دلائل النبوة للبيهقي محققا

فصل في المراسيل
كل حديث أرسله واحد من التابعين أو الأتباع، فرواه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَذْكُرْ من حمله عنه، فهو على ضربين:
(أحدهما) : أن يكون الذي أرسله من كبار التابعين الذين إذا ذكروا من سمعوا منه ذكروا قوما عدولا يوثق بخبرهم. فهذا إذا أرسل حديثا نظر في مرسله، فإن انضم إليه ما يؤكده من مرسل غيره، أو قول واحد من الصحابة، أو إليه ذهب عوامّ من أهل العلم- فإنّا نقبل مرسله في الأحكام [ (90) ] .
__________
[ (90) ] كل من عرف أنه لا يأخذ إلا عن ثقة فتدليسه ومرسله مقبول، فمراسيل سعيد بن المسيب، ومحمد ابن سيرين، وإبراهيم النخعي عندهم صحاح، ومراسيل عطاء والحسن لا يحتج بها لأنهما كانا يأخذان عن كل أحد، وكذلك مراسيل أبي قلابة، وأبي العالية.
وقالوا: لا يقبل تدليس الأعمش، لأنه إذا وقف أحال على غير مليء، يعنون: على غير ثقة، إذا سألته عمن هذا؟ قال: عن موسى بن طريف، وعباية بن ربعي، والحسن بن ذكوان.
وقالوا: ويقبل تدليس ابن عيينة، لأنه إذا وقف أحال على ابن جريح، ومعمر، ونظائرهما.
وحقيقة المرسل في أولاد الصحابة، والمخضرمين:
* فقد ولد لبعض الصحابة أطفال في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكان آباؤهم يأتون بهم إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، ليحنّكهم، ويسميهم، ويدعو لهم، ومات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهم دون سن التمييز، فذكروا في الصحابة، بيد أن أحاديثهم عن النبي صلّى الله عليه وسلّم من قبيل المرسل.

(1/39)


(والآخر) : أن يكون الذي أرسله من متأخري التابعين الذين يعرفون بالأخذ عن كل أحد، وظهر لأهل العلم بالحديث ضعف مخارج ما أرسلوه- فهذا النوع من المراسيل لا يقبل في الأحكام، ويقبل فما لا يتعلق به حكم من الدّعوات وفضائل الأعمال والمغازي، وما أشبهها.
__________
[ () ] * والمخضرمون: أدركوا الجاهلية والإسلام، ولم تثبت لهم رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، سواء أسلموا في حياته، أم فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وعمر..، وهؤلاء ذكروا في الكتب لمقاربتهم لطبقة الصحابة، لا لأنهم منهم ... أما أحاديثهم عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فهي مرسلة باتفاق أهل العلم.
فأوقعوا الحديث المرسل على التابعي الكبير عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم مثل أن يقول عبيد الله بن عدي بن الخيار، أو أبو أمامة بن سهل بن حنيف، أو عبد الله بن عامر بن ربيعة، ومن كان مثلهم: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وكذلك من دون هؤلاء مثل: سعيد بن المسيب، وسالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، ومثلهم.
فهذا هو المرسل عند أهل العلم.
وقد شرحه علماء الحديث، فكتب عنه الحاكم في معرفة علوم الحديث ص (25) ، وشرح علوم الحديث للعراقي، واختصار علوم الحديث لابن كثير ص (37- 40) ، وفتح المغيث، وتدريب الراوي، وإرشاد الفحول، وابن الصلاح، والغزالي في المستصفى، وغيرهم.

(1/40)


فصل في اختلاف الأحاديث
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، حدثنا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ:
كلّما احتمل حديثان أنّ يستعملا معا، استعملا معا، ولم يعطّل واحد منهما الآخر.
فإذا لم يحتمل الحديثان إلا الاختلاف، فالاختلاف فيهما وجهان:
(أحدهما) : أن يكون أحدهما ناسخا والآخر منسوخا، فيعمل بالناسخ ويترك المنسوخ [ (91) ]
__________
[ (91) ] معرفة ناسخ الحديث ومنسوخه من أهم ما يجب أن يعرفه من يبحث في أحكام الشريعة، إذ لا يمكن للباحث أن يستنبط الأحكام من أدلتها دون أن تكون له قدم راسخة بمعرفة الناسخ والمنسوخ.
1- ويعرف النسخ بتصريح رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ك
قوله: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، وكنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فكلوا ما بدا لكم، وكنت نهيتكم عن الظروف ...
«الحديث» أخرجه مسلم عن بريدة.
2- منه ما عرف بقول الصحابي، كقول جابر: كان آخر الأمرين من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ترك الوضوء مما مست النار «أبو داود والنسائي» ، وكقول أبي بن كعب: كان الماء من الماء رخصة في أول

(1/41)


(والآخر) : أن يختلفا ولا دلالة على أيهما ناسخ ولا أيهما منسوخ- فلا يذهب إلى واحد منهما دون غيره إلا بسبب يدلّ على أن الذي ذهبنا إليه أقوى من الذي تركنا. وذلك أن يكون أحد الحديثين أثبت من الآخر، فنذهب إلى الأثبت، أو يكون أشبه بكتاب الله، أو سنة رسوله، صلى الله عليه وسلّم، فيما سوى ما اختلف فيه الحديثان من سنته، أو أولى بما يعرف أهل العلم، أو أصح في القياس، أو الذي عليه الأكثر مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وإذا كان الحديث مجهولا أو مرغوبا عمن حمله، كان كما لم يأت، لأنه ليس بثابت.
__________
[ () ] الإسلام ثم أمرنا بالغسل «أبو داود والترمذي» .
3- ومنها ما عرف بالتاريخ كحديث شداد بن أوس مرفوعا: أفطر الحاجم والمحجوم، نسخ بحديث ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم احتجم وهو محرم صائم «مسلم» فابن عباس انما صحبه محرما في حجة الوداع.
4- ومنها ما عرف بدلالة الإجماع كحديث قتل شارب الخمر في الرابعة، وهو ما رواه أبو داود والترمذي في حديث معاوية: من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه، قال النووي: دل الإجماع على نسخه، وان كان ابن حزم خالف في ذلك، فخلاف الظاهرية لا يقدح في الإجماع، وقال الترمذي: ... فإن شرب الرابعة فاقتلوه، ثم أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد ذلك برجل قد شرب في الرابعة فضربه ولم يقتله، فرفع القتل وكان رخصة.

(1/42)


فصل
ومما يحق معرفته في الباب، أن تعلم أن الله تعالى بعث رسوله، صلى الله عليه وسلّم، بالحق، وأنزل عليه كتابه الكريم، وضمن حفظه كما قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [ (92) ] . ووضع رسوله، صلى الله عليه وسلّم من دينه وكتابه موضع الإبانة عنه، كما قال: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [ (93) ] . وترك نبيه في أمته حتى يبيّن لأمته ما بعث به، ثم قبضه الله تعالى إلى رحمته. وقد تركهم على الواضحة، فلا تنزل بالمسلمين نازلة إِلَّا وَفِي كِتَابِ اللهِ وسنة رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانُهَا: نَصًّا أو دلالة [ (94) ] .
وجعل في أمته في كل عصر من الأعصار أئمة يقومون ببيان شريعته وحفظها على أمته وردّ البدعة عنها.
كما
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ: أَحْمَدُ بن محمد الصُّوفِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، حدثنا معان [ (95) ] بن
__________
[ (92) ] الآية الكريمة (9) من سورة الحجر.
[ (93) ] الآية الكريمة (44) من سورة النحل.
[ (94) ] العبارة من «الرسالة» للشافعي ص (20) .
[ (95) ] في (ص) معاذ، وهو تصحيف.

(1/43)


رفاعة، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرحمن العذري، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «يرث هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين» [ (96) ] .
ورواه «الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ» عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرحمن، عن الثقة من أشياخهم، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وسلّم.
وقد وجد تصديق هذا الخبر في زمان الصّحابة، ثم في كلّ عصر من الأعصار إلى يومنا هذا. وقام بمعرفة رواة السنة في كلّ عصر من الأعصار جماعة وقفوا على أحوالهم في التعديل والجرح وبيّنوها ودوّنوها في الكتب حتى من أراد الوقوف على معرفتها وجد السبيل إليها. وقد تكلّم فقهاء الأمصار في الجرح والتعديل فمن سواهم من علماء الْحَدِيثَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ، حدثنا أبو سعيد الخلّال، حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ المروزي، قال:
حدثني الحمّاني عن «أبي حنيفة» قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أكذب من جابر الجعفيّ [ (97) ] ، ولا أفضل من عطاء [ (98) ] .
__________
[ (96) ] أورده ابن عدي في الكامل من طرق كلها ضعيفة، وذكره الخطيب البغدادي من طرق في شرف أصحاب الحديث ص (28- 30) .
[ (97) ] هو جَابِرَ بْنَ يَزِيدَ بْنِ الحارث الجعفي الكوفي من أَصْحَابُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سبأ. وكان يقول: إن عليا- عليه السلام- يرجع إلى الدنيا، وزعم أن عنده كذا وكذا ألف حديث عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ ينطق بها. وقد قال الإمام أحمد عنه: تركه يحيى بن معين، وعبد الرحمن بن مهدي، وقال النسائي:
«متروك» ، وضعفه العقيلي، وجرحه ابن حبان، والعجلي.
المجروحين (1: 208) ، الميزان (1: 379) ، التهذيب (2: 46) .
[ (98) ] هو عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، متفق على توثيقه، أخرج له الجماعة، مترجم في «تهذيب التهذيب» (2: 199) ، والعبارة نقلها الترمذي في العلل (5: 741) .

(1/44)


قال: وحدثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: سمعت أبا سعد الصّغاني قام إلى أبي حنيفة، فقال: يا أبا حنيفة، ما تقول في الأخذ عن «الثوري» ؟
فقال: اكتب عنه، فإنه ثقة ما خلا أحاديث «أبي إسحاق» عن «الحارث» ، وحديث «جابر الجعفي» .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سفيان، قال: سمعت حرملة يقول:
قال الشافعي: «الرواية عن حرام بن عثمان حرام» [ (99) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْغَضَائِرِيُّ ببغداد، حدثنا أحمد ابن سَلْمَانَ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ محمد الصائغ، حدثنا عفّان: قال: حدثني يحيى ابن سعيد القطان، قال: سألت شعبة، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ الرجل يتهم في الحديث ولا يحفظ؟ فقالوا: بيّن أمره للناس.
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ: الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ:
أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ بْنِ خَلَفٍ القاضي، قال: حدثني أبو سعد الهروي، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ خلّاد، قال:
قيل «ليحيى بن سعيد» : أما تخشى أن يكون الذين تركت حديثهم خصماؤك عند الله؟
قال: لأن يكون هؤلاء خصمائي عند الله أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يكون خصمي
__________
[ (99) ] هو حرام بن عثمان الأنصاري المدني: قال مالك: «ليس بثقة، وقال الشافعي وغيره: «الرواية عن حرام حرام» ، وقال ابن حبان «كان غاليا في التشيع يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل» .
الميزان (1: 468) .

(1/45)


رسول الله صلى الله عليه وسلّم، يقول: لم حدثت عني حديثا ترى أنه كذب؟
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَلِيدِ [ (100) ] الْفَقِيهُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قال:
سمعت الشافعي، رحمه الله، يقول: «لولا شعبة ما عرف الحديث بالعراق، وكان يجيء إلى الرجل فيقول: لا تحدث وإلا استعديت عليك السلطان.
فعلى هذه الجملة كان ذبّهم عن حريم السنّة. وشواهد ما ذكرنا كثيرة، وفيما ذكرنا عن التطويل غنية.
وهذه مقدمة لكتاب «دلائل النبوة» وبيان ما جرى عليه أحوال صاحب الشريعة، صلوات الله عليه- أشار بها عليّ الشيخ أبو الحسن: حمزة بن محمد البيهقيّ، رحمه الله، بحسن عقيدته، وجميل نيته في معرفة معجزات النبي والرسول المرتضى محمد، صلى الله عليه وعلى آله وسلّم، وما جرى عليه أحواله ليتوصّل بها إلى معرفة ما أوردته فيه من الأحاديث، مع ذكر تراجمه في الجزء الذي يليه.
ويعلم أن كلّ حديث أوردته فيه قد أردفته بما يشير إلى صحته، أو تركته مبهما وهو مقبول في مثل ما أخرجته. وما عسى أوردته بإسناد فيه ضعف أشرت إلى ضعفه، وجعلت الاعتماد على غيره.
وقد صنف جماعة من المتأخرين في المعجزات وغيرها كتبا [ (101) ] ، وأوردوا فيها
__________
[ (100) ] في (ص) : الوليد.
[ (101) ] راجع ترجمة المصنف، وتقدمتنا للكتاب في أول هذا الجزء.

(1/46)


أخبارا كثيرة من غير تمييز منهم صحيحها من سقيمها، ولا مشهورها من غريبها، ولا مرويّها من موضوعها، حتى أنزلها من حسنت نيته في قبول الأخبار منزلة واحدة في القبول، وأنزلها من ساءت عقيدته في قبولها منزلة واحدة في الردّ.
وعادتي- في كتبي المصنّفة في الأصول والفروع- الاقتصار من الأخبار على ما يصح منها دون ما لا يصح، أو التمييز بين ما يصح منها وما لا يصح، ليكون الناظر فيها من أهل السنة على بصيرة مما يقع الاعتماد عليه، لا يجد من زاغ قلبه من أهل البدع عن قبول الأخبار مغمزا فيما اعتمد عليه أهل السنة من الآثار.
ومن أنعم النظر في اجتهاد أهل الحفظ في معرفة أحوال الرواة، وما يقبل من الأخبار، وما يردّ- علم أنهم لم يألوا جهدا في ذَلِكَ، حَتَّى إِذَا كَانَ الابن يقدح في أبيه إذا عثر منه على ما يوجب ردّ خبره، والأب في ولده، والأخ في أخيه، لا تأخذه فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، ولا تمنعه في ذلك شجنة رحم ولا صلة مال. والحكايات عنهم في ذلك كثيرة، وهي في كتبي المصنّفة في ذلك مكتوبة.
ومن وقف على تمييزي في كتبي بين صحيح الأخبار وسقيمها، وساعده التوفيق- علم صدقي فيما ذكرته.
ومن لم ينعم النّظر في ذلك، ولم يساعده التوفيق- فلا يغنيه شرحي لذلك، وإن أكثرت، ولا إيضاحي له، وإن بلغت، كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وجل:
وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ [ (102) ] .
__________
[ (102) ] الآية الكريمة (101) من سورة يونس.

(1/47)