دلائل النبوة للبيهقي محققا

بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِ سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنَ هَاشِمٍ [ (1) ] بِمَا يَكُونُ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ
أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ: مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرَوَيْهِ بْنِ أَحْمَدَ الْمَرْوَزِيُّ، بِنَيْسَابُورَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ الْمَعَافِرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَزَنَ الْحِمْيَرِيُّ:
إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُفَيْرٍ، [ (2) ] عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُفَيْرِ بْنِ زُرْعَةَ بْنِ سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ، قَالَ: حَدَّثَني عَمِّي: أَحْمَدُ بْنُ حُبَيْشِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عُفَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي زُرْعَةُ بْنُ سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ، قَالَ:
لَمَّا ظَهَرَ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ عَلَى الْحَبَشَةِ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَوْلِدِ النَّبِيِّ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، بِسَنَتَيْنِ أَتَوْهُ [ (3) ] وُفُودُ الْعَرَبِ وأَشْرَافُهَا وَشُعَرَاؤُهَا لِتُهَنِّئَهُ، وَتَذْكُرُ مَا كَانَ مِنْ بَلَائِهِ وَطَلَبِهِ بِثَأْرِ قَوْمِهِ. وَأَتَاهُ وَفْدُ قُرَيْشٍ مِنْهُمْ: عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ، وَأُمَيَّةُ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جُدْعَانَ، وَأَسَدُ [ (4) ] بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى، وَوَهْبُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ، وَقُصَيُّ بْنُ عَبْدِ الدَّارِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ آذِنُهُ وَهُوَ فِي رَأْسِ قَصْرٍ يُقَالُ له: غمدان،
__________
[ (1) ] في (هـ) : «مع عبد المطلب» .
[ (2) ] في (ص) و (م) : «بن» .
[ (3) ] في الدلائل لأبي نعيم: أتته.
[ (4) ] في (هـ) : «أشد» .

(2/9)


وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ فِيهِ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ الثّقفي [ (5) ] .
اشْرَبْ هَنِيئًا عَلَيْكَ التَّاجُ مُرْتَفِقَا ... فِي رَأْسِ غُمْدَانَ دَارًا مِنْكَ مِحْلَالَا [ (6) ]
وَاشْرَبْ هَنِيئًا فَقَدْ شَالَتْ نَعَامَتُهُمْ ... وَأَسْبِلِ الْيَوْمَ فِي بُرْدَيْكَ إِسْبَالَا [ (7) ]
تِلْكَ الْمَكَارِمُ لَا قَعْبَانِ مِنْ لَبَنٍ ... شِيبَا بِمَاءٍ فَعَادَا- بَعْدُ- أَبْوَالَا [ (8) ]
قَالَ: وَالْمَلِكُ مُتَضَمِّخٌ بِالْعَبِيرِ يَلْصِفُ وَبِيصُ [ (9) ] الْمِسْكِ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ، وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ مُرْتَدِيًا بِأَحَدِهِمَا مُتَّزِرًا بِالْآخَرِ، سَيْفُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَعَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ الْمُلُوكُ وَالْمَقَاوِلُ، فَأُخْبِرَ بِمَكَانِهِمْ فَأَذِنَ لَهُمْ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، [وَدَنَا] [ (10) ] مِنْهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْكَلَامِ فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ بَيْنَ يَدَيِ الْمُلُوكِ فَقَدْ أَذِنَّا لَكَ.
فَقَالَ: إِنَّ اللهَ، عَزَّ وَجَلَّ، أَحَلَّكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ مَحَلًّا رَفِيعًا شَامِخًا بَاذِخًا مَنِيعًا وَأَنْبَتَكَ نَبَاتًا طَابَتْ أَرُومَتُهُ، وَعَظُمَتْ جُرثُومَتُهُ، وَثَبَتَ أَصْلُهُ وَبَسَقَ فَرْعُهُ، في
__________
[ (5) ] الأبيات في سيرة ابن هشام (1: 69) من قصيدة مطلعها:
ليطلب الوتر أمثال ابن ذي يزن ... ريّم في البحر للأعداء أحوالا
[ (6) ] (غمدان) : قصر عجيب الصمعة بين صنعاء وطيوة، وقال السهيلي: قصرا أسسه يعرب قحطان.
[ (7) ] شالت نعامتهم: أي هلكوا، يقال: شالت نعامة الرجل إذا مات، والإسبال: إرخاء الثوب، وهو من فعل المختالين ذوي الإعجاب بأنفسهم.
[ (8) ] «قعبان» تثنية قعب، وهو قدح يحلب فيه، وقد جاء في قوله «لا قعبان» على لغة قديمة للعرب، كانوا يلزمون المثنى الألف في الأحوال كلها، و «شيبا» خلطا ومزجا.
قال ابن هشام: «تِلْكَ الْمَكَارِمُ لَا قَعْبَانِ من لبن.. هذا البيت في آخرها للنابغة الجعدي وَاسْمُهُ: عَبْدُ اللهِ بْنُ قيس» .
قلت: الأبيات في معجم البلدان لياقوت في الكلام على غمدان، وفي خزانة الأدب نسبة هذا البيت لأبي الصلت.
[ (9) ] وبيص: بريق.
[ (10) ] في (م) و (ص) : «فدنا» .

(2/10)


أَطْيَبِ مَوْضِعٍ وَأَكْرَمِ مَعْدِنٍ، وَأَنْتَ- أَبَيْتَ اللَّعْنَ- مَلِكُ الْعَرَبِ الَّذِي لَهُ تَنْقَادُ، وَعَمُودُهَا الَّذِي عَلَيْهِ الْعِمَادُ، وَمعْقِلُهَا الَّذِي يَلْجَأُ إِلَيْهِ الْعِبَادُ، سَلَفُكَ خَيْرُ سَلَفٍ، وَأَنْتَ لَنَا مِنْهُمْ خَيْرُ خَلَفٍ فَلَنْ يَهْلِكَ ذِكْرُ مَنْ أَنْتَ خَلْفُهُ، وَلَنْ يَخْمُلَ ذِكْرُ مَنْ أَنْتَ سَلَفُهُ. نَحْنُ أَهْلُ حَرَمِ اللهِ [تَعَالَى] [ (11) ] وَسَدَنَةُ بَيْتِ اللهِ، أَشْخَصَنَا إِلَيْكَ الَّذِي أَبْهَجَنَا مِنْ كَشْفِكَ الْكَرْبَ الَّذِي فَدَحَنَا، فَنَحْنُ وَفْدُ التَّهْنِئَةِ لَا وَفْدُ الْمَرْزَأَةِ.
قَالَ لَهُ الْمَلِكُ: وَمَنْ أَنْتَ أَيُّهَا الْمُتَكَلِّمُ؟ قَالَ: أَنَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ:
قَالَ: ابْنُ أُخْتِنَا. قَالَ: نَعَمْ. قال: أذنه، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْقَوْمِ، فَقَالَ:
مَرْحَبًا وَأَهْلًا- وَأَرْسَلَهَا مَثَلًا، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ بِهَا- وَنَاقَةً وَرَحْلًا، وَمُسْتَنَاخًا سَهْلًا، وَمَلِكًا رِبَحْلًا: يُعْطِي عَطَاءً جَزْلًا، قَدْ سَمِعَ الْمَلِكُ مَقَالَتَكُمْ، وَعَرَفَ قَرَابَتَكُمْ، وَقَبِلَ وَسِيلَتَكُمْ، فَإِنَّكُمْ أَهْلُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَلَكُمُ الْكَرَامَةُ مَا أَقَمْتُمْ، وَالْحِبَاءُ إِذَا ظَعَنْتُمْ.
ثُمَّ أُنْهِضُوا إِلَى دَارِ الضِّيَافَةِ وَالْوُفُودِ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِمُ الْأَنْزَالُ فَأَقَامُوا بِذَلِكَ شَهْرًا لَا يَصِلُونَ إليه، ولا يؤذون لَهُمْ فِي الِانْصِرَافِ. ثُمَّ انْتَبَهَ لَهُمُ انْتِبَاهَةً، فَأَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَدْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ إِنِّي مُفْضٍ إِلَيْكَ مِنْ سِرِّ عِلْمِي أَمْرًا لَوْ غَيْرُكَ يَكُونُ لَمْ أَبُحْ لَهُ بِهِ، وَلَكِنِّي رَأَيْتُكَ مَعْدِنَهُ فَأَطْلَعْتُكَ طَلْعَهُ، فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ مَخْبِيًّا حَتَّى يَأْذَنَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ: إِنِّي أَجِدُ فِي الْكِتَابِ الْمَكْنُونِ، وَالْعِلْمِ الْمَخْزُونِ، الَّذِي ادَّخَرْنَاهُ لِأَنْفُسِنَا واحْتَجَبْنَاهُ دُونَ غَيْرِنَا- خَبَرًا [ (12) ] عَظِيمًا وَخَطَرًا جَسِيمًا. فِيهِ شَرَفُ الْحَيَاةِ، وَفَضِيلَةُ الْوَفَاةِ، لِلنَّاسِ عَامَّةً، وَلِرَهْطِكَ كَافَّةً، وَلَكَ خَاصَّةً.
فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ [ (13) ] : مَثَلُكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ سَرٌّ وَبَرٌّ، فَمَا هُوَ فداك أهل
__________
[ (11) ] ليست في (ص) و (م) .
[ (12) ] في (هـ) : خيرا.
[ (13) ] في (م) و (ص) : «فقال عبد المطلب» .

(2/11)


الْوَبَرِ زُمَرًا بَعْدَ زُمَرٍ؟
قَالَ: إِذَا وُلِدَ بِتِهَامَةَ، غُلَامٌ بَيْنَ كَتِفَيْهِ شَامَةٌ. كَانَتْ لَهُ الْإِمَامَةُ، وَلَكُمْ بِهِ الزَّعَامَةُ، إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، [لَقَدْ] [ (14) ] أُبْتُ بِخَيْرٍ مَا آبَ بِمِثْلِهِ وَافِدُ قَوْمٍ.
وَلَوْلَا هَيْبَةُ الْمَلِكِ، وَإِجْلَالُهُ وَإِعْظَامُهُ، لَسَأَلْتُهُ من سراره [ (15) ] إياي ومَا ازْدَادَ سُرُورًا.
قَالَ لَهُ الْمَلِكُ: هَذَا حِينُهُ الَّذِي يُولَدُ فِيهِ، أَوَقَدْ وُلِدَ، اسْمُهُ مُحَمَّدٌ: يَمُوتُ أَبُوهُ وَأُمُّهُ، وَيَكْفُلُهُ جَدُّهُ وَعَمُّهُ، قَدْ وَلَدْنَاهُ مِرَارًا، وَاللهُ بَاعِثُهُ جِهَارًا، وَجَاعِلٌ لَهُ مِنَّا أَنْصَارًا، يُعِزُّ بِهِمْ أَوْلِيَاءَهُ وَيُذِلُّ بِهِمْ أَعْدَاءَهُ، وَيَضْرِبُ بِهِمُ النَّاسَ عَنْ عُرُضٍ، وَيَسْتَفْتِحُ بِهِمْ كَرَائِمَ أَهْلِ الْأَرْضِ يَعْبُدُ الرَّحْمَنَ، وَيَدْحَضُ- أَوْ يَدْحَرُ- الشَّيْطَانَ، وَيُخْمِدُ النِّيرَانَ، وَيَكْسِرُ الْأَوْثَانَ، قَوْلُهُ فَصْلٌ، وَحُكْمُهُ عَدْلٌ، وَيَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَفْعَلُهُ، وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُبْطِلُهُ.
قَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: عَزَّ جَدُّكَ، وَدَامَ مُلْكُكَ، وَعَلَا كَعْبُكَ، فَهَلِ الْمَلِكُ سَارَّنِي بِإِفْصَاحٍ، فَقَدْ وَضَّحَ لِي بَعْضَ الْإِيضَاحِ.
قَالَ لَهُ الْمَلِكُ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ: وَالْبَيْتِ ذِي الْحُجُبْ، وَالْعَلَامَاتِ عَلَى النُّقُبْ، إِنَّكَ لَجَدُّهُ يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبْ، غَيْرَ [ذِي] [ (16) ] كَذِبْ.
قَالَ: فَخَرَّ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ سَاجِدًا [لَهُ] [ (17) ] ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ ذِي يَزَنَ: ارفع
__________
[ (14) ] الزيادة من (م) .
[ (15) ] في (م) و (ص) : «سارّه» .
[ (16) ] الزيادة من (هـ) .
[ (17) ] الزيادة من (هـ) .

(2/12)


رَأْسَكَ ثَلِجَ صَدْرُكَ، وَعَلَا كَعْبُكَ، فَهَلْ أَحْسَسْتَ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْتُ لَكَ؟
قَالَ: نَعَمْ أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّهُ كَانَ لِي ابْنٌ، وَكُنْتُ بِهِ مُعْجَبًا، وَعَلَيْهِ رَفِيقًا، وَإِنِّي زَوَّجْتُهُ كَرِيمَةً، مِنْ كَرَائِمِ قَوْمِي: آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، فَجَاءَتْ بِغُلَامٍ فَسَمَّيْتُهُ مُحَمَّدًا، مَاتَ أَبُوهُ وَأُمُّهُ، وَكَفُلْتُهُ أَنَا وَعَمُّهُ.
قَالَ لَهُ ابْنُ ذِي يَزَنَ: إِنَّ الَّذِي قُلْتُ لَكَ كَمَا قُلْتُ، فَاحْفَظْهُ [ (18) ] ، وَاحْذَرْ عَلَيْهِ مِنَ الْيَهُودِ، فَإِنَّهُمْ لَهُ أَعْدَاءٌ، وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُمْ عَلَيْهِ سَبِيلًا وَاطْوِ مَا ذَكَرْتُ لَكَ دُونَ هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ الَّذِينَ مَعَكَ، فَإِنِّي لَسْتُ آمَنُ أَنْ تَتَدَاخَلُهُمُ. النَّفَاسَةُ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكُمُ الرِّئَاسَةُ فَيَنْصِبُونَ لَهُ الْحَبَائِلَ، وَيَبْغُونَ لَهُ الْغَوَائِلَ، وَإِنَّهُمْ [ (19) ] فَاعِلُونَ ذَلِكَ، أَوْ أَبْنَاؤُهُمْ غَيْرَ شَكٍّ، وَلَوْلَا أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْتَ مُجْتَاحِي قَبْلَ مَبْعَثِهِ لَسِرْتُ بِخَيْلِي وَرَجْلِي حَتَّى أُصَيِّرَ يَثْرِبَ [ (20) ] دَارَ مُلْكِي، فَإِنِّي أَجِدُ فِي الْكِتَابِ النَّاطِقِ، وَالْعِلْمِ السَّابِقِ: أَنَّ يَثْرِبَ اسْتِحْكَامُ أَمْرِهِ، وَأَهْلُ نُصْرَتِهِ، وَمَوْضِعُ قَبْرِهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أَقِيهِ الْآفَاتِ، وَأَحْذَرُ عَلَيْهِ الْعَاهَاتِ، لَأَعْلَنْتُ عَلَى حَدَاثَةِ سِنِّهِ أَمْرَهُ، وَلَأَوْطَأْتُ عَلَى أَسْنَانِ الْعَرَبِ كَعْبَهُ، وَلَكِنْ سَأَصْرِفُ ذَلِكَ إِلَيْكَ عَنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ بِمَنْ مَعَكَ.
ثُمَّ دَعَا بِالْقَوْمِ، فَأَمَرَ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِعَشَرَةِ أَعْبُدٍ سُودٍ، وَعَشْرِ إِمَاءٍ سُودٍ، وَحُلَّتَيْنِ مِنْ حُلَلِ الْبُرُودِ، وَخَمْسَةِ أَرْطَالٍ ذَهَبٍ، وَعَشَرَةِ أَرْطَالِ فِضَّةٍ، وَمِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ، وَكَرِشٍ مَمْلُوءٍ [ (21) ] عَنْبَرًا، وَأَمَرَ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِعَشَرَةِ أَضْعَافِ ذَلِكَ، وَقَالَ: إِذَا حَالَ الْحَوْلُ فَأْتِنِي بِخَبَرِهِ [ (22) ] ، وَمَا يَكُونُ مِنْ أَمْرِهِ.
__________
[ (18) ] العبارة من (هـ) . وجاء في (ح) و (م) و (ص) : «فاحتفظ من ابنك» .
[ (19) ] في (م) و (ص) : «وهم» .
[ (20) ] في (م) و (ص) : «حتى أصيّر بيثرب» .
[ (21) ] في (هـ) : «مملوءة» .
[ (22) ] في (هـ) رسمت: «فائتني» .

(2/13)


قَالَ: فَمَاتَ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ. قَالَ: فَكَانَ كَثِيرًا مِمَّا يَقُولُ [ (23) ] عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، لَا يَغْبِطُنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ بِجَزِيلِ عَطَاءِ الْمَلِكِ وَإِنْ كَثُرَ، فَإِنَّهُ إِلَى نَفَادٍ، وَلَكِنْ يَغْبِطُنِي بِمَا يَبْقَى لِي وَلِعَقِبِي ذِكْرُهُ وَفَخْرُهُ.
فَإِذَا قِيلَ: وَمَا هو؟ قال: سَيُعْلَمُ مَا أَقُولُ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ.
وَقَالَ أُمَيَّةُ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ فِي مَسِيرِهِمْ إِلَى سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ أَبْيَاتًا ذَكَرَهَا.
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ أيضا عن الكبي، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [ (24) ] .
__________
[ (23) ] فِي (ح) : «كثيرا ما يقول» .
[ (24) ] الخبر في دلائل النبوة لأبي نعيم (52- 60) ، ورواه ابن كثير في «البداية والنهاية» (2: 330) .

(2/14)


بَابُ مَا جَاءَ فِي اسْتِسْقَاءِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ وَمَا ظَهَرَ فِيهِ مِنْ آيَاتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ [ (1) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: حُمَيْدُ [بْنُ] [ (2) ] الْخَلَّالِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ، عَنِ ابْنِ حُويِّصَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ، عَنْ أُمِّهِ: رُقَيْقَةَ بِنْتِ صَيْفِيٍّ، وَكَانَتْ لِدَةَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَتْ [ (3) ] : تَتَابَعَتْ عَلَى قُرَيْشٍ سِنُونَ جَدْبَةٌ أَقْحَلَتِ الْجِلْدَ، وَأَرَقَّتِ الْعَظْمَ، قَالَتْ: فَبَيْنَا أَنَا وَمَعِي صِنْوِي أَصْغَرُ مِنِّي [ (4) ] مَعَنَا بَهْمَاتٌ لَنَا وَرُبًى [ (5) ] وَأَعْبُدٌ يَرُدُّونَ عَلَيَّ السِّجف، فَبَيْنَا أَنَا رَاقِدةٌ اللهُمَّ أَوْ مُهَوِّمَةٌ [ (6) ] إِذَا أَنَا بِهَاتِفٍ صَيِّتٍ يَصْرُخُ بِصَوْتٍ صَحِلٍ [ (7) ] يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّ هَذَا النّبيّ مبعوث
__________
[ (1) ] في (م) و (ص) : أَبُو مُحَمَّدٍ: أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ.
[ (2) ] ليست في (م) و (ص) .
[ (3) ] في (هـ) : «قال» .
[ (4) ] في (م) و (ص) : «منّا» .
[ (5) ] في (هـ) : رسمت: «ورباء» .
[ (6) ] التهويم: أول النوم.
[ (7) ] الصوت الصحل: الذي فيه بحة.

(2/15)


مِنْكُمْ، وَهَذَا إِبَّانَ مَخْرَجِهِ، فَحَيْهَلَا [ (8) ] بِالْخَيْرِ وَالْخِصْبِ، أَلَا فَانْظُرُوا مِنْكُمْ رَجُلًا طُوَالًا عُظَامًا، أَبْيَضَ بَضًّا أَشَمَّ الْعِرْنِينِ، لَهُ فَخْرٌ يَكْظِمُ [ (9) ] عَلَيْهِ، وَسُنَّةٌ تَهْدِي إِلَيْهِ، أَلَا، فَلْيَخْلُصْ هُوَ وَوَلَدُهُ، وَلْيَدْلِفْ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ بَطْنٍ رَجُلٌ. أَلَا فَلْيُسْقُوا مِنَ الْمَاءِ [ (10) ] ، وَلْيَمَسُّوا مِنَ الطِّيبِ، وَلْيَسْتَلِمُوا الرُّكْنَ، وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ سَبْعًا، ثُمَّ لِيَرْتَقُوا أَبَا قُبَيْسٍ فَلْيَسْتَسْقِ الرَّجُلُ وَلْيُؤَمِّنِ الْقَوْمُ أَلَا وَفِيهِمُ الطَّاهِرُ وَالطَّيِّبُ لِذَاتِهِ، وَإِلَّا فَغِثْتُمْ إِذًا مَا شِئْتُمْ وَعِشْتُمْ.
قَالَتْ: فَأَصْبَحْتُ- عَلِمَ الله- مفؤودة [ (11) ] مَذْعُورَةً، قَدْ قَفَّ جِلْدِي وَوَلِهَ عَقْلِي، فَاقْتَصَصْتُ رُؤْيَايَ، فَنِمْتُ فِي شِعَابِ مَكَّةَ، فو الحرمة وَالْحَرَمِ إِنْ بَقِيَ بِهَا أَبْطَحِيٌّ إِلَّا قَالَ: هَذَا شَيْبَةُ الْحَمْدِ، هَذَا شَيْبَةُ. وَتَتَمَّتْ [ (12) ] عِنْدَهُ قُرَيْشٌ، وَانْقَضَّ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ بَطْنٍ رَجُلٌ فَشَنُّوا وَطَيَّبُوا واسْتَلَمُوا وَطَافُوا، ثُمَّ ارْتَقَوْا أَبَا قُبَيْسٍ وَطَفِقَ الْقَوْمُ يَدِفُّونَ [ (13) ] حَوْلَهُ مَا إِنْ يُدْرِكَ سَعْيُهُمْ مَهَلَهُ حَتَّى قَرَّ لِذِرْوَتِهِ، فَاسْتَكَنُّوا [ (14) ] جَنَابَيْهِ، وَمَعَهُمْ [ (15) ] رسول الله، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ! وَهُوَ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ قَدْ أَيْفَعَ أَوْ كَرَبَ [ (16) ] ، فَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ: اللهُمَّ سَادَّ الْخَلَّةِ، وَكَاشِفَ الْكُرْبَةِ، أَنْتَ عَالِمٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ، وَمَسْئُولٌ غَيْرُ مُنَجَّلٍ [ (17) ] ، وَهَذِهِ عُبَدَاؤُكَ وَإِمَاؤُكَ عَذِرَاتُ [ (18) ] حرمك، يشكون
__________
[ (8) ] في (م) : فحيّ هلا.
[ (9) ] أي لا يبديه.
[ (10) ] في (م) و (هـ) : «فليشنّوا من الماء» وفي (ص) : «فليشربوا» .
[ (11) ] في (هـ) : رسمت: مفئودة.
[ (12) ] في (م) و (ص) : «وتتأمّت» .
[ (13) ] في (هـ) : «يرفون» .
[ (14) ] في (م) و (ص) : «فاستكفّوا» .
[ (15) ] في (م) و (ص) : «ومعه» .
[ (16) ] كرب: دنا.
[ (17) ] في (م) و (ص) : «مبخّل» .
[ (18) ] في (هـ) : «بعرات» ، مصحفة، والعذرة: فناء البيت.

(2/16)


إِلَيْكَ سَنَتَهُمُ الَّتِي قَدْ أَقْحَلَتِ الظِّلْفَ [ (19) ] وَالْخُفَّ. فَاسْمَعَنَّ اللهُمَّ وَأَمْطِرَنَّ غَيْثًا مَرِيعًا مُغْدِقًا. فَمَا رَامُوا الْبَيْتَ حَتَّى انْفَجَرَتِ السَّمَاءُ بِمَائِهَا. وَكَظَّ [ (20) ] الْوَادِي بِثَجِيجِهِ [ (21) ] ، فَلَسَمِعْتُ شِيخَانَ قُرَيْشٍ وَهِيَ تَقُولُ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ: هَنِيئًا لَكَ أَبَا الْبَطْحَاءِ هَنِيئًا. أَيْ بِكَ عَاشَ أَهْلُ الْبَطْحَاءِ. وَفِي ذَلِكَ تَقُولُ رُقَيْقَةُ:
بِشَيْبَةِ الْحَمْدِ أَسْقَى اللهُ بَلْدَتَنَا ... وَقَدْ فَقَدْنَا الْحَيَا وَاجْلَوَّذَ [ (22) ] الْمَطَرُ
فَجَادَ بِالْمَاءِ جَوْنِيٌّ [ (23) ] لَهُ سُبُلٌ ... دَانٍ فَعَاشَتْ بِهِ الْأَمْصَارُ وَالشَّجَرُ
سَيْلٌ مِنَ اللهِ بِالْمَيْمُونِ طَائِرُهُ ... وَخَيْرُ مَنْ بُشِّرَتْ يَوْمًا بِهِ مُضَرُ
مُبَارَكُ الْأَمْرِ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِهِ ... مَا فِي الْأَنَامِ لَهُ عَدْلٌ وَلَا خَطَرُ
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا، قَالَ: حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ الْبَكَّائِيُّ [ (24) ] ، قَالَ: حَدَّثَنِي زَحْرُ بْنُ حِصْنٍ، عَنْ جَدِّهِ حُمَيْدِ بْنِ مُنْهِبٍ، قَالَ:
قَالَ عَمِّي عُرْوَةُ بْنُ مُضَرِّسِ بْنِ أَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لَأْمٍ، يُحَدِّثُ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ أُمِّهِ رُقَيْقَةَ بِنْتِ أَبِي صَيْفِيِّ بْنِ هَاشِمٍ، وَكَانَتْ لِدَةَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَتْ:
تَتَابَعَتْ عَلَى قُرَيْشٍ سِنُونَ أَقْحَلَتِ الضَّرْعَ، وَأَرَقَّتِ الْعَظْمَ، فَبَيْنَمَا أَنَا قَائِمَةٌ اللهُمَّ أَوْ مُهَوِّمَةٌ، إِذَا هَاتِفٌ يَصْرُخُ بِصَوْتٍ صَحِلٍ، يَقُولُ: مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إن هذا
__________
[ (19) ] الماشية.
[ (20) ] في (ح) : «وكض» وفي (هـ) : «وحط» .
[ (21) ] السّيل.
[ (22) ] اجلوذّ المطر ذهب.
[ (23) ] الجوني: السحاب.
[ (24) ] في (هـ) : الطائي.

(2/17)


النَّبِيَّ الْمَبْعُوثَ مِنْكُمْ قَدْ أَظَلَّتْكُمْ [ (25) ] أَيَّامُهُ، وَهَذَا إِبَّانُ نُجُومِهِ فَحَيَّ هَلَا بِالْحَيَا وَالْخِصْبِ. أَلَا فَانْظُرُوا رَجُلًا مِنْكُمْ وَسِيطًا عُظَامًا جُسَامًا، أَبْيَضَ بَضًّا، أَوْطَفَ الْأَهْدَابِ، سَهْلَ الْخَدَّيْنِ، أَشَمَّ الْعِرْنِينِ، لَهُ فَخْرٌ يَكْظِمُ عَلَيْهِ وَسُنَّةٌ، تَهْدِي [ (26) ] إِلَيْهِ، فَلْيَخْلُصْ هُوَ وَوَلَدُهُ وَلْيَهْبِطْ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ بَطْنٍ رَجُلٌ، فَلْيَشُنُّوا مِنَ الْمَاءِ وَلْيَمَسُّوا مِنَ الطِّيبِ، ثُمَّ لِيَتَسَلَّمُوا الرُّكْنَ، ثُمَّ لِيَرْتَقُوا أَبَا قُبَيْسٍ، فَلْيَسْتَسْقِ الرَّجُلُ وَلْيُؤَمِّنِ الْقَوْمُ، فَغِثْتُمْ [ (27) ] مَا شِئْتُمْ. فَأَصْبَحْتُ- عَلِمَ اللهُ- مَذْعُورَةً، قَدِ اقْشَعَرَّ جِلْدِي، وَوَلِهَ عقلي، واقتصصت [ (28) ] رؤياي، فو الحرمة وَالْحَرَمِ مَا بَقِيَ بِهَا أَبْطَحِيٌّ إِلَّا قَالُوا: هَذَا شَيْبَةُ الْحَمْدِ. وَتَتَامَّتْ إِلَيْهِ رِجَالَاتُ قُرَيْشٍ، وَهَبَطَ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ بَطْنٍ رَجُلٌ، فَشَنُّوا وَمَسُّوا واسْتَلَمُوا، ثُمَّ ارْتَقَوْا أَبَا قُبَيْسٍ، وَطَفِقُوا جَنَابَيْهِ مَا يَبْلُغُ سَعْيُهُمْ مَهَلَهُ، حَتَّى إِذَا اسْتَوَى بِذِرْوَةِ الْجَبَلِ قَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَمَعَهُ رَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، غُلَامٌ قَدْ أَيْفَعَ أَوْ كَرَبَ فَقَالَ: اللهُمَّ سَادَّ الْخَلَّةِ وَكَاشِفَ الْكُرْبَةِ، أَنْتَ مُعَلِّمٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ، وَمَسْئُولٌ غَيْرُ مُنَجَّلٍ [ (29) ] ، وَهَذِهِ عُبَدَاؤُكَ وَإِمَاؤُكَ، بِعَذِرَاتِ حَرَمِكَ، يَشْكُونَ إِلَيْكَ سَنَتَهُمْ، أَذْهَبَتِ الْخُفَّ وَالظِّلْفَ اللهُمَّ فَأَمْطِرْنَا غيثا مغدقا مريعا. فو الكعبة مَا رَامُوا حَتَّى تَفَجَّرَتِ السَّمَاءُ بِمَائِهَا وَاكْتَظَّ الْوَادِي بِثَجِيجِهِ فَتَسَمَّعَتْ [ (30) ] شِيخَانُ قُرَيْشٍ وَجِلَّتُهَا: عَبْدُ اللهِ بْنُ جُدْعَانَ، وَحَرْبُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَهِشَامُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، يَقُولُونَ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ: هَنِيئًا لَكَ أَبَا الْبَطْحَاءِ، أَيْ عَاشَ بِكَ أَهْلُ الْبَطْحَاءِ، وَفِي ذَلِكَ مَا تَقُولُ رُقَيْقَةُ:
__________
[ (25) ] في (م) و (ص) : «أظلّكم» .
[ (26) ] في (هـ) : «يهذي» ، تصحيف، ومعنى تهوي: أي: تدل الناس عليه.
[ (27) ] في (ص) و (م) : «فعشتم» ، ومعنى فغثتم: أي أتاكم الغيث، والغوث.
[ (28) ] في (ح) : «وأقصصت» .
[ (29) ] في (ص) : «مبخّل» .
[ (30) ] في (م) : «فلسمعت» .

(2/18)


بِشَيْبَةِ الْحَمْدِ [ (31) ] أَسْقَى اللهُ بَلْدَتَنَا ... لَمَّا فَقَدْنَا الْحَيَا وَاجْلَوَّذَ الْمَطَرُ
فَجَادَ بِالْمَاءِ جَوْنِيٌّ لَهُ سَبَلٌ ... سَحًّا فَعَاشَتْ بِهِ الْأَنْعَامُ وَالشَّجَرُ
مَنًّا مِنَ اللهِ بِالْمَيْمُونِ طَائِرُهُ ... وَخَيْرُ مَنْ بُشِّرَتْ يَوْمًا بِهِ مُضَرُ
مُبَارَكُ الْأَمْرِ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِهِ ... مَا فِي الْأَنَامِ لَهُ عدل ولا خطر [ (32) ]
__________
[ (31) ] «شيبة الحمد» هو لقب عبد المطلب.
[ (32) ] الخبر في «طبقات ابن سعد» (1: 90) .

(2/19)