دلائل النبوة للبيهقي محققا

بَابُ مَا جَاءَ فِي دُخُولِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَوُجُودِهِ إِيَّاهُ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَاعْتِرَافِهِ بِذَلِكَ وَإِسْلَامِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ أَنْصَفَهُ مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ دَخَلُوا عَلَيْهِ وَوَقَفُوا عَلَى صِفَتِهِ دُونَ مَنْ حُرِمَ التَّوْفِيقَ مِنْهُمْ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ ابن مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ الْمَكِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْحَجَّاجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «أَقْبَلَ نَبِيُّ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَهُوَ مُرْدِفٌ أَبَا بَكْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ شَيْخٌ يُعْرَفُ، وَرَسُولُ الله [ (1) ] صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ شَابٌّ لَا يُعْرَفُ- يُرِيدُ دُخُولَ الشَّيْبِ فِي لِحْيَتِهِ دُونَهُ لَا السِّنَّ- قَالَ أَنَسٌ: فَيَلْقَى الرَّجُلُ أَبَا بَكْرٍ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (2) ] فَيَقُولُ: يَا أَبَا بَكْرٍ! مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ؟
فَيَقُولُ: هَذَا الرَّجُلُ يَهْدِينِي السَّبِيلَ، فَيَحْسِبُ الْحَاسِبُ أَنَّهُ إِنَّمَا يَهْدِيهِ الطَّرِيقَ وَإِنَّمَا يَعْنِي سَبِيلَ الْخَيْرِ.
قَالَ: فَالْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ فَإِذَا هُوَ بِفَارِسٍ قَدْ لَحِقَهُمْ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ هَذَا فَارِسٌ قَدْ لَحِقَ بِنَا فَالْتَفَتَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: اللهُمَّ اصْرَعْهُ، فصرعه فرسه [ (3) ]
__________
[ (1) ] في صحيح البخاري: «ونبي الله» ، وكذا في (ص) و (هـ) .
[ (2) ] زيادة من (ص) و (هـ) .
[ (3) ] في الصحيح: «فصرعه الفرس» .

(2/526)


ثُمَّ قَامَتْ تُحَمْحِمُ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، امرني بِمَا شِئْتَ، قَالَ: فَقِفْ مَكَانَكَ لَا تَتْرُكَنَّ أَحَدًا يَلْحَقُ بِنَا، قَالَ: فَكَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ جَاهِدًا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَآخِرَ النَّهَارِ مَسْلَحَةً [ (4) ] لَهُ.
قَالَ: فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ جَانِبَ الْحَرَّةِ، وَأَرْسَلَ إِلَى الْأَنْصَارِ فَجَاءُوا [رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ] [ (5) ] فَسَلَّمُوا عَلَيْهِمَا، فَقَالُوا: ارْكَبَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ، قَالَ:
فَرَكِبَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَحَفُّوا حَوْلَهُمَا بِالسِّلَاحِ، قَالَ: فَقِيلَ فِي الْمَدِينَةِ جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ جَاءَ رَسُولُ اللهِ، فَاسْتَشْرَفُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ يَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: جَاءَ نَبِيُّ اللهِ جَاءَ نَبِيُّ اللهِ، وَأَقْبَلَ يَسِيرُ حَتَّى نَزَلَ إِلَى جَانِبِ [دَارِ] [ (6) ] أَبِي أَيُّوبَ.
قَالَ: فَإِنَّهُ لَيُحَدِّثُ أَهْلَهُ إِذْ سَمِعَ بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ وَهُوَ فِي نَخْلٍ لِأَهْلِهِ يَخْتَرِفُ لَهُمْ مِنْهُ فَعَجِلَ أَنْ يَضَعَ الَّتِي يَخْتَرِفُ [ (7) ] فِيهَا فَجَاءَ وَهِيَ مَعَهُ، فَسَمِعَ مِنْ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: أَيُّ بُيُوتِ. أَهْلِنَا أَقْرَبُ؟
قَالَ: فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: أَنَا يَا نَبِيَّ اللهِ: هَذِهِ دَارِي، وَهَذَا بابي، فقال: اذهب فهيء لَنَا مَقِيلًا، فَذَهَبَ فَهَيَّأَ لَهُمَا مَقِيلًا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ! قَدْ هَيَّأْتُ لَكُمَا مَقِيلًا، قُومَا عَلَى بَرَكَةِ اللهِ فَقِيلَا.
قَالَ: فَلَمَّا جَاءَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ جَاءَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ حَقًّا، وَأَنَّكَ جِئْتَ بِحَقٍّ، وَلَقَدْ عَلِمَتْ يَهُودُ أَنِّي سَيِّدُهُمْ وَابْنُ سَيِّدِهِمْ وَأَعْلَمُهُمْ وَابْنُ أَعْلَمِهِمْ، فَادْعُهُمْ فَسَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، فَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ قَالُوا فِيَّ مَا لَيْسَ فِيَّ، فأرسل
__________
[ (4) ] هي قصة سراقة، وقد تقدمت.
[ (5) ] ليست في (ح) .
[ (6) ] الزيادة في صحيح البخاري، ومن (ص) .
[ (7) ] (يخترف) اي: يجني من الثمار.

(2/527)


نَبِيُّ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ ويلكم اتقوا الله، فو اللهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ حَقًّا، وَأَنِّي جِئْتُكُمْ بِحَقٍّ، أَسْلِمُوا. قَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ، فَأَعَادَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ:
فَأَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ، قَالُوا: ذَاكَ سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا وَأَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا، قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟ قَالُوا: حَاشَا لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ [ (8) ] ، قَالَ: يَا ابْنَ سَلَامٍ اخْرُجْ عَلَيْهِمْ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، [وَيْلَكُمُ] [ (9) ] اتَّقُوا الله فو اللهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ حَقًّا، وَأَنَّهُ جَاءَ بِحَقٍّ، فَقَالُوا: كَذَبْتَ، فَأَخْرَجَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ [ (10) ] .
قُلْتُ: وَرَوَاهُ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ أَبِيهِ وَمِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَخْتَوَيْهِ بْنِ إِدْرِيسَ الْجُرْجَانِيُّ، وَكَانَ صَدُوقًا أَمِينًا، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، فَذَكَرَهُ بِطُولِهِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «سَمِعَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ بِقُدُومِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي أَرْضٍ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ: مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ طعام [يأكله] [ (11) ] أهل
__________
[ (8) ] في الصحيح العبارة مكررة ثلاث مرات مؤكدا عليهم.
[ (9) ] ليست في الصحيح.
[ (10) ] أخرجه البخاري في: 63- كتاب مناقب الأنصار، (45) باب هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم وأصحابه إلى المدينة، الحديث (3911) ، فتح الباري (7: 249- 250) .
[ (11) ] الزيادة من الصحيح.

(2/528)


الْجَنَّةِ؟ وَمَا يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ وَإِلَى أُمِّهِ [ (12) ] ؟
قَالَ: أَخْبَرَنِي بِهِنَّ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ آنِفًا، قَالَ: جِبْرِيلُ! قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ [ (13) ] ، أَمَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: فَنَارٌ تَخْرُجُ عَلَى النَّاسِ [ (14) ] مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ، وَإِذَا [ (15) ] سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدُ [إِلَى أَبِيهِ] [ (16) ] وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ نَزَعَتِ [الْوَلَدَ] [ (17) ] .
قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمُ بُهْتٍ [ (18) ] ، وَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي قَبْلَ أَنْ تَسَلْهُمْ عَنِّي بَهَتُونِي، فَجَاءَتِ الْيَهُودُ إِلَيْهِ، قَالَ: أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللهِ [بْنُ سَلَامٍ] [ (19) ] فِيكُمْ قَالُوا: خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا وَسَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، قَالَ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ؟
قَالُوا: أَعَاذَهُ اللهُ مِنْ ذَلِكَ، فَخَرَجَ عَبْدُ اللهِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، قَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا وَتَنَقَّصُوهُ، قَالَ: هَذَا الَّذِي كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللهِ» .
__________
[ (12) ] فِي الصحيح: «وما بال الولد ينزع الى أبيه، او الى امه» .
[ (13) ] الآية الكريمة (97) من سورة البقرة.
[ (14) ] في الصحيح: «تحشرهم» .
[ (15) ] في الصحيح: «وأما الولد» .
[ (16) ] ليست في (ص) ، ولا في (هـ) .
[ (17) ] العبارة في الصحيح: «وَأَمَّا الْوَلَدُ فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدُ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ ماء الرجل نزعت الولد» .
[ (18) ] (قوم بهت) : يبهتون السامع بما يفترون من الكذب.
[ (19) ] زيادة من الصحيح.

(2/529)


رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (20) ] عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُنِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بَكْرٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ الْأَهْوَازِيُّ، قَالَ: أخبرنا أحمد ابن عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ الْكُوفِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْأَجْلَحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ، قَالَ: «كَانَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ حِينَ أَسْلَمَ وَكَانَ حَبْرًا عَالِمًا، قَالَ: [لَمَّا] [ (21) ] سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ وَعَرَفْتُ صِفَتَهُ وَاسْمَهُ وَهَيْئَتَهُ وَالَّذِي كُنَّا نَتَوَكَّفُ [ (22) ] لَهُ، فَكُنْتُ مُسِرًّا لِذَلِكَ صَامِتًا عَلَيْهِ، حَتَّى قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَلَمَّا نَزَلَ بِقُبَاءٍ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ حَتَّى أَخْبَرَ بِقُدُومِهِ وَأَنَا فِي رَأْسِ نَخْلَةٍ لِي، أَعْمَلُ فِيهَا وَعَمَّتِي خَالِدَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ تَحْتِي جَالِسَةً، فَلَمَّا سَمِعَتُ الْخَبَرَ بِقُدُومِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كَبَّرْتُ، فَقَالَتْ لِي عَمَّتِي حِينَ سَمِعَتْ تَكْبِيرِيَ: لَوْ كُنْتَ سَمِعْتَ بِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ مَا زِدْتَ! قَالَ: قُلْتُ لَهَا: أَيْ عَمَّةُ! هُوَ وَاللهِ أَخُو مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ وَعَلَى دِينِهِ بُعِثَ بِمَا بُعِثَ بِهِ، قَالَ: فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أَخِي! أَهُوَ النَّبِيُّ الَّذِي كُنَّا نُخْبَرُ بِهِ: أَنَّهُ يُبْعَثُ مَعَ بَعْثِ السَّاعَةِ؟ قَالَ: قُلْتُ لَهَا: نَعَمْ. قَالَتْ فَذَاكَ إِذًا.
قَالَ ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ إلى أهل بيتي
__________
[ (20) ] أخرجه البخاري في كتاب التفسير، تفسير سورة البقرة، (6) باب قوله: «مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ» ، فتح الباري (8: 165) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ منير.
كما أخرجه البخاري، في: 63- كتاب مناقب الأنصار، (51) باب حدثني حامد بن عمر، فتح الباري (7: 272) .
[ (21) ] ساقطة من (ص) و (هـ) .
[ (22) ] (نتوكف) : نترقب، ونتوقع.

(2/530)


فَأَمَرْتُهُمْ فَأَسْلَمُوا وَكَتَمْتُ إِسْلَامِي مِنَ الْيَهُودِ، ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ:
إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهْتٌ، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تُدْخِلَنِي فِي بَعْضِ بُيُوتِكَ تُغَيِّبُنِي عَنْهُمْ، ثُمَّ تَسَلْهُمْ عَنِّي فَيُخْبِرُوكَ [ (23) ] كَيْفَ أَنَا فِيهِمْ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي. فَإِنَّهُمْ إِنْ عَلِمُوا بِذَلِكَ بَهَتُونِي وَعَابُونِي
قَالَ: فَأَدْخَلَنِي بَعْضَ بُيُوتِهِ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَكَلَّمُوهُ وَسَاءَلُوهُ قَالَ لَهُمْ: أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ فِيكُمْ، قَالُوا: سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا وَخَيْرُنَا وَعَالِمُنَا،
قَالَ: فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ قَوْلِهِمْ خَرَجْتُ عَلَيْهِمْ، فَقُلْتُ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ! اتَّقُوا اللهَ وَاقْبَلُوا مَا جَاءَكُمْ به، فو الله إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التَّوْرَاةِ بِاسْمِهِ وَصِفَتِهِ، فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ، وَأُومِنُ بِهِ، وَأُصَدِّقُهُ، وَأَعْرِفُهُ، قَالُوا: كَذَبْتَ، ثُمَّ وَقَعُوا فِيَّ قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلَمْ أُخْبِرْكَ أَنَّهُمْ قَوْمٌ بُهْتٌ، أَهْلُ غَدْرٍ وَكَذِبٍ وَفُجُورٍ، قَالَ:
فَأَظْهَرْتُ إِسْلَامِي، وَإِسْلَامَ أَهْلَ بَيْتِي، وَأَسْلَمَتْ عَمَّتِي ابْنَةُ الْحَارِثِ [ (24) ] فَحَسُنَ إِسْلَامُهَا» [ (25) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ عوذ اللهِ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ الْأَعْرَابِيُّ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ عَبْدِ الله ابن سَلَامٍ، قَالَ: «لَمَّا أَنْ [ (26) ] قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَانْجَفَلَ النَّاسُ قَبْلَهُ، فَقَالُوا: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَ: فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَى وَجْهِهِ فَلَمَّا رَأَيْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّهُ وَجْهُهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ أَنْ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَأَفْشُوا السَّلَامَ، وَصِلُوا الأرحام، وصلّوا والناس
__________
[ (23) ] في سيرة ابن هشام: «حتى يخبروك» .
[ (24) ] في السيرة: «خالدة بنت الحارث» .
[ (25) ] الخبر في سيرة ابن هشام (2: 138- 139) ، وشرحه الروض الأنف (2: 25- 26) .
[ (26) ] في (ص) : «عند ما» .

(2/531)


نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ» [ (27) ] . وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «وَكُنْتُ فِيمَنْ أَتَاهُ فَجِئْتُ أَسْتَثْبِتُ وَجْهَهُ. ثُمَّ ذَكَرَهُ وَقَالَ: وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ» .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ.
(ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: وَبِالْمَدِينَةِ مَقْدِمَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَوْثَانٌ يَعْبُدُهَا رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَمْ يَتْرُكُوهَا فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ قَوْمُهُمْ، وَعَلَى تِلْكَ الْأَوْثَانِ، فَهَدَمُوهَا، وَعَمَدَ أَبُو يَاسِرِ بْنُ أَخْطَبَ أَخُو حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَهُوَ أَبُو صَفِيَّةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَجَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فَسَمِعَ مِنْهُ وَحَادَثَهُ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُصْرَفَ الْقِبْلَةُ نَحْوَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَقَالَ أَبُو يَاسِرٍ: يَا قَوْمِ أَطِيعُونِي، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ جَاءَكُمْ بالذي كنتم تنتظرون،
__________
[ (27) ] أخرجه الترمذي في الزهد (باب) حديث أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ، الثَّقَفِيِّ، وغندر، وابن أبي عدي، ويحيى بن سعيد، أربعتهم عن عَوْفُ بْنُ أَبِي جَمِيلَةَ، وقال: «صحيح» ، وأخرجه ابن ماجة في كتاب الصلاة، بَابُ مَا جَاءَ فِي قيام الليل عن بندار، وفي أول كتاب الأطعمة عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أبي شيبة.
ونقله الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (3: 210) ، وعقب عليه بقوله: «مقتضى هذا السياق أنه سمع بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلّم ورآه أول قدومه حين أناخ بِقُبَاءٍ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وتقدم في رواية عبد العزيز ابن صهيب عن أنس، انه أجتمع به حين أناخ عند دار أبي أيوب عند ارتحاله من قباء إلى دار بني النجار كما تقدم، فلعله رآه أول ما رآه بقباء، واجتمع به بعد ما صار إلى دار بني النجار، والله اعلم.

(2/532)


فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تُخَالِفُوهُ، فَانْطَلَقَ أَخُوهُ حُيَيٌّ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ وَهُوَ سَيِّدُ الْيَهُودَ يَوْمَئِذٍ وَهُمَا مِنْ بَنِي النَّضِيرِ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فَجَلَسَ إِلَيْهِ، وَسَمِعَ مِنْهُ فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ وَكَانَ فِيهِمْ مُطَاعًا، فَقَالَ: أَتَيْتُ مِنْ عِنْدِ رَجُلٍ وَاللهِ لَا أَزَالُ لَهُ عَدُوًّا أَبَدًا. فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ أَبُو يَاسِرٍ يَا ابْنَ أُمِّ أَطِعْنِي فِي هَذَا الْأَمْرِ ثُمَّ اعْصِنِي فِيمَا شِئْتَ بَعْدَهُ لَا تَهْلِكْ قَالَ لَا وَاللهِ لَا أُطِيعُكَ، وَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ فَاتَّبَعَهُ قَوْمُهُ عَلَى رَأْيِهِ» [ (28) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَدِّثٌ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ أَنَّهَا قَالَتْ: «لَمْ يَكُنْ مِنْ وَلَدِ أَبِي وَعَمِّي أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيْهِمَا مِنِّي، لَمْ أَلْقَهُمَا قَطُّ مَعَ وَلَدٍ لَهُمَا أَهَشُّ إِلَيْهِمَا إِلَّا أَخَذَانِي دُونَهُ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قُبَاءَ نَزَلَ قَرْيَةَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، غَدَا إِلَيْهِ أَبِي وَعَمِّي أَبُو يَاسِرِ بْنُ أَخْطَبَ، مغلّسين، فو الله مَا جَاءَانَا إِلَّا مَعَ مَغِيبِ الشَّمْسِ، فَجَاءَانَا فَاتِرَيْنِ كَسْلَانَيْنِ سَاقِطَيْنِ يَمْشِيَانِ الْهُوَيْنَى [ (29) ] فَهَشَشْتُ إِلَيْهِمَا كَمَا كُنْتُ أصنع، فو الله مَا نَظَرَ إِلَيَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَسَمِعْتُ عَمِّيَ أَبَا يَاسِرٍ، يَقُولُ لِأَبِي: أَهُوَ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَاللهِ. قَالَ:
تَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ وَصِفَتِهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَاللهِ، قَالَ: فَمَاذَا فِي نَفْسِكَ مِنْهُ، قَالَ:
عَدَاوَتُهُ وَاللهِ مَا بقيت» [ (30) ] .
خبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ مولى زيد
__________
[ (28) ] البداية والنهاية (3: 212) .
[ (29) ] ضرب من المشيء فيه فتور وضعف.
[ (30) ] سيرة ابن هشام (2: 140- 141) .

(2/533)


ابن ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا أَسْلَمَ عَبْدُ اللهِ بْنِ سَلَامٍ وَثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْيَةَ وَأُسَيْدُ بْنُ سَعْيَةَ وَأَسَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُودَ مَعَهُمْ، فَآمَنُوا وَصَدَّقُوا وَرَغِبُوا فِي الْإِسْلَامِ، وَنَتَجُوا فِيهِ، قَالَتْ أَحْبَارُ يَهُودَ، أَهْلُ الْكُفْرِ مِنْهُمْ: مَا آمَنَ بِمُحَمَّدٍ وَلَا اتَّبَعَهُ إلا أشرارنا، وَلَوْ كَانُوا مِنْ أَخْيَارِنَا مَا تَرَكُوا دِينَ آبَائِهِمْ، وَذَهَبُوا إِلَى غَيْرِهِ. فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ:
لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ- إِلَى قَوْلِهِ- وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ [ (31) ] .
وَكَانَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ التَّابُوتِ مِنْ عُظَمَاءِ يَهُودَ إِذَا كَلَّمَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ لَوَى لِسَانَهُ، وَقَالَ: أَرْعِنَا سَمْعَكَ يَا مُحَمَّدُ، حَتَّى نَفْهَمَكَ، ثُمَّ طَعَنَ فِي الْإِسْلَامِ وَعَابَهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فيه أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ- إِلَى قَوْلِهِ- فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا [ (32) ] .
وَكَلَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ رُؤَسَاءَ مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ، مِنْهُمْ: عَبْدُ اللهِ بْنُ صَوْرَى الْأَعْوَرَ، وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ فَقَالَ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ اتَّقُوا الله وأسلموا فو الله إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِيَ جِئْتُكُمْ بِهِ الْحَقَّ» قَالُوا: مَا نَعْرِفُ ذَلِكَ يَا مُحَمَّدُ، وَجَحَدُوا مَا عَرَفُوا، وَأَصَرُّوا عَلَى الْكُفْرِ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها [ (33) ] . الآية [ (34) ] .
__________
[ (31) ] الآيتان الكريمتان (113- 114) من سورة آل عمران، والخبر في سيرة ابن هشام (2: 185) .
[ (32) ] الآية الكريمة (44) من سورة النساء، والخبر في سيرة ابن هشام (2: 190) .
[ (33) ] أصل ص 320.
[ (34) ] في (ص) و (هـ) : «إِلَى آخِرِ الْآيَةِ» .

(2/534)


قَالَ سُكَيْنٌ وَعَدِيُّ بْنُ يَزِيدَ: يَا مُحَمَّدُ مَا نَعْلَمُ اللهَ أَنْزَلَ عَلَى بِشْرٍ مِنْ شَيْءٍ مِنْ بَعْدِ مُوسَى فَأَنْزَلَ اللهُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ [ (35) ] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ.
ودَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ: أَمَا وَاللهِ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ [ (36) ] . قَالُوا: مَا نَعْلَمُ ذَلِكَ [ (37) ] فَأَنْزَلَ اللهُ لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ، أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ [ (38) ] .
وَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ نُعْمَانُ بْنُ أَضَا، وَبَحَرِيُّ بْنُ عَمْرٍو، وَشَأْسُ بْنُ عَدِيٍّ فَكَلَّمُوهُ وَكَلَّمَهُمْ، وَدَعَاهُمْ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَحَذَّرَهُمْ نِقْمَتَهُ قَالُوا مَا تُخَوِّفُنَا يَا مُحَمَّدُ نَحْنُ وَاللهِ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، كَقَوْلِ النَّصَارَى، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [ (39) ] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَقَالَ لَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَعُقْبَةُ بْنُ وَهْبٍ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ اتَّقُوا اللَّه فو اللَّه إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّه وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَهُ لَنَا قَبْلَ مَبْعَثِهِ وَتَصِفُونَهُ لَنَا بِصِفَتِهِ، فَقَالَ رَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ، وَوَهْبُ بْنُ يهودا: مَا قُلْنَا هَذَا لَكُمْ وَلَا أَنْزَلَ اللَّه مِنْ كِتَابٍ بَعْدَ مُوسَى، وَلَا أَرْسَلَ بَشِيرًا وَلَا نَذِيرًا مِنْ بَعْدِهِ فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي قَوْلِهِمَا يَا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ- إِلَى قَوْلِهِ- وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ (40) ] .
ثُمَّ قَصَّ عَلَيْهِمْ مِنْ خَبَرِ مُوسَى وَمَا لَقِيَ مِنْهُمْ وَانْتِقَاضِهِمْ عَلَيْهِ مِنْ أمر اللَّه
__________
[ (35) ] الآية الكريمة (163) من سورة النساء، والخبر في سيرة ابن هشام (2: 191) .
[ (36) ] في السيرة: «أَمَا واللَّه إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ اني رسول إليكم من اللَّه» .
[ (37) ] في السيرة: «وما نشهد عليه» .
[ (38) ] الآية الكريمة (166) من سورة النساء، والخبر في سيرة ابن هشام (2: 192) .
[ (39) ] الآية الكريمة (18) من سورة المائدة، والخبر في سيرة ابن هشام (2: 192) .
[ (40) ] الآية الكريمة (19) من سورة المائدة، والخبر عند ابن هشام (2: 192- 193) .

(2/535)


حتى تيّهوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً عُقُوبَةً.
وَقَالَ كَعْبُ بْنُ أُسَيْدٍ، وَابْنُ صَلُوبَا، وَعَبْدُ اللَّه بْنُ صَوْرَى [ (41) ] وَشَأْسُ بْنُ قَيْسٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى مُحَمَّدٍ لَعَلَّنَا نَفْتِنُهُ عَنْ دِينِهِ فَإِنَّمَا هُوَ بَشَرٌ، فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّا أَحْبَارُ يَهُودَ وَأَشْرَافُهُمْ وَسَادَتُهُمْ وَإِنَّا إِنِ اتَّبَعْنَاكَ اتَّبَعَكَ يَهُودُ وَلَمْ يُخَالِفَونَا، وَإِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بَعْضِ قَوْمِنَا خُصُومَةً فَنُحَاكِمُهُمْ إِلَيْكَ فَتَقْضِي لَنَا عَلَيْهِمْ وَنُؤْمِنُ بِكَ وَنُصَدِّقُكَ، فَأَبَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ إلى قوله- يُوقِنُونَ [ (42) ] .
أخبرنا أبو عبد اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الصَّفَّارُ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ اللَّبَّادُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ وَقَالَ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ [تَعَالَى] [ (43) ] وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ [ (44) ] قَالَ: كَانَتِ الْعَرَبُ تَمُرُّ بِالْيَهُودِ فَيُؤْذُونَهُمْ وَكَانُوا يَجِدُونَ مُحَمَّدًا [صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ] [ (45) ] فِي التَّوْرَاةِ فَيَسْأَلُونَ اللَّه [تَعَالَى] [ (46) ] أَنْ يَبْعَثَهُ نَبِيًّا فَيُقَاتِلُونَ مَعَهُ الْعَرَبَ فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُحَمَّدٌ كَفَرُوا بِهِ حِينَ لَمْ يَكُنْ مِنْ بَنِي إسرائيل» .
__________
[ (41) ] كذا في سيرة ابن هشام، وفي (ص) و (هـ) : «صورياء» .
[ (42) ] (المائدة- 49- 50) ، والخبر أخرجه ابن هشام في السيرة (2: 196- 297) .
[ (43) ] الزيادة من (ص) فقط.
[ (44) ] الآية الكريمة (89) من سورة البقرة.
[ (45) ] الزيادة من (ص) .
[ (46) ] الزيادة من (هـ) .

(2/536)


أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْكُوفِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ عَنِ الْحَكَمِ قَالَ فَحَدَّثَنِي السُّدِّيُّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «وَصَفَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ فِي كُتُبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ حَسَدَهُ أَحْبَارُ الْيَهُودِ فَغَيَّرُوا صِفَتَهُ فِي كِتَابِهِمْ وَقَالُوا: لَا نَجِدُ نَعْتَهُ عِنْدَنَا، وَقَالُوا لِلسِّفْلَةِ: لَيْسَ هَذَا نَعْتَ النَّبِيِّ، الَّذِي يَخْرُجُ كَذَا وَكَذَا، كَمَا كَتَبُوهُ وَغَيَّرُوا، وَنَعْتُ هَذَا كَذَا كَمَا وُصِفَ فَلَبَّسُوا بِذَلِكَ عَلَى النَّاسِ. قَالَ وَإِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَحْبَارَ كَانَتْ لَهُمْ مَأْكَلَةٌ تُطْعِمُهُمْ إِيَّاهَا السِّفْلَةُ لِقِيَامِهِمْ عَلَى التَّوْرَاةِ فَخَافُوا أَنْ يُؤْمِنَ السِّفْلَةُ فَتَنْقَطِعَ تِلْكَ الْمَأْكَلَةُ»
.

(2/537)


بَابُ مَا جَاءَ فِي بِنَاءِ مَسْجِدِ [ (1) ] رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ وَمَا رُوِيَ عَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ الْيَمَامِيِّ فِي ذَلِكَ ثُمَّ فِي رُجُوعِهِ مَعَ قَوْمِهِ بِمَاءِ مَضْمَضَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ح.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا جَدِّي قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حَدَّثَنَا محمد ابْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: «وَكَانَ الْمَسْجِدُ مِرْبَدًا لِلتَّمْرِ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، فِي حِجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، لِسَهْلٍ وَسُهَيْلٍ ابْنَيْ عَمْرٍو، وَزَعَمُوا أَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُصَلُّونَ فِي ذَلِكَ الْمِرْبَدِ قَبْلَ قُدُومِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَأَعْطَيَاهُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَيُقَالُ: عَرَضَ عَلَيْهِمَا أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ نَخْلًا لَهُ فِي بَنِي بَيَاضَةَ ثَوَابًا مِنْ مِرْبَدِهِمَا، فَقَالَا: بَلْ نُعْطِيهِ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَيُقَالُ: بَلِ اشْتَرَاهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مِنْهُمَا، فَابْتَنَاهُ مَسْجِدًا، فَطَفِقَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ يَنْقُلُونَ اللَّبِنَ، وَيَقُولُ: وَهُوَ يَنْقُلُ اللبن مع أصحابه:
هَذَا الْحَمَالُ لَا حَمَالَ خَيْبَرْ ... هَذَا أَبَرُّ رَبَّنَا وأطهر
__________
[ (1) ] انظر في بناء هذا المسجد: طبقات ابن سعد (1: 239) ، سيرة ابن هشام (2: 114) ، صحيح البخاري (1: 89) ، تاريخ الطبري (2: 395) ، والدرر لابن عبد البر (88) ، والبداية والنهاية (3:
214) ، وعيون الأثر (1: 235) ، والنويري (16: 344) ، وسبل الهدى (3: 485) ، وغيرها.

(2/538)


وَيَقُولُ:
اللهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الْآخِرَةْ ... فَارْحَمِ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَةْ
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَتَمَثَّلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ بِشَعْرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُسَمَّ فِي الْحَدِيثِ وَلَمْ يَبْلُغْنِي فِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ تَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ قَطُّ غَيْرَ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ فِي قِصَّةِ الْهِجْرَةِ [ (2) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ.
(ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ فِي عُلُوِّ الْمَدِينَةِ فِي حَيٍّ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَأَقَامَ فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى مَلَأِ بَنِي النَّجَّارِ، فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِي سُيُوفِهِمْ، قَالَ أَنَسٌ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفُهُ، وَمَلَأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ حَتَّى أَلْقَى بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ يُصَلِّي حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ، وَيُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، ثُمَّ إِنَّهُ أَمَرَ بِالْمَسْجِدِ فَأَرْسَلَ إِلَى مَلَأِ بَنِي النَّجَّارِ فَجَاءُوا، فَقَالَ: يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا، قَالُوا: لَا، واللَّه لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللَّه، قَالَ فَقَالَ أَنَسٌ: فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ، كَانَ فِيهِ قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ فِيهِ خِرَبٌ، وَكَانَ فِيهِ نخل فأمر رسول
__________
[ (2) ] في: 63- كتاب مناقب الأنصار، (45) باب هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وسلّم وأصحابه الى المدينة فتح الباري (7:
239- 240) .

(2/539)


اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ وبالخرب فسوّيت، بالنخل فَقُطِعَ، فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةً لَهُ، وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ حِجَارَةً، وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ وَرَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ مَعَهُمْ وَيَقُولُونَ:
اللهُمَّ إِنَّهُ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرَ الْآخِرَةْ ... فَانْصُرِ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَةْ
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُسَدَّدٍ، ورَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ التَّمَّارُ بِالْبَصْرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ «كَانَ مَوْضِعُ الْمَسْجِدِ حَائِطًا لِبَنِي النَّجَّارِ فِيهِ حَرْثٌ وَنَخْلٌ وَقُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: ثَامِنُونِي بِهِ، فَقَالُوا: لَا نَبْغِي، فَقَطَعَ النَّخْلَ، وَسَوَّى الْحَرْثَ، وَنَبَشَ قُبُورَ الْمُشْرِكِينَ، قَالَ وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَقَالَ:
فَاغْفِرْ مَكَانَ فَانْصُرْ.
قَالَ مُوسَى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بِنَحْوِهِ، وَكَانَ عَبْدُ الْوَارِثِ يَقُولُ: خِرَبٌ وَزَعَمَ عَبْدُ الْوَارِثِ أَنَّهُ أَفَادَ حَمَّادًا هَذَا الْحَدِيثَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ [الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ] [ (4) ] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر
__________
[ (3) ] أخرجه البخاري في: 63- كتاب مناقب الأنصار (46) باب مَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وسلّم وأصحابه المدينة، الحديث (3932) ، فتح الباري (7: 295) ، وقد أخرجه البخاري ايضا في كتاب الصلاة، باب: هل تنبش قبور مشركي الجاهلية، ويتخذ مكانها مساجد؟. وفي موضعين من الوصايا في باب: إذا أوقفت جماعة أرضا مشاعا فهو جائز، وباب: إذا قال الواقف: لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إلى اللَّه فهو جائز.
وأخرجه مسلم في كتاب المساجد، باب ابتناء مسجد النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلّم.
كما أخرجه ابو داود في الصلاة عن مسدد، وابن ماجة في الصلاة.
[ (4) ] الزيادة من (ص) فقط.

(2/540)


ابن دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا نَافِعٌ، أَنَّ عَبْدَ اللَّه بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ «أَنَّ الْمَسْجِدَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ وَسَقْفُهُ الْجَرِيدُ، وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ، فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيْئًا، وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ، وَبَنَاهُ عَلَى بُنْيَانِهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ، وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَبًا وَغَيَّرَهُ عُثْمَانُ فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً وَبَنَى جِدَارَهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ وَالْفِضَّةِ وَجَعَلَ عُمُدَهُ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ وَسَقْفَهُ بِالسَّاجِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (5) ] عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ عَنْ يَعْقُوبَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاذٍ السُّلَمِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّه بْنُ مُوسَى [بْنِ عِمْرَانَ] [ (6) ] .
(ح) أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّه بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ فِرَاسِ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا «أَنَّ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ كَانَتْ سَوَارِيهِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مِنْ جُذُوعِ النَّخْلِ أَعْلَاهُ مُظَلَّلٌ [ (7) ] بِجَرِيدِ النَّخْلِ، ثُمَّ إِنَّهَا نَخِرَتْ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، فَبَنَاهَا بِجُذُوعِ النَّخْلِ، وبِجَرِيدِ النَّخْلِ، ثُمَّ إِنَّهَا نَخِرَتْ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانُ، فَبَنَاهَا بِالْآجُرِّ، فَلَمْ تَزَلْ ثَابِتَةً حَتَّى الْآنَ.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّه: حَتَّى السَّاعَةِ. وَقَالَ: خَرِبَتْ بَدَلُ نَخِرَتْ» .
وَقَالَ فِي إِسْنَادِهِ عَنْ عَطِيَّةَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الصَّفَّارُ، قَالَ:
__________
[ (5) ] في: 8 كتاب الصلاة (62) باب المساجد، فتح الباري (1: 54) .
[ (6) ] ليست في (ص) ، ولا في (هـ) .
[ (7) ] في (ص) : «معلل» .

(2/541)


أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ حَمَّادٍ الضَّبِّيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ:
«لَمَّا بَنَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ أَعَانَهُ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ وَهُوَ مَعَهُمْ: يَتَنَاوَلُ اللَّبِنَ حَتَّى اغْبَرَّ صَدْرُهُ، فَقَالَ: ابْنُوهُ عَرِيشًا كَعَرِيشِ مُوسَى، قَالَ: فَقُلْتُ لِلْحَسَنِ:
مَا عَرِيشُ مُوسَى؟ قَالَ: إِذَا رَفَعَ يَدَهُ بَلَغَ الْعَرِيشَ يَعْنِي السَّقْفَ» [ (8) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمَّادٍ [ (9) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْمِنْقَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عُبَادَةَ «أَنَّ الْأَنْصَارَ جَمَعُوا مَالًا فَأَتَوْا بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ [ابْنِ لَنَا هَذَا] [ (10) ] الْمَسْجِدَ وَزَيِّنْهُ إِلَى مَتَى نُصَلِّي تَحْتَ هَذَا الْجَرِيدِ؟ فَقَالَ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ أَخِي مُوسَى عَرِيشٌ كَعَرِيشِ مُوسَى» [ (11) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُلَازِمُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَدْرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقِ، عَنْ أَبِيهِ طَلْقِ ابن عَلِيٍّ، قَالَ: «بَنَيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ فَكَانَ يَقُولُ: قَرِّبُوا الْيَمَامِيَّ مِنَ الطِّينِ فَإِنَّهُ مِنْ أَحْسَنِكُمْ لَهُ بِنَاءً» .
وَحَدَّثَنِي بَنُوهُ بَعْدُ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ أَشَدِّكُمْ سَاعِدًا» . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عن أبيه طلق ابن عَلِيٍّ قَالَ «خَرَجْنَا وَفْدًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّ بِأَرْضِنَا بِيَعَةً لَنَا وَاسْتَوْهَبْنَاهُ مِنْ فَضْلِ طَهُورِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ، ثُمَّ صَبَّهُ لَنَا فِي إِدَاوَةٍ، وَقَالَ: اذْهَبُوا
__________
[ (8) ] نقله ابن كثير في «البداية والنهاية» (3: 215) ، وقال: «وهذا مرسل» .
[ (9) ] في (ص) و (هـ) : «جنّاد» .
[ (10) ] (ص) و (هـ) : «ابن بهذا» .
[ (11) ] نقله الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (3: 215) وقال: «هذا حديث غريب من هذا الوجه» .

(2/542)


بِهَذَا الْمَاءِ، فَإِذَا قَدِمْتُمْ بَلَدَكُمْ فَاكْسِرُوا بِيعَتَكُمْ، وَانْضَحُوا مَكَانَهَا مِنْ هَذَا الْمَاءِ وَاتَّخِذُوا مَكَانَهَا مَسْجِدًا فَقُلْنَا: يَا نَبِيَّ اللهِ! إِنَّ الْبَلَدَ بَعِيدٌ وَالْمَاءٌ يَنْشِفُ، قَالَ:
فَمِدُّوهُ مِنَ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُهُ إِلَّا طِيبًا قَالَ فَتَشَاحَحْنَا عَلَى حَمْلِ الْإِدَاوَةِ أَيُّنَا يَحْمِلُهَا، فَجَعَلْنَاهَا نُوَبًا [بَيْنَنَا] [ (12) ] لِكُلِّ رَجُلٍ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَدَنَا فَعَلْنَا الَّذِي أَمَرَنَا، وَرَاهِبُنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ رَجُلٌ مِنْ طَيٍّ، فَنَادَيْنَا الصَّلَاةَ، فَقَالَ الرَّاهِبُ:
دَعْوَةُ حَقٍّ ثُمَّ هَرَبَ فَلَمْ ير بعد» .
__________
[ (12) ] الزيادة من (ص) و (هـ) .

(2/543)