دلائل النبوة للبيهقي محققا

بَابُ مُبْتَدَأِ الْبَعْثِ وَالتَّنْزِيلِ وَمَا ظَهَرَ عِنْدَ ذَلِكَ مِنْ تَسْلِيمِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ وَتَصْدِيقِ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ إِيَّاهُ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُزَكِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: [ (24) ] أَحْمَدُ، وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ- وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ ابْنِ رَافِعٍ- قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بديء به رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ [ (25) ] فِي النَّوْمِ فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ فَكَانَ يَأْتِي حِرَاءَ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ، وَهُوَ التَّعَبُّدُ اللَّيَالِي ذَوَاتَ الْعَدَدِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَتُزَوِّدُهُ لِمِثْلِهَا [ (26) ] حَتَّى فَجَأَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءَ فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فِيهِ فَقَالَ:
اقْرَأْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: - مَا أَنَا بِقَارِئٍ. قَالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ [ (27) ] . فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فقال: اقْرَأْ
__________
[ (24) ] في (هـ) : «قال» .
[ (25) ] في صحيح البخاري: «الصادقة» .
[ (26) ] في (ح) : «بمثلها» .
[ (27) ] في (م) : «اقره» .

(2/135)


بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ- حَتَّى بَلَغَ- مَا لَمْ يَعْلَمْ [ (28) ] فَرَجَعَ بِهَا تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ [ (29) ] حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ [ (30) ] فَقَالَ: يَا خَدِيجَةُ مَالِي، فَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ، وَقَالَ: قَدْ خَشِيتُ عَلَيَّ فَقَالَتْ لَهُ:
كَلَّا [ (31) ] ، أَبْشِرْ فو الله لَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا: إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِي الضعيف، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ.
ثُمَّ انْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابن قُصَيِّ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ ابْنِ أَخِي أَبِيهَا وكان امرءا تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ [ (32) ] ، يَكْتُبُ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنَ الْإِنْجِيلِ مَا شَاءَ اللهُ [عَزَّ وَجَلَّ] [ (33) ] أَنْ يَكْتُبَ. وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: أَيِ ابْنَ
__________
[ (28) ] أول سورة العلق، وهذا القدر الذي ذكر من سورة العلق هو الذي نزل أولا، بخلاف بقية السورة، فإنما نزل بعد ذلك بزمان.
وقد اشتملت هذه الآيات على مقاصد القرآن، ففيها براعة الاستهلال، وهي جديرة أن تسمى عنوان القرآن، لأن عنوان القرآن يجمع مقاصده بعبارة وجيزة في أوله، وانحصر فيها: علم التوحيد، والأحكام، والأخبار، واشتملت على الأمر بالقراءة، والبداءة فيها باسم الله، وفي هذا إشارة إلى الأحكام، وفيها ما يتعلق بتوحيد الرب واثبات ذاته وصفاته من صفات ذات، وصفات فعل، وفي هذا إشارة إلى أصول الدين، وفيها ما يتعلق بالأخبار من قوله: «عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يعلم» .
[ (29) ] (ترجف بوادره) : ترجف: تخفق وتضطرب، والبوادر: جمع بادرة، وهي ما بين المنكب والعنق يعني أنه لا يختص بعضو واحد، وهو جيد فيكون إسناد الرجفان إلى القلب لكونه محلّه، وإلى البوادر لأنها مظهره.
[ (30) ] الرّوع: الفزع، والرّوع: موضع الفزع من القلب.
[ (31) ] (كلا) : هي كلمة نفي وإبعاد، وقد تأتي بمعنى حقا، وبمعنى الاستفتاح، وقال القزّاز: هي بمعنى الرد لما خشي على نفسه، أي لا خشية عليك.
[ (32) ] وفي رواية: «فكان يكتب الكتاب العبراني» ، والجميع صحيح، لأن ورقة تعلم اللسان العبراني، فكان يكتب الكتاب العربي، كما كان يكتب الكتاب العبراني.
[ (33) ] الزيادة من (هـ) .

(2/136)


عَمِّ! اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ. فَقَالَ وَرَقَةُ: ابْنُ أَخِي مَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مَا رَآهُ. فَقَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ: هَذَا النَّامُوسُ [ (34) ] الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى موسى.
باليتني فِيهَا جَذَعًا [ (35) ] أَكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم: أو مخرجيّ هُمْ؟ قَالَ وَرَقَةُ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ [ (36) ] وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ ابن مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ [ (37) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ [ (38) ] قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ.
[رَضِيَ اللهُ عَنْهَا] [ (39) ] أَنَّهَا قَالَتْ: «أوّل ما بديء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم من الوحي
__________
[ (34) ] (الناموس) : صاحب السر كما جزم به البخاري في أحاديث الأنبياء، يقال: نمست السر: كتمته، ونمست الرجل، ونامسته: ساررته، والمراد به هنا جبريل- عليه السلام- لأن الله خصه بالغيب والوحي.
[ (35) ] في (هـ) : «خذعا» تحريف، و (جذعا) قال النووي: (الجذع) : الصغير من البهائم، كأنه تمنى أن يكون عند ظهور النبي صلى الله عليه وآله وسلّم شابا ليكون أمكن لنصره.
[ (36) ] لم ينشب: أي لم يلبث.
[ (37) ] أخرجه البخاري في كتاب التعبير، صحيح البخاري (9: 37) ، وفي التفسير عن سعيد بن مروان، وفي كتاب الإيمان عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وفي أول كتاب كتاب الوحي، الصحيح (1: 3) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ.
وأخرجه مسلم في: 1- كتاب الإيمان، (73) باب بدء الوحي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم (1: 139) ، كما أخرجه الترمذي، والنسائي في التفسير، والإمام أحمد في مسنده (6: 232- 233) .
وأخرجه ابن حبان في صحيحه في: 2- كتاب الوحي، الحديث/ 34، (1: 115- 117) من تحقيقنا.
[ (38) ] في (ح) : «القطيفي» .
[ (39) ] ليست في (م) .

(2/137)


الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ- فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ وَزَادَهُ فِي آخِرِهِ: وَفَتَرَ الْوَحْيُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنَا حُزْنًا غَدَا مِنْهُ مِرَارًا لِكَيْ يتردى من رؤوس شَوَاهِقِ الْجِبَالِ كُلَّمَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ لِكَيْ يُلْقِي نَفْسَهُ تَبَدَّا لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ، يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ رَسُولُ اللهِ حَقًّا فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُهُ وَتَقَرُّ نَفْسُهُ، وَيَرْجِعُ، فَإِذَا طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَةُ الْوَحْيِ غَدَا مِثْلَ ذَلِكَ فَإِذَا أوفى بذورة جَبَلٍ تَبَدَّا لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ» [ (40) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُزَكِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يحيى ومحمد بْنُ رَافِعٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: «فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [فَجُئِثْتُ] [ (41) ] مِنْهُ رُعْبًا فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَدَثَّرُونِي فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ [ (42) ] قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاةُ- وهي الأوثان» [ (43) ] .
__________
[ (40) ] الزيادة أيضا أخرجها ابن حبان (1: 117) .
[ (41) ] في (ح) : «فجئت» وهو تحريف. (وجئت) : فزعت، وخفت. النهاية (1: 239) .
[ (42) ] (1- 5) أول سورة المدثر.
[ (43) ] أخرجه البخاري في: 65- كتاب التفسير، (4) باب وثيابك فطهّر، فتح الباري (8: 678) ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، ثم أخرجه بعده في (5) باب والرجز واهجر، فتح الباري (8:
679) .
وأخرجه مسلم في: 1- كتاب الإيمان، (73) باب بدء الوحي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم، ح (253) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، وحديث (255) عن أبي الطاهر. صحيح مسلم (1: 143) .
وأخرجه الترمذي في تفسير سورة المدثر، والإمام أحمد في «مسنده» (3: 325) .

(2/138)


رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ ابن مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيَّ [ (44) ] وَكَانَ يَسْكُنُ دِمَشْقَ أَخْبَرَهُ «أَنَّ الْمَلَكَ جَاءَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ اقْرَأْ [قَالَ] [ (45) ] فَقُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَعَادَ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَعَادَ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ [لِي] [ (46) ] اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ [ (47) ] قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ النُّعْمَانِ: فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِذَلِكَ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَسَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، يَقُولُ: قَالَتْ، عَائِشَةُ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: فَرَجَعَ إِلَى خَدِيجَةَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ فَقَالَ زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزُمِّلَ، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ لِخَدِيجَةَ، لَقَدْ أَشْفَقْتُ عَلَى نَفْسِي قَالَتْ خَدِيجَةُ أَبْشِرْ فو الله لَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، انْطَلِقْ بِنَا فَانْطَلَقَتْ خَدِيجَةُ إِلَى وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، وَكَانَ رَجُلًا قَدْ تَنَصَّرَ شَيْخًا أَعْمَى يَقْرَأُ الْإِنْجِيلَ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: أَيِ ابْنَ عَمٍّ [ (48) ] اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ. فَقَالَ لَهُ
__________
[ (44) ] مُحَمَّدُ بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيَّ، أبو سعيد ذكره مسلم في الطبقة الأولى من أهل المدينة، وروى له الجماعة سوى أبي داود، وروى عنه الزّهري، وثقه العجلي، وذكره ابن حبان في الثقات.
تهذيب التهذيب (9: 492) .
[ (45) ] الزيادة من (هـ) و (م) .
[ (46) ] الزيادة من (م) ، و (هـ) .
[ (47) ] الآيتان الكريمتان أول سورة العلق.
[ (48) ] الثابت أن خديجة هي: بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بن قصي، وورقة هو: ابن نوفل بن أسد ابن عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ، فهو ابن أخي أبيها، وقد ورد في رواية ابن حبان «أي عم» ، وهو خطأ، وقد جاء في البخاري ما يوافق رواية البيهقي أيضا.

(2/139)


وَرَقَةُ: مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَى مُوسَى، يا ليتني أكون حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا [ (49) ] .
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: [أَخْبَرَنِي] [ (50) ] جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيُّ «أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: ثُمَّ فَتَرَ الْوَحْيُ عَنِّي فَبَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ بَصَرِي قِبَلَ السَّمَاءِ فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي كان [يجيبني] [ (51) ] قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [فَجُئِثْتُ] [ (52) ] مِنْهُ فَرَقًا حَتَّى هَوَيْتُ إِلَى الْأَرْضِ فَجِئْتُ إِلَى أَهْلِي فَقُلْتُ لَهُمْ زَمِّلُونِي فَزَمَّلُونِي فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ [ (53) ] .
قَالَ أَبُو سَلَمَةَ [ (54) ] : الرِّجز: الْأَوْثَانُ. قَالَ: ثُمَّ جَاءَ الْوَحْيُ بعد وتتابع» .
__________
[ (49) ] رواية الزهري في دلائل النبوة لأبي نعيم (168) .
[ (50) ] ليست في (ص) .
[ (51) ] في (ح) : «يجيئني» .
[ (52) ] في (هـ) : «فجئثت» ، وفي (ح) : «فجيثت» وقد سبق شرح معناها بالحاشية (41) من هذا الباب.
[ (53) ] الآيات الكريمات (1- 5) من سورة المدثر.
[ (54) ] أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ القرشي الزهري، الحافظ، أحد الأعلام بالمدينة، قيل اسمه:
«عبد الله» ، وقيل: «إسماعيل» ولد سنة بضع وعشرين.
كان ثقة، فقيها، كثير الحديث، وأمه تماضر بنت الأصبغ بن عمرو، من أهل دومة الجندل، أدركت حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، وهي أول كلبية نكحها قرشي.
قال شعبة عن أبي إسحق: أبو سلمة في زمانه خير من ابن عمر في زمانه.
وقال عنه مالك: كان عندنا من رجال أهل العلم توفي بالمدينة سنة أربع وتسعين في خلافة الوليد. لَهُ

(2/140)


رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (55) ] عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ، وَزَادَ فِي أَوَّلِ حَدِيثِ عُرْوَةِ عَنْ عَائِشَةَ: مَا رُوِّينَاهُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَزَادَ فِي آخِرِهِ: ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ وَفَتَرَ الْوَحْيُ. ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَقَالَ فِي آخِرِهِ: ثُمَّ حَمِيَ الْوَحْيُ وَتَتَابَعَ.
وَرَوَاهُ [ (56) ] مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ [ (57) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ. قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. قَالَ: ثُمَّ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ» [ (58) ] .
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلّم أنها
__________
[ () ] ترجمة في طبقات ابن سعد (5: 155) ، أخبار القضاة (1: 116) ، تذكرة الحفاظ، العبر (1: 112) ، البداية والنهاية (9: 116) ، تهذيب التهذيب (12: 115) .
[ (55) ] فتح الباري (8: 678) .
[ (56) ] في (م) و (هـ) : «رواه» .
[ (57) ] صحيح مسلم في كتاب الإيمان (1: 144) ، وأخرجه الترمذي في التفسير، والإمام أحمد في «مسنده» (3: 306) .
[ (58) ] كذا رواه أيضا عبد الرزاق، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مجاهد، وكذا أيضا رواه ابن عبد البرّ من طريق:
محمد بن جبير، وبه جزم موسى بن عقبة في مغازيه.
والذي جزم به ابن إسحاق أن بنيان قريش كان قبل المبعث بخمس سنين، سيرة ابن هشام (1:
209) ، وقال الحافظ ابن حجر: «وهو أشهر» .

(2/141)


قَالَتْ: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ» [ (59) ] .
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَحَدَّثَنِي مِثْلَ ذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ.
«وَكَانَ فِيمَا بَلَغَنَا أَوَّلُ مَا رَأَى أَنَّ اللهَ- عز وجل- أَرَاهُ رُؤْيَا فِي الْمَنَامِ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَذَكَرَهَا رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لِامْرَأَتِهِ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ فَعَصَمَهَا اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- مِنْ التَّكْذِيبِ، وَشَرَحَ صَدْرَهَا بِالتَّصْدِيقِ، فَقَالَتْ: أَبْشِرْ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَصْنَعَ بِكَ إِلَّا خَيْرًا، ثُمَّ إِنَّهُ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهَا فَأَخْبَرَهَا أَنَّهُ رَأَى بَطْنَهُ شُقَّ، ثُمَّ طُهِّرَ وَغُسِّلَ، ثُمَّ أُعِيدَ كَمَا كَانَ. قَالَتْ: هَذَا وَاللهِ خَيْرٌ فَأَبْشِرْ [ (60) ] ، ثُمَّ اسْتَعْلَنَ لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ بِأَعْلَى مَكَّةَ فَأَجْلَسَهُ عَلَى مَجْلِسٍ كَرِيمٍ مُعْجَبٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَجْلَسَنِي عَلَى بِسَاطٍ كَهَيْئَةِ الدَّرْنُوكِ [ (61) ] فِيهِ الْيَاقُوتُ وَاللُّؤْلُؤُ فَبَشَّرَهُ بِرِسَالَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى اطْمَأَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ [لَهُ] [ (62) ] جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ [ (63) ] ، اقْرَأْ. فَقَالَ كَيْفَ أَقْرَأُ. قَالَ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [ (64) ]
وَيَزْعُمُ نَاسٌ أَنَّ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [ (65) ] أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ [ (66) ] عَلَيْهِ وَاللهُ أَعْلَمُ. [ (67) ] .
__________
[ (59) ] أخرجه البخاري فِي: 61- كِتَابِ الْفَضَائِلِ (19) بَابُ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم، فتح الباري (6: 559) ، وأعاده في: 64- كتاب المغازي (85) باب وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم، فتح الباري (8: 150) ، كلاهما عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنِ اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ.
[ (60) ] في (م) ، و (هـ) : «وأبشر» .
[ (61) ] (الدّرنوك) : ستر له حمل، وجمعه درانك.
[ (62) ] ليست في (هـ) .
[ (63) ] في (م) : صلّى الله عليه وآله وسلّم.
[ (64) ] (1- 5) أول سورة العلق.
[ (65) ] أول سورة المدثر.
[ (66) ] في (ح) : «نزلت» .
[ (67) ] نقله ابن كثير في «البداية والنهاية» (3: 13) ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بن

(2/142)


قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَتْ خَدِيجَةُ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَصَدَّقَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلّم قبل أن تقرض الصَّلَاةُ، قَالَ: وَقَبِلَ [ (68) ] الرَّسُولُ [صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ] [ (69) ] رِسَالَةَ رَبِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاتَّبَعَ الَّذِي جَاءَهُ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَمَّا قَبِلَ الَّذِي جَاءَهُ مِنْ عِنْدِ اللهِ تَعَالَى وَانْصَرَفَ مُنْقَلِبًا إِلَى بَيْتِهِ جَعَلَ لَا يَمُرُّ عَلَى شَجَرَةٍ وَلَا صَخْرٍ [ (70) ] إِلَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ، فَرَجَعَ مَسْرُورًا إِلَى أَهْلِهِ مُوقِنًا، قَدْ رَأَى أَمْرًا عَظِيمًا، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ قَالَ أَرَأَيْتُكِ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكِ [ (71) ] أَنِّي رَأَيْتُهُ فِي الْمَنَامِ فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اسْتَعْلَنَ لِي، أَرْسَلَهُ إليّ ربي وأخبرها [ (72) ] بِالَّذِي جَاءَهُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ [ (73) ] وَمَا سَمِعَ منه فقالت أبشر فو الله لَا يَفْعَلُ اللهُ بِكَ إِلَّا خَيْرًا، فَاقْبَلِ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ [عِنْدِ] اللهِ [عَزَّ وَجَلَّ] [ (74) ] فَإِنَّهُ حَقٌّ، وَأَبْشِرْ فَإِنَّكَ رَسُولُ اللهِ حَقًّا.
ثُمَّ انْطَلَقَتْ مَكَانَهَا حَتَّى أَتَتْ غُلَامًا لِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ نَصْرَانِيًّا مِنْ أَهْلِ نِينَوَى يُقَالُ لَهُ عَدَّاسٌ، فَقَالَتْ لَهُ يَا عَدَّاسٌ أُذَكِّرُكَ بِاللهِ إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي هَلْ عِنْدَكَ عَلِمٌ مِنْ جِبْرِيلَ. فَقَالَ عَدَّاسٌ: قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ، مَا شَأْنُ جِبْرِيلَ يُذْكَرُ بِهَذِهِ الْأَرْضِ الَّتِي أَهْلُهَا أَهْلُ الْأَوْثَانِ! أَخْبِرْنِي بِعِلْمِكِ فِيهِ، قَالَ فَإِنَّهُ أَمِينُ [ (75) ] اللهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّينَ وَهُوَ صَاحِبُ مُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ.
__________
[ () ] المسيب، وذكره السيوطي في «الخصائص الكبرى» (1: 93) عن أبي نعيم، وعن البيهقي من طريق مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ.
[ (68) ] فِي (ح) : «فقبل» .
[ (69) ] ليست في (م) ولا في (ح) .
[ (70) ] في (ح) : «ولا حجر» .
[ (71) ] في (ح) : «أخبرتك» .
[ (72) ] في (ح) : «فأخبرهما» .
[ (73) ] في (هـ) : «تعالى» .
[ (74) ] الزيادة من (هـ) .
[ (75) ] في (ح) : «أمر» .

(2/143)


فَرَجَعَتْ خَدِيجَةُ مِنْ عِنْدِهِ فَجَاءَتْ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ وَكَانَ وَرَقَةُ قَدْ كَرِهَ عبادة الأوثان، وهو وَزَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وَكَانَ زَيْدٌ قَدْ حَرَّمَ كُلَّ شَيْءٍ حَرَّمَهُ اللهُ [عَزَّ وَجَلَّ] [ (76) ] مِنْ الدَّمِ وَالذَّبِيحَةِ عَلَى النُّصُبِ، وَمِنْ أَبْوَابِ الظُّلْمِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَعَمَدَ هُوَ وَوَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ يَلْتَمِسَانِ الْعِلْمَ حَتَّى وَقَفَا بِالشَّامِ فَعَرَضَتِ الْيَهُودُ عَلَيْهِمَا دِينَهُمْ فَكَرِهَاهُ وسَأَلَا رُهْبَانَ النَّصْرَانِيَّةِ، فَأَمَّا وَرَقَةُ فَتَنَصَّرَ وَأَمَّا زَيْدٌ فَكَرِهَ النَّصْرَانِيَّةَ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ مِنَ الرُّهْبَانِ: إِنَّكَ تَلْتَمِسُ دِينًا لَيْسَ يُوجَدُ الْيَوْمَ فِي الْأَرْضِ! فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: أَيُّ دِينٍ ذَلِكَ؟ قَالَ الْقَائِلُ: دِينُ الْقَيِّمِ دِينُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ. قَالَ: وَمَا كَانَ مِنْ دِينِهِ؟ قَالَ: كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا، فَلَمَّا وَصَفَ لَهُ دِينَ إِبْرَاهِيمَ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] [ (77) ] قَالَ زَيْدٌ أَنَا عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ وَأَنَا سَاجِدٌ نَحْوَ الْكَعْبَةِ الَّتِي بَنَى إِبْرَاهِيمُ، فَسَجَدَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ زَيْدٌ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ الهدى:
أَسْلَمْتُ [ (78) ] وَجْهِيَ لِمَنْ أَسْلَمَتْ ... لَهُ الْمُزْنُ يَحْمِلْنَ عَذْبًا زُلَالَا
ثُمَّ تُوُفِّيَ زَيْدٌ وَبَقِيَ وَرَقَةُ بَعْدَهُ كَمَا يَزْعُمُونَ سَنَتَيْنِ [ (79) ] فَقَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ وَهُوَ يَبْكِي زيد بن عمرو بن نفيل:
رَشَدْتَ وَأَنْعَمْتَ ابْنَ عَمْرٍو وَإِنَّمَا ... تَجَنَّبْتَ تَنُّورًا مِنَ النَّارِ حَامِيَا
بِدِينِكَ رَبًّا لَيْسَ رَبٌّ كَمِثْلِهِ ... وَتَرْكِكَ جنّان الجبال كماهيا
__________
[ (76) ] ليست في (ح) .
[ (77) ] الزيادة من (هـ) .
[ (78) ] في (ح) : «وأسلمت» .
[ (79) ] في (ح) : «سنين» .

(2/144)


تَقُولُ إِذَا جَاوَزْتَ أَرْضًا مَخُوفَةً ... بِاسْمِ الْإِلَهِ بِالْغَدَاةِ وَسَارِيًا
تَقُولُ إِذَا صَلَّيْتَ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ ... حَنَانَيْكَ لَا تُظْهِرْ عَلَيَّ الْأَعَادِيَا
فَلَمَّا وَصَفَتْ خَدِيجَةُ لِوَرَقَةَ حِينَ جَاءَتْهُ شَأْنَ مُحَمَّدٍ عليه السلام صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ [ (80) ] وَذَكَرَتْ لَهُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَا جَاءَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ [ (81) ] لَهَا وَرَقَةُ: يَا بُنَيَّةَ أَخِي [ (82) ] مَا أَدْرِي لَعَلَّ صَاحِبَكِ النَّبِيُّ الَّذِي يَنْتَظِرُ أَهْلُ الْكِتَابِ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَأُقْسِمُ بِاللهِ لَئِنْ كَانَ إِيَّاهُ ثُمَّ أَظْهَرَ دُعَاءَهُ [ (83) ] وَأَنَا حَيٌّ لَأُبْلِيَنَّ اللهَ فِي طَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَحُسْنِ مُؤَازَرَتِهِ الصَّبْرَ وَالنَّصْرَ. فَمَاتَ وَرَقَةُ [ (84) ] .
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ هَذِهِ الْقِصَّةَ بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا وَزَادَ فِيهَا: «فَفَتَحَ جِبْرِيلُ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] [ (85) ] عَيْنًا مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلّم ينظر إليه وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَمَسَحَ رَأْسَهُ [ (86) ] وَرِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ نَضَحَ فَرْجَهُ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ مُوَاجَهَةَ الْبَيْتِ، فَفَعَلَ مُحَمَّدٌ كَمَا رَأَى جبريل يفعل» .
__________
[ (80) ] الزيادة من (هـ) .
[ (81) ] في (ح) : «فقال» .
[ (82) ] الثابت أن خديجة ابنة عم ورقة، وراجع الحاشية (48) من هذا الباب.
[ (83) ] في (ح) : «دعاه» .
[ (84) ] نقله ابن كثير في «البداية والنهاية (3: 13- 14) ، عن المصنف، والسيوطي في «الخصائص الكبرى» (1: 93) .
[ (85) ] الزيادة من (هـ) .
[ (86) ] في (ح) : «برأسه» .

(2/145)


أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ وَحَسَّانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَا:
حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ. وَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِأَجْمَعِهَا شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيِّ عَنْ أَبِي عُلَاثَةَ: مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مِنْ شِعْرِ وَرَقَةَ إِلَّا الْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ.
وَلَمْ يَذْكُرْ مَا قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي إِسْلَامِ خَدِيجَةَ وَالَّذِي ذُكِرَ [فِيهِ] [ (87) ] مِنْ شَقِّ بَطْنِهِ، يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حِكَايَةً مِنْهُ لِمَا صُنِعَ بِهِ فِي صِبَاهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ شُقَّ مَرَّةً أُخْرَى ثُمَّ مَرَّةً ثَالِثَةً حِينَ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ وَاللهُ أَعْلَمُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ اللهِ [ (88) ] بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيُّ وَكَانَ وَاعِيَةً [ (89) ] عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ حِينَ أَرَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ كَرَامَتَهُ [وَابْتَدَأَهُ] لَا يَمُرُّ بِحَجَرٍ وَلَا شَجَرٍ إِلَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ وَسَمِعَ مِنْهُ، فَيَلْتَفِتُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ خَلْفَهُ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَلَا يَرَى إِلَّا الشَّجَرُ وَمَا حَوْلَهُ مِنَ الْحِجَارَةِ وَهِيَ تُحَيِّيهِ بِتَحِيَّةِ النُّبُوَّةِ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ [ (90) ] .
__________
[ (87) ] في (م) و (هـ) : «فيها» .
[ (88) ] في السيرة لابن هشام «عبد الملك بن عبيد الله» .
[ (89) ] «واعية» : أي حافظا، من قولهم: وعن العلم يعيه إذا حفظة، وأدخلت التاء للمبالغة.
[ (90) ]
سيرة ابن هشام (1: 252- 253) ، وطبقات ابن سعد (1: 157) ، وتاريخ الإسلام للذهبي (2: 71) ، وقد أخرج مسلم في صحيحه في كتاب الفضائل، حديث (2) ، ص (1782) من حديث جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ. إِنِّي لأعرفه الآن» .
وقد أخرج هذا الحديث أيضا الترمذي في المناقب (5: 593) ، والدارمي في المقدمة، والإمام أحمد في «مسنده» (5: 89) .

(2/146)


وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يَخْرُجُ إِلَى حِرَاءَ فِي كُلِّ عَامٍ شَهْرًا مِنَ السَّنَةِ يَنْسُكُ فِيهِ، وَكَانَ مَنْ نَسَكَ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُطْعِمُ مَنْ جَاءَ مِنَ الْمَسَاكِينِ حَتَّى إِذَا انْصَرَفَ مِنْ مُجَاوَرَتِهِ وَقَضَائِهِ [ (91) ] لَمْ يَدْخُلْ بَيْتَهُ حَتَّى يَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ، حَتَّى إِذَا كَانَ الشَّهْرُ الَّذِي أَرَادَ اللهُ [تَعَالَى] [ (92) ] بِهِ مَا أَرَادَ مِنْ كَرَامَتِهِ مِنَ السَّنَةِ الَّتِي بُعِثَ فِيهَا، وَذَلِكَ الشَّهْرُ رَمَضَانُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ كَمَا كَانَ يَخْرُجُ لِجِوَارِهِ وَخَرَجَ مَعَهُ بِأَهْلِهِ حَتَّى إِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَكْرَمَهُ اللهُ فِيهَا بِرِسَالَتِهِ وَرَحِمَ الْعِبَادَ بِهِ جَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَمْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: فَجَاءَنِي، وَأَنَا نَائِمٌ، فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقُلْتُ: مَا أَقْرَأُ؟ فَغَتَّنِي [ (93) ] حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ الْمَوْتُ، ثُمَّ كَشَفَهُ عَنِّي، فقال: أقر: فَقُلْتُ: وَمَا أَقْرَأُ؟ فَعَادَ لِي [ (94) ] بِمِثْلِ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: اقْرَأْ.
فَقُلْتُ: وَمَا أَقْرَأُ وَمَا أَقُولُهَا إِلَّا تَنَجِّيًا [ (95) ] أَنْ يَعُودَ لِي بِمِثْلِ الَّذِي صَنَعَ، فَقَالَ:
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [ (96) ] .
ثُمَّ انْتَهَى، فَانْصَرَفَ عَنِّي وَهَبَبْتُ مِنْ نَوْمِي فَكَأَنَّمَا صَوَّرَ فِي قَلْبِي كِتَابًا وَلَمْ يَكُنْ فِي خَلْقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَحَدٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ شَاعِرٍ أَوْ مَجْنُونٍ فَكُنْتُ لَا أُطِيقُ أَنْظُرُ إِلَيْهِمَا، فَقُلْتُ: إِنَّ الْأَبْعَدَ يَعْنِي نَفْسَهُ لَشَاعِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ثُمَّ قلت لا تحدث
__________
[ (91) ] في سيرة ابن هشام: «فإذا قضى جواره ... » .
[ (92) ] الزيادة من (هـ) .
[ (93) ] في (هـ) و (م) : «فزتني» وهو تحريف، ومعنى «غتني» : «حبس نفسي» ، قال ابن الأثير:
«الغت والغط سواء، كأنه أراد عصرني عصرا شديدا، حتى وجدت منه المشقة، كما يجد من يغمس في الماء قهرا» .
[ (94) ] في (هـ) : «فعاودني» .
[ (95) ] في سيرة ابن هشام: «إلا افتداء منه أَنْ يَعُودَ لِي بِمِثْلِ ما صنع» .
[ (96) ] (1- 5) من سورة القلم.

(2/147)


عَنِّي قُرَيْشٌ بِهَذَا أَبَدًا، لَأَعْمِدَنَّ إِلَى حَالِقٍ مِنَ الْجَبَلِ فَلَأَطْرَحَنَّ [ (97) ] نَفْسِي مِنْهُ فَلَأَقْتُلَنَّهَا فَلَأَسْتَرِيحَنَّ، فَخَرَجْتُ مَا أُرِيدُ غَيْرَ ذَلِكَ فَبَيْنَا أَنَا عَامِدٌ لِذَلِكَ إِذْ سَمِعْتُ مُنَادِيًا يُنَادِي مِنَ السَّمَاءِ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللهِ وَأَنَا جِبْرِيلُ، فَرَفَعْتُ، رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ انْظُرُ فَإِذَا جِبْرِيلُ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] [ (98) ] فِي صُورَةِ رَجُلٍ صَافٍّ قَدَمَيْهِ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ يَقُولُ يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللهِ وَأَنَا جِبْرِيلُ فَرَفَعْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَشَغَلَنِي عَنْ ذَلِكَ وَعَمَّا أُرِيدُ فَوَقَفْتُ وَمَا أَقْدِرُ عَلَى أَنْ أَتَقَدَّمَ: وَلَا أَتَأَخَّرَ، وَمَا أَصْرِفُ وَجْهِي فِي نَاحِيَةٍ مِنَ السَّمَاءِ إِلَّا رَأَيْتُهُ فِيهَا، فَمَا زِلْتُ وَاقِفًا مَا أَتَقَدَّمُ وَلَا أَتَأَخَّرُ حَتَّى بَعَثَتْ خَدِيجَةُ رُسُلَهَا فِي طَلَبِي، حَتَّى بَلَغُوا مَكَّةَ، وَرَجَعُوا فَلَمْ أَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى كَادَ النَّهَارُ يَتَحَوَّلُ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنِّي وَانْصَرَفْتُ رَاجِعًا إِلَى أَهْلِي حَتَّى أَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَجَلَسْتُ إِلَى فَخِذِهَا مُضِيفًا إِلَيْهَا فَقَالَتْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ! أَيْنَ كنت؟
فو الله لَقَدْ بَعَثْتُ رُسُلِي فِي طَلَبِكَ، حَتَّى بَلَغُوا مَكَّةَ وَرَجَعُوا، فَقُلْتُ لَهَا: إِنَّ الْأَبْعَدَ لَشَاعِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ. فَقَالَتْ أُعِيذُكَ بِاللهِ تَعَالَى [ (99) ] مِنْ ذَلِكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، مَا كَانَ اللهُ لِيَفْعَلَ بِكَ ذَلِكَ مَعَ مَا أَعْلَمُ مِنْ صِدْقِ حَدِيثِكَ، وَعِظَمِ أَمَانَتِكَ، وَحُسْنِ خُلُقِكَ، وَصِلَةِ رَحِمِكَ.
وَمَا ذَاكَ يَا ابْنَ عَمٍّ لَعَلَّكَ رَأَيْتَ شَيْئًا أَوْ سَمِعْتَهُ. فَأَخْبَرْتُهَا الْخَبَرَ. فَقَالَتْ:
أَبْشِرْ يَا ابْنَ عَمٍّ وَاثْبُتْ لَهُ فَوَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ نَبِيَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ.
ثُمَّ قَامَتْ فَجَمَعَتْ ثِيَابَهَا عَلَيْهَا ثُمَّ انْطَلَقَتْ إِلَى وَرَقَةِ بْنِ نوفل وهو ابْنُ عَمِّهَا، وَكَانَ قَدْ قَرَأَ الْكُتُبَ وَتَنَصَّرَ وَسَمِعَ مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ وَقَصَّتْ عَلَيْهِ مَا قَصَّ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَأَى وَسَمِعَ. فقال ورقة: قدوس
__________
[ (97) ] في (هـ) : «ولأطرحنّ» .
[ (98) ] الزيادة من (هـ) .
[ (99) ] الزيادة من (هـ) .

(2/148)


قُدُّوسٌ، وَالَّذِي نَفْسُ وَرَقَةَ بِيَدِهِ لَئِنْ [ (100) ] كُنْتِ صَدَقْتِينِي يَا خَدِيجَةُ، إِنَّهُ لَنَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَإِنَّهُ لَيَأْتِيهِ النَّامُوسُ الْأَكْبَرُ الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى [عَلَيْهِ السَّلَامُ] [ (101) ] ، فَقُولِي لَهُ فَلْيَثْبُتْ.
فَرَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْهُ مَا قَالَ لَهَا وَرَقَةُ فَسَهَّلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بَعْضَ مَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْهَمِّ بِمَا جَاءَهُ.
فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ جِوَارَهُ صَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ: بَدَأَ بِالْكَعْبَةِ فَطَافَ بِهَا فَلَقِيَهُ وَرَقَةُ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي! أَخْبِرْنِي بِالَّذِي رَأَيْتَ وَسَمِعْتَ، فَقَصَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ خَبَرَهُ، فَقَالَ وَرَقَةُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لَيَأْتِيكَ النَّامُوسُ [ (102) ] الْأَكْبَرُ الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى وَإِنَّكَ لَنَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَتُؤْذَيَنَّ، وَلَتُكَذَّبَنَّ، وَلَتُقَاتَلَنَّ، وَلَتُنْصَرَنَّ، وَلَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُ ذَلِكَ لَأَنْصُرَنَّكَ نَصْرًا يَعْلَمُهُ اللهُ، ثُمَّ أَدْنَى إِلَيْهِ رَأْسَهُ فَقَبَّلَ يَافُوخَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِلَى مَنْزِلِهِ وَقَدْ زَادَهُ اللهُ [عَزَّ وَجَلَّ] [ (103) ] مِنْ قَوْلِ وَرَقَةَ ثَبَاتًا، وَخَفَّفَ عَنْهُ بَعْضَ مَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْهَمِّ» [ (104) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: [مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ] [ (105) ] قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ،، قَالَ: حَدَّثَنَا يونس عن ابن إسحق، قَالَ: وَكَانَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ قَالَ فِيمَا ذَكَرَتْ لَهُ خَدِيجَةُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ
__________
[ (100) ] في (ح) : «إن» .
[ (101) ] الزيادة من (م) و (ص) .
[ (102) ] (الناموس) : جبريل، وأصل الناموس: صاحب سر الخير، ومندة الجاسوس: صاحب سر الشر.
[ (103) ] الزيادة من (هـ) .
[ (104) ] سيرة ابن هشام (1: 254- 257) ، ونقله الذهبي في «تاريخ الإسلام» (3: 71- 72) .
[ (105) ] الزيادة من (ح) .

(2/149)


الله صلى الله عليه وآله وسلّم فيما يزعمون:
فَإِنْ يَكُ [ (106) ] حَقًّا يَا خَدِيجَةُ فَاعْلَمِي ... حَدِيثَكِ إِيَّانَا فَأَحْمَدُ مُرْسَلُ
وَجِبْرِيلُ يَأْتِيهِ وَمِيكَالُ مَعْهُمَا ... مِنَ اللهِ وَحْيٌ يَشْرَحُ الصَّدْرَ مُنْزَلُ
يَفُوزُ بِهِ مَنْ فَازَ فِيهَا بِتَوْبَةٍ ... وَيَشْقَى بِهِ الْعَاتِي الْغَوِيُّ الْمُضَلَّلُ [ (107) ]
فَرِيقَانِ مِنْهُمْ فِرْقَةٌ فِي جِنَانِهِ ... وَأُخْرَى بِإِخْوَانِ الْجَحِيمِ تُغَلَّلُ
إِذَا مَا دُعُوا بِالْوَيْلِ فِيهَا تَتَابَعَتْ ... مَقَامِعُ فِي هَامَاتِهَا ثُمَّ تُشْعَلُ
فَسُبْحَانَ مَنْ تَهْوِي الرِّيَاحُ بِأَمْرِهِ ... وَمَنْ هُوَ فِي الْأَيَّامِ مَا شَاءَ يَفْعَلُ
وَمَنْ عَرْشُهُ فَوْقَ السَّمَوَاتِ كُلِّهَا ... وَأَقْضَاؤُهُ فِي خَلْقِهِ لَا تُبَدَّلُ
وَقَالَ وَرَقَةُ بْنُ نوفل في ذلك:
يَا لِلرِّجَالِ وَصَرْفِ الدَّهْرِ وَالْقَدَرِ ... وَمَا لِشَيْءٍ قَضَاهُ اللهُ مِنْ غِيَرِ
حَتَّى خَدِيجَةُ تَدْعُونِي لِأُخبِرَهَا ... وَمَا لَهَا بَخَفِيِّ الْغَيْبِ مِنْ خَبَرِ
جَاءَتْ لِتَسْأَلَنِي عَنْهُ لِأُخبِرَهَا ... أَمْرًا أُرَاهُ سَيَأْتِي النَّاسَ مِنْ أخر
__________
[ (106) ] في (م) و (هـ) : «إن» .
[ (107) ] ابن كثير: «ويشقى به العاني الغرير المضلل» .

(2/150)


فَخَبَّرَتْنِي بِأَمْرٍ قَدْ سَمِعْتُ بِهِ ... فِيمَا مَضَى مِنْ قَدِيمِ الدَّهْرِ وَالْعُصُرِ
بِأَنَّ أَحْمَدَ يَأْتِيهِ فَيُخْبِرُهُ ... جِبْرِيلُ أَنَّكَ مَبْعُوثٌ إِلَى الْبَشَرِ
فَقُلْتُ علَّ الَّذِي تَرْجِينَ يُنْجِزُهُ ... لَكِ الْإِلَهُ فَرَجِّي الْخَيْرَ وانْتَظِرِي
وَأَرْسِلِيهِ إِلَيْنَا كَيْ نُسَائِلَهُ ... عَنْ أَمْرِهِ مَا يَرَى فِي النَّوْمِ وَالسَّهَرِ
فَقَالَ حِينَ أَتَانَا مَنْطِقًا عَجَبًا ... يَقِفُّ مِنْهُ أَعَالِي الْجِلْدِ وَالشَّعَرُ
إِنِّي رَأَيْتُ أَمِينَ اللهِ وَاجَهَنِي ... فِي صُورَةٍ أُكْمِلَتْ مِنْ أَهْيَبِ الصُّوَرِ
ثُمَّ اسْتَمَرَّ فَكَادَ الْخَوْفُ يَذْعُرُنِي ... مِمَّا يُسَلِّمُ مِنْ حَوْلِي مِنَ الشَّجَرِ
فَقُلْتُ ظَنِّي وَمَا أَدْرِي أَيَصْدُقُنِي ... أَنْ سَوْفَ تُبْعَثَ تَتَلُو مُنْزَلَ السُّوَرِ
وَسَوْفَ أُنْبِيكَ إِنْ أَعْلَنْتَ دَعْوَتَهُمْ ... مِنَ الْجِهَادِ بِلَا مَنٍّ وَلَا كَدَرِ [ (108) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ مَوْلَى الزُّبَيْرِ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ «أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فِيمَا تُثَبِّتُهُ- فِيمَا
__________
[ (108) ] نقل الأبيات الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية (3: 10- 11) ، وقال: «هكذا أورد ذلك الحافظ البيهقي في الدلائل، وعندي في صحتها عن ورقة نظر، والله أعلم» .

(2/151)


أَكْرَمَهُ اللهُ [تَعَالَى] [ (109) ] بِهِ مِنْ نُبُوَّتِهِ- يَا ابْنَ عَمٍّ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُخْبِرَنِي بِصَاحِبِكَ هَذَا الَّذِي يَأْتِيكَ إِذَا جَاءَكَ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَتْ: إِذَا جَاءَكَ فَأَخْبِرْنِي.
فَبَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، عِنْدَهَا إِذْ جَاءَ جِبْرِيلُ، فَرَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
يَا خَدِيجَةُ هَذَا جِبْرِيلُ. فَقَالَتْ: أَتُرَاهُ الْآنَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: فَاجْلِسْ إِلَى شِقِّي الْأَيْمَنِ، فَتَحَوَّلَ فَجَلَسَ، فَقَالَتْ هَلْ تَرَاهُ الْآنَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ فَاجْلِسْ فِي حِجْرِي فَتَحَوَّلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَجَلَسَ. فَقَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ الْآنَ؟ قَالَ:
نَعَمْ. فَتَحَسَّرَتْ رَأْسَهَا فَأَلْقَتْ خِمَارَهَا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي حِجْرِهَا، فَقَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ الْآنَ؟ قَالَ لَا. قَالَتْ: مَا هَذَا شَيْطَانٌ إِنَّ هَذَا [لَمَلَكٌ] [ (110) ] يَا ابْنَ عَمٍّ، فَاثْبُتْ وَأَبْشِرْ، ثُمَّ آمَنَتْ بِهِ وَشَهِدَتْ أَنَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْحَقَّ» .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الْحَسَنِ هَذَا [ (111) ] الْحَدِيثَ، فَقَالَ:
قَدْ سَمِعْتُ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْحُسَيْنِ تُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ خَدِيجَةَ إِلَّا أَنِّي سَمِعْتُهَا تَقُولُ: «أَدْخَلَتْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، بَيْنَهَا وَبَيْنَ دِرْعِهَا فَذَهَبَ عِنْدَ ذَلِكَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
قُلْتُ: وَهَذَا شَيْءٌ كَانَتْ خَدِيجَةُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- تَصْنَعُهُ تَسْتَثْبِتُ بِهِ الْأَمْرَ احْتِيَاطًا لِدِينِهَا وَتَصْدِيقِهَا، فَأَمَّا النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَقَدْ كَانَ [قَدْ] [ (112) ] وَثِقَ بِمَا قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ وَأَرَاهُ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَمَا كَانَ مِنْ تَسْلِيمِ الشَّجَرِ وَالْحَجَرِ عَلَيْهِ وَمَا كَانَ مِنْ إِجَابَةِ الشجر لدعائه وذلك بعد ما كَذَّبَهُ قَوْمُهُ وَشَكَاهُمْ إِلَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَرَادَ أَنْ يُطَيِّبَ قلبه» [ (113) ] .
__________
[ (109) ] الزيادة من (هـ) .
[ (110) ] في (ح) : «الملك» .
[ (111) ] في (ح) : «بهذا» .
[ (112) ] ليست في (هـ) .
[ (113) ] دلائل النبوة لأبي نعيم (172) و (174) . و «البداية والنهاية» لابن كثير (3: 15) .

(2/152)


حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ إِمْلَاءً، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ [ (114) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ» .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (115) ] ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي بُكَيْرٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ.
(ح) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ فُورَكٍ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُعَاذٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ بِمَكَّةَ لَحَجَرًا كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ لَيَالِيَ بُعِثْتُ. إِنِّي لَأَعْرِفُهُ إِذَا مَرَرْتُ عَلَيْهِ» [ (116) ] .
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْمَرْوَرُّوذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ [ (117) ] عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ فَخَرَجَ فِي
__________
[ (114) ] في (هـ) و (م) : «ابن بكير» .
[ (115) ] سبق ذكره وتخريجه في الحاشية (90) من هذا الباب.
[ (116) ] انظر الحديث السابق، وهذا الحديث في الترمذي (5: 592- 593) .
[ (117) ] في جامع الترمذي: «عباد بن أبي يزيد، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالب.

(2/153)


بَعْضِ نَوَاحِيهَا فَمَا اسْتَقْبَلَهُ شَجَرٌ وَلَا جَبَلٌ [ (118) ] إِلَّا قَالَ لَهُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ» [ (119) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ ابن نُصَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَنْبَسَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنَ، هُوَ السُّدِّيُّ، عَنْ عَبَّادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (120) ] يَقُولُ: «لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَدْخُلُ مَعَهُ- يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ- الْوَادِيَ فَلَا يَمُرُّ بِحَجَرٍ وَلَا شَجَرٍ إِلَّا قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ وَأَنَا أَسْمَعُهُ» [ (121) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ الْإِسْفَرَايِنِيُّ بِهَا، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسحق، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ مَكَّةَ قَدْ خَضَبَهُ أَهْلُ مَكَّةَ بِالدِّمَاءِ، قَالَ، مَالِكٌ قَالَ: خَضَبَنِي هَؤُلَاءِ بِالدِّمَاءِ وَفَعَلُوا وَفَعَلُوا، قَالَ تُرِيدُ أَنْ أُرِيكَ آيَةً؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ ادْعُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ فَدَعَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَجَاءَتْ تَخُطُّ الْأَرْضَ حَتَّى قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ مُرْهَا فَلْتَرْجِعْ قَالَ: ارْجِعِي إِلَى مَكَانِكِ، فَرَجَعَتْ إِلَى مَكَانِهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم:
حسبي» [ (122) ] .
__________
[ (118) ] في (ح) : «فَمَا اسْتَقْبَلَهُ شَجَرٌ وَلَا مدر» .
[ (119) ] أخرجه الترمذي في: 50- كتاب المناقب، ح (3626) ص (5: 593) ، وقال: «هذا حديث غريب» .
[ (120) ] الزيادة من (م) .
[ (121) ] نقله ابن كثير عن المصنف في البداية والنهاية (3: 16) .
[ (122) ] ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» باختلاف يسير (9: 10) ، وقال: رواه البزار وأبو يعلى، وإسناد أبي يعلى حسن.

(2/154)


بَابٌ أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ الشَّرْقِيِّ إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [ (123) ] .
هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَقَدَ مَضَى مَعْنَاهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّابِتَةِ [ (124) ] عَنْ مَعْمَرٍ وَعُقَيْلٍ وَكَذَلِكَ [ (125) ] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو عَبْدِ اللهِ: إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ السُّوسِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ- يَعْنِي ابْنَ مَزْيَدٍ- قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: «سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَيُّ الْقُرْآنِ نَزَلَ قَبْلُ؟ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ» قَالَ: قُلْتُ أَوِ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ؟ قَالَ:
سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَيُّ الْقُرْآنِ أُنْزِلَ قَبْلُ؟ فَقَالَ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قَالَ: قُلْتُ أَوِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [ (126) ] قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: إِنِّي جَاوَرْتُ بِحِرَاءَ شَهْرًا فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي نَزَلْتُ فَاسْتَبْطَنْتُ الْوَادِيَ فَنُودِيتُ فَنَظَرْتُ بَيْنَ يَدَيَّ وَخَلْفِي وعن
__________
[ (123) ] أخرجه ابن جرير الطبري، والحاكم وصححه، وابن مردويه. الدر المنثور (6: 368) .
[ (124) ] في (هـ) و (ص) : «الثانية» .
[ (125) ] في (ص) : «وكذا» .
[ (126) ] ليست في (ح) .

(2/155)


يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، ثُمَّ نَظَرْتُ إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا هُوَ عَلَى الْعَرْشِ فِي الْهَوَاءِ، فَأَخَذَتْنِي وَحْشَةٌ، فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَأَمَرْتُهُمْ فَدَثَّرُونِي فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ- حَتَّى بَلَغَ- وَثِيَابَكَ فطهّر» .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ [ (127) ] .
وَقَدْ مَضَى فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ أَنَّ نُزُولَ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ كَانَ بَعْدَ مَا فَتَرَ الْوَحْيُ، وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ نُزُولَهَا كَانَ بَعْدَ نُزُولِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ.
أَخْبَرَنَاهُ [ (128) ] أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَهْلٍ بِشْرُ بْنُ أَحْمَدَ ابن مُحَمَّدٍ الْمِهْرَجَانِيُّ مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ الْحُسَيْنِ [بن أزدن] [ (129) ] بْنِ عُقَيْلٍ هُوَ الْخُسْرَوْجِرْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي جابر
__________
[ (127) ] أخرجه البخاري في: 65- كتاب التفسير (74) سورة المدثر، ح (4922) ، فتح الباري (8:
676) ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ وَكِيعٍ، عن عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرحمن عن أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ ... ، وأخرجه البخاري أيضا في الباب الأول من كتاب بدء الوحي عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، وأعاده في التفسير عنه أيضا، فتح الباري (8: 678) ، وبعده (8: 679) ، وفي كتاب الأدب.
كما أعاده البخاري أيضا في تفسير سورة العلق عن سعيد بن مروان في قصة فتور الوحي، وفي بدء الخلق عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ معمر أربعتهم عن الزهري.
أخرجه مسلم في: 1- كتاب الإيمان، (73) باب بدء الوحي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم، ح (257) عن الأوزاعي- كما أشار المصنف، صفحة (144) .
[ (128) ] كذا في (م) و (ح) ، وفي (ص) و (هـ) : أخبرنا.
[ (129) ] الزيادة من (هـ) .

(2/156)


ابن عَبْدِ اللهِ «أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: ثُمَّ فَتَرَ الْوَحْيُ عَنِّي فَتْرَةً فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ بَصَرِي قِبَلَ السَّمَاءِ، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءَ قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِيٍّ، [فَجُئِثْتُ] [ (130) ] مِنْهُ فَرَقًا، حَتَّى صِرْتُ [ (131) ] إِلَى الْأَرْضِ، فَجِئْتُ أَهْلِي فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فَزَمَّلُونِي، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ.
قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: الرُّجْزُ الْأَوْثَانُ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ شعيب، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ [ (132) ] ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، وَفِي ذَلِكَ بَيَانُ مَا قُلْنَاهُ [ (133) ] .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِي، ثُمَّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ «أَنَّ أَوَّلَ سُورَةٍ أُنْزِلَتِ اقْرَأْ باسم ربك» [ (134) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الليث، قال: حدثني عقيل عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي [ (135) ] مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ ابن جَعْفَرٍ الْمَخْزُومِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ عُلَمَائِهِمْ، يَقُولُ: «كَانَ أَوَّلُ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، إِلَى: عَلَّمَ الإنسان ما لم
__________
[ (130) ] في (هـ) : «فجثثت» ، وفي (ح) : «فجثيت» ، وسبق شرحها بالحاشية (41) من هذا الباب.
[ (131) ] في (ص) : «ضربت» وهو تحريف.
[ (132) ] سبق تخريج الحديث بالحاشية (43) من هذا الباب.
[ (133) ] في (هـ) : «ما قلنا» .
[ (134) ] الدر المنثور (6: 368) .
[ (135) ] في (ح) : «حدثني» .

(2/157)


يعلم [ (136) ] فَقَالُوا: هَذَا صَدْرُهَا الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يَوْمَ حِرَاءَ ثُمَّ أُنْزِلَ آخِرُهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا شَاءَ اللهُ» وَأَمَّا الْحَدِيثَ الَّذِي
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَ لِخَدِيجَةَ إِنِّي إِذَا خَلَوتُ وَحْدِي سَمِعْتُ نِدَاءً وَقَدْ وَاللهِ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَمْرًا فَقَالَتْ مَعَاذَ اللهِ مَا كَانَ اللهُ لِيَفْعَلَ بِكَ فو الله إنك لتؤدّي الأمانة، او تصل الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، فَلَمَّا دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَلَيْسَ رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، ثَمَّ ذَكَرَتْ خَدِيجَةُ حَدِيثَهُ لَهُ وَقَالَتْ يَا عَتِيقُ اذْهَبْ مَعَ مُحَمَّدٍ إِلَى وَرَقَةَ، فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى وَرَقَةَ، فَقَالَ:
وَمَنْ أَخْبَرَكَ؟ قَالَ: خَدِيجَةُ، فَانْطَلَقَا إِلَيْهِ، فَقَصَّا عَلَيْهِ، فَقَالَ إِذَا خَلَوتُ وَحْدِي سَمِعْتُ نِدَاءً خَلْفِي: يَا مُحَمَّدُ، يَا مُحَمَّدُ، فَأَنْطَلِقُ هَارِبًا [ (137) ] فِي الْأَرْضِ، فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ فَإِذَا [ (138) ] أَتَاكَ فَاثْبُتْ حَتَّى تَسْمَعَ مَا يَقُولُ [ (139) ] ثُمَّ ائْتِنِي فَأَخْبِرْنِي، فَلَمَّا خَلَا نَادَاهُ يَا مُحَمَّدُ قُلْ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. حَتَّى بَلَغَ. وَلَا الضَّالِّينَ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَأَتَى وَرَقَةَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ أَبْشِرْ، ثُمَّ أَبْشِرْ، فَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ ابْنُ مَرْيَمَ، وَأَنَّكَ عَلَى مِثْلِ نَامُوسِ مُوسَى، وَأَنَّكَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ [ (140) ] ، وَأَنَّكَ سَوْفَ تُؤْمَرُ [ (141) ] بِالْجِهَادِ بَعْدَ يَوْمِكَ هَذَا وَلَئِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ لَأُجَاهِدَنَّ مَعَكَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَرَقَةُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: لَقَدْ رَأَيْتُ الْقِسَّ فِي الْجَنَّةِ عَلَيْهِ ثِيَابُ الْحَرِيرِ، لِأَنَّهُ آمَنَ بِي
__________
[ (136) ] أول سورة العلق.
[ (137) ] في (ح) : «هارب» !
[ (138) ] في (ح) : «إذا» .
[ (139) ] في (ح) : «ما تقول» .
[ (140) ] في (ح) : «نبي» فقط.
[ (141) ] في (ح) : «تأمر قومي» .

(2/158)


وَصَدَّقَنِي- يَعْنِي وَرَقَةَ،
فَهَذَا مُنْقَطِعٌ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْ نُزُولِهَا بَعْدَ مَا نَزَلَتْ عَلَيْهِ، اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، وَيا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، وَاللهُ أَعْلَمُ [ (142) ] .
__________
[ (142) ] رواه ابن كثير في «البداية والنهاية» (3: 9) عن البيهقي، وأبي نعيم، وقال: «هذا لفظ البيهقي وهو مرسل، وفيه غرابة وهو كون الفاتحة أول ما نزل» .
ثم تابع ابن كثير قائلا: «وقد قدّمنا من شعره ما يدل على إضماره الإيمان، وعقده عليه، وتأكده عنده، وذلك حين أخبرته خديجة ما كان من أمره مع غلامها ميسرة، وكيف كانت الغمامة تظلله في هجير القيظ، فقال ورقة في ذلك أشعارا قدمناها قبل هذا منها قوله:
لججت وكنت في الذكرى لجوجا ... لأمر طالما بعث النشيجا
ووصف من خديجة بعد وصف ... فقد طال انتظاري يا خديجا ...
إلخ

(2/159)