدوا عليه ثوبين فكفنونى
فيهما قلت هذا خلق قال انّ الحىّ أحق بالجديد من الميت انما هو للمهلة رواه
البخارى* وفى موطأ الامام أبى عبد الله مالك بن أنس كفن صلى الله عليه وسلم
فى ثلاثة أثواب حبرة وسحاريين ولابى داود فى ثلاثة أثواب نجرانية وفى
الاكليل كفن فى سبعة أثواب وجمع بأنه ليس فيها قميص ولا عمامة محسوب* وفى
حديث تفرّد به يزيد بن أبى زياد وهو ضعيف وحنط بكافور وقيل بمسك كذا فى
سيرة مغلطاى*
(ذكر الصلاة عليه)
* روى عن محمد أنه صلى على رسول الله بغير امام* وفى رواية افذاذا لا
يؤمّهم أحد يدخل المسلمون زمرا فيصلون عليه فيخرجون فلما صلى عليه نادى عمر
خلوا الجنازة وأهلها* وفى رواية صلى عليه علىّ والعباس وبنو هاشم ثم دخل
المهاجرون ثم الانصار ثم الناس يصلون عليه أفذاذا لا يؤمّهم أحد ثم النساء
ثم الغلمان قيل لانه أوصى بذلك لقوله أوّل من يصلى علىّ ربى ثم جبريل ثم
ميكائيل ثم اسرافيل ثم ملك الموت مع جنوده ثم الملائكة ثم ادخلوا فوجا بعد
فوج الحديث وفيه ضعف وقيل بل كانوا يدعون وينصرفون* قال ابن الماجشون لما
سئل كم صلى عليه صلاة قال اثنان وسبعون صلاة كحمزة فقيل من أين لك هذا قال
من الصندوق الذى تركه مالك بخطه عن نافع عن ابن عمر كذا فى سيرة مغلطاى
وكان فى المدينة حفار ان أحدهما يلحد والاخر لا يلحد دعا العباس رجلين فقال
ليذهب أحد كما الى أبى عبيدة بن الجرّاح وهو كان يحفر لاهل مكة وليذهب
الاخر الى أبى طلحة وهو كان يلحد لاهل المدينة ثم قال العباس اللهمّ خير
لرسولك فذهبا فلم يجد صاحب أبى عبيدة أبا عبيدة ووجد صاحب أبى طلحة أبا
طلحة فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم*
(ذكر قبره عليه السلام)
* روى أنّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا فى موضع دفنه أبمكة
أو المدينة أو القدس حتى قال أبو بكر سمعت رسول الله يقول لم يقبر نبىّ الا
حيث يموت فأخروا فراشه وحفروا له تحت فراشه ونزل فى قبره على بن أبى طالب
والفضل بن العباس وقثم بن العباس وشقران مولى رسول الله وقد قال أوس ابن
خولى لعلىّ بن أبى طالب يا على أنشدك بالله حظنا من رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال له انزل فنزل مع القوم وكانوا خمسة* وفى رواية عن على أنه
نزل فى حفرة النبىّ صلى الله عليه وسلم هو والعباس وعقيل ابن أبى طالب
وأسامة بن زيد وابن عوف وأوس بن خولى وهم الذين ولو اكفنه وقد كان شقران
حين
(2/171)
وضع رسول الله فى حفرته أخذ قطيفة نجرانية
حمراء أصابها يوم خيبر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها ويفرشها
فطرحها تحته فدفنها معه فى قبره فقال والله لا يلبسها أحد بعدك وبنى فى
قبره اللبن يقال تسع لبنات وقيل طرح فى قبره شمل قطيفة كان يلبسها فلما
فرغوا عن وضع اللبنات التسع أخرجوا القطيفة قاله أبو عمرو والحاكم وكان
آخرهم عهدا به قثم وقيل علىّ وأمّا حديث المغيرة أنه طرح خاتمه فنزل ليخرجه
فضعيف كذا فى سيرة مغلطاى وهالوا التراب على لحده وجعل قبره مسطوحا* وفى
المشكاة عن جابر رش قبر النبىّ صلى الله عليه وسلم وكان الذى رش الماء على
قبره بلال بن رباح بقربة بدأ من قبل رأسه حتى انتهى الى رجليه رواه البيهقى
فى دلائل النبوّة* وعن سفيان بن التمار انه رآه مسنما ولابى داود كشفت
عائشة للقاسم بن محمد عن قبره عليه السلام وعن قبر صاحبيه ثلاثة قبور لا
مشرفة ولا لاطية مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء رسول الله صلى الله عليه
وسلم مقدّم وأبو بكر عند رأس رسول الله وعمر عند رجليه هكذا
قبر النبى عليه السلام قبر عمر رضى الله عنه
قبر أبى بكر رضى الله عنه
وذكر رزين أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدّم وأبو بكر خلفه رأسه عند
منكبى رسول الله وطالت رجلاه أسفل وعمر خلف أبى بكر على تلك الرتبة هكذا
قبر رسول الله عليه السلام
قبر أبى بكر رضى الله عنه
قبر عمر رضى الله عنه
وفى خلاصة الوفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدّم وأبو بكر رأسه بين
كتفى رسول الله وعمر رأسه عند رجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا
قبر النبىّ عليه السلام قبر عمر رضى الله عنه
قبر أبى بكر رضى الله عنه
ولا خلاف فى أنّ قثم بن العباس آخر الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه
وسلم لانه آخر من صعد من قبره وأما قصة المغيرة وطرح خاتمه فغير صحيح كما
مرّ*
(ذكر وقت دفنه عليه السلام)
* اختلف فى وقت دفنه* روى عن عائشة أنها قالت ما علمنا بدفن رسول الله صلى
الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحى ليلة الثلاثاء فى السحر* وفى الموطأ
بلغ مالكا انه صلى الله عليه وسلم توفى يوم الاثنين ودفن يوم الثلاثاء
وللترمذى فى ليلتها فى مكانه الذى توفى فيه* وروى عن محمد بن اسحاق أنه قال
قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين فمكث ذلك اليوم وليلة
الثلاثاء ويوم الثلاثاء ودفن فى الليل أى ليلة الاربعاء* وقال غيره سمعت
صوت المساحى من آخر الليل رواه الترمذى قيل ذلك التأخير لانهم قالوا فيما
بينهم انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت ولكنه عرج بروحه كما عرج
بروح موسى حتى قام العباس فقال انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات
وقيل دفن يوم الثلاثاء حين زاغت الشمس* وفى كفاية الشعبى صلوا عليه يوم
الاربعاء ثم دفن وفى تفسير الزاهدى توفى يوم الاثنين ودفن يوم الخميس كذا
فى كنز العباد*
(ذكر الندب عليه عليه السلام)
* ندب فاطمة عن أنس قال لما ثقل
(2/172)
النبىّ صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه
الكرب فقالت فاطمة واكرب أبتاه فقال ليس على أبيك كرب بعد اليوم فلما مات
قالت يا أبتاه أجاب ربا دعاه يا أبتاه جنة الفردوس مأواه يا أبتاه الى
جبريل أنعاه فلما دفن قالت يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله
التراب انفرد باخراجه البخارى كذا فى الصفوة* وفى رواية أخرى لما فرغوا من
دفنه خرجت فاطمة فقالت يا أبا الحسن دفنتم رسول الله قال نعم قالت كيف طابت
قلوبكم أن تحثوا التراب عليه أليس كان نبىّ الرحمة قال نعم ولكن لا مردّ
لامر الله فقعدت تندب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول وا أبتاه وا
رسول الله وا نبىّ الرحمتاه الان لا يأتى الوحى الان ينقطع عنا جبريل
اللهمّ ألحق روحى بروحه واشفعنى بالنظر الى وجهه ولا تحرمنى أجره وشفاعته
يوم القيامة* وفى رواية أخذت تربة من تراب رسول الله فشمته ثم أنشأت تقول
ماذا على من شم تربة أحمد ... أن لا يشم مدى الزمان غواليا
صبت علىّ مصائب لو أنها ... صبت على الايام صرن لياليا
وفى الاكتفاء مما ينسب الى علىّ أو فاطمة* ماذا على من شم تربة أحمد الى
آخره* ندب أبى بكر* روى عن عائشة أنها قالت لما توفى رسول الله صلى الله
عليه وسلم جاء أبو بكر فدخل عليه فرفعت الحجاب فكشف الثوب عن وجهه فاسترجع
فقال مات والله رسول الله ثم تحوّل من قبل رأسه فقال وانبياه ثم حد دفمه
فقبل جبهته ثم رفع رأسه فقال وا خليلاه ثم حدد فمه فقبل جبهته ثم رفع رأسه
فقال وا صفياه ثم حدد فمه فقبل جبهته ثم سجاه بالثوب ثم خرج* ندب عائشة*
روى عن أنس قال مررت على باب عائشة وكانت تندب النبىّ صلى الله عليه وسلم
وتقول يا من لم يشبع من خبز الشعير يا من اختار الحصير على السرير يا من لم
ينم الليل كله من خوف السعير* ذكر مرثبة صفية بنت عبد المطلب ترثى رسول
الله صلى الله عليه وسلم تقول
ألا يا رسول الله كنت رجاءنا ... وكنت بنابرّا ولم تك جافيا
وكنت رحيما هاديا ومعلما ... ليبك عليك اليوم من كان باكيا
لعمرك ما أبكى النبىّ لفقده ... ولكن لما أخشى من الهرج آتيا
كانّ على قلبى بذكر محمد ... وما خفت من بعد النبىّ المكاويا
أفاطم صلى الله رب محمد ... على جدث أمسى بيثرب ثاويا
فدى لرسول الله أمى وخالتى ... وعمى وآبائى ونفسى وماليا
صدقت وبلغت الرسالة صادقا ... ومت صليب العود أبلج صافيا
فلو أنّ رب الناس أبقى نبينا ... سعدنا ولكن أمره كان ماضيا
عليك من الله السلام تحية ... وأدخلت جنات من العدن راضيا
*
(ذكر ميراثه وتركته وحكمه فيها)
* ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته درهما ولا دينارا ولا عبدا
ولا شيئا الا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضا جعلها صدقة* وفى خلاصة السير ترك
صلى الله عليه وسلم يوم مات ثوبى حبرة وازارا عمانيا وثوبين صحاريين وقميصا
صحاريا وقميصا سحوليا وجبة يمنية وقميصا وكساء أبيض وقلانس صغارا لاطية
ثلاثا أو أربعا وازارا طوله خمسة أشبار وملحفة مورسة* وقال صلى الله عليه
وسلم ما نورث ما تركناه صدقة* وقال صلى الله عليه وسلم لا يقتسم ورثتى
دينارا ما تركت بعد نفقة نسائى ومؤنة عيالى فهو صدقة* وعن أبى هريرة قال
جاءت فاطمة الى أبى بكر فقالت من يرثك فقال أهلى وولدى فقالت فمالى لا أرث
أبى فقال أبو بكر سمعت رسول الله يقول
(2/173)
لا نورث ولكنى أعول من كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يعوله وأنفق على من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق
عليه* وعن عائشة أنّ فاطمة سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله ميراثها من
تركة رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر وفدك وصدقة بالمدينة فقال أبو
بكر ان رسول الله قال لا نورث ما تركناه صدقة فأبى أبو بكر أن يدفع الى
فاطمة شيئا فوجدت فاطمة على أبى بكر فى ذلك فهجرته فلم تزل مهاجرته حتى
توفيت دفنها زوجها على بن أبى طالب ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها
على وكان لعلىّ من الناس جهة حياة فاطمة فلما توفيت استنكر علىّ وجوه الناس
فالتمس مصالحة أبى بكر ومبايعته ولم يكن بايع تلك الاشهر فبايعه بعدها كذا
فى الصحيحين* وروى البيهقى عن الشعبى ان أبا بكر عاد فاطمة فى مرضها فقال
لها علىّ هذا أبو بكر يستأذن عليك قالت أتحب أن آذن له قال نعم فأذنت له
فدخل عليها فرضاها حتى رضيت كذا فى الوفاء* وفى الرياض النضرة للمحب الطبرى
دخل أبو بكر على فاطمة واعتذر اليها وكلمها فرضيت عنه* وعن الاوزاعى قال
بلغنى ان فاطمة بنت رسول الله غضبت على أبى بكر فخرج أبو بكر حتى قام على
بابها فى يوم حارّ ثم قال لا أبرح عن مكانى حتى ترضى عنى بنت رسول الله صلى
الله عليه وسلم فدخل عليها فأقسم عليها لترضى فرضيت خرجه السمانى فى
الموافقة* وعن أبى البحترى ان العباس وعليا جاآ الى عمر يختصمان يقول كل
واحد منهما لصاحبه أنت كذا وكذا فقال عمر لطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف
وسعد نشدتكم بالله أسمعتم رسول الله يقول كل مال نبىّ صدقة الا ما أطعمه
انا لا نورث قالوا اللهمّ نعم*
(ذكر رؤية رسول الله فى المنام)
* قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من رآنى فى المنام فقد رآنى فان
الشيطان لا يتخيل بى أولا يتكوننى أو انه لا ينبغى للشيطان أن يتمثل فى
صورتى أو بتشبه بى* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من رآنى فقد رأى
الحق*
(ذكر زيارة النبىّ صلى الله عليه وسلم وسائر المشاهد والمزارات بالمدينة)
* اما زيارة النبىّ القرشى المدنى أبى القاسم محمد بن عبد الله بن عبد
المطلب بن هاشم خاتم الانبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم
أجمعين فانها مستحبة مندوبة من أعظم القربات وانجح المساعى قريبة من الواجب
فى حق من كان له سعة وقدرة لقوله صلى الله عليه وسلم من وجد سعة ولم يعد
الىّ فقد جفانى* وفى رواية ما من أحد من أمّتى له سعة ولم يزرنى فليس له
عذر عند الله وعنه صلى الله عليه وسلم من جاءنى زائر الايهمه الا زيارتى
كان حقا على الله أن أكون له شفيعا يوم القيامة رواه الحافظ أبو على بن
السكن وقد قال صلى الله عليه وسلم من زار قبرى وجبت له شفاعتى صححه عبد
الحق* وعنه صلى الله عليه وسلم من زارنى بعد مماتى فكأنما زارنى فى حياتى
وفى الباب أحاديث كثيرة يكفى هذا القدر فاذا خرج الزائر وتوجه الى المدينة
يكثر من الصلاة على النبىّ صلى الله عليه وسلم فى الطريق فاذا وقع بصره على
شجر المدينة وحرمها فليزد فى الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وليسأل الله
تعالى أن ينفعه بزيارته ويسعده بها فى الدنيا والاخرة واستحب بعض العلماء
أن يقو لاللهمّ هذا حرم رسولك فاجعله لى وقاية من النار وأمانا من العذاب
وسوء الحساب* ويستحب أن يغتسل لدخول المدينة من أجل السلام ويلبس أفخر
ثيابه وأنظفها ويتطيب ويتصدّق بشئ وان قل ثم يدخلها قائلا بسم الله وعلى
ملة رسول الله رب أدخلنى مدخل صدق وأخرجنى مخرج صدق واجعل لى من لدنك
سلطانا نصيرا فاذا وصل باب المسجد أىّ باب كان فليقدّم رجله اليمنى فى
دخوله قائلا اللهمّ صل على محمد وعلى آل محمد اللهمّ اغفرلى ذنوبى وافتح لى
أبواب رحمتك وفضلك وليقصد الروضة الشريفة المقدّسة وهى بين منبره وقبره
فيصلى تحية المسجد فى مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فى غيره من
الروضة أو من المسجد ثم يسجد سجدة شكر الله
(2/174)
تعالى على الوصول الى تلك البقعة الشريفة
ويسأله اتمام النعمة عليه بقبول زيارته* ثم يأتى القبر الشريف ويقف عند
رأسه ويكون وقوفه مستقبلا للقبلة ولا يضع يده على جدار الحظيرة ولا يقبلها
فان ذلك ليس من سيرة الصحابة بل يدنو على قدر ثلاثة أذرع أو أربعة ثم يصلى
على النبىّ صلى الله عليه وسلم ويسلم عليه وعلى الصديق والفاروق على ما
يأتى ثم يبعد عنها قدر رمح أو أقل كذا عن الفقيه أبى الليث وغيره من أصحاب
أبى حنيفة* وفى مناسك أصحاب الشافعىّ وغيره انه يقف قبالة وجهه الشريف بحيث
يستدبر القبلة ويستقبل جدار الحجرة الشريفة والحظيرة المنيفة والمسمار
الفضة الذى فى الجدار على نحو أربعة أذرع من السارية التى هى غربية رأس
القبر الشريف ويجعل القنديل الكبير على رأسه واستدبار القبلة ههنا عند
السلام عليه وعند الدعاء هو المستحب عند الشافعية والذى صححه الحنفية انه
يستقبل القبلة عند السلام عليه والدعاء كما مرّ وليقف عند السلام عليه
ناظرا الى الارض غاض الطرف فى مقام الهيبة والتعظيم والاجلال فارغ القلب من
علائق الدنيا مستحضرا فى قلبه جلالة موقفه ومنزلة من هو بحضرته وعلمه صلى
الله عليه وسلم بحضوره وقيامه وسلامه وليقل بحضور قلب وغض صوت وسكون جوارح
السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا نبىّ الله السلام عليك يا سيد
المرسلين السلام عليك يا خاتم النبيين السلام عليك يا قائد الغر المحجلين
السلام عليك وعلى أهل بيتك وأزواجك وأصحابك أجمعين السلام عليك أيها النبىّ
ورحمة الله وبركاته أشهد أن لا اله الا الله وأشهد انك عبده ورسوله وأمينه
وخيرته من خلقه وأشهد انك بلغت الرسالة وأدّيت الامانة ونصحت الامّة وجاهدت
فى الله حق جهاده وعبدت ربك حتى أتاك اليقين فجزاك الله عنا يا رسول الله
أفضل ما جزى نبيا عن قومه ورسولا عن أمّته اللهمّ صل على سيدنا محمد وعلى
آل سيدنا محمد كما صليت على ابراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا
محمد كما باركت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم فى العالمين انك حميد مجيد
اللهمّ انك قلت وقولك الحق ولو أنهم اذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله
واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توّابا رحيما اللهمّ انا قد سمعنا قولك
وأطعنا أمرك وقصدنا نبيك هذا مستغيثين به اليك من ذنوبنا اللهمّ فتب علينا
وأسعدنا بزيارته وأدخلنا فى شفاعته وقد جئناك يا رسول الله ظالمين لا نفسنا
مستغفرين لذنوبنا وقد سماك الله بالرؤف الرحيم فاشفع لمن جاءك ظالما لنفسه
معترفا بذنبه تائبا الى ربه وقد قيل
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه ... فطاب من طيبهنّ القاع والاكم
نفسى الفداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذى ترجى شفاعته ... عند الصراط اذا ما زلت القدم
ويدعو لنفسه ولوالديه ولمن أحب بما أحب وان كان قد أوصاه أحد بتبليغ السلام
الى النبىّ صلى الله عليه وسلم يقول السلام عليك يا رسول الله من فلان بن
فلان يستشفع بك الى ربك بالرحمة والمغفرة فاشفع له ولجميع المؤمنين فأنت
الشافع المشفع الرؤف الرحيم* ويكفى فى زيارته أن يقول السلام عليك يا رسول
الله صلى الله عليك وسلم ثم يتحوّل عن ذلك المكان ويدور الى أن يقف بحذاء
وجه النبىّ عليه السلام مستدبر القبلة ويقف لحظة ويصلى ويسلم عليه مرّة أو
ثلاث مرّات ثم يتحوّل عن يمينه قدر ذراع الى أن يحاذى رأس قبر الصدّيق فان
رأسه بحيال منكب النبىّ صلى الله عليه وسلم عند الاكثر فيقول السلام عليك
يا خليفة رسول الله السلام عليك يا صاحب رسول الله فى الغار السلام عليك يا
صاحب رسول الله فى الاسفار السلام عليك يا أبا بكر الصدّيق جزاك الله أفضل
ما جزى اماما عن أمّة نبيه فلقد خلفته أحسن الخلف وسلكت طريقته بأحسن الطرق
وقاتلت أهل الردّة
(2/175)
والبدعة ونصرت الاسلام وكفلت الايتام ووصلت
الارحام ولم تزل قائلا للحق ناصرا لاهله حتى أتاك اليقين رضوان الله عليك
وبركاته وسلامه وتحياته أسأل الله تعالى أن يميتنا على محبتك كما وفقنا
لزيارتك انه هو الغفور الرحيم* ثم يتحوّل عن يمينه قدر ذراع الى أن يحاذى
رأس قبر الفاروق أمير المؤمنين عمر لان رأسه عند منكب أبى بكر عند الاكثر
فيقول السلام عليك يا أمير المؤمنين عمر الفاروق السلام عليك يا كاسر
الاصنام السلام عليك يا من أعز الله به الاسلام جزاك الله أفضل ما جزى
اماما عن أمّة نبيه ثم يرجع قدر نصف ذراع ويقف بين رأس الصدّيق ورأس
الفاروق ويقول السلام عليكما يا صاحبى رسول الله السلام عليكما يا وزيرى
رسول الله المعاونين له على القيام فى دين الله القائمين فى أمّته فى أمور
الاسلام جئنا يا صاحبى رسول الله زائرين لنبينا وصديقنا وفاروقنا ونحن
نتوسل بكما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشفع لنا ويسأل الله تعالى
أن يتقبل سعينا وأن يحيينا على ملتكم ويميتنا على سنتكم ويحشرنا فى زمرتكم
ثم يدعو لنفسه ولوالديه ولجميع المؤمنين والمؤمنات ويسأل الله تعالى حاجته
ويصلى فى آخره على النبىّ صلى الله عليه وسلم وآله ثم يرجع ويقف عند رأس
النبىّ صلى الله عليه وسلم بين القبر والمنبر كما وقف فى الابتداء وليستقبل
القبلة ويحمد الله تعالى ويثنى عليه ويصلى على النبىّ صلى الله عليه وسلم
ويدعو لنفسه ولمن أحب من المسلمين بما أحب* ويستحب أن يخرج بعد زيارته صلى
الله عليه وسلم كل يوم خصوصا يوم الجمعة الى البقيع ويأتى المشاهد
والمزارات ويزور القبور المشهورة فيه كقبر أمير المؤمنين عثمان بن عفان وهو
منفرد فى قبة وقبر عم رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس فى قبته
المعروفة به وفيها ضريحان فالغربى منهما قبر العباس والشرقى منهما قبر
الحسن بن على وزين العابدين وابنه محمد الباقر وابن الباقر جعفر الصادق
كلهم فى قبر واحد وكقبر صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله أمّ الزبير فانه
خارج باب البقيع عن يسار الخارج ويزور قبر فاطمة بنت أسد أمّ على وقيل ان
قبر فاطمة بنت رسول الله بالمسجد المنسوب اليها بالبقيع وهو المعروف ببيت
الاحزان ويستحب أن يأتيه ويصلى فيه وقيل ان قبرها فى بيتها وهو فى مكان
المحراب الخشب الذى خلف الحجرة المقدّسة داخل الدرابزين قيل وهذا أظهر
الاقوال وقبر ابراهيم بن النبىّ صلى الله عليه وسلم بالبقيع وهو مدفون الى
جنب عثمان بن مظعون ودفن أيضا الى جنب عثمان ابن مظعون عبد الرحمن بن عوف
وبه قبر يقال ان فيه عقيل بن أبى طالب وابن أخيه عبد الله بن جعفر ابن أبى
طالب والمنقول ان قبر عقيل فى داره وفى قبلة قبر عقيل حظيرة مستهدمة مبنية
بالحجارة يقال ان فيها قبور من دفن بالبقيع من أزواج النبىّ صلى الله عليه
وسلم* وفى مناسك الكرمانى ان فيها قبور أربع من أزواج النبىّ عليه السلام
وفيه قبر مالك بن أنس صاحب المذهب وغيرهم من الصحابة والتابعين كلهم
بالبقيع ويستحب أن يزور شهداء أحد يوم الخميس ويبدأ بحمزة عم النبىّ صلى
الله عليه وسلم ومعه فى القبر ابن أخته المجذع فى الله عبد الله بن جحش ثم
يزور باقى الشهداء ولا يعرف قبر أحد منهم ويسمى من علم اسمه منهم فى السلام
عليه فمنهم مصعب بن عمير وحنظلة غسيل الملائكة ابن أبى عامر وسعد بن الربيع
وأنس بن النضر وأبو الدحداح ومجد بن زياد وغيرهم وعند رجلى حمزة قبر ليس من
قبور الشهداء ويقول فى السلام عليهم السلام على أهل الديار من المؤمنين
والمسلمين وانا ان شاء الله بكم لاحقون رحم الله غربتكم وآنس الله وحشتكم
تقبل الله من محسنكم وتجاوز الله عن مسيئكم ثم يقرأ سورة الاخلاص وآية
الكرسى لورود الاحاديث فيهما* روى أبو نعيم فى الحلية بسنده الى ابن عمر
قال مرّ النبىّ صلى الله عليه وسلم بمصعب بن عمير فوقف عليه وقال أشهد انكم
أحياء عند الله ترزقون فزوروهم وسلموا عليهم فو الذى نفسى بيده لا يسلم
عليهم أحد الا ردّوا عليه السلام الى يوم
(2/176)
القيامة* وعن ابن اسحاق بن سعيد قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يأتيهم كل عام فيرفع صوته عندهم ويقول سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى
الدار* وعن جعفر بن محمد عن أبيه ان فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه
وسلم كانت تزور قبور الشهداء بين اليومين والثلاثة كذا فى تشويق الساجد*
ويستحب أن يأتى مسجد قباء فى كل يوم سبت ان أمكن ويصلى ركعتين ثم يأتى
بئرار يس التى تفل فيها النبىّ صلى الله عليه وسلم وسقط فيها خاتمه وهى بئر
قريب من المسجد فى داخل البستان ويتوضأ منها ويشرب من مائها ثم يأتى مسجد
الفتح وهو على الخندق ويأتى جميع المساجد والمشاهد بالمدينة وهى ثلاثون
موضعا يعرفها أهل المدينة ويقصد الابار التى كان النبىّ صلى الله عليه وسلم
يتوضأ منها ويغتسل ويشرب منها اتباعا لفعله عليه السلام وطلبا للشفاء
والبركة وهى سبعة آبار يعرفها أهل المدينة* وفى الاحياء الابار التى كان
رسول الله يتوضأ منها ويغتسل ويشرب سبعة وهى المنظومة فى هذا النظم
اذا رمت آبار النبىّ بطيبة ... فعدّتها سبع مقالا بلا وهن
اريس وغرس رومة وبضاعة ... كذا بضة قل بئر حاء مع العهن
كذا فى الوفاء* |