دلائل
النبوة للبيهقي محققا جُمَّاعُ أَبْوَابِ مَوْلِدِ النَّبِيِّ [
(16) ] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، [ (17) ]
باب بيان [ (18) ] اليوم الَّذِي وُلِدَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
* أَخْبَرَنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ
فُورَكٍ [ (19) ] ، رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ
جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ: أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَصْفَهَانِيُّ،
[ (20) ] قَالَ: حَدَّثَنَا [ (21) ] يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ
عَبْدِ اللهِ بْنِ معبد الزماني، عن أبي قتادة:
__________
[ (16) ] في (ص) : «رسول الله» .
[ (17) ] في (ص) : «صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ» .
[ (18) ] ليست في (ص) .
[ (19) ] يروي المصنف كثيرا في هذا المصنّف، وعيره عن: ابن فورك، ويسميه:
الأستاذ، وهو: محمد ابن الحسن بن فورك، أبو بكر، الأنصاري، الأصبهاني (332-
406) ، وهو الإمام الجليل، والحبر المهيب، العالم التقي الورع، الواعظ
اللغوي النحوي، رافض الدنيا وزخرفها، المقبل على الله سرا وعلانية، صاحب
التصانيف المشحونة علما، والمؤلفات الضافية حكمة، الأستاذ الذي لا يبارى،
والفيلسوف الذي لا يجارى.
وكان فقيها، مفسرا، أصوليا، واعظا، أديبا، نحويا، لغويا، عارفا بالرجال.
حقق مجدا وشهرة في نيسابور، ثم دعي الى مدينة غزنة بالهند، فشمر عن ساعد
الجد والاجتهاد، وذهب إليها، وناصر الحق، واستفاد الناس منه.
[ (20) ] في (ص) : الأصبهاني.
[ (21) ] في (ص) : أخبرنا.
(1/71)
أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ: يَا رَسُولَ
اللهِ، مَا تَقُولُ فِي صَوْمِ يَوْمِ الْإِثْنَيْنِ [ (22) ] ؟ فَقَالَ:
«ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَأُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ» [ (23) ] .
* وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [
(24) ] أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ
النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ: يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ
الْفَسَوِيُّ [ (25) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جَرِيرٍ-
وَهُوَ غَيْلَانُ.
(ح) [ (26) ] وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ
الْحَافِظُ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: حَدَّثَنَا [ (27) ] عَمْرُو بْنُ
السَّمَّاكِ، بِبَغْدَادَ، وَالْحَسَنُ بْنُ يَعْقُوبَ الْعَدْلُ،
بِنَيْسَابُورَ، قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ،
عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ معبد
الزِّمَّانِيِّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأنصاري:.
__________
[ (22) ] في (ح) : «في يوم الاثنين» .
[ (23) ] هو جزء من حديث أخرجه مسلم في: 13- كتاب الصيام (36) باب استحباب
صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصوم يوم عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس، حديث
رقم (197) ، صفحة (819) ، كما أخرجه الإمام أحمد في مسنده (5: 297- 299) ،
والبيهقي في «السنن الكبرى» (4:
293) .
[ (24) ] في (ص) : «أخبرنا» .
[ (25) ] هو يعقوب بن سفيان بن جوان الفارسي، أبو يوسف بن أبي معاوية
الفسوي الحافظ (191- 277 هـ) ، محدث، حافظ، مؤرخ، رحال، ولد في حدود سنة
(191 هـ) . وقدم دمشق والعراق، ورحل الى الغرب، وسمع الكثير، وتوفي بفسا،
بفارس. ومن آثاره «تاريخه المشهور» ، وله ترجمة في تذكرة الحفاظ (2: 145) ،
واللباب (2: 215) ، والنجوم الزاهرة (3: 77) ، وتهذيب التهذيب (11: 385) ،
وشذرات الذهب (2: 171) .
[ (26) ] الحاء المهملة (ح) المفردة، مأخوذة من التحول، لتحوّله من إسناد
إلى إسناد، وستأتي كثيرا.
[ (27) ] في (ص) : «أخبرنا عمرو بن السماك» .
(1/72)
أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ،
صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْإِثْنَيْنِ، فَقَالَ:
«ذَاكَ الْيَوْمُ الَّذِي وُلِدْتُ فِيهِ، وَأُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ» [
(28) ] أَخْرَجَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ: مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ
الْقُشَيْرِيُّ، فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ مَهْدِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ،
وَأَبَانَ بْنِ يَزِيدَ الْعَطَّارِ.
* وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ
سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ
الْمَخْزُومِيُّ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ
خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ حَنَشٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
وُلِدَ نَبِيُّكُمْ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَ الاثنين. [
(29) ]
__________
[ (28) ] مضى تخريج الحديث في التعليق (23) .
[ (29) ] الحديث في «مسند الإمام أحمد» (1: 277) ، ونقله ابن كثير في
التاريخ (2: 259- 260) عن هذا الموضع، وقال: «تفرد به أحمد، وهو في «مجمع
الزوائد» (1: 196) ، ونسبه لأحمد والطبراني في الكبير، وقال: «فيه ابن
لهيعة، وهو ضعيف، وبقية رجاله ثقات من اهل الصحيح» .
(1/73)
بَابُ الشَّهْرِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمَّارُ بْنُ
الْحَسَنِ النَّسَائِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنِي سَلَمَةُ [ (30) ] بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ:
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: وُلِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، عَامَ الْفِيلِ، [ (31) ] ،
لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةٍ مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.
__________
[ (30) ] فِي (ح) : «مسلمة» .
[ (31) ] الخبر في سيرة ابن هشام (1: 171) ، وجاء في «جامع الترمذي» (4:
589) ، و «مسند أحمد» (4: 215) مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ
الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: «وُلِدْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه
وسلم عام الفيل» .
وقال أبو عيسى: «هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ
بْنِ إِسْحَاقَ» .
(1/74)
بَابُ الْعَامِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (32) ]
* حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي
إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
قَالَ:
وُلِدَ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، عَامَ الْفِيلِ [ (33) ] .
* وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ: عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ
قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ
بْنِ حَامِدٍ الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (34) ] أَحْمَدُ بْنُ
الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الصُّوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى
بْنُ مَعِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
__________
[ (32) ] في (ص) : «وعلى آله» .
[ (33) ] مضى الحديث ضمن الحديث المخرج بالهامش (31) ، وهو في السيرة لابن
هشام (1: 171) ، ونقله الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (2: 261) ،
وقال الحافظ ابن الجوزي في صفة الصفوة، ذكر مولد رسول الله صلى الله عليه
وسلّم: «اتفقوا عَلِيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وُلِدَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ عام
الفيل، واختلفوا فيما مضى من ذلك الشهر لولادته على أربعة أقوال: (أحدها) :
أنه ولد لليلتين خلتا منه، (والثاني) : لثمان خلون منه، (والثالث) : لعشر
خلون منه، (والرابع) : لاثنتي عشرة خلت منه» . أ. هـ.
[ (34) ] في (ص) : أخبرنا.
(1/75)
حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. فَذَكَرَهُ
بِإِسْنَادِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «يَوْمَ الْفِيلِ» [ (35) ] .
* قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو الْعَبَّاسِ: محمد ابن يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ، قال: حدثنا يونس ابْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ
ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ
قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: قَيْسِ بْنِ
مَخْرَمَةَ، يَعْنِي ابْنَ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ- قَالَ:
وُلِدْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، عَامَ الْفِيلِ،
كُنَّا لِدَيْنِ. [ (36) ]
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، عَامَ عُكَاظَ ابْنَ عِشْرِينَ سَنَةً.
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى السُّلَمِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو الْحَسَنِ [ (37) ] : مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودٍ المروزي،
__________
[ (35) ] بهذا الإسناد، من طريق يحيى بن معين هو في «طبقات ابن سعد» (1:
101) ، كما أخرجه الحاكم في «المستدرك» (2: 603) ، وقال: «تفرد حميد بن
الربيع بهذه اللفظة (أي يوم) في هذا الحديث، ولم يتابع عليه، كما أورد
الحاكم قبل هذه الرواية الرواية الصحيحة: «عام الفيل» وبذلك صرّح ابن حبان
في تاريخه، وهو كتاب «الثقات» (1: 14- 15) ، فقال: «وُلِدَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفِيلِ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ،
لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فِي
اليوم الذي بعث الله طيرا أبابيل على أصحاب الفيل» .
[ (36) ] أخرجه الترمذي في كتاب المناقب (5: 589) ، والإمام أحمد في
«مسنده» (4: 215) ، وهو في سيرة ابن هشام (1: 171) ، وطبقات ابن سعد (1:
101) ، والبداية والنهاية (2:
261) ، ودلائل النبوة لأبي نعيم (101) ، وصحّحه المسعودي والسهيلي. (لدين)
: يقال فلان لدة فلان إذا ولد معه في وقت واحد، وقال الجوهري: «لدة الرجل:
تربه، والهاء عوض عن الواو الذاهبة منه، لأنه من الولادة، وهما لدان،
والجمع، لدات، ولدون.
[ (37) ] في (ص) : «أبو الحسين» ، وله ترجمة في طبقات الشافعية الكبرى
للسبكي (3: 225) ، وتهذيب الأسماء واللغات (2: 196) .
(1/76)
الْفَقِيهُ، قَالَ [ (38) ] : حَدَّثَنَا
أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ: قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو مُوسَى: مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ
جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ يُحَدِّثُ
عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:
وُلِدْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَامَ
الْفِيلِ. [ (39) ]
قَالَ: وَسَأَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ قُبَاثَ بْنَ أَشْيَمَ، أَخَا
بَنِي يَعْمَرَ بْنِ لَيْثٍ:
أَنْتَ أَكْبَرُ أَوْ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
فَقَالَ: رَسُولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَكْبَرُ مِنِّي،
وَأَنَا أَقْدَمُ مِنْهُ فِي الْمِيلَادِ. وَرَأَيْتُ خَذْقَ الْفِيلِ
أَخْضَرَ مُحِيلًا [ (40) ] .
وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ، فَقَالَ:
خَذْقَ الطَّيْرِ أَخْضَرَ مُحِيلًا.
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (41) ]
أَحْمَدُ بْنُ علي المقري، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. فَذَكَرَهُ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ، وأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ
الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ
بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الصَّغَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْجِزَامِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا [ (42) ] عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أبي
__________
[ (38) ] في (ص) الاسناد بدون لفظ: «قال» .
[ (39) ] الحديث في «جامع الترمذي» (5: 589) ، و «مسند احمد» (4: 215) ،
ودلائل النبوة لأبي نعيم ص (101) .
[ (40) ] دلائل النبوة لأبي نعيم ص (100) ، (والخذق) : الروث.
[ (41) ] في (ص) : بدون قال، وبلفظ «أخبرنا» .
[ (42) ] في (ص) : أخبرنا، وبدون لفظ قال.
(1/77)
ثَابِتٍ- مَدِينِيٌّ- قَالَ: حَدَّثَنَا [
(43) ] الزُّبَيْرُ بْنُ مُوسَى، عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ قَالَ:
سَمِعْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ بن مروان، يَقُولُ لِقُبَاثِ بْنِ أَشْيَمَ
الكناني، ثُمَّ اللَّيْثِيِّ: يَا قُبَاثُ! أَنْتَ أَكْبَرُ أَمْ رسول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: رَسُولُ الله، صلى الله عليه
وَسَلَّمَ، أَكْبَرُ مِنِّي، وَأَنَا أَسَنُّ مِنْهُ: وُلِدَ رَسُولُ
اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، عَامَ الْفِيلِ، وَوَقَفَتْ بِي
أُمِّي عَلَى رَوْثِ الْفِيلِ مُحِيلًا أَعْقِلُهُ. وَتُنُبِّئَ رسول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ [ (44) ] .
* حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ
سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي
عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ النَّوْفَلِيِّ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ:
وُلِدَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، عَامَ الْفِيلِ،
وَكَانَتْ عُكَاظُ بَعْدَ الْفِيلِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَبُنِيَ
الْبَيْتُ عَلَى رَأْسِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً [ (45) ] مِنَ الْفِيلِ،
وَتُنُبِّئَ رَسُولُ الله، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، عَلَى رَأْسِ
أَرْبَعِينَ مِنَ الْفِيلِ [ (46) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
الْمُنْذِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُنْذِرِ ابن الْمُغِيرَةِ بْنِ
عَبْدِ اللهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ
عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ:
بَعَثَ اللهُ مُحَمَّدًا، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، عَلَى رَأْسِ خَمْسَ
عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ، وَكَانَ بَيْنَ مَبْعَثِ
النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، وَبَيْنَ أَصْحَابِ الْفِيلِ سَبْعُونَ
سنة.
__________
[ (43) ] في (ص) : أخبرنا، وفي (ح) : حدثني.
[ (44) ] دلائل النبوة لأبي نعيم ص (100- 101) ، البداية والنهاية (2: 261-
262) .
[ (45) ] سنة: ليست في (ص) .
[ (46) ] البداية والنهاية لابن كثير (2: 262) .
(1/78)
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ
الْمُنْذِرِ: هَذَا وَهْمٌ، وَالَّذِي لَا يَشُكُّ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ
عُلَمَائِنَا: أَنَّ رسول الله، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وُلِدَ
عَامَ الْفِيلِ، وَبُعِثَ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً مِنَ الْفِيلِ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (47)
] أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ
إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي
الْمُغِيرَةِ، عَنِ ابْنِ أَبْزَى، قَالَ:
كَانَ بَيْنَ الْفِيلِ وَبَيْنَ مَوْلِدِ رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، عَشْرَ سِنِينَ [ (48) ] .
* وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ،
قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْخَلِيلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ
بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرٍ،
عَنِ ابْنِ أَبْزَى، قَالَ:
كَانَ بَيْنَ الْفِيلِ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، عَشْرَ سِنِينَ.
قَالَ يَعْقُوبُ: وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ بَعْضِهِمْ، عَنْ
سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، قَالَ:
أَنَا لِدَةُ [ (49) ] رَسُولِ الله، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وُلِدْتُ
عَامَ الْفِيلِ.
قَالَ الشَّيْخُ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ أَنَّهُ
قَالَ: أَنَا أَصْغَرُ مِنَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم،
بسنتين [ (50) ] .
__________
[ (47) ] في (ص) : أخبرنا.
[ (48) ] البداية والنهاية (2: 262) .
[ (49) ] جاء في هامش (ص) ما يلي: «أَنَا لِدَةُ رَسُولِ اللهِ: أي: تربه،
يقال: ولدت المرأة ولادا وولادة ولدة، فسمى بالمصدر، وأصله ولدة، فوضعت
الهاء من الواو، وجمع اللدة: لدات» .
وهذه العبارة من النهاية.
[ (50) ] البداية والنهاية (2: 262) .
(1/79)
بَابُ ذِكْرِ مَوْلِدِ الْمُصْطَفَى،
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وَالْآيَاتِ الَّتِي ظَهَرَتْ عِنْدَ
وِلَادَتِهِ وَقَبْلَهَا وَبَعْدَهَا
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله ابن جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ
بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ.
(ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
اللهِ بْنِ بِشْرَانَ، الْعَدْلُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
عَلِيٍّ: أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ خُزَيْمَةَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو صَالِحٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ
عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ هِلَالٍ السُّلَمِيِّ، عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ
سَارِيَةَ، صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
أَنَّهُ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: إِنِّي
عَبْدُ اللهِ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي
طِينَتِهِ، وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ،
وَبِشَارَةُ عِيسَى بِي، وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ، وَكَذَلِكَ
أمهات النبيين يرين، وإن أم رسول الله، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْهُ نُورًا أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشام [ (51) ] .
__________
[ (51) ] الحديث أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (4: 127- 128) ، والحاكم في
«المستدرك» (2: 600) ، وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد» ، وأقره الذهبي،
وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (8: 223) ، وقال: «رواه أحمد، والطبراني،
والبزار، وأحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح، غير سعيد بن سويد، وقد وثقه
ابن حبان.
(1/80)
وَفِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ: أَضَاءَتْ
مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ. تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ،
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ. وَرَوَاهُ أَيْضًا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي
مَرْيَمَ الْغَسَّانِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ.
وَقَوْلُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي عَبْدُ اللهِ
وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ»
يُرِيدُ بِهِ [ (52) ] : أَنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ فِي قَضَاءِ اللهِ
وَتَقْدِيرِهِ، قَبْلَ أَنْ يَكُونَ أَبُو الْبَشَرِ، وَأَوَّلُ
الْأَنْبِيَاءِ، صَلَوَاتُ اللهُ عَلَيْهِمْ.
وَقَوْلُهُ: «وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ:
[عَلَيْهِ السَّلَامُ»
يُرِيدُ بِهِ] [ (53) ] : أَنَّ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَمَّا
أَخَذَ فِي بِنَاءِ الْبَيْتِ، دَعَا اللهَ، تَعَالَى جَدُّهُ، أَنْ
يَجْعَلَ ذَلِكَ الْبَلَدَ آمِنًا، وَيَجْعَلَ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ
تَهْوِي إِلَيْهِمْ، وَيَرْزُقَهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ والطيبات، ثم قال:
وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [ (54) ] فَاسْتَجَابَ اللهُ تَعَالَى دُعَاءَهُ فِي
نَبِيِّنَا، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَهُ الرَّسُولَ
الَّذِي سَأَلَهُ إِبْرَاهِيمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَدَعَاهُ أَنْ
يَبْعَثَهُ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ،
فَكَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «أَنَا
دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ» ،
وَمَعْنَاهُ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى، لَمَّا قَضَى أَنْ يَجْعَلَ
مُحَمَّدًا، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَاتَمَ النَّبِيِّينَ،
وَأَثْبَتَ ذَلِكَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ- أَنْجَزَ هَذَا الْقَضَاءَ بِأَنْ
قَيَّضَ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِلدُّعَاءِ الَّذِي
ذَكَرْنَا، لِيَكُونَ إِرْسَالُهُ إِيَّاهُ بِدُعَائِهِ كَمَا يَكُونُ
تَقَلُّبُهُ [ (55) ] مِنْ صُلْبِهِ إِلَى أَصْلَابِ أَوْلَادِهِ.
وَأَمَّا
قَوْلُهُ: «وَبِشَارَةُ عِيسَى بِي»
فَهُوَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى، أَمَرَ عِيسَى، عليه
__________
[ (52) ] سقطت من (هـ) و (ص) .
[ (53) ] من (ح) .
[ (54) ] الآية الكريمة (129) من سورة البقرة.
[ (55) ] في (ح) : «نقله» .
(1/81)
السَّلَامُ، فَبَشَّرَ بِهِ قَوْمَهُ،
فَعَرَفَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ.
وَأَمَّا
قَوْلُهُ: «وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ»
فَإِنَّمَا عَنَى بِهِ- وَاللهُ أَعْلَمُ-:
مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ: عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، قَالَ:
فَكَانَتْ [ (56) ] آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ أُمُّ رَسُولِ اللهِ، صلى الله
عليه وسلم، تُحَدِّثُ أَنَّهَا أُتِيَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِمُحَمَّدٍ،
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ لَهَا: إِنَّكِ قَدْ حَمَلْتِ
بِسَيِّدِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَإِذَا وَقَعَ إلى [ (57) ] الأرض فقولي:
أُعِيذُهُ بِالْوَاحِدْ ... مِنْ شَرِّ كُلِّ حَاسِدْ
مِنْ كُلِّ بِرِّ عَاهِدْ ... وَكُلِّ عَبْدٍ رَائِدْ
يَرُودُ [ (58) ] غَيْرَ رَائِدْ
فَإِنَّهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ الْمَاجِدْ ... حَتَّى أَرَاهُ [ (59) ] قَدْ
أَتَى الْمَشَاهِدْ [ (60) ]
قَالَ: آيَةُ ذَلِكَ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُ نُورٌ يملأ قصور بصرى من أَرْضِ
الشَّامِ، فَإِذَا وَقَعَ فَسَمِّيهِ مُحَمَّدًا، فَإِنَّ اسْمَهُ فِي
التَّوْرَاةِ: أَحْمَدُ، يَحْمَدُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَأَهْلُ الْأَرْضِ،
وَاسْمَهُ فِي الْإِنْجِيلِ: أَحْمَدُ [ (61) ] ، يَحْمَدُهُ أَهْلُ
السَّمَاءِ وَأَهْلُ الأرض،
__________
[ (56) ] في (ح) : «وكانت» .
[ (57) ] إلى: سقطت من نسخة (هـ) ، ووقع في (ص) : في.
[ (58) ] في (ص) : يزود.
[ (59) ] في (ص) : حتى أراه قائد قد أتى المشاهد.
[ (60) ] سنده واه جدا، وقال الحافظ العراقي: «أدرجه بعض القصاص» .
[ (61) ] سقطت من (هـ) .
(1/82)
وَاسْمَهُ فِي الْفُرْقَانِ: مُحَمَّدٌ.
فَسَمَّيْتُهُ [ (62) ] بِذَلِكَ.
* حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحافظ، إملاء وَقِرَاءَةً، قَالَ:
حَدَّثَنَا [ (63) ] أَبُو الْحَسَنِ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدُوسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ،
قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْيَمَانِ: حَدَّثَكَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي
مَرْيَمَ الْغَسَّانِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنِ الْعِرْبَاضِ
بْنِ سَارِيَةَ السُّلَمِيِّ، قَالَ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: إِنِّي
عِنْدَ اللهِ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ
لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ، وَسَأُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ:
دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى قَوْمَهُ، وَرُؤْيَا
أُمِّي الَّتِي رَأَتْ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ مِنْهُ
قُصُورُ [ (64) ] الشَّامِ.
قَصَّرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ بِإِسْنَادِهِ، فَلَمْ يَذْكُرْ
فِيهِ عبد الأعلى بن هلال، وَقَصَّرَ بِمَتْنِهِ، فَجَعَلَ الرُّؤْيَا
بِخُرُوجِ [ (65) ] النُّورِ مِنْهَا وَحْدَهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ خَالِدُ
بْنُ مَعْدَانَ، عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: * حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، إِمْلَاءً
وَقِرَاءَةً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ:
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُمْ
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنَا عَنْ نَفْسِكَ. فَقَالَ: دَعْوَةُ
أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى عِيسَى، وَرَأَتْ أُمِّي حِينَ حَمَلَتْ
كَأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أضاءت له
__________
[ (62) ] في (ص) : «فسمته» .
[ (63) ] في (ص) : أخبرنا، والإسناد بدون لفظ «قال» .
[ (64) ] في (ص) : «قصور بصرى» .
[ (65) ] في (ص) : «لخروج» .
(1/83)
بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ [ (66) ] .
وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ
حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَجُ
بْنُ فَضَالَةَ.
(ح) [ (67) ] وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ،
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
بَكَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ لُقْمَانَ بْنِ
عَامِرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ، مَا كَانَ
بَدْءُ أَمْرِكَ؟ قَالَ: دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وبشرى عيسى بن
مَرْيَمَ، وَرَأَتْ أُمِّي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ مِنْهُ
قُصُورُ الشَّامِ [ (68) ] .
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: [ (69) ] خَرَجَ مِنِّي.
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، بِبَغْدَادَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ:
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
إِسْحَاقَ بْنِ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سنان العوقي [
(70) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ بُدَيْلِ
بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ مَيْسَرَةَ الفجر،
قال:
__________
[ (66) ] سيرة ابن هشام (1: 170) ، طبقات ابن سعد (1: 102) ، وصححه الحاكم
في «المستدرك» (2: 600) ، وأقره الذهبي.
[ (67) ] إشارة التحول من إسناد لإسناد، سقطت من (هـ) و (ح) ، وأثبتها من
(ص) .
[ (68) ] أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (5: 262) ، والهيثمي في «مجمع
الزوائد» (8: 222) .
[ (69) ] أبو داود الطيالسي.
[ (70) ] في (ص) العوفي: تصحيف.
(1/84)
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَتَى كُتِبْتَ
[ (71) ] نَبِيًّا؟ قَالَ: وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ [ (72) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ [ (73) ] ،
قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ التَّمِيمِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ
بْنُ بُنْدَارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ الْمُسَاوِرِ الضَّبِّيُّ،
الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ
الصَّنْعَانِيُّ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
أَوَّلُ مَا ذُكِرَ مِنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ جَدِّ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ قُرَيْشًا خَرَجَتْ مِنَ الْحَرَمِ
فَارَّةً مِنْ أَصْحَابِ الْفِيلِ، وَأَجْلَتْ عَنْهُ قُرَيْشٌ، وَهُوَ
غُلَامٌ شَابٌّ، فَقَالَ:
وَاللهِ لَا أَخْرُجُ مِنْ حَرَمِ اللهِ أَبْتَغِي الْعِزَّ فِي غَيْرِهِ.
فَجَلَسَ عِنْدَ الْبَيْتِ، وقال:
لا همّ [ (74) ] إِنَّ الْمَرْءَ يَمْ ... نَعُ رَحْلَهُ فَامْنَعْ
حَلَالَكَ
وَذَكَرَ مَعَ ذَلِكَ غَيْرَهُ.
قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ ثَابِتًا فِي الْحَرَمِ حَتَّى أَهْلَكَ اللهُ،
تَعَالَى، الْفِيلَ وَأَصْحَابَهُ، فَرَجَعَتْ قُرَيْشٌ وَقَدْ عَظُمَ
فِيهِمْ، لِصَبْرِهِ [ (75) ] وَتَعْظِيمِهِ مَحَارِمَ اللهِ تَعَالَى.
فَبَيْنَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ وَعِنْدَهُ أَكْبَرُ بَنِيهِ- قَدْ أَدْرَكَ-
وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَأُتِيَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ
فِي الْمَنَامِ، فَقِيلَ لَهُ: احْفِرْ زَمْزَمْ، خَبِيَّةَ الشَّيْخِ
الْأَعْظَمْ. فَاسْتَيْقَظَ، فَقَالَ: اللهُمَّ بَيِّنْ لِي. فَأُرِيَ فِي
الْمَنَامِ مَرَّةً أُخْرَى: احْفِرْ تُكْتَمَ بَيْنَ الفرث
__________
[ (71) ] في (ح) : «كنت» .
[ (72) ] أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (5: 59) ، والحاكم في «المستدرك»
(2: 608- 609) ، وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه» ، وأقره
الذهبي.
[ (73) ] في (ح) : الأصفهاني.
[ (74) ] في (ص) : اللهم.
[ (75) ] في (ص) : تصبّره.
(1/85)
وَالدَّمِ، فِي مَبْحَثِ الْغُرَابِ، فِي
قَرْيَةِ النَّمْلِ [ (76) ] مُسْتَقْبِلَةً الْأَنْصَابَ الْحُمْرَ.
فَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَمْشِي حَتَّى جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ يَنْتَظِرُ مَا سُمِّيَ لَهُ مِنَ الْآيَاتِ، فَنُحِرَتْ
بَقَرَةٌ بِالْحَزْوَرَةِ [ (77) ] فَانْفَلَتَتْ مِنْ جَازِرِهَا
بِحُشَاشَةِ نَفْسِهَا، حَتَّى غَلَبَهَا الْمَوْتُ فِي الْمَسْجِدِ فِي
مَوْضِعِ زَمْزَمَ. فَنُحِرَتْ تِلْكَ الْبَقَرَةُ فِي مَكَانِهَا حَتَّى
احْتُمِلَ لَحْمُهَا، فَأَقْبَلَ غُرَابٌ يَهْوِي حَتَّى وَقَعَ فِي
الْفَرْثِ، فَبَحَثَ عَنْ قَرْيَةِ النَّمْلِ. فَقَامَ عَبْدُ
الْمُطَّلِبِ، فَحَفَرَ هُنَالِكَ. فَجَاءَتْهُ [ (78) ] قُرَيْشٌ،
فَقَالَتْ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ: مَا هَذَا الصَّنِيعُ؟ إِنَّا لَمْ
نَكُنْ نَزُنُّكَ [ (79) ] بِالْجَهْلِ، لِمَ تَحْفِرُ فِي مَسْجِدِنَا؟
فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: إِنِّي لَحَافِرٌ هَذِهِ البئر، ومجاهد من
ضدّني عَنْهَا.
فَطَفِقَ يَحْفِرُ هُوَ وَابْنُهُ الْحَارِثُ، وَلَيْسَ لَهُ يَوْمَئِذٍ
وَلَدٌ غَيْرُهُ، فَتَسَفَّهَ عَلَيْهِمَا نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ،
فَنَازَعُوهُمَا وَقَاتَلُوهُمَا [ (80) ] . وَتَنَاهَى عَنْهُ أُنَاسٌ
مِنْ قُرَيْشٍ لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ عِتْقِ نَسَبِهِ، وَصِدْقِهِ
وَاجْتِهَادِهِ فِي دِينِهِمْ [ (81) ] يَوْمَئِذٍ، حَتَّى إِذَا أَمْكَنَ
الْحَفْرُ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْأَذَى، نَذَرَ إِنْ وُفِّيَ [ (82) ]
لَهُ عَشَرَةٌ مِنَ الْوَلَدِ أَنْ يَنْحَرُ أَحَدَهُمْ. ثُمَّ حَفَرَ
حَتَّى أَدْرَكَ سُيُوفًا دُفِنَتْ فِي زَمْزَمَ حَيْثُ [ (83) ] دُفِنَتْ.
فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ السُّيُوفَ، قَالُوا: يَا
عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، أَحْذِنَا [ (84) ] مِمَّا وَجَدْتَ. فَقَالَ عَبْدُ
__________
[ (76) ] قرية النمل، شبه مكة وكيف انها غير ذي زرع، ويأتيها رزقها رغدا من
كل مكان، كالنمل لا تحرث ولا تبذر، وتجلب الحبوب إلى قريتها من كل جانب.
[ (77) ] في (ص) : بالجزوّرة. وهو تصحيف، وهي موضع في مكة، عند باب
الحناطين. النهاية في غريب الحديث.
[ (78) ] في (ص) : «فجاءت» .
[ (79) ] نتهمك.
[ (80) ] في (ص) : «فينازعوهما ويقاتلوهما» .
[ (81) ] في (ص) : «دينه» .
[ (82) ] رسمت في (ص) : وفا.
[ (83) ] في (ص) : حين.
[ (84) ] أعطنا.
(1/86)
الْمُطَّلِبِ: إِنَّمَا هَذِهِ السُّيُوفُ
لِبَيْتِ اللهِ. فَحَفَرَ حَتَّى أَنْبَطَ [ (85) ] الْمَاءَ، فَخَرَقَهَا
فِي الْقَرَارِ، ثُمَّ بَحَّرَهَا حَتَّى لَا تُنْزَفَ، ثُمَّ بَنَى
عَلَيْهَا حَوْضًا. فَطَفِقَ هُوَ وَابْنُهُ يَنْزِعَانِ، فَيَمْلَآنِ
ذَلِكَ الْحَوْضَ، فَيَشْرَبُ مِنْهُ الْحَاجُّ، فَيَكْسِرَهُ أُنَاسٌ
حَسَدَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ بِاللَّيْلِ، فَيُصْلِحُهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ
حِينَ يُصْبِحُ. فَلَمَّا أَكْثَرُوا إِفْسَادَهُ [ (86) ] دَعَا عَبْدُ
الْمُطَّلِبِ رَبَّهُ، فَأُرِيَ فِي الْمَنَامِ، فَقِيلَ لَهُ: قُلِ:
اللهُمَّ إِنِّي لَا أُحِلُّهَا لِمُغْتَسِلٍ، وَلَكِنْ هِيَ لِشَارِبٍ
حِلٌّ وَبَلٌّ، ثُمَّ كُفِيتَهُمْ، فَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ حِينَ
اخْتَلَفَتْ قُرَيْشٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَنَادَى بِالَّذِي أُرِيَ، ثُمَّ
انْصَرَفَ. فَلَمْ يَكُنْ يُفْسِدُ حَوْضَهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ قُرَيْشٍ
إِلَّا رُمِيَ فِي جَسَدِهِ بِدَاءٍ، حَتَّى تَرَكُوا حَوْضَهُ
وَسِقَايَتَهُ.
ثُمَّ تَزَوَّجَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ النِّسَاءَ، فَوُلِدَ لَهُ عَشَرَةُ
رَهْطٍ، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ لَكَ نَحْرَ أَحَدِهِمْ،
وَإِنِّي أُقْرِعُ بَيْنَهُمْ فَأَصِبْ بِذَلِكَ مَنْ شِئْتَ. فَأَقْرَعَ
بَيْنَهُمْ، فَصَارَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عبد المطلب،
وَكَانَ أَحَبَّ وَلَدِهِ إِلَيْهِ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: اللهُمَّ
أَهُوَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ؟ ثُمَّ أَقْرَعَ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِائَةِ، فَكَانَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى مِائَةٍ مِنَ
الْإِبِلِ، فَنَحَرَهَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ مَكَانَ عَبْدِ اللهِ.
وَكَانَ عَبْدُ اللهِ أَحْسَنَ من رؤي فِي قُرَيْشٍ قَطُّ [ (87) ] ،
فَخَرَجَ يَوْمًا عَلَى نِسَاءٍ مِنْ قُرَيْشٍ مُجْتَمِعَاتٍ، فَقَالَتِ
امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: يَا نِسَاءَ قُرَيْشٍ، أَيَّتُكُنَّ تَتَزَوَّجُ
هَذَا الْفَتَى فَتَصْطَادَ [ (88) ] النُّورَ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ؟
وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ نُورًا. قَالَ: فَتَزَوَّجَتْهُ آمِنَةُ بِنْتُ
وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، فَجَامَعَهَا، فَحَمَلَتْ
بِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلّم.
__________
[ (85) ] نبع.
[ (86) ] في (هـ) : «فساده» .
[ (87) ] لفظ (قط) سقط من (ص) .
[ (88) ] في (ح) : «فيعاد» .
(1/87)
ثُمَّ بَعَثَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عَبْدَ
اللهِ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَمْتَارُ لَهُ تَمْرًا مِنْ يَثْرِبَ،
فَتُوُفِّيَ بِهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَوَلَدَتْ
آمِنَةُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ [ (89) ]
فِي حِجْرِ جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَاسْتَرْضَعَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ
بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَنَزَلَتْ بِهِ أُمُّهُ الَّتِي تُرْضِعُهُ
سُوقَ عُكَاظَ، فَرَآهُ كَاهِنٌ مِنَ الْكُهَّانِ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ
عُكَاظَ، اقْتُلُوا هَذَا الْغُلَامَ، فَإِنَّ لَهُ مُلْكًا. فَزَاغَتْ [
(90) ] بِهِ أُمُّهُ الَّتِي تُرْضِعُهُ، فَأَنْجَاهُ اللهُ تَعَالَى.
ثُمَّ شَبَّ عِنْدَهَا حَتَّى إِذَا سَعَى وَأُخْتُهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ
تَحْضِنُهُ، جَاءَتْ أُخْتُهُ مِنْ أُمِّهِ الَّتِي تُرْضِعُهُ، فَقَالَتْ:
أَيْ أُمَّتَاهُ، إِنِّي رَأَيْتُ رَهْطًا أَخَذُوا أَخِي الْقُرَشِيَّ
آنِفًا فَشَقُّوا بَطْنَهُ. فَقَامَتْ أُمُّهُ الَّتِي تُرْضِعُهُ فَزِعَةً
حَتَّى تَأْتِيَهُ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ مُنْتَقِعٌ لَوْنُهُ لَا تَرَى
عِنْدَهُ أَحَدًا. فَارْتَحَلَتْ بِهِ [ (91) ] حَتَّى أَقْدَمَتْهُ [ (92)
] عَلَى أُمِّهِ، فَقَالَتْ لَهَا:
اقْبِضِي عَنِّي ابْنَكِ فَإِنِّي قَدْ خَشِيتُ عَلَيْهِ. فَقَالَتْ
أُمُّهُ: لَا وَاللهِ، مَا بِابْنِي مِمَّا تَخَافِينَ [ (93) ] ، لَقَدْ
رَأَيْتُ وَهُوَ فِي بَطْنِي أَنَّهُ خَرَجَ مُعْتَمِدًا عَلَى يَدَيْهِ،
رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ.
فَافْتَصَلَتْهُ أُمُّهُ وَجَدُّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ. ثُمَّ تُوُفِّيَتْ
أُمُّهُ، فَيَتِمَ فِي حِجْرِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَكَانَ وَهُوَ غُلَامٌ
يَأْتِي وِسَادَةَ جَدِّهِ فَيَجْلِسُ عَلَيْهَا، فَيَخْرُجُ جَدُّهُ،
وَقَدْ كَبِرَ، فَتَقُولُ الْجَارِيَةُ الَّتِي تَقُودُ جَدَّهُ: انْزِلْ
عَنْ وِسَادَةِ جَدِّكَ. فَيَقُولُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: دَعُوا ابْنِي،
فَإِنَّهُ يحسّ بخير.
__________
[ (89) ] في (ص) : «وكان» .
[ (90) ] في (ص) و (ح) : «فراغت» .
[ (91) ] سقطت من (هـ) .
[ (92) ] في (هـ) : «حتى إذا أقدمته» .
[ (93) ] في (هـ) : «ما تخافي» .
(1/88)
قَالَ: فَتُوُفِّيَ جَدُّهُ وَرَسُولُ
الله، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، غُلَامٌ، فَكَفَلَهُ أَبُو طَالِبٍ- وَهُوَ
أَخُو عَبْدِ اللهِ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ- فَلَمَّا نَاهَزَ الْحُلُمَ
ارْتَحَلَ بِهِ أَبُو طَالِبٍ تَاجِرًا قِبَلَ الشَّامِ، فَلَمَّا نَزَلَ
تَيْمَاءَ رَآهُ حَبْرٌ مِنْ يَهُودِ تَيْمَاءَ [ (94) ] فَقَالَ لِأَبِي
طَالِبٍ: مَا هَذَا الْغُلَامُ مِنْكَ؟
قَالَ: هُوَ ابْنُ أَخِي. قَالَ: أَشَفِيقٌ أَنْتَ عَلَيْهِ؟ قَالَ:
نَعَمْ. قَالَ: فو الله لَئِنْ قَدِمْتَ بِهِ الشَّامَ لَا تَصِلُ بِهِ
إِلَى أَهْلِكَ أَبَدًا، لَتَقْتُلَنَّهُ الْيَهُودُ، إِنَّ هَذَا
عَدُوُّهُمْ.
فَرَجَعَ بِهِ أَبُو طَالِبٍ مِنْ تَيْمَاءَ إِلَى مَكَّةَ.
فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، الْحُلُمَ،
أَجْمَرَتِ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ الْكَعْبَةَ، فَطَارَتْ شررة مِنْ
مِجْمَرَتِهَا [ (95) ] فِي ثِيَابِ الْكَعْبَةِ، فَاحْتَرَقَتْ، فَوَهَى [
(96) ] الْبَيْتُ لِلْحَرِيقِ الَّذِي أَصَابَهُ، فَتَشَاوَرَتْ قُرَيْشٌ
فِي هَدْمِ الْكَعْبَةِ، وَهَابُوا هَدْمَهَا، فَقَالَ لَهُمُ الْوَلِيدُ
بْنُ الْمُغِيرَةِ: أَتُرِيدُونَ بِهَدْمِهَا الْإِصْلَاحَ؟ أَمْ
تُرِيدُونَ الْإِسَاءَةَ؟ فَقَالُوا:
بَلْ نُرِيدُ الْإِصْلَاحَ. قَالَ: فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى، لَا يُهْلِكُ
الْمُصْلِحَ. وَقَالَتْ: فَمَنْ ذَا الَّذِي يَعْلُوهَا فَيَهْدِمَهَا؟
فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ: أَنَا أَعْلُوهَا فَأَهْدِمُهَا.
فَارْتَقَى الْوَلِيدُ عَلَى ظَهْرِ الْبَيْتِ وَمَعَهُ الْفَأْسُ،
فَقَالَ: اللهُمَّ إِنَّا لَا نُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ. ثُمَّ هَدَمَ.
فَلَمَّا رَأَتْهُ قُرَيْشٌ قَدْ هَدَمَ مِنْهَا وَلَمْ يَأْتِهِمْ مَا
يَخَافُونَ مِنَ الْعَذَابِ هَدَمُوهَا مَعَهُ. حَتَّى إِذَا ابْتَنَوْا،
فَبَلَغُوا مَوْضِعَ الرُّكْنِ اخْتَصَمَتْ قُرَيْشٌ فِي الرُّكْنِ: أَيُّ
الْقَبَائِلِ تَلِي رَفْعَهُ، حَتَّى كَادَ يُشْجَرُ بَيْنَهُمْ،
فَقَالُوا: تَعَالَوْا نُحَكِّمْ أَوَّلَ مَنْ يَطْلُعُ عَلَيْنَا مِنْ [
(97) ] هَذِهِ السِّكَّةِ. فَاصْطَلَحُوا عَلَى ذَلِكَ، فَطَلَعَ رَسُولُ
اللهِ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، وَهُوَ غُلَامٌ، عَلَيْهِ وِشَاحُ [
(98) ] نَمِرَةٍ، فَحَكَّمُوهُ، فَأَمَرَ بِالرُّكْنِ، فَوُضِعَ فِي
ثَوْبٍ، ثم
__________
[ (94) ] في (ح) : «تيمان» .
[ (95) ] من هامش (ص) بخط مغاير: «وهي السقاء» .
[ (96) ] في (ص) : رسمت: «فوها» .
[ (97) ] في (ص) : «في» .
[ (98) ] في (ص) : «وشاحا» بالتثنية.
(1/89)
أَمَرَ سَيِّدَ كُلِّ قَبِيلَةٍ
فَأَعْطَاهُ نَاحِيَةَ الثَّوْبِ، ثُمَّ ارْتَقَى هُوَ، وَأَمَرَهُمْ [
(99) ] أَنْ يَرْفَعُوهُ إِلَيْهِ. فَرَفَعُوا إِلَيْهِ الرُّكْنَ، فَكَانَ
هُوَ يَضَعُهُ.
ثُمَّ طَفِقَ لَا يَزْدَادُ فِيهِمْ عَلَى السِّنِّ إِلَّا رَضًا، حَتَّى
سَمَّوْهُ الْأَمِينَ، قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ.
قَالَ: وَطَفِقُوا لَا يَنْحَرُونَ جَزُورًا لِلْبَيْعِ إِلَّا دَعَوْهُ
لِيَدْعُوَ لَهُمْ فِيهَا.
فَلَمَّا اسْتَوَى وَبَلَغَ أَشُدَّهُ، وَلَيْسَ لَهُ كَثِيرُ مَالٍ،
اسْتَأْجَرَتْهُ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ إِلَى سُوقِ حُبَاشَةَ،
وَهُوَ سُوقٌ بِتِهَامَةَ، وَاسْتَأْجَرَتْ مَعَهُ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُحَدِّثُ
عَنْهَا:
مَا رَأَيْتُ مِنْ صَاحِبَةٍ أَجْيَدَ خَيْرًا مِنْ خَدِيجَةَ، مَا كُنَّا
نَرْجِعُ أَنَا وَصَاحِبِي إِلَّا وَجَدْنَا عِنْدَهَا تُحْفَةً مِنْ
طَعَامٍ تَخْبَؤُهُ [ (100) ] لَنَا.
قَالَ: فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ سُوقِ حُبَاشَةَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ،
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْتُ لِصَاحِبِي: انْطَلِقْ بِنَا
نَتَحَدَّثْ مَعًا [ (101) ] عِنْدَ خَدِيجَةَ، فَجِئْنَاهَا. فَبَيْنَمَا
نَحْنُ عِنْدَهَا إِذْ دَخَلَتْ عَلَيْنَا مُنْشِيَةٌ مِنْ مُوَلِّدَاتِ
قُرَيْشٍ- وَفِي رِوَايَةٍ مُسْتَنْشِيَةٌ [ (102) ] ، وَهِيَ الْكَاهِنَةُ
مِنْ مُوَلِّدَاتِ قُرَيْشٍ- فَقَالَتْ: أَمُحَمَّدٌ هَذَا؟ وَالَّذِي
يُحْلَفُ بِهِ إِنْ جَاءَ لَخَاطِبًا. قَالَ: قُلْتُ: كَلَّا. قَالَ:
فَلَمَّا خَرَجْتُ أَنَا وَصَاحِبِي، قَالَ لِي: أَمِنْ خِطْبَةِ خَدِيجَةَ
تستحي؟ فو الله مَا مِنْ قُرَشِيَّةٍ إِلَّا تَرَاكَ [ (103) ] لَهَا
كُفُؤًا. قَالَ:
فَرَجَعْتُ أَنَا وَصَاحِبِي مَرَّةً أُخْرَى. قَالَ: فَدَخَلَتْ عَلَيْنَا
تِلْكَ الْمُنْشِيَةُ، فقالت:
__________
[ (99) ] في (هـ) : «وأمره» .
[ (100) ] في (ص) : «تخبأه» .
[ (101) ] في (ص) : بدون (معا) .
[ (102) ] في (ص) «المنتشئة» ، والمستنشئة: الكاهنة.
[ (103) ] في (ص) : نراك.
(1/90)
أَمُحَمَّدٌ هَذَا؟ وَالَّذِي يُحْلَفُ
بِهِ إِنْ جَاءَ لَخَاطِبًا فَقُلْتُ عَلَى حَيَاءٍ: أَجَلْ. قَالَ:
فَلَمْ تَعْصِنِي [ (104) ] خَدِيجَةُ وَلَا أُخْتُهَا، فَانْطَلَقَتْ
إِلَى أَبِيهَا: خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ وَهُوَ ثَمِلٌ مِنَ الشَّرَابِ،
فَقَالَتْ لَهُ: هَذَا ابْنُ أَخِيكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ
عَبْدِ المطلب يَخْطُبُ خَدِيجَةَ، وَقَدْ رَضِيَتْ خَدِيجَةُ. فَدَعَاهُ،
فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَخَطَبَ إِلَيْهِ، فَأَنْكَحَهُ. قَالَ:
فَخَلَّقَتْ [ (105) ] خَدِيجَةُ أَبَاهَا، وَحَلَّتْ عَلَيْهِ حُلَّةً،
فَدَخَلَ عَلَيْهِ بِهَا رَسُولُ اللهِ، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَلَمَّا صَحَا [ (106) ] الشَّيْخُ مِنْ سُكْرِهِ، قَالَ: مَا هَذَا
الْخَلُوقُ وَمَا هَذِهِ الْحُلَّةُ؟ قَالَتْ أُخْتُ خَدِيجَةَ: هَذِهِ
حُلَّةٌ كَسَاكَهَا ابْنُ أَخِيكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ، أَنْكَحْتَهُ خَدِيجَةَ، وَقَدْ بَنَى بِهَا. فَأَنْكَرَ
الشَّيْخُ. ثُمَّ صَارَ إِلَى أَنْ سَلَّمَ ذَلِكَ وَاسْتَحْيَا. قَالَ:
فَطَفِقَتْ رُجَّازٌ [ (107) ] مِنْ رُجَّازِ قُرَيْشٍ، تَقُولُ:
لَا تَزْهَدِي خَدِيجُ فِي مُحَمَّدِ ... جَلْدٌ يُضِيءُ كَإِضَاءِ
الْفَرْقَدِ
فَلَبِثَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، مَعَ خَدِيجَةَ حَتَّى
وَلَدَتْ لَهُ بَعْضَ بَنَاتِهِ، وَكَانَ لَهُ وَلَهَا: الْقَاسِمُ.
وَقَدْ زَعَمَ «بَعْضُ الْعُلَمَاءِ» أَنَّهَا وَلَدَتْ لَهُ غُلَامًا
يُسَمَّى: الطاهر.
وقال «بَعْضُهُمْ» : مَا نَعْلَمُهَا وَلَدَتْ غُلَامًا [ (108) ] إِلَّا
الْقَاسِمَ، وَوَلَدَتْ بَنَاتِهِ الْأَرْبَعَ: زَيْنَبَ، وَفَاطِمَةَ،
وَرُقَيَّةَ، وَأُمَّ كلثوم.
__________
[ (104) ] في (ص) : «يفض» .
[ (105) ] أي «طيبت» .
[ (106) ] رسمت في (ص) : «صحى» .
[ (107) ] في (هـ) : فطفقت وطفق رجاز ... » .
[ (108) ] (غلاما) : ليست في (ح) .
(1/91)
وَطَفِقَ [ (109) ] رَسُولُ اللهِ، صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعْدَ مَا وَلَدَتْ بَعْضَ بَنَاتِهِ يُحَبَّبُ
إِلَيْهِ الْخَلَاءُ.
قُلْتُ: هَذَا الْحَدِيثُ عَنِ الزُّهْرِيِّ-[رَحِمَنَا اللهُ وَإِيَّاهُ]
[ (110) ]- يَجْمَعُ بَيَانَ أَحْوَالٍ مِنْ أَحْوَالِ رَسُولِ اللهِ، صلى
الله عليه وَسَلَّمَ، إِلَّا أَنَّهُ عَلَى مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ
تَقَدُّمِ عَامِ الْفِيلِ عَلَى وِلَادَةِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ غَيْرِهِ: أَنَّ وِلَادَةَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَتْ عَامَ الْفِيلِ، فَسَبِيلُنَا أَنْ نَبْدَأَ
فِي شَوَاهِدِ مَا رَوَيْنَا عَنِ الزُّهْرِيِّ بِحَدِيثِ زَمْزَمَ:
__________
[ (109) ] في (ص) : «فطفق» .
[ (110) ] سقطت هذه العبارة بين الحاصرتين من (ح) .
(1/92)
|