دلائل النبوة للبيهقي محققا

بَابُ مَنِ اسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ وَصَاحِبَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ اسْتِقْبَالِ الْأَنْصَارِ إِيَّاهُ وَدُخُولِهِ وَنُزُولِهِ وَفَرَحِ الْمُسْلِمِينَ بِمَجِيئِهِ وَالْآيَاتِ الَّتِي ظَهَرَتْ فِي نُزُولِهِ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: «وَيُقَالُ لَمَّا دَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلم، وأبو بكر من الْمَدِينَةِ، وَقَدِمَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ مِنَ الشَّامِ، خَرَجَ طَلْحَةُ عَامِدًا إِلَى مَكَّةَ كَمَا ذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، خَرَجَ إِمَّا مُتَلَقِّيًا لَهُمَا، وَإِمَّا عَامِدًا عَمْدَهُ بِمَكَّةَ، مَعَهُ ثِيَابٌ أَهْدَاهَا لِأَبِي بَكْرٍ مِنْ ثِيَابِ الشَّامِ، فَلَمَّا لَقِيَهُ أَعْطَاهُ الثِّيَابَ، فَلَبِسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مِنْهَا وَأَبُو بَكْرٍ.
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: وَزَعَمَ [ (1) ] ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ [قَالَ: إِنَّ الزُّبَيْرَ] [ (2) ] لَقِيَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فِي رَكْبٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا تُجَّارًا بِالشَّامِ قَافِلِينَ إِلَى مَكَّةَ، فَعَارَضُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَكَسَا الزُّبَيْرُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ ثِيَابًا بِيضًا.
قَالَ: وَسَمِعَ الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ بِمَخْرَجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ فَكَانُوا
__________
[ (1) ] في (ص) و (هـ) : «ويزعم» .
[ (2) ] ساقطة من (ص) .

(2/498)


يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَى الْحَرَّةِ يَنْتَظِرُونَ حَتَّى يُؤْذِيَهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ، فَانْقَلَبُوا يَوْمًا فَلَمَّا أَوَوْا إِلَى بُيُوتِهِمْ أَوْفَى [ (3) ] رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ عَلَى أُطُمٍ [ (4) ] لِأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ يَزُولُ [ (5) ] بِهِمُ السَّرَابُ مُبَيَّضِينَ [ (6) ] فَلَمْ يَمْلِكِ الْيَهُودِيُّ نَفْسَهُ [ (7) ] أَنْ صَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ [ (8) ] ! هَذَا صَاحِبُكُمُ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ، فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى سِلَاحِهِمْ، فَتَلَقَّوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فَلَقَوْهُ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَذَلِكَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ لِهِلَالِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.
فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَذَكَّرَ النَّاسَ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ صَامِتًا، فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنَ الْأَنْصَارِ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ رَأَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ يَحْسِبُهُ أَبَا بَكْرٍ، حَتَّى إِذَا أَصَابَتِ الشَّمْسُ رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى أَظَلَّ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِرِدَائِهِ، فَعَرَفَ النَّاسُ عِنْدَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ [ (9) ] .
ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مَرَّ بِعَبْدِ اللهِ بن أبيّ بن سَلُولَ وَهُوَ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ، وَهُوَ فِي بَيْتٍ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُ أَنْ يَدْعُوَهُ إِلَى الْمَنْزِلِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ فِي أَنْفُسِهَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ: انْظُرِ الَّذِينَ دَعَوْكَ فَانْزِلْ عَلَيْهِمْ، فَذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لِنَفَرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وُقُوفَهُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أبيّ والذي
__________
[ (3) ] (أوفى) طلع إلى مكان عال، وأشرف منه على ما تحته.
[ (4) ] (الأطم) الحصن، ويقال: بناء من حجارة كالقصر.
[ (5) ] (يزول بهم السراب) أي: يرفعهم، ويظهرهم، وقال ابن حجر: أي يزول بسبب عروضهم له، وفي بعض الروايات: (يلوح بهم السراب) .
[ (6) ] (مبيّضين) اي عليهم الثياب البيض التي كساهم إياها: الزبير أو طلحة.
[ (7) ] ليست في (هـ) .
[ (8) ] وفي رواية: يا بني قيلة، وهي الجدة الكبرى للأنصار والدة الأوس والخزرج. شرح المواهب (1: 350) .
[ (9) ] رواه الإمام احمد والشيخان عن أبي بكر، وسعيد بن منصور عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزبير، وابن اسحق عن عويم بن ساعده، ويحيى بن الحسن عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ.

(2/499)


قَالَ لَهُ: فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: إِنَّا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ لَقَدْ كُنَّا قَبْلَ الَّذِي خَصَّنَا اللهُ بِهِ مِنْكَ، وَمَنَّ عَلَيْنَا بِقُدُومِكَ، أَرَدْنَا أَنْ نَعْقِدَ عَلَى رَأْسِ عبد الله بن أبي التَّاجَ، وَنُمَلِّكَهُ عَلَيْنَا [ (10) ] .
فَعَمَدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بَعْدَ وُقُوفِهِ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، فَنَزَلَ عَلَى كُلْثُومِ بْنِ الْهِدْمِ [ (11) ] ، وَهُوَ أَحَدُ بَنِي زَيْدِ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَ مَسْكَنُهُ فِي دَارِ ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ.
وَقَدْ كَانَ قَدِمَ عَلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ قُبَيْلَ [ (12) ] قُدُومِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَبَعْدَهُ نَاسٌ كَثِيرٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ فَنَزَلُوا فِيهِمْ، فَعَدَّ أَسْمَاءَ النَّازِلِينَ وَالْمُنْزِلِينَ.
ثُمَّ قَالَ: وَمَكَثَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ: بَلْ مَكَثَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَاتَّخَذَ فِيهِمْ مَسْجِدًا، وَأَسَّسَهُ وَهُوَ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى [ (13) ] .
ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ رَكِبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَمَرَّ عَلَى بَنِي سَالِمٍ، فَصَلَّى فِيهِمُ الْجُمُعَةَ، وَكَانَتْ أَوَّلَ جُمُعَةٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ [ (14) ] حِينَ قَدِمَ وَاسْتَقْبَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَلَمَّا أَبْصَرَتْهُ الْيَهُودُ صَلَّى إِلَى قِبْلَتِهِمْ تَذَاكَرُوا بَيْنَهُمْ أَنَّهُ النَّبِيُّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ.
__________
[ (10) ] وفاء الوفا (1: 184) ، ونقله الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (3: 199) .
[ (11) ] كلثوم بن الهدم: هو أبو قيس كلثوم بن الهدم بن الحارث بن زيد ... وكان شيخا كبيرا، مات بعد قُدُومِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم المدينة بشيء يسير، وهو أول من مات من الأنصار بعد قُدُومِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم، وكان لكلثوم بن الهدم مربد يبسط فيه التمر ليجف، فأخذه مِنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم فأسّسه، وبناه مسجدا.
[ (12) ] (ص) و (هـ) : «قيل» .
[ (13) ] (المسجد أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أول يوم) [سورة التوبة- 108] .
[ (14) ] سيرة ابن هشام (2: 112) .

(2/500)


ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مِنْ بَنِي سَالِمٍ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ فِينَا الْعَدَدُ وَالْعُدَّةُ وَالْمَنعَةُ، وَقَالَ مُجَمِّعُ بْنُ يَزِيدَ: مَكَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِينَا اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ قَدِ اجْتَمَعَتْ فَتَلَقَّوْهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَبَ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَمَشَوْا حَوْلَ نَاقَتِهِ
لَا يَزَالُ أَحَدُهُمْ يُنَازِعُ صَاحِبَهُ زِمَامَ النَّاقَةِ شُحًّا عَلَى كَرَامَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم وتعظيما له، ولكما مَرَّ بِدَارٍ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ دَعَوْهُ إِلَى الْمَنْزِلِ، فَيَقُولُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: دَعُوهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ إِنَّمَا أَنْزِلُ حَيْثُ أَنْزَلَنِي اللهُ [تَعَالَى] [ (15) ] ، فَلَمَّا انْتَهَتْ بِهِ النَّاقَةُ إِلَى بَابِ بَنِي أَيُّوبَ بَرَكَتْ عَلَى الْبَابِ، فَنَزَلَ فَدَخَلَ بَيْتَ أَبِي أَيُّوبَ فَنَزَلَ عَلَيْهِ، فَأَنْزَلَهُ فِي سُفْلِ [ (16) ] بَيْتِهِ وَظَهَرَ أَبُو أَيُّوبَ إِلَى أَعْلَى الْبَيْتِ، فَكَانَ أَبُو أَيُّوبَ فِي الْعُلُوِّ وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِي السُّفْلِ، فَتَذَكَّرَ أَبُو أَيُّوبَ مَنْزِلَهُ فَوْقَ رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فَبَاتَ سَاهِرًا يَكْرَهُ أَنْ يَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فِي اللَّيْلِ فَيَسْتَأْمِرَهُ فِي التَّحْويلِ وَيُعَظِّمَ أَنْ يَكُونَ مَنْزِلُهُ فَوْقَ رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ [ (17) ] . فَلَمْ يَزَلْ سَاهِرًا حَتَّى أَصْبَحَ، فَأَتَاهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أَخْشَى أَنْ أَكُونَ قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي. أَنِّي كُنْتُ سَاكِنًا فَوْقَ رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فَيَنْتَثِرُ التُّرَابُ مِنْ وَطْءِ أَقْدَامِنَا عَلَيْكَ، وَإِنَّ أَطْيَبَ لِنَفْسِي أَنْ أَكُونَ تَحْتَكَ فِي أَسْفَلِ الْبَيْتِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ:
السُّفْلُ أَرْفَقُ بِنَا وَبِمَنْ يَغْشَانَا، فَلَمْ يَزَلْ أَبُو أَيُّوبَ يَتَضَرَّعُ إِلَيْهِ حَتَّى انْتَقَلَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إِلَى الْعُلُوِّ، وَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ سَاكِنًا فِي بَيْتِ أَبِي أَيُّوبَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ وَيَأْتِيهِ فِيهِ جِبْرِيلُ حَتَّى ابْتَنَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم مسجده ومسكنه» [ (18) ] .
__________
[ (15) ] ليست في (هـ) .
[ (16) ]
روى ابن إسحق، ومسلم عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم في بيتي نزل في السّفل وأنا وأم أيوب في العلو، فقلت لَهُ: يَا نَبِيَّ اللهِ! بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، إني لأكره ان أكون فوقك، وتكون تحتي، فأظهر فكن في العلو، وننزل نحن فنكون في السّفل، فقال: إنّ أَرْفَقُ بِنَا، وَبِمَنْ يَغْشَانَا أن نكون في سفل البيت» .
[ (17) ] الزيادة من (ص) و (هـ) .
[ (18) ]
رواه الترمذي وصحّحه، وتكملة الخبر:

(2/501)


وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالُوا: «لَمَّا بَلَغَنَا مَخْرَجُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ كُنَّا نَخْرُجُ كُلَّ غَدَاةٍ فَنَجْلِسُ لَهُ بِظَاهِرِ الْحَرَّةِ نَلْجَأُ، إِلَى ظِلِّ الْجُدُرِ حَتَّى تَغْلِبَنَا عَلَيْهِ الشَّمْسُ، ثُمَّ نَرْجِعُ إِلَى رِحَالِنَا، حَتَّى إِذَا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي جَاءَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم جلسناكما كنا
__________
[ () ] قال أبو أيوب: وكنّا نصنع له العشاء ثم نبعث به إليه، فإذا ردّ علينا فضله تيمّمت أنا وأمّ أيوب موضع يده فأكلنا منه نبتغي بذلك البركة، حتى بعثنا إليه ليلة بعشائه وقد جعلنا له فيه بصلا أو ثوما، فَرَدَّهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم، ولم أر ليده فيه أثرا. قال: فجئته فزعا فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ بأبي أنت وأمّي رددت عشاءك، ولم أر فيه موضع يدك وكنت إذا رددته علينا تيمّمت أنا وأم أيوب موضع يدك نبتغي بذلك البركة. قال: «إني وجدت فيه ريح هذه الشّجرة وأنا رجل أناجي، فأما أنتم فكلوه» .
قال: فأكلناه ولم نضع له تلك الشجرة بعد.
وفي كتاب أخبار المدينة ليحيى بن الحسن، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «لَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم على أبي أيوب لم يدخل منزل رسول الله هدية وأول هدية دخلت بها عليه قصعة مثرودة خبز برّ وسمنا ولبنا، فأضعها بين يديه، فقلت، «يا رسول الله أرسلت بهذه القصعة أمّي» ، فقال:
«بارك الله فيها» ، ودعا أصحابه فأكلوا
فلم أرم الباب حتى جاءته قصعة سعد بن عبادة، على رأس غلام مغطاة فأقف على باب أبي أيوب فأكشف غطاءها لأنظر فرأيت ثريدا عليه عراق فدخل بها على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم» . قال زيد: «فلقد كنّا في بني مالك بن النّجّار ما من ليلة إلا على باب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم منا الثلاثة والأربعة يحملون الطعام ويتناوبون بينهم حتى تحوّل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم [من بيت أبي أيوب، وكان مقامه فيه سبعة أشهر] وما كانت تخطئه جفنة سعد بن عبادة وجفنة أسعد بن زرارة كل ليلة» . وفيه أنه قيل لأم أيوب: «أي الطعام كان أحب إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فإنكم عرفتم ذلك لمقامه عندكم؟ قالت: ما رأيته أمر بطعام فصنع له بعينه، ولا رأيناه أتي بطعام فعابه وقد أخبرني أبو أيوب أنه تعشّى عنده ليلة من قصعة أرسل بها سعد بن عبادة طفيشل. فقال أبو أيوب: فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ينهل تلك القدر ما لم أره ينهل غيرها، فكنا نعملها له، وكنا نعمل له الهريس وكانت تعجبه. وكان يحضر عشاءه خمسة إلى ستة عشر كما يكون الطعام في الكثرة والقلّة» .

(2/502)


نَجْلِسُ، حَتَّى إِذَا رَجَعْنَا جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَرَآهُ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا بَنِي قَيْلَةَ هَذَا جَدُّكُمْ قَدْ جَاءَ، فَخَرَجْنَا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ قَدْ أَنَاخَ إِلَى ظِلٍّ، هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (19) ]- وَاللهِ مَا نَدْرِي أَيُّهُمَا أَسَنُّ، هُمَا فِي سَنٍّ وَاحِدٍ، حتى رأينا أبابكر يَنْحَازُ لَهُ عَنِ الظِّلِّ، فَعَرَفْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَقَدْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَامَ فَأَظَلَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِرِدَائِهِ فَعَرَفْنَاهُ» [ (20) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ: أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ وَسَّاجٍ حَدَّثَهُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَدِمَ يَعْنِي الْمَدِينَةَ وَلَيْسَ فِي أَصْحَابِهِ أَشْمَطُ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ فَغَلَفَهَا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ» .
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (21) ] مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ حِمْيَرٍ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ.
(ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ الْإِسْفَرَايِنِيُّ بِهَا، قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لِلَيْلَتَيْنِ مَضَتَا مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَالْحَدِيثُ الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ قَدِمَ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، يوم
__________
[ (19) ] ليست في (ص) ولا في (هـ) .
[ (20) ] سيرة ابن هشام (2: 109) ، ونقله أيضا ابن كثير (3: 196) .
[ (21) ] في الهجرة، عَنْ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عن مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ، وقال دحيم: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عن الأوزاعي، حدثني ابو عبيد الحاجب عنه. تحفة الأشراف (1: 289- 290) .

(2/503)


الِاثْنَيْنِ [ (22) ] ، فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فِيمَا يَزْعُمُ بَعْضُ النَّاسِ، يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاءِ وَالْأَرْبِعَاءِ وَالْخَمِيسِ، ثُمَّ ظَعَنَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَدْرَكَتْهُ الْجُمُعَةُ فِي بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، فَصَلَّاهَا بِمَنْ مَعَهُ بِبَطْنٍ مَهْزُورٍ، وَيَزْعُمُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ أَقَامَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَاعْتَرَضَهُ عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي سَالِمِ وَبَنِي الْحُبْلَى، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أَقِمْ فِينَا فِي الْعِزِّ، وَالثَّرْوَةِ، وَالْعَدَدِ، وَالْقُوَّةِ، وَكَانُوا كَذَلِكَ وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ عَلَى نَاقَتِهِ، فَقَالَ: خَلُّوا سَبِيلَهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، ثُمَّ مَرَّ بِبَنِي سَاعِدَةَ فَاعْتَرَضَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، وَأَبُو دُجَانَةَ، فَدَعَوْهُ إِلَى الْمَنْزِلِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: خَلُّوا سَبِيلَهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، ثُمَّ مَرَّ بِبَنِي بَيَاضَةَ، فَعَرَضَ لَهُ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو وَزِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ فَدَعُوهُ إِلَى الْمَنْزِلِ عَلَيْهِمْ فَقَالَ خَلُّوا سَبِيلَهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، ثُمَّ مَرَّ عَلَى بَنِي النَّجَّارِ فَقَالَ لَهُ صِرْمَةُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ، وَأَبُو سَلِيطٍ فِي رِجَالٍ مِنْهُمْ: أَقِمْ عِنْدَنَا يَا رَسُولَ اللهِ فَنَحْنُ أَخْوَالُكَ وَأَقْرَبُ الْأَنْصَارِ بِكَ رَحِمًا، فَقَالَ: خَلُّوا سَبِيلَهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةُ،
فَلَمَّا انْتَهَتْ إِلَى مَكَانِ مَسْجِدِهِ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ مِرْبَدٌ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ ثُمَّ مِنْ بَنِي غَنْمٍ، وَهُمَا: سُهَيْلُ وَسَهْلٌ ابْنَا رَافِعِ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ عَبَّادِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، وَكَانَا فِي حجر معاذ بن عَفْرَاءَ، بَرَكَتْ فَالْتَفَتَتْ [ (23) ] يَمِينًا وَشِمَالًا ثُمَّ وَثَبَتْ فَمَضَتْ غَيْرَ كَثِيرٍ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَاضِعًا [ (24) ] لَهَا زِمَامَهَا لَا يُحَرِّكُهَا فَوَقَفَتْ فَنَظَرَتْ ثُمَّ الْتَفَتَتْ إِلَى مَبْرِكَهَا الْأَوَّلِ فَأَقْبَلَتْ حَتَّى بَرَكَتْ فِيهِ، فَحَصَتْ بِثَفِنَاتِهَا وَاطْمَأَنَّتْ، حَتَّى عَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَنْ قَدْ أُمِرَتْ، فَنَزَلَ عَنْهَا وَاحْتَمَلَ أَبُو أيوب رحله
__________
[ (22) ] المعتمد أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلّم دخل قباء يوم الاثنين كما في الصحيح، في رواية ابن إسحق (2: 109) من سيرة ابن هشام: «قدمها لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ من ربيع الاول» ، وعند ابي سعيد في شرف المصطفى من طريق أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، قال: «قدم المدينة لثلاث عشرة من ربيع الاول» . وهذا يجمع بينه وبين الذي قبله بالحمل على الاختلاف في رؤية الهلال.
[ (23) ] في (هـ) و (ح) : «فلفتت» .
[ (24) ] في (ح) و (هـ) : «واضع» .

(2/504)


فَأَدْخَلَهُ مَسْكَنَهُ، وَسَأَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ عَنِ الْمِرْبَدِ لِمَنْ هُوَ فَأُخْبِرَ، فَقَالَ مُعَاذُ بن عَفْرَاءَ: يَا رَسُولَ اللهِ سَأُرْضِيهِمَا مِنْهُ، فَاتَّخَذَهُ مَسْجِدًا وَيَقُولُ قَائِلُونَ: اشْتَرَاهُ.
كُلُّ ذَلِكَ قَدْ سَمِعْنَاهُ.
فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِي مَسْكَنِ أَبِي أَيُّوبَ حَتَّى ابْتَنَى الْمَسْجِدَ وَبَنَى لَهُ مَسَاكِنَهُ فِيهِ» .
ثُمَّ انْتَقَلَ. لَفْظُ حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ الْقَاضِي الْفَقِيهُ بِبَغْدَادَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّجَّادُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ [بْنُ] [ (25) ] الصائغ والحسن ابن سَلَّامٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ.
(ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو خَلِيفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، يَقُولُ: «أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلم: مصعب بن عمير، وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَكَانَا يُقْرِئَانِ الْقُرْآنَ.
وَفِي رِوَايَةِ عَفَّانَ: فَجَعَلَا يُقْرِئَانِ النَّاسَ الْقُرْآنَ.
ثُمَّ جَاءَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَسَعْدٌ، وَبِلَالٌ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فِي عِشْرِينَ، ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيْءٍ قَطُّ فَرَحَهُمْ بِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْوَلَائِدَ وَالصِّبْيَانَ يَسْعَوْنَ فِي الطُّرُقِ وَيَقُلْنَ [ (26) ] جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَمَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ حَتَّى تَعَلَّمْتُ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [ (27) ] فِي مِثْلِهَا مِنَ المفصّل.
__________
[ (25) ] ليست في (ص) ولا في (هـ) .
[ (26) ] في (ص) و (هـ) : «يقولون» .
[ (27) ] أول سورة الأعلى.

(2/505)


وَفِي رِوَايَةِ عَفَّانَ: حَتَّى قَرَأْتُ سُوَرًا مِنَ الْمُفَصَّلِ وَلَمْ يَقُلْ يَسْعَوْنَ فِي الطَّرِيقِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ [ (28) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سفان، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ «اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ مِنْ عَازِبٍ رَحْلًا» [ (29) ] فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي الْهِجْرَةِ، كَمَا [ (30) ] مَضَى قَالَ أَبُو بَكْرٍ «وَمَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَأَنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ لَيْلًا فَتَنَازَعَهُ الْقَوْمُ: أَيُّهُمْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: إِنِّي أَنْزَلُ اللَّيْلَةَ عَلَى بَنِي النَّجَّارِ أَخْوَالِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أُكْرِمُهُمْ بِذَلِكَ، وَخَرَجَ النَّاسُ حِينَ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فِي الطَّرِيقِ وَعَلَى الْبُيوتِ وَالْغِلْمَانُ وَالْخَدَمُ يَقُولُونَ: جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، جَاءَ مُحَمَّدٌ، اللهُ أَكْبَرُ، جَاءَ مُحَمَّدٌ، جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ انْطَلَقَ فَنَزَلَ حَيْثُ أُمِرَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَجَاءٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ إِسْرَائِيلَ [ (31) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا خَلِيفَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَائِشَةَ، يَقُولُ: لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
__________
[ (28) ] الحديث أخرجه البخاري في: 63- كتاب مناقب الأنصار (46) باب مَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم وأصحابه المدينة، الحديث (3924) عن أبي الوليد مختصرا، فتح الباري (7: 259) ، وكذا مختصرا وقطعة اخرى منه وعن أبي الوليد في: 66- كتاب فضائل القرآن (6) باب تأليف القرآن، فتح الباري (9: 39) ، ثم مطولا في فتح الباري (7: 259- 260) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ.
وأشار المزي في تحفة الأشراف (2: 55) أن النسائي أخرجه في (سننه الكبرى) عن إسماعيل ابن مسعود، عن خالد،.
[ (29) ] في (ص) : اشترى أَبُو بَكْرٍ- رَضِيَ اللهُ عنه- من عازب رحلا، وفي (هـ) كما في (ح) .
[ (30) ] ومضى الحديث، وسبق ان خرجناه في الحاشية رقم (3) من بَابُ اتِّبَاعِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ أَثَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ. فانظره هناك.
[ (31) ] فتح الباري (7: 8) ، ومسلم (4: 2310) .

(2/506)


الْمَدِينَةَ جَعَلَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ يقلن: -
طَلَعَ الْبَدْرُ عَلَيْنَا مِنْ ثَنِيَّاتِ الْوَدَاعْ ... وَجَبَ الشُّكْرُ عَلَيْنَا مَا دَعَا لِلَّهِ دَاعْ [ (32) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ» ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّنْعَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ هُوَ ابْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ «إِنِّي لَأَسْعَى فِي الْغِلْمَانِ يَقُولُونَ: جَاءَ مُحَمَّدٌ، فَأَسْعَى وَلَا أَرَى شَيْئًا، ثُمَّ يَقُولُونَ: جَاءَ مُحَمَّدٌ، فَأَسْعَى وَلَا أَرَى شَيْئًا، حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ وَصَاحِبُهُ أَبُو بَكْرٍ فَكَمَنَّا فِي [ (33) ] بَعْضِ جِدَارِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ بَعَثْنَا رَجُلًا مِنْ بَعْضِ الْبَادِيَةِ لِيُؤْذِنَ بِهِمَا الْأَنْصَارَ فَاسْتَقْبَلَهُمَا زُهَاءَ خَمْسُمِائَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَيْهِمَا فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ انْطَلِقَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَصَاحِبُهُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَخَرَجَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ حَتَّى أَنَّ الْعَوَاتِقَ [ (34) ] لَفَوْقَ الْبُيوتِ يَتَرَاءَيْنَهُ يَقُلْنَ: أَيُّهُمْ هُوَ؟ أَيُّهُمْ هُوَ؟ قَالَ فَمَا رَأَيْنَا مَنْظَرًا شَبِيهًا بِهِ يَوْمَئِذٍ. قَالَ أَنَسٌ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ يَوْمَ دَخَلَ عَلَيْنَا وَيَوْمَ قُبِضَ فَلَمْ أَرَ يَوْمَيْنِ شَبِيهًا بِهِمَا» [ (35) ] .
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حمشاد الْعَدْلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ السَّدُوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ «شَهِدْتُ يَوْمَ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم
__________
[ (32) ] زاد رزين.
أيّها المبعوث فينا* جئت بالأمر المطاع
[ (33) ] كمنّا: «استترنا» .
[ (34) ] (العواتق) جمع عاتق، وهي الشابة أول ما تدرك، وقيل: هي التي لم تبن من والدتها، ولم تزوّج، وقد أدركت وشبّت.
[ (35) ] نقله الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (3: 197) ، وقال: «رواه البيهقي عن الحاكم» .

(2/507)


فَلَمْ أَرَ يَوْمًا أَحْسَنَ وَلَا أَضْوَأَ مِنْهُ» [ (36) ] .
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي الْوَرْدِ [ (37) ] قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ صِرْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يحيى ابن سَعِيدٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَلَمَّا دَخَلَ الْمَدِينَةَ جَاءَتِ الْأَنْصَارُ بِرِجَالِهَا وَنِسَائِهَا، فَقَالُوا:
إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ: دَعُوا النَّاقَةَ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، فَبَرَكَتْ عَلَى بَابِ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: فَخَرَجَتْ جَوَارٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ يَضْرِبْنَ بِالدُّفُوفِ وهن يقلن:
نَحْنُ جَوَارٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارْ* يَا حَبَّذَا مُحَمَّدٌ مِنْ جَارْ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَتُحِبُّونِي؟ فَقَالُوا: إِي وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، قال: أنا وَاللهِ أُحِبُّكُمْ، وَأَنَا وَاللهِ أحبكم، أنا وَاللهِ أُحِبُّكُمْ» [ (38) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّحَّاسُ الْمُقْرِئُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَلَبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ الْمِصِّيصِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ «مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بِحَيِّ بَنِي النَّجَّارِ وَإِذَا جَوَارٍ يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ يقلن:
نَحْنُ جَوَارٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارْ* يَا حَبَّذَا مُحَمَّدٌ مِنْ جَارْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ اللهُ يَعْلَمُ أَنَّ قلبي يحبّكنّ.
__________
[ (36) ] سنن ابن ماجة، في 6:- كتاب الجنائز، (65) باب ذكر وفاته ودفنه صلّى الله عليه وآله وسلّم، الحديث (1631) ، ص (1: 522) ، وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (3: 240) .
[ (37) ] في (ص) و (هـ) : «ابن ابي النجود» .
[ (38) ] ونقله الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (3: 199- 200) ، والسيوطي في الخصائص الكبرى (1: 190) .

(2/508)


أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ عَمْرٍو الْعُكْبَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عطاف ابن خَالِدٍ حَدَّثَنَا صِدِّيقُ بْنُ مُوسَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَاسْتَنَاخَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ بَيْنَ دَارِ جعفر بن محمد بن عَلِيٍّ وَدَارِ الْحَسَنِ بْنِ زَيْدٍ، فَأَتَاهُ النَّاسُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ الْمَنْزِلَ، فَانْبَعَثَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ فَقَالَ:
دَعُوهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، ثُمَّ خَرَجَتْ بِهِ حَتَّى جَاءَتْ بِهِ مَوْضِعَ الْمِنْبَرِ فَاسْتَنَاخَتْ ثُمَّ تَخَلَّلَتِ النَّاسُ، وَثَمَّ عَرِيشٌ كَانُوا يَرُشُّونَهُ وَيُعَمِّرُونَهُ وَيَتَبَرَّدُونَ فِيهِ، حَتَّى نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَآوَى إِلَى الظِّلِّ، فَنَزَلَ فِيهِ فَأَتَاهُ أَبُو أَيُّوبَ، فَقَالَ: يَا رَسُولُ اللهِ إِنَّ مَنْزِلِي أَقْرَبُ الْمَنَازِلِ إِلَيْكَ، فَانْقُلْ رَحَالَكَ إِلَيَّ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَذَهَبَ بِرَحْلِهِ إِلَى الْمَنْزِلِ، ثُمَّ أَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيْنَ تَحُلُّ، قَالَ:
إِنَّ الرَّجُلَ مَعَ رَحْلِهِ حَيْثُ كَانَ، وَثَبَتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِي الْعَرْشِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً حَتَّى بُنِيَ الْمَسْجِدُ» [ (39) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرِو الْحِيرِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَفْلَحٍ مَوْلَى أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ نَزَلَ عَلَيْهِ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي السُّفْلِ، وَأَبُو أَيُّوبَ فِي الْعُلْوِ فَانْتَبَهَ أَبُو أَيُّوبَ لَيْلَتَهُ [ (40) ] فَقَالَ نَمْشِي فَوْقَ رَأْسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَتَنَحَّوْا فَبَاتُوا فِي جَانِبٍ، ثُمَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: السُّفْلُ أَرْفَقُ، فَقَالَ لَا أَعْلُو سَقِيفَةً أَنْتَ تَحْتَهَا، فَتَحَوَّلَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِي الْعُلُوِّ، وَأَبُو أَيُّوبَ فِي السُّفْلِ، فَكَانَ يَصْنَعُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ طَعَامًا فَإِذَا جِيءَ بِهِ سَأَلَ عَنْ مَوْضِعِ أَصَابِعِهِ فَيَتَتَبَّعُ مَوْضِعَ أَصَابِعِهِ، فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فِيهِ
__________
[ (39) ] البداية والنهاية (3: 202) .
[ (40) ] في (ص) و (هـ) : «ليلة» .

(2/509)


ثُومٌ فَلَمَّا رُدَّ إِلَيْهِ سَأَلَ عَنْ مَوْضِعِ أَصَابِعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَمْ يَأْكُلْ، فَفَزِعَ وَصَعِدَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَحَرَامٌ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ لَا، وَلَكِنِّي أَكْرَهُهُ، قَالَ: فَإِنِّي أَكْرَهُ مَا تَكْرَهُ، أَوْ مَا كَرِهْتَ. قَالَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ يُؤْتَى يَعْنِي يَأْتِيهِ الْمَلَكُ» .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ [ (41) ] وَغَيْرِهِ.
وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ مِلْحَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ، أَوْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ أَبِي السَّمَاعِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، حَدَّثَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ نَزَلَ فِي بَيْتِ الْأَسْفَلِ، وَكُنْتُ فِي الْغُرْفَةِ، فَأُهرِقَ، مَاءٌ فِي الْغُرْفَةِ، فَقُمْتُ أَنَا وَأُمُّ أَيُّوبَ نَتْبَعُ الْمَاءَ بِقَطِيفَةٍ لَنَا شَفَقًا أَنْ يَصِلَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَنَزَلْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَأَنَا مُشْفِقٌ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ لَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ أَكُونَ فَوْقَكَ انْتَقِلْ إِلَى الْغُرْفَةِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَنُقِلَ مَتَاعُهُ أَظُنُّهُ بِلَيْلٍ قَلِيلٍ [ (42) ] فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ كُنْتَ تُرْسِلُ إِلَيْنَا بِالطَّعَامِ فَأَنْظُرُ فَإِذَا رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِكَ وَضَعْتُ يَدِي فِيهِ حَتَّى إِذَا كَانَ هَذَا الطَّعَامُ الَّذِي أَرْسَلْتَ بِهِ إِلَيَّ نَظَرْتُ إِلَيْهِ فَلَمْ أَرَ أَثَرَ أَصَابِعِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَجَلْ إِنَّ فِيهِ بَصَلًا فَكَرِهْتُ أَنْ آكُلَهُ مِنْ أَجْلِ الْمَلَكِ الَّذِي يَأْتِينِي فَأَمَّا أَنْتُمْ فَكُلُوهُ» .
رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ [ (43) ] ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مَرْثَدِ ابن عَبْدِ اللهِ الْيَزَنِيِّ وَهُوَ أَبُو الْخَيْرِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ.
__________
[ (41) ] رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ، وحجاج بن الشاعر في: 36- كتاب الأشربة، (31) باب إباحة أكل الثوم، الحديث (171) ، ص (1623) .
وأخرجه الترمذي في كتاب الأطعمة، (13) بَابُ مَا جَاءَ فِي كراهية أكل الثوم والبصل، الحديث (1807) عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ، وقال: «حسن صحيح» . صفحة (4: 261) .
وأخرجه الإمام احمد في «مسنده» (4: 249، 252) ، و (5: 94، 96، 103، 106) .
[ (42) ] في (ص) : «قليل، أظنه بليل» .
[ (43) ] سيرة ابن هشام (2: 116) ، والبداية والنهاية (3: 201) .

(2/510)


بَابُ ذِكْرِ التَّارِيخِ لِمَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَكَمْ مَكَثَ بَعْدَ الْبَعْثِ بِمَكَّةَ
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ بِالرَّيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عابد الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ ابن عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ عَشَرَ سِنِينَ» [ (1) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: «كَانَ بَيْنَ لَيْلَةِ الْعَقَبَةِ وَبَيْنَ مُهَاجِرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهَا وَكَانَتْ بَيْعَةُ الْأَنْصَارِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ وَقَدِمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَتُوُفِّيَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ لِتَمَامِ مُهَاجَرِهِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ عشر سنين» .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قال:
__________
[ (1) ] انظر الحاشية (22) من الباب السابق.

(2/511)


«أَقَامَ رَسُولُ اللهِ بِمَكَّةَ بَعْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً ثُمَّ هَاجَرَ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ [الْأَوَّلِ] [ (2) ] لَيْلَةَ الْإِثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْهُ» .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُوَيْمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ قَوْمِي، قَالَ: «قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَذَلِكَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَأَقَامَ بِقُبَاءَ الْإِثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاءَ وَالْأَرْبِعَاءَ وَالْخَمِيسَ فَأَسَّسَ الْمَسْجِدَ وَصَلَّى فِيهِ تِلْكَ الْأَيَّامَ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ خَرَجَ عَلَى نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ [ (3) ] وَبَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَبِثَ فِيهِمْ ثَمَانَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ خَرَجَ وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ فَأَدْرَكْتُهُ الصَّلَاةُ فِي بَنِي سَالِمٍ، فَصَلَّاهَا بِمَنْ مَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي بِبَطْنِ الْوَادِي، فَكَانَتْ أَوَّلَ جُمُعَةٍ صَلَّاهَا بِالْمَدِينَةِ» [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الطَّابَرَانِيُّ بِهَا، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو ابن دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «مَكَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مَطَرِ بْنِ الْفَضْلِ [ (5) ] .
__________
[ (2) ] ليست في (هـ) .
[ (3) ] (ص) و (هـ) : «القصوى» .
[ (4) ] سيرة ابن هشام (2: 112) .
[ (5) ] أخرجه البخاري في الهجرة عَنْ مَطَرِ بْنِ الْفَضْلِ، في: 63- كتاب مناقب الأنصار، (45) باب هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم، وأصحابه إلى المدينة، الحديث (3902) ، فتح الباري (7: 227) .

(2/512)


وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ [ (6) ] وَغَيْرِهِ كُلُّهُمْ عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ.
وَالرِّوَايَةُ فِي مُدَّةِ مُقَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْبَعْثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مُخْتَلِفَةٌ وَسَيَرِدُ ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ فِيهَا إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا أَصَحُّهَا وَاللهُ أَعْلَمُ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عمرو عثمان ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ السَّمَّاكِ قَالَ حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ عَنْ عَجُوزٍ لَهُمْ، قَالَتْ: رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَخْتَلِفُ إِلَى صِرْمَةَ بْنِ قَيْسٍ يَرْوِي هَذِهِ الأبيات:
ثَوَى [ (7) ] فِي قُرَيْشٍ بِضْعَ [ (8) ] عَشْرَةَ حِجَّةً [ (9) ] ... يُذَكِّرُ لَوْ أَلْفَى صَدِيقًا مُوَاتِيَا [ (10) ]
وَيعْرِضُ فِي أَهْلِ الْمَوَاسِمِ نَفْسَهُ ... فَلَمْ يَرَ مَنْ يُؤْوِي وَلَمْ يَرَ دَاعِيَا
فَلَمَّا أَتَانَا وَاطْمَأَنَّتْ بِهِ النَّوَى [ (11) ] ... وَأَصْبَحَ مَسْرُورًا بِطَيْبَةَ رَاضِيَا
__________
[ (6) ] فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ، (33) بَابُ كم أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم، بمكة والمدينة، الحديث (117) ، ص (1826) .
كما أخرجه الترمذي في المناقب عن أحمد بن منيع، عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، وقال: حسن غريب.
[ (7) ] ثوى أقام.
[ (8) ] البضع من الثلاث إلى التسع.
[ (9) ] الحجة هنا السنة.
[ (10) ] مواتيا موافقا.
[ (11) ] في سيرة ابن هشام: «فلما أتانا أظهر الله دينه» ، والنوى البعد.

(2/513)


وَأَصْبَحَ مَا يَخْشَى ظُلَامَةَ ظَالِمٍ ... بِعَبْدٍ وَلَا يَخْشَى مِنَ النَّاسِ بَاغِيَا [ (12) ]
وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الصَّقْرِ أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الْكَاتِبُ بِهَمْدَانَ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دِيزِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: كَمْ لَبِثَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ قَالَ عَشْرُ سِنِينَ قُلْتُ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ لَبِثَ بِضْعَ عَشْرَةَ حِجَّةً. قَالَ إِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ.
قَالَ سُفْيَانُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ عَجُوزًا مِنَ الْأَنْصَارِ تَقُولُ رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَخْتَلِفُ إِلَى صِرْمَةَ بْنِ قَيْسٍ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ: - ثَوَى فِي قُرَيْشٍ بِضْعَ عَشْرَةَ حِجَّةً فَذَكَرَ الْأَبْيَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا إِلَّا أَنَّهُ قَالَ:
وَاسْتَقَرَّتْ بِهِ النَّوَى وَقَالَ وَمَا يَخْشَى مِنَ النَّاسِ بَاغِيَا وَزَادَ: -
بَذَلْنَا لَهُ الْأَمْوَالَ مِنْ جُلِّ [ (13) ] مَالِنَا ... وَأَنْفُسَنَا عِنْدَ الْوَغَى وَالْتَآسِيَا [ (14) ]
نُعَادِي الَّذِي عَادَى مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ ... جَمِيعًا وَإِنْ كَانَ الْحَبِيبُ الْمُوَاتِيَا [ (15) ]
وَنَعْلَمُ أَنَّ اللهَ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ ... وَأَنَّ كِتَابَ الله أصبح هاديا
__________
[ (12) ] في (ح) : «راعيا» .
[ (13) ] في رواية: «من حل» بالحاء.
[ (14) ] الوغى الحرب، التأسّي التعاون.
[ (15) ] كذا في (ح) ، وفي (ص) و (هـ) : «المواسيا» ، وفي رواية أخرى: «المصافيا» .

(2/514)


وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بكير، عن ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: وَقَالَ صِرْمَةُ بْنُ قَيْسٍ حِينَ قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَأَمِنَ بِهَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَذَكَرَ الْأَبْيَاتِ الْخَمْسَةَ مِنْ أَوَّلِهِنَّ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَيْتِ الرابع:
وَأَصْبَحَ لَا يَخْشَى مِنَ النَّاسِ وَاحِدًا [ (16) ] ... قَرِيبًا وَلَا يَخْشَى مِنَ النَّاسِ بَاغِيَا [ (17) ]
ثُمَّ ذَكَرَ الْبَيْتَ الْخَامِسَ، ثُمَّ قَالَ:
أَقُولُ إِذَا صَلَّيْتُ فِي كُلِّ بَيْعَةٍ: ... حَنَانَيْكَ [ (18) ] لَا تُظْهِرْ عَلَيْنَا الْأَعَادِيَا
أَقُولُ إِذَا جَاوَزْتُ أرضا مخوفة ... تباركت اسْمُ اللهِ أَنْتَ الْمُوَالِيَا
فَطَأْ مُعْرِضًا إِنَّ الْحُتُوفَ كَثِيرَةٌ ... وَإِنَّكَ لَا تُبْقِي لنفسك باقيا
__________
[ (16) ] في الأصول الثلاثة: «وأصبح لا يخشى عداوة واحد، وأثبتنا ما في سيرة ابن هشام، وما نقله ابن كثير، والصالحي عنه.
[ (17) ] كذا بالأصول، وفي السيرة: «نائيا» .
[ (18) ] (حنانيك) : أي تحننا بعد تحنن، والتحنن الرأفة، والشفقة، والرحمة.

(2/515)


بَابُ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً [ (1) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ إِمْلَاءً، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ فَأَمَرَ بِالْهِجْرَةِ وَأُنْزِلَ عَلَيْهِ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً [ (2) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ قَالَ أخبرنا علي بن جمشاد الْعَدْلُ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ الْهَيْثَمِ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي اللَّيْثِ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَشْجَعِيُّ.
(ح) ، وأَخْبَرَنَا: أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الله ابن جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عيسى بن محمد،
__________
[ (1) ] الآية الكريمة (80) من سورة الإسراء.
[ (2) ] أخرجه الترمذي في: 48- كتاب تفسير القرآن، باب تفسير سورة الإسراء، الحديث (3139) ، صفحة (5: 304) عن أحمد بن منيع، وقال: «هذا حديث حسن صحيح» .

(2/516)


قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ قَابُوسَ بْنِ [ (3) ] أَبِي ظَبْيَانَ [ (4) ] ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «مَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ بِمَكَّةَ نَبِيًّا» . وَفِي حَدِيثِ الْعَلَوِيِّ يُنَبَّأُ، فَنَزَلَتْ «وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مخرج صدق» [ (5) ] .
قَالَ: فَهَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ.
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ المروزي [ (6) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ فَأَخْرَجَهُ اللهُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْهِجْرَةِ بِالْمَدِينَةِ مَخْرَجَ صِدْقٍ، وَأَدْخَلَهُ الْمَدِينَةَ مُدْخَلَ صِدْقٍ، قَالَ: وَنَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّهُ لَا طَاقَةَ لَهُ بِهَذَا الْأَمْرِ إِلَّا بِسُلْطَانٍ، فَسَأَلَ سُلْطَانًا نَصِيرًا لِكِتَابِ اللهِ وَحُدُودِهِ وَفَرَائِضِهِ وَلِإِقَامَةِ كِتَابِ اللهِ، فَإِنَّ السُّلْطَانَ عِزَّةٌ مِنَ اللهِ جَعَلَهَا بَيْنَ أَظْهُرِ عِبَادِهِ، لَوْلَا ذَلِكَ لَأَغَارَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَأَكَلَ شَدِيدُهُمْ ضَعِيفَهُمْ» [ (7) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنِي شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عدي بن
__________
[ (3) ] في (ح) : [عن] ، وهو تحريف.
[ (4) ] يرويه هنا قابوس بن أبي طبيان عن ابن عباس مرسلا، وفي المجروحين لابن حبان (2: 216) : «كان رديء الحفظ، ينفرد عن أبيه بما لا أصل له، ربما رفع المراسيل، وأسند الوقوف» ، وذكره العقيلي في الضعفاء الكبير (3: 489) .
[ (5) ] الفقرة بين الحاصرتين ليست في (ح) ، وثابتة في (ص) و (هـ) .
[ (6) ] (ص) و (هـ) : المرووروزي.
[ (7) ] أضاف القرطبي (10: 313) : «قال الضحاك: هو خروجه من مكة، ودخوله مكة يوم الفتح» .

(2/517)


الْحَمْرَاءِ الزُّهْرِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْحَزْوَرَةِ فِي سُوقِ مَكَّةَ «إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِلَيَّ وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ» [ (8) ] . هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يُونُسُ [ (9) ] عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ.
وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ بِبَغْدَادَ فِي أَمَالِي عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ وَقَفَ عَلَى الْحَزْوَرَةِ فَقَالَ:
عَلِمْتُ أَنَّكِ خَيْرُ أَرْضِ اللهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ وَلَوْلَا أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا خَرَجْتُ» [ (10) ] .
وَهَذَا وَهْمٌ مِنْ مَعْمَرٍ [وَاللهُ أَعْلَمُ] [ (11) ] .
وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ أَيْضًا وَهْمٌ. وَالصَّحِيحُ رِوَايَةُ الجماعة [ (12) ] .
__________
[ (8) ] أخرجه الترمذي في المناقب (باب) في فضل مكة، الحديث رقم (3925) ، ص (722) ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ حَمْرَاءَ الزُّهْرِيَّ، وقال: «هذا حديث حسن غريب صحيح» .
وقد رواه يونس عن الزهري نحوه، ورواه مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلّم، وحديث الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عدي بن حمراء عندي أصح.
وأخرجه ابن ماجة في المناسك، عن عيسى بن حماد، عن الليث.
[ (9) ] في (ص) : «وعقيل» .
[ (10) ] هذه الرواية أخرجها النسائي من طريق معمر، في المناسك، في سننه الكبرى على ما ذكره المزي في تحفة الأشراف (5: 316) و (11: 54) .
[ (11) ] الزيادة من (ص) فقط.
[ (12) ] نقله الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (3: 205- 206) ، وأضاف: رواه احمد عن ابراهيم ابن خالد، عن رباح، عَنْ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ بعضهم.

(2/518)


حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْوَلِيدِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَ: اللهُمَّ إِنَّكَ أَخْرَجْتَنِي مِنْ أَحَبِّ الْبِلَادِ إِلَيَّ، فَأَسْكِنِّي أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيْكَ، فَأَسْكَنَهُ اللهُ الْمَدِينَةَ» [ (13) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الْحُبَابِ سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ [ (14) ] تَأْكُلُ الْقُرَى [ (15) ] ، يَقُولُونَ:
يَثْرِبَ، وَهِيَ الْمَدِينَةُ، تَنْفِي النَّاسَ [ (16) ] كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُوسُفَ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ [ (17) ] .
__________
[ () ] ورواه الطبراني عن أحمد بن خليد الحلبي، عن الحميدي، عن الدراوردي، عن ابن اخي الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ، عن مطعم، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عدي بن الحمراء.
فهذه طرق هذا الحديث، وأصحها ما تقدم، والله أعلم.
[ (13) ] نقله الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (3: 205) ، وقال: «هذا حديث غريب جدا، والمشهور ان مكة أفضل من المدينة إلا المكان الذي ضم جسد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، وقد استدل الجمهور على ذلك بأدلة يطول ذكرها، ومحلها في كتاب المناسك من الأحكام.
[ (14) ] (أمرت بقرية) اي امرني ربي، بالهجرة الى قرية.
[ (15) ] (تآكل القرى) اي: تغلبها وتظهر عليها.
[ (16) ] (تنفي الناس) : اي تنفي الخبيث الرديء منهم.
[ (17) ] الحديث في موطأ مالك، أخرجه في: 45- كتاب الجامع، (2) بَابُ مَا جَاءَ فِي سكنى المدينة والخروج منها الحديث (5) ، ص (2: 887) ، وأخرجه البخاري في: 29- كتاب فضائل المدينة، (2) باب فضل المدينة، وأنها تنفي الناس فتح الباري (4: 87) ، وأخرجه مسلم في: 15- كتاب

(2/519)


أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَأْرِزُ [ (18) ] إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا» .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (19) ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ.
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ [ (20) ] .
أَخْبَرَنَا أبو عبد اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَاصِمٌ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، يَأْرِزُ [بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ] [ (21) ] كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا» .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ رَافِعٍ [ (22) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْبِسْطَامِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا
__________
[ () ] الحج، (88) باب المدينة تنفي شرارها، الحديث رقم (488) ، وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (2: 237، 247، 384) .
[ (18) ] (يأرز) : ينضم، ويجتمع.
[ (19) ] في: 1- كتاب الإيمان (65) باب بيان إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا، وسيعود غريبا، وانه يأرز بين المسجدين، الحديث (233) ، ص (1: 131) .
[ (20) ] في: 29- كتاب فضائل المدينة (6) باب الايمان يأرز إلى المدينة، الحديث (1876) ، فتح الباري (4: 93) .
وأخرجه الترمذي في الايمان، وابن ماجة في المناسك، والإمام أحمد في «مسنده» (1:
184) .
[ (21) ] الزيادة من صحيح مسلم.
[ (22) ] صحيح مسلم، في: 1- كتاب الإيمان، الحديث (232) ، ص (1: 131) .

(2/520)


الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ حَدَّثَنَا يَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الْعُصْفُرِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ [ (23) ] قَالَ: إِلَى مَكَّةَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عُبَيْدٍ. [ (24) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ «لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قَالَ لَرَادُّكَ إِلَى مَوْلِدِكَ بمكة» [ (25) ] .
__________
[ (23) ] الآية الكريمة (85) من سورة القصص.
[ (24) ] فتح الباري، في تفسير سورة القصص (8: 509- 510) .
[ (25) ] «الجامع لأحكام القرآن» (13: 321) .

(2/521)