دلائل
النبوة للبيهقي محققا بَابُ مَا جَاءَ فِي حِفْظِ اللهِ،
تَعَالَى [ (1) ] ، رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فِي
شَبِيبَتِهِ عَنْ أقذار الجاهلية ومعايبها، لِمَا يُرِيدُ بِهِ مِنْ
كَرَامَتِهِ بِرِسَالَتِهِ، حَتَّى بَعَثَهُ رَسُولًا
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ:
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَشَبَّ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله
وَسَلَّمَ، يَكْلَؤُهُ اللهُ [عَزَّ وَجَلَّ] [ (2) ] وَيَحْفَظُهُ
وَيَحُوطُهُ مِنْ أقذار الجاهلية ومعايبها، لِمَا يُرِيدُ بِهِ مِنْ
كَرَامَتِهِ وَرِسَالَتِهِ، وَهُوَ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ، حَتَّى بَلَغَ
أَنْ كَانَ رَجُلًا أَفْضَلَ قَوْمِهِ مُرُوءَةً، وَأَحْسَنَهُمْ خَلْقًا
وَأَكْرَمَهُمْ مُخَالَطَةً، وَأَحْسَنَهُمْ جِوَارًا، وَأَعْظَمَهُمْ
خُلُقًا، وَأَصْدَقَهُمْ حَدِيثًا، وَأَعْظَمَهُمْ أَمَانَةً،
وَأَبْعَدَهُمْ مِنَ الْفُحْشِ وَالْأَخْلَاقِ الَّتِي تُدَنِّسُ
الرِّجَالَ، تَنَزُّهًا وَتَكَرُّمًا، حَتَّى مَا اسْمُهُ فِي قَوْمِهِ
إِلَّا الْأَمِينُ، لِمَا جَمَعَ اللهُ، [تَعَالَى] [ (3) ] ، فِيهِ مِنَ
الْأُمُورِ الصَّالِحَةِ [ (4) ] .
وَكَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ- فِيمَا ذُكِرَ
لِي- يُحَدِّثُ عَمَّا كَانَ يَحْفَظُهُ اللهُ، تَعَالَى، بِهِ فِي
صِغَرِهِ وَأَمْرِ جَاهِلِيَّتِهِ، فَحَدَّثَنِي وَالِدِي إِسْحَاقُ بْنُ
يَسَارٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ
__________
[ (1) ] في (م) : «عز وجل» .
[ (2) ] الزيادة من (م) .
[ (3) ] ليست في (م) ولا (ص) .
[ (4) ] أخرجه ابن هشام في السيرة (1: 197) .
(2/30)
رسول الله، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ،
أَنَّهُ قَالَ فِيمَا يَذْكُرُ مِنْ حِفْظِ اللهِ إِيَّاهُ [ (5) ] :
إِنِّي لَمَعَ غِلْمَانٍ هُمْ أَسْنَانِي قَدْ جَعَلْنَا أُزُرَنَا عَلَى
أَعْنَاقِنَا لِحِجَارَةٍ نَنْقُلُهَا، نَلْعَبُ بِهَا، إِذْ لَكَمَنِي
لَاكِمٌ لَكْمَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ قَالَ: اشْدُدْ عَلَيْكَ إِزَارَكَ [
(6) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ
الْفَقِيهُ الشِّيرَازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ:
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَخْرَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ
بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
أخبرنا رَوْحٌ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ
الْخُوَارَزْمِيُّ الْحَافِظُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: قُرِئَ عَلَى أَبِي
بَكْرٍ: مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الْهَيْثَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْعَوَّامِ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صلى
الله عليه وآله وَسَلَّمَ، كَانَ يَنْقُلُ الْحِجَارَةَ مَعَهُمْ
لِلْكَعْبَةِ، وَعَلَيْهِ إِزَارٌ، فَقَالَ [لَهُ] [ (7) ] الْعَبَّاسُ
عَمُّهُ: يَا ابْنَ أَخِي، لَوْ حَلَلْتَ إِزَارَكَ فَجَعَلْتَهُ عَلَى
مَنْكِبَيْكَ دُونَ الْحِجَارَةِ؟ قَالَ: فَحَلَّهُ فَجَعَلَهُ عَلَى
مَنْكِبَيْهِ فَسَقَطَ. مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَمَا رؤي بَعْدَ ذَلِكَ
الْيَوْمِ عُرْيَانًا.
لَفْظُ حَدِيثِهِمَا سَوَاءٌ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عن مطر بن الفضل.
__________
[ (5) ] كذا في (م) ، وفي بقية النسخ: «من الله تعالى إياه» .
[ (6) ]
بقية الخبر: «قال: فأخذته وشددته عليّ، ثم جعلت احمل الحجارة على رقبتي،
وإزاري عليّ من بين اصحابي» . سيرة ابن هشام (1: 197) .
وهذه القصة ستأتي في الرواية التالية في حين بناء الكعبة.
[ (7) ] الزيادة من (م) .
(2/31)
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ
حَرْبٍ، جَمِيعًا عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ [ (8) ] .
وَ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْوَلِيدِ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زُهَيْرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرِو بْنُ
أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
رَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: أَنَّهُ سَمِعَ
جَابِرَ ابن عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: لَمَّا بُنِيَتِ الْكَعْبَةُ ذَهَبَ
رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَعَبَّاسٌ يَنْقُلَانِ
الْحِجَارَةَ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وآله وَسَلَّمَ، اجْعَلْ إِزَارَكَ عَلَى عَاتِقِكَ مِنَ الْحِجَارَةِ.
فَفَعَلَ، فَخَرَّ إِلَى الْأَرْضِ، وَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ إِلَى
السَّمَاءِ، ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: إِزَارِي فَشُدَّ عَلَيْهِ إِزَارُهُ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (9) ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ
وَإِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (10) ] ، عَنْ مَحْمُودٍ، عَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو سعيد بن أبي عَمْرٍو،
قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ بُكَيْرٍ الخضرمي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ عَبْدِ اللهِ الدَّشْتَكِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي
قَيْسٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قال:
__________
[ (8) ] الحديث أخرجه البخاري في: 8- كتاب الصلاة (8) باب كراهية التّعري
في الصلاة وغيرها، فتح الباري (1: 474) من طريق مَطَرِ بْنِ الْفَضْلِ،
عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، وأخرجه البخاري أيضا مختصرا في: 25- كتاب الحج
(42) باب فضل مكة وبنيانها ... ، فتح الباري (3: 439) ، وفي: 63- كتاب
مناقب الأنصار (25) باب بنيان الكعبة، فتح الباري (7: 145) .
وأخرجه مسلّم في: 3- كتاب الحيض (19) باب الاعتناء بحفظ العورة، الحديث
(76) ، ص (267) .
[ (9) ] صحيح مسلم، كتاب الحيض، الحديث (77) ، ص (268) .
[ (10) ] فتح الباري (7: 145) ، وسبقت الاشارة اليه في الحاشية (8) .
(2/32)
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ.
أَنَّهُ كَانَ يَنْقُلُ الْحِجَارَةَ فِي الْبَيْتِ حِينَ بَنَتْ قُرَيْشٌ
الْبَيْتَ. قَالَ: وَأَفْرَدَتْ قُرَيْشٌ رَجُلَيْنِ رَجُلَيْنِ:
الرِّجَالِ يَنْقُلُونَ الْحِجَارَةَ، وَكَانَتِ النِّسَاءُ تَنْقُلُ
الشِّيدَ.
قَالَ: وَكُنْتُ أَنَا وَابْنُ أَخِي. وَكُنَّا نَحْمِلُ عَلَى رِقَابِنَا
وَأُزُرُنَا تَحْتَ الْحِجَارَةِ، فَإِذَا غَشِيَنَا النَّاسَ اتَّزَرْنَا،
فَبَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله
وَسَلَّمَ [ (11) ] ، أَمَامِي، قَالَ: فَخَرَّ وانْبَطَحَ عَلَى وَجْهِهِ.
قَالَ: فَجِئْتُ أَسْعَى، وَأَلْقَيْتُ حَجَرِي وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى
السَّمَاءِ. فَقُلْتُ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَامَ وَأَخَذَ إِزَارَهُ فَقَالَ [
(12) ] : نُهِيتُ أَنْ أَمْشِيَ عُرْيَانًا.
فَكُنْتُ أَكْتُمُهَا النَّاسَ، مَخَافَةَ أَنْ يقولوا مجنون.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسِ
بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، يَقُولُ:
مَا هَمَمْتُ بِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَهُمُّونَ
بِهِ مِنَ النساء إلا ليلتين كلتاهما عَصَمَنِي اللهُ، تَعَالَى [ (13) ] ،
فِيهِمَا. قُلْتُ لَيْلَةً لِبَعْضِ فِتْيَانِ مَكَّةَ وَنَحْنُ فِي
رِعَايَةِ غَنَمِ أَهْلِنَا، فَقُلْتُ لِصَاحِبِي: أَبْصِرْ لِي غَنَمِي
حَتَّى أَدْخُلَ مَكَّةَ فَأَسْمُرَ فِيهَا كَمَا يَسْمُرُ الْفِتْيَانُ.
فَقَالَ: بَلَى. قَالَ: فَدَخَلْتُ حَتَّى إِذَا جِئْتُ أَوَّلَ دَارٍ مِنْ
دُورِ مَكَّةَ سَمِعْتُ عَزْفًا بِالْغَرابِيلِ وَالْمَزَامِيرِ، فَقُلْتُ:
مَا هَذَا؟ فَقِيلَ تَزَوَّجَ فُلَانٌ فُلَانَةَ. فَجَلَسْتُ أَنْظُرُ،
وَضَرَبَ اللهُ، [تَعَالَى] [ (14) ] عَلَى أذنيّ، فو الله ما
__________
[ (11) ] في (م) : «عليه السلام» .
[ (12) ] في (م) : «فأخذ إزاره، وقال» .
[ (13) ] في (م) و (ص) : - عز وجل.
[ (14) ] ليست في (م) .
(2/33)
أَيْقَظَنِي إِلَّا مَسُّ الشَّمْسِ
فَرَجَعْتُ إِلَى صَاحِبِي، فَقَالَ: مَا فَعَلْتَ؟ قُلْتُ: مَا فَعَلْتُ
شَيْئًا. ثُمَّ أَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي رَأَيْتُ. ثُمَّ قُلْتُ لَهُ
لَيْلَةً أُخْرَى: أَبْصِرْ لِي غَنَمِي حَتَّى أَسْمُرَ بِمَكَّةَ،
فَفَعَلَ فَدَخَلْتُ فَلَمَّا جِئْتُ مَكَّةَ سَمِعْتُ مِثْلَ الَّذِي
سَمِعْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَسَأَلْتُ، فَقِيلَ فُلَانٌ نَكَحَ
فُلَانَةَ، فَجَلَسْتُ أَنْظُرُ، وَضَرَبَ الله على أذنيّ، فو الله مَا
أَيْقَظَنِي إِلَّا مَسُّ الشَّمْسِ، فَرَجَعْتُ إِلَى صَاحِبِي، فَقَالَ:
مَا فَعَلْتَ؟
فَقُلْتُ: لَا شَيْءَ. ثُمَّ أَخْبَرْتُهُ الخبر، فو الله مَا هَمَمْتُ
وَلَا عُدْتُ بَعْدَهَا لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى أَكْرَمَنِي اللهُ،
عَزَّ وَجَلَّ، بِنُبُوَّتِهِ [ (15) ] .
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (16) ]
الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ الْعَامِرِيُّ، قَالَ:. حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ، ويَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، عَنْ أُسَامَةَ
بْنِ زَيْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، قَالَ: كَانَ صَنَمٌ مِنْ
نُحَاسٍ يُقَالُ لَهُ: إِسَافٌ، أَوْ نَائِلَةُ، يَتَمَسَّحُ بِهِ
الْمُشْرِكُونَ إِذَا طَافُوا. فَطَافَ رسول الله، صلى الله عليه وآله
وَسَلَّمَ، فَطُفْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا مَرَرْتُ مَسَحْتُ بِهِ، فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: لَا تَمَسَّهُ!
فَقَالَ زَيْدٌ: فَطُفْتُ [ (17) ] فَقُلْتُ فِي نَفْسِي لَأَمَسَّنَّهُ
حَتَّى أَنْظُرَ مَا يَكُونُ، فَمَسَحْتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى
الله عليه وآله وَسَلَّمَ، أَلَمْ تُنْهَ؟
قُلْتُ: زَادَ فِيهِ غَيْرُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو بِإِسْنَادِهِ:
قال زيد: فو الذي هُوَ أَكْرَمَهُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ مَا
اسْتَلَمَ صَنَمًا حَتَّى أَكْرَمَهُ اللهُ بِالَّذِي أكرمه وأنزل عليه [
(18) ] .
__________
[ (15) ] الخبر في دلائل النبوة لابي نعيم. ص (143) ، وفي البداية والنهاية
لابن كثير (2: 287) ، والخصائص الكبرى للسيوطي (1: 89) ، وسبل الهدى (2:
199- 200) ، وقال: «رواه إسحاق ابن راهويه، والبزار، وابن حبان، وإسناده
متصل» .
[ (16) ] في (م) و (ص) «أخبرنا» .
[ (17) ] في (هـ) : «فطفنا» .
[ (18) ] البداية والنهاية (2: 287) ، والخصائص الكبرى (1: 89) .
(2/34)
وَرُوِّينَِا فِي قِصَّةِ بَحِيرَاءَ
الرَّاهِبِ حِينَ حَلَفَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى مُتَابَعَةً لِقُرَيْشٍ،
فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ،: لَا
تَسْأَلْنِي بِاللَّاتِ والعزّى شيئا، فو الله مَا أَبْغَضْتُ بُغْضَهُمَا
شَيْئًا قَطُّ.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [
(19) ] أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْمُعَمَّرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. ح.
وأَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِيُّ [ (20)
] قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَسْبَاطٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ
أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ،
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
اللهِ، قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، يَشْهَدُ مَعَ
الْمُشْرِكِينَ مَشَاهِدَهُمْ. قَالَ: فَسَمِعَ مَلَكَيْنِ خَلْفَهُ
وَأَحَدُهُمَا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: اذْهَبْ بِنَا حَتَّى نَقُومَ [ (21) ]
خَلْفَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ.
قَالَ: كَيْفَ نَقُومُ خَلْفَهُ، وَإِنَّمَا عَهْدُهُ بِاسْتِلَامِ
الْأَصْنَامِ قُبَيْلُ؟ قَالَ: فَلَمْ يَعُدْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَ
مَعَ الْمُشْرِكِينَ مَشَاهِدَهُمْ [ (22) ] .
__________
[ (19) ] في (م) : «أخبرنا» .
[ (20) ] في بقية النسخ: «أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ» ..
[ (21) ] في (م) : «حتى نقومنّ» .
[ (22) ] رواه ابو يعلى، وابن عدي، وابن عساكر عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
الله، وقال الحافظ ابن حجر في المطالب العالية. «هذا الحديث أنكره الناس
على عثمان بن أبي شيبة، فبالغوا، والمنكر منه قوله عن الملك:
«عهده باستلام الأصنام» فإن ظاهره انه باشر الاستلام، وليس ذلك مرادا، بل
المراد أنه شهد مباشرة المشركين استلام أصنامهم» . أ. هـ.
وقال ابن كثير: «أنكره غير واحد من الأئمة على عثمان بن أبي شيبة» .
وقد ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال، في ترجمة عثمان بن أبي شيبة (3: 35) ،
ونقل قول العقيلي تضعيف الحديث، وقول الأزدي: رأيت أصحابنا يذكرون ان عثمان
روى أحاديث لا يتابع عليها» ..
عقب الذهبي بقوله: «عثمان لا يحتاج الى متابع، ولا ينكر له ان ينفرد
بأحاديث لسعة ما روى، وقد
(2/35)
قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: تَفْسِيرُ قَوْلِ
جَابِرٍ: وَإِنَّمَا عَهْدُهُ بِاسْتِلَامِ الْأَصْنَامِ، يَعْنِي أَنَّهُ
شَهِدَ مَعَ مَنِ اسْتَلَمَ الْأَصْنَامَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى
إِلَيْهِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ
هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، [رَضِيَ اللهُ
عَنْهَا] [ (23) ] قَالَتْ:
كَانَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ يَدِينُ دِينَهَا وَهُمُ الْحُمْسُ [ (24) ]
يَقِفُونَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِالْمُزْدَلِفَةِ يَقُولُونَ: نَحْنُ
قُطَّنُ الْبَيْتِ [ (25) ] . وَكَانَتْ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَالْعَرَبِ
يَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ، فَأَنْزَلَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ: ثُمَّ أَفِيضُوا
مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ [ (26) ] فَتَقَدَّمُوا، فَوَقَفُوا مَعَ
النَّاسِ بعرفات [ (27) ] .
__________
[ () ] يغلط، وقد اعتمده الشيخان في صحيحيهما ... » .
وقد اولى الصالحي في السيرة الشامية ما ورد بالحديث: «فَلَمْ يَعُدْ بَعْدَ
ذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ مشاهدهم» بأن المراد بالمشاهد
التي شهدها مشاهد الحلف ونحوها لا مشاهد استلام الأصنام. سبل الهدى (2:
203) .
[ (23) ] ليست في (م) و (ص) .
[ (24) ] الحمس: جمع أحمس، وهو الشديد الصلب، مأخوذ من الحماسة التي هي
الشدة، وإنما سموا الحمس لأنهم اشتدوا في دينهم- في زعمهم-.
[ (25) ] في سيرة ابن هشام: نحن قطّان مكة، وساكنها نحن بنو إبراهيم، واهل
الحرمة ...
[ (26) ] الآية الكريمة (199) من سورة البقرة
[ (27) ] أخرجه البخاري في: 65- كتاب التفسير- تفسير سورة البقرة، (35) باب
«ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أفاض الناس» ، فتح الباري (8: 186) ، عَنْ
عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الله المديني، ومسلم في: 25- كتاب الحج، (21) باب في
الوقوف وقوله تعالى: «ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس» ، الحديث (151) ، ص
(893- 894) ، عن يحيى بن يحيى.
وأخرجه ابو داود في المناسك عن هناد بن السري، والنسائي في المناسك، وفي
التفسير كلهم عن ابي معاوية الضرير.
(2/36)
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ عَنْ هِشَامٍ [
(28) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ [الْحَافِظُ] [ (29) ] ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ [بْنُ شَبِيبٍ] [ (30) ]
عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أبي بكر، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي
سُلَيْمَانَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ [بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ
جُبَيْرٍ] [ (31) ] ، قَالَ:
لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ،
وَهُوَ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ، وَهُوَ يَقِفُ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ،
بِعَرَفَاتٍ، مِنْ بَيْنِ قَوْمِهِ، حَتَّى يَدْفَعَ مَعَهُمْ، تَوْفِيقًا
مِنَ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، لَهُ [ (32) ] .
قُلْتُ: قَوْلُهُ: «عَلَى دِينِ قَوْمِهِ» مَعْنَاهُ: عَلَى مَا كَانَ قَدْ
بَقِيَ فِيهِمْ مِنْ إِرْثِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ، فِي حَجِّهِمْ
وَمَنَاكِحِهِمْ وَبُيُوعِهِمْ، دُونَ الشِّرْكِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُشْرِكْ
بِاللهِ قَطُّ.
وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ بُغْضِهِ اللَّاتَ وَالْعُزَّى دَلِيلٌ عَلَى
ذَلِكَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ هِشَامٍ [ (33) ] الْخَفَّافُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَذْرَمِيُّ، قَالَ. حَدَّثَنَا [
(34) ] إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
__________
[ (28) ] في (م) و (ص) : «من حديث هشام» .
[ (29) ] لم ترد في (م) و (ص) .
[ (30) ] سقطت من (ح) .
[ (31) ] ما بين الحاصرتين ليست في (هـ) .
[ (32) ] السيوطي في الخصائص الكبرى (1: 90) ، وقال: أخرجه ابن إسحق،
والبيهقي، وابو نعيم.
[ (33) ] في (م) : «هاشم» .
[ (34) ] في (م) : «أخبرنا» ، وكذا في (ص) .
(2/37)
إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ ابن عَوْفٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: شَهِدْتُ مَعَ
عُمُومَتِي «حِلْفَ الْمُطَّيِّبِينَ» فَمَا أُحِبُّ أَنْ أُنْكُثَهُ- أَوْ
كَلِمَةً نَحْوَهَا- وَأَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ [ (35) ] وَكَذَلِكَ
رَوَاهُ بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (36) ]
أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ السِّمْنَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ،
عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: مَا شَهِدْتُ
حِلْفًا لِقُرَيْشٍ إِلَّا حِلْفَ الْمُطَّيِّبِينَ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ
لِيَ حُمْرَ النَّعَمِ وَأَنِّي كُنْتُ نَقَضْتُهُ.
قَالَ: وَالْمُطَّيِّبِينَ: هَاشِمٌ، وَأُمَيَّةُ، وَزُهْرَةُ،
وَمَخْزُومٌ.
كَذَا رُوِيَ هَذَا التَّفْسِيرُ مُدْرَجًا فِي الْحَدِيثِ، وَلَا أَدْرِي
قائله. [ (37) ] .
__________
[ (35) ] أخرجه الإمام احمد في «مسنده» (1: 190، 193) .
[ (36) ] في (م) و (ص) : «أخبرنا» .
[ (37) ] وقال المصنف في السنن الكبرى (6: 366) بعد ان ذكر الحديث: «لا
ادري: هذا التفسير مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ او من دونه، وبلغني انه
إنما قيل: حلف المطيبين، لأنهم غمسوا أيديهم في طيب يوم تحالفوا، وتصافقوا
بأيمانهم، وذلك حين وقع التنازع بين بَنِي عَبْدِ مَنَافِ وَبَنِي عبد
الدار، فيما كان بأيديهم من السقاية والحجابة والرفادة واللواء والندوة،
فكان بنو أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى في جماعة من قبايل قريش تبعا لبني
عبد مناف، وقد سماهم محمد بن إسحاق بن يسار، فقال: المطيبون من قبائل قريش:
بنو عبد مناف: هاشم. والمطلب، وعبد شمس، ونوفل، وبنو زهرة، وبنو أسد، ابن
عبد العزى، وبنو تيم، وبنو الحارث بن فهر خمس قبائل. قال الشافعي: وقال
بعضهم: هم حلف الفضول» .
(2/38)
وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ السِّيَرِ [ (38) ]
أَنَّهُ أَرَادَ حِلْفَ الْفُضُولِ [ (39) ] ، وأن النبي،
__________
[ (38) ] أشار ابن إسحق إلى حلف المطيبين وهو اختلاف قريش بعد قصي، وهم بنو
عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ،:
عبد شمس، وهاشم، والمطلب، ونوفل، وبنو عبد الدار بن قصي. وقد تحالف كل فريق
مع أنصاره، واخرج بنو عبد مناف جفنة مملوءة طيبا، فوضعوها لأحلافهم في
المسجد عند الكعبة، ثم غمس القوم، أيديهم فيها، فتعاقدوا، وتعاهدوا هم
وحلفاؤهم، ثم مسحوا الكعبة بأيديهم توكيدا على أنفسهم فسمّوا المطيّبين.
وتعاقد بنو عبد الدار، وتعاهدوا وحلفاؤهم عند الكعبة حلفا مؤكدا على ان لا
يتخاذلوا، ولا يسلم بعضهم بعضا، فسمّوا الأحلاف.
ثم سوند بين القبائل، ولزّ بعضها ببعض، فعبّيت بنو عبد مناف لبني سهم،
وعبيت بنو أسد لبني عبد الدار، وعبّيت بنو زهرة لبني جمح، وعبّيت بنو
الحارث بن فهر لبني عديّ بن كعب، ثم قالوا: لتفر كل قبيلة على من أسند
إليها.
فبينا الناس على ذلك قد اجمعوا للحرب إذ تداعوا الى الصلح، على ان يعطوا
بني عبد مناف السّقاية والرّفادة، وان تكون الحجابة واللواء والندوة لبني
عبد الدار كما كانت، ففعلوا، ورضي كل واحد من الفريقين بذلك، وتحاجز الناس
عن الحرب، وثبت كل قوم مع من حالفوا، فلم يزالوا على ذلك حتى جاء الله
تعالى بالإسلام،
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم «ما كان من حلف في الجاهلية،
فإنّ الإسلام لم يزده إلا شدّة» .
وفرق ابن هشام بينه وبين حلف الفضول، وكذا فإن المصنف قد ذكره مرة اخرى في
السنن الكبرى (6: 367) ، وأشار الى ان بعض أهل السير ويقصد ابن قتيبة حيث
نقل قوله «إن حلف المطيبين هو حلف الفضول» عقب البيهقي بقوله: «ان قوله حلف
المطيبين انما هو حلف الفضول غلط، وذلك ان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم
لم يدرك حلف المطيبين، لان ذلك كان قديما قبل ان يولد بزمان» . أ. هـ.
ومن سياق قصة تكوين حلف المطيبين يتبين انه في زمان هاشم أبي عبد المطلب
جدا الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.
[ (39) ] الفضول: اختلفوا فيه فقيل سمى بذلك لأنه كان قد سبق قريشا فيما
قاله ابن قتيبة الى مثل هذا الحلف جرهم في الزمن الاول فتحالف منهم ثلاثة
هم ومن تبعهم أحدهم: الفضل بن فضالة. الثاني: الفضل بن وداعة. والثالث:
الفضل بن الحارث. هذا قول القتبي. وقال الزبير: الفضل بن شراعة والفضل بن
قضاعة فلما أشبه حلف الآخر فعل هؤلاء الجرهميين سمى حلف الفضول، والفضول
جمع فضل وهي اسماء أولئك الذين تقدم ذكرهم.
قال السهيلي: وهذا الذي قاله ابن قتيبة حسن ولكن في الحديث ما هو أقوى منه.
روى الحميدي
(2/39)
__________
[ () ] عن سفيان عن عبد الله بن محمد وعبد الرحمن بن أبي بكر قالا: قال
رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان
حلفا لو دعيت به في الإسلام لأجبت تحالفوا أن يردّوا الفضول على أهلها ولا
يعزّ ظالم على مظلوم.
قلت: الظاهر ان قوله: تحالفوا الى آخره- مدرج من بعض رواته وليس بمرفوع،
فلا دلالة حينئذ فيه.
كان هذا القول الحلف في ذي القعدة قبل المبعث بعشرين سنة منصرف قريش من
الفجار ولرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يومئذ عشرون سنة. وكان أكرم
حلف سمع به وأشرفه في العرب.
وكان أول من تكلم به ودعا إليه الزبير بن عبد المطلب عم رسول الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم وكان سببه ان رجلا من زبيد قدم مكة ببضاعة فاشتراها
منه العاصي بن وائل السّهمي وكان ذا قدر وشرف بمكة فحبس عنه حقه فاستعدى
عليه الزبيديّ الأحلاف عبد الدار ومخزوما وجمحا وسهما فأبوا أن يعينوا
الزبيدي على العاصي ابن وائل وزبروه ونهروه فلما رأى الزبيدي الشرّ رقى على
أبي قبيس عند طلوع الشمس وقريش في أنديتهم حول الكعبة فقال بأعلى صوته:
يا آل فهر لمظلوم بضاعته ... ببطن مكة نائي الدار والنفر
ومحرم أشعث لم يقض عمرته ... يا للرجال وبين الحجر والحجر
إنّ الحرام لمن تمّت مكارمه ... ولا حرام لثوب الفاجر لغدر
فقام في ذلك الزبير بن عبد المطلب وقال ألهذا مترك؟ فاجتمعت هاشم وزهرة
وتيم في دار عبد الله بن جدعان فصنع لهم طعاما فحالفوا في القعدة في شهر
حرام قياما فتعاقدوا وتعاهدوا ليكونن يدا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى
يؤدي اليه حقه ما بلّ بحر صوفة وما رسا حراء وثبير، مكانهما وعلى التآسي في
المعاش. فسمّت قريش ذلك الحلف حلف الفضول وقالوا: لقد دخل هؤلاء في فضول من
الأمر، ثم مشوا إلى العاصي بن وائل. فانتزعوا منه سلعة الزبيدي فدفعوها
إليه.
وروى ابن إسحاق عن طلحة بن عبيد الله وابن سعد والبيهقي عن جبير بن مطعم
رضي الله عنهما قالا قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «لقد شهدت
في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحبّ أن لي به حمر النّعم ولا دعي به في
الإسلام لأجبت» .
وروى البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه تعالى أن رسول الله صلّى الله عليه
وآله وسلّم قال: ما شهدت حلفا لقريش إلا حلف المطيّبين شهدته مع عمومتي وما
أحب أن لي به حمر النعم وأني كنت نقضته.
قال بعض رواته: والمطيبون هاشم وزهرة ومخزوم.
قال البيهقي: كذا روى هذا التفسير مدرجا ولا أدري من قاله. وزعم بعض أهل
السير أنه أراد حلف الفضول فإن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يدرك
حلف المطيّبين.
والحلف: بكسر الحاء المهملة وإسكان اللام وهو العهد والبيعة.
(2/40)
صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، لَمْ
يُدْرِكْ حِلْفَ الْمُطَّيِّبِينَ.
وَزَعَمَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أَنَّ هَذَا الْحِلْفَ- يَعْنِي الْأَخِيرَ-
الَّذِي عَقَدُوهُ عَلَى التَّنَاصُرِ، وَالْأَخْذِ لِلْمَظْلُومِ مِنَ
الظَّالِمِ- شَهِدَهُ بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ، وَبَنُو
أَسَدٍ، وَبَنُو زُهْرَةَ، وَبَنُو تَيْمٍ. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مُفَسَّرًا
فِي «كِتَابِ السُّنَنِ» [ (40) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ [قَالَ] [ (41) ] حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ شَيْبَانَ الرَّمْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ الْحَلَبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ،
حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ
يَثْرِبِيٍّ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: قُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللهِ، دَعَانِي إِلَى الدُّخُولِ فِي دِينِكَ أَمَارَةٌ
لِنُبُّوتِكَ، رَأَيْتُكَ فِي الْمَهْدِ تُنَاغِي الْقَمَرَ وَتُشِيرُ
إِلَيْهِ بِأُصْبُعِكَ، فَحَيْثُ أَشَرْتَ إِلَيْهِ مَالَ. قَالَ: إِنِّي
كُنْتُ أُحَدِّثُهُ وَيُحَدِّثُنِي، وَيُلْهِينِي عَنِ الْبُكَاءِ،
وَأَسْمَعُ وَجْبَتَهُ [حِينَ] [ (42) ] يَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ [ (43)
] .
تَفَرَّدَ بِهِ هَذَا الْحَلَبِيُّ بإسناده [ (44) ]
__________
[ (40) ] في السنن الكبرى (6: 366- 367) .
[ (41) ] الزيادة من (م) .
[ (42) ] ليست في (م) ولا في (ص) .
[ (43) ] البداية والنهاية (2: 266) ، والسيوطي في الخصائص الكبرى (1: 53)
.
[ (44) ] أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَلَبِيُّ، ووقع في البداية
والنهاية «الحبلي» ، وفي الخصائص الكبرى:
«الجيلي» ، له ترجمة في «الجرح والتعديل» (1: 1: 40) ، وقال: «أَحْمَدُ
بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَلَبِيُّ:
روى عَنْ: عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ، والهيثم بن جميل ... روى عنه: أَحْمَدُ
بْنُ شَيْبَانَ الرَّمْلِيُّ ... قال روى عَنْ: عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ،
والهيثم بن جميل ... روى عنه: أَحْمَدُ بْنُ شَيْبَانَ الرَّمْلِيُّ ...
قال ابن أبي حاتم: «سألت أبي عنه، وعرضت عليه حديثه، فقال: لا أعرفه،
وأحاديثه باطلة موضوعة كلها ليست لها اصول، يدل حديثه على أنه كذاب» . أ.
هـ.
وقد ذكره الذهبي في الميزان (1: 80) ، فقال: «أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
بْنِ أبي سكينة الحلبي،
(2/41)
وهو مجهول [ (45) ] .
__________
[ () ] وبعضهم يسميه محمدا، قاله الخطيب. يروى عن مالك، قلت: ما رأيت لهم
فيه كلاما» . ثم ترجم له مرة اخرى (1: 81) ، ونقل قول ابي حاتم عنه.
قال الحافظ ابن حجر في اللسان (1: 131) : «هذا من العجب، يقول: ما رأيت لهم
فيه كلاما، ثم يجزم بأنه الذي قال فيه ابو حاتم ما قال ...
ثم نقل ابن حجر قول ابن أبي حاتم، وعنده زيادة لم ترد في الجرح والتعديل،
وهذه الزيادة لعلها من نسخة الحافظ ابن حجر، ونصها بعد كلام ابي حاتم
السابق: «والذي يروي عن مالك أقدم من الذي يروي عن طبقة قتيبة، فلعلهما
اثنان والله اعلم» . انتهى نقل الحافظ ابن حجر من نسخته الجرح والتعديل.
ثم عقب بقوله:
«وذكر الدارقطني والخطيب ان محمد بن المبارك الصوري روى عن أحمد بن إبراهيم
بن أبي سكينة، ولم يذكرا له شيئا، وسيأتي في المحمدين ان ابن حبان ذكر ان
ابن سكينة في «الثقات» ، وكذا وثقه ابن حزم في حديث أخرجه من طريقه، عن علي
بن المديني» . أ. هـ من اللسان (1:
131- 132) .
[ (45) ] جاء في هامش (م) : بلغ كاتبه محمد بن محمد ابي بكر السدوسي
الحنبلي قراءة على قاضي القضاة: عز الدين الكتاني الحنبلي بالمدرسة
الصالحية بإيوان الحنابلة، وسمع جماعة كثيرون ... » .
وسماعات أخرى موجزة.
(2/42)
بَابُ مَا جَاءَ فِي بِنَاءِ الْكَعْبَةِ
عَلَى طَرِيقَ الِاخْتِصَارِ، وَمَا ظَهَرَ فِيهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ مِنَ الْآثَارِ [ (1) ]
قَالَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ
لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ [ (2) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ: الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ،
قَالَ: [حَدَّثَنَا] [ (3) ] إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ،
قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ
التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ! قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ
الْحَرَامُ. قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: ثُمَّ الْمَسْجِدُ
الْأَقْصَى. قَالَ: قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً،
فَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْ الصَّلَاةَ فَصَلِّ فَهُوَ مَسْجِدٌ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، وَغَيْرُهُ، عَنْ
أَبِي مُعَاوِيَةَ وَأَخْرَجَهُ
__________
[ (1) ] في (ص) : «من الآيات» .
[ (2) ] الآية الكريمة (96) من سورة آل عمران.
[ (3) ] في (م) و (ص) : «أخبرنا» .
(2/43)
الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ
الْأَعْمَشِ [ (4) ] .
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (5) ]
أَبُو عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا [ (5) ] أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ
اللهِ بْنِ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (5) ] إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي
يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْروٍ، قَالَ:
كَانَ الْبَيْتُ قَبْلَ الْأَرْضِ بِأَلْفَيْ سَنَةٍ وَإِذَا الْأَرْضُ
مُدَّتْ [ (6) ] قَالَ: مِنْ تَحْتِهِ مَدًّا [ (7) ] .
تَابَعَهُ مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ ابن عَبْدِ اللهِ الْبَغْدَادِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنِي [ (8) ] يَحْيَى بْنُ [ (9) ] عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ،
قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ الْجُهَنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ
لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ [عن] [ (10) ] ،
__________
[ (4) ] أخرجه البخاري في: 60- كتاب الأنبياء (10) باب حَدَّثَنَا مُوسَى
بْنُ إِسْمَاعِيلَ، الفتح (6:
407) ، كما أخرجه البخاري بعده مِنْ حَدِيثِ: عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، الفتح (6:
458) .
وأخرجه مسلم في أول كتاب المساجد عن ابي كامل الجحدري، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ
أَبِي شيبة وأبي كريب، حديث (1) ، صفحة (370) .
وأخرجه النسائي في الصلاة عن بشر بن خالد، عن غندر، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ
الْأَعْمَشِ نحوه.
وأخرجه ابن ماجة في: 4- كتاب المساجد والجماعات (7) باب اي مسجد وضع أول،
حديث (753) ، صفحة (1: 248) من طريق: علي بن ميمون الرّقّي، وعلي بن محمد،
وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (5: 150) .
[ (5) ] في (م) و (ص) : «أخبرنا» .
[ (6) ] الآية الكريمة (3) من سورة الإنشقاق.
[ (7) ] أخرجه الحاكم في «المستدرك» (2: 518) ، وقال: «حديث صحيح الإسناد،
ولم يخرجاه» ووافقه الذهبي.
[ (8) ] في (هـ) : «حدثنا» .
[ (9) ] في (ص) : يحيى، أبو حفص ...
[ (10) ] الزيادة من (هـ) .
(2/44)
أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ
عَمْروِ بْنِ الْعَاصِ، قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: بَعَثَ اللهُ
جِبْرِيلَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ [ (11) ] ، إِلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ،
فَقَالَ لَهُمَا: ابْنِيَا لِي بِنَاءً. فَخَطَّ لَهُمَا جِبْرِيلُ،
عَلَيْهِ السَّلَامُ [ (12) ] ، فَجَعَلَ آدَمُ يَحْفِرُ وَحَوَّاءُ
تَنْقِلُ حَتَّى أَجَابَهُ الْمَاءُ، نُودِيَ مِنْ تَحْتِهِ: حَسْبُكَ يَا
آدَمُ. فَلَمَّا بَنَيَاهُ أَوْحَى اللهُ، تَعَالَى، [ (13) ] ، إِلَيْهِ:
أَنْ يَطُوفَ بِهِ، وَقِيلَ لَهُ: أَنْتَ أَوَّلُ النَّاسِ، وَهَذَا
أَوَّلُ بَيْتٍ. ثُمَّ تَنَاسَخَتِ الْقُرُونُ حَتَّى حَجَّهُ نُوحٌ، ثُمَّ
تَنَاسَخَتِ الْقُرُونُ حَتَّى رَفَعَ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْهُ.
تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ هَكَذَا، مَرْفُوعًا [ (14) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا [ (15) ]
الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قالا: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَبِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، أَوْ غَيْرِهِ، قَالَ:
حَجَّ آدَمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَقِيَتْهُ الْمَلَائِكَةُ،
فَقَالُوا: بَرَّ نُسُكَكَ يَا آدَمُ [ (16) ] لَقَدْ حَجَجْنَا قَبْلَكَ
بِأَلْفَيْ عَامٍ [ (17) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بكير، عن
__________
[ (11) ] ليست في (م) .
[ (12) ] ليست في (ص) و (م) .
[ (13) ] ليست في (م) .
[ (14) ] البداية والنهاية (2: 299) ، وقال: «هو ضعيف، ووقفه عَلَى عَبْدِ
اللهِ بْنِ عمرو أقوى وأثبت» .
[ (15) ] في (م) و (ص) : «أخبرنا» .
[ (16) ] في (م) : «برّ نسكك آدم» .
[ (17) ] البداية والنهاية (2: 299) .
(2/45)
ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ثِقَةٌ
مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ قَالَ:
مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ حَجَّ الْبَيْتَ ... إِلَّا مَا كَانَ مِنْ
هُودٍ وَصَالِحٍ
وَلَقَدْ حَجَّهُ نُوحٌ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْأَرْضِ مَا كَانَ مِنَ
الْغَرَقِ، أَصَابَ الْبَيْتُ مَا أَصَابَ الْأَرْضَ، وَكَانَ الْبَيْتُ
رَبْوَةً حَمْرَاءَ، فَبَعَثَ اللهُ تَعَالَى [ (18) ] ، هُودًا،
فَتَشَاغَلَ بِأَمْرِ قَوْمِهِ حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ، تَعَالَى [ (19) ] ،
إِلَيْهِ، فَلَمْ يَحُجَّهُ حَتَّى مَاتَ.
ثُمَّ بَعَثَ اللهُ صَالِحًا، فَتَشَاغَلَ بِأَمْرِ قَوْمِهِ حَتَّى
قَبَضَهُ اللهُ، تَعَالَى [ (19) ] ، إِلَيْهِ، فَلَمْ يَحُجَّهُ حَتَّى
مَاتَ، فَلَمَّا بَوَّأَ اللهُ، تَعَالَى [ (19) ] ، لِإِبْرَاهِيمَ
عَلَيْهِ السَّلَامُ [ (20) ] حَجَّهُ، لَمْ يَبْقَ نَبِيٌّ بَعْدَهُ
إِلَّا حَجَّهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي
الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا فَيَّاضُ بْنُ زُهَيْرٍ،
وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ
الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ
بْنِ مَنْصُورٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ زِيَادٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا [ (21) ] ابْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ، [قَالَ] [ (22) ] أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ كَثِيرِ
بْنِ كَثِيرِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ، وَأَيُّوبَ
[السَّخْتَيَانِيِّ] [ (23) ]- يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ [ (24)
]- عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قال [ (25) ] :
__________
[ (18) ] في (م) و (ص) : «عز وجل» .
[ (19) ] ليست في (م) .
[ (20) ] في (م) : لإبراهيم- عليه السلام-.
[ (21) ] في (م) و (ص) : «أخبرنا» .
[ (22) ] ليست في (ص) .
[ (23) ] الزيادة من صحيح البخاري.
[ (24) ] في (م) و (ص) : «على صاحبه» .
[ (25) ] في (م) : «قالا» .
(2/46)
كُنَّا عِنْدَهُ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ
الشَّبَابِ، سَلُونِي، فَإِنِّي أَوْشَكْتُ أَنْ أَذْهَبَ مِنْ بَيْنِ
أَظْهُرِكُمْ. فَأَكْثَرَ النَّاسُ مَسْأَلَتَهُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ:
أَصْلَحَكَ اللهُ، أَرَأَيْتَ هَذَا الْمَقَامَ أَهُوَ كَمَا نُحَدِّثُ [
(26) ] ؟
قَالَ: وَمَا كُنْتَ تُحَدِّثُ؟
قَالَ: كُنَّا نَقُولُ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ، صَلَوَاتُ اللهُ عَلَيْهِ [
(27) ] ، حِينَ جَاءَ، عَرَضَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةُ إِسْمَاعِيلَ
النُّزُولَ، فَأَبَى أَنْ يَنْزِلَ، فَجَاءَتْ بِهَذَا الْحَجَرِ
فَوَضَعْتُهُ لَهُ.
فَقَالَ: لَيْسَ كَذَلِكَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ [ (28) ] : أَوَّلُ مَا
اتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمَنَاطِقَ [ (29) ] مِنْ قِبَلِ أُمِّ
إِسْمَاعِيلَ، اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا لَتُعَفِّيَ أَثَرَهَا عَلَى سَارَةَ،
ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ، صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ،
وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلُ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] [ (30) ] وَهِيَ
تُرْضِعُهُ حَتَّى وَضَعَهُمَا [ (31) ] عِنْدَ الْبَيْتِ، وَلَيْسَ
بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ، وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ، فَوَضَعَهُمَا
هُنَالِكَ، وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ، وَسِقَاءً فِيهِ
مَاءُ. ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ [ (32) ] ،
مُنْطَلِقًا، فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، فَقَالَتْ [ (33) ] : يَا
إِبْرَاهِيمُ، أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي
لَيْسَ فِيهِ أَنِيسٌ وَلَا شَيْءٌ؟ قَالَتْ ذلك ثلاث مرار، وَجَعَلَ لَا
يَلْتَفِتُ. فَقَالَتْ لَهُ: آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَتْ: إِذًا لا
__________
[ (26) ] في (ص) : «يحدّث» .
[ (27) ] في (م) و (ص) : صلّى الله عليه وآله وسلم.
[ (28) ] من هنا أول الحديث في صحيح البخاري.
[ (29) ] (المنطق) ما يشدّ به الوسط، أي اتخذت أم إسماعيل منطقا، وكان أول
الاتخاذ من جهتها، ومعناه انها تزيّت بزي الخدم إشعارا بأنها خادم سارة
لتستميل خاطرها، وتجبر قلبها.
[ (30) ] ليست في (م) ولا في (ص) .
[ (31) ] في (م) و (ص) : «وضعها» .
[ (32) ] ليست في (م) .
[ (33) ] في (م) و (ص) : «وقالت» .
(2/47)
يُضَيِّعُنَا. ثُمَّ رَجَعَتْ.
وَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ
لَا يَرَوْنَهُ، اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ، ثُمَّ دَعَا بِهَذِهِ
الدَّعَوَاتِ، وَرَفَعَ يَدَهُ وَقَالَ: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ
ذُرِّيَّتِي حَتَّى بَلَغَ: لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ [ (34) ] فَجَعَلَتْ
أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ
الْمَاءِ، حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ
ابْنُهَا وَجَاعَ، وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى- أَوْ قَالَ:
يَتَلَبَّطُ- قَالَ: فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ،
فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ مِنَ الْأَرْضِ يَلِيهَا، فَقَامَتْ
عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الْوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا؟
فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَهَبَطَتِ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ
الْوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا، وَسَعَتْ سَعْيَ الْإِنْسَانِ
الْمَجْهُودِ حَتَّى جَاوَزَتِ الْوَادِيَ، ثُمَّ أَتَتِ الْمَرْوَةَ
فَقَامَتْ عَلَيْهَا، فَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا، فَلَمْ تَرَ أَحَدًا،
فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ.
قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فَلِذَلِكَ [سَعَى
النَّاسُ] [ (35) ] بَيْنَهُمَا.
فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا، فَقَالَتْ: صَهٍ-
تُرِيدُ نَفْسَهَا- ثُمَّ تَسَمَّعَتْ أَيْضًا فَسَمِعَتْ، فَقَالَتْ: قَدْ
أُسْمِعْتُ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غَوَاثٌ، فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ عِنْدَ
مَوْضِعِ زَمْزَمَ يَبْحَثُ بِعَقِبِهِ- أَوْ قَالَ بِجَنَاحِهِ- حَتَّى
ظَهَرَ الْمَاءُ، فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ [ (36) ] وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ
مِنَ الْمَاءِ فِي سِقَائِهَا، وَهِيَ تَفُورُ بِقَدْرِ مَا تَغْرِفُ.
* قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وآله
وَسَلَّمَ، يَرْحَمُ اللهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ-
أَوْ قَالَ: لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنَ الْمَاءِ- لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا
مَعِينًا.
فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا، وَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ: لَا تَخَافِي
مِنَ الضَّيْعَةِ، فَإِنَّ
__________
[ (34) ] الآية الكريمة (37) من سورة إبراهيم.
[ (35) ] الزيادة من (م) و (ص) ، وهي موافقة لصحيح البخاري.
[ (36) ] في (هـ) و (ح) : تحوّطه، وفي (ص) : تخوضه، وأثبتّ ما في (م) ، وهو
موافق لرواية البخاري، ومعناه: «تجعله كالحوض لئلا يذهب الماء» .
(2/48)
هَهُنَا بَيْتَ اللهِ، يَبْنِيهِ هَذَا
الْغُلَامُ وَأَبُوهُ، وَإِنَّ اللهَ لَا يُضَيِّعُ أَهْلَهُ. فَكَانَ
الْبَيْتُ مُرْتَفِعًا كَالرَّابِيَةِ، تَأْتِيهِ السُّيُولُ فَتَأْخُذُ
عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، فَكَانُوا كَذَلِكَ حَتَّى مَرَّ بِهِمْ
قَوْمٌ مِنْ جُرْهُمٍ-[أَوْ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ جُرْهُمِ] [ (37) ]
مُقْبِلِينَ مِنْ كَدَاءَ [ (38) ] فَنَزَلُوا فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ،
فَرَأَوْا طَائِرًا عَائِفًا [ (39) ] فَقَالُوا: إِنَّهُ لَيَدُورُ،
وَلَعَهْدُنَا بِهَذَا، الْوَادِي مَا فِيهِ مَاءٌ! فَأَرْسَلُوا جَرِيًّا
[ (40) ] أَوْ جَرِيَّيْنِ فَرَجَعُوا، فَأَخْبَرُوهُمْ بِالْمَاءِ.
فَأَقْبَلُوا، فَقَالُوا: أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكَ؟
فَقَالَتْ: نَعَمْ، وَلَكِنْ لَا حَقَّ لَكُمْ فِي الْمَاءِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وآله
وَسَلَّمَ: فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، وَهِيَ تُحِبُّ
الْأُنْسَ. فَنَزَلُوا مَعَهَا حَتَّى كَانَ بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ
مِنْهُمْ، وَشَبَّ الْغُلَامُ، وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ [ (41) ] ،
مِنْهُمْ، وَأَنْفَسَهُمْ [ (42) ] وَأَعْجَبَهُمْ، فَلَمَّا أَدْرَكَ
زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ [ (43) ] . وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ.
قَالَ مَعْمَرٌ: وَبَلَغَنِي عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، [رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ] [ (44) ] ، أَنَّهُ قَالَ لِقُرَيْشٍ: إِنَّهِ كَانَ وُلَاةُ هَذَا
الْبَيْتِ قَبْلَكُمْ- أَظُنُّهُ قَالَ طسم- وتهاونوا به [ (45) ] ،
__________
[ (37) ] ليست في (ص) .
[ (38) ] محل في أعلى مكة.
[ (39) ] (طيرا عائفا) هو الذي يتردد على الماء ويحوم حوله، ولا يمضي عنه،
والعائف: الرجل الذي يعرف مواضع الماء من الأرض.
[ (40) ] (الجري) : الوكيل، والأجير، وسمي كذلك لأنه يجري مجرى مرسله، أو
موكله، او لأنه يجري مسرعا في حوائجه.
[ (41) ] عند الحاكم: «أول من نطق بالعربية إسماعيل» .
[ (42) ] (أنفسهم) ، بلفظ الماضي، اي رغبهم فيه، وفي مصاهرته، يقال: أنفسني
فلان في كذا، اي:
رغبني فيه، وأعجبهم: أي أعجبهم في نفاسته.
[ (43) ] قال السهيلي: «اسمها: جداء بنت سعد» ، وعن ابن اسحق ان اسمها:
عمارة.
[ (44) ] ليست في (م) .
[ (45) ] في (م) : «فَتَهَاوَنُوا بِهِ» .
(2/49)
ولم يُعَظِّمُوا حُرْمَتُهُ،
فَأَهْلَكَهُمُ اللهُ، تَعَالَى [ (46) ] ثُمَّ وَلِيَتْهُ بَعْدَهُمْ
جُرْهُمُ، فَتَهَاوَنُوا بِهِ، ولم يُعَظِّمُوا حُرْمَتَهُ، فَأَهْلَكَهُمُ
اللهُ تَعَالَى. فَلَا تَهَاوَنُوا بِهِ، وَعَظِّمُوا حُرْمَتَهُ.
ثُمَّ رَجَعَ الْحَدِيثُ إِلَى حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ.
قَالَ: فجاء إبراهيم [ (47) ] بعد ما تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلَ، لِيُطَالِعَ
تَرِكَتَهُ، فَلَمْ يَجِدْ إِسْمَاعِيلَ، فَسَأَلَ عَنْهُ امْرَأَتَهُ،
فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا [ (48) ] ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ
عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ [ (49) ] . فَقَالَتْ: نَحْنُ بِشَرٍّ، وَنَحْنُ
فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ، وَشَكَتْ إِلَيْهِ.
قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ، وَقُولِي
لَهُ: يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ [ (50) ] . فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ
كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا. قَالَ: هَلْ جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ:
نَعَمْ، جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا، فَسَأَلَنَا عَنْكَ، وَسَأَلَنَا
عَنْ عَيْشِنَا. فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ وَشِدَّةٍ.
قَالَ: فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، أَمَرَنِي أَنْ
أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ: غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ.
قَالَ: ذَلِكَ أَبِي [ (51) ] ، وَأَنْتِ الْعَتَبَةُ، أَمَرَنِي أَنْ
أُفَارِقَكِ، فَالْحَقِي بِأَهْلِكِ، وَطَلَّقَهَا. وَتَزَوَّجَ [ (52) ]
مِنْهُمْ أُخْرَى [ (53) ] . فَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ
اللهُ، ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَدَخَلَ عَلَى
امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا عَنْهُ. فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا.
وَقَالَ: كَيْفَ أَنْتُمْ؟ وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ،
فَقَالَتْ: نَحْنُ بِخَيْرٍ، وَنَحْنُ فِي سَعَةٍ، وَأَثْنَتْ عَلَى الله،
فقال: ماذا
__________
[ (46) ] ليست في (م) .
[ (47) ] في (م) : «إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلّم» .
[ (48) ] أي يطلب لنا الرزق.
[ (49) ] زاد في رواية عطاء بن السائب: «هل عندك من ضيافة» .
[ (50) ] (العتبة) بفتح العين المهملة، وهي اسكفة الباب وهي هنا كناية عن
المرأة.
[ (51) ] إبراهيم، وفي رواية: ذاك الذي هو أبي إبراهيم.
[ (52) ] في (م) : «فطلقها، فتزوّج، وفي (ص) : «ثم تزوج» .
[ (53) ] ذكر الواقدي ان اسمها: «سامة بنت مهلهل» ، وقيل: عاتكة، وقيل:
«بشامة بنت مهلهل» . وقيل غير ذلك.
(2/50)
طَعَامُكُمْ، قَالَتِ: [ (54) ] اللَّحْمُ.
قَالَ: فَمَا شَرَابُكُمْ؟ قَالَتِ: الْمَاءُ. قَالَ:
اللهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ والْمَاءِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وآله
وَسَلَّمَ: وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ، وَلَوْ [ (55) ] كَانَ
لَهُمْ حَبٌّ دَعَا لَهُمْ فِيهِ.
قَالَ: فَهُمَا لَا يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحَدٌ، بِغَيْرِ مَكَّةَ، إِلَّا
لَمْ يُوَافِقَاهُ [ (56) ] .
قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ، وَمُرِيهِ
أَنْ يُثَبِّتَ عَتَبَةَ بَابِهِ.
فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: هَلْ أَتَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ:
نَعَمْ، جَاءَنَا شَيْخٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ. وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ، فسألني
عنك فأخبرته، فسألنا كَيْفَ عَيْشُنَا؟ فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا بِخَيْرٍ.
قَالَ: وَهَلْ [ (57) ] أَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، يَقْرَأُ [
(58) ] عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَأْمُرُكَ أَنْ تُثَبِّتَ عَتَبَةَ
بَابِكَ. قَالَ: ذَاكَ أَبِي، وَأَنْتِ الْعَتَبَةُ، أَمَرَنِي أَنْ
أُمْسِكَكِ.
فَلَبِثَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ.
قَالَ مَعْمَرٌ: وَسَمِعْتُ رَجُلًا، يَقُولُ: كَانَ إِبْرَاهِيمُ، صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، يَأْتِي عَلَى الْبُرَاقِ.
ثُمَّ رَجَعَ الْحَدِيثُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. قَالَ سَعِيدٌ:
فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نَبْلًا لَهُ تَحْتَ دَوْحَةٍ
قَرِيبًا مِنْ زَمْزَمَ، فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ فَصَنَعَا كَمَا
يَصْنَعُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ، وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ [ (59) ] ،
قَالَ معاوية:
__________
[ (54) ] في (م) : «فقالت» .
[ (55) ] في (م) : «فلو» .
[ (56) ] الغرض أن المداومة على اللحم والماء لا يوافق الأمزجة، وينحرف
المزاج عنهما إلا في مكة فإنهما يوافقانه، وهذا من جملة بركاتها، وأثر دعاء
إِبْرَاهِيمُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-
[ (57) ] فِي (م) : فهل.
[ (58) ] في (ص) : يقرئ.
[ (59) ] يعني من الاعتناق والمصافحة، وتقبيل اليد.
(2/51)
وَسَمِعْتُ رَجُلًا يَقُولُ: بَكَيَا
حَتَّى أَجَابَتْهُمَا الطَّيْرُ. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ: يَا إِسْمَاعِيلُ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى [ (60) ]
يَأْمُرُنِي بِأَمْرٍ [ (61) ] . قَالَ:
فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ بِهِ. قَالَ أَفَتُعِينُنِي؟ قَالَ: وَأُعِينُكَ.
قَالَ: فَإِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ بَيْتًا هَا هُنَا. قَالَ:
فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ. قَالَ: فَجَعَلَ
إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ، وَإِبْرَاهِيمُ، صَلَّى اللهُ عليه
وآله وَسَلَّمَ، يَبْنِي، حَتَّى ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ، [فَلَمَّا
ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ] [ (62) ] جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ،
فَقَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْنِي، وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ
الْحِجَارَةَ، وَهُمَا يَقُولَانِ: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ
أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فَجَعَلَا يَبْنِيَانِ وَهُمَا يَدُورَانِ
حَوْلَ الْبَيْتِ، وَهُمَا يَقُولَانِ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ
أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [ (63) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (64) ] ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ
مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
* أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [
(65) ] أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَسْفَاطِيُّ-
يَعْنِي عَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ- قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ
__________
[ (60) ] ليست في (م) ولا في (ص) .
[ (61) ] قيل: كان عمر إبراهيم في ذلك الوقت مائة سنة، وعمر إسماعيل ثلاثين
سنة.
[ (62) ] ليست في (م) .
[ (63) ] الآية الكريمة (127) من سورة البقرة.
[ (64) ] الحديث أخرجه البخاري في صحيحه، في: 60- كتاب الأنبياء، (9) باب
يزفون: النسلان في المشي، فتح الباري (6: 396) ، بطوله، وفي كتاب الشرب
ببعضه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ
مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ.
كما أخرجه النسائي في المناقب الكبرى (78: 1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
الْأَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ معمر، عنهما: أي أيوب، وكثير
بن كثير نحوه بطوله. تحفة الاشراف (4: 440) .
[ (65) ] في (م) و (ص) : «أخبرنا» .
(2/52)
[قَالَ] [ (66) ] ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ
يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُسَافِعٌ الْحَجَبِيُّ،
سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنِ عَمْروٍ، يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: إِنَّ
الرُّكْنَ وَالْمَقَامَ مِنْ يَاقُوتِ الْجَنَّةِ، وَلَوْلَا مَا
مَسَّهُمَا مِنْ خَطَايَا بني آدم لأضاء مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ
وَالْمَغْرِبِ، وَمَا مَسَّهُمَا مِنْ ذِي عَاهَةٍ وَلَا سَقِيمٍ إِلَّا
شُفِيَ [ (67) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ
أَسْبَاطِ بْنِ نَصْرٍ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ:
خَرَجَ آدَمُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَعَهُ حَجَرٌ فِي يَدِهِ [ (68) ] ،
وَوَرَقٌ فِي الْكَفِّ الْأُخْرَى، فَنَبَتَ [ (69) ] الْوَرَقُ فِي
الْهِنْدِ فَمِنْهُ مَا تَرَوْنَ مِنَ الطِّيبِ، وَأَمَّا الْحَجَرُ
فَكَانَ يَاقُوتَةً بَيْضَاءَ يُسْتَضَاءُ بِهَا. فَلَمَّا بَنَى
إِبْرَاهِيمُ الْبَيْتَ فَبَلَغَ مَوْضِعَ الْحَجَرِ، قَالَ
لِإِسْمَاعِيلَ: ائْتِنِي بِحَجَرٍ أَضَعُهُ هَهُنَا. فَأَتَاهُ بِحَجَرٍ
مِنَ الْجَبَلِ، فَقَالَ: غَيْرُ هَذَا، فَرَدَّهُ مِرَارًا لَا يَرْضَى
بِمَا يَأْتِيهِ بِهِ [ (70) ] ، فَذَهَبَ مَرَّةً وَجَاءَ جِبْرِيلُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ بِحَجَرٍ [ (71) ] مِنَ الْهِنْدِ- الَّذِي خَرَجَ
بِهِ آدَمُ مِنَ الْجَنَّةِ- فَوَضَعَهُ، فَلَمَّا جَاءَهُ إِسْمَاعِيلُ
قَالَ: مَنْ جَاءَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: مَنْ هو أنشط منك [ (72) ] .
__________
[ (66) ] الزيادة من (م) .
[ (67) ] أخرجه الترمذي في: 7- كتاب الحج، (49) بَابُ مَا جَاءَ فِي فضل
الحجر الأسود والركن والمقام، ح (878) ، ص (3: 217) ، قال أبو عيسى: «هو
حديث غريب» ، وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (2: 213، 214) ، والحاكم في
«المستدرك» (1: 456) من طريق ضعيف.
[ (68) ] في (م) و (ص) : «معه بحجر في يده» .
[ (69) ] في (ح) و (هـ) : «فنثّ» .
[ (70) ] في (م) : «فردّده مرارا لا يرضى ما يأتيه به» .
[ (71) ] في (هـ) و (م) «بالحجر» .
[ (72) ] انفرد البيهقي بإخراجه.
(2/53)
* أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ
أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ
السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي
قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ [ (73) ] قَالَ:
لَمَّا أَمَرَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ،
أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ قَالَ: يَا أَيُّها النَّاسُ،
إِنَّ رَبَّكُمُ اتَّخَذَ بَيْتًا، وَأَمَرَكُمْ أَنْ تحجوه. فاستجاب له
سَمِعَهُ [ (74) ] مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ أَكَمَةٍ أَوْ تُرَابٍ
أَوْ شَيْءٍ، فَقَالُوا: لَبَّيْكَ اللهُمَّ لَبَّيْكَ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الأعلى ابن
حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ
خُثَيْمٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ:
قُلْتُ لَهُ: يَا خَالِ: حَدِّثْنِي عَنْ شَأْنِ الْكَعْبَةِ قَبْلَ أَنْ
تَبْنِيَهَا قُرَيْشٌ. قَالَ:
كَانَ بِرَضْمٍ [ (75) ] يابس ليس بمدر [ (76) ] يندوه الْعَنَاقُ،
وَتُوضَعُ الْكِسْوَةُ عَلَى الْجُدُرِ، ثُمَّ تُدَلَّى.
ثُمَّ إِنَّ سَفِينَةً لِلرُّومِ أَقْبَلَتْ حَتَّى إِذَا كَانَتْ
بِالشُّعَيْبَةِ [ (77) ] انْكَسَرَتْ، فَسَمِعَتْ بِهَا قُرَيْشٌ،
فَرَكِبُوا إِلَيْهَا، وَأَخَذُوا خَشَبَهَا، ورومي يُقَالُ لَهُ:
بَلْقُومُ نَجَّارٌ باني.
فَلَمَّا قَدِمُوا مَكَّةَ، قَالُوا: لَوْ بَنَيْنَا بَيْتَ رَبِّنَا عَزَّ
وَجَلَّ. فَاجْتَمَعُوا لِذَلِكَ، ونقلوا
__________
[ (73) ] الآية الكريمة (27) من سورة الحج.
[ (74) ] في (ح) و (هـ) : ما سمع.
[ (75) ] في (ص) : «بوضم» وهو تصحيف، والرضم: الحجارة.
[ (76) ] (المدر) : قطع الطين اليابس.
[ (77) ] (الشعيبة) : قرية على ساحل البحر جنوب جدة. معجم ما استعجم (1:
292) .
(2/54)
الْحِجَارَةَ مِنْ أَجْيَادِ [ (78) ]
الضَّوَاحِي، فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ،
يَنْقِلُهَا إِذِ انْكَشَفَتْ نَمِرَتُهُ [ (79) ] ، فَنُودِيَ: يَا
مُحَمَّدُ، عَوْرَتَكَ. فَذَلِكَ أَوَّلُ مَا نُودِيَ. وَاللهُ أَعْلَمُ.
فَمَا رؤيت لَهُ عَوْرَةٌ بَعْدُ وَلَا قَبْلُ [ (80) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرُ
بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْرَفِيُّ بِمَروَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
حَيَّانَ بْنِ مُلَاعِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى،
وَمُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عن خالد بن عُرْعُرَةَ، [قَالَ] [ (81) ]
: سَأَلَ رَجُلٌ عَلِيًّا، [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (82) ] ، عَنْ أَوَّلِ
بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا، هُوَ أَوَّلُ
بَيْتٍ وُضِعَ [ (83) ] فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُ أَوَّلُ
بَيْتِ وُضِعَ فِيهِ الْبَرَكَةُ وَالْهُدَى، وَمَقَامُ إِبْرَاهِيمَ،
وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمَنَّا. وَإِنْ شِئْتَ أَنْبَأْتُكَ كَيْفَ
بِنَاؤُهُ: إِنَّ اللهَ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَوْحَى إِلَى
إِبْرَاهِيمَ، [عَلَيْهِ السَّلَامُ] [ (84) ] : أَنِ ابْنِ لِي بَيْتًا
فِي الْأَرْضِ، فَضَاقَ بِهِ ذَرْعًا، فَأَرْسَلَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ،
إِلَيْهِ السَّكِينَةَ، وَهِيَ رِيحٌ خَجُوجٌ [ (85) ] لَهَا رَأْسٌ،
فَاتَّبَعَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ حَتَّى انْتَهَتْ ثُمَّ تَطَوَّقَتْ
إِلَى مَوْضِعِ الْبَيْتِ تَطَوُّقَ الْحَيَّةِ، فَبَنَى إبراهيم، فكان
__________
[ (78) ] (أجياد) موضع من بطحاء مكة. معجم ما استعجم (1: 115) .
[ (79) ] في (ص) : «عورته» .
[ (80) ] أخرجه عبد الرزاق، والطبراني، والحاكم، عن ابي الطفيل- رضي الله
عنه- وعنهم: الصالحي في السيرة الشامية (2: 230) .
[ (81) ] ليست في (ص) .
[ (82) ] ليست في (ص) .
[ (83) ] في (م) و (ص) : «بني» .
[ (84) ] ليست في (ص) ولا في (م) .
[ (85) ] خجوج: شديدة.
(2/55)
يَبْنِي هُوَ سَاقًا كُلَّ يَوْمٍ [ (86) ]
، حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَكَانَ الْحَجَرِ، قَالَ لِابْنِهِ: ابْغِنِي
حَجَرًا، فَالْتَمَسَ ثَمَّ حَجَرًا حَتَّى أَتَاهُ بِهِ، فَوَجَدَ
الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ قَدْ رُكِّبَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ: مِنْ أَيْنَ
لَكَ هَذَا؟ قَالَ: جَاءَ بِهِ مَنْ لَمْ يَتَّكِلْ عَلَى بِنَائِكَ، جَاءَ
بِهِ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنَ السَّمَاءِ فَأَتَمَّهُ [ (87)
] .
* وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (88) ]
أَبُو الْحَسَنِ [مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ] [ (89) ] السَّرَّاجُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا [ (90) ] أَبُو شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
دَاوُدُ ابن عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ: سَلَّامُ بْنُ
سُلَيْمٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عُرْعُرَةَ، عَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (91) ] ، بِمَعْنَاهُ
زَادَ: قَالَ فَمَرَّ عَلَيْهِ الدَّهْرُ، فَانْهَدَمَ، فَبَنَتْهُ
الْعَمَالِقَةُ. قَالَ: فَمَرَّ عَلَيْهِ الدَّهْرُ، فَانْهَدَمَ،
فَبَنَتْهُ جُرْهُمُ، فَمَرَّ عَلَيْهِ الدَّهْرُ، فَبَنَتْهُ قريش، ورسول
الله، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ شَابٌّ، فَلَمَّا
أَرَادُوا أَنْ يَرْفَعُوا الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ اخْتَصَمُوا فِيهِ،
فَقَالُوا:
نُحَكِّمُ بَيْنَنَا أَوَّلَ رَجُلٍ يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ السِّكَّةِ،
فَكَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، أَوَّلَ مَنْ
خَرَجَ عَلَيْهِمْ. فَقَضَى بَيْنَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي مِرْطٍ، ثُمَّ
تَرْفَعُهُ جَمِيعُ الْقَبَائِلِ كُلُّهُمْ [ (92) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، [رحمه
الله] [ (93) ] قال:
__________
[ (86) ] في (هـ) : «فكان يبني كل يوم ساقا» .
[ (87) ] أخرجه الطبري في تفسيره (3: 69- 71) ، ورواه الحاكم في «المستدرك»
(2: 292- 293) ، وقال: «صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي،
ورواه الأزرقي في «تاريخ مكة» (1: 24- 25) .
[ (88) ] في (ص) و (م) : «أخبرنا» .
[ (89) ] الزيادة من (م) .
[ (90) ] في (م) و (ص) : «أخبرنا» .
[ (91) ] الزيادة من (هـ) و (ح) .
[ (92) ] أخرجه الحاكم في «المستدرك» تاما، (1: 458) ، وقال: «صحيح» .
وأقره الذهبي.
[ (93) ] الزيادة من (م) و (ص) .
(2/56)
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ
الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَقَيْسٌ،
وَسَلَامٌ، كُلُّهُمْ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ
عُرْعُرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا أَنْ هُدِمَ
الْبَيْتُ بَعْدَ جُرْهُمٍ، بَنَتْهُ قُرَيْشٌ، فَلَمَّا أَرَادُوا وَضْعَ
الْحَجَرِ تَشَاجَرُوا مَنْ يَضَعْهُ، فَاتَّفَقُوا أَنْ يَضَعَهُ أَوَّلُ
مَنْ يَدْخُلُ مِنْ هَذَا الْبَابِ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله
عليه وآله وَسَلَّمَ، مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ، فَأَمَرَ بِثَوْبٍ
فَوُضِعَ الْحَجَرُ فِي وَسَطِهِ، وَأَمَرَ كُلَّ فَخِذٍ أَنْ يَأْخُذُوا
بِطَائِفَةٍ مِنَ الثَّوْبِ فَيَرْفَعُوهُ، وَأَخَذَهُ رَسُولُ اللهِ،
صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَوَضَعَهُ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عبد الله بن جعفر ابْنُ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَصْبَغُ بْنُ فَرَجٍ [ (94)
] ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،
قَالَ:
لَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، الْحُلُمَ
أَجْمَرَتِ امْرَأَةٌ الْكَعْبَةَ، وَطَارَتْ [ (95) ] شَرَارَةٌ مِنْ
مجمرتها في ثياب الكعبة فَاحْتَرَقَتْ، فَهَدَمُوهَا، حَتَّى إِذَا
بَنَوْهَا، فَبَلَغُوا مَوْضِعَ الرُّكْنِ اخْتَصَمَتْ قُرَيْشٌ فِي
الرُّكْنِ: أَيُّ الْقَبَائِلِ تَلِي رَفْعَهُ؟ فَقَالُوا:
تَعَالَوْا نُحَكِّمُ أَوَّلَ مَنْ يَطْلُعُ عَلَيْنَا. فَطَلَعَ
عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، وَهُوَ
غُلَامٌ عَلَيْهِ وِشَاحُ نَمِرَةٍ، فَحَكَّمُوهُ، فَأَمَرَ بِالرُّكْنِ
فَوُضِعَ فِي ثَوْبٍ، ثُمَّ أَخْرَجَ سَيِّدَ كُلِّ قَبِيلَةٍ، فَأَعْطَاهُ
نَاحِيَةً مِنَ الثَّوْبِ، ثُمَّ ارْتَقَى هُوَ فَرَفَعُوا إِلَيْهِ
الرُّكْنَ، فَكَانَ هُوَ يَضَعُهُ، ثُمَّ طَفِقَ لَا يَزْدَادُ عَلَى
السِّنِّ إِلَّا رِضًا [ (96) ] حَتَّى دَعَوْهُ الْأَمِينَ قَبْلَ أَنْ
يَنْزِلَ عليه وحي. فَطَفِقُوا لَا يَنْحَرُونَ جَزُورًا إِلَّا
الْتَمَسُوهُ فَيَدْعُو لَهُمْ فيها [ (97) ] .
__________
[ (94) ] في (ص) : «الفرج» .
[ (95) ] في (م) و (ص) : «فطارت» .
[ (96) ] في (م) و (ص) رسمت: رضى.
[ (97) ] أخبار مكة للأزرقي (1: 99) ، سبل الهدى والرشاد (2: 232) من طريق
يعقوب بْنُ سُفْيَانَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ.
(2/57)
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ
الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بكر: محمد ابْنَ عَبْدِ
اللهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ:
الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي
إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ: مُوسَى بْنِ
عُقْبَةَ، قَالَ:
كَانَ بَيْنَ الْفِجَارِ وَبَيْنَ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ
سَنَةً [ (98) ] .
وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْفِجَارُ لِأَنَّ قُرَيْشًا كَانَ بَيْنَهُمْ
وَبَيْنَ قَيْسِ [ (99) ] عَيْلَانَ عَهْدٌ وَمِيثَاقٌ بِعُكَاظَ. قَالَ
غَيْرُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: فَوَقَعَتْ بَيْنَهُمْ حَرْبٌ اسْتَحَلُّوا
فِيهَا الْحُرُمَاتِ، وَفَجَرُوا فِيهَا.
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ [ (100) ] : وَإِنَّمَا حَمَلَ قُرَيْشًا عَلَى
بُنْيَانِهَا أَنَّ السَّيْلَ كَانَ يَأْتِي مِنْ فَوْقِهَا، مِنْ فَوْقِ
الرَّدْمِ الَّذِي صَنَعُوهُ فَأَضَرَّ بِهِ، فَخَافُوا أَنْ يَدْخُلَهَا
الْمَاءُ،
__________
[ (98) ] قال ابن هشام (1: 198) : «لَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلّم اربع عشرة سنة، أو خمس عشرة سنة هاجت حرب
الفجار، وقال ابن إسحق: «هاجت حرب الفجار وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عليه وآله وسلّم ابن عشرين سنة» وقال ابن كثير في البداية والنهاية (2:
300) : «كان الفجار، وحلف الفضول في سنة واحدة» .
[ (99) ] في (هـ) و (ح) : «قيس بن عيلان» ، وأثبت ما في (م) و (ص) وهو
موافق لسيرة ابن هشام (1: 201)
[ (100) ] موسى بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي عياش، أبو محمد الأسدي كان تلميذ
الزهري، وعاش في المدينة، التقى بعبد اللهِ بْنِ عُمَرَ فِي طريقه حاجا الى
مكة، وكان له في مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم حلقة
علم، وانصرف جل اهتمامه الى مَغَازِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله
وسلّم والخلفاء الراشدين، وله كتاب المغازي اعتمد فيه اعتمادا اساسيا على
الزهري، وقد اختصره ابن عبد البر في «الدرر في اختصار المغازي والسير.
ومتفق على توثيقه، فقد أخرج له الستة، وله ترجمة في الجرح والتعديل (4: 2:
155) التهذيب (10: 360) .
(2/58)
وَكَانَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: مَلِيحٌ
سَرَقَ طِيبَ الْكَعْبَةِ، فَأَرَادُوا أَنْ يَشُدُّوا بُنْيَانَهَا،
وَأَنْ يَرْفَعُوا بَابَهَا حَتَّى لَا يَدْخُلَهَا إِلَّا مَنْ شَاءُوا،
فَأَعَدُّوا لِذَلِكَ نَفَقَةً وَعُمَّالًا، ثُمَّ عَمَدُوا إِلَيْهَا،
لِيَهْدِمُوهَا عَلَى شَفَقٍ وَحَذَرٍ أَنْ يَمْنَعَهُمُ اللهُ الَّذِي
أَرَادُوا، فَكَانَ أَوَّلُ رَجُلٍ طَلَعَهَا وَهَدَمَ مِنْهَا شَيْئًا:
الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، فَلَمَّا رَأَوَا الَّذِي فَعَلَ الْوَلِيدُ
تَتَابَعُوا فَوَضَعُوهَا، فَأَعْجَبَهُمْ ذَلِكَ. فَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ
يَأْخُذُوا فِي بُنْيَانِهَا [ (101) ] أَحْضَرُوا عُمَّالَهُمْ فَلَمْ
يَقْدِرْ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يَمْضِيَ أمامه مَوْضِعِ قَدَمِهِ.
وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا حَيَّةً قَدْ أَحَاطَتْ بِالْبَيْتِ،
رَأْسُهَا عِنْدَ ذَنَبِهَا، فَأَشْفَقُوا مِنْهَا شَفَقَةً شَدِيدَةً،
وَخَشَوْا أَنْ يَكُونُوا قَدْ وَقَعُوا مِمَّا عَمِلُوا فِي هَلَكَةٍ.
وَكَانَتِ الْكَعْبَةُ حِرْزَهُمْ، وَمَنَعَتْهُمْ مِنَ النَّاسِ،
وَشَرَفًا لَهُمْ، فَأَشَارَ عَلَيْهِمْ- زَعَمُوا- الْمُغِيرَةُ بْنُ
عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ بِالَّذِي ذُكِرَ فِي هَذَا
الْكِتَابِ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ذَهَبَتِ الْحَيَّةُ فِي السَّمَاءِ
وتغيبت منهم، أَنَّ ذَلِكَ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَيَقُولُ بَعْضُ
النَّاسِ: خَطَفَهَا طَائِرٌ فَأَلْقَاهَا نحو جياد.
فَلَمَّا سَقَطَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَالْتَبَسَ عَلَيْهِمْ أَمْرُهُمْ-
قَامَ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ،
فَقَالَ: هَلْ لَكُمْ فِي أَمْرٍ تَبْتَغُونَ بِهِ مَرْضَاةَ رَبِّ هَذَا
الْبَيْتِ؟ فَإِذَا اجْتَهَدْتُمْ رَأْيَكُمْ وَجَهَدْتُمْ جَهْدَكُمْ-
نَظَرْتُمْ فَإِنْ خَلَّى الله [عَزَّ وَجَلَّ] [ (102) ] بَيْنَكُمْ
وَبَيْنَ بُنْيَانِهَا [ (103) ] ، فَذَلِكَ الَّذِي أَرَدْتُمْ، وَإِنْ
حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ كَانَ ذَلِكَ وَقَدِ اجْتَهَدْتُمْ [ثُمَّ] [
(104) ] قَالُوا: أَشِرْ عَلَيْنَا. قَالَ: إِنَّكُمْ قَدْ جَمَعْتُمْ
لِنَفَقَةِ هَذَا الْبَيْتِ مَا قَدْ عَلِمْتُمْ، وَإِنَّكُمْ قَدْ
أَخَذْتُمْ فِي هَدْمِهِ، وَبُنْيَانِهِ، عَلَى تَحَاسُدٍ مِنْكُمْ،
وَإِنِّي أَرَى أَنْ تُقَسِّمُوا أَرْبَعَةَ أَرْبَاعٍ عَلَى مَنَازلِكُمْ
فِي الْآلِ وَالْأَرْحَامِ، ثُمَّ تُقَسِّمُوا البيت
__________
[ (101) ] في (م) و (ص) : «بنائها» .
[ (102) ] الزيادة من (م) .
[ (103) ] في (م) : «بنائها» .
[ (104) ] الزيادة من (م) .
(2/59)
عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ، وَلَا
تَجْعَلُوا أَحَدَ جَوَانِبِ الْبَيْتِ كَامِلًا، لِكُلٍّ رُبْعٍ، وَلَكِنِ
اقْسِمُوهُ نِصْفَيْنِ [ (105) ] [أَيْضًا فَإِنَّ] [ (106) ] كُلَّ
جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِ الْبَيْتِ، فَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ
فَلْيُعَيِّنَ كُلُّ رُبْعٍ مِنْكُمْ نَصِيبَهُ، وَلَا تَجْعَلُنَّ فِي
نَفَقَةِ الْبَيْتِ شَيْئًا أَصَبْتُمُوهُ غَصْبًا، وَلَا قَطَعْتُمْ فِيهِ
رَحِمًا، وَلَا انْتَهَكْتُمْ فِيهِ ذِمَّةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَحَدٍ
مِنَ النَّاسِ، فَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَاقْتَرِعُوا بِفِنَاءِ
الْبَيْتِ، وَلَا تَنَازَعُوا وَلَا تَنَافَسُوا، ولْيَصِيرَ [ (107) ]
كُلُّ رُبْعٍ مِنْكُمْ مَوْضِعَ سَهْمِهِ، ثُمَّ انْطَلِقُوا
بَعُمَّالِكُمْ، فَلَعَلَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ أَنْ تَخْلُصُوا
إِلَيْهَا. فَلَمَّا سَمِعُوا قَوْلَ الْمُغِيرَةِ رَضُوا بِهِ،
وانْتَهَوْا إِلَيْهِ، وَفَعَلُوا الَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ.
فَيَزْعُمُ عُلَمَاءُ أَوَّلِيَّةِ قُرَيْشٍ: أَنْ بَابَ الْكَعْبَةِ إِلَى
الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ بِالنِّصْفِ مِنْ جَانِبِهَا الَّذِي يَلِي
الْيَمَنَ- صَارَ فِي سَهْمِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ.
فَلَمَّا انْتَهَى الْبُنْيَانُ إِلَى مَوْضِعِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ
تَنَافَسُوا فِي رَفْعِهِ، وَتَحَاسَدُوا عَلَيْهِ، فَحَكَّمُوا فِيهِ
أَوَّلَ رَجُلٍ يَطْلُعُ عَلَيْهِمْ. فَكَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله
عليه وآله وَسَلَّمَ- فِيمَا بَلَغَنَا- ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَأَعَانُوهُ
عَلَى رَفْعِهِ عَلَى إِصْلَاحٍ [ (108) ] مِنْهُمْ وَجَمَاعَةٍ.
فَيَزْعُمُونَ أَنْ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ،
وَضَعَهُ وَسْطَ ثَوْبٍ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: خُذُوا بِزَوَايَاهُ
وَجَوَانِبِهِ كُلِّهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله
وَسَلَّمَ، هُوَ الَّذِي يَرْفَعُ الْحَجَرَ، فَوَضَعَهُ بِيَدِهِ
مَوْضِعَهُ، وَذَلِكَ قَبْلَ مَبْعَثِهِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً.
قَالَ وَزَعَمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ: أَنْ أَوَّلِيَّةَ قُرَيْشٍ
[كَانُوا يُحَدِّثُونَ أَنَّ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ] [ (109) ] لَمَّا
اجْتَمَعُوا لِيَنْزَعُوا الْحِجَارَةَ، وانْتَهَوْا إِلَى تَأْسِيسِ
إِبْرَاهِيمَ وإِسْمَاعِيلَ [عَلَيْهِمَا السَّلَامُ] [ (110) ]- عَمَدَ
رَجُلٌ مِنْهُمْ إِلَى حَجَرٍ من الأساس
__________
[ (105) ] في (هـ) : «قسموه إنصافا من كل جانب» .
[ (106) ] الزيادة من (ص) و (م) .
[ (107) ] في (هـ) : «وليصب» .
[ (108) ] في (هـ) : «على اصطلاح» .
[ (109) ] الزيادة من (م) و (ص) .
[ (110) ] الزيادة من (م) .
(2/60)
الْأَوَّلِ، فَرَفَعَهُ وَهُوَ لَا يَدْرِي
أَنَّهُ مِنَ الْأَسَاسِ الْأَوَّلِ، فَأَبْصَرَ الْقَوْمُ بَرْقَةً تَحْتَ
الْحَجَرِ كَادَتْ تَلْتَمِعُ بَصَرَ الرَّجُلِ، وَنَزَلَ الْحَجَرُ مِنْ
يَدِهِ فَوَقَعَ فِي مَوْضِعِهِ، وَفَزِعَ الرَّجُلُ وَالْبُنَاةُ،
فَلَمَّا سَتَرَ عَنْهُمُ الْحَجَرُ مَا تَحْتَهُ عَادُوا إِلَى
بُنْيَانِهِمْ، وَقَالُوا:
لَا تُحَرِّكُوا هَذَا الْحَجَرَ وَلَا شَيْئًا بِحِذَائِهِ. فَلَمَّا
انْتَهَوْا إِلَى أُسِّ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَجَدُوا فِي حَجَرٍ مِنْهَا-
فَلَا أَدْرِي لَعَلَّهُ ذُكِرَ أَنْهُ فِي أَسْفَلِ الْمَقَامِ- كِتَابًا
لَمْ يَدْرُوا مَا هُوَ حَتَّى جَاءَهُمْ حَبْرٌ مِنْ يَهُودِ الْيَمَنِ
فَنَظَرَ إِلَى الْكِتَابِ فَحَدَّثَهُمْ: أَنَّهُ قَدْ قَرَأَهُ،
فَاسْتَحْلَفُوهُ: لَتُحَدِّثَنَّا بِمَا فِيهِ، وَلْتَصْدُقَنَّا عَنْهُ.
فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ فِيهِ: أَنَا اللهُ ذُو بَكَّةَ، حَرَّمْتُهَا يَوْمَ
خلقت السموات وَالْأَرْضَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، وَيَوْمَ وَضَعْتُ
هَذَيْنِ الْجَبَلَيْنِ، وَحَفَفْتُهُمَا بِسَبْعَةِ أَمْلَاكٍ حُنَفَاءَ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ فَارِسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ فَارِسٍ، قَالَ: حدثنا محمد ابن إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُعَلَّى، قَالَ: حَدَّثَني [ (111) ] وُهَيْبٌ، عَنِ ابْنِ
خُثَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ خَلَفِ بْنِ
عَبْدِ يَغُوثَ، عَنْ أَبِيهِ.
أَنَّهُمْ وَجَدُوا كِتَابًا أَسْفَلَ الْمَقَامِ، فَدَعَتْ قُرَيْشٌ
رَجُلًا مِنْ حِمْيَرَ فَقَالَ: إِنَّ فِيهِ لَحَرْفًا لَوْ
أُحُدِّثَكُمُوهُ لَقَتَلْتُمُونِي. فَظَنَنَّا أَنَّ فِيهِ ذِكْرَ
مُحَمَّدٍ فَكَتَمْنَاهُ [ (112) ] .
* وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنَ يَسَارٍ. فَذَكَرَ قِصَّةَ بُنْيَانِ
الْكَعْبَةِ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ بِمَعْنَى مَا رُوِّينَا عَنْ مُوسَى بْنِ
عُقْبَةَ. إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَيَنْحَلُونَ هَذَا الْكَلَامَ
الْوَلِيدَِ بن
__________
[ (111) ] في (م) : «حدّثنا» .
[ (112) ] التاريخ الكبير (1: 1: 445) .
(2/61)
الْمُغِيرَةِ، وَقِيلَ: أَبُو وُهَيْبِ
بْنُ عَمْروِ بْنِ عَائِذٍ.
وَقَالَ فِي دُخُولِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ،
فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: هَذَا الْأَمِينُ، قَدْ رَضِينَا بِمَا قَضَى
بَيْنَنَا. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ،
يُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ: الْأَمِينَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ.
وَزَعَمَ أَنْ ذَلِكَ بَعْدَ الْفِجَارِ. بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً،
وَرَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، إِذْ ذَاكَ ابْنُ
خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً.
كَذَا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ: زَعَمُوا أَنَّ
النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، كَانَ إِذْ ذَاكَ ابن
خمس وعشرين سنة، وَذَلِكَ قَبْلَ الْبَعْثِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً [
(113) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَلَمَةُ، قَالَ:
حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ:
مُجَاهِدٌ:
بُنِيَ الْبَيْتُ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله
وَسَلَّمَ، بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً.
قُلْتُ: وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَمُحَمَّدِ بْنِ
جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وغيرهما.
__________
[ (113) ] اختلف في سِنِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم
حينئذ. فقيل: كان ابن خمس وثلاثين.
وحكى الازرقي قولا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم لما بنيت
الكعبة كان غلاما.
قال الحافظ ابن حجر: «ولعل عمدته ما رواه عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ
مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عليه وآله وسلّم أجمرت امرأة الْكَعْبَةَ، فَطَارَتْ شَرَارَةٌ مِنْ
مجمرها فِي ثِيَابِ الْكَعْبَةِ فَاحْتَرَقَتْ، فذكر القصة.
وروى عبد الرزاق، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مجاهد، ان ذلك قبل المبعث بخمس
عشرة سنة، وكذا ابن عبد البر من طريق محمد بن جبير، وبه جزم موسى بن عقبة
في المغازي.
والذي جزم به ابن إسحق ان بنيان قريش كان قبل المبعث بخمس سنين.
ويمكن الجمع بينهما بأن يكون الحريق تقدّم وقته على الشروع في البناء.
(2/62)
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ
الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ:
أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ: مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو ثَابِتٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ عَائِشَةَ:
أَنَّ الْمُقَامَ كَانَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عليه وآله
وَسَلَّمَ، وَزَمَانِ أَبِي بَكْرٍ مُلْتَصِقًا بِالْبَيْتِ، ثُمَّ
أَخَّرَهُ عُمَرُ بن الخطاب، [رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا] [ (114) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي طَاهِرُ
بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَيْهَقِي، ابْنُ أُخْتِ الْفَضْلِ
بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ،
قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الزُّهْرِيُّ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ
ابْنِ عباس:
أنّ جبريل أرى إبراهيم، عليهما السّلام، موضع أَنْصَابِ الْحَرَمِ،
فَنَصَبَهَا، ثُمَّ جدّدها إسماعيل، ثُمَّ جَدَّدَهَا قُصَيُّ بْنُ
كِلَابٍ، ثُمَّ جَدَّدَهَا رَسُولُ الله، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ بَعَثَ أَرْبَعَةً مِنْ قُرَيْشٍ فَنَصَبُوا أنصاب الحرم
[بموضع أنصاب الْحَرَمِ] [ (115) ] : مَخْرَمَةَ بْنَ نَوْفَلِ ابن
أُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، وَأَزْهَرَ بْنَ عَبْدِ
عَوْفٍ، وَسَعِيدَ بْنَ يَرْبُوعٍ، وَحُوَيْطِبَ بِنَ عَبْدِ الْعُزَّى.
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ
__________
[ (114) ] ليست في (م) .
[ (115) ] الجملة في (هـ) ، وليست في باقي النّسخ.
(2/63)
يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ
بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ
ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ
حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ
زُرَارَةَ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله
وَسَلَّمَ:
أَنَّهَا قَالَتْ: مَا زِلْنَا نَسْمَعُ أَنْ إِسَافًا وَنَائِلَةَ رَجُلٌ
وَامْرَأَةٌ مِنْ جُرْهُمٍ، زَنَيَا فِي الْكَعْبَةِ، فَمُسِخَا حَجَرَيْنِ
[ (116) ] .
__________
[ (116) ] أخبار مكة (1: 44) .
(2/64)
|