دلائل النبوة للبيهقي محققا

بَابُ مَنْ [تَقَدَّمَ إِسْلَامُهُ] [ (1) ] مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَمَا ظَهَرَ لِأَبِي بَكْرٍ مِنْ آيَاتِهِ، وَمَا سَمِعَ طَلْحَةُ مِنْ قَوْلِ الرَّاهِبِ، وَمَا ظَهَرَ لِابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ آيَاتِهِ، وَمَا رَأَى خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ فِي مَنَامِهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قال: «وَكَانَتْ خَدِيجَةُ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَصَدَّقَ بِمَا جَاءَ بِهِ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ حِينَ افْتُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ» فَهَمَزَ [ (2) ] لَهُ بِعَقِبِهِ فِي نَاحِيَةِ الْوَادِي فَانْفَجَرَتْ لَهُ عَيْنٌ مِنْ مَاءِ مُزْنٍ فَتَوَضَّأَ جِبْرِيلُ وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ثُمَّ صَلَّيَا [ (3) ] رَكْعَتَيْنِ وِسَجَدَا أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، قَدْ أَقَرَّ اللهُ عَيْنَهُ وَطَابَتْ نَفْسُهُ وَجَاءَهُ مَا يُحِبُّ مِنَ اللهِ فَأَخَذَ بِيَدِ خَدِيجَةَ حَتَّى أَتَى بِهَا الْعَيْنَ فَتَوَضَّأَ كَمَا تَوَضَّأَ جِبْرِيلُ ثُمَّ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ هُوَ وَخَدِيجَةُ ثُمَّ كَانَ هُوَ وَخَدِيجَةُ يُصَلِّيَانِ سِرًّا [ (4) ] .
__________
[ (1) ] كذا ورد العنوان في (م) و (ص) و (هـ) ، وأما في (ح) ، فجاء: «باب من تفقه وأسلم من الصحابة ... »
[ (2) ] الزيادة من (ح) ، وكلمة «همز» سقطت من (م) .
[ (3) ] في (ح) و (هـ) : «صلى» .
[ (4) ] الخبر في سيرة ابن هشام (1: 263) ، ونقله عنه الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (3:
24) ، وقال: «صلاة جبريل هذه غير الصلاة التي صلاها به عند البيت مرتين، فبين له أوقات الصلاة الخمس، أولها وآخرها، فإن ذلك كان بعد فرضيتها ليلة الإسراء» .

(2/160)


قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: [ثُمَّ] [ (5) ] إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (6) ] جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ فَوَجَدَهُمَا يُصَلِّيَانِ، فَقَالَ عَلِيٌّ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (7) ] مَا هَذَا يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: دِينُ اللهِ الَّذِي اصْطَفَى لِنَفْسِهِ وَبَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ فَأَدْعُوكَ إِلَى اللهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَإِلَى عِبَادَتِهِ وَكُفْرٍ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى. فَقَالَ عَلِيٌّ: هَذَا أَمْرٌ لَمْ أَسْمَعْ [بِهِ] [ (8) ] قَبْلَ الْيَوْمِ فَلَسْتُ بِقَاضٍ أَمْرًا حَتَّى أُحَدِّثَ بِهِ أَبَا طَالِبٍ، وَكَرِهَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَنْ يُفْشِيَ عَلَيْهِ سَرَّهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَعْلِنَ [ (9) ] أَمْرُهُ فَقَالَ لَهُ يَا عَلِيُّ إِذَا [ (10) ] لَمْ تُسْلِمْ فَاكْتُمْ. فَمَكَثَ عَلِيٌّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ [ثُمَّ إِنَّ اللهَ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَوْقَعَ فِي قَلْبِ عَلِيٍّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الْإِسْلَامَ، فَأَصْبَحَ غَادِيًا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ] [ (11) ] حَتَّى جَاءَهُ فَقَالَ: ماذا عَرَضْتَ عَلَيَّ يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَتَكْفُرُ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى، وَتَبْرَأُ مِنَ الْأَنْدَادِ، فَفَعَلَ عَلِيٌّ، وَأَسْلَمَ فَمَكَثَ عَلِيٌّ يَأْتِيهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ أَبِي طَالِبٍ، وَكَتَمَ عَلِيٌّ إِسْلَامَهُ وَلَمْ يُظْهِرْهُ، وَأَسْلَمَ ابْنُ حَارِثَةَ، فَمَكَثَا قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ، يَخْتَلِفُ عَلِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَكَانَ مِمَّا أَنْعَمَ اللهُ عَلَى عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ فِي حِجْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ» [ (12) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمَّارُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حدّثني سلمة
__________
[ (5) ] سقطت من (ص) .
[ (6) ] الزيادة من (ح) .
[ (7) ] الزيادة من (م) و (ص) .
[ (8) ] الزيادة من (ح) .
[ (9) ] حرفت في (ح) إلى «يستغلن» .
[ (10) ] في (ح) «إذا» ، وفي بقية النسخ «إذ» .
[ (11) ] الزيادة بين الحاصرتين من (م) فقط.
[ (12) ] سيرة ابن هشام (1: 264- 265) .

(2/161)


ابن الْفَضْلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ بن [مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ أَبِي الْحَجَّاجِ] [ (13) ] قَالَ: وَكَانَ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (14) ] مِمَّا صَنَعَ إِلَيْهِ وَأَرَادَ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ، أَنَّ قُرَيْشًا أَصَابَتْهُمْ أَزْمَةٌ شَدِيدَةٌ وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ ذَا عِيَالٍ كَثِيرٍ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ عَمِّهِ وَكَانَ أَيْسَرَ بَنِي هَاشِمٍ: يَا عَبَّاسُ إِنَّ أَخَاكَ أَبَا طَالِبٍ كَثِيرُ الْعِيَالِ وَقَدْ أَصَابَ النَّاسَ، مَا تَرَى مِنْ هَذِهِ الْأَزْمَةِ، فَانْطَلِقْ حَتَّى تُخِفِّفَ عَنْهُ مِنْ عِيَالِهِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ عَلِيًّا فَضَمَّهُ إِلَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ عَلِيٌّ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ حَتَّى بَعَثَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيًّا فَاتَّبَعَهُ عَلِيٌّ وَآمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ.
قُلْتُ وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي سِنِّهِ يَوْمَ أَسْلَمَ» [ (15) ] وَقَدْ مَضَتِ الرِّوَايَاتُ فِيهِ فِي كِتَابِ اللَّقِيطِ مِنْ كِتَابِ السُّنَنِ [ (16) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي الْأَشْعَثِ الْكِنْدِيُّ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، قَالَ:
حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِيَاسِ بْنِ عَفِيفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَفِيفٍ أَنَّهُ قَالَ:
كُنْتُ امْرَأً تَاجِرًا فَقَدِمْتُ مِنًى أَيَّامَ الْحَجِّ وَكَانَ الْعَبَّاسُ بن عبد المطلب امرءا تَاجِرًا فَأَتَيْتُهُ أَبْتَاعُ مِنْهُ وَأَبِيعُهُ. قَالَ: فَبَيْنَا نَحْنُ إِذْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ خِبَاءٍ يُصَلِّي فَقَامَ تُجَاهَ الْكَعْبَةِ ثُمَّ خَرَجَتِ امْرَأَةٌ فَقَامَتْ تُصَلِّي وَخَرَجَ غُلَامٌ فَقَامَ يُصَلِّي مَعَهُ فَقُلْتُ: يَا عَبَّاسُ مَا هَذَا الدِّينُ إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَا نَدْرِي مَا هُوَ؟ فَقَالَ هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ يَزْعُمُ أَنَّ اللهَ [تَبَارَكَ وَتَعَالَى] [ (17) ] أَرْسَلَهُ وَأَنَّ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ ستفتح عليه،
__________
[ (13) ] في (ح) و (م) : «مجاهد بن جبر بن أبي الحجاج» وهو غلط.
[ (14) ] الزيادة من (ح) .
[ (15) ] سيرة ابن هشام (1: 264) .
[ (16) ] السنن الكبرى في كتاب اللقطة (6: 206- 207) .
[ (17) ] الزيادة من (هـ) .

(2/162)


وَهَذِهِ امْرَأَتُهُ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ آمَنَتْ بِهِ، وَهَذَا الْغُلَامُ ابْنُ عَمِّهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ آمَنَ بِهِ قَالَ عَفِيفٌ: فَلَيْتَنِي كُنْتُ آمَنْتُ بِهِ يَوْمَئِذٍ فَكُنْتُ أَكُونُ ثَالِثًا [ (18) ] تَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بن سعد عن محمد بن إسحق وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: إِذْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ خِبَاءٍ قَرِيبٍ مِنْهُ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَلَمَّا رَآهَا قَدْ مَالَتْ قَامَ يُصَلِّي ثُمَّ ذَكَرَ قِيَامَ خَدِيجَةَ خَلْفَهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحْرِزُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: [حَدَّثَنَا] عَبْدُ العزيز ابن مُحَمَّدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ: أَنَّ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ، وَأَوَّلَ رَجُلَيْنِ أَسْلَمَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ [الصِّدِّيقَ] [ (19) ] أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ وَأَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَكْتُمُ الْإِسْلَامَ فَرَقًا مِنْ أَبِيهِ حَتَّى لَقِيَهُ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ: أَسْلَمْتَ. قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَآزِرِ ابْنَ عَمِّكَ وَانْصُرْهُ وَقَالَ: أَسْلَمَ عَلِيٌّ قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ [ (20) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ [مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ] [ (21) ] قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لَقِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم
__________
[ (18) ] حديث صحيح أخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وابن كثير في التاريخ، والحاكم في المستدرك، وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.
ورواه الطبري في «التاريخ» وابن عبد البر في الاستيعاب، وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (9: 103) : «رواه أحمد، وأبو يعلى بنحوه، والطبراني بأسانيد، ورجال أحمد ثقات» .
[ (19) ] الزيادة من (هـ) .
[ (20) ] البداية والنهاية (3: 27) .
[ (21) ] الزيادة من (هـ) .

(2/163)


فَقَالَ: أَحَقٌّ مَا تَقُولُ قُرَيْشٌ يَا مُحَمَّدُ مِنْ تَرْكِكَ آلِهَتَنَا وَتَسْفِيهِكَ عُقُولَنَا وَتَكْفِيرِكَ آبَاءَنَا [ (22) ] فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: بَلَى إِنِّي رَسُولُ اللهِ وَنَبِيُّهُ، بَعَثَنِي لِأُبَلِّغَ رِسَالَتَهُ وَأَدْعُوكَ إِلَى اللهِ بالحق، فو الله إِنَّهُ لَلْحَقُّ، أَدْعُوكَ يَا أَبَا بَكْرٍ إِلَى اللهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا تَعْبُدْ [ (23) ] غَيْرَهُ، وَالْمُوَالَاةَ عَلَى طَاعَتِهِ- وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ فَلَمْ يُقِرَّ وَلَمْ يُنْكِرْ فَأَسْلَمَ وَكَفَرَ بِالْأَصْنَامِ وَخَلَعَ الْأَنْدَادَ وَآمَنَ بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ مُؤْمِنٌ مُصَدِّقٌ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحُصَيْنِ التَّمِيمِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا دَعَوْتُ أَحَدًا إِلَى الْإِسْلَامِ إِلَّا كَانَتْ عَنْهُ كَبْوَةٌ وَتَرَدُّدٌ وَنَظَرٌ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ مَا عَتَّمَ مِنْهُ [ (24) ] حِينَ ذَكَرْتُهُ وَمَا تَرَدَّدَ فِيهِ [ (25) ] .
قُلْتُ: وَهَذَا لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى دَلَائِلَ نُبُوَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَيَسْمَعُ [ (26) ] آثَارَهُ [ (27) ] قَبْلَ دَعْوَتِهِ فَحِينَ دَعَاهُ كَانَ [قَدْ] [ (28) ] سَبَقَ فِيهِ تَفَكُّرُهُ وَنَظَرُهُ فَأَسْلَمَ فِي الْحَالِ» .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أبي إسحق، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا بَرَزَ سَمِعَ مَنْ يُنَادِيهِ: يَا محمد.
__________
[ (22) ] في (ح) : رسمت: «آبانا» .
[ (23) ] في (ح) : «يعبد» وهو تحريف.
[ (24) ] في (ح) : «عنه» .
[ (25) ] نقله ابن كثير، عن المصنف في «البداية والنهاية» (3: 26- 27) ، وهذا الذي ذكره المصنف عن ابن إسحق ليس في سيرة ابن هشام.
[ (26) ] في (هـ) : «وسمع» .
[ (27) ] في (ص) : «إنشاده» ، وفي (م) : «إنشاره» .
[ (28) ] الزيادة من (ص) و (هـ) .

(2/164)


فَإِذَا سَمِعَ الصَّوْتَ انْطَلَقَ هَارِبًا فَأَسَرَّ ذَلِكَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَكَانَ نَدِيمًا لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ» .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ- هُوَ الْأَصَمُّ- قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إسحق قَالَ:
«كَانَ أَوَّلُ مَنِ اتَّبَعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ زَوْجَتُهُ ثُمَّ كَانَ أَوَّلُ ذَكَرٍ آمَنَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ، ثُمَّ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، فَلَمَّا أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ أَظْهَرَ إِسْلَامَهُ وَدَعَا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ.
وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مَأْلَفًا لِقَوْمِهِ مُحَبَّبًا سَهْلًا، وَكَانَ أَنْسَبَ قُرَيْشٍ لِقُرَيْشٍ وَأَعْلَمَ قُرَيْشٍ [بِمَا كَانَ فِيهَا] [ (29) ] مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ [ (30) ] .
وَكَانَ رَجُلًا تَاجِرًا ذَا خُلُقٍ وَمَعْرُوفٍ، وَكَانَ جُلُّ قَوْمِهِ يَأْتُونَهُ وَيَأَلَفُونَهُ لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرِ لِعِلْمِهِ وَتِجَارَتِهِ وَحُسْنِ مُجَالَسَتِهِ، فَجَعَلَ يَدْعُو إِلَى الْإِسْلَامِ مَنْ وَثِقَ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ، مَنْ يَغْشَاهُ وَيَجْلِسُ إِلَيْهِ، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ فِيمَا بَلَغَنِي: الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَسَعْدٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَمَعَهُمْ أَبُو بَكْرٍ، فَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، وَأَنْبَأَهُمْ بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَبِمَا وَعَدَهُمُ اللهُ مِنَ الْكَرَامَةِ فَآمَنُوا وَأَصْبَحُوا مُقِرِّينَ بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، فَكَانَ هَؤُلَاءِ النَّفَرُ الثَّمَانِيَةُ الَّذِينَ سَبَقُوا إِلَى الْإِسْلَامِ، فَصَلَّوْا وَصَدَّقُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَآمَنُوا بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللهِ» [ (31) ] .
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ أحمد
__________
[ (29) ] ليست في (م) .
[ (30) ] في (هـ) : «لخير وشر» .
[ (31) ] سيرة ابن هشام (1: 268) ، «البداية والنهاية» (3: 29) . وانظر الدّرر في اختصار المغازي والسير لابن عبد البر (38- 39) .

(2/165)


ابن بُطَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ [ (32) ] بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، [حَدَّثَهُ] [ (33) ] عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْوَالِبِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ: «حَضَرْتُ سُوقَ بُصْرَى فَإِذَا رَاهِبٌ فِي صَوْمَعَتِهِ يَقُولُ: سَلُوا أَهْلَ [هَذَا] [ (34) ] الْمَوْسِمِ أَفِيهِمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ، قَالَ طَلْحَةُ:
قُلْتُ نَعَمْ أَنَا. فَقَالَ: هَلْ ظَهَرَ أَحْمَدُ [بَعْدُ] [ (35) ] ؟ قَالَ: قُلْتُ وَمَنْ أَحْمَدُ؟
قَالَ: ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، هَذَا شَهْرُهُ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ وَهُوَ آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ مَخْرَجُهُ مِنَ الْحَرَمِ وَمُهَاجَرُهُ إِلَى نَخْلٍ وَحَرَّةٍ وَسِبَاخٍ فَإِيَّاكَ أَنْ تُسْبَقَ إِلَيْهِ.
قَالَ طَلْحَةُ: فَوَقَعَ فِي قَلْبِي مَا قَالَ فَخَرَجْتُ سَرِيعًا حَتَّى قَدِمْتُ مَكَّةَ فَقُلْتُ:
هَلْ كَانَ مِنْ حَدَثٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَمِينُ، تَنَبَّأَ [ (36) ] ، وَقَدْ تَبِعَهُ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَقُلْتُ أَتَبِعْتَ هَذَا الرَّجُلَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَانْطَلِقْ إِلَيْهِ فَادْخُلْ عَلَيْهِ فَاتَّبِعْهُ فَإِنَّهُ يَدْعُو إِلَى الْحَقِّ، فَأَخْبَرَهُ طَلْحَةُ بِمَا قَالَ الرَّاهِبُ فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ بِطَلْحَةَ، فَدَخَلَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمَ طَلْحَةُ وَأَخْبَرَ رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ الرَّاهِبُ، فَسَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، فَلَمَّا أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ وَطَلْحَةُ، أَخَذَهُمَا نوفل بن خويلد بن الْعَدَوِيَّةِ فَشَدَّهُمَا فِي حَبَلٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمَا بَنُو تَيْمٍ، وَكَانَ نَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدٍ يُدْعَى: أَسَدَ قُرَيْشٍ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَطَلْحَةُ: الْقَرِينَيْنِ» [ (37) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ
__________
[ (32) ] في (ح) : «الحسن» .
[ (33) ] في (ح) : «حدثني» .
[ (34) ] الزيادة من (ح) .
[ (35) ] سقطت من (ح) .
[ (36) ] رسمت في (ح) : «تنبى» .
[ (37) ] البداية والنهاية (3: 29) ، عن المصنف.

(2/166)


مَطَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خُبَيْبٍ الْعَبَّاسُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْقَاضِي الْبِرْتِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ الطَّلْحِيُّ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عُبَيْدُ الله بن إسحق عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ. إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ، «وَكَانَ [ (38) ] نَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدٍ مِنْ أَشَدِّ قُرَيْشٍ وَلِذَلِكَ سُمِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَطَلْحَةُ: الْقَرِينَيْنِ [ (39) ] وَنَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدٍ الَّذِي قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ اكْفِنَا شَرَّ ابْنِ الْعَدَوِيَّةِ» [ (40) ] .
قُلْتُ وَيُذْكَرُ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ أَخَا طَلْحَةَ قَرَنَ طَلْحَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ لِيَحْبِسَهُ عَنِ الصَّلَاةِ وَيَرُدَّهُ عَنْ دِينِهِ وَحَرَّرَ يَدَهُ مِنْ يَدِ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمْ يَرْعَهُمْ إِلَّا وَهُوَ يُصَلِّي مَعَ أَبِي بَكْرٍ» .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَارِمٍ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ السَّمْتِيُّ قال:
حدثنا إسمعيل بْنُ مُجَالِدٍ، (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إسمعيل بْنُ مُجَالِدٍ [ (41) ] عَنْ بَيَانٍ، عَنْ وَبَرَةَ، عَنْ هَمَّامٍ، قَالَ:
قَالَ عَمَّارُ- هُوَ ابْنُ يَاسِرٍ-: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَمَا مَعَهُ إِلَّا خَمْسَةُ أَعْبُدٍ، وَامْرَأَتَانِ، وَأَبُو بَكْرٍ» .
وَفِي رِوَايَةِ السَّمْتِيِّ، قَالَ: «سَمِعْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَقُولُ» .
__________
[ (38) ] في (م) و (ص) : «فكان» .
[ (39) ] في (ح) : «القرينان» !.
[ (40) ] البداية والنهاية (3: 29) .
[ (41) ] في (ح) و (ص) و (م) : «عن مجالد» وهو خطأ.

(2/167)


رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (42) ] عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الطَّيِّبِ، عن إسمعيل.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا: عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُهَاجِرٍ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ [ (43) ] ، قَالَ: «أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ مَا بُعِثَ وَهُوَ بِمَكَّةَ وَهُوَ حِينَئِذٍ مُسْتَخْفٍ، فَقُلْتُ: مَا أَنْتَ قَالَ [ (44) ] أَنَا نَبِيٌّ. فَقُلْتُ: وَمَا النَّبِيُّ؟ قَالَ: رَسُولُ اللهِ. قُلْتُ: آللَّهُ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: بِمَا أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: بِأَنْ يُعْبَدَ اللهُ وَتُكَسَّرَ الْأَوْثَانُ، وَتُوصَلَ الْأَرْحَامِ. قَالَ، قُلْتُ: نِعْمَ مَا أَرْسَلَكَ بِهِ، فَمَنْ تَبِعَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: حُرٌّ، وَعَبْدٌ، يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ وَبِلَالًا، قَالَ: وَكَانَ عَمْرٌو يَقُولُ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَأَنَا رُبُعُ أَوْ رَابِعُ أَرْبَعٍ [ (45) ] قَالَ: فَأَسْلَمْتُ. قُلْتُ فَأَتَّبِعُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنِ الْحَقْ بِقَومِكَ فَإِذَا أُخْبِرْتَ أَنِّي قَدْ خَرَجْتُ فَاتَّبِعْنِي» [ (46) ] .
__________
[ (42) ] في كتاب المناقب (باب) في فضل أبي بكر عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الطيب، وفي كتاب المناقب، (باب) إسلام أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، كلاهما عن إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُجَالِدٍ، عَنْ بَيَانِ بْنِ بِشْرٍ، عن وبرة بن عبد الرحمن، عن همام، عن عمار. تحفة الأشراف (7: 483- 484) .
[ (43) ] عمرو بن عبسة بن خالد بن حذيفة، الإمام الأمير، أو نجيح السّلمي البجلي، أحد السابقين، ومن كان يقال هو: ربع الإسلام.
كان من أمراء الجيش يوم وقعة اليرموك.
ترجمته في التاريخ لابن معين (2: 449) ، طبقات ابن سعد (4: 214) ، تهذيب التهذيب (8: 69) ، والإصابة، وغيرها.
[ (44) ] في (ح) : «فقال» .
[ (45) ] في (ح) : «ربع أو رابع» .
[ (46) ]
أخرجه مسلم في: 6- كتاب صلاة المسافرين وقصرها (52) باب إسلام عمرو بن عبسة، ح (294) ، ص (569) وتمامه: «قال: فذهبت إلى أهلي، وَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم المدينة، وكنت في

(2/168)


هَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ شَدَّادِ ابن عَمَّارٍ، وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي الْهَيْثَمُ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: سمعت سعد ابن أَبِي وَقَّاصٍ، يَقُولُ: مَا أَسْلَمَ أَحَدٌ إِلَّا فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَسْلَمْتُ فِيهِ ولقد
__________
[ () ] أهلي. فجعلت أتخبر الأخبار وأسأل النّاس حين قدم المدينة. حتّى قدم عليّ نفر من أهل يثرب من أهل المدينة. فقلت: ما فعل هذا الرّجل الّذي قدم المدينة؟ فقالوا: النّاس إليه سراع. وقد أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك. فقدمت المدينة. فَدَخَلَتُ عَلَيْهِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أتعرفني؟ قال «نعم. أنت الّذي لقيتني بمكّة؟» قال فقلت: بلى. فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أخبرني عمّا علّمك الله وأجهله. أخبرني عن الصّلاة؟ قال «صلّ صلاة الصّبح. ثمّ أقصر عن الصّلاة حتّى تطلع الشّمس حتّى ترتفع. فإنّها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان. وحينئذ يسجد لها الكفّار. ثمّ صلّ. فإنّ الصّلاة مشهودة محضورة. حتّى يستقلّ الظّلّ بالرّمح. ثمّ أقصر عن الصّلاة. فإنّ، حينئذ، تسجر جهنّم. فإذا أقبل الفيء فصلّ. فإنّ الصّلاة مشهودة محضورة. حتّى تصلّي العصر. ثمّ أقصر عن الصّلاة. حتّى تغرب الشّمس. فإنّها تغرب بين قرني شيطان. وحينئذ يسجد لها الكفّار» . قال فقلت: يا نبيّ الله! فالوضوء؟ حدّثني عنه. قال «ما منكم رجل يقرّب وضوءه فيتمضمض ويستنشق فينتثر إلّا خرّت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه. ثمّ إذا غسل وجهه كما أمره الله إلّا خرّت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء ثمّ يغسل يديه إلى المرفقين إلّا خرّت خطايا يديه من أنامله مع الماء. ثمّ يمسح رأسه إلّا خرّت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء. ثمّ يغسل قدميه إلى الكعبين إلّا خرّت خطايا رجليه من أنامله مع الماء. فإن هو قام فصلّى، فحمد الله وأثنى عليه، ومجّده بالّذي هو له أهل، وفرّغ قلبه لله، إلّا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمّه»
فحدّث عمرو بن عبسة بهذا الحديث أبا أمامة صاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. فقال له أبو أمامة: يا عمرو بن عبسة! انظر ما تقول في مقام واحد يعطى هذا الرّجل؟ قال عمرو: يا أبا أمامة! لقد كبرت سنّي، ورقّ عظمي، واقترب أجلي، وما بي حاجة أن أكذب على الله، ولا على رسول الله. لو لم أسمعه من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلّا مرّة أو مرّتين أو ثلاثا (حتّى عدّ سبع مرّات) ما حدّثت به أبدا. ولكنّي سمعته أكثر من ذلك.

(2/169)


مَكَثْتُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَإِنِّي لثلث الْإِسْلَامِ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (47) ] عن إسحق، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُحَمَّدَابَاذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَايِدَةُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ:
«أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلَامَهُ سَبْعَةٌ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ- زَادَ فِيهِ غَيْرُهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي بُكَيْرٍ-: وَعَمَّارٌ، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد» [ (48) ] .
__________
[ (47) ] أخرجه البخاري فِي: 62- كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ (15) باب مناقب سعد بن أبي وقاص الزّهري، فتح الباري (7: 73) .
قال الصالحي في السيرة الشامية (2: 411) .
قال الحافظ: قال ذلك سعد بحسب اطلاعه، والسبب فيه أن من كان أسلم في ابتداء الأمر كان يخفي إسلامه ولعله أراد بالاثنين الآخرين خديجة وأبابكر، أو النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وأبابكر. وقد كانت خديجة أسلمت قطعا، فلعله خصّ الرجال.
وبما ذكر يحصل الجمع بين حديث عمار بن ياسر وبين حديثي عمار وسعد، أو يحمل قول سعد على الأحرار البالغين ليخرج الأعبد المذكورون أو لم يكن اطلع على أولئك.
ويدل على هذا الأخير أنه وقع عند الإسماعيلي بلفظ: «ما أسلم أحد قبلي» وهو مقتضى رواية البخاري، وهي مشكلة لأنه قد أسلم قبله جماعة لكن يحمل ذلك على مقتضى ما كان اتصل بعلمه حينئذ.
ورواه ابن مندة بلفظ: ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت فيه وهذه لا إشكال فيها إذ لا مانع أن لا يشاركه أحد في الإسلام يوم أسلم.
لكن رواه الخطيب من الطريق التي رواها ابن مندة فأثبت «إلا» فتعيّن الحمل على ما قلته. انتهى.
[ (48) ] أخرجه ابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستدرك من وجه فيه زيادة وبنفس الإسناد (3:
384) ، وقال «صحيح الإسناد، ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.
وأخرجه ابن ماجة في المقدمة (11) باب في فضائل أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، حديث رقم

(2/170)


أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ الدَّارِمِيُّ. قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسحق بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: «سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زيد بن عمرو ابن نُفَيْلٍ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ يَقُولُ [ (49) ] : وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنَّ عُمَرَ لَمُوثِقِي، وَأُخْتَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عُمَرُ وَلَوْ أَنَّ أُحُدًا ارْفَضَّ لِلَّذِي صَنَعْتُمْ بِعُثْمَانَ، لَكَانَ [مَحْقُوقًا أَنْ يَرْفَضَّ] [ (50) ] رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ.
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ [بْنِ مَسْعُودٍ] ، قَالَ:
«كُنْتُ غُلَامًا يَافِعًا أَرْعَى غَنَمًا لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ بِمَكَّةَ فَأَتَى عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَقَدْ فَرَّا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَا: يَا غُلَامُ! عِنْدَكَ لَبَنٌ تَسْقِينَا؟ قُلْتُ: إِنِّي مُؤْتَمَنٌ، وَلَسْتُ بِسَاقِيكُمَا، فَقَالَا: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ جَذَعَةٍ لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الْفَحْلُ بَعْدُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَأَتَيْتُهُمَا بِهَا، فَاعْتَقَلَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَخَذَ رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ الضَّرْعَ فَدَعَا، فَحَفَلَ الضَّرْعُ، وَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ بِصَخْرَةٍ مُنْقَعِرَةٍ، فَحَلَبَ فِيهَا، ثُمَّ شَرِبَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ سَقَانِي، ثُمَّ قَالَ لِلضَّرْعِ: اقْلُصْ، فَقَلَصَ فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ، أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا الْمَقُولِ الطَّيِّبِ- يَعْنِي الْقُرْآنَ- فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «إِنَّكَ غُلَامٌ مُعَلَّمٌ» ، فأخذت من
__________
[ () ] (150) ، صفحة (1: 53) ، والإمام أحمد في «مسنده» (1: 440) ، وذكره الهيثمي في الزوائد، وقال: «إسناده ثقات» .
[ (49) ] في (ح) : «يقول في مسجد الكوفة» .
[ (50) ] الزيادة من صحيح البخاري، والحديث أخرجه البخاري في: 63- كتاب مناقب الأنصار (34) باب إسلام سعيد بن زيد، حديث (3862) ، فتح الباري (7: 176) .

(2/171)


فِيهِ سَبْعِينَ سُورَةً مَا يُنَازِعُنِي فِيهَا أَحَدٌ [ (51) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ وأَبُو عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بُرْهَانَ الْغَزَّالُ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، وأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا [ (52) ] إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ ابن عَرَفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ زِرِّ ابن حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «كُنْتُ أَرْعَى غَنَمًا لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ فَمَرَّ بِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ لِي يَا غُلَامُ هَلْ مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَ قُلْتُ: نَعَمْ وَلَكِنِّي مُؤْتَمَنٌ. قَالَ: فَهَلْ مِنْ شَاةٍ لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الْفَحْلُ؟
قَالَ: فَأَتَيْتُهُ بِشَاةٍ فَمَسَحَ ضَرْعَهَا فَنَزَلَ لَبَنٌ فَحَلَبَهُ فِي إِنَاءٍ فَشَرِبَ وَسَقَى أَبَا بَكْرٍ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِلضَّرْعِ اقْلُصْ فَقَلَصَ، قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُهُ بَعْدَ هَذَا فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا الْقَوْلِ. قَالَ، فَمَسَحَ رَأْسِي وَقَالَ يَرْحَمُكَ اللهُ فَإِنَّكَ غُلَيِّمٌ مُعَلَّمٌ» [ (53) ] .
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ بُطَّةَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: «كَانَ إِسْلَامُ خَالِدٍ: يَعْنِي ابْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ قَدِيمًا، وَكَانَ أَوَّلَ إِخْوَتِهِ أَسْلَمَ وَكَانَ بُدُوُّ إِسْلَامِهِ أَنَّهُ رَأَى فِي النَّوْمِ أَنَّهُ وُقِفَ بِهِ عَلَى شَفِيرِ النَّارِ، فَذَكَرَ مِنْ سِعَتِهَا مَا اللهُ أَعْلَمُ بِهِ [ (54) ] ، وَيَرَى فِي النَّوْمِ كَأَنَّ أَبَاهُ يَدْفَعُهُ فِيهَا، وَيَرَى رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَخَذَ بِحِقْوَيهِ لَا يَقَعُ. فَفَزِعَ مِنْ نَوْمِهِ،
__________
[ (51) ] انظر تخريجه في الخبر التالي.
[ (52) ] في (ح) : «قال» .
[ (53) ] أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (1: 379) ، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2: 537) .
[ (54) ] في (هـ) : «ما الله تعالى أعلم به» . وفي (ح) : «ما الله به أعلم» . وأثبت ما في (م) و (ص) .

(2/172)


فَقَالَ [ (55) ] : أَحْلِفُ بِاللهِ أَنَّ هَذِهِ لَرُؤْيَا حَقٌّ.
فَلَقِيَ أَبَا بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:
أُرِيدَ بِكَ خَيْرٌ. هَذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَاتَّبِعْهُ فَإِنَّكَ سَتَتَّبِعُهُ وَتَدْخُلُ مَعَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَالْإِسْلَامُ يَحْجِزُكَ أَنْ تَدْخُلَ فِيهَا. وَأَبُوكَ وَاقِعٌ فِيهَا.
فَلَقِيَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ بِأَجْيَادٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إِلَى مَنْ تَدْعُو؟
فَقَالَ: أَدْعُو إِلَى اللهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَتَخْلَعُ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ حَجَرٍ لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ وَلَا يَدْرِي مَنْ عَبَدَهُ مِمَّنْ لَمْ يَعْبُدْهُ.
قَالَ خَالِدٌ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، فَسُرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِإِسْلَامِهِ.
وَتَغَيَّبَ خَالِدٌ، وَعَلِمَ أَبُوهُ بِإِسْلَامِهِ فَأَرْسَلَ فِي طَلَبِهِ، فَأَتَى بِهِ فَأَنَّبَهُ وَضَرَبَهُ بِمِقْرَعَةٍ فِي يَدِهِ حَتَّى كَسَرَهَا عَلَى رَأْسِهِ، وَقَالَ: وَاللهِ لَأَمْنَعَنَّكَ الْقُوتَ. فَقَالَ خَالِدٌ إِنْ مَنَعْتَنِي فَإِنَّ اللهَ يَرْزُقُنِي مَا أَعِيشُ بِهِ. وَانْصَرَفَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَكَانَ يَلْزَمُهُ وَيَكُونُ مَعَهُ» [ (56) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ- هُوَ الْأَصَمُّ- قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عن ابن إسحق [ (57) ] ، قَالَ ثُمَّ أَسْلَمَ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَاسْمُهُ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَأَبُو سَلَمَةَ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللهِ ابن عَبْدِ الْأَسَدِ، والْأَرْقَمُ بْنُ أَبِي الْأَرْقَمِ الْمَخْزُومِيُّ وَعُبَيْدَةُ بن الحارث [ (58) ] .
__________
[ (55) ] في (ح) : «وقال» .
[ (56) ] في (ح) : «فكان يليه، ويكون معه» ، والخبر نقله ابن كثير في «البداية والنهاية» (3: 32) عن المصنف.
[ (57) ] سيرة ابن هشام (1: 269) .
[ (58) ] اضطربت الفقرة في جميع النسخ، وأثبتّ ما في سيرة ابن هشام.

(2/173)


قَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إسحق: وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ الْجُمَحِيُّ: حَتَّى أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمُوا قَالَ: ثُمَّ أُنَاسٌ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نفيل أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ وَامْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطَّابِ أُخْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، وَعَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، وَهِيَ صَغِيرَةُ، وَقُدَامَةُ ابن مَظْعُونٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَظْعُونٍ الْجُمَحِيَّانِ، وَخَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ وَعُمَيْرُ [ (59) ] بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ، وَمَسْعُودُ بْنُ الْقَارِئِ، وَسُلَيْطُ بْنُ عَمْرٍو أَخُو بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ وَعَيَّاشُ بن أبي ربيعة المخزومي وَامْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ سَلَامَةَ التَّمِيمِيُّ وَخُنَيسُ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ حَلِيفُ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَحْشٍ الْأَسْدِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ بْنُ جَحْشٍ، وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبِ وَامْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ [ (60) ] ، وَحَاطِبُ بْنُ الْحَارِثِ الْجُمَحِيُّ وَامْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ الْمُجَلِّلِ [ (61) ] ، وَالْخَطَّابُ بْنُ الْحَارِثِ وَامْرَأَتُهُ فُكَيْهَةُ بِنْتُ يَسَارٍ، وَمَعْمَرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مَعْمَرٍ الْجُمَحِيُّ، وَالسَّائِبُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، وَالْمُطَّلِبُ بْنُ أَزْهَرَ بْنِ عَبْدِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ، وَامْرَأَتُهُ رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي عَوْفِ بْنِ صُبَيْرَةَ [ (62) ] وَالنَّحَّامُ وَاسْمُهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ [الصِّدِّيقِ] ، وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَامْرَأَتُهُ أَمِينَةُ بِنْتُ خَلَفِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ مِنْ خُزَاعَةَ، وَحَاطِبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ أَخُو بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ التَّمِيمِيُّ حَلِيفُ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، وخالد ابن الْبُكَيْرِ، وَإِيَاسُ بْنُ الْبُكَيْرِ، زَادَ غَيْرُهُ فِيهِ: وَعَامِرُ بْنُ الْبُكَيْرِ وَعَاقِلُ بْنُ
__________
[ (59) ] في (ح) : «وغدير» مصحفا.
[ (60) ] في (هـ) : «عميش» .
[ (61) ] في (ح) : «المحلل» .
[ (62) ] في (م) و (ح) : «صبرة» .

(2/174)


الْبُكَيْرِ. قَالَ يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَعَمَّارُ بْنُ ياسر حلف بَنِي مَخْزُومٍ وَصُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ دَخَلَ النَّاسُ أَرْسَالًا مِنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ حَتَّى فَشَا [ (63) ] ذِكْرُ الْإِسْلَامِ بِمَكَّةَ وَتُحُدِّثَ بِهِ. فَلَمَّا أَسْلَمَ هَؤُلَاءِ وَفَشَا أَمْرُهُمْ أَعْظَمَتْ ذَلِكَ قُرَيْشٌ وَغَضِبَتْ لَهُ، وَظَهَرَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ الْبَغْيُ وَالْحَسَدُ وَشَخَصَ لَهُ مِنْهُمْ رِجَالٌ فَبَادَوْهُ وَأَصْحَابَهُ بِالْعَدَاوَةِ، مِنْهُمْ: أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، وَأَبُو لَهَبٍ» وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أسماءهم [ (64) ] .
__________
[ (63) ] رسمت في (م) ، و (هـ) : «فش» .
[ (64) ] أورد المصنف هذا مختصرا من سيرة ابن هشام (1: 269- 274) .

(2/175)


بَابٌ مُبْتَدَأُ الْفَرْضِ عَلَى رَسُولِ اللهِ [ (65) ] صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ ثُمَّ عَلَى النَّاسِ وَمَا وُجِدَ فِي جَمْعِهِ قُرَيْشًا وَإِطْعَامِهِ إِيَّاهُمْ مِنَ الْبَرَكَةِ فِي طَعَامِهِ
قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [ (66) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ، وأَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: «قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ حِينَ أَنْزَلَ اللهُ [عَزَّ وَجَلَّ] [ (67) ] عَلَيْهِ: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللهِ لَا [ (68) ] أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ-[صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ] [ (69) ]- لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ لَا أُغْنِي عنك من الله شيئا» .
__________
[ (65) ] في (م) و (ص) : «النبي» .
[ (66) ] الآية الكريمة (214) من سورة الشعراء.
[ (67) ] الزيادة من (هـ) و (ص) .
[ (68) ] في (ح) «ولا» .
[ (69) ] الزيادة من (ح) و (هـ) .

(2/176)


رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ [ (70) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا جرير بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
«لَمَّا نَزَلَتْ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ قُرَيْشًا، فَاجْتَمَعُوا فَعَمَّ وَخَصَّ، فَقَالَ: يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. يَا بَنِي مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. يَا بَنِي هَاشِمٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ.
يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. [يَا فَاطِمَةُ أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ
__________
[ (70) ] أخرجه البخاري في: 55- كتاب الوصايا (11) باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب؟، حديث (2753) ، فتح الباري (5: 382) عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عن الزهري، ... وأعاده في تفسير «وأنذر عشيرتك الأقربين، فتح الباري (8: 501) .
وأخرج البخاري في: 62- كتاب المناقب (13) باب من انتسب إلى آبائه في الإسلام والجاهلية، ح (3527) : فتح الباري (6: 551) :
«حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شعيب، أخبرنا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم قَالَ: «يَا بَنِي عَبْدِ مناف، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللهِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللهِ، يا أم الزبير بن العوام عمة رسول الله، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ! اشتريا أنفسكما من الله، لا أملك لكما من الله شيئا، سلاني من مالي ما شئتما» .
والحديث أخرجه النسائي في الوصايا عن محمد بن خالد، عن بِشْرُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ.... والدارمي في الرقاق، والإمام أحمد في «مسنده» (1: 206) .
أما مسلّم فقد أخرجه في: 1- كتاب الإيمان (89) باب قوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ حديث (351:، ص (192- 193) من طريق حرملة بن يحيى، عن ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب الزهري، عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة.

(2/177)


فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا] [ (71) ] » . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ وَزُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ جَرِيرٍ [ (72) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ وَزُهَيْرِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَا: لَمَّا نَزَلَتْ: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ انْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إِلَى رَضْمَةٍ [ (73) ] مِنْ جَبَلٍ فَعَلَا أَعْلَاهَا حَجَرًا [ (74) ] ثُمَّ نَادَى: يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ! إِنِّي نَذِيرٌ إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ رَأَى الْعَدُوَّ فَانْطَلَقَ يربؤ [ (75) ] أَهْلَهُ فَخَشِيَ أَنْ يَسْبِقُوهُ فَهَتَفَ يَا صَبَاحَاهُ [ (76) ] » .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي كَامِلٍ [ (77) ] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ محمد بن
__________
[ (71) ] ما بين الحاصرتين لم يرد في (ح) ، وثابت في بقية النسخ.
[ (72) ] أخرجه مسلّم في: 1- كتاب الإيمان، (89) باب في قوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» ، حديث (348) ، ص (192) ، بإسناده الذي ذكره المصنف.
(سأبلها ببلالها) : معنى الحديث: سأصلها. شبهت قطيعة الرحم بالحرارة، ووصلها بإطفاء الحرارة ببرودة، ومنه: بلّوا أرحامكم. أي: صلوها.
[ (73) ] (رضمة) : حجارة مجتمعة منثورة في الأرض.
[ (74) ] أي رقي في أرفعها وأعلاها.
[ (75) ] رسمت في النسخ هكذا، وفي صحيح مسلّم: يربأ، على وزن يقرأ، ومعناها: يطلع، من ربيئة:
العين والطليعة.
[ (76) ] كلمة يعتادونها عند وقوع أمر عظيم، ليجتمعوا.
[ (77) ] الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي: 1- كتاب الإيمان، حديث رقم (353) ، ص (193) بإسناده الذي ذكره المصنف.

(2/178)


يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ الحارث بْنِ نَوْفَلٍ وَاسْتَكْتَمَنِي اسْمَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (78) ] قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [ (79) ] . قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ عَرَفْتُ أَنِّي إِنْ بَادَأْتُ بِهَا قَوْمِي رَأَيْتُ مِنْهُمْ مَا أَكْرَهُ [ (80) ] فَصَمَتُّ عَلَيْهَا فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ لِي [ (81) ] : يَا مُحَمَّدُ! إِنَّكَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ مَا أَمَرَكَ بِهِ رَبُّكَ عَذَّبَكَ رَبُّكَ. قَالَ عَلِيٌّ: فَدَعَانِي فَقَالَ يَا عَلِيُّ إِنَّ اللهَ قَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُنْذِرَ عَشِيرَتِي الْأَقْرَبِينَ فَعَرَفْتُ أَنِّي إِنْ بَادَأْتُهُمْ بِذَلِكَ رَأَيْتُ مِنْهُمْ مَا أَكْرَهُ فَصَمَتُّ عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ جَاءَنِي جِبْرِيلُ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] [ (82) ] فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ عَذَّبَكَ رَبُّكَ فَاصْنَعْ لَنَا يَا عَلِيُّ رِجْلَ شَاةٍ عَلَى صَاعٍ مِنْ طَعَامٍ وَأَعِدَّ لَنَا عُسَّ [ (83) ] لَبَنٍ ثُمَّ اجْمَعْ لِي بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَفَعَلْتُ فَاجْتَمَعُوا لَهُ وَهُمْ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعُونَ رَجُلًا يزيدون رجلا أن يَنْقُصُونَهُ فِيهِمْ أَعْمَامُهُ أَبُو طَالِبٍ وَحَمْزَةُ وَالْعَبَّاسُ وَأَبُو لَهَبٍ الْكَافِرُ الْخَبِيثُ فَقَدَّمْتُ إِلَيْهِمْ تِلْكَ الْجَفْنَةَ فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مِنْهَا حُذْيَةً فَشَقَّهَا بِأَسْنَانِهِ ثُمَّ رَمَى بِهَا فِي نَوَاحِيهَا وَقَالَ كُلُوا بِسْمِ اللهِ فَأَكَلَ الْقَوْمُ حَتَّى نَهِلُوا عَنْهُ مَا يُرَى إِلَّا آثَارُ أَصَابِعِهِمْ وَاللهِ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَأْكُلُ مِثْلَهَا. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ اسْقِهِمْ يَا عَلِيُّ فجيت بِذَلِكَ الْقَعْبِ فَشَرِبُوا مِنْهُ حَتَّى نَهِلُوا جَمِيعًا وَايْمُ اللهِ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لَيَشْرَبُ مِثْلَهُ فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ بَدَرَهُ أبو
__________
[ (78) ] الزيادة من (ح) .
[ (79) ] (214- 215) من سورة الشعراء.
[ (80) ] في (ح) : «ما أكده» .
[ (81) ] الزيادة من (هـ) .
[ (82) ] الزيادة من (ح) و (هـ) .
[ (83) ] (العسّ) : القدح الكبير.

(2/179)


لَهَبٍ إِلَى الْكَلَامِ، فَقَالَ: لهدّما [ (84) ] سَحَرَكُمْ صَاحِبُكُمْ. فَتَفَرَّقُوا وَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ رَسُولُ اللهِ. فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يَا عَلِيُّ عُدْ لَنَا بِمِثْلِ الَّذِي كُنْتَ صَنَعْتَ لَنَا بِالْأَمْسِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَإِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ بَدَرَنِي إِلَى مَا قَدْ سَمِعْتَ قَبْلَ أَنْ أُكَلِّمَ الْقَوْمَ. فَفَعَلْتُ، ثُمَّ جَمَعْتُهُمْ لَهُ فَصَنَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ كَمَا صَنَعَ بِالْأَمْسِ فَأَكَلُوا حَتَّى نَهِلُوا عَنْهُ ثُمَّ سَقَيْتُهُمْ فَشَرِبُوا مِنْ ذَلِكَ الْقَعْبِ حَتَّى نَهِلُوا عَنْهُ وَايْمُ اللهِ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لَيَأْكُلُ مِثْلَهَا وَيَشْرَبُ مِثْلَهَا. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِنِّي وَاللهِ مَا أَعْلَمُ شَابًّا مِنَ الْعَرَبِ جَاءَ قَوْمَهُ بِأَفْضَلَ مِمَّا جِئْتُكُمْ بِهِ. إِنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِأَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ [ (85) ] .
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ إِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مَرْيَمَ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ مَا أَخْفَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَمْرَهُ واسْتَسَرَّ بِهِ إِلَى أَنْ أُمِرَ بِإِظْهَارِهِ ثَلَاثَ سِنِينَ مِنْ مَبْعَثِهِ» .
قُلْتُ وَقَدْ رَوَى شَرِيكٌ الْقَاضِي عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَسْدِيِّ عَنْ عَلِيٍّ فِي إِطْعَامِهِ إِيَّاهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى مختصرا.
__________
[ (84) ] في (ح) : «لقدما» ، ومعنى «لهدّما» : كلمة تعجب. وما أجلده.
[ (85) ]
طبقات ابن سعد مختصرا (1: 187) ، والوفا لابن الجوزي (1: 184) . وتكملة الخبر: «ثم قال: من يؤازرني عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ؟ قال علي: فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ وإني أحدثهم سنا، وسكت القوم، ثم قالوا: يا أبا طالب ألا ترى ابنك. قال: دعوه، فلن يألو ابن عمه خيرا.

(2/180)