دلائل
النبوة للبيهقي محققا بَابُ خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه
وآله وَسَلَّمَ مَعَ صَاحِبِهِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ- رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ- إِلَى الْغَارِ وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْآثَارِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ
عَبْدِ الْوَاحِدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ وأَخْبَرَنِي أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللهِ، وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ،
قَالَ: حَدَّثَنِي عقيل، قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ:
فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَتْ «لَمْ أَعْقِلْ
أَبَوَيَّ [ (1) ] إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ
عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه
وآله وَسَلَّمَ طَرَفَيِ النَّهَارِ:
بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ، خَرَجَ أَبُو
بَكْرٍ مُهَاجِرًا نَحْو أَرْضِ الْحَبَشَةِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ
الْغِمَادِ [ (2) ] لَقِيَهُ: ابْنُ الدُّغُنَّةِ [ (3) ] وَهُوَ سَيِّدُ
الْقَارَةِ، قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ:
أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الْأَرْضِ وَأَعْبُدَ
رَبِّي، قَالَ ابْنُ الدُّغُنَّةِ: فَإِنَّ مِثْلَكَ لَا يَخْرُجُ وَلَا
يُخْرَجُ، إِنَّكَ تُكْسِبُ الْمَعْدُومَ،
__________
[ (1) ] في البخاري: لم أعقل ابويّ قطّ.
[ (2) ] برك الغماد: موضع بناحية اليمن، مما يلي ساحل البحر، وقال ابن
فارس: بضم الغين، وفي التوضيح: برك الغماد: موضع في أقاصي هجر.
[ (3) ] ابن الدغنة هو: ربيعة بن رفيع أهبان بن ثعلبة السلمي، كان يقال له
ابن الدغنة، وهي أُمُّهُ، فَغَلَبَتْ عَلَى اسْمِهِ، شهد حنينا، ثم قدم
إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم في بني تميم.
(2/471)
وَتَصِلَ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ [
(4) ] ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَأَنَا
لَكَ جَارٌ فَارْجِعْ، فَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ [ (5) ] ، فَارْتَحَلَ
ابْنُ الدُّغُنَّةِ مَعَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَطَافَ فِي
أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ
مِثْلُهُ وَلَا يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يُكْسِبُ الْمَعْدُومَ،
وَيَصِلَ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ
عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَأَنْفَذَتْ [ (6) ] قُرَيْشٌ جِوَارَ ابْنِ
الدُّغُنَّةِ، وَأَمَّنُوا أَبَا بَكْرٍ، وَقَالُوا لِابْنِ الدُّغُنَّةِ:
مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ
وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ، وَلَا يُؤْذِينَا بِذَلِكَ، وَلَا يَسْتَعْلِنُ
بِهِ، فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، فَقَالَ
ابْنُ الدُّغُنَّةِ ذَلِكَ لِأَبِي بَكْرٍ، فَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ يَعْبُدُ
رَبَّهُ فِي دَارِهِ وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِالصَّلَاةِ، وَلَا
بِالْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ دَارِهِ.
ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ
[وَبَرَزَ] [ (7) ] فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ،
فَيَتَقَذَّفَ [ (8) ] عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ،
يَعْجَبُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا
بَكَّاءً لَا يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَأَفْزَعَ
ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ
الدُّغُنَّةِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا لَهُ:
إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي
دَارِهِ، وَإِنَّهُ جَاوَزَ ذَلِكَ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ
دَارِهِ، وَأَعْلَنَ الصَّلَاةَ وَالْقِرَاءَةَ، وَإِنَّا قَدْ خَشِينَا
أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، فَأْتِهِ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ
يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى
إِلَّا أَنْ يُعْلِنَ ذَلِكَ فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْكَ ذِمَّتَكَ،
فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لِأَبِي
بَكْرٍ الاستعلان.
__________
[ (4) ] تحمل الكلّ: هو ما يثقل حمله من القيام بالعيال ونحوه مما لا يقوم
بأمر نفسه.
[ (5) ] في الصحيح: «فرجع وارتحل..» .
[ (6) ] في الصحيح: «فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة» .
[ (7) ] ليست في الصحيح.
[ (8) ] اي يتدافعون فيتساقطون.
(2/472)
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَتَى ابْنُ
الدُّغُنَّةِ أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَاقَدَتُ لَكَ
عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّ
إِلَيَّ ذِمَّتِي، فَإِنِّي لَا أَحَبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ إِنِّي
أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنِّي
أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ، وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ-.
وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ،
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ لِلْمُسْلِمِينَ:
«قَدْ أُرِيتُ دار هجرتكم، أريت سبخة ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ» ،
وَهُمَا الْحَرَّتَانِ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ، حِينَ
ذَكَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَرَجَعَ
إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْدُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ
مِنَ الْمُسْلِمِينَ،
وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا يَعْنِي قِبَلَ الْمَدِينَةِ.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «عَلَى
رِسْلِكَ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي» ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ
لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: هَلْ تَرْجُو ذَلِكَ
بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ قَالَ: نَعَمْ.
فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله
وَسَلَّمَ لِيَصْحَبَهُ وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ، كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ
السَّمُرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ
عَنْهَا: فَبَيْنَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِنَا فِي نَحْرِ [ (9)
] الظَّهِيرَةِ قَالَ قَائِلٌ لِأَبِي بَكْرٍ هَذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ مُقْبِلًا مُتَقَنِّعًا فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ
يَأْتِينَا فِيهَا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي،
أَمَا وَاللهِ إِنْ جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ،
قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ
فَاسْتَأْذَنَ فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله
عليه وآله وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ حِينَ دَخَلَ: أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكِ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ
اللهِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم:
__________
[ (9) ] (نحر الظهيرة) : أي في أول وقت الحرارة، وهي المهاجرة، ويقال: أول
الزوال، وهو أشد ما يكون من حر النهار، والغالب في ايام الحر القيلولة
فيها.
(2/473)
«فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ»
، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصَّحَابَةَ [ (10) ] بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا
رَسُولَ اللهِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ:
«نَعَمْ» ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَخُذْ مِنِّي يَا رَسُولَ اللهِ إِحْدَى
رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله
وَسَلَّمَ: «بِالثَّمَنِ» [ (11) ] ،
قَالَتْ عَائِشَةُ:
فَجَهَّزْتُهُمَا [ (12) ] أَحَثَّ الْجِهَازِ [ (13) ] فَصَنَعْنَا
لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ [ (14) ] فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي
بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا [ (15) ] فَأَوْكَتْ بِهِ الْجِرَابَ،
فَبِذَلِكَ كَانَتْ تُسَمَّى ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ [ (16) ] .
قَالَتْ: ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ
وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ يُقَالُ لَهُ: ثَوْرٌ، فَكَمَنَا [ (17)
] فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ: يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ الله بن أبي بكر،
وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ لَقِنٌ [ (18) ] ثَقِفٌ [ (19) ] فَيُدْلِجُ [ (20)
] مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرَ فَيُصْبِحُ فِي قُرَيْشٍ بمكة كبائت،
__________
[ (10) ] أي أريد الصَّحَابَةِ يَا رَسُولَ اللهِ، يَعْنِي المصاحبة.
[ (11) ] أي لا آخذ إلا بالثّمن، وفي رواية ابن إسحق: لا أركب بعيرا ليس هو
لي، قال: فهو لك، قال:
لا، ولكن بالثمن الذي ابتعته به، قال: أخذته بكذا وكذا، قال: هو لك، وفي
رواية الطبراني عن أسماء، قال: بثمنها يَا أَبَا بَكْرٍ، قَالَ: بثمنها إن
شئت. وعن الواقدي ان الثمن ثمانمائة، وان الراحلة التي أَخَذَهَا رَسُولُ
اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم هي القصواء. وانها عاشت بَعْدَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم قليلا، وماتت فِي خِلَافَةِ أَبِي
بَكْرٍ، وكانت مرسلة ترعى بالبقيع، وفي رواية أخرجها ابن حبان: انها
الجذعاء.
[ (12) ] صحيح البخاري: «فجهزناهما» .
[ (13) ] أحث الجهاز: أسرعه من وضع الزاد للمسافر والماء.
[ (14) ] الجراب: هو إزار فيه تكة تلبسه النساء.
[ (15) ] النطاق وهو كل شيء شددت به وسطك.
[ (16) ] سميت «ذات النطاقين» لأنها كانت تجعل نطاقا على نطاق، وقيل: كان
لها نطاقان: تلبس أحدهما، وتحمل في الآخر الزاد لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عليه وآله وسلّم وهو في الغار.
[ (17) ] هكذا ايضا في الصحيح، وفي (ص) و (هـ) : فمكثا.
[ (18) ] لقن: السريع الفهم.
[ (19) ] ثقف: الحاذق الفطن.
[ (20) ] يدّلج: يخرج بالسحر، يقال: أدلج إذا سار في أول الليل، وادّلج:
إذا سار في آخره.
(2/474)
فَلَا يَسْمَعُ أَمْرًا يَكِيدُونَ [ (21)
] بِهِ إِلَّا وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ
يَخْتَلِطُ الظَّلَامَ، وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ [
(22) ] مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ فَيَرِيحُ عَلَيْهِمَا
حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلِ
مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا، حَتَّى يَنْعِقَ بِهِمَا عَامِرُ بْنُ
فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ
اللَّيَالِي الثَّلَاثِ.
وَاسْتَأْجَرَ، رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَأَبُو
بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيِّ
هَادِيًا خِرِّيتًا [ (23) ] وَالْخِرِّيتُ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ قَدْ
غَمَسَ حِلْفًا فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، وَهُوَ عَلَى دِينِ
كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَأَمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا،
وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ فَأَتَاهُمَا بِرَاحِلَتَيْهِمَا صَبِيحَةَ
ثَلَاثِ لَيَالٍ، فَارْتَحَلَا وَانْطَلَقَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ
وَالدَّلِيلُ الدُّؤَلِيُّ فَأَخَذَ بِهِمَا يَدَ بَحْرٍ وَهُوَ طَرِيقُ
السَّاحِلِ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ [ (24) ]
عَنِ اللَّيْثِ، وَقَالَ: تُكْسِبُ المعدوم.
__________
[ (21) ] في الصحيح: «يكتادان به» .
[ (22) ] عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ: مَوْلَى أَبِي بكر الصديق، وكان مولدا
من مولدي الأزد، واسلم وهو مملوك، فاشتراه أبو بكر واعتقه، شهد بدرا وأحدا،
وقتل يوم بئر معونة، قتله عامر بن الطفيل، ودفنته الملائكة.
[ (23) ] قوله خريتا، صفة بعد صفة، وهو بكسر الخاء المعجمة وتشديد الراء
وبالياء آخر الحروف الساكنة، وفي آخره تاء مثناة من فوق، والخريت: الماهر
بالهداية. أشار به الى تفسير الخريت وهذا مدرج في الخبر من كلام الزهري،
وعن الخطابي: الخريت مأخوذ من خرت الابرة كأنه يهتدي لمثل خرتها من الطريق،
وخرت الابرة بالضم ثقبها وحكى عن الكسائي خرتنا الأرض إذا عرفناها ولم تخف
علينا طرقها، وقال ابن الأثير: الخريت الماهر الذي يهتدي لآخرات المفازة،
وهي طرقها الخفية.
[ (24) ] في: 63- كتاب مناقب الأنصار (45) باب هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عليه وآله وسلّم وأصحابه الى المدينة، فتح الباري (7: 230- 232) ،
بطوله، واخرج البخاري جزءا. من أول هذا الحديث في كتاب الصلاة في باب
المسجد يكون في الطريق أخرجه هناك بهذا الاسناد بعينه، وكذلك أخرجه في كتاب
الاجازة في باب استئجار المشركين عند الضرورة، عن ابراهيم بن موسى، عن
هاشم، عن معمر عن
(2/475)
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ
إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبَّادٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ
يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، قَالَ:
«ذُكِرَ رِجَالٌ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ فَكَأَنَّهُمْ فَضَلُّوا عُمَرَ عَلَى
أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ عُمَرُ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: وَاللهِ لَلَيْلَةٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ خَيْرٌ
مِنْ آلِ عُمَرَ، وَلَيَوْمٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ خَيْرٌ مِنْ آلِ عُمَرَ،
لَقَدْ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ
لَيْلَةَ انْطَلَقَ إِلَى الْغَارِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ، فَجَعَلَ يَمْشِي سَاعَةً بَيْنَ يَدَيْهِ وَسَاعَةً خَلْفَهُ،
حَتَّى فَطِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ،
فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَالِكَ تَمْشِي سَاعَةً بَيْنَ يَدَيَّ
وَسَاعَةً خَلْفِي؟ فَقَالَ. يَا رَسُولَ اللهِ أَذْكُرُ الطَّلَبَ،
فَأَمْشِي خَلْفَكَ، ثُمَّ أَذْكُرُ الرَّصَدَ فَأَمْشِي بَيْنَ يَدَيْكَ،
فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ لَوْ كَانَ شَيْءٌ أَحْبَبْتَ أَنْ يَكُونَ لَكَ
دُونِي؟ قَالَ: نَعَمْ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا كَانَتْ
لِتَكُنْ مِنْ مُلِمَّةٍ إِلَّا أَحْبَبْتُ أَنْ تَكُونَ لِي دُونَكَ،
فَلَمَّا انْتَهَيْنَا مِنَ الْغَارِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ: مَكَانَكَ يَا رَسُولَ اللهِ حَتَّى استبري لَكَ الْغَارَ فَدَخَلَ
فَاسْتَبْرَأَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي أَعْلَاهُ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ
يَسْتَبْرِ الْجُحْرَةَ، فَقَالَ: مَكَانَكَ يَا رَسُولَ اللهِ حَتَّى
استبري الْجُحْرَةَ، فَدَخَلَ فَاسْتَبْرَأَ، ثُمَّ قَالَ: انْزِلْ يَا
رَسُولَ اللهِ، فَنَزَلَ فَقَالَ عُمَرُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
لَتِلْكَ اللَّيْلَةُ خَيْرٌ مِنْ آلِ عُمَرَ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ
بْنِ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
سلمان التجار الْفَقِيهُ إِمْلَاءً، قَالَ: قُرِئَ عَلَى يَحْيَى بْنِ
__________
[ () ] الزهري، عن عائشة، من قوله وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله
عليه وآله وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا من بني الديل إلى قوله وهو على
طريق الساحل وكذلك أخرجه في الكفالة بإسناد هذا الباب من قوله أَنَّ
عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَتْ
لَمْ أَعْقِلْ ابوي قط إلا وهما يدينان إلى قوله وَرَقَ السَّمُرِ
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وكذلك أخرجه في الأدب في باب يزور صاحبه كل يوم له
بكرة وعشية، فإنه أخرجه هناك عن ابراهيم عن هشام الى آخره من قوله قَالَتْ
لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ الى قوله قد أذن لي بالخروج. وحاصل الكلام ان
البخاري اخرج هذا الحديث في هذه المواضع مقطعة مختصرة ولم يخرجه مطولا إلا
هنا.
(2/476)
جَعْفَرٍ وَأَنَا أَسْمَعُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الرَّاسِبِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنِي فُرَاتُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ
ضَبَّةَ بْنِ مِحْصَنٍ الْعَنَزِيِّ، عن عمر ابن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ فِي قِصَّةٍ ذَكَرَهَا، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ وَاللهِ لَلَيْلَةٌ
مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَيَوْمٌ خَيْرٌ مِنْ عُمُرِ عُمَرَ، هَلْ لَكَ أَنْ
أُحَدِّثَكَ بِلَيْلَتِهِ وَيَوْمِهِ؟ قَالَ: قُلْتُ نَعَمْ يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ قَالَ أَمَّا لَيْلَتُهُ فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلّم هارب مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ خَرَجَ لَيْلًا
فَتَبِعَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَجَعَلَ يَمْشِي مَرَّةً أَمَامَهُ، وَمَرَّةً
خَلْفَهُ، وَمَرَّةً عَنْ يَمِينِهِ، وَمَرَّةً عَنْ يَسَارِهِ، فَقَالَ
لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «مَا هَذَا يَا
أَبَا بَكْرٍ مَا أَعْرِفُ هَذَا مِنْ فِعْلِكَ؟» قَالَ: يَا رَسُولُ اللهِ
أذكر الرَّصَدَ فَأَكُونُ أَمَامَكَ، وَأَذْكُرُ الطَّلَبَ فَأَكُونُ
خَلْفَكَ، وَمَرَّةً عَنْ يَمِينِكِ وَمَرَّةً عَنْ يَسَارِكَ، لَا آمَنَ
عَلَيْكَ، قَالَ: فَمَشَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ
لَيْلَتَهُ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعَهُ، حَتَّى حَفِيَتْ رِجْلَاهُ،
فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهَا قَدْ حَفِيَتْ
حَمَلَهُ عَلَى كَاهِلِهِ، وَجَعَلَ يَشْتَدُّ بِهِ حَتَّى أَتَى بِهِ
فَمَّ الْغَارِ، فَأَنْزَلَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ
لَا تَدْخُلُهُ حَتَّى أَدْخَلَهُ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ نَزَلَ بِي
قَبْلَكَ، فَدَخَلَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَحَمَلَهُ فَأَدْخَلَهُ، وَكَانَ
فِي الْغَارِ خَرْقٌ فيه حيات وأفاعي، فَخَشِيَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ
مِنْهُنَّ شَيْءٌ يُؤْذِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ،
فَأَلْقَمَهُ قَدَمَهُ فَجَعَلْنَ يَضْرِبْنَهُ وَيَلْسَعْنَهُ:
الْحَيَّاتُ وَالْأَفَاعِي، وَجَعَلَتْ دُمُوعُهُ تَنْحَدِرُ وَرَسُولُ
الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، يَقُولُ لَهُ: يَا أَبَا بَكْرٍ! لَا
تَحْزَنْ، إِنَّ اللهَ مَعَنَا، فَأَنْزَلَ الله سكينته الاطمئنانية
لِأَبِي بَكْرٍ، فَهَذِهِ لَيْلَتُهُ.
وَأَمَّا يَوْمُهُ فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وآله وَسَلَّمَ وَارْتَدَّتِ الْعَرَبُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ:
نُصَلِّي، وَلَا نُزَكِّي وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نُصَلِّي وَلَا
نُزَكِّي، فَأَتَيْتُهُ وَلَا آلُوهُ نُصْحًا، فَقُلْتُ: يَا خَلِيفَةَ
رَسُولِ اللهِ تَأَلَّفِ النَّاسَ وَارْفِقْ بِهِمْ، فَقَالَ: جَبَّارٌ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ خَوَّارٌ فِي الْإِسْلَامِ فَبِمَاذَا أَتَأَلَّفُهُمْ
أَبِشِعْرٍ مُفْتَعَلٍ أَوْ بِشِعْرٍ مُفْتَرًى؟ قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللهُ عليه وآله وسلّم وارتفع الوحي، فو الله لَوْ مَنَعُونِي عَقَالًا
مِمَّا كَانُوا يُعْطُونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ
لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهِ قَالَ فَقَاتَلْنَا مَعَهُ فَكَانَ وَاللهِ
رُشَيْدَ الْأَمْرِ فَهَذَا يَوْمُهُ» .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ،
(2/477)
قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ
اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُوَيْسٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ
عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، أَظُنُّهُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ.
(ح) وفِيمَا ذَكَرَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ أَنَّ أَبَا
جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيَّ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
عُلَاثَةَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي،
قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ
بْنِ الزُّبَيْرِ «أَنَّهُمْ رَكِبُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ يَطْلُبُونَ
النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَبَعَثُوا إِلَى أَهْلِ
الْمِيَاهِ يَأْمُرُونَهُمْ وَيَجْعَلُونَ لَهُمُ الْجُعَلَ الْعَظِيمَ،
وَأَتَوْا عَلَى ثَوْرِ الْجَبَلِ الَّذِي فِيهِ الْغَارُ الَّذِي فِيهِ
النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ حَتَّى طَلَعُوا فَوْقَهُ،
وَسَمِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ
أَصْوَاتَهُمْ، فَأَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ الْهَمُّ
وَالْخَوْفُ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا، وَدَعَا
رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ
سَكِينَةٌ مِنَ اللهِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ
وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى
وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [ (25) ] .
__________
[ (25) ] هذا من الآية الأربعين من سورة التوبة وتمامها: «إلا تنصروه فقد
نصره اللَّه إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول
لصاحبه لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّه مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّه سَكِينَتَهُ
عليه وأيده بجنود لم تروها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا
السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّه هِيَ الْعُلْيَا واللَّه عَزِيزٌ حَكِيمٌ»
واخرج البخاري في تفسيرها (ج 6 ص 126) حديثا رواه انس عن أبي بكر أنه
قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وسلّم في الغار
فرأيت آثار المشركين قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ
رَفَعَ قدمه رآنا قال: «مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّه ثالثهما»
وروى في تفسير: «فَأَنْزَلَ اللَّه سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ» اي على ابي بكر
بتأمين النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلّم له فسكن جأشه وذهب روعه (تفسير
القرطبي ج 8 ص 148) .
ويرحم اللَّه الشّرف البوصيري حيث قال:
ويح قوم جفوا نبيّا بأرض ... ألفته ضبابها والظّباء
وسلوه وحسنّ جذع إليه ... وقلوه وردّه الغرباء
أخرجوه منها وآواه غار ... وحمته حمامة ورقاء
وكفته بنسجها عنكبوت ... ما كفته الحمامة الحصداء
(2/478)
وَكَانَتْ لِأَبِي بَكْرٍ مِنْحَةٌ تَرُوحُ
عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِهِ بِمَكَّةَ، فَأَرْسَلَ أَبُو بَكْرٍ عامر ابن
فُهَيْرَةَ فَرَوَّحَ تِلْكَ الْمِنْحَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه
عليه وآله وَسَلَّمَ فِي الْغَارِ، وَكَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ
مَوْلَى أَبِي بَكْرِ أَمِينًا مُؤْتَمَنًا حَسَنَ الْإِسْلَامِ
وَاسْتَأْجَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيِّ يُقَالُ لَهُ
أُرَيْقِطٌ كَانَ [ (26) ] حَلِيفًا فِي قُرَيْشٍ ثُمَّ فِي بَنِي سَهْمٍ
ثُمَّ فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ وَذَلِكَ الْعَدَوِيُّ يَوْمَئِذٍ
مُشْرِكٌ وَهُوَ هَادٍ بِالطَّرِيقِ فَخَبَبَا ظَهْرَهُمَا تِلْكَ
اللَّيَالِي اللَّاتِي مَكَثَا فِي الْغَارِ وَكَانَ يَأْتِيهِمَا عَبْدُ
اللَّه بْنُ أَبِي بَكْرٍ حِينَ يُمْسِي بِكُلِّ خَبَرٍ
__________
[ () ] وحيث قال:
أقسمت بالقمر المنشقّ أن له ... من قلبه نسبة مبرورة القسم
وما حوى الغار من خير ومن كرم ... وكلّ طرف من الكفّار عنه عم
فالصّدق في الغار والصّديق لم يردا ... وهم يقولون ما بالغار من أرم
ظنّوا الحمام وظنّوا العنكبوت على ... خير البريّة لم تنسج ولم تحم
وقاية اللَّه أغنت عن مضاعفة ... من الدّروع وعن عال من الأطم
لطيفة: سئل بعضهم عن الحكمة في اختفائه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم في غار
ثور دون غيره فأجيب بأنه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم كان يحب الفأل الحسن،
وقد قيل إن الأرض مستقرة على قرن الثّور فناسب استقراره صلّى اللَّه عليه
وآله وسلّم في غار ثور تفاؤلا بالطمأنينة والاستقرار فيما يقصده هو ورفيقه.
وروى ابن عديّ وابن عساكر عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه
عليه وآله وسلّم قال لحسّان: «هل قلت في أبي بكر شيئا؟» قال: نعم. قال: «قل
وأنا أسمع» ، فقال.
إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة ... فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
التالي الثاني المحمود شيمته ... وأول الناس طرا صدق الرسلا
والثاني اثنين في الغار المنيف وقد ... طاف العدوّ به إذ صعّد الجبلا
وكان حبّ رسول اللَّه قد علموا ... من البرّية لم يعدل به رجلا
[ (26) ] قيل رقيط كما في الزرقاني على المواهب (ج 1 ص 339) وهو من الديل
وقيل الدئل كما في فتح الباري. وكان الأربقط على دين كفار قريش ولم يعرف له
إسلام فيما بعد كما جزم به عبد الغني المقدسي وتبعه النووي وقال ابن حجر في
الإصابة لم أر من ذكره في الصحابة إلا الذهبي في التجريد وقال السهيلي (ج 1
ص 8) : عبد اللَّه بن أريقط لم يكن إذ ذاك مسلما ولا وجدنا من طريق صحيح
انه أسلم بعد ذلك.
(2/479)
يَكُونُ فِي مَكَّةَ وَيَرُوحُ عَلَيْهِمَا
عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ الْغَنَمَ كُلَّ لَيْلَةٍ فَيَحْلِبَانِ
وَيُدْلِجَانِ ثُمَّ يَسْرَحُ بُكْرَةً فَيُصْبِحُ فِي رُعْيَانِ النَّاسِ
فَلَا يُفْطَنُ لَهُ حَتَّى إِذَا هَدَأَتْ عَنْهُمَا الْأَصْوَاتُ
وَأَتَاهُمَا إِنْ قَدْ سُكِتَ عَنْهُمَا جَاءَ صَاحِبُهُمَا
بِبَعِيرَيْهِمَا وَقَدْ مَكَثَا فِي الْغَارِ يَوْمَيْنِ وَلَيْلَتَيْنِ.
وَفِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ- ثَلَاثَ لَيَالٍ ثُمَّ انْطَلَقَا
وَانْطَلَقَا مَعَهُمَا بِعَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ يَخْدُمُهُمَا
وَيُعِينُهُمَا، يُرْدِفُهُ أَبُو بَكْرٍ، وَيُعْقِبُهُ عَلَى رَاحِلَتِهِ،
لَيْسَ مَعَهُمَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ غَيْرُ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ،
وَغَيْرُ أَخِي بَنِي عدي يديهما الطَّرِيقَ فَأَجَازَ بِهِمَا أَسْفَلَ
مَكَّةَ ثُمَّ مَضَى بِهِمَا السَّاحِلَ أَسْفَلَ مِنْ عُسْفَانَ ثُمَّ
أَجَازَ بِهِمَا حَتَّى عَارَضَ الطَّرِيقَ بَعْدَ أَنْ أَجَازَ قُدَيْدًا»
[ (27) ] .
لَفْظُ حَدِيثِ عُرْوَةَ وَحَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ بِمَعْنَاهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، وأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي
عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ: شَاذَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
إِسْرَائِيلُ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ جُنْدُبٍ، قَالَ «كَانَ أَبُو بَكْرٍ
رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله
وَسَلَّمَ فِي الْغَارِ فَأَصَابَ يده حجر، فقال:
إِنْ أَنْتَ إِلَّا أُصْبُعٌ دَمِيتِ ... وَفِي سَبِيلِ اللَّه مَا لَقِيتِ
[ (28) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه: إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ
السُّوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ
يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ الضَّبِّيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَا:
حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ:
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَدَّثَهُ قَالَ «كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وآله وسلّم في الغار
__________
[ (27) ] البداية والنهاية (3: 189) .
[ (28) ] رواه ابن مردويه عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بن سفيان
البجلي.
(2/480)
فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّه لَوْ أَنَّ
أَحَدَهُمْ يَنْظُرُ إِلَى قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ
قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا
بَكْرٍ! مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّه ثَالِثُهُمَا» [ (29) ] .
وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْقُرَشِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَبَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنِ الْبُنَانِيِّ
فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ «لَوْ أَنَّ
أَحَدَهُمْ رَفَعَ قَدَمَهُ لَأَبْصَرَنَا مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْهِ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (30) ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
سُفْيَانَ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ حَبَّانَ بْنِ
هِلَالٍ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ: زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ [ (31) ] ، وَغَيْرِهِ،
عَنْ حَبَّانَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ إِبْرَاهِيمَ
الْهَاشِمِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى البري، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ
بْنُ إِبْرَاهِيمَ.
(ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي،
وَأَبُو صَادِقٍ، مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ
الْوَرَّاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ
عَمْرٍو الْقَيْسِيُّ، قَالَ:
__________
[ (29) ] الحديث أخرجه البخاري فِي: 62- كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ
(2) باب مناقب المهاجرين وفضلهم، الحديث (3653) ، فتح الباري (7: 8- 9) ،
وأعاده في: 63- مناقب الأنصار، باب (45) ، وأخرجه الترمذي في كتاب التفسير،
تفسير سورة التوبة، الحديث (3096) ، صفحة (5: 278) ، وأخرجه الإمام احمد في
«مسنده» (1: 4) .
[ (30) ] فتح الباري (7: 10) .
[ (31) ] صحيح مسلم في أول كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل ابي بكر
الصديق، الحديث (1) ، ص (1854) .
(2/481)
سَمِعْتُ أَبَا مُصْعَبٍ الْمَكِّيَّ،
قَالَ: أَدْرَكْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ،
وَالْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، فَسَمِعْتُهُمْ يَتَحَدَّثُونَ «أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْغَارِ أَمَرَ
اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِشَجَرَةٍ فَنَبَتَتْ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ فَسَتَرَتْهُ [ (32) ] ، وَأَمَرَ اللَّه
الْعَنْكَبُوتَ فَنَسَجَتْ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وآله
وَسَلَّمَ فَسَتَرَتْهُ، وَأَمَرَ اللَّه حَمَامَتَيْنِ وَحْشِيَّتَيْنِ
فَوَقَفَتَا بِفَمِ الْغَارِ، وَأَقْبَلَ فِتْيَانُ قُرَيْشٍ مِنْ كُلِّ
بَطْنٍ رَجُلٌ، بِعِصِيِّهِمْ وَهَرَاوِيهِمْ [ (33) ] وَسُيُوفِهِمْ،
حَتَّى إِذَا كَانُوا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ
بِقَدْرِ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا، فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ لِيَنْظُرَ فِي
الْغَارِ فَرَأَى حَمَامَتَيْنِ بِفَمِ الْغَارِ، فَرَجَعَ إِلَى
أَصْحَابِهِ فَقَالُوا لَهُ مَا لَكَ لَمْ تَنْظُرْ فِي الْغَارِ؟ فَقَالَ:
رَأَيْتُ حَمَامَتَيْنِ بِفَمِ الْغَارِ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ
أَحَدٌ، فَسَمِعَ النبي صلى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ مَا قَالَ،
فَعَرَفَ إن اللَّه عز وجل قَدْ دَرَأَ عَنْهُ بِهِمَا، فَدَعَاهُنَّ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ فَسَمَتَ [ (34) ] ،
عَلَيْهِنَّ وَفَرَضَ جَزَاءَهُنَّ، وَانْحَدَرْنَ فِي الْحَرَمِ» [ (35) ]
.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ
السُّوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ عَبْدُوسٍ الطَّرَائِفِيُّ إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
سَعِيدٍ:
الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْقُهُنْدُزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُجَاهِدٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي
الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
«فَأَنْزَلَ اللَّه سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ قَالَ: عَلَى أَبِي بَكْرٍ
لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ لَمْ تَزَلِ
السَّكِينَةُ معه» .
__________
[ (32) ] وفي رواية عند قاسم بن ثابت بن حزم العوفي السرقسطي، سمع من
النسائي، وألف كتابا في شرح الحديث سماه: الدلائل، وفاته في سرقسطة 302 هـ،
جاء في كتاب الدلائل هذا على ما ذكره السهيلي في الروض الأنف (2: 4) : «أن
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلّم لما دخل الغار، وأبو بكر معه أنبت
اللَّه على بابه الراءة، وهي شجرة معروفة، فحجبت عن النار أعين الكفار»
والراءة شجر مثل قامة الإنسان طولا، ولها خيطان وزهر ابيض كالريش.
[ (33) ] الهراوة: العصا الغليظة.
[ (34) ] بارك.
[ (35) ] أخرجه ابن سعد (1: 229) ، وابو نعيم في دلائل النبوة، وابن عساكر
كلهم عن ابي مصعب المكي.
(2/482)
بَابُ اتِّبَاعِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ
بْنِ جُعْشُمٍ أَثَرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ
وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ
بِبَغْدَادَ، وقَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ جَعْفَرِ بْنِ
دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّه بْنُ مُوسَى، وَعَبْدُ اللَّه بْنُ رَجَاءٍ:
أَبُو عُمَرَ الْغُدَانِيُّ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،
عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: «اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ مِنْ عَازِبٍ رَحْلًا
بِثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ
لِعَازِبٍ: مُرِ الْبَرَاءَ فَلْيَحْمِلْهُ إِلَى رَحْلِي، فَقَالَ لَهُ
عَازِبٌ: لَا، حَتَّى تُحَدِّثَنَا كَيْفَ صَنَعْتَ أَنْتَ وَرَسُولُ
اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجْتُمَا
وَالْمُشْرِكُونَ يَطْلُبُونَكُمَا قَالَ: أَدْلَجْنَا مِنْ مَكَّةَ
لَيْلًا، فَأَحْيَيْنَا لَيْلَتَنَا وَيَوْمَنَا حَتَّى أَظْهَرْنَا،
وَقَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، فَرَمَيْتُ بِبَصَرِي هَلْ أَرَى مِنْ ظِلٍّ
نَأْوِي إِلَيْهِ فَإِذَا صَخْرَةٌ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهَا، فَإِذَا
بَقِيَّةُ ظِلٍّ لَهَا، فَسَوَّيْتُهُ، ثُمَّ فَرَشْتُ لِرَسُولِ اللَّه
صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ فَرْوَةً، ثُمَّ قُلْتُ: اضْطَجِعْ يَا
رَسُولَ اللَّه، فَاضْطَجَعَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ أَنْفُضُ مَا حَوْلِي هَلْ
أَرَى مِنَ الطَّلَبِ أَحَدًا، فَإِذَا بِرَاعِي غَنَمٍ يَسُوقُ غَنَمَهُ
إِلَى الصَّخْرَةِ يُرِيدُ مِنْهَا الَّذِي نُرِيدُ- يَعْنِي الظِّلَّ-
فَسَأَلْتُهُ فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ؟ فَقَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ
قُرَيْشٍ، فَسَمَّاهُ، فَعَرَفْتُهُ، فَقُلْتُ: هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ
لَبَنٍ، قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ:
هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ لِي، قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرْتُهُ فَاعْتَقَلَ شَاةً
مِنْ غَنَمِهِ، وَأَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ ضَرْعَهَا مِنَ التُّرَابِ،
ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ كَفَّيْهِ، فَقَالَ: هَكَذَا، فَضَرَبَ
إِحْدَى كَفَّيْهِ عَلَى الْأُخْرَى، فَحَلَبَ لِي كُثْبَةً [ (1) ] مِنْ
لَبَنٍ وَقَدْ رَوَيْتُ مَعِي لِرَسُولِ اللَّه
__________
[ (1) ] الكثبة: كل قليل جمعته من طعام او لبن او غير ذلك، والجمع كثب
النهاية.
(2/483)
صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ إِدَاوَةً
عَلَى فَمِهَا خِرْقَةٌ، فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرُدَ
أَسْفَلُهُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ،
فَوَافَقْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ، فَقُلْتُ: أَتَشْرَبُ يَا رَسُولَ
اللَّه؟ فَشَرِبَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ،
حَتَّى رَضِيتُ، ثُمَّ قُلْتُ: قَدْ آنَ الرَّحِيلُ يَا رَسُولَ اللَّه.
قَالَ: فَارْتَحَلْنَا وَالْقَوْمُ يَطْلُبُونَنَا، فَلَمْ يُدْرِكْنَا
أَحَدٌ مِنْهُمْ غَيْرُ سُرَاقَةَ بن مالك ابن جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ
فَقُلْتُ هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا يَا رَسُولَ اللَّه، قَالَ: لَا
تَحْزَنْ، إِنَّ اللَّه مَعَنَا، فَلَمَّا أَنْ دَنَا مِنَّا وَكَانَ
بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ قِيدَ رُمْحَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، قُلْتُ: هَذَا
الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا يَا رَسُولَ اللَّه، وَبَكَيْتُ، فَقَالَ: مَا
يُبْكِيكَ؟
فَقُلْتُ: أَمَا واللَّه مَا عَلَى نَفْسِي أَبْكِي، وَلَكِنِّي إِنَّمَا
أَبْكِي عَلَيْكَ، قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ: اللهُمَّ! اكْفِنَا بِمَا شِئْتَ، قَالَ:
فَسَاخَتْ بِهِ فَرَسُهُ فِي الْأَرْضِ إِلَى بَطْنِهَا، فَوَثَبَ عَنْهَا،
ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا عَمَلُكَ فَادْعُ
اللَّه أَنْ تُنَجِيَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ، فو اللَّه لَأُعَمِّيَنَّ
عَلَى مَنْ وَرَائِي مِنَ الطَّلَبِ، وَهَذِهِ كِنَانَتِي فَخُذْ مِنْهَا
سَهْمًا، فَإِنَّكَ سَتَمُرُّ بِإِبِلِي وَغَنَمِي بِمَكَانِ كَذَا
وَكَذَا، فَخُذْ مِنْهَا حَاجَتَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عليه وآله وَسَلَّمَ: لَا حَاجَةَ لَنَا فِي إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ، وَدَعَا
لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقَ
رَاجِعًا إِلَى أَصْحَابِهِ، وَمَضَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه
وآله وَسَلَّمَ، وَأَنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ لَيْلًا» [
(2) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عُمَرَ بْنُ مَطَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو خَلِيفَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ رَجَاءٍ الْغُدَانِيُّ فَذَكَرَهُ
بِنَحْوِهِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ رجاء،
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخر عن إسرائيل [ (3) ] .
__________
[ (2) ] أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (1: 2- 3) ، ويعقوب بن سفيان في
«المعرفة والتاريخ» (1:
239- 241) ، بهذا الإسناد الذي ذكره المصنف، وعنهما وعن البيهقي نقله
الصالحي في السيرة الشامية (3: 345- 346) .
[ (3) ] فتح الباري (7: 8) ، صحيح مسلم في: 53- كتاب الزهد، (19) باب في
حديث الْهِجْرَةِ، (4:
2310) .
(2/484)
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه
الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْوَلِيدِ الْفَقِيهُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ
شَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ ابن مُحَمَّدِ بْنِ أَعْيَنَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ:
سَمِعْتُ الْبَرَاءَ، يَقُولُ: «جَاءَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى أَبِي فِي
مَنْزِلِهِ فَاشْتَرَى مِنْهُ- رَحْلًا- وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى
حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ إِلَى أَنْ قَالَ: فَارْتَحَلْنَا بَعْدَ مَا زَالَتِ
الشَّمْسُ، وَاتَّبَعَنَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ، قَالَ: وَنَحْنُ فِي
جَلَدٍ [ (4) ] مِنَ الْأَرْضِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه أُتِينَا،
فَقَالَ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّه مَعَنَا» ، فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَارْتَطَمَتْ فَرَسُهُ
إِلَى بَطْنِهَا [ (5) ]
فَقَالَ: إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمَا قَدْ دَعَوْتُمَا عَلَيَّ
فَادْعُوَا لِي، فَاللهُ لَكُمَا أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ،
فَدَعَا اللَّه فَنَجَا، فَرَجَعَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا قَالَ: قَدْ
كُفِيتُمْ مَا هَهُنَا وَلَا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا رَدَّهُ وَوَفَى
لَنَا» .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ شَبِيبٍ، وَأَخْرَجَهُ
الْبُخَارِيُّ [ (6) ] مِنْ وَجْهٍ آخَرٍ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مِلْحَانَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ،
عَنْ عُقَيْلٍ.
(ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي
أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ:
حَدَّثَنِي عقيل، قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي سُرَاقَةَ بن
__________
[ (4) ] (جلد من الأرض) أي: صلبة، وروي جدد، وهو المستوي.
[ (5) ] أي غاصت قوائمها في تلك الأرض الصلبة.
[ (6) ] في: 53- كتاب الزهد (19) باب في حديث الهجرة، ح (75) ، ص (4: 2309-
2310) ، وفتح الباري (7: 238) .
(2/485)
جُعْشُمٍ، أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ،
أَنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدَانَ
أَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ يَقُولُ:
«جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَفِي أَبِي بَكْرٍ دِيَةً كُلَّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا فِي قَتْلِهِ أَوْ أَسْرِهِ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ فِي
مَجْلِسِ [ (7) ] قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ، أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى
قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ! إِنِّي قَدْ
رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً بِالسَّاحِلِ، أُرَاهَا مُحَمَّدًا
وَأَصْحَابَهُ قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ- قَالَ ابْنُ
عَبْدَانَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه فِي رِوَايَتِهِ-
قَالَ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ
فُلَانًا وَفُلَانًا، انْطَلَقُوا بِأَعْيُنِنَا.
قَالَ: ثُمَّ قَلَّ مَا لَبِثَ فِي الْمَجْلِسِ [ (8) ] حَتَّى قُمْتُ
فَدَخَلْتُ بَيْتِي، فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي،
فَتُهْبِطَهَا مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَتَحْبِسَهَا عَلَيَّ فَأَخَذْتُ
رُمْحِي وَخَرَجْتُ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ، فَخَطَطْتُ بِزُجِّهِ [ (9) ]
الْأَرْضَ، وَخَفَضْتُ عَالِيَةَ الرُّمْحِ [ (10) ] حَتَّى أَتَيْتُ
فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا فَرَفَعْتُهَا تَقَرَّبُ [ (11) ] حَتَّى إِذَا
دَنَوْتُ مِنْهُمْ عَثَرَتْ بِي فَرَسِي، فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ بِيَدِي
إِلَى كِنَانَتِي فَاسْتَخْرَجْتُ منها الأزلام فاستقمت بِهَا
أَأَضُرُّهُمْ أَوْ لَا أَضُرُّهُمْ فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ لَا
أَضُرُّهُمْ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي وَعَصَيْتُ الْأَزْلَامَ فَرَفَعْتُهَا
تَقَرَّبُ بِي حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى
اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ
التَّلَفُّتَ سَاخَتْ [ (12) ] يَدَا فَرَسِي فِي الْأَرْضِ حَتَّى
بَلَغَتِ الرُّكْبَتَيْنِ،
__________
[ (7) ] صحيح البخاري: «فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مجلس من مجالس قومي»
.
[ (8) ] صحيح البخاري: «ثم لبثت في المجلس ساعة» .
[ (9) ] (الزج) الحديدة التي في أسفل الرمح.
[ (10) ] حتى لا يظهر بريقه.
[ (11) ] (التقريب) ، السير دون العدو، وفوق العادة، وقيل: «أن ترفع الفرس
يديها معا، وتضعهما معا» .
[ (12) ] ساخت غاصت.
(2/486)
فَخَرَرْتُ عَنْهَا [ (13) ] ، ثُمَّ
زَجَرَتُهَا فَنَهَضْتُ فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا فَلَمَّا
اسْتَوَتْ قَائِمَةً، إِذَا لِأَثَرِ يَدَيْهَا عُثَانٌ [ (14) ] سَاطِعٌ
فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ فَاسْتَقْسَمْتُ بِالْأَزْلَامِ فَخَرَجَ
الَّذِي أَكْرَهُ أَنْ لَا أَضُرُّهُمْ، فَنَادَيْتُهُمَا بِالْأَمَانِ
فَوَقَفَا لِي، وَرَكِبْتُ فَرَسِي، حَتَّى جِئْتُهُمَا وَوَقَعَ فِي
نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الْحَبْسِ عَنْهُمَا، أَنَّهُ
سَيَظْهَرُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لَهُ:
إِنَّ مِنْ قَوْمِكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكُمَا الدِّيَةَ، فَأَخْبَرْتُهُمَا
أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمَا الزَّادَ
وَالْمَتَاعَ فَلَمْ يَرْزَآنِي شَيْئًا، وَلَمْ يَسَلْنِي إِلَّا أَنْ
قَالَ: أَخْفِ عَنَّا، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ مُوَادَعَةِ
آمَنُ بِهِ، فَأَمَرَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، فَكَتَبَ لِي رُقْعَةً مِنْ
أُدُمٍ، ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ»
.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَنِ
اللَّيْثِ [ (15) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر محمد ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَتَّابٍ
الْعَبْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ
الْمُغِيرَةِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي
إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ
عُقْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ
الرَّحْمَنِ ابن مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيُّ أَنَّ أَبَاهُ
مَالِكًا أَخْبَرَهُ أَنَّ أَخَاهَ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ أَخْبَرَهُ:
«أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ
مِنْ مَكَّةَ مُهَاجِرًا إِلَى الْمَدِينَةِ جَعَلَتْ قُرَيْشٌ لِمَنْ
رَدَّهُ عَلَيْهِمْ مِائَةَ نَاقَةٍ قَالَ: فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي
نَادِي قَوْمِي إِذْ جَاءَ رَجُلٌ مِنَّا فَقَالَ: وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ
رَكْبًا ثَلَاثَةً مَرُّوا عَلَيَّ آنِفًا، إِنِّي لَأَظُنُّهُ مُحَمَّدًا،
قَالَ:
فَأَوْمَأْتُ إِلَيْهِ بِعَيْنَيَّ: أَنِ اسْكُتْ، وَقُلْتُ: إِنَّمَا هُمْ
بَنُو فُلَانَ يَبْتَغُونَ ضالة
__________
[ (13) ] أي وثبت.
[ (14) ] العثان: الدخان.
[ (15) ] أخرجه البخاري في: 63- كتاب مناقب الأنصار، (45) باب هِجْرَةِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم وأصحابه الى المدينة، حديث (3906)
، فتح الباري (7: 238- 239) .
(2/487)
لَهُمْ، قَالَ: لَعَلَّهُ، ثُمَّ سَكَتَ.
قَالَ: فَمَكَثْتُ قَلِيلًا، ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ بَيْتِي وَأَمَرْتُ
بِفَرَسِي، فَقُيِّدَ إِلَى بَطْنِ الْوَادِي، وَأَخْرَجْتُ سِلَاحِي مِنْ
وَرَاءِ حُجُرَاتِي، ثُمَّ أَخَذْتُ قَدَاحِي أَسْتَقْسِمُ بِهَا، ثُمَّ
لَبِسْتُ لَأْمَتِي، ثُمَّ أَخْرَجَتُ قَدَاحِي فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا،
فَخَرَجَ السَّهْمُ الَّذِي أَكْرَهُ: لَا تَضُرُّهُ، وَكُنْتُ أَرْجُو
أَنْ أَرُدَّهُ فَآخُذَ الْمِائَةَ نَاقَةٍ.
قَالَ: فَرَكِبْتُ عَلَى أَثَرِهِ، فَبَيْنَا فَرَسِي يَسِيرُ بِي عَثَرَ،
فَسَقَطْتُ عَنْهُ، قَالَ: فَأَخْرَجَتُ قَدَاحِي فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا
فَخَرَجَ السَّهْمُ الَّذِي أَكْرَهُ: لَا تَضُرُّهُ، فَأَبَيْتُ إِلَّا
أَنْ أَتْبَعَهُ، فَرَكِبْتُ، فَلَمَّا بَدَا لِي الْقَوْمُ فَنَظَرْتُ
إِلَيْهِمْ عَثَرَ بِي فَرَسِي فَذَهَبَتْ يَدَاهُ فِي الْأَرْضِ،
فَسَقَطْتُ عَنْهُ، فَاسْتَخْرَجَ يَدَيْهِ وَأَتْبَعْهُمَا دُخَانٌ مِثْلَ
الْغُبَارِ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ قَدْ مُنِعَ مِنِّي، وَأَنَّهُ ظَاهِرٌ،
فناديتهم، فقلت: انظروني فو الله لَا آذَيْتُكُمْ، وَلَا يَأْتِيكُمْ
مِنِّي شَيْءٌ تَكْرَهُونَهُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: قُلْ لَهُ:
مَاذَا تَبْتَغِي؟ قَالَ: قُلْتُ اكْتُبْ لِي كِتَابًا يَكُونُ بَيْنِي
وَبَيْنَكَ آيَةً، قَالَ: اكْتُبْ لَهُ يَا أَبَا بَكْرٍ، قَالَ: فَكَتَبَ
لِي ثُمَّ أَلْقَاهُ إِلَيَّ، فَرَجَعْتُ، فَسَكَتُّ، فَلَمْ أَذْكُرْ
شَيْئًا مِمَّا كَانَ، حَتَّى إِذَا فَتَحَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مَكَّةَ،
وَفَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ
خَيْبَرَ، خَرَجْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ
لِأَلْقَاهُ وَمَعِي الْكِتَابُ الَّذِي كَتَبَ لِي، فَبَيْنَمَا أَنَا
عَامِدٌ لَهُ دَخَلْتُ بَيْنَ ظَهْرَيْ كَتِيبَةٍ مِنْ كَتَائِبِ
الْأَنْصَارِ، قَالَ: فَطَفِقُوا يَقْرَعُونَنِي بِالرِّمَاحِ،
وَيَقُولُونَ: إِلَيْكَ، إِلَيْكَ، حَتَّى دَنَوْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ أَنْظُرُ إِلَى
سَاقِهِ فِي غَرْزِهِ، كَأَنَّهَا جُمَّارَةٌ، فَرَفَعْتُ يَدِي
بِالْكِتَابِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا كِتَابُكَ، فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: يَوْمُ وَفَاءٍ وَبِرٍّ،
ادْنُهُ، قَالَ: فَأَسْلَمْتُ،
ثُمَّ ذَكَرْتُ شَيْئًا أَسَلُ عَنْهُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله
وَسَلَّمَ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: إِنَّمَا سَأَلَهُ عَنِ الضَّالَّةِ، وَشَيْءٍ
فَعَلَهُ فِي وَجْهِهِ الَّذِي كَانَ فِيهِ، فَمَا ذَكَرْتُ شَيْئًا إِلَّا
أَنِّي قَدْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ: الضَّالَّةُ تَغْشَى حِيَاضِي قَدْ
(2/488)
مَلَأْتُهَا لِإِبِلِي هَلْ لِي مِنْ
أَجْرٍ إِنْ سَقَيْتُهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وآله وَسَلَّمَ: نَعَمْ فِي كُلِّ كَبِدٍ حَرَّى، قَالَ: وَانْصَرَفْتُ
فَسُقْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ
صَدَقَتِي» [ (16) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: قَالَ
ابْنُ إِسْحَاقَ قَالَ أَبُو جَهْلٍ فِي أَمْرِ سُرَاقَةَ أَبْيَاتًا:
فَقَالَ سُرَاقَةُ يُجِيبُ أَبَا جهل [ (17) ] :
أَبَا حَكَمٍ وَاللَّاتِ لَوْ كُنْتَ شَاهِدًا ... لِأَمْرِ جَوَادِي إِذْ
تَسِيخُ قَوَائِمُهْ
عَجِبْتَ وَلَمْ تَشْكُكْ بِأَنَّ مُحَمَّدًا ... نَبِيٌّ وَبُرْهَانٌ
فَمَنْ ذَا يُقَاوِمُهْ
عَلَيْكَ بِكَفِّ النَّاسِ عَنْهُ فَإِنَّنِي ... أَرَى أَمْرَهُ يَوْمًا
سَتَبْدُو مَعَالِمُهْ
بِأَمْرٍ يَوَدُّ النَّصْرَ فِيهِ بِإِلْبِهَا ... لَوَ انَّ جَمِيعَ
النَّاسِ طُرًّا تُسَالِمُهْ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي
قُمَاشٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ
بِبَغْدَادَ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ أَبِي وَهْبٍ، مَوْلَى أَبِي
هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
الله عليه وآله وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ فِي مُدْخَلِهِ الْمَدِينَةِ:
أَلْهِ النَّاسَ عني فإنه لا
__________
[ (16) ] سيرة ابن هشام (2: 102- 104) ، الدّرر في اختصار المغازي والسير
(82) ، البداية والنهاية (3: 185) .
[ (17) ] لما عاد سراقة جعل يقص ما رأى وشاهد مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ
صَلَّى الله عليه وآله وسلّم فخاف أمراء قريش ان يكون ذلك سببا لإسلام كثير
من الناس فكتب ابو جهل الى بني مدلج:
بني مدلج إني أخاف سفيهكم* سراقة مستفو لنصر محمد عليكم به ألا يفرق جمعكم*
فيصبح شتى بعد عز وسؤدد فأجابه سراقة بالأبيات التي ذكرها المصنف.
(2/489)
يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يَكْذِبَ، قَالَ:
فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا سُئِلَ مَا أَنْتَ؟ قال: باع، فَإِذَا قِيلَ:
مَنِ الَّذِي مَعَكَ؟ قَالَ: هَادٍ يَهْدِينِي» [ (18) ] .
__________
[ (18) ] السيرة الشامية (3: 357) عن المصنف، وهنا ينتهي الجزء الثاني من
نسخة (هـ) ، وقد جاء في آخرها: «نجز الجزء الثاني من دلائل النبوة، ومعرفة
احوال صاحب الشريعة، من تجزئة ثمانية أجزاء، جمع الإمام الحافظ: أبي بكر
احمد بن الحسين بن علي البيهقي، يتلوه في الجزء الثالث إن شاء الله تعالى
(باب) : اجتياز النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ومن كان معه بخيمة ام معبد
الخزاعية، وما ظهر في ذلك من دلائل النبوة، والحمد لله رب العالمين، ووافق
الفراغ منه يوم الخميس ثاني عشر شوال سنة ست وخمسين وثمانمائة على يد العبد
الفقير إلى الله تعالى: أبي الجود خليل إبراهيم بن عبد الرحمن بن علي
الدمياطي منشأ، المنهاجي لقبا، القرشي نسبا، غفر الله له، ولوالديه ولجميع
المسلمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم.
ثم سماعات الكتاب، ومجالسه من المجلس الأول إلى المجلس العاشر، والتي
ذكرناها في تقدمتنا للكتاب فانظرها هناك.
(2/490)
بَابُ اجْتِيَازِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بِالْمَرْأَةِ وَابْنِهَا، ومَا ظَهَرَ فِي
ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ
أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ:
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا
أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ
جَابِرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زكريا بن أبي زائدة.
(ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ،
وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ
مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ
عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ
الصِّدِّيقِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ:
«خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مِنْ
مَكَّةَ فَانْتَهَيْنَا إِلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، فَنَظَرَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِلَى بَيْتٍ
مُنْتَحِيًا فَقَصَدَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا نَزَلْنَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ
إِلَّا امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اللهِ! إِنَّمَا أَنَا امْرَأَةٌ،
وَلَيْسَ مَعِي أَحَدٌ، فَعَلَيْكُمَا بِعَظِيمِ الْحَيِّ إِذَا أَرَدْتُمُ
الْقِرَى، قَالَ: فَلَمْ يُجِبْهَا وَذَلِكَ عِنْدَ الْمَسَاءِ، فَجَاءَ
ابْنٌ لَهَا بِأَعْنُزٍ لَهُ يَسُوقُهَا، فَقَالَتْ لَهُ: يَا بُنَيَّ
انْطَلِقْ بِهَذِهِ الْعَنْزِ وَالشِّفْرَةِ إِلَى هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ
فَقُلْ لَهُمَا تَقُولُ لَكُمَا أُمِّي: اذْبَحَا هَذِهِ وَكُلَا
وأَطْعِمَانَا، فَلَمَّا جَاءَ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ
(2/491)
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ:
انْطَلِقْ بِالشِّفْرَةِ وَجِئْنِي بِالْقَدَحِ، قَالَ: إِنَّهَا قَدْ
عَزَبَتْ وَلَيْسَ لَهَا لَبَنٌ، قَالَ: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقَ فَجَاءَ
بِقَدَحٍ فَمَسَحَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ ضَرْعَهَا،
ثُمَّ حَلَبَ حَتَّى مَلَأَ الْقَدَحَ، ثُمَّ قَالَ: انْطَلِقْ بِهِ إِلَى
أُمِّكَ، فَشَرِبَتْ حَتَّى رَوِيَتْ، ثُمَّ جَاءَ بِهِ فَقَالَ:
انْطَلِقْ بِهَذِهِ وَجِئْنِي بِأُخْرَى، فَفَعَلَ بِهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ
سَقَى أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ جَاءَ بِأُخْرَى فَفَعَلَ بِهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ
شَرِبَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ» .
قَالَ: فَبِتْنَا لَيْلَتَنَا، ثُمَّ انْطَلَقْنَا فَكَانَتْ تُسَمِّيهِ
الْمُبَارَكَ وَكَثُرَتْ غَنَمُهَا، حَتَّى جَلَبَتْ جَلْبًا إِلَى
الْمَدِينَةِ، فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ،
فَرَآهُ ابْنُهَا فَعَرَفَهُ، فَقَالَ: يَا أُمَّهْ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ
الَّذِي كَانَ مَعَ الْمُبَارَكِ، فَقَامَتْ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: يَا
عَبْدَ اللهِ مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ مَعَكَ؟ قَالَ: وَمَا تَدْرِينَ
مَنْ هُوَ؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: هُوَ النبي صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ،
قَالَتْ: فَأَدْخِلْنِي عَلَيْهِ، قَالَ: فَأَدْخَلَهَا عَلَيْهِ،
فَأَطْعَمَهَا وَأَعْطَاهَا- زَادَ ابْنُ عَبْدَانَ فِي رِوَايَتِهِ-
قَالَتْ فَدُلَّنِي عَلَيْهِ فَانْطَلَقَتْ مَعِي وَأَهْدَتْ لَهُ شَيْئًا
مِنْ أَقِطٍ [ (1) ] وَمَتَاعِ الْأَعْرَابِ قَالَ فَكَسَاهَا وَأَعْطَاهَا
قَالَ: وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ أَسْلَمَتْ» [ (2) ] .
قُلْتُ: وَهَذِهِ الْقِصَّةُ وَإِنْ كَانَتْ تَنْقُصُ عَمَّا رُوِّينَا فِي
قِصَّةِ أُمِّ مَعْبَدٍ وَيَزِيدُ فِي بَعْضِهَا فَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنْهَا،
وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَا وَاحِدَةً.
وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارَ [ (3) ] مِنْ قِصَّةِ
أُمِّ مَعْبَدٍ شَيْئًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا وَهَذِهِ وَاحِدَةٌ وَاللهُ
أَعْلَمُ [ (4) ] .
__________
[ (1) ] الأقط: يتخذ من اللبن المخيض، يطبخ، ثم يترك حتى يمصل.
[ (2) ] نقله الحافظ ابن كثير عن المصنف في البداية والنهاية (3: 191- 192)
، وعنهما الصالحي في السيرة الشامية (3: 350) .
[ (3) ] سيرة ابن هشام (1: 100- 101) ، وانظر الروض الأنف (2: 8) ، وشرح
السيرة لأبي ذر (1:
126) .
[ (4) ] ورجّح هذا أيضا: الحافظ ابن كثير «البداية والنهاية» (3: 192) .
(2/492)
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ
الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ
يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بكير، عن ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «وَنَزَلَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِخَيْمَةِ أُمِّ مَعْبَدٍ وَهِيَ
الَّتِي غَرِدَ بِهَا الْجِنُّ بِأَعْلَى مَكَّةَ، وَاسْمُهَا عَاتِكَةُ
بِنْتُ خَالِدِ بْنِ مُنْقِذِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أَصْرَمَ [ (5) ] ،
فَأَرَادُوا الْقِرَى، فَقَالَتْ: وَاللهِ مَا عِنْدَنَا طَعَامٌ وَلَا
لَنَا مِنْحَةٌ، وَلَا لَنَا شَاةٌ، إِلَّا حَائِلٌ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ
صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِبَعْضِ غَنَمِهَا، فَمَسَحَ ضَرْعَهَا
بِيَدِهِ، وَدَعَا اللهَ، وَحَلَبَ فِي الْعُسِّ [ (6) ] حَتَّى رَغَى [
(7) ] وَقَالَ: اشْرَبِي يَا أُمَّ مَعْبَدٍ، فَقَالَتِ: اشْرَبْ فَأَنْتَ
أَحَقُّ بِهِ، فَرَدَّهُ عَلَيْهَا، فَشَرِبَتْ.
ثُمَّ دَعَا بِحَائِلٍ أُخْرَى، فَفَعَلَ بِهَا مِثْلَ ذَلِكَ فَشَرِبَ.
ثُمَّ دَعَا بِحَائِلٍ أُخْرَى، فَفَعَلَ بِهَا مِثْلَ ذَلِكَ فَسَقَى
دَلِيلَهُ.
ثُمَّ دَعَا بِحَائِلٍ أُخْرَى فَفَعَلَ بِهَا مِثْلَ ذَلِكَ فَسَقَى
عَامِرًا ثُمَّ يَرُوحُ.
وَطَلَبَتْ قُرَيْشٌ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، حَتَّى
بَلَغُوا أُمَّ مَعْبَدٍ فَسَأَلُوهَا عَنْهُ، فَقَالُوا:
رَأَيْتِ مُحَمَّدًا وَحِلْيَتَهُ كَذَا؟ فَوَصَفُوهُ لَهَا فَقَالَتْ: مَا
أَدْرِي مَا تَقُولُونَ، قَدْ ضَافَنِي حَالِبُ الْحَائِلِ قَالَتْ
قُرَيْشٌ: فَذَاكَ الَّذِي نُرِيدُ.
قُلْتُ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلًا أَيِ الَّتِي فِي كَسْرِ
الْخَيْمَةِ، كَمَا رُوِّينَا فِي حَدِيثِ أُمِّ مَعْبَدٍ، ثُمَّ رَجَعَ
ابْنُهَا بِأَعْنُزٍ، كَمَا رُوِّينَا فِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى،
ثُمَّ
__________
[ (5) ] أم معبد عَاتِكَةُ بِنْتُ خَالِدِ بْنِ مُنْقِذِ بْنِ رَبِيعَةَ
بْنِ اصرم، وقيل: عَاتِكَةُ بِنْتُ خَالِدِ بْنِ خليف، بْنِ مُنْقِذِ، بْنِ
رَبِيعَةَ، وهي أخت حبيش بن خالد الأشعر، الخزاعي، القديدي وله صحبة
ورواية، وهو راوي حديثها، وزوجها ابو معبد الخزاعي مختلف في اسمه، وتوفي
فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم، وكان يسكن قديدا وهي
موضع قرب مكة، وفي معجم ما استعجم (3: 1054) أن هذه القرية سميت قديدا
لتقدد السيول بها، وهي لخزاعة.
[ (6) ] في النهاية: (العس) القدح الكبير، وجمعه عساس، وأعساس.
[ (7) ] رغّى علت رغوته.
(2/493)
لَمَّا أَتَى زَوْجُهَا وَصَفَتْهُ له
والله أعلم [ (8) ] .
__________
[ (8) ] سيرة ابن هشام (2: 100) ، والسيرة الشامية (3: 350- 351) .
قلت: هكذا ذكر البيهقي، ولم يعرج على قصة ام معبد كما وردت في المستدرك
للحاكم، والطبراني، وابو نعيم في الدلائل، وقد رويت عن حبيش بن خالد
الخزاعي القديدي أخي أم معبد، كما رواها ابن سعد عن أبي معبد، وابن السكن
عن ام معبد والبزار، ولا غنى عن ذكرها في هذا الموطئ،
روى الطبراني والحاكم وصححه، وابو نعيم، وابو بكر الشافعي عن حبيش بن خالد
اخي أم معبد رضي الله عنهما، وابن السكن عن أم معبد: ان رسول الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم حين خرج من مكة مهاجرا إلى المدينة هو وأبو بكر،
ومولى ابي بكر عامر بن فهيرة ودليلهم الليثي عبد الله بن الأريقط، مروا على
خيمة ام معبد الخزاعية، وهي لا تعرفه، وكانت برزة [وهي الكهلة التي لا
تحتجب احتجاب الشواب وهي مع ذلك عفيفة عاقلة تجلس للناس تحدثهم، من البروز
وهو الظهور] .
جلدة [قوية] تحتبي بفناء القبة ثم تسقي وتطعم، فسألوها لحما وتمرا ليشتروه
منها، فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك، وإذا القوم مرملون [أي نفد زادهم]
مسنتون [أي أجدبوا وأصابتهم سنة وقحط] .
فقالت والله لو كان عندنا شيء ما أعوزناكم، فنظر رسول الله صلّى الله عليه
وآله وسلّم إلى شاة في كسر الخيمة [أي جانبها] فقال: ما هذه الشاة يا أم
معبد؟ قالت: هي أجهد من ذلك.
قال: أتأذنين لي أن أحلبها؟
قالت: بأبي أنت وأمي نعم، ان رأيت بها حلبا فاحلبها، فو الله ما ضربها فحل
قط [أي ما ألقحها فحل] فشأنك بها.
فدعا بها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فمسح بيده ضرعها وظهرها،
وسمّى الله عز وجل ودعا لها في شاتها، فتفاجّت [فتحت ما بين رجليها للحلب]
عليه، ودرّت، ودعا بإناء يربض [يروي] الرهط، فحلب فيه ثجّا [كثيرا] ، حتى
علاه البهاء [بريق الرغوة] ، ثم سقاها حتى رويت، ثم سقى أصحابه حتى رووا،
ثم شرب صلّى الله عليه وآله وسلّم آخرهم، وقال: «ساقي القوم آخرهم شربا» .
[أخرجه الترمذي وابن ماجة] ،
ثم حلب فيه ثانية بعد بدء حتى ملأ الإناء ثم غادره عندها. فبايعها وارتحلوا
عنها.
فقلّ ما لبث ان جاء زوجها أبو معبد، يسوق أعنزا عجافا يتساوكن [تتمايل من
ضعفها] هزالا، فلما رأى اللبن عجب فقال: من أين لك هذا اللبن يا أم معبد
والشاة عازب ولا حلوب في البيت [والشاة العازب اي بعيدة المرعى لا تأوي
المنزل في الليل، ولا حلوب اي لا شاة تحلب] .
قالت: لا والله إلا أنه مرّ بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا.
قال: صفيه لي يا أم معبد. قالت: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة [الحسن] ، أبلج
الوجه [مشرق] ،
(2/494)
__________
[ () ] حسن الخلق، لم تعبه ثجلة، ولم تزري به صعلة، وسيم قسيم، في عينيه
دعج، وفي أشفاره وطف [والأشفار جمع شفر وهو طرف جفن العين الذي ينبت عليه
الشعر، والوطف: الطول] وفي صوته صحل [خشونة حادة] ، وفي عنقه سطح، وفي
لحيته كثاثة، أزج أقرن، ان صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سمى وعلاه البهاء،
أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحسنه وأحلاه من قريب، حلو المنطق فصل لا نزر
ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربعة لا تشنؤه من طول، ولا تقتحمه
عين من قصر غصن بين غصنين فهو أنضر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا، له رفقاء
يحفّون به، إذا قال استمعوا لقوله، وإذا أمر تبادروا إلى أمره، محفود [الذي
يخدمه أصحابه ويعظمونه] محشود لا عابث ولا مفنّد [لا يخطّأ رأيه] .
قال أبو معبد: هو والله صاحب قريش، لقد هممت أن أصحبه، ولأفعلنّ إن وجدت
الى ذلك سبيلا.
فأصبح صوت بمكة عال يسمعون الصوت ولا يدرون من صاحبه، وهو يقول:
جزى الله ربّ الناس خير جزائه ... رفيقين قالا خيمتي أمّ معبد
هما نزلا بالبرّ وارتحلا به ... فأفلح من أمسى رفيق محمّد
فيا لقصيّ ما زوى الله عنكم ... به من فعال لا تجارى وسودد
ليهن بني كعب مقام فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها ... فإنّكم إن تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاة حائل فتحلّبت ... له بصريح ضرّة الشّاة مزبد
فغادرها رهنا لديها لحالب ... يردّدها في مصدر ثم مورد
وقد سجّل شاعر العروبة والإسلام أحمد محرّم في ديوان مجد الإسلام هذا الحدث
الجليل من خيمة أم معبد فقال:
(2/495)
__________
[ () ]
ما حديث لأمّ معبد تستسقيه ... ظمأى النفوس عذبا نميرا
سائل الشّاة كيف درّت وكانت ... كزّة الضّرع لا ترجّى الدّرورا
بركات السّمح المؤمّل يقرى ... أمم الأرض زائرا أو مزورا
مظهر الحق للنبوّة سبحانك ... ربّا فرد الجلال قديرا
(2/496)
بَابُ اجْتِيَازِهِ مَعَ صَاحِبِهِ
بِعَبْدٍ يَرْعَى غَنَمًا وَمَا ظَهَرَ عِنْدَ ذَلِكَ مِنْ آثَارِ
النُّبُوَّةِ
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ ابن أَيُّوبَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ
النُّعْمَانِ، قَالَ: لَمَّا انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله
وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ مُسْتَخْفِينَ مَرُّوا بِعَبْدٍ يَرْعَى
غَنَمًا، فَاسْتَسْقِيَاهُ اللَّبَنَ فَقَالَ: مَا عِنْدِي شَاةٌ تُحْلَبُ،
غَيْرَ أَنَّ هَهُنَا عَنَاقًا حَمَلَتْ أَوَّلَ الشِّتَاءِ، وَقَدْ
أَخْرَجَتْ وَمَا بَقِيَ لَهَا لَبَنٌ، فَقَالَ ادْعُ بِهَا،
فَاعْتَقَلَهَا النبي صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَمَسَحَ ضَرْعَهَا،
وَدَعَا حَتَّى أَنْزَلَتْ، قَالَ:
وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِمِجَنٍّ فَحَلَبَ وَسَقَى أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ
حَلَبَ فَسَقَى الرَّاعِيَ، ثُمَّ حَلَبَ فَشَرِبَ فَقَالَ الرَّاعِي:
بِاللهِ مَنْ أَنْتَ؟ فو الله مَا رَأَيْتُ مِثْلَكَ قَطُّ. قال: أو تراك
تَكْتُمْ عَلَيَّ حَتَّى أُخْبِرَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنِّي
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، فَقَالَ:
أَنْتَ الَّذِي تَزْعُمُ قُرَيْشٌ أَنَّهُ صَابِئٌ؟ قَالَ: إِنَّهُمْ
لَيَقُولُونَ ذَلِكَ، قَالَ: فَأَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ وَأَشْهَدُ أَنَّ
مَا جِئْتَ بِهِ حَقٌّ، وَأَنَّهُ لَا يَفْعَلُ مَا فَعَلْتَ إِلَّا
نَبِيٌّ، وَأَنَا مُتَّبِعُكَ قَالَ إِنَّكَ لَنْ نستطيع ذَلِكَ يَوْمَكَ
فَإِذَا بَلَغَكَ أَنِّي قَدْ ظَهَرْتُ فَأْتِنَا» [ (1) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه ابو يعلى الموصلي عن جعفر بن حميد الكوفي، عَنْ عَبْدِ اللهِ
بْنِ إياد بن لقيط، ونقله الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (3: 194) .
(2/497)
|