دلائل
النبوة للبيهقي محققا جُمَّاعُ أَبْوَابِ غَزْوَةِ بَدْرٍ
الْعُظْمَى
(3/23)
بَابُ ذِكْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وسلم مَنْ قُتِلَ بِبَدْرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَمَا فِي ذَلِكَ
مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ
وأَبُو مُحَمَّدٍ جَنَاحُ بْنُ نَذِيرِ بْنِ جَنَاحٍ الْقَاضِي
بِالْكُوفَةِ قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ
بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ
بْنِ أَبِي عزرة [ (1) ] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى
قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ
مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «انْطَلَقَ سَعْدُ
بْنُ مُعَاذٍ مُعْتَمِرًا، فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفِ بْنِ
صَفْوَانَ، وَكَانَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ إِذَا انْطَلَقَ إِلَى الشَّامِ
فَمَرَّ بِالْمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ، فَقَالَ أُمَيَّةُ لِسَعْدٍ:
انْتَظِرْ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ، وَغَفَلَ النَّاسُ،
انْطَلَقْتَ فَطُفْتَ، قَالَ: فَبَيْنَمَا سَعْدٌ يَطُوفُ إِذْ أَتَاهُ
أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا الَّذِي يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ؟ فَقَالَ
سَعْدٌ: أَنَا سَعْدٌ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَتَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ
آمِنًا، وَقَدْ آوَيْتُمْ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ؟ [قَالَ: نَعَمْ] [ (2)
] قَالَ: فَتَلَاحَيَا، [بَيْنَهُمَا] [ (3) ] قَالَ: فَقَالَ أُمَيَّةُ
لِسَعْدٍ: لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ عَلَى أَبِي الْحَكَمِ فَإِنَّهُ سَيِّدُ
أَهْلِ الْوَادِي، قَالَ: فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: وَاللهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِي
أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ لَأَقْطَعَنَّ عَلَيْكَ متجرك بالشام،
__________
[ (1) ] في (ص) : «غرزة» ، وهو تصحيف.
[ (2) ] الزيادة من صحيح البخاري.
[ (3) ] الزيادة من الصحيح، وتلاحيا: تعاتبا.
(3/25)
قَالَ: فَجَعَلَ أُمَيَّةُ يَقُولُ
لِسَعْدٍ: لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ، وَجَعَلَ يُسَكِّتُهُ [ (4) ] ، فَغَضِبَ
سَعْدٌ، فَقَالَ: دَعْنَا مِنْكَ فَإِنِّي سَمِعْتُ مُحَمَّدًا صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلُكَ. قَالَ:
إِيَّايَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَاللهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ. فَكَادَ
أَنْ يُحْدِثَ، فَرَجَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: مَا تَعْلَمِينَ مَا
قَالَ أَخِي الْيَثْرِبِيُّ، قَالَتْ: وَمَا قَالَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّهُ
سَمِعَ مُحَمَّدًا يَزْعُمُ إنه قاتلي، قالت: فو الله مَا يَكْذِبُ
مُحَمَّدٌ.
فَلَمَّا خَرَجُوا لَبَدْرٍ، وَجَاءَ الصَّرِيخُ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ:
أَمَا عَلِمْتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ الْيَثْرِبِيُّ؟ قَالَ: فَإِنِّي
إِذًا لَا أَخْرُجُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: إِنَّكَ مِنْ أَشْرَافِ
أَهْلِ الْوَادِي فَسِرْ مَعَنَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، فَسَارَ
مَعَهُمْ فَقُتِلَ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ
عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُوسَى [ (5) ] .
وأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي
أَبُو أَحْمَدَ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ
بْنُ الْحُسَيْنِ الْخَثْعَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عُثْمَانَ الْأَوْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، أَنَّهُ سَمِعَ
عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ، يُحَدِّثُ عَنْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ:
«أَنَّهُ كَانَ صَدِيقًا لِأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ فَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا
مَرَّ بِالْمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ، وَكَانَ سَعْدٌ إِذَا مَرَّ
بِمَكَّةَ نَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْطَلَقَ سَعْدٌ مُعْتَمِرًا،
فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بِمَكَّةَ، فَقَالَ لِأُمَيَّةَ: انْظُرْ لِي
سَاعَةَ خَلْوَةٍ لَعَلِّي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ، قَالَ:
فَخَرَجَ بِهِ قَرِيبًا مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ، قَالَ: فَلَقِيَهُمَا
أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا صَفْوَانَ: مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ قَالَ:
هَذَا سَعْدٌ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: أَلَا أَرَاكَ تطوف
__________
[ (4) ] كذا في الأصول، وفي الصحيح: «فجعل يمسكه» .
[ (5) ] الحديث، أخرجه البخاري في: 61- كتاب المناقب (25) باب علامات
النبوة في الإسلام، الحديث (3632) ، فتح الباري (6: 629) ، عَنْ أَحْمَدَ
بْنِ إِسْحَاقَ، وأعاده في: 64- كتاب المغازي وسيأتي في الحاشية التالية.
(3/26)
بِمَكَّةَ آمِنًا، وَقَدْ آوَيْتُمُ
الصُّبَاةَ، وَزَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ تَنْصُرُونَهُمْ وَتُعِينُونَهُمْ
أَمَا وَاللهِ لَوْلَا أَنَّكَ مَعَ أَبِي صَفْوَانَ مَا رَجَعْتَ إِلَى
أَهْلِكَ سَالِمًا. فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ وَرَفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِ [أَمَا
وَاللهِ] [ (6) ] لَئِنْ مَنَعْتَنِي هَذَا لَأَمْنَعَنَّكَ مَا هُوَ
أَشَدُّ عَلَيْكَ مِنْهُ طَرِيقَكَ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ
أُمَيَّةُ: لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ يَا سَعْدُ عَلَى أَبِي الْحَكَمِ
سَيِّدِ أَهْلِ الْوَادِي، فَقَالَ سَعْدٌ: دَعْنَا مِنْكَ يَا أمية فو
الله لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ إِنَّهُ قَاتِلُكَ [ (7) ] ، قَالَ: بِمَكَّةَ؟ قَالَ: لَا
أَدْرِي.
فَفَزِعَ لِذَلِكَ أُمَيَّةُ فَزَعًا شَدِيدًا، فَلَمَّا رَجَعَ أُمَيَّةُ
إِلَى أَهْلِهِ فَقَالَ: يَا أُمَّ صَفْوَانَ أَلَمْ تَرَيْ [ (8) ] إِلَى
مَا قَالَ لِي سَعْدٌ قَالَتْ: وَمَا قَالَ لَكَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّ
مُحَمَّدًا أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ قَاتِلِي. فَقُلْتُ لَهُ: بِمَكَّةَ؟
فَقَالَ: لَا أَدْرِي، فَقَالَ أُمَيَّةُ:
وَاللهِ لَا أَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ.
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ اسْتَنْفَرَ أَبُو جَهْلٍ النَّاسَ، فَقَالَ:
أَدْرِكُوا عِيرَكُمْ، قَالَ:
فَكَرِهَ أُمَيَّةُ أَنْ يَخْرُجَ، فَأَتَاهُ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: يَا
أَبَا صَفْوَانَ إِنَّكَ مَتَى يَرَاكَ النَّاسُ قَدْ تَخَلَّفْتَ وَأَنْتَ
سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي تَخَلَّفُوا مَعَكَ، فَلَمْ يَزَلْ أَبُو جَهْلٍ
حَتَّى قَالَ:
إِذْ غَلَبْتَنِي فو الله لَأَشْتَرِيَنَّ أَجْوَدَ بَعِيرٍ بِمَكَّةَ،
ثُمَّ قَالَ أُمَيَّةُ: يَا أُمَّ صَفْوَانَ جَهِّزِينِي، فَقَالَتْ لَهُ:
يَا أَبَا صَفْوَانَ أَوَقَدْ نَسِيتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ
الْيَثْرِبِيُّ؟ قَالَ: لَا، وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَجُوزَ مَعَهُمْ إِلَا
قَرِيبًا. قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ أُمَيَّةُ، قَالَ: أَخَذَ لَا يَنْزِلُ
مَنْزِلًا إِلَّا عَقَلَ بَعِيرَهُ، فَلَمْ يَزَلْ بِذَلِكَ حَتَّى
قَتَلَهُ اللهُ بِبَدْرٍ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الأودي
[ (9) ] .
__________
[ (6) ] الزيادة من صحيح البخاري.
[ (7) ] في الصحيح: «إنهم قاتلوك» .
[ (8) ] (ص) : «ألم ترين» .
[ (9) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي، (2) باب ذكر النبي صلى اللَّه
عليه وسلم من يقتل ببدر، الحديث (3950) ، فتح الباري (7: 282) .
(3/27)
بَابُ ذِكْرِ سَبَبِ خُرُوجِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ وَرُؤْيَا عَاتِكَةَ بِنْتِ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ فِي خُرُوجِ الْمُشْرِكِينَ وَمَا أَعَدَّ اللهُ عَزَّ
وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ مِنَ النَّصْرِ فِي ذَلِكَ بِبَدْرٍ
قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا، وَهُمْ
بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى، وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَوْ
تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ، وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ
أَمْراً كانَ مَفْعُولًا: لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَيَحْيى
مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ
قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
خَلَفُ بْنُ عَمْرٍو الْعُكْبَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
أَبِي شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ أَنَّ الزُّهْرِيَّ، حَدَّثَهُ
قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ
مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ:
وَهُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ يُحَدِّثُ:
«إِنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَطُّ غَيْرَ غَزْوَتَيْنِ: غَزْوَةِ
الْعُسْرَةِ، وَغَزْوَةِ بَدْرٍ، قَالَ: وَلَمْ يُعَاتِبِ اللهُ أَحَدًا
تَخَلَّفَ عَنْهَا، وإِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِمَنْ خَرَجَ مِنْ أَصْحَابِهِ يُرِيدُونَ الْعِيرَ الَّتِي
لِكُفَّارِ قُرَيْشٍ
(3/28)
الَّتِي قَدِمَ بِهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ
حَرْبٍ قَالَ: وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَقَالَ عُقَيْلٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ:
يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، حَتَّى جَمَعَ اللهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ
عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدٍ هُوَ ابْنُ يَحْيَى،
عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي شعيب [ (10) ] ، وعَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ [
(11) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ، وأَبُو سَعِيدٍ: مُحَمَّدُ بْنُ
مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ
بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ
الْعُطَارِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ
اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ ابْنُ
إِسْحَاقَ: وحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ
الزُّبَيْرِ، قَالَا: «رَأَتْ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِيمَا
يَرَى النَّائِمُ قَبْلَ مَقْدَمِ ضَمْضَمِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ
عَلَى قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ [ (12) ] بِثَلَاثِ لَيَالٍ، رُؤْيَا
فَأَصْبَحَتْ عَاتِكَةُ فَأَعْظَمَتْهَا، فَبَعَثَتْ إِلَى أَخِيهَا
الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَخِي لَقَدْ
رَأَيْتُ رُؤْيَا اللَّيْلَةَ لَيَدْخُلَنَّ عَلَى قَوْمِكَ مِنْهَا شَرٌّ
وَبَلَاءٌ، فَقَالَ: وَمَا هِيَ؟ فَقَالَتْ: رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى
النَّائِمُ أَنَّ رَجُلًا أَقْبَلَ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ، فَوَقَفَ
بِالْأَبْطَحِ، فَقَالَ: انْفِرُوا يَا آلَ غُدَرٍ لِمَصَارِعِكُمْ فِي
ثَلَاثٍ، فَأَذَّنَ النَّاسَ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، ثُمَّ إِنَّ
بَعِيرَهُ دَخَلَ بِهِ الْمَسْجِدَ وَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ، ثُمَّ
مَثُلَ بِهِ بَعِيرُهُ فَإِذَا هُوَ عَلَى رَأْسِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ:
انْفِرُوا يَا آلَ غُدَرٍ لِمَصَارِعِكُمْ فِي ثَلَاثٍ، ثُمَّ أَرَى
بَعِيرَهُ مَثُلَ بِهِ عَلَى رَأْسِ أَبِي قُبَيْسٍ،
__________
[ (10) ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي شعيب،
أخرجه البخاري في: 65- كتاب التفسير، (18) باب وَعَلَى الثَّلَاثَةِ
الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرض بما رحبت.. إلى
آخر الآية، الحديث (4677) ، فتح الباري (8: 342) .
[ (11) ] عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، أخرجه البخاري مطولا ومختصرا في كتاب
الأحكام (باب) هل للإمام أن يمنع المجرمين، وأهل المعصية من الكلام معه
والزيارة ونحوه؟، وللحديث طرق أخرى كثيرة استوفاها المزي في تحفة الأشراف
(8: 311- 312) .
[ (12) ] في (ص) و (هـ) : «مكة» ، وفي سيرة ابن هشام: «قبل قدوم ضمضم مكة
بثلاث ليال» .
(3/29)
فَقَالَ: انْفِرُوا يَا آلَ غُدَرٍ
لِمَصَارِعِكُمْ فِي ثَلَاثٍ، ثُمَّ أَخَذَ صَخْرَةً فَأَرْسَلَهَا مِنْ
رَأْسِ الْجَبَلِ، فَأَقْبَلَتْ تَهْوِي حَتَّى إِذَا كَانَتْ فِي
أَسْفَلِهِ ارْفَضَّتْ [ (13) ] فَمَا بَقِيَتْ دَارٌ مِنْ دُورِ قَوْمِكَ
وَلَا بَيْتٌ إِلَّا دَخَلَ فِيهِ بَعْضُهَا، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: وَاللهِ
إِنَّ هَذِهِ لَرُؤْيَا فَاكْتُمِيهَا، فَقَالَتْ: وَأَنْتَ فَاكْتُمْهَا
لَئِنْ بَلَغَتْ هَذِهِ قُرَيْشًا لَيُؤْذُونَنَا، فَخَرَجَ الْعَبَّاسُ
مِنْ عِنْدِهَا فَلَقِيَ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ، وَكَانَ لَهُ صَدِيقًا
فَذَكَرَ لَهُ وَاسْتَكْتَمَهُ إِيَّاهَا، فَذَكَرَهَا الْوَلِيدُ
لِأَبِيهِ فَتَحَدَّثَ بِهَا، فَفَشَا الْحَدِيثُ فَقَالَ الْعَبَّاسُ:
وَاللهِ إِنِّي لَغَادٍ إِلَى الْكَعْبَةِ لِأَطُوفَ بِهَا، فَدَخَلْتُ
الْمَسْجِدَ فَإِذَا أَبُو جَهْلٍ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ يَتَحَدَّثُونَ
عَنْ رُؤْيَا عَاتِكَةَ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا أَبَا الْفَضْلِ إِذَا
فَرَغْتَ مِنْ طَوَافِكَ فَأْتِنَا، قَالَ: فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ
طَوَافِي أَقْبَلْتُ حَتَّى جَلَسْتُ مَعَهُمْ. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا
أَبَا الْفَضْلِ مَتَى حَدَثَتْ هَذِهِ النَّبِيَّةُ فِيكُمْ فَقُلْتُ
وَمَا ذَاكَ؟ فَقَالَ مَا رُؤْيَا رَأَتْهَا عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ؟ أَمَا رَضِيتُمْ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْ
تَتَنَبَّأَ رِجَالُكُمْ حَتَّى تَتَنَبَّأَ نِسَاؤُكُمْ، سَنَتَرَبَّصُ
بِكُمْ هَذِهِ الثَّلَاثَ الَّتِي ذَكَرَتْ عَاتِكَةُ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا
فَسَيَكُونُ، وَإِلَّا كَتَبْنَا عَلَيْكُمْ كِتَابًا أَنَّكُمْ أَكْذَبُ
أَهْلِ بَيْتٍ فِي العرب، فو الله مَا كَانَ إِلَيْهِ مِنِّي مِنْ كَبِيرٍ
إِلَّا أَنِّي قَدْ أَنْكَرْتُ مَا قَالَتْ، وَقُلْتُ: مَا رَأَتْ شَيْئًا
وَلَا سَمِعْتُ بِهَذَا، فَلَمَّا أَمْسَيْتُ لَمْ تَبْقَ امْرَأَةٌ مِنْ
بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَّا أَتَتْنِي، فَقُلْنَ: صَبَرْتُمْ لِهَذَا
الْفَاسِقِ الْخَبِيثِ أَنْ يَقَعَ فِي رِجَالِكُمْ، ثُمَّ قَدْ تَنَاوَلَ
النِّسَاءَ وَأَنْتَ تَسْمَعُ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَكَ فِي ذَلِكَ غِيَرٌ،
فَقُلْتُ: قَدْ وَاللهِ صَدَقْتُنَّ وَمَا كَانَ عِنْدِي فِي ذَلِكَ مِنْ
غِيَرٍ إِلَّا أَنِّي قَدْ أَنْكَرْتُ مَا قَالَتْ، وَلَأَتَعَرَّضَنَّ
لَهُ فَإِنْ عَادَ لَأَكْفِيَنَّهُ، فَغَدَوْتُ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ
أَتَعَرَّضُ لِيَقُولَ لِي شيئا فأشاتمه، فو الله إِنِّي لَمُقْبِلٌ
نَحْوَهُ وَكَانَ رَجُلًا حَدِيدَ الْوَجْهِ، حَدِيدَ النَّظَرِ، حَدِيدَ
اللِّسَانِ إِذْ وَلَّى نَحْوَ بَابِ الْمَسْجِدِ يَشْتَدُّ، فَقُلْتُ فِي
نَفْسِي اللهُمَّ الْعَنْهُ. كُلُّ هَذَا فَرَقًا أَنْ أُشَاتِمَهُ وَإِذَا
هُوَ قَدْ سَمِعَ مَا لَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ ضَمْضَمِ بْنِ عَمْرٍو وَهُوَ
وَاقِفٌ بَعِيرَهُ بِالْأَبْطَحِ قَدْ حُوِّلَ رحله وشق
__________
[ (13) ] (ارفضّت) : «تفتتت» .
(3/30)
قَمِيصُهُ وَجُدِعَ بَعِيرُهُ [ (14) ]
يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اللَّطِيمَةَ اللَّطِيمَةَ، أَمْوَالُكُمْ
مَعَ أَبِي سُفْيَانَ، وَتِجَارَتُكُمْ قَدْ عَرَضَ لَهَا مُحَمَّدٌ
وَأَصْحَابُهُ، فَالْغَوْثَ الْغَوْثَ، فَشَغَلَهُ ذَلِكَ عَنِّي
وَشَغَلَنِي عَنْهُ، فَلَمْ يَكُنْ إِلَّا الْجِهَازُ حَتَّى خَرَجْنَا،
فَأَصَابَ قُرَيْشًا مَا أَصَابَهَا يَوْمَ بَدْرٍ: مَنْ قَتْلِ
أَشْرَافِهِمْ، وَأَسْرِ خِيَارِهِمْ فَقَالَتْ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ فِيمَا رَأَتْ وَمَا قَالَتْ قريش في ذلك:
أَلَمْ تَكُنِ الرُّؤْيَا بِحَقٍّ وَجَاءَكُمْ ... بِتَصْدِيقِهَا فَلٌّ
مِنَ الْقَوْمِ هَارِبُ
فَقُلْتُمْ- وَلَمْ أَكْذِبْ- كَذَبْتِ وَإِنَّمَا ... يُكَذِّبُنَا
بِالصِّدْقِ مَنْ هُوَ كَاذِبُ
وَذَكَرَ لَهَا أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي قَصِيدةً
طَوِيلَةً» [ (15) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ
الزُّبَيْرِ، وَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنِ يَحْيَى بْنِ
حَبَّانَ [ (16) ] وعاصم بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وعبد الله ابن أَبِي
بَكْرٍ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا فَبَعْضُهُمْ قَدْ حَدَّثَ بِمَا
لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ بَعْضٌ، وَقَدِ اجْتَمَعَ حَدِيثُهُمْ فِيمَا ذَكَرْتُ
لَكَ مِنْ يَوْمِ بدر قالوا:
__________
[ (14) ] (جدع بعيره) قطع أنفه.
[ (15) ] الخبر في سيرة ابن هشام (2: 245- 247) ، ومغازي الواقدي (1: 28-
33) ، وأخرجه الحاكم في المستدرك (3: 19- 20) ، وقال الذهبي: فيه حُسَيْنُ
بْنُ عَبْدِ اللهِ: ضعيف.
قلت: وراوي الحديث هذا: «حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ
بْنِ عباس، قال فيه البخاري في «التاريخ الكبير» (1: 2: 388) : «قال علي بن
المديني: تركت حديثه» ، كما قال النسائي: متروك، واتهمه العقيلي بالزندقة
في «الضعفاء الكبير» (1: 245) من تحقيقنا، وذكره ابن حبان في «المجروحين»
(1: 242) ، وله ترجمة في الميزان (1: 537) .
[ (16) ] في (ص) : «حيّان» ، وهو تصحيف، وله ترجمة في «تهذيب التهذيب» (9:
507) .
(3/31)
«سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ فِي أَرْبَعِينَ
رَاكِبًا مِنْ قُرَيْشٍ تُجَّارًا قَافِلِينَ مِنَ الشَّامِ فِيهِمْ:
مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، فَنَدَبَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ لَهُمْ:
هَذَا أَبُو سُفْيَانَ قَافِلًا بِتِجَارَةِ قُرَيْشٍ فَاخْرُجُوا لَهَا
لَعَلَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنَفِّلُكُمُوهَا فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ فَخَفَّ مَعَهُ رِجَالٌ
وَأَبْطَأَ آخَرُونَ
وَذَلِكَ إِنَّمَا كَانَتْ نَدْبَةً لِمَالٍ يُصِيبُونَهُ لَا يَظُنُّونَ
أَنْ يَلْقَوْا حَرْبًا فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثِمِائَةِ رَاكِبٍ وَنَيِّفٍ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ
مُشَاةٌ مَعَهُمْ ثَمَانُونَ بَعِيرًا وَفَرَسٌ، وَيَزْعُمُ بَعْضُ
النَّاسِ أَنَّهُ لِلْمِقْدَادِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَلِيٍّ ومرثد بْنِ أَبِي
مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ بَعِيرٌ فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه
وَسَلَّمَ مِنْ نَقْبِ بَنِي دِينَارٍ مِنَ الْحَرَّةِ عَلَى الْعَقِيقِ
فَذَكَرَ طُرُقَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ بِعِرْقِ الظَّبْيَةِ لَقِيَ رَجُلًا
مِنَ الْأَعْرَابِ، فَسَأَلُوهُ عَنِ النَّاسِ، فَلَمْ يَجِدُوا عِنْدَهُ
خَبَرًا وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ حِينَ دَنَا مِنَ الْحِجَازِ يَتَحَسَّسُ
[ (17) ] الْأَخْبَارَ، وَيَسْأَلُ عَنْهَا حَتَّى أَصَابَ خَبَرًا مِنْ
بَعْضِ الرُّكْبَانِ، فَاسْتَأْجَرَ ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرٍو الْغِفَارِيَّ،
فَبَعَثَهُ إِلَى قُرَيْشٍ يَسْتَنْفِرُهُمْ إِلَى أَمْوَالِهِمْ،
وَيُخْبِرُهُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ عَرَضَ لَهَا فِي أَصْحَابِهِ،
فَخَرَجَ ضَمْضَمٌ سَرِيعًا حَتَّى قَدِمَ عَلَى قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ
وَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اللَّطِيمَةَ قَدْ عَرَضَ لَهَا مُحَمَّدٌ
فِي أَصْحَابِهِ- وَالَلَّطِيمَةُ هِيَ التِّجَارَةُ- الْغَوْثَ الْغَوْثَ
وَمَا أَظُنُّ أَنْ تُدْرِكُوهَا. فَقَالَتْ قُرَيْشٌ:
أَيَظُنُّ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ أَنَّهَا كَائِنَةٌ كَعِيرِ ابْنِ
الْحَضْرَمِيِّ، فَخَرَجُوا عَلَى الصَّعْبِ [ (18) ] وَالذَّلُولِ وَلَمْ
يَتَخَلَّفْ مِنْ أَشْرَافِهَا أَحَدٌ إِلَّا أَنَّ أَبَا لَهَبٍ قَدْ
تَخَلَّفَ وَبَعَثَ مَكَانَهُ الْعَاصَ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ
فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ وَهُمْ تِسْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ مُقَاتِلًا
وَمَعَهُمْ مِائَتَا فَرَسٍ يَقُودُونَهَا وَخَرَجُوا مَعَهُمْ
بِالْقِيَانِ يضر بن بِالدُّفِّ، وَيَتَغَنَّيْنَ بِهِجَاءِ
الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَسْمَاءَ الْمُطْعِمِينَ مِنْهُمْ، وَذَكَرَ
رُجُوعَ طَالِبِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْجُحْفَةِ
رَأَى جُهَيْمُ بْنُ الصَّلْتِ رُؤْيَا فَبَلَغَتْ أَبَا جَهْلٍ فَقَالَ:
وهذا
__________
[ (17) ] في (ص) و (هـ) : «يتحسب الأخبار» .
[ (18) ] (ص) و (هـ) : «الصعبة» .
(3/32)
نَبِيٌّ آخَرُ مِنْ بَنِيِّ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ وَذَلِكَ أَنَّهُ رَأَى أَنَّ رَاكِبًا أَقْبَلَ عَلَى
قُرَيْشٍ مَعَهُ بَعِيرٌ لَهُ حَتَّى وَقَفَ عَلَى الْعَسْكَرِ فَقَالَ:
قُتِلَ فُلَانٌ، وَفُلَانٌ، وَفُلَانٌ يُعَدِّدُ رِجَالًا مِنْ أَشْرَافِ
قُرَيْشٍ مِمَّنْ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، ثُمَّ طَعَنَ فِي لَبَّةِ
بَعِيرِهِ ثُمَّ أَرْسَلَهُ فِي الْعَسْكَرِ فَلَمْ يَبْقَ خِبَاءٌ مِنْ
أَخْبِيَةِ قُرَيْشٍ إِلَّا أَصَابَهُ دَمُهُ وَمَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّه عليه وسلم عَلَى وَجْهِهِ ذَلِكَ فَذَكَرَ مَسِيرَهُ حَتَّى إِذَا
كَانَ قَرِيبًا مِنَ الصَّفْرَاءِ بَعَثَ بَسْبَسَ بْنَ عَمْرٍو وَعَدِيَّ
بن أبي الزغباء الجهنبين [ (19) ] يَلْتَمِسَانِ الْخَبَرَ عَنْ أَبِي
سُفْيَانَ فَانْطَلَقَا حَتَّى وَرَدَا بَدْرًا فَأَنَاخَا بَعِيرَيْهِمَا
[ (20) ] إِلَى تَلٍّ مِنَ الْبَطْحَاءِ وَاسْتَقَيَا فِي شَنٍّ لَهُمَا
مِنَ الْمَاءِ فَسَمِعَا جَارِيَتَيْنِ تَقُولُ إِحْدَاهُمَا
لِصَاحِبَتِهَا إِنَّمَا تَأْتِي الْعِيرُ غَدًا، فَلَخَّصَ بَيْنَهُمَا
مَجْدِيُّ بْنُ عَمْرٍو وَقَالَ صَدَقَتْ وَسَمِعَ ذَلِكَ بَسْبَسٌ
وَعَدِيٌّ فَجَلَسَا عَلَى بَعِيرَيْهِمَا حَتَّى أَتَيَا رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللَّه عليه وسلم فَأَخْبَرَاهُ الْخَبَرَ وَأَقْبَلَ أَبُو
سُفْيَانَ حِينَ وَلَّيَا وَقَدْ حَذِرَ فَتَقَدَّمَ أَمَامَ عِيرِهِ
فَقَالَ لِمَجْدِيِّ بْنِ عَمْرٍو هَلْ أَحْسَسْتَ عَلَى هَذَا الْمَاءِ
مِنْ أَحَدٍ تُنْكِرُهُ؟ فَقَالَ: لَا وَاللهِ إِلَّا أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ
رَاكِبَيْنِ أَنَاخَا إِلَى هَذَا التَّلِّ فَاسْتَقَيَا فِي شَنٍّ لَهُمَا
ثُمَّ انْطَلَقَا فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ مَنَاخَ بَعِيرَيْهِمَا فَأَخَذَ
مِنْ أَبْعَارِهِمَا وَفَتَّهُ فَإِذَا فِيهِ النَّوَى فَقَالَ هَذِهِ
وَاللهِ عَلَائِفُ يَثْرِبَ ثُمَّ رَجَعَ سَرِيعًا فَضَرَبَ وَجْهَ عِيرِهِ
فَانْطَلَقَ بِهَا مُسَاحِلًا حَتَّى إِذَا رَأَى أَنْ قَدْ أَحْرَزَ
عِيرَهُ بَعَثَ إِلَى قُرَيْشٍ أَنَّ اللهَ قد نجّا [ (21) ] عِيرَكُمْ
وَأَمْوَالَكُمْ وَرِجَالَكُمْ فَارْجِعُوا فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاللهِ
لَا نَرْجِعُ حَتَّى نَأْتِيَ بَدْرًا وَكَانَتْ بَدْرٌ سُوقًا مِنْ
أَسْوَاقِ الْعَرَبِ فَنُقِيمَ بِهَا ثَلَاثًا فَنُطْعِمَ بِهَا الطَّعَامَ
وَنَنْحَرَ بِهَا الْجُزُرَ وَنَسْقِيَ بِهَا الْخَمْرَ وَتَعْزِفَ
عَلَيْنَا الْقِيَانُ وَتَسْمَعَ بِنَا الْعَرَبُ وَبِمَسِيرِنَا فَلَا
يَزَالُونَ يَهَابُونَنَا بَعْدَهَا أَبَدًا قَالَ الْأَخْنَسُ بْنُ
شَرِيقٍ يَا مَعْشَرَ بَنِي زُهْرَةَ إِنَّ الله قد نجا أموالكم ونجا
صَاحِبَكُمْ فَارْجِعُوا. فَأَطَاعُوهُ فَرَجَعَتْ زُهْرَةُ فَلَمْ
يَشْهَدُوهَا وَلَا بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ وَارْتَحَلَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ مَسِيرَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ
بِبَعْضِ وَادِي ذَفَارٍ نَزَلَ وأتاه الخبر
__________
[ (19) ] (ص) : «الجهميين» .
[ (20) ] (ص) و (هـ) : «بعيرهما» .
[ (21) ] هكذا في (ح) ، و (هـ) ، وفي (ص) : رسمت نجىّ، وكذا في سائر
الفقرة.
(3/33)
عَنْ قُرَيْشٍ بِمَسِيرِهِمْ لِيَمْنَعُوا
عِيرَهُمْ فَاسْتَشَارَ رَسُولُ اللهِ صلى اللَّه عليه وسلم النَّاسَ
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (22) ] فَأَحْسَنَ ثُمَّ
قَامَ عُمَرُ فَقَالَ فَأَحْسَنَ ثُمَّ
قَامَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ امْضِ لِمَا
أُمِرْتَ بِهِ فَنَحْنُ مَعَكَ وَاللهِ لَا نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَتْ
بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا
هَهُنَا قَاعِدُونَ، وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا
مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ. فو الذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوْ سِرْتَ بِنَا
إِلَى بَرْكِ الْغِمَادِ لَجَالَدْنَا مَعَكَ مَنْ دُونَهُ حَتَّى
تَبْلُغَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
خَيْرًا وَدَعَا لَهُ بِهِ ثُمَّ قَالَ: أَشِيرُوا عَلَيَّ أَيُّهَا
النَّاسُ وَإِنَّمَا يُرِيدُ الْأَنْصَارَ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ عَدَدُ
النَّاسِ، وَكَانُوا حِينَ بَايَعُوهُ بِالْعَقَبَةِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ
اللهِ إِنَّا برءاء مِنْ ذِمَامِكَ حَتَّى تَصِلَ إِلَى دَارِنَا، فَإِذَا
وَصَلْتَ إِلَيْنَا فَأَنْتَ فِي ذِمَمِنَا نَمْنَعُكَ مِمَّا نَمْنَعُ
مِنْهُ أَنْفُسَنَا وَأَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّفُ أَنْ لَا تَكُونَ
الْأَنْصَارُ تَرَى أَنَّ عَلَيْهَا نُصْرَتَهُ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ،
وَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسِيرَ بِهِمْ إِلَى عَدُوٍّ بِغَيْرِ
بِلَادِهِمْ، فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صلى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: وَاللهِ لَكَأَنَّكَ يَا رَسُولَ
اللهِ تُرِيدُنَا.
قَالَ: أَجَلْ. قَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: فَقَدْ آمَنَّا بِكَ
وَصَدَّقْنَاكَ وَشَهِدْنَا أَنَّ مَا جِئْتَ بِهِ حَقٌّ، وَأَعْطَيْنَاكَ
عَلَى ذَلِكَ عُهُودَنَا وَمَوَاثِيقَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ،
فَامْضِ يَا رَسُولَ اللهِ لِمَا أَرَدْتَ فَنَحْنُ معك، فو الذي بَعَثَكَ
بِالْحَقِّ لَوِ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ لَخُضْنَاهُ مَعَكَ،
مَا تَخَلَّفَ مِنَّا وَاحِدٌ، وَمَا نَكْرَهُ أَنْ نَلْقَى عَدُوَّنَا
غَدًا، إِنَّا لَصُبُرٌ عِنْدَ الْحَرْبِ، صُدُقٌ عِنْدَ اللِّقَاءِ،
وَلَعَلَّ اللهَ يُرِيكَ مِنَّا مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنُكَ، فَسِرْ بِنَا
عَلَى بَرَكَةِ اللهِ، فَسُرَّ بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سِيرُوا
وَأَبْشِرُوا فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ وَعَدَنِي إِحْدَى
الطَّائِفَتَيْنِ، وَاللهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ الآن إلى مَصَارِعَ
الْقَوْمِ.
قَالَ وَمَضَتْ قُرَيْشٌ حَتَّى نَزَلُوا بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى مِنَ
الْوَادِي وَالْقُلُبُ ببدر في
__________
[ (22) ] الزيادة من (ص) .
(3/34)
الْعُدْوَةِ الدُّنْيَا مِنْ بَطْنِ
التَّلِّ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَرْسَلَ اللهُ السَّمَاءَ وَكَانَ
الْوَادِي دَهِسًا فَأَصَابَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وسلم
وَأَصْحَابَهُ مِنْهَا مَا لَبَّدَ لَهُمُ الْأَرْضَ وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ
مِنَ الْمَسِيرِ، وَأَصَابَ قُرَيْشًا مِنْهَا مَا لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ
يَرْتَحِلُوا مَعَهُ فَسَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُبَادِرُهُمْ إِلَى الْمَاءِ حَتَّى نَزَلَ بَدْرًا فَسَبَقَ
قُرَيْشًا إِلَيْهِ
فَلَمَّا جَاءَ أَدْنَى مَاءٍ مِنْ بَدْرٍ نَزَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ
الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْزِلٌ أَنْزَلَكَهُ
اللهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَعَدَّاهُ وَلَا نُقَصِّرُ عَنْهُ أَمْ هُوَ
الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ
وَالْمَكِيدَةُ، فَقَالَ الْحُبَابُ: يَا رَسُولَ اللهِ فَإِنَّ هَذَا
لَيْسَ بِمَنْزِلٍ وَلَكِنِ انْهَضْ حَتَّى تَجْعَلَ الْقُلُبَ كُلَّهَا
مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِكَ ثُمَّ غَوِّرْ كُلَّ قَلِيبٍ بِهَا إِلَّا قَلِيبًا
وَاحِدًا ثُمَّ احْفِرْ عَلَيْهِ حَوْضًا فَنُقَاتِلُ الْقَوْمَ فَنَشْرَبُ
وَلَا يَشْرَبُونَ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَقَالَ
قَدْ أَشَرْتَ بِالرَّأْيِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ فَغُوِّرَتِ الْقُلُبُ وَبَنَى
حَوْضًا عَلَى الْقَلِيبِ الَّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ فَمُلِئَ مَاءً ثُمَّ
قَذَفُوا فِيهِ الْآنِيَةَ وَأَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ حِينَ أَصْبَحَتْ
يَقْدُمُهَا عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ أَحْمَرَ. فَلَمَّا
رَآهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْحَطُّونَ مِنَ
الْكَثِيبِ قَالَ اللهُمَّ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ بِخُيَلَائِهَا
[ (23) ] وَفَخْرِهَا تُحَادُّكَ [ (24) ] وَتُكَذِّبُ رَسُولَكَ اللهُمَّ
فَأَحْنِهِمُ [ (25) ] الْغَدَاةَ» .
ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ إِشَارَةَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ بِتَرْكِ
الْقِتَالِ وَمُوَافَقَةَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ إِيَّاهُ وَمُخَالَفَةَ
أَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَتَعْيِيرَهُ عُتْبَةَ حَتَّى دَعَا عتبة إلى
البراز [ (26) ] .
__________
[ (23) ] الخيلاء: التكبر، والإعجاب بالنفس.
[ (24) ] تحادك: تعاديك، وتمتنع عن طاعتك.
[ (25) ] أحنهم: أهلكهم أفعل من الحين، وهو الهلاك.
[ (26) ] مقتطفات من سيرة ابن هشام (2: 243- 261) .
(3/35)
بَابُ ذِكْرِ عَدَدِ أَصْحَابِ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ خَرَجُوا [ (1) ] مَعَهُ
إِلَى بَدْرٍ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ
إِسْحَاقَ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ
عَازِبٍ، قَالَ: «كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ أَصْحَابَ بَدْرٍ [ (2) ]
كَانُوا ثَلَاثَمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ بِعِدَّةِ [ (3) ] أَصْحَابِ
طَالُوتَ الَّذِينَ جَاوَزُوا مَعَهُ النَّهْرَ وَمَا جَاوَزَ مَعَهُ
إِلَّا مُؤْمِنٌ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ [ (4)
] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ
بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو:
عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ السَّمَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ
بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ يَعْنِي أَحْمَدَ
بْنَ حَنْبَلٍ، قَالَ: حدثني يحيى ابن سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ
__________
[ (1) ] في (ح) : «في ذلك من خرج» ، وأثبتّ ما في (ص) و (هـ) .
[ (2) ] في الأصول الخطية: «أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عليه وسلم»
، وأثبت ما في صحيح البخاري.
[ (3) ] في الأصول: «على عدد» وأثبتّ ما في الصحيح.
[ (4) ] في: 64- كتاب المغازي (6) باب عدة أصحاب بدر، الحديث (3959) ، فتح
الباري (7:
291) ، كما أخرج الحديث ابن ماجة في كتاب الجهاد، باب السرايا عن بندار، عن
أبي عامر العقدي.
(3/36)
الْبَرَاءَ قَالَ: «اسْتُصْغِرْتُ أَنَا
وَابْنُ عُمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ وَكُنَّا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَتَحَدَّثُ أَنَّ عِدَّةَ أَهْلِ بَدْرٍ
ثَلَاثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ كَعِدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ الَّذِينَ
جَاوَزُوا مَعَهُ النَّهْرَ وَمَا جَاوَزَ مَعَهُ النَّهْرَ إِلَّا
مُؤْمِنٌ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي
شَيْبَةَ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ [ (5) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْحَافِظُ إِمْلَاءً قَالَ:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الحسين بْنُ أَبِي عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْجُدِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ قَالَ:
سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: «كَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَوْمَ
بَدْرٍ نَيِّفًا وَثَمَانِينَ، وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ نَيِّفًا
وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ» .
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ وَهْبِ بْنِ
جَرِيرٍ، عَنْ شُعْبَةَ [ (6) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ بِبَغْدَادَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سعيد أَبِي
مَرْيَمَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي
حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَسْلَمُ أَبُو عِمْرَانَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا
أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ، يَقُولُ:
«قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ
بِالْمَدِينَةِ: هَلْ لَكُمْ أَنْ نَخْرُجَ فَنَلْقَى هَذِهِ الْعِيرَ
لَعَلَّ اللهَ يُغْنِمُنَا؟ قُلْنَا: نَعَمْ، فَخَرَجْنَا، فَلَمَّا
سِرْنَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَعَادَّ، فَفَعَلْنَا فَإِذَا نَحْنُ
ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَأَخْبَرْنَا النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعِدَّتِنَا، فَسُرَّ بِذَلِكَ وَحَمِدَ
اللهَ، وَقَالَ: عِدَّةُ أَصْحَابِ طَالُوتَ» .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جعفر
__________
[ (5) ] فتح الباري (7: 391) عَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، و (7: 290) عَنْ
مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ.
[ (6) ] في: 64- كتاب المغازي، (6) باب عدة أصحاب بدر، فتح الباري (7: 290)
.
(3/37)
قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ
سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ
بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيُّ [ (7) ] قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ
سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ
الْجُعْفِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي حُيَيٌّ
عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ
عَمْرٍو «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمَ
بَدْرٍ بِثَلَاثِمِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ كَمَا
خَرَجَ طَالُوتُ. زَادَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ: فَدَعَا
لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ
فَقَالَ اللهُمَّ إِنَّهُمْ حُفَاةٌ فَاحْمِلْهُمْ. اللهُمَّ إِنَّهُمْ
عُرَاةٌ فَاكْسُهُمْ. اللهُمَّ إِنَّهُمْ جِيَاعٌ فَأَشْبِعْهُمْ فَفَتَحَ
اللهُ لَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ فَانْقَلَبُوا وَمَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا
وَقَدْ رَجَعَ بِجَمَلٍ أَوْ جَمَلَيْنِ وَاكْتَسَوْا وَشَبِعُوا» [ (8) ]
.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ
الْخِرَقِيُّ بِبَغْدَادَ [ (9) ] قَالَ: حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَلَّامٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا مسلم ابن إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ
يَعْنِي ابْنَ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ
الْبَرَاءِ قَالَ: «لَمْ يَكُنْ يَوْمَ بَدْرٍ فَارِسٌ غَيْرَ الْمِقْدَادِ
بْنِ الْأَسْوَدِ» .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخِرَقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمْزَةُ
بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَلَّامٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ النَّهْدِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ
عَامِرًا الشَّعْبِيَّ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «مَا
كَانَ فِينَا فَارِسٌ يَوْمَ بَدْرٍ غَيْرَ الْمِقْدَادِ [ (10) ] عَلَى
فَرَسٍ أَبْلَقَ» .
__________
[ (7) ] في (ص) : «العنزي» .
[ (8) ] الحديث أخرجه أبو داود في الجهاد (باب) في نفل السرية تخرج من
العسكر، عن أحمد بْنُ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ وهب، عن حييّ بن عبد الله.
[ (9) ] (ص) : «أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عبد الله الحرفي» ،
وفي (هـ) : «أبو القاسم الخرقي» .
[ (10) ] هو المقداد بن الأسود من أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ،
وكان من الفضلاء النجباء الكبار الخيار مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي مسند أحمد (5: 351) : عليكم بحب أربعة:
علي، وأبي ذر، وسلمان، والمقداد» .
(3/38)
أخبرنا أبو محمد عبد اللهِ بْنُ يُوسُفَ
الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،
عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:
«لَقَدْ رَأَيْتُنَا لَيْلَةَ بَدْرٍ وَمَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا وَهُوَ
نَائِمٌ إِلَّا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ
يُصَلِّي إِلَى شَجَرَةٍ وَيَدْعُو حَتَّى أَصْبَحَ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا
لَيْلَةَ بَدْرٍ وَمَا مِنَّا أَحَدٌ فَارِسٌ إِلَّا الْمِقْدَادَ» .
قَالَ الْحَسَنُ وَحَدَّثنَا أَبُو عَيَّادٍ عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ عَنْ عَلِيٍّ بِنَحْوِهِ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْبَغَوِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
وَهْبٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ
الْبَجَلِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ
عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ لَهُ: «مَا كَانَ
مَعَنَا إِلَّا فَرَسَانِ فَرَسٌ لِلزُّبَيْرِ وَفَرَسٌ لِلْمِقْدَادِ بْنِ
الْأَسْوَدِ يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ» .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ
اللهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْخُرَاسَانِيُّ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُكْرَمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ
عُبَادَةَ قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عن عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ
زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «كُنَّا يَوْمَ بَدْرٍ
نَتَعَاقَبُ ثَلَاثَةٍ عَلَى بَعِيرٍ، فَكَانَ عَلِيٌّ وَأَبُو لُبَابَةَ
زَمِيلَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ إِذَا
كَانَتْ عَقَبَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولَانِ لَهُ: ارْكَبْ حَتَّى نَمْشِيَ، فَيَقُولُ إِنِّي لَسْتُ
بِأَغْنَى عَنِ الْأَجْرِ مِنْكُمَا، وَلَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى عَلَى
الْمَشْيِ مني» [ (11) ] .
__________
[ (11) ] الحديث أخرجه النسائي في السير عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مهدي، عن حماد ابن سلمة، عن عاصم، تحفة الأشراف
(7: 26) ، وأخرجه الحاكم في المستدرك (3:
20) ، وقال: «صحيح على شرط الشيخين» .
(3/39)
هَكَذَا رُوِيَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ
وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ
الْغَنَوِيُّ بَدَلَ أَبِي لُبَابَةَ فَإِنَّ أَبَا لُبَابَةَ رَدَّهُ
النبي صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ مِنَ الرَّوْحَاءِ وَاستَخْلَفَهُ عَلَى
الْمَدِينَةِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ:
حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، قَالَ:
«عِدَّةُ أَهْلِ بَدْرٍ ثَلَاثُمِائَةٍ وثلاثة عشر أَوْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ
مِنْهُمْ سَبْعُونَ وَمِائَتَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ وَبَقِيَّتُهُمْ
سَائِرُ النَّاسِ» .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ قَالَ:
حَدَّثَنَا جُنَيْدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ
قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَشْعَثُ عَنِ الْحَسَنِ
قَالَ: «كَانَ عِدَّةُ أَهْلِ بدر ثلاثمائة وبضعة عشر. بِضْعَةً
وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ وَسَائِرُهُمْ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ فِيهِمُ اثْنَا عَشَرَ مِنَ الْمَوَالِي» قَالَ وَقَالَ
مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ سِيرِينَ «كَانَ عِدَّةُ أَهْلِ بدر ثلاثمائة
وَثَلَاثَةَ عَشَرَ أَوْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَرْبَعَةٌ وَسَبْعِينَ
وَمِائَتَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ وَسَائِرُهُمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ» .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ قَالَ:
حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: قَالَ مَعْمَرٌ سَمِعْتُ
الزُّهْرِيَّ، يَقُولُ: «لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا إِلَّا قُرَشِيٌّ أَوْ
أَنْصَارِيٌّ أَوْ حَلِيفٌ لِوَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ» .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ فِي تَسْمِيَةِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عشر رجلا
منهم من الْمُهَاجِرِينَ سَبْعَةٌ وَسَبْعُونَ وَمِنَ الْأَنْصَارِ
مِائَتَانِ وَسِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا» . وَقَالَ فِي رِوَايَةِ
عَبْدِ اللهِ بْنِ إِدْرِيسَ عَنْهُ: «عِدَّةُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بدر
ثلاثمائة وثلاثة عشر
(3/40)
رَجُلًا مِنْهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ
وَالْمُهَاجِرِينَ أَرْبَعَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا وَسَائِرُهُمْ مِنَ
الْأَنْصَارِ» .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ابْنُ سُفْيَانَ قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ
عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ فَذَكَرَهُ.
وَذَكَرَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْهُ أَسْمَاءَهُمْ وَذَكَرَهَا أَيْضًا
مُوسَى ابن عُقْبَةَ وَغَيْرُهُمَا وَمِنْ عَزْمِي أَنْ أُؤَخِّرَ ذِكْرَ
أَسَامِي مَنْ شَهِدَ مَشْهَدًا مِنْ مَشَاهِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللَّه عليه وسلم ثُمَّ أُفْرِدُهُ إِنْ شَاءَ اللهُ فِي جُزْءٍ لِئَلَّا
يَطُولَ بِهِ الْكِتَابُ وَاللهُ الْمُوَّفِقُ للصواب والسداد [ (12) ] .
__________
[ (12) ] في (ح) و (ص) : «للسداد» .
(3/41)
بَابُ ذِكْرِ عَدَدِ الْمُشْرِكِينَ
الَّذِينَ سَارُوا إِلَى بَدْرٍ
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ،
قال: أخبرنا أبو سعيد ابن الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ
بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ
مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: «أَخَذْنَا رَجُلَيْنِ يَوْمَ بَدْرٍ
أَحَدُهُمَا عَرَبِيٌّ وَالْآخَرُ مَوْلًى فَأَفْلَتَ الْعَرَبِيُّ
وَأَخَذْنَا الْمَوْلَى مَوْلًى لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، فَقَالَ:
كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ شَدِيدٌ بَأْسُهُمْ، فَجَعَلْنَا نَضْرِبُهُ حَتَّى
انْتَهَيْنَا بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَأَبَى أَنْ يُخْبِرَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: كَمْ تَنْحَرُونَ مِنَ الْجَزُورِ؟ فَقَالَ: فِي كُلِّ يَوْمٍ
عَشْرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وسلم: الْقَوْمُ أَلْفٌ
لِكُلِّ جَزُورٍ مِائَةٌ» .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ
عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، قَالَ:
بَعَثَ «رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَنَا مِنْ
بَدْرٍ: عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ
وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ
يَتَجَسَّسُونَ [ (13) ] لَهُ الْخَبَرَ فَأَصَابُوا سُقَاةً لِقُرَيْشٍ
غُلَامًا لِبَنِي سعيد بن العاص،
__________
[ (13) ] في (ص) و (هـ) : «يتحسبون» ، وفي سيرة ابن هشام: «يلتمسون» .
(3/42)
وَغُلَامًا لِبَنِي الْحَجَّاجِ فَأَتَوْا
بِهِمَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ
الْقِصَّةَ قَالَ فِيهَا كَمِ النَّاسُ؟
قَالُوا كَثِيرٌ مَا نَدْرِي مَا عَدَدُهُمْ قَالَ كَمْ يَنْحَرُونَ كُلَّ
يَوْمٍ؟ قَالُوا: يَوْمًا عَشْرًا وَيَوْمًا تِسْعًا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم: الْقَوْمُ بَيْنَ الْأَلْفِ
وَالْتِسْعِمِائَةِ ثُمَّ قَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه
وَسَلَّمَ: مَنْ فِيهِمْ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ؟ فَقَالَا عُتْبَةُ
وَشَيْبَةُ وَذَكَرَا صَنَادِيدَهُمْ ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وسلم عَلَى النَّاسِ فَقَالَ هَذِهِ مَكَّةُ قَدْ أَلْقَتْ
إِلَيْكُمْ أَفْلَاذَ [ (14) ] كبدها» [ (15) ] .
__________
[ (14) ] (أفلاذ كبدها) : جمع فلذة وهي القطعة.
[ (15) ] سيرة ابن هِشَامٍ (2: 255- 256) .
(3/43)
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْعَرِيشِ الَّذِي
بُنِيَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ حِينَ الْتَقَى
النَّاسُ يَوْمَ بَدْرٍ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ «أَنَّ
سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَمَّا الْتَقَى النَّاسُ يَوْمَ بَدْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ
أَلَا نَبْنِي لَكَ عَرِيشًا فَتَكُونَ فِيهِ وَنُنِيخُ لَكَ رَكَائِبَكَ
وَنَلْقَى عَدُوَّنَا فَإِنْ أَظْهَرَنَا اللهُ عَلَيْهِمْ وَأَنْجَزَنَا
فَذَاكَ مَا أَحَبُّ إِلَيْنَا وَإِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى فَتَجْلِسُ عَلَى
رَكَائِبِكَ وَتَلْحَقُ بِمَنْ وَرَاءَنَا مِنْ قَوْمِنَا فَقَدْ وَاللهِ
تَخَلَّفَ عَنْكَ أَقْوَامٌ مَا نَحْنُ لَكَ بِأَشَدَّ حُبًّا مِنْهُمْ
لَوْ عَلِمُوا أَنْ نَلْقَى حَرْبًا مَا تَخَلَّفُوا عَنْكَ.
يُوَادُّونَكَ وَيَنْصُرُونَكَ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا وَدَعَا لَهُ بِهِ فَبُنِيَ لِرَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ عَرِيشٌ فَكَانَ فِيهِ وَأَبُو بَكْرٍ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَا مَعَهُمَا غَيْرُهُمَا» [ (16) ] .
__________
[ (16) ] سيرة ابن هِشَامٍ (2: 260) .
(3/44)
بَابُ مَا جَاءَ فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَبْلَ الْتِقَاءِ
الْجَمْعَيْنِ وَبَعْدَهُ، وَدُعَاءِ أَصْحَابِهِ عَلَيْهِمْ،
وَاسْتِغَاثَتِهِمْ رَبَّهُمْ، وَاسْتِجَابَةِ اللهِ تَعَالَى لَهُمْ،
وَإِمْدَادِهِمْ بِالْمَلَائِكَةِ، وَإِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه
عليه وَسَلَّمَ عَنْ مَصَارِعِ الْقَوْمِ قَبْلَ وُقُوعِهَا، ومَا ظَهَرَ
فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ
قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى
الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ
الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ
بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ
وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ. إِذْ تَسْتَغِيثُونَ
رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ
الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [ (1) ] وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْآيَاتِ فِي
النُّعَاسِ وَإِنْزَالِ الْمَطَرِ وَالتَّثْبِيتِ وَالتَّقْلِيلِ فِي
الْعَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو
عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وَأَبُو مُحَمَّدٍ جَنَاحُ بْنُ بُدَيْرِ [ (2) ]
بْنِ جَنَاحٍ الْمُحَارِبِيُّ بِالْكُوفَةِ قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو
جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ رحيم قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ
بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ
مُوسَى وَأَبُو نُعَيْمٍ قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ مُخَارِقٍ
عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ
__________
[ (1) ] الآيات الكريمة (7- 9) من سورة الأنفال.
[ (2) ] ص: «نذير» .
(3/45)
«شَهِدْتُ مِنَ الْمِقْدَادِ مَشْهَدًا
لَأَنْ أَكُونَ صَاحِبَهُ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ، أَتَى
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَدْعُو عَلَى
الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: لَا نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى
لِمُوسَى: (اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا) إِنَّا هَهُنَا
قَاعِدُونَ، وَلَكِنْ نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ، وَعَنْ شِمَالِكَ، وَمِنْ
بَيْنِ يَدَيْكَ وَمِنْ خَلْفِكَ، قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ [ (3) ]
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْرَقَ [وَجْهُهُ] [ (4) ] لِذَلِكَ
وَسُرَّ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ [ (5) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بكر محمد ابن بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
التَّمَّارُ بِالْبَصْرَةِ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ
الْأَشْعَثَ السِّجِسْتَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ،
حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَدَبَ أَصْحَابَهُ، فَانْطَلَقَ إِلَى
بَدْرٍ، فَإِذَا هُمْ بِرَوَايَا قُرَيْشٍ فِيهَا بعد أَسْوَدُ لِبَنِي
الْحَجَّاجِ، فَأَخَذَهُ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ أَيْنَ أَبُو سُفْيَانَ؟ فَيَقُولُ:
والله مالي بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ عِلْمٌ، وَلَكِنْ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ
جَاءَتْ فِيهِمْ: أَبُو جَهْلٍ، وعتبة، وشيبة ابنا ربيعة، وَأُمَيَّةُ بْنُ
خَلَفٍ، قَالَ: فَإِذَا قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ ضَرَبُوهُ، فَيَقُولُ:
دَعُونِي، دَعُونِي أُخْبِرْكُمْ، فَإِذَا تَرَكُوهُ قَالَ: والله مالي
بِأَبِي سُفْيَانَ مِنْ عِلْمٍ وَلَكِنْ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ
فِيهِمْ أَبُو جَهْلٍ وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ،
قَدْ أَقْبَلُوا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي،
وَهُوَ يَسْمَعُ ذَلِكَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَتَضْرِبُوهُ إِذَا صَدَقَكُمْ، وَتَدَعُونَهُ إِذَا
كَذَبَكُمْ. هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ لِتَمْنَعَ أبا سفيان.
__________
[ (3) ] في الصحيح: «النبي» .
[ (4) ] الزيادة من الصحيح.
[ (5) ] الحديث أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي (4) باب قول الله
تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ ... ، فتح الباري
(7: 287) ، وأعاده في التفسير مرتين، مرة عن أبي نعيم، ومرة عن حمدان بن
عمر، تفسير سورة المائدة، باب قوله، فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا
إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ.
(3/46)
قَالَ أَنَسٌ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا، وَوَضَعَ يَدَهُ
عَلَى الْأَرْضِ، وَهَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى
الْأَرْضِ، وَهَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى
الْأَرْضِ، فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا جَاوَزَ أَحَدٌ
مِنْهُمْ عَنْ مَوْضِعِ يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأُخِذَ بِأَرْجُلِهِمْ فَسُحِبُوا فَأُلْقُوا فِي قَلِيبِ بَدْرٍ» [ (6)
] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو
عَمْرِو بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ
سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ
ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
شَاوَرَ [ (7) ] حِينَ بَلَغَهُ إِقْبَالُ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ:
فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ
تَكَلَّمَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَقَامَ سَعْدُ
بْنُ عُبَادَةَ، فَقَالَ: إِيَّانَا تُرِيدُ؟ يَا رَسُولَ اللهِ! صَلَّى
الله عَلَيْكَ. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ
نُخِيضَهَا الْبَحْرَ لَأَخَضْنَاهَا [ (8) ] ، وَلَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ
نَضْرِبَ أَكْبَادَهَا [ (9) ] إِلَى بَرْكِ الْغِمَادِ [ (10) ]
لَفَعَلْنَا قَالَ: فَنَدَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ النَّاسَ فَانْطَلَقُوا حَتَّى نَزَلُوا بَدْرًا» ثُمَّ ذَكَرَ
الْحَدِيثَ فِي الْغُلَامِ الْأَسْوَدِ الَّذِي أَخَذُوهُ، وَقَوْلَهُ فِي
مَصَارِعِ الْقَوْمِ بِمَعْنَى رِوَايَةِ مُوسَى.
__________
[ (6) ] أَخْرَجَهُ أبو داود في كتاب الجهاد، (باب) في الأسير ينال منه
ويضرب، الحديث (2681) ، صفحة (3: 58) .
[ (7) ] قال العلماء: إنما قصد صلى اللَّه عليه وسلم اختيار الأنصار، لأنه
لم يكن بايعهم على أن يخرجوا معه للقتال وطلب العدوّ، وإنما بايعهم على أن
يمنعوه ممن يقصده، فلما عرض الخروج لعير أبي سفيان أراد أن يعلم أنهم
يوافقون على ذلك، فأجابوه أحسن جواب.
[ (8) ] يعني الخيل، أي لو أمرتنا بإدخال خيولنا في البحر وتمشيتنا إياها
فيه لفعلنا.
[ (9) ] (أن نضرب أكبادها) كناية عن ركضها، فإن الفارس إذا أراد ركض مركوبه
يحرك رجليه من جانبيه، ضاربا على موضع كبده.
[ (10) ] (برك الغماد) هو موضوع من وراء مكة بناحية الساحل، وقيل: هو موضع
بأقاصي هجر.
(3/47)
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [ (11) ] فِي
الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ.
هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَقَالَ
غَيْرُهُ: سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ رَحِمَهُ
اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ
[الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ:] [ (12) ] حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ
الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:
تَرَاءَيْنَا الْهِلَالَ فَمَا مِنْ أَحَدٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَآهُ غَيْرِي
[ (13) ] ، فَقُلْتُ لِعُمَرَ:
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَمَا تَرَاهُ، فَجَعَلْتُ أُرِيهِ إِيَّاهُ،
فَلَمَّا أعياه أَنْ يَرَاهُ قَالَ: سَأَرَاهُ وَأَنَا مُسْتَلْقٍ عَلَى
فِرَاشِي، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا عَنْ يَوْمِ بَدْرٍ، فَقَالَ: إِنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُخْبِرُنَا عَنْ
مَصَارِعِ الْقَوْمِ بِالْأَمْسِ [ (14) ] ، هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ إِنْ
شَاءَ اللهُ غَدًا، هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ إِنْ شَاءَ اللهُ غَدًا، فو
الذي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا أَخْطَئُوا تِلْكَ الْحُدُودَ [ (15) ]
جَعَلُوا يُصْرَعُونَ عَلَيْهَا، ثُمَّ أُلْقُوا فِي الْقَلِيبِ،
وَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا فُلَانُ
بْنَ فُلَانٍ، وَيَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ، هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ
رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فَقَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا فَقُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللهِ! أَتُكَلِّمُ أَجْسَادًا لَا أَرْوَاحَ فِيهَا؟ فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ،
مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ
يَرُدُّوا عَلَيَّ» .
__________
[ (11) ] أخرجه مسلم في: 32- كتاب الجهاد والسير، (30) باب غزوة بدر،
الحديث (83) ، صفحة (3: 1403- 1404) .
[ (12) ] الزيادة من (ص) و (هـ) .
[ (13) ] في صحيح مسلم: «وكنت حديد البصر، فرأيته، وليس أَحَدٍ يَزْعُمُ
أَنَّهُ رَآهُ غيري، فجعلت أقول لعمر: أما تراه ... » .
[ (14) ] في الصحيح: «أن رسول الله صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
يرينا مصارع أهل بدر، يقول ... » .
[ (15) ] في مسلم: «ما أخطئوا الحدود التي حدّ رسول الله صلى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
(3/48)
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ
شَيْبَانَ، وَغَيْرِهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ [ (16) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ
الْإِسْفَرَائِنِيُّ بِهَا، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ
حَارِثَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: «مَا كَانَ فِينَا
فَارِسٌ يَوْمَ بَدْرٍ غَيْرَ الْمِقْدَادِ عَلَى فَرَسٍ أَبْلَقَ،
وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا فِينَا إِلَّا نَائِمٌ إِلَّا رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ سَمُرَةٍ، يُصَلِّي وَيَبْكِي
حَتَّى أَصْبَحَ [ (17) ] » .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
سِنَانٍ الْقَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ
الْمَجِيدِ أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ
بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَوْهَبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ
بْنُ عَوْنٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ
بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ- قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ قَاتَلْتُ شَيْئًا مِنْ
قِتَالٍ ثُمَّ جِئْتُ مُسْرِعًا لِأَنْظُرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فَعَلَ فَجِئْتُ فَإِذَا هُوَ سَاجِدٌ
يَقُولُ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ لَا يَزِيدُ
عَلَيْهَا فَرَجَعْتُ إِلَى الْقِتَالِ، ثُمَّ جِئْتُ وَهُوَ سَاجِدٌ
يَقُولُ ذَلِكَ ثُمَّ ذَهَبْتُ إِلَى الْقِتَالِ، ثُمَّ جِئْتُ وَهُوَ
سَاجِدٌ يَقُولُ ذَلِكَ فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذَلِكَ حَتَّى فَتَحَ اللهُ
عَلَيْهِ» [ (18) ] .
__________
[ (16) ] صحيح مسلم، في: 51- كتاب الجنة، وصفة نعيمها وأهلها (17) باب عرض
مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، وإثبات عذاب القبر، والتعوذ منه،
الحديث (76) ، ص (4:
2202- 2203) .
[ (17) ] الحديث أخرجه النسائي في السنن الكبرى، في الصلاة، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ الْمُثَنَّى، عن محمد، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ
حَارِثَةَ بْنِ مضرب،.. تحفة الأشراف (7: 357) .
[ (18) ] الخبر في طبقات ابن سعد (2: 17) ، وقال ابن كثير في البداية
والنهاية (3: 267) : كانت ليلة
(3/49)
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ
الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ إِسْمَاعِيلُ
بْنُ عَبْدِ اللهِ بن مُحَمَّدٍ الْمِيكَالِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللهِ بْنُ أَحْمَدَ الْأَهْوَازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ
عُثْمَانَ الْعَسْكَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ الْأَعْمَشِ،
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
«مَا سَمِعْتُ مُنَاشِدًا يَنْشُدُ حَقًّا لَهُ أَشَدَّ مِنْ مُنَاشَدَةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم يَوْمَ بَدْرٍ، جَعَلَ يَقُولُ:
اللهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ
هَذِهِ الْعِصَابَةَ لَا تُعْبَدْ، ثُمَّ الْتَفَتَ وَكَأَنَّ شِقَّ
وَجْهِهِ الْقَمَرُ، فَقَالَ: كَأَنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى مَصَارِعِ
الْقَوْمِ عَشِيَّةً» [ (19) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبِسْطَامِيُّ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي
الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، وَعِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، قَالَا:
حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ
اللهِ عَنْ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى النَّرْسِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ فِي قُبَّتِهِ يَوْمَ بَدْرٍ: اللهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ
عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ اللهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ الْيَوْمِ
أَبَدًا، فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ فَقَالَ:
حَسْبُكَ حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَدْ أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ،
وَهُوَ فِي الدِّرْعِ فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ
وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى
وَأَمَرُّ» [ (20) ] .
__________
[ () ] بدر ليلة الجمعة السابعة عشر مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ اثنتين
من الهجرة، وقد بَاتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُصَلِّي إِلَى جذم شجرة هناك، ويكثر في سجوده أن يَقُولُ: «يَا حَيُّ يَا
قيوم» يكرر ذلك- عليه السلام-.
وثبت من حديث عَلِيٍّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى
اللَّه عليه وسلم بات ليلة بدر تحت شجرة يُصَلِّي وَيَبْكِي حَتَّى
أَصْبَحَ، وفي سيرة ابن هشام: أن رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم عدّل صفوف
أصحابه يوم بدر، وكان يحرضهم على القتال، ورمى المشركين بالحصباء، ونهى عن
قتل ناس من المشركين كل ذلك أثناء المعركة.
[ (19) ] أخرجه مسلم مطولا، في 32- كتاب الجهاد، (18) باب الإمداد
بالملائكة في غزوة بدر، ح (58) ، ص (3: 1383- 1384) ، والإمام أحمد في
«مسنده» (1: 30، 32) .
[ (20) ] الآيتان الكريمتان (45- 46) من سورة القمر.
(3/50)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (21) ] فِي
الصَّحِيحِ [ (22) ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ
عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ.
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ الْجُرْجَانِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، قَالَ:
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ
الْحَنَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ ابن عَمَّارٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو زُمَيْلٍ وَهُوَ سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي
عَبْدُ اللهِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ
أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا،
فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ [ (23) ]
مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ
مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ
عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، فَقَالَ: يَا
نَبِيَّ اللهِ كَذَلِكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ
مَا وَعَدَكَ. فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ
رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ
الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [ (24) ] . فَأَمَدَّهُ اللهُ بِالْمَلَائِكَةِ.
قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ: فَحَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَيْنَمَا
رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يومئذ
__________
[ (21) ] في الأصول: «رواه البخاري ومسلم» ، والأصوب أن البخاري رواه فقط
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله ابن حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ
الثَّقَفِيِّ، ولو أن الحديث في البخاري ومسلم لكان المصنف قد ذكر أن مسلما
رواه عن فلان وفلان وهذا يفتقده النص، فزيادة مسلم من بعض النساخ.
[ (22) ] أخرجه البخاري في: 65- كتاب التفسير، تفسير سورة القمر، (5) باب
قوله: «سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ» ، الحديث (4875) ،
فتح الباري (8: 619) .
كما أخرجه البخاري في كتاب الجهاد (باب) ما قيل في درع النبي صلى اللَّه
عليه وسلم والقميص في الحرب، عن أبي موسى، وفي كتاب المغازي (باب) «إذ
تستغيثون ربكم» عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَوْشَبٍ.
[ (23) ] (فجعل يهتف بربه) معناه: يصيح،
ويستغيث بالله بالدعاء، وجاء بعدها: «اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم! آت
ما وعدتني، اللهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ العصابة من أهل الإسلام لَا
تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ، فما زال يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ ...
[ (24) ] الآية الكريمة (9) سورة الأنفال.
(3/51)
يَشْتَدُّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ
وَصَوْتُ الْفَارِسِ يَقُولُ أَقْدِمْ حَيْزُومُ [ (25) ] إِذْ نَظَرَ
إِلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا فَنَظَرْنَا إِلَيْهِ
فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ وَشُقَّ وَجْهُهُ كَضَرْبَةِ السَّوْطِ
فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ فَجَاءَ الْأَنْصَارِيُّ فَحَدَّثَ ذَلِكَ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: صَدَقْتَ ذَلِكَ
مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَقَتَلُوا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ
وَأَسَرُوا سَبْعِينَ» [ (26) ] .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ
عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ
قَالَ: «حَضَرْتُ أَنَا وَابْنُ عَمٍّ لِي بَدْرًا وَنَحْنُ عَلَى
شِرْكِنَا فَإِنَّا لَفِي [ (27) ] جَبَلٍ نَنْتَظِرُ الْوَقْعَةَ عَلَى
مَنْ تَكُونُ الدَّبْرَةُ [ (28) ] فنتهب، فَأَقْبَلَتْ سَحَابَةٌ،
فَلَمَّا دَنَتْ مِنَ الْجَبَلِ سَمِعْنَا فِيهَا حَمْحَمَةَ الْخَيْلِ
وَسَمِعْنَا فِيهَا فَارِسًا يَقُولُ أَقْدِمْ حَيْزُومُ فَأَمَّا صَاحِبِي
فَانْكَشَفَ قِنَاعُ قَلْبِهِ فَمَاتَ مَكَانَهُ، وَأَمَّا أَنَا فَكِدْتُ
أَنْ أَهْلِكَ ثُمَّ انْتَعَشْتُ [ (29) ] بَعْدَ ذَلِكَ» [ (30) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وَأَبُو سعيد بن أبي عمرو
قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ
بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ
أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ بَعْضِ
__________
[ (25) ] حيزوم: اسم فرس الملك، وهو منادى بحذف حرف النداء، أي: يا حيزوم.
[ (26) ] أخرجه مسلم في: 32- كتاب الجهاد والسير، (18) باب الإمداد
بالملائكة في غزوة بدر، ح (58) ، ص (1383) .
[ (27) ] في (ص) : «لعلى» .
[ (28) ] (الدبرة) الهزيمة، وعلى من تكون الدائرة.
[ (29) ] في السيرة: «ثم تماسكت» .
[ (30) ] سيرة ابن هشام (2: 273- 274) .
(3/52)
بَنِي سَاعِدَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا
أُسَيْدٍ مَالِكَ بْنَ ربيعة بعد ما أُصِيبَ بَصَرُهُ، يَقُولُ: «لَوْ
كُنْتُ مَعَكُمْ بِبَدْرٍ الْآنَ وَمَعِي بَصَرِي لَأَخْبَرْتُكُمْ
بِالشِّعْبِ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ، لَا أَشُكُّ وَلَا
أَتَمَارَى» [ (31) ] .
فَلَمَّا نَزَلَتِ الْمَلَائِكَةُ وَرَآهَا إِبْلِيسُ وَأَوْحَى اللهُ
إِلَيْهِمْ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا،
وَتَثْبِيتُهُمْ: أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَأْتِي الرَّجُلَ فِي صُورَةِ
الرَّجُلِ تَعْرِفُهُ فَيَقُولُ [ (32) ] :
أَبْشِرُوا فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ وَاللهُ مَعَكُمْ، كُرُّوا
عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا رَأَى إِبْلِيسُ الْمَلَائِكَةَ نَكَصَ عَلَى
عَقِبَيْهِ، وَقَالَ: إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ، وَهُوَ فِي صُورَةِ
سُرَاقَةَ، وَأَقْبَلَ أَبُو جَهْلٍ يُحَضِّضُ أَصْحَابَهُ وَيَقُولُ لا
يهولنّكم خزلان سُرَاقَةَ إِيَّاكُمْ فَإِنَّهُ كَانَ عَلَى مَوْعِدٍ مِنْ
مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَا
نَرْجِعُ حَتَّى نُقَرِّنَ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ فِي الْحِبَالِ فَلَا
تَقْتُلُوهُمْ وَخُذُوهُمْ أَخْذًا» .
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ الْمِسْوَرِيُّ [ (33) ] قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عُزَيْزٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سَلَامَةُ عَنْ عُقَيْلٍ قَالَ:
حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ قَالَ:
قَالَ أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: قَالَ أَبُو أُسَيْدٍ
السَّاعِدِيُّ بعد ما ذهب بصره:
«يا بن أَخِي وَاللهِ لَوْ كُنْتُ أَنَا وَأَنْتَ بِبَدْرٍ ثُمَّ أَطْلَقَ
اللهُ لِي بَصَرِي لَأَرَيْتُكَ الشِّعْبَ الَّذِي خَرَجَتْ علينا من
الْمَلَائِكَةُ غَيْرَ شَكٍّ فَلَا تُمَارِ» .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ
اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بُطَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ
بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَبِيبٍ
عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ
__________
[ (31) ] سيرة ابن هشام (2: 274) .
[ (32) ] في (ص) و (هـ) : «يعرفه فقال» .
[ (33) ] في (ح) و (هـ) : «المسروري» .
(3/53)
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (ح) .
قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ
التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ (ح) .
قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَائِذُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ عَنْ
عُمَارَةَ بْنِ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ،
قَالُوا: «لَمَّا حَضَرَ الْقِتَالُ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَافِعٌ يَدَيْهِ يَسْأَلُ اللهَ النَّصْرَ وَمَا
وَعَدَهُ وَيَقُولُ: اللهُمَّ إِنْ ظَهَرُوا عَلَى هَذِهِ الْعِصَابَةِ
ظَهَرَ الشِّرْكُ وَلَا يَقُومُ لَكَ دِينٌ وَأَبُو بَكْرٍ يَقُولُ:
وَاللهِ لَيَنْصُرَنَّكَ اللهُ أَوْ لَيُبَيِّضَنَّ وَجْهَكَ، فَأَنْزَلَ
اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ عِنْدَ
أَكْتَافِ الْعَدُوِّ. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: أَبْشِرْ يَا أَبَا بَكْرٍ هَذَا جِبْرِيلُ مُعْتَجِرٌ
بِعِمَامَةٍ صَفْرَاءَ آخِذٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ بَيْنَ السَّمَاءِ
وَالْأَرْضِ، فَلَمَّا نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ تَغَيَّبَ عَنِّي سَاعَةً،
ثُمَّ طَلَعَ عَلَى ثَنَايَاهُ النَّقْعُ يَقُولُ: أَتَاكَ نَصْرُ اللهِ
إِذْ دَعَوْتَهُ» [ (34) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ،
قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الضَّبِّيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الْفَرَّاءُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ
بَدْرٍ هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ رَأْسَ فَرَسِهِ عَلَيْهِ أَدَاةُ الْحَرْبِ»
.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى [
(35) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ
__________
[ (34) ] نقل ابن كثير بعضه في البداية والنهاية (3: 276) ، ونقله الصالحي
في السيرة الشامية (4:
60) .
[ (35) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي، (11) باب شهود الملائكة
بدرا، الحديث (3995) ، فتح الباري (7: 312) .
(3/54)
الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ السَّعْدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَثْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ
يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْحُوَيْرِثِ أَنَّ
مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيًّا
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: «بَيْنَمَا أَنَا أَمْتَحُ
مِنْ قَلِيبِ بَدْرٍ إِذْ جَاءَتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ لَمْ أَرَ مِثْلَهَا
قَطُّ ثُمَّ ذَهَبَتْ، ثُمَّ جَاءَتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ لَمْ أَرَ مِثْلَهَا
قَطُّ إِلَّا الَّتِي كَانَتْ قَبْلَهَا، وَأَظُنُّهُ ذَكَرَ: ثُمَّ
جَاءَتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ قَالَ: فَكَانَتِ الرِّيحُ الْأُولَى جِبْرِيلَ
عَلَيْهِ السَّلَامُ نَزَلَ فِي أَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَعَ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتِ الرِّيحُ الثَّانِيَةُ
مِيكَائِيلَ نَزَلَ فِي أَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ
يَمِينِهِ. وَكَانَتِ الرِّيحُ الثَّالِثَةُ إِسْرَافِيلَ نَزَلَ فِي
أَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَنْ مَيْسَرَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي الْمَيْسَرَةِ، فَلَمَّا هَزَمَ اللهُ
أَعْدَاءَهُ حَمَلَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وسلم عَلَى
فَرَسِهِ فَجَمَزَتْ [ (36) ] بِي فَوَقَعْتُ عَلَى عَقِبِي فَدَعَوْتُ
اللهَ فَأَمْسَكَتْ فَلَمَّا اسْتَوَيْتُ عَلَيْهَا طَعَنْتُ بِيَدِي
هَذِهِ فِي الْقَوْمِ حَتَّى اخْتَضَبَ هَذَا. وَأَشَارَ إِلَى إِبْطِهِ» [
(37) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو
قَالَا: حَدَّثَنَا أبو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ
بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ أَبِي عَوْنٍ عَنْ أَبِي
صَالِحٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «قِيلَ لِي وَلِأَبِي
بَكْرٍ يَوْمَ بَدْرٍ قِيلَ لِأَحَدِنَا: مَعَكَ جِبْرِيلُ وَقِيلَ
لِلْآخَرِ مَعَكَ مِيكَائِيلُ وَإِسْرَافِيلُ مَلَكٌ عَظِيمٌ يَشْهَدُ
الْقِتَالَ وَلَا يُقَاتِلُ ويكون في الصف» [ (38) ] .
__________
[ (36) ] فجمزت: أي خرت، وفي بعض الروايات: فخرت.
[ (37) ] أخرجه أبو يعلى والحاكم عَنْ عَلِيٍّ- رَضِيَ اللهُ عنه-، ذكره
الهيثمي في مجمع الزوائد (6:
77) ، وقال: رواه أبو يعلى، ورجاله ثقات، ونقل بعضه الحافظ ابن كثير في
«البداية والنهاية (3: 279) ، ونقله الصالحي في السيرة الشامية (4: 61) ،
والسيوطي في الخصائص الكبرى (1: 200) .
[ (38) ] مسند الإمام أحمد (2: 255) ط. دار المعارف، ونقله الحافظ ابن كثير
في البداية والنهاية (3: 279) ، والسيوطي في الخصائص الكبرى (1: 201) ،
والصالحي في السيرة الشامية (4: 63) وعزاه للإمام أحمد، والبزار، والحاكم.
(3/55)
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ
إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ
الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
الْعَبْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عبد الله ابْنُ بُكَيْرٍ،
قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا الْحُمَيْدِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: قَالَ لِي أَبِي: «يَا
بُنَيَّ لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ بَدْرٍ وَإِنَّ أَحَدَنَا يُشِيرُ
بِسَيْفِهِ إِلَى رَأْسِ الْمُشْرِكِ فَيَقَعُ رَأْسُهُ عَنْ جَسَدِهِ
قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ» [ (39) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي وَالِدِي إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، حَدَّثَنِي
رِجَالٌ مِنْ بَنِي مَازِنٍ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ:
«إِنِّي لَأَتْبَعُ يَوْمَ بَدْرٍ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ
لِأَضْرِبَهُ فَوَقَعَ رَأْسُهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ سَيْفِي
فَعَرَفْتُ أَنَّ غَيْرِي قَدْ قَتَلَهُ» [ (40) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ وَأَبُو سَعِيدِ بن أبي عَمْرٍو قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ ابن يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ
عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللهِ التَّمِيمِيِّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ
قَالَ: «كَانَ النَّاسُ يَوْمَ بَدْرٍ يَعْرِفُونَ قَتْلَى الْمَلَائِكَةِ
مِمَّنْ قَتَلُوهُمْ بِضَرْبٍ فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَعَلَى الْبَنَانِ
مِثْلِ سِمَةِ النَّارِ قَدْ أُحْرِقَ بِهِ» [ (41) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي
الْحُسَيْنُ بْنُ علي بن محمد بن
__________
[ (39) ] البداية والنهاية (3: 380- 381) عن المصنف، والصالحي في السيرة
الشامية (4: 63) عن البيهقي، وأبو نعيم.
[ (40) ] سيرة ابن هشام (2: 274) .
[ (41) ] نقله الحافظ بن كثير في البداية والنهاية (3: 281) ، والصالحي في
السيرة الشامية (4:
63) كلاهما عن المصنف.
(3/56)
يحيى الدَّارِمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ
زُرَارَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنَ لَا أَتَّهِمُ عَنْ مِقْسَمٍ
مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَتْ
سِيمَاءُ الْمَلَائِكَةِ يَوْمَ بَدْرٍ عمائم بيض قَدْ أَرْسَلُوهَا فِي
ظُهُورِهِمْ، ويوم حنين عمائم حمر وَلَمْ يُقَاتِلِ الْمَلَائِكَةُ فِي
يَوْمٍ سِوَى يَوْمِ بَدْرٍ مِنَ الْأَيَّامِ وَكَانُوا يَكُونُونَ فِيمَا
سِوَاهُ مِنَ الْأَيَّامِ عَدَدًا وَمَدَدًا لَا يَضْرِبُونَ» [ (42) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ
الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي
عَبْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ
مُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مَوْلًى لِسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ:
سَمِعْتُ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو، يَقُولُ: «لَقَدْ رَأَيْتُ يَوْمَ بَدْرٍ
رِجَالًا بِيضًا عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
مُعَلَّمِينَ يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ وَكَانَ أَبُو أُسَيْدٍ
السَّاعِدِيُّ يُحَدِّثُ بَعْدَ أَنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ قَالَ: لَوْ كُنْتُ
مَعَكُمُ الْآنَ بِبَدْرٍ وَمَعِي بَصَرِي لَأَرَيْتُكُمُ الشِّعْبَ
الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ لَا أَشُكُّ وَلَا أَمْتَرِي» [
(43) ] .
قَالَ: فَحَدَّثَنِي خَارِجَةُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
«قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجِبْرِيلَ مَنِ
الْقَائِلُ يَوْمَ بَدْرٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَقْدِمْ حَيْزُومُ؟ فَقَالَ
جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ مَا كُلَّ أَهْلِ السَّمَاءِ أَعْرِفُ» [ (44) ]
.
قَالَ: فَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى عَنْ حَمْزَةَ بْنِ صُهَيْبٍ
عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «فَمَا أَدْرِي كَمْ يَدٌ مَقْطُوعَةٌ أَوْ ضَرْبَةٌ
جَائِفَةٌ لَمْ يَدْمُ كَلْمُهَا [ (45) ] يَوْمَ بدر قد رأيتها» [ (46) ]
.
__________
[ (42) ] سيرة ابن هشام (2: 274) .
[ (43) ] البداية والنهاية (3: 281) ، والخصائص الكبرى (1: 201) ، وسبل
الهدى (4: 63) .
[ (44) ] البداية والنهاية (3: 281) ، سبل الهدى (4: 63) .
[ (45) ] في (ح) و (هـ) : «كلها» .
[ (46) ] البداية والنهاية (3: 281) .
(3/57)
قَالَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
يَحْيَى عَنْ أَبِي عَقِيلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِي
خَيْثَمَةَ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ،
قَالَ: «جِئْتُ يَوْمَ بَدْرٍ بثلاثة رؤوس فَوَضَعْتُهُنَّ بَيْنَ يَدَيِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ:
أَمَّا رَأْسَانِ فَقَتَلْتُهُمَا، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَإِنِّي
رَأَيْتُ رَجُلًا أَبْيَضَ طَوِيلًا ضَرَبَهُ فَأَخَذْتُ رَأْسَهُ فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكَ فُلَانٌ مِنَ
الْمَلَائِكَةِ» [ (47) ] .
وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: «لَمْ تُقَاتِلِ الْمَلَائِكَةُ إِلَّا
يوم بدر» [ (48) ] .
__________
[ (47) ] ابن كثير (3: 281) ، عن الواقدي، وعن المصنف.
ذكره الهيثمي في الزوائد (6: 83) ، وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط،
وفيه عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ، وهو ضعيف.
[ (48) ] انظر سيرة ابن هشام (2: 274) . ونقل الصالحي في السيرة الشامية عن
السبكي وغيره ما يلي:
قال شيخ الإسلام أبو الحسن السّبكيّ رحمه الله تعالى: سئلت عن الحكمة في
قتال الملائكة مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم ببدر، مع أن جبريل
قادر على أن يدفع الكفار بريشة من جناحه، فأجبت: وقع ذلك لإرادة أن يكون
الفعل لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم وأصحابه فتكون الملائكة
مددا، على عادة مدد الجيوش رعاية لصورة الأسباب وسننها، التي أجزاها الله
تعالى في عباده، والله تعالى فاعل الأشياء.
وقال في الكشّاف في تفسير سورة يس في قوله تعالى: وَما أَنْزَلْنا عَلى
قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا
مُنْزِلِينَ فإن قلت: فلم أنزل الجنود من السّماء يوم بدر والخندق؟ فقال:
فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وقال بِأَلْفٍ
مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ
مُنْزَلِينَ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ قلت: إنما
كان يكفي ملك واحد فقد أهلكت مدائن قوم لوط بريشة من جناح جبريل، وبلاد
ثمود وقوم صالح بصيحة، ولكنّ الله تعالى فضّل محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم
بكل شيء على كبار الأنبياء وأولى العزم من الرّسل، فضلا على حبيبه النجار.
وأولاه من أسباب الكرامة ما لم يؤته أحدا، فمن ذلك أنه أنزل له جنودا من
السماء، وكأنه أشار بقوله: وَما أَنْزَلْنا ... وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ
إلى أن إنزال الجنود من عظائم الأمور التي لا يؤهّل لها إلا مثلك، وما كنا
نفعله لغيرك.
وقد اختلف المفسّرون في قوله تعالى: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ
يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ
الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ. بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا
وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ
(3/58)
__________
[ () ] بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ الآيات، هل كان
هذا الوعد يوم بدر أو يوم أحد؟ فقال ابن عباس والحسن، وقتادة، وعامر
الشعبيّ، والربيع بن أنس، وغيرهم، وعليه جرى الإمام البخاريّ في صحيحه
واختاره ابن جرير. وقال الحافظ: إنه قول الأكثر. وإن قوله تعالى:
إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ
رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ. بَلى إِنْ
تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ
رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ يتعلق بقوله:
وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ لأن السّياق يدل على ذلك، فإنه
سبحانه وتعالى قال:
وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا
اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ
يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ
الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ إلى أن قال: وَما جَعَلَهُ اللَّهُ أي هذا
الإمداد إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ قالوا:
فلمّا استغاثوا أمدّهم بألف، ثم أمدّهم بتمام خمسة آلاف لمّا صبروا
واتّقوا، وكان هذا التّدريج ومتابعة الإمداد أحسن موقعا، وأقوى لنفوسهم
وأسرّ لها من أن تأتي دفعة، وهو بمنزلة متابعة الوحي ونزوله مرّة بعد مرّة.
فإن قيل:
فما الجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى في قصة بدر: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ
رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ
الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ إلى آخر الآية؟ فالجواب: أن التّنصيص على الألف
هنا لا ينافي الثلاثة آلاف فما فوقها، لقوله: مردفين، يعني بردفهم غيرهم،
ويتبعهم ألوف أخر مثلهم، وهذا السياق شبيه بالسّياق في سورة آل عمران،
فالظاهر أنّ ذلك كان يوم بدر كما هو المعروف من أنّ قتال الملائكة إنما كان
يوم بدر، وقالت شرذمة: هذا الوعد بالإمداد بالثلاثة وبالخمسة كان يوم أحد،
وكان إمدادا معلّقا على شرط، وهو التّقوى ومصابرة عدوّهم فلم يصبروا، بل
فرّوا، فلما فات شرطه فات الإمداد فلم يمدّوا بملك واحد، والقصة في سياق
أحد، وإنما أدخل ذكر بدر اعتراضا في آيتها فإنه قال: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ
أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ
عَلِيمٌ. إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ
وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ثم قال:
وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا
اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ فذكّرهم نعمته عليهم لمّا نصرهم ببدر وهم
أذلّة، ثم عاد إلى قصة أحد وأخبر عن قول رسوله أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ
يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ ثم
وعدهم إن صبروا واتّقوا أن يمدّهم بخمسة آلاف، فهذا من قول رسوله، والإمداد
الذي ببدر من قوله تعالى هذا:
بِخَمْسَةِ آلافٍ وإمداد بدر بألف، وهذا معلّق على شرط وذاك مطلق، والقصة
في سورة آل عمران هي قصّة أحد مستوفاة مطوّلة، وبدر ذكرت فيها اعتراضا،
والقصّة في سورة الأنفال توضّح هذا.
قال الحافظ بن حجر: ويؤيّد ما ذهب إليه الجمهور ما رواه ابن أبي شيبة وابن
جرير وابن أبي
(3/59)
قَالَ: فَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ
أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ الْمَلَكُ يَتَصَوَّرُ فِي صُورَةِ مَنْ
يَعْرِفُونَ مِنَ النَّاسِ يُثَبِّتُونَهُمْ فَيَقُولُ: إِنِّي قَدْ
دَنَوْتُ مِنْهُمْ فَسَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ: لَوْ حَمَلُوا عَلَيْنَا مَا
ثَبَتْنَا. لَيْسُوا بِشَيْءٍ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِذْ
يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ
آمَنُوا [ (49) ] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ.
قَالَ فَحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ
قَالَ كَانَ السَّائِبُ بْنُ أَبِي حُبَيْشٍ [ (50) ] يُحَدِّثُ فِي زَمَنِ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: «وَاللهِ مَا
أَسَرَنِي أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالَ: فَمَنْ؟ فَيَقُولُ: لَمَّا
انْهَزَمَتْ قُرَيْشٌ انْهَزَمْتُ مَعَهَا فَيُدْرِكُنِي رَجُلٌ أَبْيَضُ
طَوِيلٌ عَلَى فَرَسٍ أَبْيَضَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
فَأَوْثَقَنِي رِبَاطًا، وَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ
فَوَجَدَنِي مَرْبُوطًا، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يُنَادِي فِي
الْعَسْكَرِ مَنْ أَسَرَ هَذَا فَلَيْسَ يَزْعُمُ أَحَدٌ أَنَّهُ أَسَرَنِي
حَتَّى انْتُهِيَ بِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللَّه عليه وسلم: يا بن أَبِي
حُبَيْشٍ مَنْ أَسَرَكَ؟ فَقُلْتُ: لَا أَعْرِفُهُ، وَكَرِهْتُ أَنْ
أُخْبِرَهُ بِالَّذِي رَأَيْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَسَرَكَ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، اذْهَبْ يا بن
عَوْفٍ بِأَسِيرِكَ، فَذَهَبَ بِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عوف، فقال
__________
[ () ] حاتم بسند صحيح عن الشعبي أن المسلمين بلغهم يوم بدر أن كرز بن جابر
المحاربي مدّ المشركين فشقّ ذلك على المسلمين، فأنزل الله تعالى: أَلَنْ
يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ الآية، فبلغت
كرزا الهزيمة فلم يمد كرز المشركين ولم يمدّ المسلمون. وَقَالَ فِي
مَوْضِعٍ آخَرَ: هذا- أي القول الأول- هو المعتمد.
[ (49) ] الآية الكريمة (12) من سورة الأنفال.
[ (50) ] السَّائِبُ بْنُ أَبِي حُبَيْشٍ بن المطلب بن عبد العزى القرشي
الأسدي، ذكره ابن سعد في الطبقة الرابعة ممن أسلم يوم الفتح، وذكره ابن حجر
في الإصابة (2: 9) ، وقال: «أسلم يوم الفتح وأطعمه رسول الله صلى اللَّه
عليه وسلم بخيبر ثلاثين وسقا، ولا أعلمه رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا ... ومات زمن معاوية بالمدينة» .
(3/60)
السائب: ما زالت تِلْكَ الْكَلِمَةُ
أَحْفَظُهَا، وَتَأَخَّرَ إِسْلَامِي حَتَّى كَانَ مِنْ أَمْرِي مَا كَانَ»
[ (51) ] .
قَالَ وَحَدَّثَنِي عَائِذُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا أَبُو الْحُوَيْرِثِ،
عَنْ عُمَارَةَ بْنِ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ،
قَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ بَدْرٍ وَقَدْ وَقَعَ بِوَادِي خَلْصٍ
بِجَادٌ [ (52) ] مِنَ السَّمَاءِ قَدْ سَدَّ الْأُفُقَ وَإِذَا الْوَادِي
يَسِيلُ نَمْلًا، فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّ هَذَا شَيْءٌ مِنَ السَّمَاءِ
أُيِّدَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا كَانَتْ
إِلَّا الْهَزِيمَةُ وَهِيَ الْمَلَائِكَةُ» [ (53) ] .
وَفِيمَا أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ [ (54) ] السُّلَمِيُّ
إِجَازَةً أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ صُبَيْحٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ
اللهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ شِيرَوَيْهِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ
الْحَنْظَلِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي
قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ
جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: «رَأَيْتُ قَبْلَ هَزِيمَةِ الْقَوْمِ
وَالنَّاسُ يَقْتَتِلُونَ مِثْلَ الْبِجَادِ الْأَسْوَدِ أَقْبَلَ مِنَ
السَّمَاءِ مِثْلَ النَّمْلِ السُّودِ فَلَمْ أَشْكُكْ أَنَّهَا
الْمَلَائِكَةُ فَلَمْ يَكُنْ إِلَّا هَزِيمَةُ الْقَوْمِ [ (55) ]
تَابَعَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ.
__________
[ (51) ] أخرجه الواقدي (1: 79) ، نقله ابن كثير في البداية والنهاية (3:
281) ، والسيوطي في الخصائص الكبرى (1: 202) عن الواقدي والبيهقي، والصالحي
في السيرة الشامية (4:
64) عن المصنف.
[ (52) ] البجاد: الكساء، وأراد به هنا الملائكة.
[ (53) ] رواه الواقدي في المغازي (1: 80) ، وعنه نقله ابن كثير (3: 281) .
[ (54) ] في (ص) : أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَهُوَ تحريف.
[ (55) ] البداية والنهاية (3: 282) ، والسيوطي في الخصائص الكبرى (1: 202)
عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، والبيهقي، وأبي نعيم.
(3/61)
بَابُ كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الْقِتَالِ،
وَتَهْيِيجُ الْحَرْبِ يَوْمَ بَدْرٍ
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سعيد ابن الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ،
قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ،
عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ
أَصَبْنَا مِنْ ثِمَارِهَا فَاجْتَوَيْنَاهَا [ (1) ] وَأَصَابَنَا بِهَا
وَعَكٌ [ (2) ] ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم يَتَخَبَّرُ
[ (3) ] عَنْ بَدْرٍ، فَلَمَّا بَلَغَنَا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَدْ
أَقْبَلُوا، سَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وسلم إِلَى بَدْرٍ-
وَبَدْرٌ بِئْرٌ- فَسَبَقْنَا الْمُشْرِكِينَ إِلَيْهَا فَوَجَدْنَا فِيهَا
رَجُلَيْنِ: رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ وَمَوْلًى لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي
مُعَيْطٍ، فَأَمَّا الْقُرَشِيُّ فَانْفَلَتَ، وَأَمَّا مَوْلَى عُقْبَةَ
فَأَخَذْنَاهُ فَجَعَلْنَا نَقُولُ لَهُ كَمِ الْقَوْمُ فَيَقُولُ هُمْ
وَاللهِ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ، شَدِيدٌ بَأْسُهُمْ، فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ
إِذَا قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ ضَرَبُوهُ حَتَّى انْتَهَوْا بِهِ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ كَمِ الْقَوْمُ
قَالَ هُمْ وَاللهِ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ شَدِيدٌ بَأْسُهُمْ، فَجَهَدَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخْبِرَ بِكَمْ هِيَ
فَأَبَى ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سَأَلَهُ كَمْ يَنْحَرُونَ مِنَ الْجَزُورِ [ (4) ] فَقَالَ عَشَرَةٌ كل
__________
[ (1) ] (فاجتويناها) : أصابنا الجوى، وهو المرض، والتعب، والوعك، وقد تقدم
كيف أن بعض الصحابة مرض من جوّ المدينة بعد الهجرة، وأن الرسول صلى اللَّه
عليه وسلم قد دعا للمدينة وأهلها.
[ (2) ] (الوعك) : الحمّى، أو الألم يجده الإنسان من شدة التعب.
[ (3) ] (يتخبر) : يتعرف.
[ (4) ] (الجزور) : الناقة المجزورة، ويقع على الذكر والأنثى، وهو يؤنث لأن
اللفظة مؤنثة.
(3/62)
يَوْمٍ فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وسلم الْقَوْمُ أَلْفٌ كُلُّ جَزُورٍ لِمِائَةٍ
وَتَبَعِهَا، ثُمَّ إِنَّهُ أَصَابَنَا مِنَ اللَّيْلِ طَشٌّ مِنْ مَطَرٍ،
فَانْطَلَقْنَا تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَالْجَحَفِ نَسْتَظِلُّ بِهَا مِنَ
الْمَطَرِ، وَبَاتَ رَسُولُ الله صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ يَدْعُو
رَبَّهُ وَيَقُولُ اللهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ لَا
تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ، فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ نَادَى رَسُولُ اللهِ
صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ جَامِعَةً، فَجَاءَ النَّاسُ
مِنْ تَحْتِ الشَّجَرِ وَالْجَحَفِ فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وسلم وَحَضَّ عَلَى الْقِتَالِ، ثُمَّ قَالَ:
إِنَّ جَمْعَ قُرَيْشٍ عِنْدَ هَذِهِ الضِّلَعِ الْحَمْرَاءِ مِنَ
الْجَبَلِ فَلَمَّا دَنَا الْقَوْمُ مِنَّا وَصَافَفْنَاهُمْ إِذَا رَجُلٌ
مِنْهُمْ يَسِيرُ فِي الْقَوْمِ عَلَى جَمَلٍ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَلِيُّ نَادِ لِي حَمْزَةَ وَكَانَ
أَقْرَبَهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ صَاحِبِ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ
وَمَاذَا يَقُولُ لَهُمْ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِنْ يَكُ فِي الْقَوْمِ أَحَدٌ يَأْمُرُ بِخَيْرٍ فَعَسَى أَنْ
يَكُونَ صَاحِبَ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ فَجَاءَ حَمْزَةُ فَقَالَ: هُوَ
عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَهُوَ يَنْهَى عَنِ الْقِتَالِ، وَيَقُولُ
لَهُمْ: يَا قَوْمُ إِنِّي أَرَى أَقْوَامًا مُسْتَمِيتِينَ لَا تَصِلُونَ
إِلَيْهِمْ وَفِيكُمْ خَيْرٌ، يَا قَوْمُ اعْصِبُوهَا الْيَوْمَ بِرَأْسِي
وَقُولُوا جَبُنَ عُتْبَةُ وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي لَسْتُ
بِأَجْبَنِكُمْ. فَسَمِعَ ذَلِكَ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ أَنْتَ تَقُولُ
هَذَا وَاللهِ لَوْ غَيْرُكَ يَقُولُ هَذَا لَأَعْضَضْتُهُ [ (5) ] ، قَدْ
مُلِئَتْ جَوْفُكَ رُعْبًا، فَقَالَ عُتْبَةُ: إِيَّايَ تَعْنِي يَا
مُصَفِّرَ اسْتِهِ [ (6) ] سَتَعْلَمُ الْيَوْمَ أَيُّنَا أَجْبَنُ،
فَبَرَزَ عُتْبَةُ، وَأَخُوهُ، وَابْنُهُ الْوَلِيدُ حَمِيَّةً فَقَالَ
مَنْ يُبَارِزُ فَخَرَجَ مِنَ الْأَنْصَارِ شَيْبَةُ فَقَالَ، عُتْبَةُ،
لَا نُرِيدُ هَؤُلَاءِ وَلَكِنْ يُبَارِزُنَا مِنْ بَنِي عَمِّنَا مِنْ
بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: قُمْ يَا عَلِيُّ، قُمْ يَا حَمْزَةُ، قُمْ يَا عُبَيْدَةُ بْنَ
الْحَارِثِ [ (7) ] ، فَقَتَلَ اللهُ عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ
رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ وَجُرِحَ عبيدة بن
__________
[ (5) ] (أعضضته) : أي قلت له: «أعضض بأير أبيك» .
[ (6) ] (يا مصفر استه) . في النهاية: رماه بالأبنة، وأنه كان يزعفر استه!
وقيل: هي كلمة تقال للمتنعم المترف الذي لم تحنكه التجارب.
[ (7) ] عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ
مَنَافٍ، أسن مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وسلم بعشر سنين، أسلم
قديما، جرح يوم بدر، ثم مات، وله ترجمة في ابن سعد (3: 1: 34- 35) ،
والإصابة (4:
209) .
(3/63)
الْحَارِثِ فَقَتَلْنَا مِنْهُمْ سَبْعِينَ
وَأَسَرْنَا سَبْعِينَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ قَصِيرٌ بِرَجُلٍ
مِنْ بَنِي هَاشِمٍ أَسِيرًا، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ
هَذَا وَاللهِ مَا أَسَرَنِي لَقَدْ أَسَرَنِي رَجُلٌ أَجْلَحُ [ (8) ]
مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا عَلَى فَرَسٍ أَبْلَقَ مَا أَرَاهُ فِي
الْقَوْمِ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: أَنَا أَسَرْتُهُ يَا رَسُولَ اللهِ
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْكُتْ فَقَدَ
أَيَّدَكَ اللهُ [عَزَّ وَجَلَّ] [ (9) ] بِمَلَكٍ كَرِيمٍ قَالَ عَلِيٌّ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. فَأُسِرْنَا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
الْعَبَّاسُ [ (10) ] وَعَقِيلٌ وَنَوْفَلُ بْنُ الْحَارِثِ» [ (11) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ،
قَالَ: حَدَّثَنِي وَالِدِي: إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنَ
الْأَنْصَارِ، قَالُوا:
«بَعَثَتْ قُرَيْشٌ يَوْمَ بَدْرٍ: عُمَيْرَ بْنَ وَهْبٍ فقالوا احرز لَنَا
أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ، فَاسْتَجَالَ حَوْلَ الْعَسْكَرِ عَلَى فَرَسٍ لَهُ
ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ [ (12) ]
يَزِيدُونَ قَلِيلًا أَوْ يَنْقُصُونَ قَلِيلًا ولكن انْظُرُونِي حَتَّى
أَنْظُرَ فِي الْوَادِي حَتَّى أَرَى [هل] [ (13) ] لهم مددا أو كمينا،
فَضَرَبَ فِي الْوَادِي حَتَّى أَمْعَنَ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: مَا
رَأَيْتُ شَيْئًا. وَلَكِنْ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ قَدْ رَأَيْتُ
الْبَلَايَا [ (14) ] تَحْمِلُ
__________
[ (8) ] (الرجل الأجلح) : الذي انحسر الشعر عن جانبي رأسه.
[ (9) ] الزيادة من (ص) .
[ (10) ] في الأصول: «رجل» ، وأثبت ما في المسند.
[ (11) ] الحديث أخرجه بطوله الإمام أحمد في «مسنده» (1: 117) ، وذكره
الهيثمي في الزوائد (6: 75) ، وقال: «رواه أحمد والبزار، ورجال أحمد رجال
الصحيح غير حارثة بن مضرب، وهو ثقة» ، ونقله الحافظ بن كثير في البداية
والنهاية (3: 277- 278) ، وروى أبو داود بعضه من حديث إسرائيل في كتاب
الجهاد، (باب) في المبارزة.
[ (12) ] في السيرة: ثلاثمائة رجل» .
[ (13) ] ليست في (ص) .
[ (14) ] (البلايا) جمع بلية، وهي الناقة، والدابة تربط على قبر الميت فلا
تعلف ولا تسقى حتى تموت، وكان بعض العرب ممن يقر بالبعث يقول: إن صاحبها
يحشر عليها.
(3/64)
الْمَنَايَا، نَوَاضِحُ [ (15) ] تَحْمِلُ
الْمَوْتَ النَّاقِعَ [ (16) ] قَدْ رَأَيْتُ أَقْوَامًا مَا وَرَاءَهُمْ
مَرْجِعٌ، وَمَا عِصْمَتُهُمْ إِلَّا سُيوفَهُمْ، وَلَا وَاللهِ مَا أَرَى
أَنْ يقتل رجل متى يَقْتُلَ مِثْلَهُ، فَإِذَا قَتَلُوا مِثْلَ
أَعْدَادِهِمْ فَمَا خَيْرٌ فِي الْعَيْشِ بَعْدَهُ، فَرَوْا رَأْيَكُمْ
يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ [ (17) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْإِسْنَادِ الَّذِي ذَكَرَ لِقِصَةِ بَدْرٍ
وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ:
فَلَمَّا سَمِعَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ ذَلِكَ مَشَى فِي النَّاسِ فَلَقِيَ
عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ قَالَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ إِنَّكَ كَبِيرُ
قُرَيْشٍ وَسَيِّدُهَا وَالْمُطَاعُ فِيهَا فَهَلْ لَكَ إِلَى أَنْ لَا
تَزَالَ [ (18) ] مِنْهَا بِخَيْرٍ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ؟ فَقَالَ وَمَا
ذَاكَ قَالَ تَرْجِعُ بِالنَّاسِ وَتَحَمَّلُ دَمَ حَلِيفِكَ عمرو ابن
الْحَضْرَمِيِّ فَقَالَ عُتْبَةُ: قَدْ فَعَلْتُ فَائْتِ ابْنَ
الْحَنْظَلِيَّةِ يَعْنِي أَبَا جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، ثُمَّ قَامَ عُتْبَةُ
خَطِيبًا فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّكُمْ وَاللهِ مَا
تَصْنَعُونَ بِأَنْ تَلْقَوْا مُحَمَّدًا وأصحابه شيئا وقد نجّا الله
عِيرَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ فَلَا حَاجَةَ لَكُمْ فِي أَنْ تَسِيرُوا فيَ
غَيْرِ صَنِيعَةٍ وَإِنَّمَا خَرَجْتُمْ لِتَمْنَعُوا عِيرَكُمْ
وَأَمْوَالَكُمْ فَاجْعَلُوا بِي جُبْنَهَا وَارْجِعُوا. وَاللهِ لَئِنْ
أَصَبْتُمْ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ لَا يَزَالُ رَجُلٌ يَنْظُرُ فِي
وَجْهِ رَجُلٍ يَكْرَهُ النَّظَرَ إِلَيْهِ قَتَلَ ابْنَ عَمِّهِ أَوِ
ابْنَ خَالِهِ أَوْ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَشِيرَتِهِ، فَارْجِعُوا وَخَلُّوا
بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَبَيْنَ سَائِرِ الْعَرَبِ، فَإِنْ أَصَابُوهُ فَذَاكَ
الَّذِي أَرَدْتُمْ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ أَلْفَاكُمْ وَلَمْ
تَعْرِضُوا مِنْهُ لِمَا لَا تُرِيدُونَ.
قَالَ حَكِيمٌ: فَانْطَلَقْتُ حَتَّى جِئْتُ أَبَا جَهْلٍ فَقُلْتُ يَا
أَبَا الْحَكَمِ إِنَّ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ
بِكَذَا وَكَذَا لِلَّذِي قَالَ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: انْتَفَخَ وَاللهِ
سَحْرُهُ حِينَ رَأَى مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ كَلَّا وَاللهِ لَا
نَرْجِعُ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ وَمَا
__________
[ (15) ] في السيرة: «نواضح يثرب» ، ونواضح: الإبل التي يسقى عليها الماء.
[ (16) ] الناقع: الثابت.
[ (17) ] سيرة ابن هشام (2: 261- 262) .
[ (18) ] في (ص) كتبت: «ألّا» .
(3/65)
بِعُتْبَةَ مَا قَالَ وَلَكِنَّهُ قَدْ
رَأَى أَنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ أُكْلَةُ جَزُورٍ وَفِيهِمُ ابْنُهُ
وَقَدْ تَخَوَّفَكُمْ عَلَيْهِ [ (19) ] .
ثُمَّ بَعَثَ إِلَى عَامِرِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ، فَقَالَ: هَذَا
حَلِيُفُكَ يُرِيدُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَقَدْ رَأَيْتَ ثَأْرَكَ
بِعَيْنِكَ فَقُمْ فَأَنْشِدْ خُفْرَتَكَ [ (20) ] وَمَقْتَلَ أَخِيكَ
فَقَامَ عَامِرٌ فاكتشف ثم صرخ وا عمرواه وا عمرواه فَحَمِيَتِ الْحَرْبُ
وَحَقِبَ أَمْرُ النَّاسِ وَاسْتَوْسَقَ عَلَى مَا هُمْ فِيهِ مِنَ
الشَّرِّ وَأَفْسَدَ عَلَى النَّاسِ الرَّأْيَ الَّذِي دَعَاهُمْ إِلَيْهِ
عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ عُتْبَةَ مِنْ قَوْلِ
أَبِي جَهْلٍ، انْتَفَخَ سَحْرُهُ قَالَ سَيعْلَمُ مُصَفِّرُ اسْتِهِ
أَيُّنَا الْجَبَانُ الْمُفْسِدُ لِقَوْمِهِ: أَنَا، أَمْ هُوَ، ثُمَّ
الْتَمَسَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ بَيْضَةً لِيُدْخِلَهَا رَأْسَهُ فَمَا
وُجِدَتْ فِي الْجَيْشِ بَيْضَةٌ تَسَعُهُ مِنْ عِظَمِ هَامَتِهِ
فَاعْتَجَرَ حِينَ رَأَى ذَلِكَ بِبُرْدٍ لَهُ عَلَى رَأْسِهِ
وَأَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ حَتَّى وَرَدُوا حَوْضَ رَسُولِ الله صلى
اللَّه عليه وَسَلَّمَ فِيهِمْ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوهُمْ فَمَا شَرِبَ مِنْهُمْ رَجُلٌ
يَوْمَئِذٍ إِلَّا قُتِلَ، إِلَّا حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ فَإِنَّهُ لَمْ
يُقْتَلْ، وَأَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ،
فَكَانَ إِذَا اجْتَهَدَ يَمِينَهُ قَالَ وَالَّذِي نَجَّانِي يَوْمَ
بَدْرٍ [ (21) ] .
قَالَ فَلَمَّا رَأَى الْأَسْودُ بن عبد الأسد الْحَوْضَ قَالَ وَاللهِ
لَأَنْطَلِقَنَّ فَلَأَهْدِمَنَّهُ أَوْ لَأُقْتَلَنَّ قَبْلَ ذَلِكَ،
وَكَانَ رَجُلًا شَرِسًا سيء الْخُلُقِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ لِيَهْدِمَهُ،
وَخَرَجَ إِلَيْهِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَضَرَبَهُ فَأَطَنَّ
[ (22) ] قَدَمَهُ بِنِصْفِ سَاقِهِ وَهُمَا دُونَ الْحَوْضِ فَوَقَعَ
عَلَى ظَهْرِهِ تَشْخُبُ [ (23) ] رِجْلُهُ دَمًا نَحْوَ أَصْحَابِهِ،
ثُمَّ حَبَا إِلَى الْحَوْضِ حتى
__________
[ (19) ] سيرة ابن هشام (2: 262- 263) .
[ (20) ] (خفرتك) : «عهدك» .
[ (21) ] سيرة ابن هشام (2: 263- 264) .
[ (22) ] (أطنّ قدمه) : أطارها.
[ (23) ] تشخب: تسيل بصوت.
(3/66)
اقْتَحَمَ فِيهِ يُرِيدُ أَنْ يَبَرَّ
يَمِينَهُ وَاتَّبَعَهُ حَمْزَةُ يَضْرِبُهُ حَتَّى قَتَلَهُ فِي
الْحَوْضِ، فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ» [ (24) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ،
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «لَقَدْ قُلِّلُوا فِي
أَعْيُنِنَا يَوْمَ بَدْرٍ حَتَّى قُلْتُ لِرَجُلٍ إِلَى جَنْبِي
أَتَرَاهُمْ سَبْعِينَ، قَالَ: أَرَاهُمْ مِائَةً، قَالَ: فَأَسَرْنَا
رَجُلًا مِنْهُمْ، فَقُلْتُ كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: أَلْفًا» .
__________
[ (24) ] سيرة ابن هشام (2: 264- 265) .
(3/67)
بَابُ تَحْرِيضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه
عليه وسلم على الْقِتَالِ يَوْمَ بَدْرٍ وَشِدَّةِ بَأْسِهِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ، قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم بسبس [
(1) ] عَيْنًا [ (2) ] يَنْظُرُ مَا صَنَعَتْ عِيرُ أَبِي سُفْيَانَ،
فَجَاءَ وَمَا فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرَ رَسُولِ اللهِ صلى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ: لَا أَدْرِي مَا اسْتَثْنَى بَعْضَ
نِسَائِهِ) قَالَ: فَحَدَّثَهُ الْحَدِيثَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَكَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ لَنَا طَلِبَةً [
(3) ] فَمَنْ كَانَ ظَهْرُهُ [ (4) ] حَاضِرًا فَلْيَرْكَبْ مَعَنَا،
قَالَ: فَجَعَلَ رِجَالٌ يَسْتَأْذِنُوهُ فِي ظُهْرَانِهِمْ فِي عُلُوِّ
الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: «لَا إِلَّا مَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِرًا» .
فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَصْحَابُهُ حَتَّى سَبَقُوا الْمُشْرِكِينَ إِلَى بَدْرٍ، وَجَاءَ
الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لَا يَقُومَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَى شَيْءٍ حتى أكون أنا
__________
[ (1) ] في صحيح مسلم: بسيسة، وفي كتب السيرة: بسبس بن عمرو، ويقال: ابن
بشر من الأنصار، وقال النووي: يجوز أن يكون أحد اللفظين اسما له، والآخر
لقبا.
[ (2) ] أي متجسسا، ورقيبا.
[ (3) ] (إن لنا طلبة) : أي شيئا نطلبه.
[ (4) ] (ظهره) : الدواب التي تركب.
(3/68)
دُونَهُ، فَدَنَا الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُومُوا إِلَى جنة عرضها
السموات والأرض [يَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ: يَا
رَسُولَ اللَّه! جنة عرضها [ (5) ] السموات والأرض؟] فَقَالَ: نَعَمْ،
قَالَ: بَخٍ بَخٍ [ (6) ] قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ قَالَ: لَا واللَّه
يَا رَسُولَ اللَّه إِلَّا رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا قَالَ
فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا قَالَ فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرْنِهِ [ (7)
] فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ ثُمَّ قَالَ:
لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ
طَوِيلَةٌ، قَالَ: فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ ثُمَّ
قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ [رَضِيَ اللَّه عَنْهُ] [ (8) ] » .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ
وَجَمَاعَةٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ [ (9) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو
بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ
اللَّه عَنْهُ، قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ اتَّقَيْنَا
الْمُشْرِكِينَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ
أَشَدَّ النَّاسِ بَأْسًا [ (10) ] .
قَالَ وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا
إِسْرَائِيلُ، فَذَكَرَ بِنَحْوِهِ، وَزَادَ:
__________
[ (5) ] الزيادة من الصحيح.
[ (6) ] كلمة تطلق لتفخيم الأمر وتعظيمه في الخير.
[ (7) ] أي جعبة النشاب.
[ (8) ] الزيادة من (ص) فقط.
[ (9) ] أخرجه البخاري في: 33- كتاب الإمارة، (41) باب ثبوت الجنة للشهيد،
الحديث (145) ، ص (1509- 1510) ، وأبو داود مختصرا في كتاب الجهاد، (باب)
بعث العيون، عَنْ هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّه.
[ (10) ] أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (1: 126) ، وأعاده (1: 156) دون ذكر
بدر، واختصره في (1: 86) .
(3/69)
«وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَقْرَبَ إِلَى
الْمُشْرِكِينَ مِنْهُ» .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو
الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّه بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
الْغَسِيلِ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَعَنْ حَمْزَةَ
بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «لَمَّا
الْتَقَيْنَا نَحْنُ وَالْقَوْمُ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ لَنَا رَسُولُ
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا أَكْثَبُوكُمْ
فَارْمُوهُمْ بِالنَّبْلِ وَاسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ» [ (11) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
بكر بن داسة، قال: حدثنا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
سِنَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْغَسِيلِ، عَنْ
حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أسد، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اصْطَفَفْنَا يَوْمَ بَدْرٍ إِذَا
أَكْثَبُوكُمْ يَعْنِي إِذَا غَشَوْكُمْ، فَارْمُوهُمْ بِالنَّبْلِ
وَاسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ
عَبْدِ اللَّه بْنِ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي أَحْمَدَ
الزُّبَيْرِيِّ
[ (12) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ
قَالَ:
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ
الزُّبَيْرِ، قَالَ: «جَعَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ شِعَارَ الْمُهَاجِرِينَ يَوْمَ بَدْرٍ: يَا بَنِي عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، وَشِعَارَ الْخَزْرَجِ: يَا بَنِي عَبْدِ اللَّه، وَشِعَارَ
الْأَوْسِ: يَا بَنِي عُبَيْدِ اللَّه، وَسَمَّى خَيْلَهُ: خَيْلَ اللَّه»
[ (13) ] .
__________
[ (11) ] سيأتي في الحديث لتالي.
[ (12) ] أخرجه البخاري، في: 64- كتاب المغازي (10) باب حَدَّثَنِي عَبْدُ
اللَّه بْنُ محمد الجعفي، فتح الباري (7: 306) ، وأبو داود في الجهاد،
والإمام أحمد في «مسنده» (3: 498) .
[ (13) ] نقله في السيرة الشامية (4: 69) ، وأضاف: «قال ابن سعد: كان شعار
الجميع يومئذ: يا منصور أمت» .
(3/70)
بَابُ اسْتِدْعَاءِ عُتْبَةَ بْنِ
رَبِيعَةَ وَصَاحِبَيْهِ إِلَى الْمُبَارَزَةِ وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ
مِنْ نُصْرَةِ اللَّه تَعَالَى دِينَهُ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّه
الْحُرْفِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَلَّامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
عُبَيْدُ اللَّه ابن مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، عن حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّه عنه
قَالَ: «فَبَرَزَ عُتْبَةُ وَأَخُوهُ شَيْبَةُ وَابْنُهُ الْوَلِيدُ
حَمِيَّةً فَقَالُوا:
هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ فَخَرَجَ فِتْيَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ شيبة، فَقَالَ
عُتْبَةُ: مَا نُرِيدُ هَؤُلَاءِ، وَلَكِنْ يُبَارِزُنَا مِنْ بَنِي
عَمِّنَا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُمْ يَا عَلِيُّ، قُمْ يَا حَمْزَةُ، قُمْ يَا
عُبَيْدَةُ بْنَ الْحَارِثِ، فَقَتَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عُتْبَةَ
وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ، وَجُرِحَ
عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ»
[ (1) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا
هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّه قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ،
قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ زَادَ
«فَأَقْبَلَ حَمْزَةُ إِلَى عُتْبَةَ وَأَقْبَلْتُ إِلَى شَيْبَةَ
وَاخْتَلَفَ بَيْنَ عُبَيْدَةَ وَالْوَلِيدِ ضَرْبَتَيْنِ فَأَثْخَنَ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ ثُمَّ مِلْنَا عَلَى الْوَلِيدِ فقتلناه
واحتملنا عبيدة» .
__________
[ (1) ] جزء من حديث طويل أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (1: 117) ، وقد
تقدم بطوله، وانظر الحاشية (11) من بَابُ كَيْفَ كَانَ بَدْءُ القتال.
(3/71)
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه
الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ
يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَمَّنْ رَوَى عَنْهُ قِصَّةَ
بَدْرٍ قَالَ: «ثُمَّ خَرَجَ عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ وَالْوَلِيدُ فَدَعَوْا
إِلَى الْبِرَازِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فِتْيَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: عَوْفٌ
وَمُعَوِّذٌ ابْنَا عَفْرَاءَ، وَرَجُلٌ آخَرُ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّه
بْنُ رَوَاحَةَ، فَقَالُوا: مِمَّنْ أَنْتُمْ [ (2) ] ؟ فَقَالُوا رَهْطٌ
مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالُوا: مَا بِنَا إِلَيْكُمْ حَاجَةٌ، ثُمَّ نَادَى
مُنَادِيهِمْ: يَا مُحَمَّدُ أَخْرِجْ إِلَيْنَا أَكْفَاءَنَا مِنْ
قَوْمِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُمْ
يَا حَمْزَةُ، قُمْ يَا عَلِيُّ، قُمْ يَا عُبَيْدَةُ، فَلَمَّا قَامُوا
وَدَنَوْا مِنْهُمْ قَالُوا: نَعَمْ أَكْفَاءٌ كِرَامٌ، فَبَارَزَ
عُبَيْدَةُ عُتْبَةَ فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ كِلَاهُمَا أَثْبَتَ
صَاحِبَهُ، وَبَارَزَ حَمْزَةُ شَيْبَةَ فَقَتَلَهُ مَكَانَهُ، وَبَارَزَ
عَلِيٌّ الْوَلِيدَ فَقَتَلَهُ مَكَانَهُ، ثُمَّ كَرَّا عَلَى عُتْبَةَ
فَقَتَلَاهُ [ (3) ] وَاحْتَمَلَا صَاحِبَهُمَا فَحَازُوهُ إِلَى
الرَّحْلِ» [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو
جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ
بِالْكُوفَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي
غَرَزَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّه بْنُ مُوسَى، قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي
مِجْلَزٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: «نَزَلَتْ
هَذِهِ الْآيَةُ هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ [ (5) ] فِي
عَلِيٍّ، وَحَمْزَةَ، وَعُبَيْدَةَ بن الحارث، وعتبة ابن ربيعة، وشيبة بن
ربيعة، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ» . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ
حَدِيثِ الثوري [ (6) ] .
__________
[ (2) ] في سيرة ابن هشام: «من أنتم؟» .
[ (3) ] في السيرة لابن هشام: «فذفّفاه» .
[ (4) ] سيرة ابن هشام (2: 265) .
[ (5) ] الآية الكريمة (19) من سورة الحج.
[ (6) ] أخرجه البخاري في تفسير سورة الحج، (3) باب هَذَانِ خَصْمَانِ
اخْتَصَمُوا فِي ربهم، فتح الباري (8: 443) .
(3/72)
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ
بِشْرَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: حَدَّثَنَا
يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ
أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: تَبَارَزَ عَلِيٌّ وحمزة
وعبيدة ابن الحارث وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عقبة
فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو
بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْوَرَّاقُ بِبَغْدَادَ قَالَ:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّه الْبَصْرِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ
سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ قَيْسِ
ابن عُبَادٍ قَالَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ
«أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَجْثُو لِلْخُصُومَةِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّه تَعَالَى
يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ وَقَالَ قَيْسٌ فَذَكَرَ مَعْنَى مَا مَضَى» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (7) ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
اللَّه الرَّقَاشِيِّ عَنْ مُعْتَمِرٍ [ (8) ] .
__________
[ (7) ] في المغازي، باب قتل أبي جهل عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه
الرَّقَاشِيِّ عَنْ مُعْتَمِرٍ.
[ (8) ] في (ص) و (هـ) : «المعتمر» .
(3/73)
بَابُ اسْتِفْتَاحِ أَبِي جَهْلِ بْنِ
هِشَامٍ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ وَقَوْلِهِ أَوْ قَوْلِ مَنْ قَالَ
مِنْهُمْ بِمَكَّةَ: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ
عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا
بِعَذابٍ أَلِيمٍ [ (1) ] فَعَذَّبَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ بِالسَّيْفِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الحافظ وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو،
قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ
بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّه ابن ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ
الْعُذْرِيُّ «إِنَّ الْمُسْتَفْتِحَ يَوْمَ بَدْرٍ: أَبُو جَهْلِ بْنُ
هِشَامٍ، قَالَ:
لَمَّا الْتَقَى الْجَمْعَانِ: اللهم أقطعنا للرحم وآتنا بِمَا لَا
نَعْرِفُ، فَأَحِنْهُ [ (2) ] الْغَدَاةَ فَقُتِلَ، فَفِيهِ أَنْزَلَ
اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ [
(3) ] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، تَابَعَهُ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عن الزهري [
(4) ] .
__________
[ (1) ] الآية الكريمة (32) من سورة الأنفال.
[ (2) ] (أحنه) : «أهلكه» .
[ (3) ] الآية الكريمة (19) من سورة الأنفال.
[ (4) ] فيه ثلاثة أقوال:
1- يكون خطابا للكفار لأنهم استفتحوا فقالوا: اللهم أقطعنا للرحم، وأظلمنا
لصاحبه فانصره عليه، وكان هذا القول منهم وقت خروجهم لنصرة العير، وقيل:
قاله أبو جهل وقت القتال.
وقال النّصر بن الحارث، اللهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ
عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا
بِعَذَابٍ أليم. وهو ممن قتل ببدر. والاستفتاح: طلب النصر، أي قد جاءكم
الفتح ولكنه كان للمسلمين عليكم. أي فقد جاءكم ما بان به الأمر، وانكشف لكم
الحق. وَإِنْ تَنْتَهُوا
(3/74)
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ
غَيْرَ مَرَّةٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه مُحَمَّدُ بْنُ
يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ النَّضْرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عُبَيْدُ اللَّه بْنُ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي
قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ صَاحِبِ
الزِّيَادِيِّ، قَالَ:
سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ «اللَّهُمَّ إِنْ
كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ
السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [ (5) ] فَنَزَلَتْ: وَما كانَ
اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ
وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [ (6) ] » الآية.
__________
[ () ] [أي] عن الكفر فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ. وَإِنْ تَعُودُوا أي إلى هذا
القول وقتال محمد.
نَعُدْ إلى نصر المؤمنين. وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ أي [عن]
جماعتكم شَيْئاً.
وَلَوْ كَثُرَتْ أي في العدد.
2- يكون خطابا للمؤمنين، أي إن تستنصروا فقد جاءكم النصر. وَإِنْ
«تَنْتَهُوا» أي عن مثل ما فعلتموه من أخذ الغنائم والأسرى قبل الإذن،
فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ. وَإِنْ تَعُودُوا أي إلى مثل ذلك نعد إلى توبيخكم.
كما قال: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ الآية.
3- أن يكون إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ خطابا للمؤمنين،
وما بعده للكفار. أي وإن تعودوا إلى القتال نعد إلى مثل وقعة بدر. القشيري:
والصحيح أنه خطاب للكفار، فإنهم لما نفروا إلى نصرة العير تعلّقوا بأستار
الكعبة وقالوا: اللهم أنصر أهدى الطائفتين، وأفضل الدّينين.
المهدويّ: وروى أن المشركين خرجوا معهم بأستار الكعبة يستفتحون بها، أي
يستنصرون.
[ (5) ] الآية الكريمة (32) من سورة الأنفال.
[ (6) ] الآية الكريمة (33) من سورة الأنفال، وقال القرطبي (7: 399) :
لما قال أبو جهل: «اللهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك» الآية، نزلت وَما
كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ كذا في صحيح مسلم. وقال ابن
عباس: لم يعذب أهل قرية حتى يخرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم منها
والمؤمنون، ويلحقوا بحيث أمروا. وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ
يَسْتَغْفِرُونَ ابن عباس: كانوا يقولون في الطواف: غفرانك. والاستغفار وإن
وقع من الفجار يدفع به ضرب من الشرور والإضرار. وقيل: إن الاستغفار راجع
إلى المسلمين الذين هم بين أظهرهم. أي وما كان اللَّه معذبهم وفيهم من
يستغفر من المسلمين فلما خرجوا عذبهم اللَّه يوم بدر وغيره، قال الضحاك
وغيره: وقيل: إن الاستغفار هنا يراد به الإسلام. أي وَما كانَ اللَّهُ
مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ أي يسلمون، قاله مجاهد وعكرمة. وقيل:
وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ أي في أصلابهم من يستغفر اللَّه. روي عن مجاهد
أيضا. وقيل: معنى يَسْتَغْفِرُونَ لو استغفروا. أي
(3/75)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [
(7) ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النَّضْرِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ
الطَّرَائِفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه ابن صَالِحٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ وَما كانَ
اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ
وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَمَا كَانَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَيُعَذِّبَ
قَوْمًا وَأَنْبِيَاؤُهُمْ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ حَتَّى يُخْرِجَهُمْ ثُمَّ
قَالَ: وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ يَقُولُ
فِيهِمْ مَنْ سَبَقَ مِنَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الدُّخُولُ فِي الْإِيمَانِ
وَهُوَ الِاسْتِغْفَارُ وَقَالَ لِلْكُفَّارِ مَا كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ
الْمُؤْمِنِينَ عَلى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ
الطَّيِّبِ [ (8) ] فَمَيَّزَ أَهْلَ السَّعَادَةِ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ
قَالَ:
وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ فَعَذَّبَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ
بِالسَّيْفِ» [ (8) ] .
أَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو النَّضْرِ مُحَمَّدُ بْنُ محمد ابن يُوسُفَ فِي آخَرِينَ، قَالُوا:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّه قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو
حَامِدِ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَبُو بَكْرِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْإِسْمَاعِيلِيُّ الْفَقِيهُ بِالطَّابِرَانِ، وَأَبُو عَبْدِ
الرَّحْمَنِ أَحْمَدُ بْنُ محمد ابن مَحْمُودٍ الْبَزَّارُ بِنَسَاءَ،
قَالَا: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُمَرَ الْبَحْرَائِيُّ
(ح) .
__________
[ () ] لو استغفروا لم يعذبوا. استدعاهم إلى الاستغفار، قاله قتادة وابن
زيد. وقال المدائني عن بعض العلماء قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ العرب فِي
زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم مسرفا على نفسه، لم يكن يتحرج،
فلما أن تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم لبس الصوف ورجع عما
كان عليه، وأظهر الدّين والنّسك. فقيل له: لو فعلت هذا وَالنَّبِيُّ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وسلم حيّ لفرح بك. قال: كان لي أمانان، فمضى واحد وبقي
الآخر، قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَما كانَ اللَّهُ
لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ فهذا أمان. والثاني وَما كانَ اللَّهُ
مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ.
[ (7) ] أخرجه البخاري في تفسير سورة الأنفال (باب) وَمَا كَانَ اللَّه
لِيُعَذِّبَهُمْ وأنت فيهم، فتح الباري (8: 309) .
[ (8) ] الآية الكريمة (179) من سورة آل عمران.
(3/76)
وأَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ
اللَّه الْحَافِظُ قَالَ وَأَخْبَرَنِي أَبُو الْحُسَيْنِ الْحَجَّاجِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَيْرٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّه، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّه إِذَا
أَرَادَ رَحْمَةَ أُمَّةٍ مِنْ عِبَادِهِ قَبَضَ نَبِيَّهَا قَبْلَهَا
فَجَعَلَهُ لَهَا فَرَطًا [ (9) ] وَسَلَفًا [ (10) ] بَيْنَ يَدَيْهَا.
وَإِذَا أَرَادَ هَلَكَةَ أُمَّةٍ عَذَّبَهَا وَنَبِيُّهَا حَيٌّ فَأَقَرَّ
عَيْنَهُ بِهَلَكَتِهَا حِينَ كَذَّبُوهُ وَعَصَوْا أَمْرَهُ» .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ [ (11) ] وَقَالَ: حُدِّثْتُ [ (12) ] عَنْ أَبِي
أُسَامَةَ، وَمِمَّنْ رَوَى ذَلِكَ عَنْهُ:
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ وَزَادَ فِي مَتْنِهِ
«فَأَهْلَكَهَا وهو ينظر» .
__________
[ (9) ] (فرطا) : بمعنى الفارط المتقدم إلى الماء ليهيئ السقي، يريد أنه
شفيع يتقدم.
[ (10) ] (سلفا) : هو المقدّم. من عطف المرادف أو أعم.
[ (11) ] أخرجه مسلم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ، (8) بَابُ إذا أراد
اللَّه تعالى رحمة أمة قبض نبيها قبلها، الحديث (24) ، ص (1791- 1792) .
[ (12) ] قال المازري: «هذا الحديث من الأحاديث المنقطعة في مسلم، فإنه لم
يسمّ الذي حدثه عن أبي أسامة» .
«وقال الحافظ بن حجر في النكت الظراف على تحفة الأشراف (6: 445- 446) : قال
أبو عوانة في مستخرجه: روى مسلم، عن إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ
الْجَوْهَرِيُّ، عن أبي أسامة ...
فذكره، ولم أقف في شيء من نسخ مسلم على ما قال، بل جزم بعضهم بأنه ما سمعه
من إبراهيم بن سعيد، بل إنما سمعه من محمد بن المسيب، وقد وقع لنا بعلو من
طريق محمد بن المسيب الأرغياني، وأخرجه البزار في «مسنده» عن إبراهيم بن
سعيد، وأخرجه أبو نعيم في «المستخرج» من طريق أبي يعلى، وأبي عروبة،
وغيرهما.
(3/77)
بَابُ الْتِقَاءِ الْجَمْعَيْنِ وَنُزُولِ
الْمَلَائِكَةِ وَمَا ظَهَرَ فِي رَمْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِالْقَبْضَةِ وَإِلْقَاءِ اللهِ تَعَالَى الرُّعْبَ فِي
قُلُوبِهِمْ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا: يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ
بْنِ يَحْيَى الْمُزَكِّي، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ الطَّرَائِفِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ
صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي
قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى
الطَّائِفَتَيْنِ [ (1) ] ، قَالَ: «أَقْبَلَتْ عِيرُ أَهْلِ مَكَّةَ
تُرِيدُ الشَّامَ فَبَلَغَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ ذَلِكَ، فَخَرَجُوا
وَمَعَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُونَ
الْعِيرَ فَبَلَغَ ذَلِكَ أَهْلَ مَكَّةَ فَأَسْرَعُوا السَّيْرَ إِلَيْهَا
لِكَيْلَا يَغْلِبَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم
وَأَصْحَابُهُ فَسَبَقَتِ الْعِيرُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَكَانَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَهُمْ إِحْدَى
الطَّائِفَتَيْنِ وَكَانُوا أَنْ يَلْقَوَا الْعِيرَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ
وَأَيْسَرُ شَوْكَةً وَأَحْضَرُ مَغْنَمًا فَلَمَّا سَبَقَتِ البعير
وَفَاتَتْ، سَارَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم بِالْمُسْلِمِينَ
يُرِيدُ الْقَوْمَ فَكَرِهَ الْقَوْمُ مَسِيرَهُمْ لِشَوْكَةِ الْقَوْمِ
فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ
وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَاءِ رَمْلَةٌ دَعْصَةٌ فَأَصَابَ
الْمُسْلِمِينَ ضَعْفٌ شَدِيدٌ، وَأَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي قُلُوبِهِمُ
الْغَيْظَ [ (2) ] يُوَسْوِسُهُمْ، تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ
اللَّه وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَقَدْ غَلَبَكُمُ الْمُشْرِكُونَ عَلَى
الْمَاءِ وَأَنْتُمْ كَذَا، فَأَمْطَرَ اللَّه عَلَيْهِمْ مَطَرًا شَدِيدًا
فَشَرِبَ المسلمون
__________
[ (1) ] الآية الكريمة (7) من سورة الأنفال.
[ (2) ] في (ص) و (هـ) : «القنط» .
(3/78)
وتَطَهَّرُوا فَأَذْهَبَ اللَّه عَنْهُمْ
رِجْزَ الشَّيْطَانِ، وَصَارَ الرَّمْلُ كَدًّا- ذَكَرَ كَلِمَةً أَخْبَرَ
أَنَّهُ أَصَابَهُ الْمَطَرُ- وَمَشَى النَّاسُ عَلَيْهِ وَالدَّوَابُّ
فَسَارُوا إِلَى الْقَوْمِ، وَمَدَّ اللَّه تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ
فَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي خَمْسِمِائَةٍ مِنَ
الْمَلَائِكَةِ مُجَنَّبَةً وَمِيكَائِيلُ فِي خَمْسِمِائَةٍ مُجَنَّبَةً [
(3) ] وَجَاءَ إِبْلِيسُ فِي جُنْدٍ مِنَ الشَّيَاطِينِ مَعَهُ رَايَةٌ فِي
صُورَةِ رِجَالٍ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ وَالشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ
بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، فَقَالَ الشَّيْطَانُ لِلْمُشْرِكِينَ: لَا
غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لكم، فَلَمَّا
اصْطَفَّ الْقَوْمُ قَالَ أَبُو جَهْلٍ: اللهُمَّ أَوْلَانَا بِالْحَقِّ
فَانْصُرْهُ،
وَرَفَعَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ يَدَهُ فَقَالَ: يَا
رَبُّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ فَلَنْ تُعْبَدَ فِي الْأَرْضِ
أَبَدًا،
فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: خُذْ قَبْضَةً مِنَ التُّرَابِ فَأَخَذَ قَبْضَةً
مِنْ تُرَابٍ فَرَمَى بِهَا وُجُوهَهُمْ، فَمَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ
أَحَدٍ إِلَّا أَصَابَ عَيْنَيْهِ وَمِنْخَرَيْهِ وَفَمَهُ تُرَابٌ مِنْ
تِلْكَ الْقَبْضَةِ. فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ وَأَقْبَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ إِلَى إِبْلِيسَ فَلَمَّا رَآهُ وَكَانَتْ يَدُهُ فِي يَدِ
رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ انْتَزَعَ إِبْلِيسُ يَدَهُ ثُمَّ وَلَّى
مُدْبِرًا وَشِيعَتُهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ يَا سُرَاقَةُ أَلَمْ تَزْعُمُ
أَنَّكَ لَنَا جَارٌ قَالَ: إِنِّي أَرى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ
اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ [ (4) ] وَذَلِكَ حِينَ رَأَى
الْمَلَائِكَةَ» [ (5) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ
بْنُ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ
الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ
الزَّمْعِيُّ عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ ابن سُلَيْمَانَ
بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ سَمِعْتُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ يَسْأَلُ
حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ عَنْ يَوْمِ بَدْرٍ فَجَعَلَ الشَّيْخُ يَكْرَهُ
ذَلِكَ حَتَّى أَلَحَّ عَلَيْهِ فَقَالَ حكيم: «التقينا فاقتتلنا
__________
[ (3) ] في الدر المنثور: «وميكائيل فِي خَمْسِمِائَةٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ
مجنبة» ، والجملة ساقطة من (هـ) .
[ (4) ] [الأنفال- 48] .
[ (5) ] أخرجه ابن جرير الطبري، في تفسير سورة الأنفال، وابن المنذر، وابن
مردويه. وعنهم نقله السيوطي في الدر المنثور (3: 169) .
(3/79)
فَسَمِعْتُ صَوْتًا وَقَعَ مِنَ السَّمَاءِ
إِلَى الْأَرْضِ مِثْلَ وَقْعِ الْحَصَى فِي الطَّسْتِ، وَقَبَضَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَبْضَةَ فَرَمَى بِهَا
فَانْهَزَمْنَا» [ (6) ] .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَحَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ محمد، عن
الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ [بْنِ عَبْدٍ] [ (7) ] عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ [ (8) ] قَالَ: سَمِعْتُ نَوْفَلَ بْنَ
مُعَاوِيَةَ الدِّيلِيَّ يَقُولُ: «انْهَزَمْنَا يَوْمَ بَدْرٍ وَنَحْنُ
نَسْمَعُ كَوَقْعِ الْحَصَا فِي الطِّسَاسِ فِي أَيْدِينَا وَمِنْ
خَلْفِنَا وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَشَدِّ الرُّعْبِ عَلَيْنَا» [ (9) ] .
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ الْخَلِيلِ التُّسْتَرِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنِي
عَبَّاسٌ يَعْنِي ابْنَ أَبِي سلمة، عَنْ مُوسَى بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ
يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّه، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ
أَبِي حَثْمَةَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، قَالَ: «سَمِعْنَا صَوْتًا مِنَ
السَّمَاءِ وَقَعَ إِلَى الْأَرْضِ كَأَنَّهُ صَوْتُ حَصَاةٍ فِي طَسْتٍ
فَرَمَى رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ تِلْكَ الْحَصَاةَ
يَوْمَ بَدْرٍ فَمَا بَقِيَ مِنَّا أَحَدٌ» [ (10) ] يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّه هَذَا هُوَ ابْنُ وَهْبِ بْنِ زَمْعَةَ عَمُّ موسى ابن يَعْقُوبَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ،
قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ،
وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَعَبْدُ اللَّه بْنُ أَبِي بكر،
__________
[ (6) ] مغازي الواقدي (1: 95) .
[ (7) ] الزيادة من المغازي.
[ (8) ] في الأصول: ابن أبي صعير، وأثبت ما في المغازي.
[ (9) ] رواه الواقدي (1: 95) .
[ (10) ] في (ص) و (هـ) : «انهزمنا» .
(3/80)
وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا فَذَكَرَ
الْحَدِيثَ فِي يَوْمِ بَدْرٍ إِلَى أَنْ قَالَ: «فَكَانَ رَسُولُ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَرِيشِ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ
وَمَا معهما غيرهما وقد تدانا الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضِهِمْ
فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاشِدُ
رَبَّهُ مَا وَعَدَهُ مِنْ نَصْرِهِ، وَيَقُولُ: اللهُمَّ إِنَّكَ إِنْ
تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ [الْيَوْمَ] [ (11) ] لَا تُعْبَدْ، وَأَبُو
بَكْرٍ يَقُولُ: بَعْضَ مُنَاشَدَتِكَ لِرَبِّكَ يَا رَسُولَ اللَّه،
فَإِنَّ اللَّه مُوفِيكَ مَا وَعَدَكَ مِنْ نَصْرِهِ، وَخَفَقَ [ (12) ]
رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَفْقَةً ثُمَّ هَبَّ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَبْشِرْ يَا أَبَا
بَكْرٍ أَتَاكَ نَصْرُ اللَّه هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ
يَقُودُهُ عَلَى ثَنَايَاهُ النَّقْعُ- يَعْنِي الْغُبَارُ- ثُمَّ خَرَجَ
رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَبَّأَ أَصْحَابَهُ
وَهَيَّأَهُمْ وَقَالَ لَا يَعْجَلَنَّ رَجُلٌ بِقِتَالٍ حَتَّى نُؤْذِنَهُ
فَإِذَا أكثبوكم [ (13) ] القوم- يقول اقْتَرَبُوا مِنْكُمْ-
فَانْضَحُوهُمْ عَنْكُمْ بِالنَّبْلِ، ثُمَّ تَزَاحَمَ النَّاسُ فَلَمَّا
تَدَانَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ خَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ حَصْبَاءٍ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ
بِهَا قُرَيْشًا فَنَفَحَ بِهَا فِي وُجُوهِهِمْ وَقَالَ شَاهَتِ
الْوُجُوهُ- يَقُولُ قَبُحَتِ الْوُجُوهُ- ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْمِلُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ
فَحَمَلَ الْمُسْلِمُونَ وَهَزَمَ اللَّه قُرَيْشًا وَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ
مِنْ أَشْرَافِهِمْ وَأُسِرَ مَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ» [ (14) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّه بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ شَوْذَبٍ الْوَاسِطِيُّ بِهَا،
قَالَ: حَضَرْتُ أَحْمَدَ بْنَ سِنَانٍ مَعَ أَبِي وَجَدِّي فِي
الْمَجْلِسِ، وَهُوَ يُحَدِّثُ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ
بْنُ هَارُونَ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ عَبْدُ
اللَّه بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ بَنِي سَاعِدَةَ عَنْ
أَبِي أُسَيْدٍ: مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَكَانَ شَهِدَ يَوْمَ بَدْرٍ،
قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ قَالَ: «لَوْ كُنْتُ مَعَكُمْ بِبَدْرٍ
الْآنَ وَمَعِي بَصَرِي لَأَرَيْتُكُمُ الشِّعْبَ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ
الْمَلَائِكَةُ» [ (15) ] .
__________
[ (11) ] الزيادة من سيرة ابن هشام.
[ (12) ] خفق خفقة: نام نوما يسيرا.
[ (13) ] في (ص) و (هـ) : «أكثبكم» .
[ (14) ] سيرة ابن هشام (2: 267- 268) .
[ (15) ] سيرة ابن هشام (2: 274) .
(3/81)
بَابُ إِجَابَةِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ
دَعْوَةَ رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ
يُؤْذِيهِ بِمَكَّةَ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ حَتَّى قُتِلُوا مَعَ
إِخْوَانِهِمْ مِنَ الْكَفَرَةِ بِبَدْرٍ
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: جَنَاحُ بْنُ نَذِيرِ بْنِ جَنَاحٍ الْقَاضِي
بالكوفة، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ
دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ
أَبِي غَرَزَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّه بْنُ مُوسَى قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ
مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّه [بْنِ مَسْعُودٍ] [ (1) ] قَالَ: [
«بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا
يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ، وَجَمْعُ قُرَيْشٍ فِي مَجَالِسِهِمْ
يَنْظُرُونَ إِذْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: أَلَا تَنْظُرُونَ إِلَى هَذَا
الْمُرَائِي] [ (2) ] أَيُّكُمْ يَقُومُ [ (3) ] إِلَى جَزُورِ آلِ فُلَانٍ
فَيَعْمِدُ إِلَى فَرْثِهَا وَدَمِهَا وَسَلَاهَا فَيَجِيءُ بِهِ ثُمَّ
يُمْهِلُهُ حَتَّى إِذَا سَجَدَ وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَانْبَعَثَ
أَشْقَاهَا فَجَاءَ بِهِ فَلَمَّا سَجَدَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَثَبَتَ النبي صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ
سَاجِدًا وَضَحِكُوا حَتَّى مَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنَ الضَّحِكِ،
فَانْطَلَقَ مُنْطَلِقٌ إِلَى فَاطِمَةَ، وَهِيَ جُوَيْرِيَةُ فَأَقْبَلَتْ
تَسْعَى حَتَّى أَلْقَتْهُ عَنْهُ وَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَسُبُّهُمْ،
فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم الصَّلَاةَ
قَالَ: اللهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ ثَلَاثًا ثُمَّ سَمَّى، اللهم
__________
[ (1) ] ليست في (ص) ، ولا في (هـ) .
[ (2) ] ما بين الحاصرتين ورد في البخاري هكذا: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّه عليه وسلم كان يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ وَأَبُو جَهْلٍ
وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ إذ قال بعضهم لبعض: أيكم ...
[ (3) ] في الصحيح: يجيء.
(3/82)
عَلَيْكَ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ يَعْنِي
أَبَا جَهْلٍ، وَبِعُتْبَةَ بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة،
وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَعُمَارَةَ
بْنِ الْوَلِيدِ، قَالَ عَبْدُ اللَّه: واللَّه لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ
صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ يُسْحَبُونَ إِلَى قَلِيبِ بَدْرٍ، ثُمَّ قَالَ
رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأُتْبِعَ أَصْحَابُ
الْقَلِيبِ لَعْنَةً» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ
عُبَيْدِ اللَّه [ (4) ] .
وَأَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ [ (5) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ
السَّقَّا وَأَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُقْرِئِ
الْإِسْفَرَائِنِيَّانِ، قَالَا: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي،
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ
بْنُ الْمَاجِشُونِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي صَالِحُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: «إِنِّي لَوَاقِفٌ يَوْمَ بَدْرٍ فِي
الصَّفِّ فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَشِمَالِي فَإِذَا أَنَا بَيْنَ
غُلَامَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمَا، فَتَمَنَّيْتُ
أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ
يَا عَمِّ أَتَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قُلْتُ نَعَمْ وَمَا حَاجَتُكَ
إِلَيْهِ قَالَ أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ رَأَيْتُهُ لَا
يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا
فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَغَمَزَنِي الْآخَرُ فَقَالَ لِي مِثْلَهَا
فَلَمْ أَنْشِبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ،
فَقُلْتُ: أَلَا تَرَيَانِ، هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي
__________
[ (4) ] الْبُخَارِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إسحاق، أخرجه في الصلاة، باب
المرأة تطرح عن المصلي شيئا من الأذى.
[ (5) ] عن أبي إسحاق: البخاري في: 4- كتاب الوضوء (69) باب إذا ألقي على
ظهر المصلي قذر أو جيفة لم تفسد عليه صلاته، فتح الباري (1: 349) ، ومسلم
في المغازي (باب) ما لقي النبي صلى اللَّه عليه وسلم من أذى المشركين
والمنافقين.
(3/83)
تَسْأَلَانِ عَنْهُ فَابْتَدَرَاهُ
بِسَيْفَيْهِمَا فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلَاهُ،
ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ: أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ، قَالَ هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟
قَالَا: لَا. قَالَ: فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ، فَقَالَ: كِلَاكُمَا
قَتَلَهُ، وَقَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرٍو وَالْآخَرُ معاذ بن
عَفْرَاءَ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُسَدَّدٍ [ (6) ] .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى [ (7) ] ، كِلَاهُمَا عَنْ
يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ الْمَاجِشُونِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو
أَحْمَدَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ
زُرَارَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّه، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ
مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّه بْنِ أَبِي
بَكْرٍ أَيْضًا، قَالَ: حَدَّثَنِي ذَلِكَ قَالَ قَالَ مُعَاذُ بْنُ
عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ «سَمِعْتُ الْقَوْمَ وَأَبُو
جَهْلٍ فِي مِثْلِ الْحَرَجَةِ [ (8) ] وَهُمْ يَقُولُونَ: أَبُو الْحَكَمِ
لَا يُخْلَصُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا سَمِعْتُهَا جَعَلْتُهُ مِنْ شَأْنِي
فَعَمَدْتُ نَحْوَهُ فَلَمَّا أَمْكَنَنِي حَمَلْتُ عَلَيْهِ فَضَرَبْتُهُ
ضَرْبَةً أَطَنَّتْ قَدَمَهُ بنصف ساقه، فو اللَّه مَا أُشَبِّهُهَا حِينَ
طَاحَتْ [ (9) ] إلا
__________
[ (6) ] البخاري عن مسدد في كتاب الخمس، (باب) من لم يخمس الأسلاب، ومن قتل
قتيلا فله سلبه من غير أن يخمس، وحكم الإمام فيه، وأخرجه البخاري أيضا في
المغازي عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّه المديني، وعن يَعْقُوبَ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ.
[ (7) ] عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى في: 32- كتاب الجهاد والسير، (13) باب
استحقاق القاتل سلب القتيل، الحديث (42) ، ص (1372) .
[ (8) ] (الحرجة) : مجتمع شجر ملتف كالغيضة، والجمع حراج، وحرج، وقال في
الإملاء:
«الحرجة: الشجرة الكثيرة الأغصان» .
[ (9) ] (طاحت) : سقطت، وهلكت.
(3/84)
النَّوَى يَطِيحُ مِنْ تَحْتِ مِرْضَخَةِ
النَّوَى [ (10) ] حِينَ يُضْرَبُ بِهَا، قَالَ: وَضَرَبَنِي ابْنُهُ
عِكْرِمَةُ عَلَى عَاتِقِي، فَطَرَحَ يَدِي فَتَعَلَّقَتْ بِجِلْدَةٍ مِنْ
جَنْبِي وَأَجْهَضَنِي [ (11) ] الْقِتَالُ عَنْهُ، وَلَقَدْ قَاتَلْتُ
عَامَّةَ يَوْمِي وَإِنِّي لَأَسْحَبُهَا خَلْفِي، فَلَمَّا آذَتْنِي
وَضَعْتُ عَلَيْهَا قَدَمِي ثُمَّ تَمَطَّيْتُ [ (12) ] ، حَتَّى
طَرَحْتُهَا، قَالَ: - ثُمَّ عَاشَ مُعَاذٌ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى كَانَ
زَمَانُ عُثْمَانَ-، قَالَ: ثُمَّ مَرَّ بِأَبِي جَهْلٍ وَهُوَ عقير: [
(13) ] معوّذ بن عَفْرَاءَ فَضَرَبَهُ حَتَّى أَثْبَتَهُ [ (14) ] وَبِهِ
رَمَقٌ [ (15) ] ، وَقَاتَلَ مُعَوِّذٌ حَتَّى قُتِلَ رَحِمَهُ اللَّه،
فَمَرَّ عَبْدُ اللَّه بْنُ مَسْعُودٍ بِأَبِي جَهْلٍ حَينَ أَمَرَ رَسُولُ
اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم أن يُلْتَمَسَ فِي الْقَتْلَى، قَالَ:
وَقَدْ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِيمَا بَلَغَنِي: انْظُرُوا: إِنْ خَفِيَ عَلَيْكُمْ فِي الْقَتْلَى إِلَى
أَثَرِ جُرْحٍ بِرُكْبَتِهِ، فَإِنِّي ازْدَحَمْتُ أَنَا وَهُوَ عَلَى
مَأْدُبَةٍ [ (16) ] لِعَبْدِ اللَّه بْنِ جُدْعَانَ وَنَحْنُ غِلْمَانٌ،
فَكُنْتُ أَشَفَّ [ (17) ] مِنْهُ بِيَسِيرٍ فَدَفَعْتُهُ فَوَقَعَ عَلَى
رُكْبَتَيْهِ فَجُحِشَ [ (18) ] فِي إِحْدَاهُمَا جَحْشًا لَمْ يَزَلْ
أَثَرُهُ بِهِ بَعْدُ.
قَالَ عَبْدُ اللَّه بْنُ مَسْعُودٍ: فَوَجَدْتُهُ بِآخِرَ رَمَقٍ
فَعَرَفْتُهُ فَوَضَعْتُ رِجْلِي عَلَى عُنُقِهِ وَقَدْ كَانَ ضَبَثَ [
(19) ] بِي مَرَّةً بِمَكَّةَ فَآذَانِي، فَقُلْتُ هَلْ أَخْزَاكَ اللَّه
أَيْ عَدُوَّ اللَّه؟ قَالَ وَبِمَاذَا أَخْزَانِي، عَدَا رَجُلٍ
قَتَلْتُمُوهُ، أَخْبِرْنِي لِمَنِ الدَّبْرَةُ [ (20) ] ؟ قلت
__________
[ (10) ] (مرضخة النوى) : الحجر الذي يكسر به النوى.
[ (11) ] (أجهضني) : «شغلني» .
[ (12) ] (تمطيت) : مددت بين يدي.
[ (13) ] (عقير) : قتيل.
[ (14) ] (أثبته) : أصاب مقاتله.
[ (15) ] (الرمق) : بقية الحياة.
[ (16) ] (المأدبة) : الطعام.
[ (17) ] في (ص) : «أشق» وهو تصحيف، وشف يشف شفا إذا نقص.
[ (18) ] (جحش) خدش.
[ (19) ] قبض عليه ولزمه ... وبطش به.
[ (20) ] الدّبرة: الظفر، والنصرة.
(3/85)
اللَّه وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
وَزَعَمَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ
يَقُولُ: قَالَ لَقَدِ ارْتَقَيْتَ يَا رُوَيْعِيَّ الغنم مرتقا صعبا،
قال: ثم احترزت رَأْسَهُ فَجِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: هَذَا رَأْسُ عَدُوِّ اللَّه أَبِي جَهْلٍ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُ الَّذِي
لَا إِلَهَ غَيْرُهُ [ (21) ] ؟ وَكَانَتْ يَمِينُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى
اللَّه عليه وسلم إِذَا حَلَفَ بِهَا قَالَ قُلْتُ نَعَمْ واللَّه الَّذِي
لَا إِلَهَ غَيْرُهُ ثُمَّ أَلْقَيْتُ رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَحَمِدَ
اللَّه» [ (22) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ
بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ أَنَّ
أَنَسًا حَدَّثَهُمُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ «مَنْ يَنْظُرُ مَا صَنَعَ أَبُو جَهْلٍ فَانْطَلَقَ ابْنُ
مَسْعُودٍ فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَدَ،
قَالَ: أَنْتَ أَبُو جَهْلٍ فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ فَقَالَ وَهَلْ فَوْقَ
رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ أَوْ قَتَلَهُ قَوْمُهُ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (23) ] ، عَنْ عَمْرِو بْنِ
خَالِدٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ زهير.
__________
[ (21) ] اللَّه الَّذِي لَا إِلَهَ إلا هو، قال في الرّوض: الاسم الجليل
بالخفض عند سيبويه وغيره، لأنّ الاستفهام عوض عن الخافض عنده، وإذا كنت
مخبرا قلت: اللَّه بالنصب، لا يجيز المبرّد غيره، وأجاز سيبويه الخفض أيضا
لأنه قسم، وقد عرف أن المقسم به مخفوض بالباء وبالواو، ولا يجوز إضمار حروف
الجرّ إلّا في هذا الموضع، أو ما كثر استعماله جدا، كما روي أن رؤبة كان
يقول إذا قيل له: كيف أصبحت؟: خير عافاك اللَّه.
[ (22) ] أخرجه الإمام أحمد عن ابن مسعود، وابن إسحاق عن معاذ بن عمرو،
وأنظر سيرة ابن هشام (2: 275) ، ونقله ابن كثير في التاريخ (3: 287) ، وجزء
الحديث الأخير رواه الطبراني، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (6: 79) .
[ (23) ] الْبُخَارِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ وَأَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ
في كتاب المغازي (8) باب قتل أبي جهل، فتح الباري (7: 293) كلاهما عن زهير،
عن سليمان التيمي.
وأخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب قتل أبي جهل عَنْ عَلِيِّ بْنِ
حُجْرٍ، عن ابن عليّة، صفحة (3: 1425) .
(3/86)
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي ابْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، قَالَا: حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: «قَالَ
نَبِيُّ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم مَنْ يَعْلَمُ مَا فَعَلَ أَبُو
جَهْلٍ؟ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَنَا يَا نَبِيَّ اللَّه، فَانْطَلَقَ
فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَدَ، قَالَ: فَأَخَذَ
بِلِحْيَتِهِ فَقَالَ: أَنْتَ أَبُو جَهْلٍ؟
فَقَالَ: وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ [ (24) ] ، أَوْ قَالَ:
قَتَلَهُ قَوْمُهُ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ
وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ سُلَيْمَانَ [ (25) ] .
حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي الْهَيْثَمُ بْنُ خَلَفٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّه «أَنَّهُ أَتَى أَبَا جَهْلٍ فَقَالَ: قَدْ أَخْزَاكَ اللَّه!
فَقَالَ: هَلْ أَعْمَدَ مِنْ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ عَنْ أَبِي
أُسَامَةَ [ (26) ] .
وَقَوْلُهُ هَلْ أَعْمَدَ: أَيْ هَلْ زَادَ، يَقُولُ: إِنَّ هَذَا لَيْسَ
بِعَارٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ علي الاسفرائني
بِهَا قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ:
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابن أَبِي
بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَثَّامُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا
الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي إسحاق،
__________
[ (24) ] (وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ) أي لا عار عليّ في قتلكم
إياي.
[ (25) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي، (8) باب قتل أبي جهل، فتح
الباري (7:
293) ، ومسلم في: 32- كتاب الجهاد والسير (41) باب قتل أبي جهل، حديث (118)
، ص (3: 1424) .
[ (26) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي (8) باب قتل أبي جهل عَنِ
ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أبي أسامة ... الحديث (3961) ، فتح الباري (7: 293) .
(3/87)
عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ
اللَّه، قَالَ: «انْتَهَيْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ وَهُوَ صَرِيعٌ وَعَلَيْهِ
بَيْضَةٌ وَمَعَهُ سَيْفٌ جَيِّدٌ، وَمَعِي سَيْفٌ رَثٌّ، فَجَعَلْتُ
أَنْقُفُ رَأْسَهُ بِسَيْفِي، وَأَذْكُرُ نَقْفًا كَانَ يَنْقُفُ رَأْسِي
بِمَكَّةَ، حَتَّى ضَعُفَتْ يَدَيَّ، فَأَخَذْتُ سَيْفَهُ، فَرَفَعَ
رَأْسَهُ، فَقَالَ: عَلَى مَنْ كَانَتِ الدَّبْرَةُ: لَنَا، أَوْ
عَلَيْنَا؟ أَلَسْتَ رُوَيْعِيَّنَا بِمَكَّةَ. قَالَ:
فَقَتَلْتُهُ،
ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ:
قَتَلْتُ أَبَا جَهْلٍ، قَالَ: آللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ؟
فَاسْتَحْلَفَنِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَامَ مَعِي إِلَيْهِمْ فَدَعَا
عَلَيْهِمْ» [ (27) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ
بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ
أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّه عليه وسلم يَوْمَ بَدْرٍ فَقُلْتُ: قَتَلْتُ أَبَا جَهْلٍ،
فَقَالَ: آللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ؟ فَقُلْتُ: اللَّه
الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. قَالَ: اللَّه
أَكْبَرُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ،
وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ قَالَ: انْطَلِقْ فَأَرِنِيهِ،
فَانْطَلَقْتُ فَأَرَيْتُهُ، فَقَالَ: هَذَا فِرْعَوْنُ هَذِهِ الْأُمَّةِ»
[ (28) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عَبْدِ اللَّه الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ
الْفَرَجِ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: «وَقَفَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عليه وسلم عَلَى مَصْرَعِ ابْنَيْ عَفْرَاءَ، فَقَالَ:
يَرْحَمُ اللَّه ابْنَيْ عَفْرَاءَ، فَهُمَا شُرَكَاءُ فِي قَتْلِ
فِرْعَوْنِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَرَأْسِ أئمة الكفر،
__________
[ (27) ] تاريخ ابن كثير (3: 288- 289) ، واستحلفه ثلاثة أيمان أنه رآه
قتيلا.
[ (28) ] أخرجه أبو داود في الجهاد (142) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلَاءِ،
عَنْ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ مسعود، والنسائي في السير (في
السنن الكبرى) عن عمرو بن يزيد الجرمي، عن أمية بن خالد القيسي، عن شعبة
عنه- ببعضه، [تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف (7: 162- 163) ] ، ونقله الحافظ
بن كثير عنهما في التاريخ (3: 289) .
(3/88)
فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَنْ
قَتَلَهُ مَعَهُمَا؟ قَالَ: الْمَلَائِكَةُ وَابْنُ مَسْعُودٍ قَدْ شَرِكَ
فِي قَتْلِهِ» [ (29) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ
عَنْبَسَةَ بْنِ الْأَزْهَرِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: «لَمَّا جَاءَ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَشِيرُ يَوْمَ بَدْرٍ
بِقَتْلِ أَبِي جَهْلٍ اسْتَحْلَفَهُ ثَلَاثَةَ أَيْمَانٍ بِاللهِ الَّذِي
لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَقَدْ رَأَيْتَهُ قَتِيلًا؟ فَحَلَفَ لَهُ فَخَرَّ
رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ سَاجِدًا» [ (30) ] .
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّه بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
اللَّه الْهَرَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ،
قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ رَجَاءٍ، عَنِ
الشَّعْثَاءِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، قَالَ: «دَخَلَ عَلَيَّ عَبْدُ
اللَّه بْنُ أَبِي أَوْفَى، فَرَأَيْتُهُ صَلَّى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ،
فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: إِنَّكَ صَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ! فَقَالَ:
رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الضُّحَى
رَكْعَتَيْنِ حِينَ بُشِّرَ بِالْفَتْحِ، وَحِينَ جِيءَ بِرَأْسِ أَبِي
جَهْلٍ» [ (31) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه
الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُجَالِدٌ
عَنِ الشَّعْبِيِّ: «أَنْ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي مَرَرْتُ بِبَدْرٍ فَرَأَيْتُ رَجُلًا يَخْرُجُ
مِنَ الْأَرْضِ فَيَضْرِبُهُ رَجُلٌ بِمَقْمَعَةٍ مَعَهُ حَتَّى يَغِيبَ
فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ
ذَلِكَ مِرَارًا، فَقَالَ
__________
[ (29) ] الخبر في مغازي الواقدي (1: 91) ، وعنه نقله البيهقي، وعنهما ابن
كثير في التاريخ (3:
289) .
[ (30) ] نقله ابن كثير في التاريخ (3: 289) .
[ (31) ] البداية والنهاية (3: 289) مختصرا.
(3/89)
رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: ذَاكَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ يُعَذَّبُ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ»
[ (32) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ،
قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ ابن مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ
مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي قَالَ: حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ
الْمَاجِشُونِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «كَانَ
بَيْنِي وَبَيْنَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ كِتَابًا بِأَنْ يَحْفَظَنِي فِي
ضِيَاعِي بِمَكَّةَ، وَأَحْفَظُهُ فِي ضِيَاعِهِ بِالْمَدِينَةِ، فَلَمَّا
ذَكَرْتُ الرَّحْمَنَ قَالَ لَا أَعْرِفُ الرَّحْمَنَ، كَاتِبْنِي
بِاسْمِكَ الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَكَاتَبْتُهُ عَبْدَ
عَمْرٍو، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ خَرَجْتُ بِهِ إِلَى شِعْبٍ
لِأُحْرِزَهُ حَتَّى يَأْمَنَ النَّاسَ، فَأَبْصَرَهُ بِلَالُ بْنُ
رَبَاحٍ، فَخَرَجَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مَجْلِسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ،
فَقَالَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ: لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا أُمَيَّةُ،
فَخَرَجَ مَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي آثَارِنَا فَلَمَّا خَشِيتُ
أَنْ يَلْحَقُونَا خَلَّفْتُ لَهُمُ ابْنَهُ لِأَشْغَلَهُمْ بِهِ
فَقَتَلُوهُ ثُمَّ أَتَوْا حَتَّى اتَّبَعُونَا، وَكَانَ رَجُلًا ثَقِيلًا
فَلَمَّا أَدْرَكُونَا قُلْتُ لَهُ: ابْرُكْ، فَبَرَكَ فَأَلْقَيْتُ
عَلَيْهِ نَفْسِي لِأَمْنَعَهُ مِنْهُمْ، فَجَلَّلُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ
مِنْ تَحْتِي، حَتَّى قَتَلُوهُ، وَأَصَابَ أَحَدُهُمْ رِجْلِي بِسَيْفِهِ،
وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يُرِينَا ذَلِكَ الْأَثَرَ بِظَهْرِ قَدَمِهِ»
.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (33) ] ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ
بْنِ عبد اللَّه، عَنْ يُوسُفَ، وَقَالَ: صَاغِيَتِي وَصَاغِيَتُهُ،
يُرِيدُ بِالصَّاغِيَةِ، الحاشية والأتباع، ومن
__________
[ (32) ] نقله ابن كثير في البداية والنهاية (3: 289- 290) ، ونقله الصالحي
في السيرة الشامية (4:
80) ، وعزاه لابن أبي الدنيا في كتاب: «من عاش بعد الموت» عَنِ
الشَّعْبِيِّ أَنْ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ...
[ (33) ] أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ في: 40- كتاب الوكالة (2) باب إذا وكّل
المسلم حربيا في دار الحرب أو في دار الإسلام جاز-، فتح الباري (4: 480) ،
بطوله، وفي المغازي (8) باب قتل أبي جهل مختصرا كلاهما عَنْ عَبْدِ
الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّه، عَنْ يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونِ، عَنْ
صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ.
(3/90)
يَصْغَى إِلَيْهِ مِنْهُمْ أَيْ: يَمِيلُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الحافظ وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو
قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ
بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ
عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ
ابْنُ إِسْحَاقَ: وحَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَا: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ
يَقُولُ: «كَانَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ صَدِيقًا لِي بِمَكَّةَ وَكَانَ
اسْمِي: عَبْدَ عَمْرٍو، فَلَمَّا أَسْلَمْتُ تَسَمَّيْتُ: عَبْدَ
الرَّحْمَنِ، فَلَقِيَنِي فَقَالَ: أَيَا عَبْدَ عَمْرٍو أَرَغِبْتَ عَنِ
اسْمٍ سَمَّاكَهُ أَبُوكَ؟ فَأَقُولُ:
نَعَمْ هَدَانِي اللَّه لِلْإِسْلَامِ فَتَسَمَّيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ،
قَالَ إِنِّي لَا أَعْرِفُ الرَّحْمَنَ أَمَّا أَنْتَ فَلَا تُجِيبُنِي
بِاسْمِكَ الْأَوَّلِ وَأَمَّا أَنَا فَلَا أَدْعُوكَ بِاسْمِكَ الْآخَرِ،
فَاجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ شَيْئًا إِذَا دَعَوْتُكَ بِهِ أَجَبْتَنِي.
فَقُلْتُ يَا أَبَا عَلِيٍّ، فَقُلْ مَا شِئْتَ قَالَ: فَأَنْتَ عَبْدُ
الْإِلَهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ أَنَا عَبْدُ الْإِلَهِ. فَكَانَ إِذَا
لَقِيَنِي قَالَ يَا عَبْدَ الْإِلَهِ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ
وَهُزِمَ النَّاسُ اسْتَلَبْتُ أَدْرَاعًا فَمَرَرْتُ بِهِنَّ
أَحْمِلُهُنَّ، فَرَآنِي أُمَيَّةُ، وَهُوَ قَائِمٌ مَعَ ابْنِهِ عَلِيٍّ
آخِذٌ بِيَدِهِ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ عَمْرٍو، فَلَمْ أُجِبْهُ، فَقَالَ:
يَا عَبْدَ الْإِلَهِ، فَقُلْتُ: نَعَمْ فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِيَّ وَفِي
ابْنِي فَنَحْنُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ هَذِهِ الْأَدْرَاعِ الَّتِي تَحْمِلُ،
فَقُلْتُ: نَعَمْ هَيْمُ اللَّه [ (34) ] إِذًا فَأَلْقَيْتُ الْأَدْرَاعَ،
وَأَخَذْتُ بِيَدِهِ وَيَدِ ابْنِهِ فَجَعَلَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ
كَالْيَوْمِ قَطُّ. أَمَا لَكُمْ حَاجَةٌ فِي اللَّبَنِ؟ يَقُولُ فِي
الفداء [ (35) ] قال فو اللَّه إِنِّي لَأَمْشِي مَعَهُمَا إِذْ رَآهُمَا
مَعِي بِلَالٌ. فَقَالَ: رَأْسُ الْكُفْرِ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ لَا
نَجَوْتُ إِنْ نَجَا، فَقُلْتُ: أَيْ بِلَالُ أبا سيريّ؟ فَقَالَ: لَا
نَجَوْتُ إِنْ نَجَا. فَقُلْتُ: هَلْ تَسْمَعُ يا بن السَّوْدَاءِ؟
فَقَالَ: لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا، ثُمَّ
__________
[ (34) ] مما يستعملونه في القسم، وورد في السيرة لابن هشام: «ها اللَّه» .
[ (35) ] في (ص) : يعني الفداء، وفي سيرة ابن هشام: قال ابن هشام: يريد
باللبن أنّ من أسرني افتديت منه بإبل كثيرة اللبن.
(3/91)
صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ
الْأَنْصَارِ، رَأْسُ الْكُفْرِ: أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، لَا نَجَوْتُ إِنْ
نَجَا، فَأَحَاطُوا بِنَا حَتَّى جَعَلُونَا فِي مِثْلِ الْمَسَكَةِ [ (36)
] وَجَعَلْتُ أَذُبُّ عَنْهُمَا وَأَقُولُ: أَسِيرَيَّ إِذْ خَلَفَ رَجُلٌ
السَّيْفَ فَضَرَبَ رِجْلَيَّ أُمَيَّةَ، ضَرَبَهُمَا فَطَرَحَهُمَا
فَصَاحَ أُمَيَّةُ صَيْحَةً واللَّه مَا سَمِعْتُ صَيْحَةً مِثْلَهَا،
فَقُلْتُ: انْجُ بِنَفْسِكَ فو اللَّه مَا أُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا- وَلَا
نَجَاءَ بِهِ- فَهَبَرُوهُمَا واللَّه بِأَسْيَافِهِمْ حَتَّى فَرَغُوا
مِنْهُ، فَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، يَقُولُ: يَرْحَمُ اللَّه بِلَالًا
ذَهَبَتْ أَدْرَاعِي، وَفَجَعَنِي بِأَسِيرِي» [ (37) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بْنُ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ
أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي: قَالَ: حَدَّثَنَا
رَوْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ [عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذَكَرَ لَنَا
أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ] [ (38) ] «أَنَّ رَسُولَ اللَّه
صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ
وَعِشْرِينَ رَجُلًا مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ فَقُذِفُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ
أَطْوَاءِ بَدْرٍ خَبِيثٍ مُخْبِثٍ، وَكَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ
أَقَامَ بِالْعَرْصَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَلَمَّا كَانَ بِبَدْرٍ الْيَوْمَ
الثَّالِثَ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَشُدَّ عَلَيْهَا رَحْلُهَا، ثُمَّ مَشَى
وَاتَّبَعَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا: مَا نَرَاهُ إِلَّا يَنْطَلِقُ
لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، حَتَّى قَامَ عَلَى شَفَةِ الرَّكِيِّ [ (39) ]
فَجَعَلَ يُنَادِيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ: يَا
فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ، وَيَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ: أَيَسُرُّكُمْ
أَنَّكُمْ أَطَعْتُمُ اللَّه وَرَسُولَهُ، فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا
وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ
حَقًّا؟ فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّه مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ
لَا أَرْوَاحَ فِيهَا؟ فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ
بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ.
قَالَ قَتَادَةُ: أَحْيَاهُمُ اللَّه حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ
تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا ونقمة وحسرة وندامة» .
__________
[ (36) ] المسكة: السوار من عاج.
[ (37) ] الخبر رواه ابن هشام في السيرة (2: 271- 273) .
[ (38) ] الزيادة من (ص) و (هـ) .
[ (39) ] على شفة الركي: على طرف البئر، وفي رواية: شفير.
(3/92)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ
عَبْدِ اللَّه بْنِ مُحَمَّدٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
حَاتِمٍ كِلَاهُمَا عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ [ (40) ] .
وَفِي قَوْلِ قَتَادَةَ هَذَا جَوَابٌ عَمَّا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ
إِنْكَارِهَا إِسْمَاعَ الْمَوْتَى فِيمَا
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، ومُحَمَّدُ بْنُ
مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،
قَالَ: «وَقَفَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم عَلَى قَلِيبِ
بَدْرٍ فَقَالَ إِنَّهُمْ لَيَسْمَعُونَ مَا أَقُولُ.
فَقَالَتْ عَائِشَةُ لَيْسَ هَكَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّمَا قَالَ: إِنَّهُمْ لَيَعْلَمُونَ أَنَّ مَا
كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ حَقٌّ. إنهم قد تبوّأوا مَقَاعِدَهُمْ مِنَ
النَّارِ. إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ:
إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي
الْقُبُورِ إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ» [ (41) ] .
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ وَغَيْرِهِ [ (42)
] ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ.
وَمَا رَوَتْ لَا يَدْفَعُ مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ فَإِنَّ الْعِلْمَ لَا
يَمْنَعُ مِنَ السَّمَاعِ، وَقَدْ وَافَقَهُ فِي رِوَايَتِهِ مَنْ شَهِدَ
الْوَقْعَةَ أَبُو طلحة الأنصاري، واستدلاها بِقَوْلِهِ: إِنَّكَ لَا
تُسْمِعُ الموتى فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يُسْمِعْهُمْ وَهُمْ مَوْتَى
لَكِنَّ اللَّه تَعَالَى أَحْيَاهُمْ حَتَّى
__________
[ (40) ] عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ محمد أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي
(8) باب قتل أبي جهل، الحديث (3976) ، فتح الباري (7: 300- 301) ، ومسلم
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ في صفة أهل الجنة والنار (17) باب عرض مقعد
الميت من الجنة أو النار عليه، وإثبات عذاب القبر، الحديث (78) ، ص (4:
2204) .
[ (41) ] الآية الكريمة (80) من سورة النمل.
[ (42) ] بهذا الإسناد أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي، (8) باب قتل
أبي جهل، الحديث (3979) ، فتح الباري (7: 301) .
وأخرجه مسلم في الجنائز عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ أبي أسامة، وعَنْ أَبِي
بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ كلاهما عن هشام، والنسائي في
الجنائز عن محمد بن آدم.
(3/93)
أَسْمَعَهُمْ كَمَا قَالَ قَتَادَةُ
تَوْبِيخًا لَهُمْ وَتَصْغِيرًا [وَحَسْرَةً] وَنَدَامَةً] [ (43) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عَبْدِ اللَّه بْنُ بُطَّةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ
الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: «وَكَانَ عُقْبَةَ
بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ بِمَكَّةَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مُهَاجِرٌ بِالْمَدِينَةِ، فَكَانَ يَقُولُ بِمَكَّةَ فِيهِ
بَيْتَيْنِ مِنْ شِعْرٍ [ (44) ] فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَلَغَهُ قَوْلُهُ: اللهُمَّ كُبَّهُ
لِمَنْخَرِهِ واصْرَعْهُ، فَجَمَحَ بِهِ فَرَسُهُ يَوْمَ بَدْرٍ،
فَأَخَذَهُ عَبْدُ اللَّه بْنُ سَلَمَةَ الْعَجْلَانِيُّ، فَأَمَرَ بِهِ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتِ بْنِ
أَبِي الْأَقْلَحِ فَضَرَبَ عُنُقَهُ صَبْرًا»
[ (45) ] .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي ابْنُ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
«قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ:
اللهُمَّ اكْفِنِي نَوْفَلَ بْنَ خُوَيْلِدٍ. ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي
قتله [ (46) ] .
__________
[ (43) ] ليست في (ص) .
[ (44) ] هما:
يا راكب الناقة القصواء هاجرنا* عما قليل تراني راكب الفرس أعلّ رمحي فيكم
ثم أنهله* والسيف يأخذ منكم كلّ ملتبس
[ (45) ] مغازي الواقدي (1: 82) .
[ (46) ] وأقبل نوفل يومئذ وهو مرعوب، قد رأى قتل أصحابه، وكان في أوّل ما
التقوا هم والمسلمون، يصيح بصوت به زجل، رافعا صوته: يَا مَعْشَرَ
قُرَيْشٍ، إِنَّ هذا اليوم يوم العلاء والرّفعة! فلمّا رأى قريشا قد انكسرت
جعل يصيح بالأنصار: ما حاجتكم إلى دمائنا؟ أما ترون ما تقتلون؟ أما لكم في
اللّبن من حاجة؟ فأسره جبّار بن صخر فهو يسوقه أمامه، فجعل نوفل يقول
لجبّار- ورأى عليّا مقبلا نحوه- قال: يا أخا الأنصار، من هذا؟ واللّات
والعزّى، إني لأرى رجلا، إنه ليريدني! قال: هذا علي بن أبي طالب. قال: ما
رأيت كاليوم رجلا أسرع في قومه [منه.
فيصمد له عليّ عليه السلام] فيضربه، فنشب سيف عليّ في جحفته ساعة، ثم نزعه
فيضرب ساقيه، ودرعه مشمّرة، فقطعهما، ثم أجهز عليه فقتله.
(3/94)
قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وسلم: مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِنَوْفَلِ بْنِ خُوَيْلِدٍ،
فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: أَنَا قَتَلْتُهُ، قَالَ: فَكَبَّرَ
النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وسلم، وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي
أَجَابَ دَعْوَتِي فِيهِ»
[ (47) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ
الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو،
عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: بَدَّلُوا
نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً [ (48) ] قَالَ: هُمْ كُفَّارُ أَهْلِ مَكَّةَ
بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّه كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البوار»
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ [ (49) ] .
زَادَ، قَالَ: «النَّارُ يَوْمُ بَدْرٍ» .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْعَلَوِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ حَمْدَوَيْهِ بْنِ سهل الغازي قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ
حَمَّادٍ الْآمُلِيُّ، قَالَ: حدثنا سعيد ابن أَبِي مَرْيَمَ، ثُمَّ
أَخْبَرَنِي بَكْرُ بْنُ مُضَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ
رَبِيعَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْأَدْرَعِ، عَنْ أَبِي
الطُّفَيْلِ «أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّه
عَنْهُ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّه تَعَالَى: الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ
اللَّهِ كُفْراً قَالَ هُمْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ الَّذِينَ نُحِرُوا يَوْمَ
بَدْرٍ» .
أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حدثنا يونس ابْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ
ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ
اللَّه بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّه
عَنْهَا قَالَتْ: «مَا كَانَ بين نزول أول
__________
[ (47) ] مغازي الواقدي (1: 91- 92) .
[ (48) ] الآية الكريمة (28) من سورة إبراهيم.
[ (49) ] البخاري: تفسير سورة إبراهيم، الحديث (4700) ، فتح الباري (8:
378) .
(3/95)
يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ [ (50) ]
وَبَيْنَ قول اللَّه تعالى: ذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ
وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا [ (51) ] إِلَّا قَلِيلٌ حَتَّى أَصَابَ اللَّه
قُرَيْشًا بِالْوَقْعَةِ يَوْمَ بَدْرٍ» [ (52) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْحَسَنِ السَّرَّاجُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُطَيَّنٌ قَالَ: حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْأَحْوَلُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ
بْنُ مَعْنٍ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ: أَخَذَتْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ رِيحٌ عَقِيمٌ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ بِبَغْدَادَ قَالَ: حَدَّثَنَا
جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ
قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ [عَنِ سِمَاكٍ] [ (53) ] عَنْ عِكْرِمَةَ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عليه وَسَلَّمَ مِنَ الْقَتْلَى قِيلَ لَهُ: عَلَيْكَ الْعِيرَ [ (54) ]
لَيْسَ دُونَهَا شَيْءٌ، فَنَادَاهُ الْعَبَّاسُ وَهُوَ فِي وَثَاقِهِ:
إِنَّهُ لَا يَصْلُحُ لَكَ، قَالَ: لِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّ اللَّه عَزَّ
وَجَلَّ وَعَدَكَ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَقَدْ أَنْجَزَ لَكَ ما وعدك»
[ (55) ] .
__________
[ (50) ] الآية الأولى من سورة المزمل.
[ (51) ] الآية الكريمة (11) من سورة المزمل.
[ (52) ] سيرة ابن هشام (2: 317) .
[ (53) ] الزيادة من (ص) فقط، وثابتة في جامع الترمذي.
[ (54) ] وهي عير أبي سفيان.
[ (55) ] أخرجه الترمذي في تفسير سورة الأنفال، الحديث (3080) عَنْ عَبْدِ
بْنِ حُمَيْدٍ، وقال أبو عيسى: «حديث حسن صحيح» . جامع الترمذي (5: 269) .
(3/96)
بَابُ [ (1) ] مَا ذُكِرَ فِي الْمَغَازِي
مِنْ دُعَائِهِ يَوْمَ بَدْرٍ خُبَيْبًا وَانقِلَابِ الْخَشَبِ فِي يَدِ
مَنْ أَعْطَاهُ سَيْفًا، وَرَدِّهِ عَيْنَ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ
إِلَى مَكَانِهَا بَعْدَ أَنْ سَالَتْ حَدَقَتُهُ عَلَى وَجْنَتِهِ حَتَّى
عَادَتْ إِلَى حَالِهَا
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ
بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي خُبَيْبُ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: «ضُرِبَ خُبَيْبٌ يَعْنِي ابْنَ عَدِيٍّ [ (2)
]
__________
[ (1) ] من هذا الباب تبدأ النسخة المرموز إليها بالحرف (أ) وهي ناقصة من
أولها حتى هذا الباب، وستستمر حتى نهاية الكتاب وانظر وصفها في تقدمتنا
للكتاب في بداية السفر الأول.
[ (2) ] هو خبيب بن عدي بن عامر بن مجدعة الأنصاري الشهيد، شهد أحدا، وكان
فيمن بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم مع بني لحيان عند ما وفد
رهط من قبيلتهم إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم يقولون له: إِنَّ
فِينَا إِسْلَامًا، فَابْعَثْ مَعَنَا نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِكَ يعلموننا
شرائعه ويقرئوننا القرآن، وكان محمد صلى اللَّه عليه وسلم يبعث من أصحابه
كلما دعي إلى ذلك ليؤدوا هذه المهمة الدينية السامية، وليدعوا الناس إلى
الهدى ودين الحق، لذلك بعث ستة من كبار أصحابه خرجوا مع الرهط وساروا معهم.
فلمّا كانوا جميعا على ماء لهذيل بالحجاز بناحية تدعى الرّجيع، غدروا بهم
واستصرخوا عليهم هذيلا. ولم يرع المسلمين الستة وهم في رحالهم إلا الرجال
بأيديهم السيوف قد غشوهم، فأخذ المسلمون أسيافهم ليقاتلوا. لكن هذيلا قالت
لهم: إنّا واللَّه ما نريد قتلكم، ولكنا نريد أن نصيب بكم مكة، ولكم عهد
اللَّه وميثاقه ألّا نقتلكم. ونظر المسلمون بعضهم إلى بعض وقد أدركوا أن
الذهاب بهم إلى مكة فرادى إنما هو المذلّة والهوان وما هو شرّ من القتل،
فأبوا ما وعدت هذيل، وانبروا لقتالها، وهم يعلمون أنهم في قلة عددهم لا
يطيقونه. وقتلت هذيل ثلاثة منهم ولان الثلاثة الباقون، فأمسكت بتلابيهم
وأخذتهم أسرى، وخرجت بهم إلى مكة تبيعهم فيها فلمّا كانوا
(3/97)
يَوْمَ بَدْرٍ، فَمَالَ شِقُّهُ، فَتَفَلَ
عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم وَلَأَمَهُ وَرَدَّهُ
فَانْطَبَقَ» .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ قَالَ:
أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ فِي تَسْمِيَةِ مَنْ شَهِدَ
بَدْرًا قَالَ: «وَعُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ وَهُوَ الَّذِي قَاتَلَ
بِسَيْفِهِ يَوْمَ بَدْرٍ حَتَّى انْقَطَعَ فِي يَدِهِ، فَأَتَى رَسُولَ
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهُ جِذْلًا [ (3) ] مِنْ
حَطَبٍ، وَقَالَ: قَاتِلْ بِهَا يَا عُكَّاشَةُ
[ (4) ] فَلَمَّا أَخَذَهُ مِنْ يد
__________
[ () ] في بعض الطريق انتزع عَبْدُ اللَّه بْنُ طَارِقٍ أحد المسلمين
الثلاثة يده من غلّ الأسر ثم أخذ سيفه، فاستأخر عنه القوم وطفقوا يرجمونه
بالحجارة حتى قتلوه أمّا الأسيران الآخران فقدمت بهما هذيل مكة وباعتهما من
أهلها. باعت زيد بن الدثنّة لصفوان بن أميّة الذي اشتراه ليقتله بأبيه
أميّة بن خلف، فدفع به إلى مولاه نسطاس ليقتله. فلما قدّم سأله أبو سفيان:
أنشدك اللَّه يا زيد، أتحبّ أنّ محمدا الآن عندنا في مكانك تضرب عنقه وأنت
في أهلك؟ قال زيد: واللَّه مَا أُحِبُّ أَنَّ محمدا الآن في مكانه الذي هو
فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأنا جالس في أهلي! فعجب أبو سفيان وقال: ما رأيت من
النَّاسِ أحدا يحبّه أصحابه ما يحب أصحاب محمد محمدا. وقتل نسطاط زيدا،
فذهب شهيد أمانته لدينه ولنبيه، أمّا خبيب فحبس حتى خرجوا به ليصلبوه. فقال
لهم: إن رأيتم أن تدعوني حتى أركع ركعتين فافعلوا، فأجازوه فركع ركعتين
أتمّهما وأحسنهما، ثم أقبل على القوم وقال: أما واللَّه لولا أن تظنوا أني
إنما طوّلت جزعا من القتل لاستكثرت من الصلاة. ورفعوه إلى خشبة، فلمّا
أوثقوه إليها نظر إليهم بعين مغضبة وصاح: «اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا،
ولا تغادر منهم أحدا، فأخذت القوم الرجفة من صيحته، واستلقوا إلى جنوبهم
حذر أن تصيبهم لعنته، ثم قتلوه. وكذلك استشهد خبيب كما استشهد زيد في سبيل
بارئه وسبيل دينه ونبيه.
وكذلك ارتفع إلى السماء هذان الروحان الطاهران وكان في استطاعة صاحبيهما أن
يستنقذهما من القتل إن رضيا الردة عن دينهما لكنهما في يقينهما بالله
وبالروح وبيوم البعث، يوم تجزى كل نفس ما كسبت ولا تزر وازرة وزر أخرى،
رأيا الموت، وهو غاية كل حيّ، خير ما يكون غاية للحياة في سبيل العقيدة وفي
سبيل الإيمان بالحق، ولكنهما آمنا بأن دمهما الزكيّ الطهور الذي أريق على
أرض مكة سيدعو إليها إخوانهم المسلمين يدخلونها فاتحين يحطمون أصنامها،
ويطهرونها من رجس الوثنيّة والشرك، ويردون فيها إلى الكعبة بيت اللَّه ما
يجب لبيت اللَّه من تقديس وتنزّه عن أن يذكر فيه اسم غير اسم اللَّه.
[ (3) ] (ص) و (هـ) : «خذلا وهو تصحيف.
[ (4) ] هو عكاشة بن محصن بن حرثان من السابقين الأولين، شهد بدرا، وجاء
ذكره في الصحيحين في
(3/98)
رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
هَزَّهُ فَعَادَ سَيْفًا فِي يَدِهِ طَوِيلَ الْقَامَةِ، شَدِيدَ
الْمَتْنِ، أَبْيَضَ الْحَدِيدَةِ، فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى فَتَحَ اللَّه
تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ يَشْهَدُ بِهِ
الْمَشَاهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
حَتَّى قُتِلَ يَعْنِي فِي قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ وَهُوَ عِنْدَهُ،
وَكَانَ ذَلِكَ السَّيْفُ يُسَمَّى الْقَوِيَّ» [ (5) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو
عَبْدِ اللَّه مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ
الْفَرَجِ قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيُّ قَالَ: «فَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ
الْجَحْشِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمَّتِهِ قَالَتْ: قَالَ عُكَّاشَةُ بْنُ
مِحْصَنٍ: «انْقَطَعَ سَيْفِي يَوْمَ بَدْرٍ فَأَعْطَانِي رَسُولُ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُودًا فَإِذَا هُوَ سَيْفٌ أَبْيَضُ
طَوِيلٌ وَقَاتَلْتُ حَتَّى هَزَمَ اللَّه الْمُشْرِكِينَ فَلَمْ يَزَلْ
عِنْدَهُ حَتَّى هَلَكَ» [ (6) ] .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ
عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلْ
عِدَّةٍ، قَالُوا: «انْكَسَرَ سَيْفُ سَلَمَةَ بْنِ أَسْلَمَ بْنِ حَرِيشٍ
يَوْمَ بَدْرٍ فَبَقِيَ أَعْزَلَ لَا سِلَاحَ مَعَهُ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضِيبًا كَانَ فِي يَدِهِ مِنْ
عَرَاجِينِ [ (7) ] بن طَابٍ [ (8) ] . فَقَالَ اضْرِبْ بِهِ فَإِذَا
سَيْفٌ جَيِّدٌ فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ حَتَّى قُتِلَ يَوْمَ جِسْرِ أَبِي
عُبَيْدَةَ»
[ (9) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِيُّ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّه
__________
[ () ] حديث ابن عباس في السبعين ألفا الذين يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ
بِغَيْرِ حِسَابٍ، فقال عكاشة: ادْعُ اللَّه أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ،
قَالَ: أَنْتِ منهم ... إلخ الحديث. له ترجمة في الإصابة (2: 494) .
[ (5) ] الخبر في سيرة ابن هشام (2: 278- 279) .
[ (6) ] الخبر في مغازي الواقدي (1: 93) .
[ (7) ] (العرجون) : العذق، إذا يبس واعوج، أو أصله.
[ (8) ] (ابن طاب) : ضرب من الرطب.
[ (9) ] الخبر في مغازي الواقدي (1: 93- 94) .
(3/99)
ابن عَدِيٍّ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو يَعْلَى قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْغَسِيلِ، عَنْ
عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ بْنِ
النُّعْمَانِ «أَنَّهُ أُصِيبَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ بَدْرٍ فَسَالَتْ
حَدَقَتُهُ عَلَى وَجْنَتِهِ فَأَرَادُوا أَنْ يَقْطَعُوهَا، فَسَأَلُوا
رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: لَا، فَدَعَا بِهِ
فَغَمَزَ حَدَقَتَهُ بِرَاحَتِهِ، فَكَانَ لَا يَدْرِي أَيَّ عَيْنَيْهِ
أُصِيبَتْ»
[ (10) ] .
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ صَالِحٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي
رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ
تَجَمَّعَ النَّاسُ عَلَى أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، فَأَقْبَلْتُ إِلَيْهِ
فَنَظَرْتُ إِلَى قِطْعَةٍ مِنْ دِرْعِهِ قَدِ انْقَطَعَتْ مِنْ تَحْتِ
إِبْطِهِ، قَالَ: فَأَطْعَنُهُ بِالسَّيْفِ فِيهَا طَعْنَةً، فَقَطَعْتُهُ
وَرُمِيتُ بِسَهْمٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَفُقِئَتْ عَيْنِي فَبَصَقَ فِيهَا
رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا لِي فَمَا
آذَانِي مِنْهَا شيء» [ (11) ] .
__________
[ (10) ] نقله الحافظ بن كثير في التاريخ (3: 291) ، وأضاف: وقد روينا عن
أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ عبد العزيز أنه لما أخبره بهذا الحديث
عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قتادة وأنشد مع ذلك:
أنا ابن الذي سالت على الخدّ عينه* فردّت بكفّ المصطفى أيما ردّ فقال
عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رحمه اللَّه عند ذلك منشدا قول أمية بن أبي
الصلت في سيف بن ذي يزن فأنشده عمر في موضعه حقا:
تِلْكَ الْمَكَارِمُ لَا قَعْبَانِ مِنْ لَبَنٍ* شِيبَا بِمَاءٍ فعادا بعد
أبوالا
[ (11) ] ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (6: 82) ، وقال: رواه البزار
والطبراني في الكبير والأوسط، وفيه عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ، وهو
ضعيف.
(3/100)
بَابُ سِيَاقِ قِصَّةِ بَدْرٍ عَنْ
مَغَازِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فَإِنَّهَا فِيمَا قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ
أَصَحُّ الْمَغَازِي، وَلْنَأْتِ عَلَى مَا سَقَطَ مِنْ تِلْكَ الْقِصَّةِ
عَمَّا ذَكَرْنَا مِنْهَا فِي الْأَخْبَارِ الْمُتَفَرِّقَةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ
بِبَغْدَادَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله ابن جَعْفَرٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ
بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ:
حَدَّثَنِي مُطَرِّفٌ وَمَعْنٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ الضَّحَّاكِ قَالُوا:
كَانَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ إِذَا سُئِلَ عَنِ الْمَغَازِي قَالَ
عَلَيْكَ بِمَغَازِي الرَّجُلِ الصَّالِحِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ [ (1) ]
رَحِمَهُ اللهُ [تَعَالَى] [ (2) ] فَإِنَّهُ أَصَحُّ الْمَغَازِي.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ
عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ
بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي
__________
[ (1) ] موسى بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي عياش، أبو محمد الأسدي، التقى وهو
غلام سنة (68) بعبد اللهِ بْنِ عُمَرَ فِي طريقه حاجا إلى مكة، وتتلمذ على
الزهري، وعاش في المدينة، وكانت له في مسجد الرسول حلقة يدرّس مَغَازِي
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وسلم، والخلفاء الراشدين، وفق السنين،
وتوفي سنة (141) ، وقد قرظه الإمام مالك كثيرا، وقد روى كتابه ابن أخيه:
إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة المتوفى (158) ، وقد نشرت قطعة من مغازيه في
برلين (1904) ، واختصره ابن عبد البر المتوفى (463) في كتاب «الدرر في
اختصار المغازي والسير، وهناك مقتبسات وروايات منه في عيون الأثر لابن سيد
الناس» .
[ (2) ] الزيادة من (ح) .
(3/101)
إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
عُقْبَةَ [عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ (ح) ] [ (3) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي
إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي،
قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ [ (4) ] ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ،
قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ
عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ:
«فَمَكَثَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ قَتْلِ
ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ شَهْرَيْنِ، ثُمَّ أَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ
حَرْبٍ فِي عِيرِ قُرَيْشٍ مِنَ الشَّامِ وَمَعَهُ سَبْعُونَ رَاكِبًا مِنْ
بُطُونِ قُرَيْشٍ كُلِّهَا، وَفِيهِمْ: مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ،
وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَكَانُوا تُجَّارًا بِالشَّامِ وَمَعَهُمْ
خَزَائِنُ أَهْلِ مَكَّةَ، وَيُقَالُ: كَانَتْ عِيرُهُمْ أَلْفَ بَعِيرٍ،
وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْ قُرَيْشٍ أُوقِيَّةٌ فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا
بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي سُفْيَانَ، إِلَّا حُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ
الْعُزَّى، فَلِذَلِكَ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْ بَدْرٍ فَلَمْ يَشْهَدْهُ،
فَذَكَرُوا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ وَقَدْ
كَانَتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَتْلُ ابْنِ
الْحَضْرَمِيِّ، وَأَسْرُ الرَّجُلَيْنِ: عُثْمَانَ، وَالْحَكَمِ.
فَلَمَّا ذُكِرَتْ عِيرُ أَبِي سُفْيَانَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه
عليه وَسَلَّمَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم عَدِيَّ
بْنَ أَبِي الزَّغْبَاءِ الْأَنْصَارِيَّ مِنْ بَنِي غَنْمٍ، وأصله من
جهينة وبسبس يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو إِلَى الْعِيرِ عَيْنًا لَهُ، فَسَارَا
حَتَّى أَتَيَا حَيًّا مِنْ جُهَيْنَةَ قَرِيبًا مِنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ،
فَسَأَلُوهُمْ عَنِ الْعِيرِ وَعَنْ تُجَّارِ قُرَيْشٍ، فَأَخْبَرُوهُمَا
بِخَبَرِ الْقَوْمِ فَرَجَعَا إِلَى رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَاهُ فَاسْتَنْفَرَا الْمُسْلِمِينَ لِلْعِيرِ،
وَذَلِكَ فِي رمضان.
__________
[ (3) ] ليست في (ح) .
[ (4) ] راوي مَغَازِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وقد توفي (178) ، وعنه ابن
سيد الناس في عيون الإثر، ومقتطفات من هذا النص التالي هو في عيون الأثر من
صفحة (1: 290- 322) ، ومختصرا في الدرر لابن عبد البرص (102- 108) ونقل
بعضه الصالحي في السيرة الشامية (4: 60- 80) .
(3/102)
وَقَدِمَ أَبُو سُفْيَانَ عَلَى
الْجُهَنِيِّينَ وَهُوَ مُتَخَوِّفٌ مِنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَحَسُّوا مِنْ مُحَمَّدٍ،
فَأَخْبَرُوهُ خَبَرَ الرَّاكِبَيْنِ: عَدِيِّ بْنِ أَبِي الزَّغْبَاءِ،
وَبَسْبَسٍ، وَأَشَارُوا إِلَى مُنَاخِهِمَا، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ:
خُذُوا مِنْ بَعْرِ بَعِيرَيْهِمَا، فَفَتَّهُ، فَوَجَدَ فِيهِ النَّوَى،
فَقَالَ: هَذِهِ عَلَائِفُ أَهْلِ يَثْرِبَ، وَهَذِهِ عُيُونُ مُحَمَّدٍ
وَأَصْحَابِهِ، فَسَارُوا سِرَاعًا خَائِفِينَ للْطَلَبِ، وَبَعَثَ أَبُو
سُفْيَانَ رَجُلًا مِنْ بَنِي غِفَارٍ يُقَالُ لَهُ: ضَمْضَمُ بْنُ
عَمْرٍو، إِلَى قُرَيْشٍ: أَنِ انْفِرُوا فَاحْمُوا عِيرَكُمْ مِنْ
مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، فَإِنَّهُ قَدِ اسْتَنْفَرَ أَصْحَابَهُ
لِيَعْرِضُوا لَنَا.
وَكَانَتْ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ سَاكِنَةً بِمَكَّةَ،
وَهِيَ عَمَّةُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم، وَكَانَتْ مَعَ
أَخِيهَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَرَأَتْ رُؤْيَا قَبْلَ
بَدْرٍ، وَقَبْلَ قُدُومِ ضَمْضَمٍ عَلَيْهِمْ، فَفَزِعَتْ مِنْهَا،
فَأَرْسَلَتْ إِلَى أَخِيهَا: الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِنْ
لَيْلَتِهَا، فَجَاءَهَا الْعَبَّاسُ، فَقَالَتْ: رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ
رُؤْيَا قَدْ أَشْفَقْتُ مِنْهَا، وَخَشِيتُ عَلَى قَوْمِكَ مِنْهَا
الْهَلَكَةَ [ (5) ] ، قَالَ: وَمَاذَا رَأَيْتِ؟ قَالَتْ: لَنْ
أُحَدِّثَكَ حَتَّى تُعَاهِدَنِي أَنَّكَ لَا تَذْكُرُهَا فَإِنَّهُمْ إِنْ
سَمِعُوهَا آذَوْنَا وَأَسْمَعُونَا مَا لَا نُحِبُّ، فَعَاهَدَهَا
الْعَبَّاسُ فَقَالَتْ: رَأَيْتُ رَاكِبًا أَقْبَلَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ
عَلَى رَاحِلَتِهِ يَصِيحُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا آلَ غُدَرٍ اخْرُجُوا
فِي لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ، فَأَقْبَلَ يَصِيحُ حَتَّى دَخَلَ
الْمَسْجِدَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَصَاحَ ثَلَاثَ صَيْحَاتٍ، وَمَالَ
عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ وَفَزِعَ لَهُ النَّاسُ
أَشَدَّ الْفَزَعِ، قَالَتْ: ثُمَّ أُرَاهُ مَثَلَ عَلَى ظَهْرِ
الْكَعْبَةِ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَصَاحَ ثَلَاثَ صَيْحَاتٍ، فَقَالَ: يَا
آلَ غُدَرٍ، وَيَا آلَ فُجَرٍ: اخْرُجُوا فِي لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ،
ثُمَّ أُرَاهُ مَثَلَ عَلَى ظَهْرِ أَبِي قُبَيْسٍ، كَذَلِكَ يَقُولُ يَا
آلَ غُدَرٍ وَيَا آلَ فُجَرٍ، حَتَّى أَسْمَعَ مَنْ بَيْنَ الْأَخْشَبَيْنِ
مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى صَخْرَةٍ عَظِيمَةٍ فَنَزَعَهَا
مِنْ أَصْلِهَا ثُمَّ أَرْسَلَهَا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ، فَأَقْبَلَتِ
الصَّخْرَةُ لَهَا حِسٌّ شَدِيدٌ، حَتَّى إِذَا كَانَتْ عِنْدَ أَصْلِ
الْجَبَلِ ارْفَضَّتْ فَلَا أَعْلَمُ بِمَكَّةَ دَارًا وَلَا بَيْتًا
إِلَّا
__________
[ (5) ] في عيون الأثر: «شر ومصيبة» .
(3/103)
قَدْ دَخَلَتْهَا فِلْقَةٌ مِنْ تِلْكَ
الصَّخْرَةِ فَقَدْ خَشِيتُ عَلَى قَوْمِكَ.
فَفَزِعَ الْعَبَّاسُ مِنْ رُؤْيَاهَا، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا،
فَلَقِيَ الْوَلِيدَ بْنَ عتبة بن ربيعة مِنْ آخِرِ اللَّيْلَةِ، وَكَانَ
الْوَلِيدُ خَلِيلًا لِلْعَبَّاسِ، فَقَصَّ عَلَيْهِ رُؤْيَا عَاتِكَةَ
وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَذْكُرَهَا لِأَحَدٍ، فَذَكَرَهَا الْوَلِيدُ
لِأَبِيهِ عُتْبَةَ، وَذَكَرَهَا عُتْبَةُ لِأَخِيهِ شَيْبَةَ، فَارْتَفَعَ
الْحَدِيثُ حَتَّى بَلَغَ أَبَا جَهْلٍ بْنَ هِشَامٍ، وَاسْتَفَاضَ فِي
أَهْلِ مَكَّةَ.
فَلَمَّا أَصْبَحُوا غَدَا الْعَبَّاسُ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَوَجَدَ فِي
الْمَسْجِدِ أَبَا جَهْلٍ وَعُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ
وَأُمَيَّةَ وَأُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ وَزَمْعَةَ بْنَ الْأَسْوَدِ وَأَبَا
الْبَخْتَرِيِّ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ يَتَحَدَّثُونَ، فَلَمَّا
نَظَرُوا إِلَى الْعَبَّاسِ نَادَاهُ أَبُو جَهْلٍ: يَا أَبَا الْفَضْلِ
إِذَا قَضَيْتَ طَوَافَكَ فَهَلُمَّ إِلَيْنَا فَلَمَّا قَضَى طَوَافَهُ
جَاءَ فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ:
مَا رُؤْيَا رَأَتْهَا عَاتِكَةُ فَقَالَ: مَا رَأَتْ مِنْ شَيْءٍ. فَقَالَ
أَبُو جَهْلٍ أَمَا رَضِيتُمْ يَا بَنِي هَاشِمٍ بِكَذِبِ الرِّجَالِ
حَتَّى جِئْتُمُونَا بِكَذِبِ النِّسَاءِ، إنما كُنَّا وَإِيَّاكُمْ
كَفَرَسَيْ رِهَانٍ فَاسْتَبَقْنَا الْمَجْدَ مُنْذُ حِينٍ فَلَمَّا
تَحَاكَّتِ الرُّكَبُ قُلْتُمْ مِنَّا نَبِيٌّ، فَمَا بَقِيَ إِلَّا أَنْ
تَقُولُوا: مِنَّا نَبِيَّةٌ، فَمَا أَعْلَمُ فِي قُرَيْشٍ أَهْلَ بَيْتٍ
أَكْذَبَ امْرَأَةً وَلَا رَجُلًا مِنْكُمْ، وَآذَاهُ أَشَدَّ الْأَذَى.
وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: زَعَمَتْ عَاتِكَةُ أَنَّ الرَّاكِبَ قَالَ:
اخْرُجُوا فِي لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ، فَلَوْ قَدْ مَضَتْ هَذِهِ
الثَّلَاثُ تَبَيَّنَتْ قُرَيْشٌ كَذِبَكُمْ، وَكَتَبْنَا سِجِلًّا:
أَنَّكُمْ أَكْذَبُ أَهْلِ بَيْتٍ فِي الْعَرَبِ رَجُلًا وَامْرَأَةً.
أَمَا رَضِيتُمْ يَا بَنِي قُصِيٍّ أَنْ ذَهَبْتُمْ بِالْحِجَابَةِ
وَالنَّدْوَةِ وَالسِّقَايَةِ وَاللِّوَاءِ وَالرِّفَادَةِ، حَتَّى
جِئْتُمُونَا بِنَبِيٍّ مِنْكُمْ؟
فَقَالَ الْعَبَّاسُ: هَلْ أَنْتَ مُنْتَهٍ، فَإِنَّ الْكَذِبَ فِيكَ وَفِي
أَهْلِ بَيْتِكَ، فَقَالَ مَنْ حَضَرَهُمَا: مَا كُنْتَ يَا أَبَا
الْفَضْلِ جَهُولًا، وَلَا خَرِقًا.
وَلَقِيَ الْعَبَّاسُ مِنْ عَاتِكَةَ فِيمَا أَفْشَى عَلَيْهَا مِنْ
رُؤْيَاهَا أَذًى شَدِيدًا، فَلَمَّا
(3/104)
كَانَ مَسَاءُ اللَّيْلَةِ الثالثة من
الليلة الَّتِي رَأَتْ عَاتِكَةُ فِيهَا الرُّؤْيَا، جَاءَهُمُ الرَّاكِبُ
الَّذِي بَعَثَ أَبُو سُفْيَانَ، وَهُوَ ضَمْضَمُ بْنُ عَمْرٍو
الْغِفَارِيُّ فَصَاحَ فَقَالَ: يَا آلَ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ انْفِرُوا
فَقَدْ خَرَجَ مُحَمَّدٌ وَأَهْلُ يَثْرِبَ يَعْتَرِضُونَ لِأَبِي
سُفْيَانَ فَأَحْرِزُوا عِيرَكُمْ، فَفَزِعَتْ قُرَيْشٌ أَشَدَّ الْفَزَعِ،
وَأَشْفَقُوا مِنْ رُؤْيَا عَاتِكَةَ.
وَقَالَ الْعَبَّاسُ: هَذَا زَعَمْتُمْ كَذَا وَكَذَّبَ عَاتِكَةَ
فَنَفَرُوا عَلَى كُلِّ صَعْبٍ وَذَلُولٍ.
وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَيَظُنُ مُحَمَّدٌ أَنْ يُصِيبَ مِثْلَ مَا أَصَابَ
بِنَخْلَةَ سَيعْلَمُ أَنَمْنَعُ عِيرَنَا أَمْ لَا.
فَخَرَجُوا بِخَمْسِينَ وَتِسْعِمِائَةِ مُقَاتِلٍ وَسَاقُوا مِائَةَ
فَرَسٍ، وَلَمْ يَتْرُكُوا كَارِهًا لِلْخُرُوجِ يَظُنُّونَ أَنَّهُ فِي
صَغْوِ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ وَلَا مُسْلِمًا يَعْلَمُونَ إِسْلَامَهُ
وَلَا أَحَدًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ إِلَّا مَنْ لَا يَتَّهِمُونَ إِلَّا
أَشْخَصُوهُ مَعَهُمْ، فَكَانَ مِمَّنْ أَشْخَصُوا العباس بن عبد المطلب،
وَنَوْفَلُ بْنُ الْحَارِثِ، وَطَالِبُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعَقِيلُ ابن
أَبِي طَالِبٍ، فِي آخَرِينَ فَهُنَالِكَ يَقُولُ طَالِبُ بْنُ أبي طالب:
إِمَّا يَخْرُجَنَّ طَالِبْ ... بِمِقْنَبٍ مِنْ هَذِهِ الْمَقَانِبْ
فِي نَفَرٍ مُقَاتِلٍ مُحَارِبْ ... فَلْيَكُنِ الْمَسْلُوبُ غَيْرَ
السَّالِبْ
وَالرَّاجِعُ الْمَغْلُوبُ غَيْرَ الْغَالِبْ
فَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا الْجُحْفَةَ. نَزَلُوهَا عِشَاءً يَتَرَوَّوْنَ
مِنَ الْمَاءِ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ مِنَ بَنِي الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ
مَنَافٍ يُقَالُ لَهُ جُهَيْمُ بْنُ الصَّلْتِ بْنِ مَخْرَمَةَ، فَوَضَعَ
جُهَيْمٌ رَأْسَهُ فَأَغْفَى ثُمَّ فَزِعَ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: هَلْ
رَأَيْتُمُ الْفَارِسَ الَّذِي وَقَفَ عَلَيَّ آنِفًا فَقَالُوا لَا.
فَإِنَّكَ مَجْنُونٌ. فَقَالَ قَدْ وَقَفَ عَلَيَّ فَارِسٌ آنِفًا فَقَالَ:
قُتِلَ أَبُو جَهْلٍ، وَعُتْبَةُ، وَشَيْبَةُ، وَزَمْعَةُ، وَأَبُو
الْبَخْتَرِيِّ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، فَعَدَّ أَشْرَافًا مِنْ
كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: إِنَّمَا لَعِبَ بِكَ
الشَّيْطَانُ وَرُفِعَ حَدِيثُ جُهَيْمٍ
(3/105)
إِلَى أَبِي جَهْلٍ، فَقَالَ: قَدْ
جِئْتُمُونَا بِكَذِبِ بَنِي الْمُطَّلِبِ مَعَ كَذِبِ بَنِي هَاشِمٍ،
سَتَرَوْنَ غَدًا مَنْ يُقْتَلُ.
ثُمَّ ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ عِيرُ
قُرَيْشٍ جَاءَتْ مِنَ الشَّامِ وَفِيهَا: أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ،
وَمَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ
قُرَيْشٍ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم
فَسَلَكَ حِينَ خَرَجَ إِلَى بَدْرٍ عَلَى نَقْبِ بَنِي دِينَارٍ، وَرَجَعَ
حِينَ رَجَعَ مِنْ ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ، فَنَفَرَ رَسُولُ اللَّه صلى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَفَرَ ومعه ثلاثمائة وَسِتَّةَ عَشَرَ
[رَجُلًا] [ (6) ] . وَفِي رواية ابن فليح ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ
عَشَرَ رَجُلًا وَأَبْطَأَ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَتَرَبَّصُوا
وَكَانَتْ أَوَّلَ وَقْعَةٍ أَعَزَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى [ (7) ]
فِيهَا الْإِسْلَامَ.
فَخَرَجَ فِي رَمَضَانَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ
مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ، وَمَعَهُ الْمُسْلِمُونَ لَا يُرِيدُونَ إِلَّا
الْعِيرَ فَسَلَكَ عَلَى نَقْبٍ مِنْ بَنِي دِينَارٍ وَالْمُسْلِمُونَ
غَيْرُ مُقَوِّينَ مِنَ الظَّهْرِ وَإِنَّمَا خَرَجُوا عَلَى النَّوَاضِحِ
يَعْتَقِبُ النَّفَرُ مِنْهُمْ عَلَى الْبَعِيرِ الواحد، وكان زميل رسول
اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ،
وَمَرْثَدَ بْنَ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ حَلِيفَ حَمْزَةَ، فَهُمْ
مَعَهُ لَيْسَ مَعَهُمْ إِلَّا بَعِيرٌ وَاحِدٌ، فَسَارُوا حَتَّى إِذَا
كَانُوا بِعِرْقِ الظَّبْيَةِ لَقِيَهُمْ رَاكِبٌ مِنْ قِبَلِ تِهَامَةَ،
وَالْمُسْلِمُونَ يَسِيرُونَ فَوَافَقَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ
فَقَالَ: لَا عِلْمَ لِي بِهِ فلما يئسوا
مِنْ خَبَرِهِ قَالُوا لَهُ: سَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَفِيكُمْ رَسُولُ اللَّه؟ قَالُوا: نَعَمْ
قَالَ: أَيُّكُمْ هُوَ؟ فَأَشَارُوا لَهُ إِلَيْهِ فَقَالَ
الْأَعْرَابِيُّ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّه كَمَا تَقُولُ قَالَ:
نَعَمْ قَالَ: إِنْ كُنْتَ رَسُولَ اللَّه كَمَا تَزْعُمُ فَحَدِّثْنِي
بِمَا فِي بَطْنِ نَاقَتِي هَذِهِ، فَغَضِبَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ
ثُمَّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ يُقَالُ لَهُ سَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ
بْنِ وَقْشٍ فَقَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ: وَقَعْتَ عَلَى نَاقَتِكَ
فَحَمَلَتْ مِنْكَ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَا قَالَ سَلَمَةُ حِينَ سَمِعَهُ أَفْحَشَ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ
ثُمَّ سَارَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يلقاه
خبر
__________
[ (6) ] الزيادة من (ح) .
[ (7) ] في (ح) : «عز وجل» .
(3/106)
وَلَا يَعْلَمُ بِنُفْرَةِ قُرَيْشٍ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ:
أَشِيرُوا عَلَيْنَا فِي أَمْرِنَا وَمَسِيرِنَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا
رَسُولَ اللَّه إِنَّا أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَسَافَةِ الْأَرْضِ:
أَخْبَرَنَا عَدِيُّ بْنُ أَبِي الزَّغْبَاءِ أَنَّ الْعِيرَ كَانَتْ
بِوَادِي كَذَا وَكَذَا قَالَ: ابْنُ فُلَيْحٍ فِي رِوَايَتِهِ: فَكَأَنَّا
وَإِيَّاهُمْ فَرَسَا رِهَانٍ إِلَى بَدْرٍ ثُمَّ اتَّفَقَا قَالَ: ثُمَّ
قَالَ أَشِيرُوا عَلَيَّ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابٍ رَضِيَ اللَّه
عَنْهُ يَا رَسُولَ اللَّه إِنَّهَا قُرَيْشٌ وَعِزُّهَا واللَّه مَا
ذَلَّتْ مُنْذُ عَزَّتْ وَلَا آمَنَتْ مُنْذُ كَفَرَتْ، واللَّه
لَتُقَاتِلَنَّكَ.
فَتَأَهَّبْ لِذَلِكَ أُهْبَتَهُ وَأَعْدِدْ لَهُ عُدَّتَهُ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَشِيرُوا عَلَيَّ،
فَقَالَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو عَدِيدُ بَنِي زُهْرَةَ: إِنَّا لَا
نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى: اذْهَبْ أَنْتَ وربك فقاتلا
إنا ها هنا قَاعِدُونَ، وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا
إِنَّا مَعَكُمْ مُتَّبِعُونَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَشِيرُوا
عَلَيَّ، فَلَمَّا رَأَى سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ كَثْرَةَ اسْتَشَارَةِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ فَيُشِيرُونَ
فَيَرْجِعُ إِلَى الْمَشُورَةِ ظَنَّ سَعْدٌ أَنَّهُ يَسْتَنْطِقُ
الْأَنْصَارَ شَفَقًا [أَلَّا] [ (8) ] يَسْتَحْوِذُوا مَعَهُ أَوْ قَالَ:
أَلَّا يَسْتَجْلِبُوا مَعَهُ عَلَى مَا يُرِيدُ مِنْ أَمْرِهِ، فَقَالَ
سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ لَعَلَّكَ يَا رَسُولَ اللَّه تَخْشَى أَنْ لَا
تَكُونَ الْأَنْصَارُ يُرِيدُونَ مُوَاسَاتَكَ وَلَا يَرَوْنَهَا حَقًّا
عَلَيْهِمْ إِلَّا بِأَنْ يَرَوْا عَدُوًّا فِي بُيوتِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ
وَنِسَائِهِمْ.
وَإِنِّي أَقُولُ عَنِ الْأَنْصَارِ وَأُجِيبُ عَنْهُمْ يَا رَسُولَ
اللَّه، فَأَظْعِنْ حَيْثُ شِئْتَ وَصِلْ حَبْلَ مَنْ شِئْتَ، وَاقْطَعْ
حَبْلَ مَنْ شِئْتَ، وَخُذْ مِنْ أَمْوَالِنَا مَا شِئْتَ، وَأَعْطِنَا مَا
شِئْتَ، وَمَا أَخَذْتَهُ مِنَّا أَحَبُّ إِلَيْنَا مِمَّا تَرَكْتَ
عَلَيْنَا، وَمَا ائْتَمَرْتَ مِنْ أَمْرٍ فَأَمْرُنَا لِأَمْرِكَ فِيهِ
تَبَعٌ، فو اللَّه لَوْ سِرْتَ حَتَّى تَبْلُغَ الْبَرْكَ مِنْ غِمْدِ ذِي
يَمَنٍ لَسِرْنَا مَعَكَ.
فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ سَعْدٌ قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: سِيرُوا عَلَى اسْمِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَإِنِّي قَدْ
أُرِيتُ مَصَارِعَ الْقَوْمِ فَعَمَدَ لِبَدْرٍ.
__________
[ (8) ] رسمت في (هـ) : «أن لا» .
(3/107)
وَخَفَضَ أَبُو سُفْيَانَ، فَلَصِقَ
بِسَاحِلِ الْبَحْرِ وَخَافَ الرَّصَدَ عَلَى بَدْرٍ وَكَتَبَ إِلَى
قُرَيْشٍ حِينَ خَالَفَ مَسِيرَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَرَأَى أَنَّهُ قَدْ أَحْرَزَ مَا مَعَهُ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ
يَرْجِعُوا فَإِنَّمَا خَرَجْتُمْ لِتُحْرِزُوا رَكْبَكُمْ فَقَدْ أُحْرِزَ
لَكُمْ فَلَقِيَهُمْ هَذَا الْخَبَرُ بِالْجُحْفَةِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ:
واللَّه لَا نَرْجِعُ حَتَّى نَقْدَمَ بَدْرًا فَنُقِيمَ بِهَا وَنُطْعِمَ
مَنْ حَضَرَنَا مِنَ الْعَرَبِ فَإِنَّهُ لَنْ يَرَانَا أَحَدٌ مَنَ
الْعَرَبِ فَيُقَاتِلَنَا فَكَرِهَ ذَلِكَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ
فَأَحَبَّ أَنْ يَرْجِعُوا. وَأَشَارَ عَلَيْهِمْ بِالرَّجْعَةِ فَأَبَوْا
وَعَصَوْهُ وَأَخَذَتْهُمْ حَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا يَئِسَ
الْأَخْنَسُ مِنْ رُجُوعِ قُرَيْشٍ أَكَبَّ عَلَى بَنِي زُهْرَةَ
فَأَطَاعُوهُ فَرَجَعُوا، فَلَمْ يَشْهَدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَدْرًا
وَاغْتَبَطُوا بِرَأْيِ الْأَخْنَسِ وَتَبَرَّكُوا بِهِ، فَلَمْ يَزَلْ
فِيهِمْ مُطَاعًا حَتَّى مَاتَ.
وَأَرَادَتْ بَنُو هَاشِمٍ الرُّجُوعَ فِيمَنْ رَجَعَ فَاشْتَدَّ
عَلَيْهِمْ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، وَقَالَ: واللَّه لَا تُفَارِقُنَا
هَذِهِ الْعِصَابَةُ حَتَّى نَرْجِعَ.
وَسَارَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَ
أَدْنَى شَيْءٍ مِنْ بَدْرٍ عِشَاءً، ثُمَّ بَعَثَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي
طَالِبٍ، وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ وَبَسْبَسًا الْأَنْصَارِيَّ
عَدِيدَ بَنِي سَاعِدَةَ، وَهُوَ أَحَدُ جُهَيْنَةَ فِي عِصَابَةٍ مِنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ
لَهُمُ: انْدَفِعُوا إِلَى هَذِهِ الظِّرَابِ وَهُوَ فِي نَاحِيَةِ بَدْرٍ،
فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ تَجِدُوا الْخَيْرَ عِنْدَ الْقَلِيبِ الَّذِي يَلِي
الظِّرَابِ،
فَانْطَلَقُوا مُتَوَشِّحِي السُّيُوفَ فَوَجَدُوا وَارِدَ قُرَيْشٍ عِنْدَ
الْقَلِيبِ الَّذِي ذَكَرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَأَخَذُوا غُلَامَيْنِ أَحَدُهُمَا لِبَنِي الْحَجَّاجِ
أَسْوَدُ وَالْآخَرُ لِآلِ الْعَاصِ يُقَالُ لَهُ أَسْلَمُ، وَأَفْلَتَ [
(9) ] أَصْحَابُهُمَا قِبَلَ قُرَيْشٍ فَأَقْبَلُوا بِهِمَا حَتَّى أَتَوْا
بِهِمَا رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي
مُعَرَّسِهِ دُونَ الْمَاءِ فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَ الْعَبْدَيْنِ عَنْ
أَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ لَا يَرَوْنَ إِلَّا أَنَّهُمَا لَهُمْ،
فَطَفِقَا يُحَدِّثَانِهِمْ عَنْ قُرَيْشٍ وَمَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ وَعَنْ
رُؤُوسِهِمْ فَيُكَذِّبُونَهُمَا وَهُمْ أَكْرَهُ شَيْءٍ لِلَّذِي
يُخْبِرَانِهِمْ وَكَانُوا يَطْمَعُونَ بِأَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ
وَيَكْرَهُونَ قُرَيْشًا وَكَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَائِمًا يصلي يسمع ويرى
__________
[ (9) ] كذا في (هـ) ، وضبطت في (أ) و (ح) ، و (ص) : «وأفلت» .
(3/108)
الَّذِي يَصْنَعُونَ بِالْعَبْدَيْنِ،
فَجَعَلَ الْعَبْدَانِ إِذَا أَذْلَقُوهُمَا بِالضَّرْبِ يَقُولَانِ نَعَمْ
هَذَا أَبُو سُفْيَانَ وَالرَّكْبُ كَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ
أَسْفَلَ مِنْكُمْ قَالَ اللَّه تَعَالَى: إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ
الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ
وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ
اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا [ (10) ] قَالَ فَطَفِقُوا إِذَا قَالَ
الْعَبْدَانِ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ جَاءَتْكُمْ كَذَّبُوهُمَا وَإِذَا
قَالَا هَذَا أَبُو سُفْيَانَ تَرَكُوهُمَا.
فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم صَنِيعَهُمْ
بِهِمَا سَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ، فَقَالَ: مَاذَا أَخْبَرَاكُمْ؟ قَالُوا
أَخْبَرَانَا أَنَّ قُرَيْشًا قَدْ جَاءَتْ قَالَ فَإِنَّهُمَا قَدْ
صَدَقَا واللَّه إِنَّكُمْ لَتَضْرِبُونَهُمَا إِذَا صَدَقَا
وَتَتْرُكُونَهُمَا إِذَا كَذَبَا. خَرَجَتْ قُرَيْشٌ لِتُحْرِزَ رَكْبَهَا
وَخَافُوكُمْ عَلَيْهِمْ ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وسلم الْعَبْدَيْنِ فَسَأَلَهُمَا فَأَخْبَرَاهُ بِقُرَيْشٍ
وَقَالَا لَا عِلْمَ لَنَا بِأَبِي سُفْيَانَ فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللَّه
صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ: كَمِ الْقَوْمُ؟ قَالَا: لَا نَدْرِي
واللَّه هُمْ كَثِيرٌ.
فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«مَنْ أَطْعَمَهُمْ أَمْسُ؟» فَسَمَّيَا رَجُلًا مِنَ الْقَوْمِ قَالَ كَمْ
نَحَرَ لَهُمْ؟ قَالَا: عَشْرَ جَزَائِرَ، قَالَ: «فَمَنْ أَطْعَمَهُمْ
أَوَّلَ أَمْسُ؟» فَسَمَّيَا رَجُلًا آخَرَ مِنَ الْقَوْمِ فَقَالَ: «كَمْ
نَحَرَ لَهُمْ؟» قَالَا: تِسْعًا فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْقَوْمُ مَا بَيْنَ التِّسْعِ مِائَةِ
وَالْأَلْفِ يَعْتَبِرُ ذَلِكَ بِتِسْعِ جَزَائِرَ يَنْحَرُونَهَا يوما
وعشر يَنْحَرُونَهَا يَوْمًا.
وَزَعَمُوا أَنَّ أَوَّلَ مَنْ نَحَرَ لَهُمْ حِينَ خَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ
أبو جهل بن هشام، وَنَحَرَ لَهُمْ بِمَرٍّ عَشْرَ جَزَائِرَ. ثُمَّ نَحَرَ
لَهُمْ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ بِعُسْفَانَ تِسْعَ جَزَائِرَ وَنَحَرَ
لَهُمْ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو بِقُدَيْدٍ عَشْرَ جَزَائِرَ، وَمَالُوا مِنْ
قُدَيْدٍ إِلَى مِيَاهٍ مِنْ نَحْوِ الْبَحْرِ فَظَلُّوا فِيهَا
وَأَقَامُوا بِهَا يَوْمًا فَنَحَرَ لَهُمْ شَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ
تِسْعًا ثُمَّ أَصْبَحُوا بِالْجُحْفَةِ فَنَحَرَ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ
عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ عَشْرًا ثُمَّ أَصْبَحُوا بِالْأَبْوَاءِ فَنَحَرَ
لَهُمْ نُبَيْهٌ وَمُنَبِّهٌ ابْنَا الْحَجَّاجِ أَوْ قَالَ الْعَبَّاسَ
بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَشْرًا، وَنَحَرَ لَهُمُ الْحَارِثُ بْنُ
عَامِرِ بن
__________
[ (10) ] الآية الكريمة (42) من سورة الأنفال.
(3/109)
نَوْفَلٍ تِسْعًا وَنَحَرَ لَهُمْ أَبُو
الْبَخْتَرِيِّ عَلَى مَاءِ بَدْرٍ عَشْرَ جَزَائِرَ وَنَحَرَ لَهُمْ
مِقْيَسٌ الْجُمَحِيُّ عَلَى مَاءِ بَدْرٍ تِسْعًا ثُمَّ شَغَلَتْهُمُ
الْحَرْبُ فَأَكَلُوا مِنْ أَذْوَادِهِمْ.
فَقَامَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي الْمَنْزِلِ فَقَامَ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ
رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ ثُمَّ أَحَدُ بَنِي سَلِمَةَ، فَقَالَ: أَنَا يَا
رَسُولَ اللَّه عَالِمٌ بِهَا وَبِقُلُبِهَا إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَسِيرَ
إِلَى قَلِيبٍ مِنْهَا قَدْ عَرَفْتُهَا كَثِيرَةِ الْمَاءِ عَذْبَةٍ
فَتَنْزِلَ عَلَيْهَا وَتَسْبِقَ الْقَوْمَ إِلَيْهَا وَتُغَّوِرَ مَا
سِوَاهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«سِيرُوا فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ وَعَدَكُمْ إِحْدَى
الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ» فَوَقَعَ فِي قُلُوبِ النَّاسِ كَثِيرُ
الْخَوْفِ، وَكَانَ فِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ تَخَاذُلٍ مِنْ تَخْوِيفِ
الشَّيْطَانِ.
فَسَارَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ
مُسَابِقِينَ إِلَى الْمَاءِ وَسَارَ الْمُشْرِكُونَ سِرَاعًا يُرِيدُونَ
الْمَاءَ فَأَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ مَطَرًا
وَاحِدًا فَكَانَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بَلَاءً شَدِيدًا مَنَعَهُمْ أَنْ
يَسِيرُوا وَكَانَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ دِيمَةً خَفِيفَةً لَبَّدَ لَهُمُ
الْمَسِيرَ وَالْمَنْزِلَ وَكَانَتْ بَطْحَاءَ دَهِسَةً فَسَبَقَ
الْمُسْلِمُونَ إِلَى الْمَاءِ فَنَزَلُوا عَلَيْهِ شَطْرَ اللَّيْلِ،
فَاقْتَحَمَ الْقَوْمُ فِي الْقَلِيبِ فَمَاحُوهَا حَتَّى كَثُرَ مَاؤُهَا
وَصَنَعُوا حَوْضًا عَظِيمًا ثُمَّ غَوَّرُوا مَا سِوَاهُ مِنَ الْمِيَاهِ.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذِهِ
مَصَارِعُهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى بِالْغَدَاةِ، وَأَنْزَلَ اللَّه
عَزَّ وَجَلَّ: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ
عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ
رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ
الْأَقْدامَ
[ (11) ]
وَيُقَالُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَرَسَانِ عَلَى أَحَدِهِمَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَعَلَى الْآخَرِ
سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ، وَمَرَّةً الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ،
وَمَرَّةً الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ، ثُمَّ صَفَّ رَسُولُ اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم عَلَى الْحِيَاضِ فَلَمَّا طَلَعَ الْمُشْرِكُونَ قَالَ
رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
- زَعَمُوا: اللهُمَّ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ جَاءَتْ بِخُيَلَائِهَا
وَفَخْرِهَا تُحَادُّكَ وَتُكَذِّبُ رَسُولَكَ اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ
مَا وَعَدْتَنِي- وَرَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مُمْسِكٌ بِعَضُدِ أَبِي بَكْرٍ يَقُولُ: - اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مَا
وَعَدْتَنِي.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا نبي اللَّه أبشر فو الذي نفسي بيده
__________
[ (11) ] سورة الأنفال: الآية (11) .
(3/110)
لَيُنْجِزَنَّ اللهُ تَعَالَى لَكَ مَا
وَعَدَكَ، فَاسْتَنْصَرَ الْمُسْلِمُونَ اللهَ تَعَالَى وَاسْتَغَاثُوهُ
فَاسْتَجَابَ اللهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَلِلْمُسْلِمِينَ.
وَأَقْبَلَ الْمُشْرِكُونَ وَمَعَهُمْ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ
بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيِّ يُحَدِّثُهُمْ أَنَّ بَنِي كِنَانَةَ
وَرَاءَهُ قَدْ أَقْبَلُوا لِنَصْرِهِمْ وَأَنَّهُ لَا غَالِبَ لَكُمُ
الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ لِمَا أَخْبَرَهُمْ مِنْ
سَيْرِ بَنِي كِنَانَةَ.
قَالَ وَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا
مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ [ (12) ] هَذِهِ الْآيَةَ
وَالَّتِي بَعْدَهَا قَالَ رِجَالٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِمَّنِ ادَّعَى
الْإِسْلَامَ وَخَرَجَ بِهِمُ الْمُشْرِكُونَ كُرْهًا لَمَّا رَأَوْا
قِلَّةً مَعَ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ، غَرَّ
هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ، قَالَ اللَّه تَعَالَى: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى
اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [ (13) ] الْآيَةَ كُلَّهَا.
وَأَقْبَلَ الْمُشْرِكُونَ حَتَّى نَزَلُوا وَتَعَبَّوْا لِلْقِتَالِ
وَالشَّيْطَانُ مَعَهُمْ لَا يُفَارِقُهُمْ، فَسَعَى حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ
إِلَى عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ فَقَالَ: هَلْ لَكَ أَنْ تَكُونَ سَيِّدَ
قُرَيْشٍ مَا عِشْتَ؟ قَالَ عُتْبَةُ: فَأَفْعَلُ مَاذَا؟ قَالَ تُجِيرُ
بَيْنَ النَّاسِ وَتَحَمَّلُ دِيَةَ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ وَبِمَا أَصَابَ
مُحَمَّدٌ مِنْ تِلْكَ الْعِيرِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَطْلُبُونَ مِنْ
مُحَمَّدٍ غَيْرَ هَذِهِ الْعِيرِ، وَدَمِ هَذَا الرَّجُلِ.
قَالَ عُتْبَةُ: نَعَمْ، قَدْ فَعَلْتُ وَنِعِمَّا قُلْتَ، وَنِعِمَّا
دَعَوْتَ إِلَيْهِ، فَاسْعَ فِي عَشِيرَتِكَ فَأَنَا أَتَحَمَّلُ بِهَا،
فَسَعَى حَكِيمٌ فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ بِذَلِكَ يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ،
وَرَكِبَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ جَمَلًا لَهُ فَسَارَ عَلَيْهِ فِي
صُفُوفِ الْمُشْرِكِينَ فِي أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: يَا قَوْمُ أَطِيعُونِي
فَإِنَّكُمْ لَا تَطْلُبُونَ عِنْدَهُمْ غَيْرَ دَمِ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ،
وَمَا أَصَابُوا مِنْ عِيرِكُمْ تِلْكَ، وَأَنَا أَتَحَمَّلُ بِوَفَاءِ
ذَلِكَ، وَدَعُوا هَذَا الرَّجُلَ، فَإِنْ كان
__________
[ (12) ] سورة الأنفال: الآية (47) .
[ (13) ] سورة الأنفال: الآية (49) .
(3/111)
كَاذِبًا وَلِيَ قَتْلَهُ غَيْرُكُمْ مِنَ
الْعَرَبِ فَإِنَّ فِيهِمْ رِجَالًا لَكُمْ فِيهِمْ قَرَابَةٌ قَرِيبَةٌ،
وَإِنَّكُمْ إِنْ تَقْتُلُوهُمْ لَا يَزَالُ الرَّجُلُ مِنْكُمْ يَنْظُرُ
إِلَى قَاتِلِ أَخِيهِ أَوِ ابْنِهِ أَوِ ابْنِ أَخِيهِ أَوِ ابْنِ
عَمِّهِ، فَيُورِثُ ذَلِكَ فِيهِمْ إِحَنًا وَضَغَائِنَ، وَإِنْ كَانَ
هَذَا الرَّجُلُ مَلِكًا كُنْتُمْ فِي مُلْكِ أَخِيكُمْ، وَإِنْ كَانَ
نَبِيًّا لَمْ تَقْتُلُوَا النَّبِيَّ فَتُسَبُّوا بِهِ، وَلَنْ تَخْلُصُوا
أَحْسَبُ إِلَيْهِمْ حَتَّى يُصِيبُوا أَعْدَادَهُمْ، وَلَا آمَنُ أَنْ
تَكُونَ لَهُمُ الدَّبْرَةُ عَلَيْكُمْ، فَحَسَدَهُ أَبُو جَهْلٍ عَلَى
مَقَالَتِهِ، وَأَبَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا أَنْ يُنْفِذَ أَمْرَهُ.
وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ الْمُشْرِكِينَ فَعَمَدَ
أَبُو جَهْلٍ إِلَى ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ، وَهُوَ أَخُو الْمَقْتُولِ،
فَقَالَ: هَذَا عُتْبَةُ يُخَذِّلُ بَيْنَ النَّاسِ وَقَدْ تَحَمَّلَ
بِدِيَةِ أَخِيكَ يَزْعُمُ أَنَّكَ قَابِلُهَا أَفَلَا تَسْتَحْيُونَ مِنْ
ذَلِكَ أَنْ تَقْبَلُوا الدِّيَةَ؟ وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ لِقُرَيْشٍ: إِنَّ
عُتْبَةَ قَدْ عَلِمَ أَنَّكُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ، وَمَنْ
مَعَهُ وَفِيهِمُ ابْنُهُ وَبَنُو عَمِّهِ وَهُوَ يَكْرَهُ صَلَاحَكُمْ.
وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ لِعُتْبَةَ وَهُوَ يَسِيرُ فِيهِمْ وَيُنَاشِدُهُمُ:
انْتَفَخَ سَحْرُكَ.
وَزَعَمُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى عُتْبَةَ: إِنْ يَكُنْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْقَوْمِ
خَيْرٌ فَهُوَ عِنْدَ صَاحِبِ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ، وَإِنْ يُطِيعُوهُ
يَرْشُدُوا
فَلَمَّا حَرَّضَ أَبُو جَهْلٍ قُرَيْشًا عَلَى الْقِتَالِ أَمَرَ
النِّسَاءَ يُعْوِلْنَ عَمْرًا فَقُمْنَ يَصِحْنَ وا عمراه وا عمراه،
تَحْرِيضًا عَلَى الْقِتَالِ وَقَامَ رِجَالٌ فَتَكَشَّفُوا يُعَيِّرُونَ
بِذَلِكَ قُرَيْشًا، فَاجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ عَلَى الْقِتَالِ وَقَالَ
عُتْبَةُ لِأَبِي جَهْلٍ سَتَعْلَمُ الْيَوْمَ مَنِ انْتَفَخَ سَحْرُهُ
أَيُّ الْأَمْرَيْنِ أَرْشَدُ وَأَخَذَتْ قُرَيْشٌ مَصَافَّهَا لِلْقِتَالِ
وَقَالُوا لِعُمَيْرِ بْنِ وهب: اركب فاحرز لَنَا مُحَمَّدًا
وَأَصْحَابَهُ، فَقَعَدَ عُمَيْرٌ عَلَى فَرَسِهِ فَأَطَافَ بِرَسُولِ
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، ثُمَّ رَجَعَ
إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ حزرتهم بثلاثمائة مُقَاتِلٍ زَادُوا شَيْئًا
أَوْ نَقَصُوا شَيْئًا، وَحَزَرْتُ سَبْعِينَ بَعِيرًا، وَنَحْوَ ذَلِكَ،
وَلَكِنْ أَنْظِرُونِي حَتَّى أَنْظُرَ هَلْ لَهُمْ مَدَدٌ أَوْ خَبِيءٌ،
فَأَطَافَ حَوْلَهُمْ وَبَعَثُوا خَيْلَهُمْ مَعَهُ، فَأَطَافُوا حَوْلَ
رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ ثُمَّ رَجَعُوا
فَقَالُوا: لَا مَدَدَ لَهُمْ وَلَا خَبِيءَ، وَإِنَّمَا هُمْ أُكْلَةُ
جَزُورٍ طَعَامٌ مَأْكُولٌ.
وَقَالُوا لِعُمَيْرٍ حَرِّشْ بَيْنَ الْقَوْمِ فَحَمَلَ عُمَيْرٌ عَلَى
الصَّفِّ وَرَجَعُوا بِمِائَةِ
(3/112)
فَارِسٍ
وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ:
لَا تُقَاتِلُوا حَتَّى أُؤْذِنَكُمْ وَغَشِيَهُ نَوْمٌ فَغَلَبَهُ،
فَلَمَّا نَظَرَ بَعْضُ الْقَوْمِ إِلَى بَعْضٍ، جَعَلَ أَبُو بَكْرٍ
يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّه قَدْ دَنَا الْقَوْمُ وَنَالُوا مِنَّا،
فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ
أَرَاهُ اللَّه تَعَالَى إِيَّاهُمْ فِي مَنَامِهِ قَلِيلًا، وَقَلَّلَ
الْمُسْلِمِينَ فِي أَعْيُنِ الْمُشْرِكِينَ، حَتَّى طَمَعَ بَعْضُ
الْقَوْمِ فِي بَعْضٍ، وَلَوْ أَرَاهُ عَدَدًا كَثِيرًا لَفَشِلُوا
وَلَتَنَازَعُوا فِي الْأَمْرِ كَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وَمَعَ
رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ فَرَسَانِ:
أَحَدُهُمَا لِأَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ، وَالْآخَرُ لِلْمِقْدَادِ بْنِ
عَمْرٍو.
وَقَامَ رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ
فَوَعَظَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ أَوْجَبَ
الْجَنَّةَ لِمَنِ اسْتُشْهِدَ الْيَوْمَ، فَقَامَ عُمَيْرُ بْنُ حُمَامٍ
أَخُو بَنِي سَلِمَةَ عَنْ عَجِينٍ كَانَ يَعْجِنُهُ لِأَصْحَابِهِ حِينَ
سَمِعَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّه إِنَّ لِيَ الْجَنَّةَ إِنْ قُتِلْتُ؟ قَالَ: نَعَمْ،
فَشَدَّ عَلَى أَعْدَاءِ اللَّه مَكَانَهُ فَاسْتَشْهَدَهُ اللَّه
تَعَالَى، وَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ قُتِلَ.
ثُمَّ أَقْبَلَ الْأَسْوَدُ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيُّ
يَحْلِفُ بِآلِهَتِهِ لَيَشْرَبَنَّ مِنَ الْحَوْضِ الَّذِي صَنَعَ
مُحَمَّدٌ وَلَيَهْدِمَنَّهُ فَشَدَّ فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْحَوْضِ
لَقِيَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَضَرَبَ رِجْلَهُ
فَقَطَعَهَا، فَأَقْبَلَ يَحْبُو حَتَّى وَقَعَ فِي جَوْفِ الْحَوْضِ
فَهَدَمَ مِنْهُ وَاتَّبَعَهُ حَمْزَةُ حَتَّى قَتَلَهُ.
فَلَمَّا قُتِلَ الْأَسْوَدُ بْن ُعَبْدِ الْأَسَدِ نَزَلَ عُتْبَةُ بْنُ
رَبِيعَةَ عَنْ جَمَلِهِ حَمِيَّةً لِمَا قَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ، ثُمَّ
نَادَى هل من مبارز؟ فو اللَّه لَيَعَلَمَنَّ أَبُو جَهْلٍ أَيُّنَا
أَجْبَنُ وَأَلْأَمُ، وَلَحِقَهُ أَخُوهُ شَيْبَةُ، وَالْوَلِيدُ ابْنُهُ،
فَنَادَيَا يَسْأَلَانِ الْمُبَارَزَةَ، فَقَامَ إِلَيْهِمْ ثَلَاثَةٌ مِنَ
الْأَنْصَارِ فَاسْتَحْيَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ قِتَالٍ الْتَقَى فِيهِ
الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ، وَرَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه
وَسَلَّمَ شَاهِدٌ مَعَهُمْ،
فَأَحَبَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَكُونَ
الشَّوْكَةُ لِبَنِي عَمِّهِ، فَنَادَاهُمُ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه
وسلم: أَنِ ارْجِعُوا إِلَى مَصَافِّكُمْ، وَلْيَقُمْ إِلَيْهِمْ بَنُو
عَمِّهِمْ، فَقَامَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَعَلِيُّ بْنُ
أَبِي طَالِبٍ، وَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ
(3/113)
ابن الْمُطَّلِبِ،
فَبَرَزَ حَمْزَةُ لِعُتْبَةَ، وَبَرَزَ عُبَيْدَةُ لِشَيْبَةَ، وَبَرَزَ
عَلِيُّ [بْنُ أَبِي طَالِبٍ] [ (14) ] لِلْوَلِيدِ، فَقَتَلَ حَمْزَةُ
عُتْبَةَ، وَقَتَلَ عُبَيْدَةُ شَيْبَةَ، وَقَتَلَ عَلِيٌّ الْوَلِيدَ،
وَضَرَبَ شَيْبَةُ رِجْلَ عُبَيْدَةَ فَقَطَعَهَا، فَاسْتَنَقَذَهُ
حَمْزَةُ وَعَلِيٌّ، فَحُمِلَ حَتَّى تُوُفِّيَ بِالصَّفْرَاءِ، وَفِي
ذَلِكَ تَقُولُ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ:
أَيَا عَيْنُي جُودِي بِدَمْعٍ سَرِبْ ... عَلَى خَيْرِ خِنْدِفَ لَمْ
يَنْقَلِبْ
تَدَاعَى [ (15) ] لَهُ رَهْطُهُ غُدْوَةً ... بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو
الْمُطَّلِبْ
يُذِيقُونَهُ حَرَّ أَسْيَافِهِمْ ... يُعَلِّونَهُ بَعْدَ مَا قَدْ ضُرِبْ
وَعِنْدَ ذَلِكَ نَذَرَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ لَتَأْكُلَنَّ مِنْ
كَبِدِ حَمْزَةَ إِنْ قَدَرَتْ عَلَيْهَا، فَكَانَ قَتْلُ هَؤُلَاءِ
النَّفَرِ قَبْلَ الْتِقَاءِ الْجَمْعَيْنِ، وَعَجَّ الْمُسْلِمُونَ إِلَى
اللَّه يَسْأَلُونَهُ النَّصْرَ حِينَ رَأَوُا الْقِتَالَ قَدْ نَشِبَ،
وَرَفَعَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يَدَيْهِ إِلَى اللَّه
تَعَالَى يَسْأَلُهُ مَا وَعَدَهُ وَيَسْأَلُهُ النَّصْرَ، وَيَقُولُ:
«اللهُمَّ إِنْ ظُهِرَ عَلَى هَذَه الْعِصَابَةِ ظَهَرَ الشِّرْكُ، وَلَمْ
يَقُمْ لَكَ دِينٌ» . وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقُولُ: يَا
رَسُولَ اللَّه وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَنْصُرَنَّكَ اللَّه عَزَّ
وَجَلَّ وَلَيُبَيِّضَنَّ وَجْهَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنِ
الْمَلَائِكَةِ جُنْدًا فِي أَكْتَافِ الْعَدُوِّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه
صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ: «قَدْ أَنْزَلَ اللَّه نَصْرَهُ، وَنَزَلَتِ
الْمَلَائِكَةُ أَبْشِرْ يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ
جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُعْتَجِرًا يَقُودُ فَرَسًا بَيْنَ
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. فَلَمَّا هَبَطَ إِلَى الْأَرْضِ جَلَسَ عَلَيْهَا
فَتَغَيَّبَ عَنِّي سَاعَةً ثُمَّ رَأَيْتُ عَلَى شِقَّيْهِ غُبَارًا» .
__________
[ (14) ] ليست في (ح) .
[ (15) ] (هـ) : «تداعا» .
(3/114)
وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ اللهُمَّ انْصُرْ
خَيْرَ الدِّينَيْنِ، اللهُمَّ دِينُنَا الْقَدِيمُ، وَدِينُ مُحَمَّدٍ
الْحَدِيثُ، وَنَكَصَ الشَّيْطَانُ عَلَى عَقِبَيْهِ حِينَ رَأَى
الْمَلَائِكَةَ، وَتَبَرَّأَ مِنْ نَصْرِ أَصْحَابِهِ، فَأَوْحَى اللَّه
عَزَّ وَجَلَّ إِلَى الْمَلَائِكَةِ وَأَمَرَهُمْ بِأَمْرِهِ وَحَدَّثَهُمْ
أَنَّهُ مَعَهُمْ، وَأَمَرَ بِنَصْرِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِلْءَ كَفَّهِ مِنَ الْحَصْبَاءِ فَرَمَى بِهَا
وُجُوهَ الْمُشْرِكِينَ فَجَعَلَ اللَّه [تَبَارَكَ وَتَعَالَى] [ (16) ]
تِلْكَ الْحَصْبَاءَ عَظِيمًا شَأْنُهَا لَمْ تَتْرُكْ مِنَ الْمُشْرِكينَ
رَجُلًا إِلَّا مَلَأَتْ عَيْنَيْهِ، وَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ بِهِمْ
قَتْلًا مَعَهُمُ اللَّه وَالْمَلَائِكَةُ يَقْتُلُونَهُمْ
وَيَأْسِرُونَهُمْ وَيَجِدُونَ النَّفَرَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مُنْكَبًّا
عَلَى وَجْهِهِ، لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ يُعَالِجُ التُّرَابَ
يَنْزِعُهُ مِنْ عَيْنَيْهِ.
وَكَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم قَدْ أَمَرَ
الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ الْقِتَالِ إِنْ رَأَوُا الظُّهُورَ أَنْ لَا
يَقْتُلُوا عَبَّاسًا، وَلَا عَقِيلًا، وَلَا نَوْفَلَ بْنَ الْحَرْثِ
وَلَا الْبَخْتَرِيَّ فِي رِجَالٍ، فَأُسِرَ هَؤُلَاءِ النَّفَرُ فِي
رِجَالٍ مِمَّنْ أَوْصَى بِهِمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم
وَغَيْرِهِمْ إِلَّا أَبَا الْبَخْتَرِيِّ فإنه أبا أَنْ يَسْتَأْسِرَ
وَذَكَرُوا لَهُ- زَعَمُوا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم
قَدْ أَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَقْتُلُوهُ إِنِ اسْتَأْسَرَ، فَأَبَى وَأُسِرَ
بَشَرٌ كَثِيرٌ مِمَّنْ لَمْ يَأْمُرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِإِسَارِهِ الْتِمَاسَ الْفِدَاءِ، قَالَ: وَيَزْعُمُ نَاسٌ
أَنَّ أَبَا الْيَسَرِ قَتَلَ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ- وَيَأْبَى عَظِيمُ
النَّاسِ، إِلَّا أَنَّ الْمُجَدَّرَ، هُوَ الَّذِي قَتَلَهُ، بَلْ
قَتَلَهُ أَبُو دَاوُدَ الْمَازِنِيُّ، وَسَلَبَهُ سَيْفَهُ وَكَانَ عِنْدَ
بَنِيهِ حَتَّى بَاعَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضِ بَنِي أَبِي البختري وقال
المجدّر:
بَشِّرْ بِيُتْمٍ إِنْ لَقِيتَ الْبَخْتَرِي ... وَبَشِّرَنْ بِمِثْلِهَا
مِنِّي بَنِي
أَنَا الَّذِي أَزْعُمُ أَصْلِي مِنْ بَلِي ... أَطْعَنُ بِالْحَرْبَةِ
حَتَّى تَنْثَنِي
وَلَا تَرَى مُجَدَّرًا يَفْرِي فَرِي
فَزَعَمُوا أَنَّهُ نَاشَدَهُ إِلَّا اسْتَأْسَرَ وأَخْبَرَهُ أَنَّ
رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِهِ إن
__________
[ (16) ] ليست في (ح) .
(3/115)
اسْتَأْسَرَ فَأَبَى أَبُو الْبَخْتَرِيِّ
أَنْ يَسْتَأْسِرَ وَشَدَّ عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ فَطَعَنَهُ
الْأَنْصَارِيُّ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ وَأَجْهَزَ عَلَيْهِ.
وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى وَقَفَ
عَلَى الْقَتْلَى فَالْتَمَسَ أَبَا جَهْلٍ فَلَمْ يَجِدْهُ حَتَّى عُرِفَ
ذَلِكَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ اللهُمَّ لَا يُعْجِزْنِي فِرْعَوْنُ هَذِهِ الْأُمَّةِ،
فَسَعَى لَهُ الرِّجَالُ حَتَّى وَجَدَهُ عَبْدُ اللَّه بْنُ مَسْعُودٍ
مَصْرُوعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَعْرَكَةِ غَيْرُ كَبِيرٍ، مُقَنَّعًا
فِي الْحَدِيدِ وَاضِعًا سَيْفَهُ عَلَى فَخِذَيْهِ لَيْسَ بِهِ جُرْحٌ
وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُحَرِّكَ مِنْهُ عُضْوًا وَهُوَ مُنْكَبٌّ
يَنْظُرُ إِلَى الْأَرْضِ. فَلَمَّا رَآهُ عَبْدُ اللَّه بْنُ مَسْعُودٍ
أَطَافَ حَوْلَهُ لِيَقْتُلَهُ وَهُوَ خَائِفٌ أَنْ يَثُورَ إِلَيْهِ
وَأَبُو جَهْلٍ مُقَنَّعٌ فِي الْحَدِيدِ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ
وَأَبْصَرَهُ لَا يَتَحَرَّكُ ظَنَّ عَبْدُ اللَّه أَنَّ أَبَا جَهْلٍ
مُثْبَتٌ جِرَاحًا فَأَرَادَ أَنْ يَضْرِبَهَ بِسَيْفِهِ فَخَشِيَ أَنْ لَا
يُغْنِي سَيْفُهُ شَيْئًا فَأَتَاهُ مِنْ وَرَائِهِ فَتَنَاوَلَ قَائِمَ
سَيْفِهِ فَاسْتَلَّهُ وَهُوَ مُنْكَبٌّ لَا يَتَحَرَّكُ، فَرَفَعَ عَبْدُ
اللَّه سَابِغَةَ الْبَيْضَةِ عَنْ قَفَاهُ فَضَرَبَهُ، فَوَقَعَ رَأْسُهُ
بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ سَلَبَهُ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ إِذَا هُوَ
لَيْسَ بِهِ جِرَاحٌ وَأَبْصَرَ فِي عُنُقِهِ جِدَرًا وَفِي يَدَيْهِ وَفِي
كَتِفَيْهِ كَهَيْئَةِ آثَارِ السِّيَاطِ.
وَأَتَى ابْنُ مَسْعُودٍ النَّبِيَّ صلى اللَّه عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ
أَنَّ أَبَا جَهْلٍ قَدْ قُتِلَ وَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي وَجَدَ بِهِ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَلِكَ ضَرْبُ
الْمَلَائِكَةِ، وَقَالَ: اللهُمَّ قَدْ أَنْجَزْتَ مَا وَعَدْتَنِي.
وَرَجَعَتْ قُرَيْشٌ إِلَى مَكَّةَ مَغْلُوبِينَ مُنْهَزِمِينَ وَكَانَ
أَوَّلَ مَنْ قَدِمَ بِهَزِيمَةِ الْمُشْرِكِينَ الْحَيْسُمَانَ
الْكَعْبِيُّ وَهُوَ جَدُّ حَسَنِ بْنِ غَيْلَانَ، فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ
النَّاسُ عِنْدَ الْكَعْبَةِ يَسْأَلُونَهُ لَا يُسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ
أَشْرَافِ قُرَيْشٍ إِلَّا نَعَاهُ، فَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ
وَهُوَ قَاعِدٌ مَعَ نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الْحِجْرِ: واللَّه مَا
يَعْقِلُ هَذَا الرَّجُلُ، وَلَقَدْ طَارَ قَلْبُهُ سَلُوهُ عَنِّي
فَإِنِّي أَظُنُّهُ سَوْفَ يَنْعَانِي، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِلْحَيْسُمَانِ
هَلْ لَكَ عِلْمٌ بِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ؟ قَالَ نَعَمْ هُوَ ذَاكَ
جَالِسٌ فِي الْحِجْرِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَاهُ أميّة ابن خَلَفٍ
قُتِلَ.
ثُمَّ تَتَابَعَ فَلُّ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَنَصَرَ اللَّه عَزَّ
وَجَلَّ رَسُولَهُ صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ
(3/116)
وَالْمُؤْمِنِينَ، وَأَذَلَّ بِوَقْعَةِ
بَدْرٍ رِقَابَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ، فَلَمْ يَبْقَ
بِالْمَدِينَةِ مُنَافِقٌ وَلَا يَهُودِيٌّ إِلَّا وَهُوَ خَاضِعٌ عُنُقَهُ
لِوَقْعَةِ بَدْرٍ، وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ فَرَّقَ
اللَّه تَعَالَى بَيْنَ الشِّرْكِ وَالْإِيمَانِ.
وَقَالَتِ الْيَهُودُ تَيَقَّنَّا أَنَّهُ النَّبِيُّ الَّذِي نَجِدُ
نَعْتَهُ فِي التَّوْرَاةِ واللَّه لَا يَرْفَعُ رَايَةً بَعْدَ الْيَوْمِ
إِلَّا ظَهَرَتْ.
وَأَقَامَ أَهْلُ مَكَّةَ عَلَى قَتْلَاهُمُ النَّوْحَ فِي كُلِّ دَارٍ
مِنْ مَكَّةَ شَهْرًا وجزّ النساء رؤوسهنّ يُؤْتَى بِرَاحِلَةِ الرَّجُلِ
أَوْ بِفَرَسِهِ فَيُوقَفُ بَيْنَ ظَهْرَيِ النِّسَاءِ فَيَنُحْنَ
حَوْلَهَا، وَخَرَجْنَ فِي الْأَزِقَّةِ فَسَتَرْنَهَا بِالسُّتُورِ ثُمَّ
خَرَجْنَ إِلَيْهَا يَنُحْنَ وَلَمْ يُقْتَلْ مِنَ الْأَسْرَى صَبْرًا
غَيْرَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ قَتَلَهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ
أبي الْأَقْلَحِ أَخُو بَنِي عَمْرِو ابن عَوْفٍ لَمَّا أَبْصَرَهُ
عُقْبَةُ مُقْبِلًا إِلَيْهِ اسْتَغَاثَ بِقُرَيْشٍ
فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ عَلَامَ أُقْتَلُ مِنْ بَيْنِ من ها هنا؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم على عَدَاوَتِكَ اللَّه
وَرَسُولَهُ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِقَتْلَى قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَأُلْقُوا فِي قَلِيبِ بَدْرٍ
وَلَعَنَهُمْ وَهُوَ قَائِمٌ يُسَمِّيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ غَيْرَ أَنَّ
أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كَانَ رَجُلًا مُسَمَّنًا فَانْتَفَخَ فِي يَوْمِهِ
فَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ يُلْقُوهُ فِي الْقَلِيبِ تَفَقَّأَ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم: دَعُوهُ، وَهُوَ يَلْعَنُهُمْ:
هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ نَافِعٌ، قَالَ عَبْدُ اللَّه بْنُ
عُمَرَ: قَالَ أُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَا رَسُولَ اللَّه أَتُنَادِي
نَاسًا مَوْتَى؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا قُلْتُ مِنْهُمْ
قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم إِلَى
الْمَدِينَةِ فَدَخَلَ مِنْ ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ
يُعَرِّفُهُمُ اللَّه نِعْمَتَهُ فِيمَا كَرِهُوا مِنْ خُرُوجِ رَسُولِ
اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ إِلَى بَدْرٍ، فَقَالَ:
كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما
تَبَيَّنَ [ (17) ] إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ، وَثَلَاثِ آيات معها.
__________
[ (17) ] سورة الأنفال: (17- 18) .
(3/117)
وَقَالَ: فِيمَا اسْتَجَابَ لِلرَّسُولِ
وَلِلْمُؤْمِنِينَ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ
أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [ (18) ]
هَذِهِ الْآيَةَ وَأُخْرَى مَعَهَا وَأَنْزَلَ فِيمَا غَشِيَهُمْ مِنَ
النُّعَاسِ أَمَنَةً منه حِينَ وَكَلَهُمْ إِلَيْهِ حِينَ أُخْبِرُوا
بِقُرَيْشٍ فَقَالَ: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ
وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ
وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ
وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ
أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا. سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ
الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ [ (19) ] .
هَذِهِ الْآيَةَ وَالَّتِي بَعْدَهَا، وَأَنْزَلَ فِي قَتْلِ
الْمُشْرِكِينَ وَالْقَبْضَةِ الَّتِي رَمَى بِهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْحَصْبَاءِ واللَّه أَعْلَمُ فَلَمْ
تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ
وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً
[ (20) ] هَذِهِ الْآيَةَ وَالَّتِي بَعْدَهَا، وَأَنْزَلَ فِي
اسْتِفْتَاحِهِمْ وَدُعَاءِ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ
جاءَكُمُ الْفَتْحُ [ (21) ] وَقَالَ فِي شَأْنِ الْمُشْرِكِينَ وَإِنْ
تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [ (22) ] هَذِهِ الْآيَةَ كُلَّهَا ثُمَّ
أَنْزَلَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [ (23) ] فِي سَبْعِ آيَاتٍ مَعَهَا. وَأَنْزَلَ
فِي مَنَازِلِهِمْ فَقَالَ: إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ
بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ
تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ، وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ
أَمْراً كانَ مَفْعُولًا [ (24) ] وَالْآيَةَ الَّتِي بَعْدَهَا وَأَنْزَلَ
فِيمَا يَعِظُهُمْ بِهِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ
فِئَةً فَاثْبُتُوا [ (25) ] الآية وثلاث آيات معها وَأَنْزَلَ فِيمَا
تَكَلَّمَ بِهِ رجال
__________
[ (18) ] سورة الأنفال: الآية (9) .
[ (19) ] (11 و 12) من سورة الأنفال.
[ (20) ] سورة الأنفال: الآية (17) .
[ (21) ] الآية (18) من سورة الأنفال.
[ (22) ] الآية (18) من سورة الأنفال.
[ (23) ] (20) الأنفال.
[ (24) ] الأنفال: (42) .
[ (25) ] الأنفال: (45) .
(3/118)
مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ خَرَجَ بِهِمُ
الْمُشْرِكُونَ كُرْهًا فَلَمَّا رَأَوْا قِلَّةَ الْمُسْلِمِينَ، قَالُوا:
غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ [ (26) ] الْآيَةَ كُلَّهَا وَأَنْزَلَ فِي
قَتْلَى الْمُشْرِكِينَ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى
الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ [ (27) ]
الْآيَةَ وَثَمَانِ آيَاتٍ مَعَهَا وَعَاتَبَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ النبي
صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ فِيمَا أَسَرُوا وَكَرِهَ
الَّذِي صَنَعُوا أَلَّا يَكُونُوا أَثْخَنُوا الْعَدُوَّ بِالْقَتْلِ
فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: مَا كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى
حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ. تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ
يُرِيدُ الْآخِرَةَ [ (28) ] ، ثُمَّ سَبَقَ مِنَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ
لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ إحلال
الغنائم وكان حَرَامًا عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ كَانَ
فِيمَا يُتَحَدَّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ-
واللَّه أَعْلَمُ-
أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «لَمْ تَكُنِ الْغَنَائِمُ تَحِلُّ لِأَحَدٍ
قَبْلَنَا فَطَيَّبَهَا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَنَا فَأَنْزَلَ فِيمَا
سَبَقَ مِنْ كِتَابِهِ بِإِحْلَالِ الْغَنَائِمِ، فَقَالَ: لَوْلا كِتابٌ
مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ
[ (29) ] هَذِهِ الْآيَةَ وَالَّتِي بَعْدَهَا. وَقَالَ رِجَالٌ مِمَّنْ
أُسِرَ يَا رَسُولَ اللَّه إِنَّا كُنَّا مُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا
أُخْرِجْنَا كُرْهًا فَعَلَامَ يُؤْخَذُ مِنَّا الْفِدَاءُ فَأَنْزَلَ
اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا قَالُوا:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ
يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا
أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ (30) ] .
*** وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه الْبَغْدَادِيُّ
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُلَاثَةَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي
الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، فَذَكَرَ قِصَّةَ بدر
__________
[ (26) ] الأنفال: (49) .
[ (27) ] الأنفال: (50) .
[ (28) ] الأنفال: (67) .
[ (29) ] الأنفال: (68) .
[ (30) ] الأنفال: (70) .
(3/119)
بِمَعْنَى مَا ذَكَرَ مُوسَى بْنُ
عُقْبَةَ، إِلَّا أنه لَمْ يُسَمِّ الْمُطْعِمِينَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا
دَاوُدَ الْمَازِنِيَّ فِي قَتْلِ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، وَقَالَ فِي
الْأُسَارَى: «فَلَمَّا أَحَلَّ اللَّه تَعَالَى فِدَاءَهُمْ
وَأَمْوَالَهُمْ قَالَتِ الْأُسَارَى مَا لَنَا عِنْدَ اللَّه مِنْ خَيْرٍ
قَدْ قُتِلْنَا وَأُسِرْنَا فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَسُرُّهُمْ
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ
يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا
أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَإِنْ
يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ
مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [ (31) ] فَأَحَلَّ اللَّه تَعَالَى
لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم الْفِدَاءَ بِمَا ذَكَرَ مِنْ
خِيَانَتِهِمْ، وَبِمَا كَثَّرُوا عَلَيْهِ سَوَادَ الْقَوْمِ، وَلَوْ
شَاءُوا خَرَجُوا إِلَيْهِ وَفَّرُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى رَسُولِ
اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم، وَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ
الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [
(32) ] الْآيَةَ كُلَّهَا وَمَا بَعْدَهَا حَتَّى انْقَضَتِ السُّورَةُ.
وَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَبَيَّنَ قَسْمَ الْغَنَائِمِ فَقَالَ:
وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ
وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى [ (33) ] الْآيَةَ.
وَأَنْزَلَ فِيمَنْ أُصِيبَ مِمَّنْ يُدْعَى بِالْإِسْلَامَ مَعَ
الْعَدُوِّ بِيَوْمِ بَدْرٍ. وَفِيمَنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ مِمَّنْ يُطِيقُ
الْخُرُوجَ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي
أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي
الْأَرْضِ [ (34) ] وَآيَتَيْنِ بَعْدَهَا.
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ
بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِي
مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا
عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ [ (35) ] يَعْنِي بِالْفُرْقَانِ يَوْمَ
بَدْرٍ يوم فرق
__________
[ (31) ] سورة الأنفال: (70- 71) .
[ (32) ] سورة الأنفال: (72) .
[ (33) ] سورة الأنفال: الآية (41) .
[ (34) ] الآية (97) من سورة النساء.
[ (35) ] الآية الكريمة (41) من سورة الأنفال.
(3/120)
اللهُ تَعَالَى بَيْنَ الْحَقِّ
وَالْبَاطِلِ وَفِي قَوْلِهِ إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي
قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ [ (36) ] قَالَ: لَمَّا دَنَا
[ (37) ] الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ قَلَّلَ اللهُ تَعَالَى
الْمُسْلِمِينَ فِي أَعْيُنِ الْمُشْرِكِينَ وَقَلَّلَ الْمُشْرِكِينَ فِي
أَعْيُنِ الْمُسْلِمِينَ. فَقَالَ المشركون وما هؤلاء؟ غير هَؤُلَاءِ
دِينُهُمْ وَإِنَّمَا قَالُوا ذلك من قتلهم فِي أَعْيُنِهِمْ وَظَنُّوا
أَنَّهُمْ سَيَهْزِمُونَهُمْ لَا يَشُكُّونَ فِي أَنْفُسِهِمْ فِي ذَلِكَ
فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ
اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [ (38) ] .
__________
[ (36) ] الأنفال (49) .
[ (37) ] في (ص) : «دنى» .
[ (38) ] الأنفال: (49) .
(3/121)
بَابُ عَدَدِ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنْ
أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَدْرٍ وَعَدَدِ
مَنْ قُتِلَ مِنَ الْكُفَّارِ وَمَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ يوم بدر
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي
أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ ابن إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ
[عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ] [ (1) ] قال: «وَقُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم مِنَ الْمُسْلِمِينَ
ثُمَّ مِنْ قُرَيْشٍ: سِتَّةُ نَفَرٍ وَمَنَ الْأَنْصَارِ: ثمانية نفر [
(2) ] .
__________
[ (1) ] سقطت من (ح) ، وموجودة في باقي النسخ.
[ (2) ] في الدرر: «الجميع أربعة عشر رجلا: ستة من المهاجرين، وثمانية من
الأنصار: ستة من الأوس، واثنان من الخزرج» .
وفي سيرة ابن هشام (2: 354) :
وَاسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بدر مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى
اللَّه عليه وسلم:
من قريش ثم مِنَ بَنِي الْمُطَّلِبِ بْنِ عبد مناف: عبيدة بن الحرث بن
المطلب، قتله عتبة بن ربيعة، قطع رجله فمات بالصفراء، رجل.
ومن بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ: عمير بن أبي وقّاص بْنِ أُهَيْبِ بْنِ
عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، وهو أخو سعد ابن أبي وقّاص، فيما قال ابن
هشام، وذو الشّمالين بن عبد عمرو بن نضلة، حليف لهم من خزاعة، ثم من بني
غبشان، رجلان.
ومن بني عديّ بن كعب بن لؤي: عاقل بن البكير، حليف لهم من بني سعد بن ليث
بن بكر ابن عبد مناة بن كنانة، ومهجع مولى عمر بن الخطاب، رجلان.
ومن بني الحرث بن فهر: صفوان بن بيضاء، رجل، ستة نفر.
(3/122)
وَقُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ
بَدْرٍ: تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا، وَأُسِرَ مِنْهُمْ: تِسْعَةٌ
وَثَلَاثُونَ رَجُلًا» [ (3) ] .
وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ
عُرْوَةَ فِي عَدَدِ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَقُتِلَ مِنَ
الْكُفَّارِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
خَالِدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ
فَذَكَرَهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: «وَاسْتُشْهِدَ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا، أَرْبَعَةٌ مِنَ
قُرَيْشٍ وَسَبْعَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ. وَقُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
بِضْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا» وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي كِتَابِهِ
«وَمَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم الْأُسَارَى مِنَ
الْمُشْرِكِينَ وَكَانُوا أَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ أَسِيرًا وَالْقَتْلَى
مِثْلُ ذَلِكَ» [ (4) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ،
قَالَ: حَدَّثَنِي الليث قال:
__________
[ () ] ومن الْأَنْصَارِ ثُمَّ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: سَعْدُ
بْنُ خَيْثَمَةَ، ومبشر بن عبد المنذر بن زنبر، رجلان.
ومن بني الحرث بن الخزرج: يزيد بن الحرث، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ
[ابن] فسحم، رجل.
ومن بني سلمة، ثم من بني حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة: عمير بن
الهمام، رجل.
ومن بين حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم: رافع بن المعلّى، رجل.
قال ابن إسحاق: ومن بني النجار: حارثة بن سراقة بن الحرث، رجل.
ومن بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النجار: عوف ومعوّذ ابنا الحرث بن
رفاعة بن سواد، وهما ابنا عفراء، رجلان، ثمانية نفر.
[ (3) ] الدرر في اختصار المغازي والسير (109) .
[ (4) ] سيرة ابن هشام (2: 354- 355) .
(3/123)
حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
قَالَ: «كَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
مِهْجَعٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ
فَهُزِمَ يَوْمَئِذٍ الْمُشْرِكُونَ وَقُتِلَ مِنْهُمْ زِيَادَةٌ على
سبعين، وَأُسِرَ مِنْهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ» .
ورَوَاهُ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ
الزُّبَيْرِ، وَهُوَ أَصَحُّ مَا رُوِّينَاهُ فِي عَدَدِ مَنَ قُتِلَ من
المشركين وَأُسِرَ مِنْهُمْ، فَحَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ لَهُ
شَاهِدٌ وَهُوَ حَدِيثٌ مَوْصُولٌ صَحِيحٌ [ (5) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْفَقِيهِ قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ
مَرْزُوقٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: «أَمَّرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وسلم عَلَى الرُّمَاةِ عَبْدَ اللَّه بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ:
وَكَانُوا خَمْسِينَ رَجُلًا فَأَصَابُوا مِنَّا سَبْعِينَ يَعْنِي يَوْمَ
أُحُدٍ. وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَصْحَابُهُ أَصَابَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعِينَ
وَمِائَةً، سَبْعِينَ أَسِيرًا وَسَبْعِينَ قَتِيلًا» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ عَنْ
زُهَيْرٍ [ (6) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عَبْدِ اللَّه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الزَّاهِدُ الْأَصْبَهَانِيُّ
قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ نِسْطَاسٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ سَعْدِ
بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ
قَالَ: «بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ بِالرَّوْحَاءِ
إِذْ هَبَطَ عَلَيْهِمْ أَعْرَابِيٌّ مِنْ شَرَفٍ فَقَالَ مَنِ الْقَوْمُ
وَأَيْنَ تُرِيدُونَ؟
قِيلَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: قَالَ أَرَاكُمْ بَذَّةً هَيْأَتُكُمْ قَلِيلًا سِلَاحُكُمْ، قالوا:
__________
[ (5) ] سيأتي تخريجه في الحاشية التالية.
[ (6) ] الْبُخَارِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ أخرجه البخاري في: 64-
كتاب المغازي، باب (10) ، حديث (3986) ، فتح الباري (7: 307) ، وأعاده في
التفسير، في تفسير سورة آل عمران، وأخرجه أبو داود في الجهاد عَنْ عَبْدِ
اللَّه بْنِ محمد النفيلي، في باب أي وقت يستحب اللقاء.
(3/124)
نَنْتَظِرُ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ إِمَّا
أَنْ نُقْتَلَ فَالْجَنَّةُ وَإِمَّا ان نغلب فيجمعهما اللَّه لَنَا
الظَّفَرُ وَالْجَنَّةُ. قَالَ أَيْنَ نَبِيُّكُمْ؟ قَالُوا هَذَا هُوَ
ذَا. فَقَالَ لَهُ يَا نَبِيَّ اللَّه إِنِّي لَيْسَتْ لِي مَصْلَحَةٌ
آخُذُ مَصْلَحَتِي ثُمَّ أَلْحَقُ قَالَ: اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَخُذْ
مَصْلَحَتَكَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ
يَؤُمُّ بَدْرًا وَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى أَهْلِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ
حَاجَتِهِ ثُمَّ لَحِقَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِبَدْرٍ وَهُوَ يَصُفُّ النَّاسَ لِلْقِتَالِ فِي تَعْبِئَتِهِمْ فَدَخَلَ
فِي الصَّفِّ مَعَهُمْ فَاقْتَتَلَ النَّاسُ وَكَانَ فِيمَنِ اسْتَشْهَدَهُ
اللَّه تَعَالَى فَقَامَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بَعْدَ أَنْ هَزَمَ اللَّه الْمُشْرِكِينَ وَأَظْفَرَ الْمُؤْمِنِينَ
فَمَرَّ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ الشُّهَدَاءِ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
مَعَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا يَا
عُمَرُ إِنَّكَ تُحِبُّ الْحَدِيثَ وإن الشهداء سادة وأشرافا وملوكا
وَإِنَّ هَذَا يَا عُمَرُ مِنْهُمْ» .
تَفَرَّدَ بِهِ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نسطاس وَفِيهِ نَظَرٌ [
(7) ] .
[أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا يَعْلَى
حَمْزَةَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْعَلَوِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ هَاشِمَ بْنَ
مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيَّ، مِنْ وَلَدِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ يَقُولُ:
«أَخَذَنِي أَبِي بِالْمَدِينَةِ إِلَى زِيَارَةِ قُبُورِ الشُّهَدَاءِ فِي
يَوْمِ الْجُمُعَةِ بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالشَّمْسِ، وَكُنْتُ
أَمْشِي خَلْفَهُ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الْمَقَابِرِ رَفَعَ صَوْتَهُ،
وَقَالَ:
السَّلَامُ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ، قَالَ:
فَأُجِيبَ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ يَا عَبْدَ اللَّه، قَالَ: فَالْتَفَتَ
أَبِي إِلَيَّ وَقَالَ: أَنْتَ الْمُجِيبُ يَا بُنَيَّ؟ فَقُلْتُ: لَا،
فَأَخَذَ بِيَدِي وَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ أَعَادَ السَّلَامَ
عَلَيْهِمْ، ثُمَّ جَعَلَ كُلَّمَا سَلَّمَ عَلَيْهِمْ رَدُّوا عَلَيْهِ،
حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَخَرَّ للَّه تَعَالَى سَاجِدًا
وَشُكْرًا لِلَّهِ عَزَّ وجل] [ (8) ] .
__________
[ (7) ] قال البخاري: «فيه نظر» ، وضعفه النسائي، وذكره العقيلي في الضعفاء
الكبير (1: 98) من تحقيقنا، وابن حبان في المجروحين (1: 134) ، وذكره في
الميزان (1: 178- 179) .
[ (8) ] هذا النص غير موجود في (ص) أو (أ) ، وموجود في (هـ) ، وأشار إليه
في (هـ) بأنه غير موجود، فقال: «هذا ساقط في أصل الرواية إلى الباب» .
(3/125)
بَابُ ذِكْرِ التَّارِيخِ لِوَقْعَةِ
بَدْرٍ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُؤَمَّلِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عِيسَى قالا:
أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ
دَاوُدَ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ، يَقُولُ «كَانَتْ بَدْرٍ
لِسَنَةٍ وَنِصْفٍ مِنْ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ
الْمَدِينَةَ.
قُلْتُ: وَعَلَى هَذَا يَدُلُّ مَا مَضَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ
مِنْ قَوْلِهِ «صُرِفَتِ الْقِبْلَةُ عَلَى رَأْسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا
مِنْ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَذَلِكَ
قَبْلَ بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ» .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ
قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ
قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ
بْنُ الْخَلِيلِ الْبَغْدَادِيُّ بِنَيْسَابُورَ قَالَ: أَخْبَرَنَا
الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ
قَالَ «غَزَا نَبِيُّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَ
عَشْرَةَ غَزْوَةً وَقَعَ فِيهَا يَوْمُ بَدْرٍ وَكَانَ أَصْحَابُ
النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وسلم يَوْمَئِذٍ ثَلَاثَمِائَةٍ وَبِضْعَةَ
عَشَرَ رَجُلًا وَالْمُشْرِكُونَ يَوْمَئِذٍ أَلْفٌ غَيْرُ خَمْسِينَ
وَكَانَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ صَبِيحَةَ سَابِعِ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ
مِنْ رَمَضَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ هِجْرَتِهِ لِثَمَانِيَةَ عَشَرَ
شَهْرًا أَوْ مَا شَاءَ اللَّه مِنْ ذَلِكَ» .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي
عَمْرٍو قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو
(3/126)
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: أَخْبَرَنَا
يونس ابن بُكَيْرٍ عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ سَأَلْتُ عَبْدَ
الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَقَالَ «كَانَ زيد
بن ثابت بعظم سَابِعَ عَشْرَةَ وَيَقُولُ هِيَ وَقْعَةُ بَدْرٍ» .
قَالَ: وأَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَسْبَاطِ بْنِ نصر، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الحرمن، قَالَ: «كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ» .
قَالَ: وأَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ «إن رسول اللَّه صلى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ يَوْمَ بَدْرٍ
صَبِيحَةَ الْجُمُعَةِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ» [ (1) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّه بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ:
حَدَّثَنِي الْأَصْبَغُ بْنُ فَرَجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ
يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: «كَانَ
أَوَّلُ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ
يَوْمَ بَدْرٍ وَرَئِيسُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ عُتْبَةُ بْنُ
رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ فَالْتَقَوْا بِبَدْرٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم يَوْمَئِذٍ ثَلَاثَمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا
وَالْمُشْرِكُونَ بَيْنَ الْأَلْفِ والتسع مائة فَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ
الْفُرْقَانِ، فَرَّقَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ
وَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِهْجَعٌ مَوْلَى
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَرَجُلٌ مِنَ الأنصار فهزم يومئذ المشركين
وَقُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ زِيَادَةٌ عَلَى سَبْعِينَ رَجُلًا وَأُسِرَ
مِنْهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وجل: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ
اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ [ (2) ] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو
الْحُسَيْنِ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
__________
[ (1) ] سيرة ابن هشام (2: 266) .
[ (2) ] الآية الكريمة (123) من سورة آل عمران.
(3/127)
جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّه فِي لَيْلَةِ
الْقَدْرِ، قَالَ: «تَحَرُّوهَا لِإِحْدَى عَشْرَةَ بَقِينَ صَبِيحَتُهَا
يَوْمُ بَدْرٍ» [ (3) ] .
كَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّه بْنُ مَسْعُودٍ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ أَهْلِ
الْمَغَازِي «أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِسَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ
شهر رَمَضَانَ» واللَّه أَعْلَمُ [فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ] [ (4) ] .
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ
مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ «اطْلُبُوهَا لَيْلَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ
وَلَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَلَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ [ (5) ] .
وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ لَيْلَةِ
الْقَدْرِ فَقَالَ لَيْلَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ مَا يَشُكُّ وَقَالَ يَوْمُ
الْفُرْقَانِ يَوْمُ الْتَقَى الْجَمْعَانِ» . [الْمَشْهُورُ عَنْ غيره من
أن الْمَغَازِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِسَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ
شَهْرِ رَمَضَانَ واللَّه أَعْلَمُ] [ (6) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي
عَمْرٍو قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا
سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه
عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه ابن
الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: «كَانَتْ
بَدْرٍ صَبِيحَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ» .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عمرو بن السماك،
__________
[ (3) ] أخرجه الحاكم في «المستدرك» (3: 20) ، وقال: «هذا حديث صحيح على
شرط الشيخين ولم يخرجاه» .
[ (4) ] الزيادة من (أ) و (ح) .
[ (5) ] أخرجه أبو داود في الصلاة (باب) من روى أنها لَيْلَةَ سَبْعَ
عَشْرَةَ مِنْ أبواب قيام الليل، عن حكيم ابن سيف الرقي، عَنْ عُبَيْدِ
اللَّه بْنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أنيسة، عن أبي
إسحاق.
[ (6) ] ما بين الحاصرتين من (هـ) فقط.
(3/128)
قَالَ: أَخْبَرَنَا حَنْبَلُ بْنُ
إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو
بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ، يَقُولُ: سُئِلَ
أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ يَوْمِ بَدْرٍ، فَقَالَ: إِمَّا
«لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ أَوْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ أَوْ لِإِحْدَى
عَشْرَةَ بَقِيَتْ وَإِمَّا لِتِسْعَ عَشْرَةَ بَقِيَتْ» .
(3/129)
بَابُ قُدُومِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ
وَعَبْدِ اللَّه بْنِ رَوَاحَةَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ بَشِيرَيْنِ
بِفَتْحِ بَدْرٍ ثُمَّ قُدُومِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ بِالْغَنَائِمِ وَالْأُسَارَى وَمَا فَعَلَ
النَّجَاشِيُّ حِينَ بَلَغَهُ الْفَتْحُ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمُقْرِئُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ
يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ
زَيْدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَّفَ
عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، عَلَى رُقَيَّةَ بِنْتِ
رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ بَدْرٍ، فَجَاءَ
زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ [ (1) ] عَلَى
__________
[ (1) ] زيد بن حارثة بن شراحيل بن كعب، الأمير الشهيد النبوي، المسمى في
سورة الأحزاب، أبو أسامة الكلبي، ثم المحمديّ، سيد الموالي، وأسبقهم إلى
الإسلام، وحبّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأبو حبّه، وما أحبّ، صلى
اللَّه عليه وسلم، إلا طيبا، ولم يسمّ اللَّه تعالى في كتابه صحابيا باسمه
إلا زيد بن حارثة وعيسى بن مريم عليه السلام الذي ينزل حكما مقسطا ويلتحق
بهذه الأمة المرحومة في صلاته وصيامه وحجه ونكاحه وأحكام الدين الحنيف
جميعها، فكما أن أبا القاسم سيد الأنبياء وأفضلهم وخاتمهم، فكذلك عيسى بعد
نزوله أفضل هذه الأمة مطلقا، ويكون ختامهم، ولا يجيء بعده من فيه خير، بل
تطلع الشمس من مغربها، ويأذن اللَّه بدنو الساعة.
قال الواقدي: عَقْدِ رَسُولِ اللَّه، صَلَّى اللَّه عليه وسلم، لزيد على
الناس في غزوة مؤتة، وقدّمه على الأمراء.
فلما التقى الجمعان كان الأمراء يقاتلون عَلَى أرجلهم. فأخذ زيد اللواء
فقاتل وقاتل معه الناس حتى قتل طعنا بالرماح رضي اللَّه عنه.
قال: فصلّى عليه رسول اللَّه، أي دعا له، وقال: «استغفروا لأخيكم قد دخل
الجنة وهو يسعى» .
(3/130)
الْعَضْبَاءِ نَاقَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وسلم بِالْبِشَارَةِ، قَالَ أُسَامَةُ: فَسَمِعْتُ
الْهَيْعَةَ [ (2) ] فَخَرَجْتُ فَإِذَا زَيْدٌ قد جاء بالبشارة، فو الله
مَا صَدَّقْتُ حَتَّى رَأَيْتُ الْأُسَارَى، فَضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّه عليه وسلم لِعُثْمَانَ بِسَهْمِهِ» [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بُطَّةَ الْأَصْبَهَانِيُّ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ [ (4) ] قَالَ: أَخْبَرَنَا
الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ:
«وَيُقَالُ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وسلم مَرْجِعَهُ مِنْ
بَدْرٍ الْعَصْرَ بِالْأُثَيْلِ [ (5) ] ، فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَةً
تَبَسَّمَ فَلَمَّا سُئِلَ عَنْ تَبَسُّمِهِ قَالَ: مَرَّ بِي مِيكَائِيلُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعَلَى جَنَاحَيْهِ النَّقْعُ، فَتَبَسَّمَ إِلَيَّ،
وَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ فِي طَلَبِ الْقَوْمِ، وَأَتَاهُ جِبْرِيلُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ فَرَغَ مِنْ قِتَالِ أَهْلِ بَدْرٍ عَلَى فَرَسٍ
أُنْثَى مَعْقُودِ النَّاصِيَةِ، قَدْ عَصَمَ ثَنِيَّتَيْهِ الْغُبَارُ
فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَبِّي بَعَثَنِي إِلَيْكَ وَأَمَرَنِي أَلَا
[ (6) ] أُفَارِقَكَ حَتَّى تَرْضَى، هَلْ رَضِيتَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ.
وَقَالُوا: قدم رسول الله صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بن
حَارِثَةَ وَعَبْدِ اللَّه بْنَ رَوَاحَةَ مِنَ الْأُثَيْلِ فجاؤوا
__________
[ () ] وكانت مؤنة في جمادي الأولى سنة ثمان وهو ابن خمس وخمسين سنة.
جماعة: عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عن
أبي ميسرة قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّه، صَلَّى اللَّه عليه وسلم،
قتل زيد، وجعفر، وابن رواحة،
قام، صلى اللَّه عليه وسلم، فذكر شأنهم، فبدأ بزيد، فقال: «اللهمّ اغفر
لزيد، اللهمّ اغفر لزيد، ثلاثا، اللهمّ اغفر لجعفر وَعَبْدُ اللَّه بْنُ
رَوَاحَةَ» .
[ (2) ] (الهيعة) كل ما أفزع من صوت أو فاحشة تشاع، وقال أبو عبيد: هي صيحة
الفزع.
[ (3) ] نقله الحافظ بن كثير في التاريخ (3: 304) ، وفي المستدرك للحاكم
(3: 217- 218) مِنْ حَدِيثِ صَالِحِ بْنُ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ،
عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه
وسلم من بدر بعث بشيرين ... إلخ الحديث، وقال في آخره: «هذا حديث صحيح على
شرط مسلم، ولم يخرجاه» .
[ (4) ] كذا في (أ) و (ص) و (ح) ، وفي (هـ) : «الجهيم» .
[ (5) ] (الأثيل) موضع بالصّفراء.
[ (6) ] في (أ) و (هـ) : «أن لا» .
(3/131)
يَوْمَ الْأَحَدِ شَدَّ الضُّحَى،
وَفَارَقَ عَبْدُ اللَّه بْنُ رَوَاحَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ [ (7) ]
بِالْعَقِيقِ [ (8) ] ، فَجَعَلَ عَبْدُ اللَّه يُنَادِي عَلَى
رَاحِلَتِهِ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَبْشِرُوا بِسَلَامَةِ رَسُولِ
اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ
وَأَسْرِهِمْ: قُتِلَ ابْنَا رَبِيعَةَ، وَابْنَا الْحَجَّاجِ، وَأَبُو
جَهْلٍ، وَقُتِلَ زَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ،
وَأُسِرَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَقَالَ: عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ، فَقُمْتُ
إِلَيْهِ فَنَحَوْتُهُ فَقُلْتُ: أَحَقًّا ما تقول يا بن رَوَاحَةَ؟ قَالَ:
إِي واللَّه وَغَدًا يَقْدَمُ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
بِالْأَسْرَى مُقَرَّنِينَ ثُمَّ تَبِعَ دُورَ الْأَنْصَارِ بِالْعَالِيَةِ
يُبَشِّرُهُمْ دَارًا دَارًا وَالصِّبْيَانُ يَشْتَدُّونَ مَعَهُ
يَقُولُونَ قُتِلَ أَبُو جَهْلٍ الْفَاسِقُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَنِي
أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ.
وَقَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ عَلَى نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه
عليه وسلم الْقَصْوَاءَ يَبَشِّرُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا جَاءَ
الْمُصَلَّى صَاحَ عَلَى رَاحِلَتِهِ: قُتِلَ عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا
رَبِيعَةَ، وَابْنَا الْحَجَّاجِ، وَأَبُو جَهْلٍ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ،
وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَأُسِرَ سُهَيْلُ
بْنُ عَمْرٍو، وَذُو الْأَنْيَابِ فِي أَسْرَى كَثِيرٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ
لَا يُصَدِّقُونَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَيَقُولُونَ: مَا جَاءَ زَيْدٌ
إِلَّا فَلًّا. حَتَّى غَاظَ الْمُسْلِمِينَ ذَلِكَ وَخَافُوا.
وَقَدِمَ زَيْدٌ حِينَ سَوَّوْا عَلَى رُقَيَّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّه صلى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التُّرَابَ بِالْبَقِيعِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ
الْمُنَافِقِينَ لِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: قُتِلَ صَاحِبُكُمْ وَمَنْ
مَعَهُ. وَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ لِأَبِي لُبَابَةَ بْنِ
عَبْدِ الْمُنْذِرِ: قَدْ تَفَرَّقَ أَصْحَابُكُمْ تَفَرُّقًا لَا
يَجْتَمِعُونَ مِنْهُ أَبَدًا وَقَدْ قُتِلَ عِلْيَةُ أَصْحَابِهِ وَقُتِلَ
مُحَمَّدٌ هَذِهِ نَاقَتُهُ نَعْرِفُهَا وَهَذَا زَيْدٌ لَا يدْرَى مَا
يَقُولُ مِنَ الرُّعْبِ وَجَاءَ فَلًّا.
قَالَ أَبُو لُبَابَةَ: يُكَذِّبُ اللَّه تَعَالَى قَوْلَكَ. وَقَالَتِ
الْيَهُودُ مَا جَاءَ زَيْدٌ إلا فلّا
__________
[ (7) ] (ص) : «زيد بن ثابت» وهو تحريف من الناسخ.
[ (8) ] (العقيق) الوادي الذي شقه السيل قديما، وهو في بلاد العرب عدة
مواضع، منها العقيق الأعلى عند مدينة الرسول صلى اللَّه عليه وسلم.
(3/132)
قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ: فَجِئْتُ
حَتَّى خَلَوْتُ بِأَبِي فَقُلْتُ يَا أَبَهْ أَحَقٌّ مَا تَقُولُ؟ قَالَ
إِي واللَّه حَقٌّ يَا بُنَيَّ. فَقَوِيَتْ نَفْسِي فَرَفَعْتُ إِلَى
ذَلِكَ الْمُنَافِقِ فَقُلْتُ أَنْتَ الْمُرْجِفُ بِرَسُولِ اللَّه
وَبِالْمُسْلِمِينَ لَنُقَدِّمَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَدِمَ فَلَيَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ.
قَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ سَمِعْتُهُ مِنَ النَّاسِ
يَقُولُونَهُ. قَالُوا فَجِيءَ بِالْأَسْرَى وَعَلَيْهِمْ شُقْرَانُ
مَوْلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ تِسْعَةٌ
وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا الَّذِينَ أُحْصُوا.
وَهُمْ سَبْعُونَ فِي الْأَصْلِ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ [ (9) ] لَا شَكَّ
فِيهِ. وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَلَيْهِمْ شُقْرَانَ غُلَامَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَلَمْ يُعْتِقْهُ يَوْمَئِذٍ، وَلَقِيَهُ النَّاسُ
يُهَنِّئُونَهُ بِالرَّوْحَاءِ بِفَتْحِ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ
فَلَقِيَهُ وُجُوهُ الْخَزْرَجِ.
قَالَ فَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ أَبِي
سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ، فَقَالَ: فَلَقِيَهُ أُسَيْدُ
بْنُ الْحُضَيْرِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّه الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي
أَظْفَرَكَ وَأَقَرَّ عَيْنَكَ، واللَّه يَا رَسُولَ اللَّه مَا كَانَ
تَخَلُّفِي عَنْ بَدْرٍ وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّكَ تَلْقَى عَدُوًّا،
وَلَكِنْ ظَنَنْتُ أَنَّهَا الْعِيرُ وَلَوْ ظَنَنْتُ أَنَّهُ عَدُوٌّ مَا
تَخَلَّفْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
صَدَقْتَ» [ (10) ] .
ثُمَّ ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ مَا فَعَلَ النَّجَاشِيُّ [ (11) ] بِأَرْضِ
الْحَبَشَةِ حِينَ بَلَغَهُ مَقْتَلُ قُرَيْشٍ بِبَدْرٍ وَقَدْ كَتَبْنَاهُ
بِإِسْنَادٍ آخَرَ أَعْلَى مِنْ قَوْلِهِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّه
الْحُرْفِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ
الْفَقِيهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ أَبِي الدنيا قال: حدثني
حمزة ابن الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه هُوَ ابْنُ
__________
[ (9) ] في (ح) : «عليهم» .
[ (10) ] الخبر في مغازي الواقدي (1: 114- 115) ، ونقله الحافظ بن كثير في
التاريخ (3:
304- 305) .
[ (11) ] خبر الواقدي عن النجاشي في المغازي (1: 120- 121) .
(3/133)
الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ يَزَِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَجُلٌ
مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ، قَالَ: «أَرْسَلَ النَّجَاشِيُّ ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى
جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابِهِ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَهُوَ
فِي بَيْتٍ عَلَيْهِ خُلْقَانٌ جَالِسٌ عَلَى التُّرَابِ. قَالَ:
جَعْفَرٌ فَأَشْفَقْنَا مِنْهُ حِينَ رَأَيْنَاهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ
فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وُجُوهِنَا. قَالَ إِنِّي أُبَشِّرُكُمْ بِمَا
يَسُرُّكُمْ إِنَّهُ جَاءَنِي مِنْ نَحْوِ أَرْضِكُمْ عَيْنٌ لِي،
فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّه عز وجل قَدْ نَصَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلَكَ عَدُوَّهُ، وَأُسِرَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ
وَفُلَانٌ، وَقُتِلَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ الْتَقَوْا بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ
بَدْرٌ، كَثِيرُ الْأَرَاكِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ كُنْتُ أَرْعَى
بِهِ لِسَيِّدِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ إِبِلَهُ. فَقَالَ لَهُ
جَعْفَرٌ مَا بَالُكَ جَالِسٌ عَلَى التُّرَابِ لَيْسَ تَحَتَكَ بِسَاطٌ
وَعَلَيْكَ هَذِهِ الْأَخْلَاقُ قَالَ: إِنَّا نَجِدُ فِيمَا أَنْزَلَ
اللَّه عَلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ حَقًّا عَلَى عِبَادِ
اللَّه أَنْ يُحْدِثُوا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَوَاضُعًا عِنْدَ مَا
أَحْدَثَ لَهُمْ مِنْ نِعْمَةٍ، فَلَمَّا أَحْدَثَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ
لِي نَصْرَ نَبِيِّهِ صلى اللَّه عليه وسلم أَحْدَثْتُ لَهُ هَذَا
التَّوَاضُعَ» [ (12) ] .
__________
[ (12) ] ونقله الحافظ بن كثير في التاريخ (3: 307- 308) ، والصالحي في
السيرة الشامية (4:
104) .
(3/134)
بَابُ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغَنَائِمِ وَالْأُسَارَى وَمَا أَخْبَرَ
عَنْهُ فَكَانَ كَمَا قَالَ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر محمد ابن بَكْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
دَاوُدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
خَالِدٌ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
«قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يَوْمَ بَدْرٍ.
«مَنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا فَلَهُ مِنَ النَّفَلِ كَذَا وَكَذَا،، قَالَ:
فَتَقَدَّمَ الْفِتْيَانُ، وَلَزِمَ الْمَشْيَخَةُ الرَّايَاتِ فَلَمْ
يَبْرَحُوهَا، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِمْ قَالَتِ
الْمَشْيَخَةُ:
كُنَّا رِدْءًا لَكُمْ لَوِ انْهَزَمْتُمْ فِئْتُمْ إِلَيْنَا فَلَا
تَذْهَبُوا بِالْمَغْنَمِ وَنَبْقَى، فَأَبَى الْفِتْيَانُ وَقَالُوا:
جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنَا،
فَأَنْزَلَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ
الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ
بَيْنِكُمْ- إِلَى قَوْلِهِ- كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ
بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ [ (1) ] .
يَقُولُ: فَكَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لَهُمْ، فَكَذَلِكَ أَيْضًا أَطِيعُونِي
فَإِنِّي أَعْلَمُ بِعَاقِبَةِ هَذَا منكم»
[ (2) ] .
__________
[ (1) ] الآيات (1- 5) من سورة الأنفال.
[ (2) ] أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد، باب في النفل، الحديث (2737) ، ص
(3: 77) عن وهب بن بقية، عن خَالِدٌ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، وبعده في الحديث رقم (2738) عن زياد بن أيوب، عن هشيم،
عَنْ دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عباس،
(3/135)
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ
الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ بَكَّارِ بْنِ بِلَالٍ، قَالَ: أخبرنا يزيد ابن خَالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ
الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بِهَذَا الْحَدِيثِ بِإِسْنَادِهِ، قَالَ:
«فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم بِالسَّوَاءِ»
وَحَدِيثُ خَالِدٍ أَتَمُّ [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ
السُّلَمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ الْحُسَيْنِ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْفَارِسِيُّ، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ
مَطَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ الذُّهْلِيُّ،
قَالَ:
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ عَبْدِ
اللَّه، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ تَنَفَّلَ سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ يَوْمَ بدر» [ (4) ] .
__________
[ () ] وكذا بعده في الحديث (2739) عن هَارُونُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
بَكَّارِ بْنِ بِلَالٍ، عن يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ موهب الهمداني، عن
يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ دَاوُدَ، بإسناده،
وأخرجه النسائي في التفسير في السنن الكبرى عن الهيثم بن أيوب الطالقاني،
عَنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ.
ونقله الحافظ بن كثير عن أبي داود، والنسائي، وابن حبان، والحاكم من طرق
عَنْ دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عباس، في
البداية والنهاية (3: 302- 303) ، ونقله (أيضا) الصالحي في السيرة الشامية
(4: 89) عَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وأبو داود، والنسائي، وابن حبان، وعبد
الرزاق في مصنفه، وعبد بن حميد، وابن عائذ وابن مردويه، وابن عساكر.
[ (3) ] سنن أبي داود (3: 77) ، ومضى في الحاشية السابقة.
[ (4) ] أخرجه الترمذي في السير، باب في النفل، عَنْ هَنَّادِ بْنِ
السَّرِيِّ، وأخرجه ابن ماجة في الجهاد (باب) السلاح، عن أبي كريب:
مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلَاءِ، عَنْ محمد بن الصلت، كلاهما عَنْ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ.
(3/136)
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه
الْحَافِظُ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الصَّفَّارُ
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ الضَّبِّيُّ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ
أَحْمَدَ الْجُرْجَانِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، قَالَا: أَخْبَرَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ
قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو زُمَيْلٍ وَهُوَ
سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّه بْنُ عَبَّاسٍ،
قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ
بَدْرٍ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
فَلَمَّا أَسَرُوا الْأُسَارَى قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا بَكْرٍ وَعَلِيٌّ وَعُمَرُ مَا تَرَوْنَ فِي
هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى؟
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا نَبِيَّ اللَّه! هُمْ بَنُو الْعَمِّ
وَالْعَشِيرَةِ، أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً فَتَكُونَ لَنَا
قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ، فَعَسَى اللَّه أَنْ يَهْدِيَهُمْ
لِلْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَا ترى يا بن الْخَطَّابِ؟» قُلْتُ: لَا واللَّه يَا رَسُولَ اللَّه مَا
أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنْ أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا
فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ
عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنَنِي مِنْ فُلَانٍ نَسِيبًا لِعُمَرَ فَأَضْرِبَ
عُنُقَهُ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا،
فَهَوِيَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ أَبُو
بَكْرٍ، وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ جِئْتُ
فَإِذَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بكر
قاعدين يَبْكِيَانِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ
شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ؟ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ
وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا؟ فَقَالَ رَسُولُ
اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ
[أَصْحَابُكَ] [ (5) ] مِنْ أَخْذِهِمُ الْفِدَاءَ لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ
عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ- شَجَرَةٌ قَرِيبَةٌ مِنَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ- وَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ
وَجَلَّ: مَا كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ [
(6) ] فِي الْأَرْضِ- إِلَى قَوْلِهِ- فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا
طَيِّباً
__________
[ (5) ] هكذا في (ا) و (ص) و (ح) ، وفي نسخة (هـ) : أصحابي، وما أثبتناه
موافق لما في صحيح مسلم.
[ (6) ] يثخن في الأرض: أي يكثر قهر العدو وقتله.
(3/137)
فَأَحَلَّ اللَّه الْغَنِيمَةَ لَهُمْ» [
(7) ] .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ [ (8) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِيُّ: قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: قَالَ: أَخْبَرَنَا
إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنِ
الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ
عَبْدِ اللَّه [ (9) ] ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ
قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا
تَقُولُونَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّه بْنُ
رَوَاحَةَ: أَنْتَ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْحَطَبِ فَأَضْرِمْ نَارًا ثُمَّ
أَلْقِهِمْ فِيهَا» فَقَالَ الْعَبَّاسُ: قَطَعَ اللَّه رَحِمَكَ، فَقَالَ
عُمَرُ: قَادَتُهُمْ ورؤوسهم [ (10) ] قَاتَلُوكَ وَكَذَّبُوكَ، فَاضْرِبْ
أَعْنَاقَهُمْ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَشِيرَتُكَ وَقَوْمُكَ.
ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَعْضِ
حَاجَتِهِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْقَوْلُ مَا قَالَ عُمَرُ، قَالَ:
فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: مَا
تَقُولُونَ فِي هَؤُلَاءِ؟ إِنَّ مَثَلَ هَؤُلَاءِ كَمَثَلِ أُخْوَةٍ
لَهُمْ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ، قَالَ نُوحٌ: رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى
الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً [ (11) ] .
__________
[ (7) ] الآية الكريمة (67) من سورة الأنفال وما بعدها حتى الآية (69) .
[ (8) ] هو في مسلم جزء من حديث طويل أخرجه في: 32- كتاب الجهاد والسير
(18) باب الإمداد بالملائكة، الحديث (58) ، ص (1383- 1385) عَنْ هَنَّادِ
بْنِ السَّرِيِّ، عن ابن المبارك، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عن سماك،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وأخرجه أبو داود في
الجهاد باب في فداء الأسير بالمال، عَنْ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، عَنِ ابي
نوح، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ.
[ (9) ] هُوَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّه بن مسعود.
[ (10) ] في (أ) و (ص) و (هـ) و (ح) أي: جميع النسخ التي بها هذا النص:
«رسلهم» ، واستهداء بمغازي الواقدي (1: 108) اثبت «رؤوسهم» ، فقد جاء فيه:
«هم رؤوس الكفر، وأئمة الضلالة» .
[ (11) ] الآية الكريمة (26) من سورة نوح.
(3/138)
وَقَالَ مُوسَى: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى
أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ [ (12) ] . الْآيَةَ وَقَالَ
إِبْرَاهِيمُ: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي، وَمَنْ عَصانِي
فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ (13) ] .
وَقَالَ عِيسَى: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ
لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [ (14) ] .
وَأَنْتُمْ قَوْمٌ بِكُمْ عَيْلَةٌ، فَلَا يَنْفَلِتَنَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ
إِلَّا بِفِدَاءٍ أَوْ بِضَرْبَةِ عُنُقٍ، قَالَ عَبْدُ اللَّه: فَقُلْتُ
إِلَّا سُهَيْلَ بْنَ بَيْضَاءَ [ (15) ] فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ، وَقَدْ
سَمِعْتُهُ يَتَكَلَّمُ بِالْإِسْلَامِ فَسَكَتُّ. فَمَا كَانَ يَوْمٌ
أَخْوَفَ عِنْدِي أَنْ تُلْقَى عَلَيَّ حِجَارَةٌ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ
يَوْمِي ذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِلَّا سُهَيْلَ بْنَ بَيْضَاءَ» [ (16) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ وأَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ
الْقَاضِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بن يعقوب،
قالا: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَرْعَرَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَزْهَرُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عِبِيدَةَ، عَنْ
عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ: «إِنْ شِئْتُمْ قَتَلْتُمُوهُمْ وَإِنْ
شِئْتُمْ فَادَيْتُمُوهُمْ وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِالْفِدَاءِ، وَاسْتُشْهِدَ
مِنْكُمْ بِعِدَّتِهِمْ،
وَكَانَ آخِرَ السَّبْعِينَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ قُتِلَ يَوْمَ
__________
[ (12) ] الآية (88) من سورة يونس.
[ (13) ] الآية (36) من سورة إبراهيم.
[ (14) ] الآية (118) من سورة المائدة.
[ (15) ] في مغازي الواقدي (1: 110) : «قال ابن واقد: هذا وهم، سهيل بن
بيضاء من مهاجرة الحبشة ما شهد بدرا، إنما هو أَخٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ سهل»
.
[ (16) ] أخرجه الترمذي في كتاب الجهاد (باب) في المشورة (4: 213) مختصرا،
وكذا في تفسير سورة الأنفال، حديث (3084) ، صفحة (5: 271) كلاهما عن هنّاد،
والحديث في مسند أحمد (1: 383) ، وأخرجه الحاكم في «المستدرك» (3: 22) ،
وقال: «هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي وأضاف: صحيح،
سمعه جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ» .
(3/139)
الْيَمَامَةِ، قَالَ ابْنُ عَرْعَرَةَ:
رَدَدْتُ هَذَا عَلَى أَزْهَرَ فَأَبَى إِلَّا أَنْ يَقُولَ: عَبِيدَةُ
عَنْ عَلِيٍّ.
وَفِي هَذَا إِخْبَارُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم عَنْ حُكْمِ
اللَّه تَعَالَى فِيمَنْ يُسْتَشْهَدُ مِنْهُمْ، فَكَانَ كَمَا قَالَ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ الْعَيْشِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا
سُفْيَانُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي
الْعَنْبَسِ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ جَعَلَ فِدَاءَ أَهْلِ الجاهلية
يوم بدر أَرْبَعَ مِائَةٍ» [ (17) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عبد اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ
أَسْبَاطِ بْنِ نَصْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
السُّدِّيِّ، قَالَ: «كَانَ فِدَاءُ أَهْلِ بَدْرٍ الْعَبَّاسِ وَعَقِيلٍ
ابْنِ أَخِيهِ وَنَوْفَلٍ كُلُّ رجل أربع مائة دينارا» [ (18) ] .
أخبرنا أبو عبد اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ
بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ
عَبْدِ اللَّه بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّه
بْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: إِنِّي قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ نَاسًا مِنْ بَنِي
هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ قَدْ أُخْرِجُوا كُرْهًا لَا حَاجَةَ لَهُمْ
بِقِتَالِنَا، فَمَنْ لَقِيَ مِنْكُمْ أَحَدًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَلَا
يَقْتُلْهُ، وَمَنْ لَقِيَ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ بْنَ هِشَامٍ فَلَا
يَقْتُلْهُ، وَمَنْ لَقِيَ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَا
يَقْتُلْهُ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا أُخْرِجَ مُسْتَكْرَهًا، فَقَالَ أَبُو
حُذَيْفَةَ بن عتبة:
__________
[ (17) ] أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد، باب في فداء الأسير بالمال،
الحديث (2691) ، ص (3:
61- 62) .
[ (18) ] نقله الحافظ بن كثير في التاريخ (3: 200) .
(3/140)
أَتُقْتَلُ آبَاؤُنَا وَإِخْوَانُنَا
وَعَشَائِرُنَا، وَيُتْرَكُ الْعَبَّاسُ، وَاللهِ لَئِنْ لَقِيتُهُ
لَأُلْحِمَنَّهُ بِالسَّيْفِ، فَبَلَغَتْ رَسُولَ اللهِ صلى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: يَا أَبَا حَفْصٍ-
قَالَ عُمَرُ:
رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَإِنَّهُ لَأَوَّلُ يَوْمٍ كَنَّانِي فِيهِ رَسُولُ
اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ: أَيُضْرَبُ وَجْهُ عَمِّ رَسُولِ
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّيْفِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: يَا
رَسُولَ اللَّه ائْذَنْ لِي فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ فو اللَّه لَقَدْ نَافَقَ،
فَكَانَ أَبُو حُذَيْفَةَ يَقُولُ: واللَّه مَا آمَنُ مِنْ تِلْكَ
الْكَلِمَةِ الَّتِي قُلْتُ وَلَا أَزَالُ مِنْهَا خَائِفًا إِلَّا أَنْ
يُكَفِّرَهَا اللَّه تَعَالَى عَنِّي بِشَيْءٍ، فَقُتِلَ يَوْمَ
الْيَمَامَةِ شَهِيدًا» [ (19) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَإِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ لِأَنَّهُ كَانَ
أَكَفَّ الْقَوْمِ عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهُوَ بِمَكَّةَ وَكَانَ لَا يُؤْذِيهِ وَلَا يَبْلُغُهُ عَنْهُ شَيْءٌ
يَكْرَهُهُ ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ امْتِنَاعِهِ مِنَ الْأَسْرِ حَتَّى
قُتِلَ» .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: قَالَ: حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ
بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا أَمْسَى رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ
يَوْمَ بَدْرٍ وَالْأُسَارَى مَحْبُوسُونَ بِالْوَثَاقِ، بَاتَ رَسُولُ
اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ سَاهِرًا أَوَّلَ اللَّيْلِ، فَقَالَ
لَهُ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللَّه! مالك لَا تَنَامُ؟ - وَقَدْ أَسَرَ
الْعَبَّاسَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ- فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَمِعْتُ أَنِينَ عَمِّيَ الْعَبَّاسِ فِي
وَثَاقِهِ، فَأَطْلَقُوهُ فَسَكَتَ فَنَامَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» [ (20) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: «وَكَانَ أَكْثَرُ الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ
فِدَاءً الْعَبَّاسَ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ
رَجُلًا مُوسِرًا فَافْتَدَى نَفْسَهُ بِمِائَةِ أُوقِيَّةِ ذَهَبٍ» [ (21)
] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بن عتاب
العبدي: قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ
__________
[ (19) ] الخبر في سيرة ابن هشام (2: 269- 270) .
[ (20) ] ذكره ابن هشام في السيرة، وعنه وعن المصنف نقله ابن كثير في
التاريخ (3: 299) .
[ (21) ] السيرة الشامية (4: 105) .
(3/141)
الْمُغِيرَةِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ
ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، «أَنَّ رِجَالًا مِنَ
الْأَنْصَارِ اسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ،
فَقَالُوا: ائْذَنْ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّه فَلْنَتْرُكْ لِابْنِ
أُخْتِنَا عَبَّاسٍ فِدَاءَهُ، فَقَالَ: لَا واللَّه لَا تَذَرُونَ
دِرْهَمًا» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ [ (22) ]
.
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: فِي الْإِسْنَادِ الَّذِي ذَكَرْنَا «وَكَانَ
فِدَاؤُهُمْ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً ذَهَبًا وَفُدُوا بعد ما قَدِمَ بِهِمُ
الْمَدِينَةَ وَكَانُوا مُتَفَاضِلِينَ فِي الْفِدَاءِ» .
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ
بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ بِالْإِسْنَادِ الَّذِي ذَكَرَ
لِقِصَةِ بَدْرٍ، وَهُوَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، وَجَمَاعَةٍ سَمَّاهُمْ، فَذَكَرُوا الْقِصَّةَ، وَقَالُوا
فِيهَا: «فَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ فَفَدَى كُلُّ قَوْمٍ أَسِيرَهُمْ بِمَا
رَضُوا، وَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَا رَسُولَ اللَّه
إِنِّي قَدْ كُنْتُ مُسْلِمًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمُ بِإِسْلَامِكَ فَإِنْ يَكُنْ كَمَا تَقُولُ
فَاللهُ يَجْزِيكَ بِذَلِكَ فَأَمَّا ظَاهِرًا مِنْكَ فَكَانَ عَلَيْنَا.
فَافْدِ نَفْسَكَ وَابْنَيْ أَخِيكَ نَوْفَلَ بْنَ الْحَرْثِ بْنِ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ، وَعَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ،
وَحَلِيفَكَ عُتْبَةَ بْنَ عَمْرٍو أَخِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ،
قَالَ مَا [إِخَالُ] [ (23) ] ذَاكَ عِنْدِي يَا رَسُولَ اللَّه، قَالَ:
فَأَيْنَ الْمَالُ الَّذِي دَفَنْتَهُ أَنْتَ وَأُمُّ الْفَضْلِ فَقُلْتَ
لَهَا: إِنْ أُصِبْتُ فِي سَفَرِي هَذَا فَهَذَا الْمَالُ لِبَنِيَّ:
الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ، وَعَبْدِ اللَّه بْنِ الْعَبَّاسِ وَقُثَمِ
بْنِ الْعَبَّاسِ! فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ:
واللَّه يَا رَسُولَ
__________
[ (22) ] أخرجه البخاري في: 49- كتاب العتق (11) باب إذا أسر أخو الرجل أو
عمه. هل يفادى إذا كان مشركا؟، الحديث (2537) ، فتح الباري (5: 167) ،
وأعاده في الجهاد، باب فداء المشركين.
[ (23) ] الزيادة من (ح) فقط، وليست في بقية النسخ.
(3/142)
اللَّه إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ
اللَّه، إِنَّ هَذَا شَيْءٌ مَا عَلِمَهُ أَحَدٌ غَيْرِي، وَغَيْرَ أُمِّ
الْفَضْلِ، فَاحْسُبْ لِي يَا رَسُولَ اللَّه مَا أَصَبْتُمْ مِنِّي
عِشْرِينَ أُوقِيَّةً مِنْ مَالٍ كَانَ مَعِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا، ذَاكَ شَيْءٌ أَعْطَانَاهُ اللَّه
تَعَالَى مِنْكَ، فَفَدَى نَفْسَهُ وَابْنَيْ أَخَوَيْهِ وَحَلِيفَهُ،
وَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ
لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي
قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ (24) ] فَأَعْطَانِي اللَّه مَكَانَ
الْعِشْرِينَ الْأُوقِيَّةِ فِي الْإِسْلَامِ عِشْرِينَ عَبْدًا كُلُّهُمْ
فِي يَدِهِ مَالٌ يَضْرِبُ بِهِ مَعَ مَا أَرْجُو مِنْ مَغْفِرَةِ اللَّه
عَزَّ وَجَلَّ» [ (25) ] .
وَرَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْنَاهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّرَائِفِيُّ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّه بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ
يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا
أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ (26) ]
كَانَ الْعَبَّاسُ أُسِرَ يَوْمَ بدر ففدا نَفْسَهُ بِأَرْبَعِينَ
أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ الْعَبَّاسُ حِينَ نَزَلَتِ هَذِهِ
الْآيَةُ: لَقَدْ أَعْطَانَا اللَّه تَعَالَى خَصْلَتَيْنِ مَا أُحِبُّ
أَنَّ لِي بِهِمَا الدُّنْيَا، أَنِّي أُسِرْتُ يَوْمَ بَدْرٍ فَفَدَيْتُ
نَفْسِي بِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً ذَهَبًا، فَآتَانِي اللَّه أَرْبَعِينَ
عَبْدًا. وَأَنَا أَرْجُو الْمَغْفِرَةَ الَّتِي وَعَدَنَا اللَّه عَزَّ
وَجَلَّ [ (27) ] .
__________
[ (24) ] الْآيَةَ الكريمة (70) من سورة الأنفال.
[ (25) ] البداية والنهاية (3: 299) .
[ (26) ] [الأنفال- 70] .
[ (27) ] البداية والنهاية (3: 299) . سبل الهدى (4: 105) .
(3/143)
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه
الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ
شُعَيْبٍ الْمُعَدِّلُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَسَدُ بْنُ نُوحٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ
عِيسَى النَّوْفَلِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمِّهِ: إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ
اللَّه بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْحَارِثِ بْنِ
نَوْفَلٍ،، قَالَ: «لَمَّا أُسِرَ نَوْفَلُ بْنُ الْحَارِثِ بِبَدْرٍ قَالَ
لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْدِ نَفْسَكَ يَا
نوفل. قال مالي شَيْءٌ أَفْدِي بِهِ نَفْسِي يَا رَسُولُ اللَّه. قَالَ:
افْدِ نَفْسَكَ مِنْ مَالِكَ الَّذِي بِحَرَّةَ، قَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ
رَسُولُ اللَّه فَفَدَى نَفْسَهُ بِهَا فَكَانَتِ الْفُرَّعَ» [ (28) ] .
الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي أَنَّ عَبَّاسًا رَضِيَ اللَّه
عَنْهُ فَدَاهُ.
وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ فَدَى نَفْسَهُ بِالْمَالِ
الَّذِي أَخْبَرَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم.
__________
[ (28) ] طبقات ابن سعد (4: 43) وعنه الصالحي في السيرة الشامية (4: 105)
(3/144)
بَابُ وُقُوعِ الْخَبَرِ بِمَكَّةَ،
وَقُدُومِ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَبَعْدَهُ قُبَاثُ بْنُ أَشْيَمَ بِالْمَدِينَةِ وَمَا فِي
ذَلِكَ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ إِمْلَاءً وَقِرَاءَةً، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: محمد ابن يَعْقُوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُبَيْدِ اللَّه ابن
عَبَّاسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو
رَافِعٍ، قَالَ: «كُنَّا آلَ الْعَبَّاسِ قَدْ دَخَلْنَا الْإِسْلَامَ
وَكُنَّا نَسْتَخْفِي بِإِسْلَامِنَا، وَكُنْتُ غُلَامًا لِلْعَبَّاسِ
أَنْحِتُ [ (1) ] الْأَقْدَاحَ [ (2) ] ، فَلَمَّا سَارَتْ قُرَيْشٌ إِلَى
رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ، جَعَلْنَا
نَتَوَقَّعُ الْأَخْبَارَ، فَقَدِمَ عَلَيْنَا الْحَيْسُمَانُ
الْخُزَاعِيُّ بِالْخَبَرِ، فَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا قُوَّةً
وَسَرَّنَا مَا جَاءَنَا مِنَ الْخَبَرِ مِنْ ظُهُورِ رَسُولِ اللَّه
صَلَّى اللَّه عليه وسلم، فو اللَّه إِنِّي لَجَالِسٌ فِي صُفَّةِ زَمْزَمَ
أَنْحِتُ أَقْدَاحًا وَعِنْدِي أُمُّ الْفَضْلِ جَالِسَةً وَقَدْ سَرَّنَا
مَا جَاءَنَا مِنَ الْخَبَرِ وَبَلَغَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ أَقْبَلَ الْخَبِيثُ: أَبُو لَهَبٍ
بِشَرٍّ يَجُرُّ رِجْلَيْهِ وَقَدْ كَبَتَهُ اللَّه تَعَالَى وَأَخْزَاهُ
لِمَا جَاءَهُ مِنَ الْخَبَرِ حَتَّى جَلَسَ عَلَى طُنُبِ الْحُجْرَةِ [
(3) ] وَقَالَ لَهُ النَّاسُ: هَذَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ قَدْ
قَدِمَ وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، فقال له ابو
__________
[ (1) ] (أنحت) : أي انجرها- من باب ضرب-.
[ (2) ] الأقداح: جمع قدح.
[ (3) ] (طنب الحجرة) طرفها، وطنب الخباء: حباله التي يشد بها.
(3/145)
لَهَبٍ: هَلُمَّ إِلَيَّ يَا بن أَخِي
فَعِنْدَكَ لَعَمْرِيَ الْخَبَرُ، فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ بَيْنَ يديه،
فقال: يا بن أَخِي أَخْبِرْنِي خَبَرَ النَّاسِ، قَالَ: نَعَمْ واللَّه مَا
هُوَ إِلَّا أَنْ لَقِينَا الْقَوْمَ فَمَنَحْنَاهُمْ أَكْتَافَنَا
يَضَعُونَ السِّلَاحَ مِنَّا حَيْثُ شَاءُوا وو اللَّه مَعَ ذَلِكَ مَا
لُمْتُ النَّاسَ.
لَقِينَا رِجَالًا بِيضًا عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ،، لَا واللَّه مَا تُلِيقُ
شَيْئًا [ (4) ] ، يَقُولُ: مَا تُبْقِي شَيْئًا، قَالَ: فَرَفَعْتُ طُنُبَ
الْحُجْرَةِ فَقُلْتُ تِلْكَ واللَّه الْمَلَائِكَةُ قَالَ فَيَرْفَعُ
أَبُو لَهَبٍ يَدَهُ فَضَرَبَ وَجْهِي ضَرْبَةً مُنْكَرَةً وَثَاوَرْتُهُ [
(5) ] وَكُنْتُ رَجُلًا ضَعِيفًا فَاحْتَمَلَنِي فَضَرَبَ بِيَ الْأَرْضَ.
وَبَرَكَ عَلَى صَدْرِي يَضْرِبُنِي وَتَقُومُ أُمُّ الْفَضْلِ إِلَى
عَامُودٍ مِنْ عُمُدِ الْحُجْرَةِ فَتَأْخُذُهُ وَتَقُولُ اسْتَضْعَفْتَهُ
أَنْ غَابَ عَنْهُ سَيِّدُهُ وَتَضْرِبُهُ بِالْعَمُودِ عَلَى رَأْسِهِ
فَتَفْلِقُهُ شَجَّةً مُنْكَرَةً فَقَامَ يَجُرُّ رِجْلَيْهِ ذَلِيلًا
وَرَمَاهُ اللَّه بعدسة [ (6) ] فو اللَّه مَا مَكَثَ إِلَّا سَبْعًا
حَتَّى مَاتَ فَلَقَدْ تَرَكَهُ ابْنَاهُ فِي بَيْتِهِ ثَلَاثًا ما يدفنانه
حَتَّى أَنْتَنَ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَتَّقِي هَذِهِ الْعَدَسَةَ كَمَا
تَتَّقِي الطَّاعُونَ حَتَّى قَالَ لَهُمَا رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ
وَيْحَكُمَا أَلَا تَسْتَحِيَانِ. إِنَّ أَبَاكُمَا قَدْ أَنْتَنَ فِي
بَيْتِهِ لَا تَدْفِنَانِهِ فَقَالَا إِنَّمَا نَخْشَى عَدْوَى هَذِهِ
الْقُرْحَةِ فَقَالَ انْطَلِقَا فَأَنَا أُعِينُكُمَا عَلَيْهِ فو اللَّه
مَا غَسَّلُوهُ إِلَّا قَذْفًا بِالْمَاءِ عَلَيْهِ مِنْ بَعِيدٍ مَا
يَدْنُونَ مِنْهُ ثُمَّ احْتَمَلُوا إِلَى أَعْلَى مَكَّةَ فَأَسْنَدُوهُ
إِلَى جِدَارٍ ثُمَّ رَضَمُوا عَلَيْهِ الْحِجَارَةَ» [ (7) ] .
وَعَنِ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ
عَبْدِ اللَّه بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا
كَانَتْ لَا تَمُرُّ عَلَى مَكَانِ أَبِي لَهَبٍ هَذَا إِلَّا اسْتَتَرَتْ
بِثَوْبِهَا حَتَّى تجوزه.
__________
[ (4) ] اضطربت العبارة في النسخ كلها: فجاء في (ص) : «لا واللَّه ما تبقي
شَيْئًا يَقُولُ مَا تُبْقِي شيئا» .
وجاء في (هـ) : «لَا واللَّه مَا تُلِيقُ شَيْئًا، يَقُولُ مَا تُبْقِي
شَيْئًا» .
وفي (أ) : تبقي ما لعله يليق شَيْئًا، يَقُولُ: مَا تُبْقِي شيئا.
وفي (ح) : «لا واللَّه تبقي ما لعله تُلِيقُ شَيْئًا يَقُولُ: مَا تبقي
شيئا» .
[ (5) ] (ثاورته) : وأثبته.
[ (6) ] هي قرحة قاتلة كالطاعون.
[ (7) ] سيرة ابن هِشَامٍ (2: 290) .
(3/146)
أخبرنا أبو عبد اللَّه الْحَافِظُ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه
الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُلَاثَةَ مُحَمَّدُ بْنُ
عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ
لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ
عَتَّابٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ
الْمُغِيرَةِ قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى ابن عُقْبَةَ فِي كِتَابِ
الْمَغَازِي، قَالَ: «ولَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ مُقْبِلًا مِنْ بَدْرٍ وَمَعَهُ
الْأَسْرَى والغنائم وقتل اللَّه رؤوس الْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ لَقِيَهُ
النَّاسُ بِالرَّوْحَاءِ فَجَعَلُوا يُهَنِّئُونَهُ وَالْمُسْلِمِينَ
بِالْفَتْحِ وَيَسْأَلُونَهُمْ عَمَّنْ قَتَلُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
فَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ مَا
قَتَلْنَا أَحَدًا بِهِ طَعْمٌ مَا قَتَلْنَا إِلَّا عَجَائِزَ صُلْعًا.
فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَلَمْ يَزَلْ كَالْمُعْرِضِ عَنْهُ فِي بَدْأَتِهِ لَمَّا قَالَ
لِلْأَعْرَابِيِّ مَا قَالَ حِينَ سَمِعَهُ أَفْحَشَ لَهُ حَتَّى صَدَرَ
فَقَالَ لَهُ حَيْثُ سَمِعَهُ يَقُولُ مَا قَتَلْنَا إِلَّا عَجَائِزَ
صُلْعًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أُولَئِكَ يَا بن أَخِي الْمَلَأُ.
وَلَمَّا رَجَعَ فَلُّ الْمُشْرِكِينَ إِلَى مَكَّةَ قَدْ قَتَلَ اللَّه
مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ أَقْبَلَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الْجُمَحِيُّ حَتَّى
جَلَسَ إِلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فِي الْحِجْرِ فَقَالَ صَفْوَانُ
قُبِّحَ لَكَ الْعَيْشُ بَعْدَ قَتْلَى بَدْرٍ. قَالَ أَجَلْ واللَّه مَا
فِي الْعَيْشِ خَيْرٌ بَعْدَهُمْ وَلَوْلَا دَيْنٌ عَلَيَّ لَا أَجِدُ له
قضاء وعيالا لَا أَدَعُ لَهُمْ شَيْئًا لَرَحَلْتُ إِلَى مُحَمَّدٍ
فَقَتَلْتُهُ إِنْ مَلَأْتُ عَيْنَيَّ مِنْهُ فَإِنَّ لِي عِنْدَهُ عِلَّةً
أَعْتَلُّ بِهَا، أَقُولُ قَدِمْتُ عَلَى ابْنِي هَذَا الْأَسِيرِ.
فَفَرِحَ صَفْوَانُ بِقَوْلِهِ وَقَالَ عَلَيَّ دَيْنُكَ وَعِيَالُكَ
أُسْوَةُ عِيَالِي فِي النَّفَقَةِ لَا يَسَعُنِي شَيْءٌ وَيَعْجَزُ
عَنْهُمْ فَحَمَلَهُ صَفْوَانُ وَجَهَّزَهُ وَأَمَرَ بِسَيْفِ عُمَيْرٍ
فَصُقِلَ وَسُمَّ، وَقَالَ عُمَيْرٌ لِصَفْوَانَ: اكْتُمْنِي أَيَّامًا
فَأَقْبَلَ عُمَيْرٌ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَنَزَلَ بِبَابِ
الْمَسْجِدِ وَعَقَلَ رَاحِلَتَهُ وَأَخَذَ السَّيْفَ فَعَمَدَ لِرَسُولِ
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ وَهُوَ فِي نَفَرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ
(3/147)
وَقْعَةِ بَدْرٍ وَيَذْكُرُونَ نِعْمَةَ
اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا فَلَمَّا رَآهُ عُمَرُ مَعَهُ [السَّيْفُ] [
(8) ] فَزِعَ وَقَالَ عِنْدَكُمُ الْكَلْبُ هَذَا عَدُوُّ اللَّه الَّذِي
حَرَّشَ بَيْنَنَا يَوْمَ بَدْرٍ وَحَزَرَنَا لِلْقَوْمِ ثُمَّ
قَامَ عُمَرُ فَدَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ هَذَا عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ قَدْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ
مُتَقَلِّدًا السَّيْفَ وَهُوَ الْفَاجِرُ الْغَادِرُ يَا نَبِيَّ اللَّه
لَا تَأْمَنْهُ عَلَى شَيْءٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه
وَسَلَّمَ أَدْخِلْهُ عَلَيَّ، فَخَرَجَ عُمَرُ فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ
يَدْخُلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ
يَحْتَرِسُوا مِنْ عُمَيْرٍ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِمْ، فَأَقْبَلَ عُمَرُ
وَعُمَيْرٌ حَتَّى دَخَلَا عَلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَمَعَ عُمَيْرٍ سَيْفُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ تَأَخَّرْ عَنْهُ.
فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ عُمَيْرٌ قَالَ أَنْعِمُوا صَبَاحًا- وَهِيَ
تَحِيَّةُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ- فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ أَكْرَمَنَا اللَّه عَنْ تَحِيَّتِكَ وَجَعَلَ
تَحِيَّتَنَا تَحِيَّةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَهِيَ السَّلَامُ. فَقَالَ
عُمَيْرٌ إِنَّ عَهْدَكَ بِهَا لِحَدِيثٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى
اللَّه عليه وسلم قَدْ أَبْدَلَنَا اللَّه خَيْرًا مِنْهَا فَمَا
أَقْدَمَكَ يَا عُمَيْرُ قَالَ قَدِمْتُ عَلَى أَسِيرٍ مِنْ عِنْدِكُمْ
فَفَادُونَا فِي أُسَرَائِنَا فَإِنَّكُمُ الْعَشِيرَةُ وَالْأَهْلُ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَمَا بَالُ
السَّيْفِ فِي عُنُقِكَ؟ قَالَ عُمَيْرٌ قَبَّحَهَا اللَّه مِنْ سُيوفٍ
فَهَلْ أَغْنَتْ عَنَّا شَيْئًا إِنَّمَا نَسِيتُهُ فِي عُنُقِي حِينَ
نَزَلْتُ وَلَعَمْرِي إِنَّ لِي بِهَا عِبْرَةً. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اصْدُقْنِي مَا أَقْدَمَكَ؟ قَالَ مَا
قَدِمْتُ إِلَّا فِي أَسِيرِي. قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه
وسلم. فَمَاذَا شَرَطْتَ لِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فِي الْحِجْرِ
فَفَزِعَ عُمَيْرٌ وَقَالَ مَاذَا شَرَطْتُ لَهُ؟ قَالَ تَحَمَّلْتَ لَهُ
بِقَتْلَى عَلَى أَنْ يَعُولَ بَنِيكَ وَيَقْضِي دَيْنَكَ واللَّه تَعَالَى
حَائِلٌ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ذَلِكَ قَالَ عُمَيْرٌ أَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ
إِلَّا اللَّه وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّه. كُنَّا يَا رَسُولَ
اللَّه نُكَذِّبُكَ بِالْوَحْيِ وَبِمَا يَأْتِيكَ مِنَ السَّمَاءِ وَإِنَّ
هَذَا الْحَدِيثَ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَفْوَانَ فِي الْحِجْرِ كَمَا
قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم لم يَطَّلِعْ عَلَيْهِ
أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرَهُ فَأَخْبَرَكَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِهِ
فَآمَنْتُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَاقَنِي هَذَا
الْمَسَاقَ فَفَرِحَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ حِينَ هَدَاهُ اللَّه تَعَالَى
وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
لَخِنْزِيرٌ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ عُمَيْرٍ حين طلع، ولهو
__________
[ (8) ] الزيادة من (ص) و (أ) و (هـ) ، وساقطة من (هـ) .
(3/148)
الْيَوْمَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ بَعْضِ
وَلَدِي. وَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْلِسْ
يَا عُمَيْرُ نُوَاسِيكَ.
وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: عَلِّمُوا أَخَاكُمُ الْقُرْآنَ وَأَطْلَقَ لَهُ
رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسِيرَهُ فَقَالَ
عُمَيْرٌ:
يَا رَسُولَ اللَّه قَدْ كُنْتُ جَاهِدًا مَا اسْتَطَعْتُ عَلَى إِطْفَاءِ
نُورِ اللَّه تَعَالَى فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَاقَنِي هَذَا
الْمَسَاقَ وَهَدَانِي فَأْذَنْ لِي فَأَلْحَقَ بِقُرَيْشٍ فَأَدْعُوهُمْ
إِلَى اللَّه وَإِلَى الْإِسْلَامِ لَعَلَّ اللَّه تَعَالَى أَنْ
يَهْدِيَهُمْ وَيَسْتَنْقِذَهُمْ مِنَ الْهَلَكَةِ. فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَلَحِقَ بِمَكَّةَ وَجَعَلَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ يَقُولُ لِقُرَيْشٍ
أَبْشِرُوا بِفَتْحٍ يُنْسِيكُمْ وَقْعَةَ بَدْرٍ. وَجَعَلَ يَسْأَلُ كُلَّ
رَاكِبٍ قَدِمَ مِنَ الْمَدِينَةِ هَلْ كَانَ بِهَا مِنْ حَدَثٍ وَكَانَ
يَرْجُو مَا قَالَ لَهُ عُمَيْرٌ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنَ
الْمَدِينَةِ فَسَأَلَهُ صَفْوَانُ عَنْهُ فَقَالَ قَدْ أَسْلَمَ
فَلَعَنَهُ الْمُشْرِكُونَ. وَقَالُوا صَبَأَ وَقَالَ صَفْوَانُ لِلَّهِ
عَلَيَّ أَنْ لَا أَنْفَعَهُ بِنَفْعَةٍ أَبَدًا وَلَا أُكَلِّمُهُ مِنْ
رَأْسِي كَلِمَةً أَبَدًا. وَقَدِمَ عَلَيْهِمْ عُمَيْرٌ فَدَعَاهُمْ إِلَى
الْإِسْلَامِ وَنَصَحَ لَهُمْ جَهْدَهُ فَأَسْلَمَ بَشَرٌ كَثِيرٌ» .
لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ
عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ. قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: «كَانَ
عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ وَكَانَ مِمَّنْ يُؤْذِي
رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ بِمَكَّةَ،
فَلَمَّا أُصِيبَ أَصْحَابُ بَدْرٍ جَلَسَ مَعَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ.
فَذَكَرَ قِصَّةَ عُمَيْرٍ بِمَعْنَى مَا ذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ
يَزِيدُ الْكَلِمَةَ وَيُنْقِصُ الْكَلِمَةَ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. قَالَ
فِي آخِرِهَا: فَلَمَّا قَدِمَ عُمَيْرٌ مَكَّةَ. أَظْهَرَ إِسْلَامَهُ
وَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ نَاسٌ كَثِيرٌ، وَجَعَلَ يُؤْذِي مَنْ فَارَقَ
الْإِسْلَامَ وَكَانَ رَجُلًا شَهْمًا مَنِيعًا» [ (9) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ
بْنُ أَحْمَدَ الْأَصْفَهَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ
الْجَهْمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: أخبرنا
__________
[ (9) ] سيرة ابن هشام (2: 306) .
(3/149)
الْوَاقِدِيُّ قَالَ: قَالُوا وَقَدْ كَانَ
قُبَاثُ بْنُ أَشْيَمَ الْكِنَانِيُّ يَقُولُ: «شَهِدْتُ مَعَ
الْمُشْرِكِينَ بَدْرًا وَإِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى قِلَّةِ أَصْحَابِ
مُحَمَّدٍ [صَلَّى اللَّه عليه وسلم] [ (10) ] فِي عَيْنِي وَكَثْرَةِ مَا
مَعَنَا مِنَ الْخَيْلِ وَالرِّجَالِ، فَانْهَزَمْتُ فِيمَنِ انْهَزَمَ
فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي لَأَنْظُرُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فِي كُلِّ وَجْهٍ،
وَإِنِّي لَأَقُولُ فِي نَفْسِي مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَذَا الْأَمْرِ فَرَّ
مِنْهُ إِلَّا النِّسَاءُ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي قُدُومِهِ مَكَّةَ
وَمُكْثِهِ بِهَا فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ الْخَنْدَقُ قُلْتُ: لَوْ قَدِمْتُ
الْمَدِينَةَ فَنَظَرْتُ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَقَدْ وَقَعَ فِي قَلْبِيَ الْإِسْلَامُ فَقَدَمْتُ
الْمَدِينَةَ فَسَأَلْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالُوا هُوَ ذَاكَ فِي ظِلِّ الْمَسْجِدِ مَعَ مَلَأٍ مِنْ
أَصْحَابِهِ، فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا لَا أَعْرِفُهُ مِنْ بَيْنِهِمْ
فَسَلَّمْتُ فَقَالَ لِي يَا قُبَاثُ بْنَ أَشْيَمَ، أَنْتَ الْقَائِلُ
يَوْمَ بَدْرٍ ومَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَذَا الْأَمْرِ فَرَّ مِنْهُ إِلَّا
النِّسَاءُ؟
فَقُلْتُ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّه وَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ مَا
خَرَجَ مِنِّي إِلَى أَحَدٍ قَطُّ وَمَا تَدَمْدَمْتُ [ (11) ] بِهِ إِلَّا
شَيْئًا حَدَّثْتُ بِهِ نَفْسِي فَلَوْلَا أَنَّكَ نَبِيُّ مَا أَطْلَعَكَ
اللَّه عَلَيْهِ، هَلُمَّ حَتَّى أُبَايِعَكَ، فَعَرَضَ عَلَيَّ الإسلام
فأسلمت» [ (12) ] .
__________
[ (10) ] زيادة ليست في النسخ.
[ (11) ] كذا بالأصل، وفي الواقدي: «وما ترمرمت» ، وترمرم: حرك فاه للكلام.
[ (12) ] الخبر في مغازي الواقدي: (1: 97- 98) .
(3/150)
بَابُ فَضْلِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ
الْمَلَائِكَةِ وَالصَّحَابَةٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ رَحِمَهُ اللهُ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ
الصَّفَّارُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ
زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ معاذ ابن رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ،
وَكَانَ رِفَاعَةُ بَدْرِيًّا، وَكَانَ يَقُولُ لِابْنِهِ: مَا أُحِبُّ
أَنِّي شَهِدْتُ بَدْرًا وَلَمْ أَشْهَدِ الْعَقَبَةَ. قَالَ:
«سَأَلَ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ كَيْفَ أَهْلُ
بَدْرٍ فِيكُمْ؟ قَالَ: خِيَارُنَا، قَالَ:
وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ هُمْ خِيَارُ
الْمَلَائِكَةِ، هُمْ خِيَارُ الْمَلَائِكَةِ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ [ (1)
] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْبِسْطَامِيُّ
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ ابن إِبْرَاهِيمَ
الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ:
أخبرنا إسحاق ابن إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ يَحْيَى
بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ
__________
[ (1) ] الْبُخَارِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ في كتاب المغازي (11)
باب شهود الملائكة بدرا، الحديث (3993) ، فتح الباري (7: 312) ، وأخرجه
البخاري في الحديث الذي قبله، فتح الباري (7: 311) عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ، وبعده عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ.
(3/151)
الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَكَانَ
أَبُوهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَجَدُّهُ مِنْ أَهْلِ الْعَقَبَةَ، قَالَ:
«جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا تَعُدُّونَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْكُمْ؟
قَالَ مِنْ أَفَاضِلِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ
قَالَ: وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ» رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ [ (2) ]
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
مَوْصُولًا، وَأَرْسَلَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه ابن إِدْرِيسَ، قَالَ:
سَمِعْتُ حُصَيْنَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ عَنْ سَعْدِ بْنِ
عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ
رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ، وَالزُّبَيْرَ بْنَ
الْعَوَّامِ، وَالْمِقْدَادَ- وَكُلُّنَا فَارِسٌ- فَقَالَ انْطَلِقُوا
حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنَ
الْمُشْرِكِينَ مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبٍ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، قَالَ
فَأَدْرَكْنَاهَا تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا الْكِتَابَ؟ فَقَالَتْ مَا
مَعِي كِتَابٌ. قَالَ فَأَنَخْنَا بِهَا وَالْتَمَسْنَا فِي رَحْلِهَا
فَلَمْ نَرَ كِتَابًا.
فَقُلْنَا مَا كَذَبَ رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُجَرِّدَنَّكِ. قَالَ فَلَمَّا رَأَتْ
أَنِّي أَهْوَيْتُ إِلَى حُجْزَتِهَا وَهِيَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ
فَأَخْرَجَتْهُ فَانْطَلَقْنَا بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّه قَدْ خَانَ اللَّه
وَرَسُولَهُ فَدَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ واللَّه
مَا بِي أَنْ لَا أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَلَكِنْ أَرَدْتُ
أَنْ تَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّه تَعَالَى بِهَا
عَنْ أَهْلِي وَمَالِي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلَّا لَهُ
هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّه تَعَالَى بِهِ عَنْ
أَهْلِهِ ومَالَهُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَ فَلَا
تَقُولُوا لَهُ إِلَّا خَيْرًا. فَقَالَ عُمَرُ إِنَّهُ خَانَ اللَّه
وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه
صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ: أَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بدر، وما يدريك
__________
[ (2) ] انظر الحاشية السابقة، وفتح الباري (7: 311) .
(3/152)
لَعَلَّ اللَّه قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ
بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمُ الْجَنَّةُ
أَوْ غَفَرْتُ لَكُمْ! قَالَ: فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ رَضِيَ اللَّه
عَنْهُ، وَقَالَ: اللَّه وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، ومُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ [ (3) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ
سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه «أَنَّ عَبْدًا لِحَاطِبِ بْنِ أَبِي
بَلْتَعَةَ جَاءَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْكُو
حَاطِبًا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه لَيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَذَبْتَ لَا
يَدْخُلُهَا فَإِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ» .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (4) ] عَنْ قُتَيْبَةَ.
__________
[ (3) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي (9) بَابُ فَضْلِ مَنْ شَهِدَ
بدرا، الحديث (3983) ، فتح الباري (7: 304- 305) ، وأعاده في الاستئذان باب
(23) عن يوسف بن بهلول، وفي الجهاد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ
حَوْشَبٍ، وفي استتابة المرتدين باب (9) عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ.
وأخرجه مسلم فِي: 44- كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، (36) باب من فضائل
أهل بدر رضي اللَّه عنهم، وقصة حاطب بن أبي بلتعة، الحديث (161) صفحة
(1941- 1942) .
[ (4) ] مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، فِي: 44- كِتَابِ
فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، (36) باب من فضائل اهل بدر، الحديث (162) ص (1942)
.
وأخرجه الترمذي في المناقب، حديث (3864) ، جامع الترمذي (5: 697) ، وقال:
«هذا حديث حسن صَحِيحٌ» .
(3/153)
بَابُ مَا جَاءَ فِي زَيْنَبَ بِنْتِ
رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم امْرَأَةِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ
الرَّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابن عَبْدِ شَمْسٍ وَهِجْرَتِهَا مِنْ
مَكَّةَ إِلَى أَبِيهَا بَعْدَ بَدْرٍ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّه
بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «لَمَّا بَعَثَ
أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ بَعَثَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ
بِمَالٍ وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلَادَةٍ كَانَتْ خَدِيجَةُ أَدْخَلَتْهَا
بِهَا عَلَى أَبِي العاص حين بنا عَلَيْهَا، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ
اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً
وَقَالَ إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا وَتَرُدُّوا
عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا فَافْعَلُوا قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّه
فَأَطْلَقُوهُ وَرَدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا.
وَكَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخَذَ
عَلَيْهِ أَوْ وَعَدَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ أَنْ
يُخَلِّيَ زَيْنَبَ إِلَيْهِ» .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّه بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَالَ: «لَمَّا أَطْلَقَ رَسُولُ
اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ وَكَانَ
فِي الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ بَعَثَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَرَجُلًا
مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: كُونَا بِبَطْنِ يَأْجِجَ [ (1) ] حَتَّى
تَمُرَّ بِكُمَا
__________
[ (1) ] (يأجج) : اسم لمكانين (أحدهما) : على ثمانية أميال من مكة،
(والثاني) : أبعد منه، وفيه بني مسجد الشجرة، وبينه وبين مسجد التنعيم
ميلان.
(3/154)
زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وسلم فَاصْحَبَاهَا حَتَّى تَقْدَمَا بِهَا فَخَرَجَا
بَعْدَ مَخْرَجِ أَبِي الْعَاصِ فَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ كان وَعْدِ رَسُولُ
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا ذَلِكَ» .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَذَلِكَ بَعْدَ بَدْرٍ بِشَهْرٍ. قَالَ عَبْدُ
اللَّه بْنُ أَبِي بَكْرٍ:
فَحُدِّثْتُ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وسلم أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو الْعَاصِ مَكَّةَ قَالَ لِي
تَجَهَّزِي فَالْحَقِي بِأَبِيكِ فَخَرَجْتُ أَتَجَهَّزُ فَلَقِيَتْنِي
هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ فَقَالَتْ يَا بِنْتَ مُحَمَّدٍ أَلَمْ يَبْلُغْنِي
أَنَّكِ تُرِيدِينَ اللُّحُوقَ بِأَبِيكِ فَقُلْتُ لَهَا مَا أَرَدْتُ
ذَلِكَ. فَقَالَتْ لَهَا أَيْ بِنْتَ عَمٍّ لَا تَفْعَلِي، إِنِّي
امْرَأَةٌ مُوسِرَةٌ وَعِنْدِي سِلَعٌ مِنْ حَاجَتِكِ فَإِنْ أَرَدْتِ
سِلْعَةً بِعْتُكِهَا أَوْ قَرْضًا مِنْ نَفَقَةٍ أَقْرَضْتُكِ فَإِنَّهُ
لَا يَدْخُلُ بَيْنَ النِّسَاءِ مَا بَيْنَ الرِّجَالِ.
قَالَتْ: فو اللَّه مَا أُرَاهَا قَالَتْ ذَلِكَ إِلَّا لِتَفْعَلَ
فَخِفْتُهَا فَكَتَمْتُهَا، وَقُلْتُ: مَا أُرِيدُ ذَلِكَ، فَلَمَّا
فَرَغَتْ زَيْنَبُ مِنْ جِهَازِهَا ارْتَحَلَتْ، وَخَرَجَ بِهَا حَمُوهَا
يَقُودُ بِهَا نَهَارًا: كِنَانَةُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَتَسَامَعَ بِذَلِكَ
أَهْلُ مَكَّةَ وَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا هَبَّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ،
وَنَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْقَيْسِ الْفِهْرِيُّ وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَبَقَ
إِلَيْهَا هَبَّارٌ، فَرَوَّعَهَا بِالرُّمْحِ وَهِيَ فِي هَوْدَجِهَا
وَبَرَكَ [حَمُوهَا] كِنَانَةُ، وَنَثَرَ نَبْلَهُ ثُمَّ أَخَذَ قَوْسَهُ
وَقَالَ:
واللَّه لَا يَدْنُو مِنِّي رَجُلٌ إِلَّا وَضَعْتُ فِيهِ سَهْمًا.
وَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ فَقَالَ يَا هَذَا
أَمْسِكْ عَنَّا نَبْلَكَ حَتَّى نُكَلِّمَكَ فَوَقَفَ عَلَيْهِ أَبُو
سُفْيَانَ وَقَالَ إِنَّكَ لَمْ تَصْنَعْ شَيْئًا خَرَجْتَ بِالْمَرْأَةِ
عَلَى رؤوس النَّاسِ وَقَدْ عَرَفْتَ مُصِيبَتَنَا الَّتِي أَصَابَتْنَا
بِبَدْرٍ فَتَظُنُّ الْعَرَبُ وَتَتَحَدَّثُ أَنَّ هَذَا وَهْنٌ مِنَّا
وَضَعْفٌ خُرُوجَكَ إليه بابنته على رؤوس النَّاسِ مِنْ بَيْنِ
أَظْهُرِنَا. ارْجِعْ بِالْمَرْأَةِ فَأَقِمْ بِهَا أَيَّامًا ثُمَّ
سُلَّهَا سَلًّا رَفِيقًا فِي اللَّيْلِ فَأَلْحِقْهَا بِأَبِيهَا
فَلَعَمْرِي مَا لَنَا بِحَبْسِهَا عَنْ أَبِيهَا حَاجَةٌ وَمَا لَنَا فِي
ذَلِكَ الآن مِنْ ثُؤْرَةٍ فِيمَا أَصَابَ مِنَّا.
فَفَعَلَ فَلَمَّا مَرَّ بِهِ يَوْمَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ سَلَّهَا
فَانْطَلَقَتْ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا أَنَّهَا قَدْ كَانَتْ أَلْقَتْ-
لِلرَّوْعَةِ الَّتِي أَصَابَتْهَا حِينَ روعها هبّار بن أُمِّ
(3/155)
دِرْهَمٍ- مَا فِي بَطْنِهَا» [ (2) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الْعَلَّافُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ،
قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ، قَالَ:
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ،
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ
خَرَجَتِ ابْنَتُهُ زَيْنَبُ مِنْ مَكَّةَ مَعَ كِنَانَةَ أَوِ ابْنِ
كِنَانَةَ فَخَرَجُوا فِي إِثْرِهَا، فَأَدْرَكَهَا هَبَّارُ بْنُ
الْأَسْوَدِ فَلَمْ يَزَلْ يَطْعَنُ بَعِيرَهَا بِرُمْحِهِ حَتَّى
صَرَعَهَا، وَأَلْقَتْ مَا فِي بَطْنِهَا، وَأُهْرِيقَتْ دَمًا،
فَتَحَمَّلَتْ فَاشْتَجَرَ فِيهَا بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو أُمَيَّةَ:
فَقَالَتْ بَنُو أُمَيَّةَ: نَحْنُ أَحَقُّ بِهَا وَكَانَتْ تَحْتَ أَبِي
الْعَاصِ، وَكَانَتْ عِنْدَ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ،
وَكَانَتْ تَقُولُ لَهَا هِنْدُ هَذَا فِي سَبَبِ أَبِيكِ. قَالَتْ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ:
أَلَا تَنْطَلِقُ فَتَجِيءَ بِزَيْنَبَ؟ فَقَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ
اللَّه، قَالَ: فَخُذْ خَاتَمِي فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ، فَانْطَلَقَ زَيْدٌ
فَلَمْ يَزَلْ يَتَلَطَّفُ حَتَّى لَقِيَ رَاعِيًا، فَقَالَ: لِمَنْ
تَرْعَى؟ قَالَ: لِأَبِي الْعَاصِ، قَالَ: فَلِمَنْ هَذِهِ الْغَنَمُ؟
قَالَ لِزَيْنَبَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ، فَسَارَ مَعَهُ شَيْئًا. ثُمَّ قَالَ:
هَلْ لَكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ شَيْئًا تُعْطِهَا إِيَّاهُ وَلَا تَذْكُرْهُ
لِأَحَدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَعْطَاهُ الْخَاتَمَ وَانْطَلَقَ الرَّاعِي،
فَأَدْخَلَ غَنَمَهُ وَأَعْطَاهَا الْخَاتَمَ فَعَرَفَتْهُ، فَقَالَتْ:
مَنْ أَعْطَاكَ هَذَا؟ قَالَ: رَجُلٌ، قَالَتْ: وَأَيْنَ تَرَكْتَهُ؟ قَالَ
بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فَسَكَتَتْ حَتَّى إِذَا كَانَ اللَّيْلُ
خَرَجَتْ إِلَيْهِ فَلَمَّا جَاءَتْهُ قَالَ لَهَا: ارْكَبِي بَيْنَ
يَدَيَّ عَلَى بَعِيرِهِ، فَقَالَتْ: لَا وَلَكِنِ ارْكَبْ أَنْتَ بَيْنَ
يَدَيَّ، فَرَكِبَ وَرَكِبَتْ وَرَاءَهُ، حَتَّى أَتَتِ الْمَدِينَةَ،
فَكَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: هِيَ
أَفْضَلُ بَنَاتِي أُصِيبَتْ فِيَّ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيَّ بْنَ حُسَيْنِ
[بْنِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ] ، فَانْطَلَقَ إِلَى عُرْوَةَ فَقَالَ: مَا
حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ تَنْتَقِصُ فِيهِ فَاطِمَةَ؟
فَقَالَ عُرْوَةُ: واللَّه مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي ما بين
__________
[ (2) ] سيرة ابن هشام (2: 298- 299) .
(3/156)
الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَإِنِّي
أَنْتَقِصُ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ حَقًّا هُوَ لَهَا، وَأَمَّا
بَعْدُ فَلَكَ أَنْ لَا أُحَدِّثَهُ أبدا» [ (3) ] .
__________
[ (3) ] نقله ابن كثير في التاريخ (3: 330- 331) ، وأضاف إليه قصيدة ابي
خيثمة في هجرة زينب:
أتاني الذي لا يقدر النّاس قدره ... لزينب فيهم من عقوق ومأثم
وإخراجها لم يخز فيها محمّد ... على مأقط وبيننا عطر منشم
وأمسى أبو سفيان من حلف ضمضم ... ومن حربنا في رغم أنف ومندم
قرنّا ابنه عمرا ومولى يمينه ... بذي حلق جلد الصّلاصل محكم
فأقسمت لا تنفكّ منّا كتائب ... سراة خميس في لهام مسوّم
نروع قريش الكفر حتّى نعلّها ... بخاطمة فوق الأنوف بميسم
ننزّلهم أكناف نجد ونخلة ... وإن يتهموا بالخيل والرّجل نتهم
يد الدّهر حتّى لا يعوّج سربنا ... ونلحقهم آثار عاد وجرهم
ويندم قوم لم يطيعوا محمّدا ... على أمرهم وأيّ حين تندّم
فأبلغ أبا سفيان إمّا لقيته ... لئن أنت لم تخلص سجودا وتسلم
فابشر بخزي في الحياة معجّل ... وسربال قار خالدا في جهنّم
(3/157)
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَزَوُّجِهِ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
ثُمَّ بِزَيْنَبَ بِنْتِ خُزَيْمَةَ وَتَزْوِيجِهِ ابْنَتَهُ أُمَّ
كُلْثُومٍ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بَعْدَ وَفَاةِ ابْنَتِهِ
رُقَيَّةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ
بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحِ
بْنِ كَيْسَانَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ
عَبْدِ اللَّه أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّه بْنَ عُمَرَ يُحَدِّثُ أَنَّ
عُمَرَ ابن الْخَطَّابٍ- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- حِينَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ
بِنْتُ عُمَرَ مِنْ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ وَكَانَ مِنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتُوُفِّيَ
بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ عُمَرُ «أَتَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ
فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ، قَالَ: فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ
أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ، فَقَالَ: سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي فَلَبِثْتُ
لَيَالِيَ، ثُمَّ لَقِيَنِي فَقَالَ:
قَدْ بَدَا لِي أَنْ لَا أَتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا.
قَالَ عُمَرُ: فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ فَقُلْتُ إِنْ شِئْتَ
زَوَّجْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ. فَصَمَتَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ
يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا فَكُنْتُ عَلَيْهِ أَوْجَدَ مِنِّي عَلَى
عُثْمَانَ، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ، فَلَقِيَنِي أَبُو
بَكْرٍ فَقَالَ:
لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ
أَرْجِعْ إِلَيْكَ شَيْئًا؟ قَالَ عُمَرُ:
قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ
فِيمَا عَرَضْتَ عَلَيَّ إِلَّا أَنِّي كُنْتُ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ
اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ قَدْ ذَكَرَهَا. فَلَمْ أَكُنْ
لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ
تَرَكَهَا رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ قَبِلْتُهَا» .
(3/158)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [
(1) ] عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّه، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
سَعْدٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عَبْدِ اللَّه الصَّفَّارُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ
الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّه بْنُ مُوسَى، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ ابن الطُّفَيْلِ، قَالَ: حَدَّثَنِي رِبْعِيُّ بْنُ
حِرَاشٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ «أَنَّهُ خَطَبَ إِلَى عُمَرَ
ابْنَتَهُ فَرَدَّهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَنْ رَاحَ إِلَيْهِ عُمَرُ قَالَ يَا عُمَرُ أَدُلُّكَ
عَلَى خَتَنٍ خَيْرٍ لَكَ مِنْ عُثْمَانَ وَأَدُلُّ عُثْمَانَ عَلَى خَتَنٍ
خَيْرٍ لَهُ مِنْكَ؟ قَالَ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّه قَالَ: زَوِّجْنِي
ابْنَتَكَ وَأُزَوِّجُ عُثْمَانَ ابْنَتِي.
قُلْتُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَطَبَهَا عُثْمَانُ عَلَى مَا فِي هَذِهِ
الرِّوَايَةِ فَرَدَّهُ عُمَرُ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَعَرَضَهَا عَلَيْهِ،
فَقَالَ: سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي ثُمَّ حِينَ أَحَسَّ بِمَا يُرِيدُ
رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ أَنْ يَفْعَلَ قَالَ مَا قَالَ»
واللَّه أَعْلَمُ وَكُلُّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ بَدْرٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ
بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ:
«ثُمَّ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ
حَفْصَةَ زَيْنَبَ بِنْتَ خُزَيْمَةَ الْهِلَالِيَّةَ أُمَّ الْمَسَاكِينِ
وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ الْحُصَيْنِ بْنِ الْحَارِثِ أَوْ عِنْدَ
أَخِيهِ الطُّفَيْلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ
مَنَافٍ فَمَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ أَوَّلُ نِسَائِهِ مَوْتًا لَمْ يُصِبْ
رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ مِنْهَا وَلَدًا» [ (2) ] .
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه بْنُ مَنْدَهْ كَانَتْ تَحْتَ عُبَيْدَةَ بْنِ
الْحَارِثِ.
وَرُوِّينَا عَنِ الزُّهْرِيِّ «أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ اللَّه
بْنِ جحش وَقُتِلَ عَنْهَا يَوْمَ أُحُدٍ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ وَرَسُولُ
اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ لَمْ تَلْبَثْ مَعَهُ إِلَّا
يَسِيرًا» .
__________
[ (1) ] البخاري عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّه فِي: 67-
كِتَابِ النكاح، (33) باب عرض الإنسان ابنته او أخته على أهل الخير، الحديث
(5122) ، فتح الباري (9: 175- 176) .
[ (2) ] سيرة ابن هِشَامٍ (4: 255) .
(3/159)
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَزْوِيجِ فَاطِمَةَ
بِنْتِ رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ
قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّه بن أبي نجيح عن مجاهد عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ
اللَّه عَنْهُ قَالَ: «خُطِبَتْ فَاطِمَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ لِي مَوْلَاةٌ لِي: هَلْ عَلِمْتَ
أَنَّ فَاطِمَةَ قَدْ خُطِبَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ لَا. قَالَتْ فَقَدْ خُطِبَتْ فَمَا يَمْنَعُكَ
أَنْ تَأْتِيَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَيُزَوِّجَكَ فَقُلْتُ وَعِنْدِي شَيْءٌ أَتَزَوَّجُ بِهِ؟ فَقَالَتْ
إِنِّكَ إِنْ جِئْتَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم زوجك فو
اللَّه مَا زَالَتْ تُرَجِّينِي حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم وَكَانَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَالَةٌ وَهَيْبَةٌ فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ يديه
أفحمت فو اللَّه مَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا جَاءَ بِكَ أَلَكَ حَاجَةٌ؟
فَسَكَتُّ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ. أَلَكَ حَاجَةٌ؟ فَسَكَتُّ، فَقَالَ:
لَعَلَّكَ جِئْتَ تَخْطُبُ فَاطِمَةَ، فَقُلْتُ:
نَعَمْ. فَقَالَ وَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تَسْتَحِلُّهَا بِهِ؟
فَقُلْتُ: لَا، واللَّه يَا رَسُولَ اللَّه.
فَقَالَ: مَا فَعَلَتْ دِرْعٌ سلّحتكها- فو الذي نَفْسُ عَلِيٍّ بِيَدِهِ
إِنَّهَا لَحُطَمِيَّةٌ مَا ثَمَنُهَا أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ- فَقُلْتُ
عِنْدِي فَقَالَ قَدْ زَوَّجْتُكَهَا فَابْعَثْ إِلَيْهَا بِهَا
فَاسْتَحِلَّهَا بِهَا. فَإِنْ كَانَتْ لَصَدَاقُ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ
اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم» [ (3) ] .
__________
[ (3) ] البداية والنهاية (3: 346) .
(3/160)
قَالَ يُونُسُ: سَمِعْتُ ابْنَ إِسْحَاقَ،
يَقُولُ: «فَوَلَدَتْ فَاطِمَةُ لِعَلِيٍّ حَسَنًا وَحُسَيْنًا
وَمُحَسَّنًا فَذَهَبَ مُحَسَّنٌ صَغِيرًا وَوَلَدَتْ لَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ
وَزَيْنَبَ» .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الطَّالْقَانِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا تَزَوَّجَ عَلِيٌّ
فَاطِمَةَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَعْطِهَا شَيْئًا. قَالَ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ، قَالَ: أَيْنَ دِرْعُكَ
الْحُطَمِيَّةُ» [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ
الْبَصْرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الْوَهَّابِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ:
أَخْبَرَنَا زَائِدَةُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «جَهَّزَ رَسُولُ اللهِ صلى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ فِي خَمِيلٍ [ (5) ] ، وَقِرْبَةٍ، وَوِسَادَةِ أَدَمٍ
[ (6) ] حشوها إذخر» [ (7) ] .
__________
[ (4) ] أبو داود في كتاب النكاح، باب في الرجل يدخل بامرأته قبل ان ينقدها
شيئا.
وأخرج ابن سعد في الطبقات (8: 20) عن عكرمة أن عليا خطب فاطمة فَقَالَ لَهُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا تصدقها» ؟ قال: ما عندي
ما أصدقها. قال:
«فأين درعك الحطمية التي كنت منحتك» ؟ قال: عندي. قال «أصدقها إياها» .
قال: فأصدقها وتزوجها.
قال عكرمة: كان ثمنها أربعة دراهم.
وعن عكرمة قال: أمهر عليّ فاطمة بدنا قيمته أربعة دراهم.
وعن عكرمة قال: تزوجت فاطمة على بدن من حديد.
وعن عكرمة أنّ عليا لما تزوج فاطمة فأراد أن يبني بها، قَالَ لَهُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَدِمَ شيئا» قال: ما أجد
شيئا. قال «فأين درعك الحطمية» ؟.
[ (5) ] الخميل: القطيفة.
[ (6) ] الأدم: الجلد.
[ (7) ] الإذخر: حشيشة رطبة طيبة الرائحة، والحديث أخرجه الإمام أحمد في
مسنده (1: 14) ، واسناده صحيح.
(3/161)
وَذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّه مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْدَهِ الْأَصْبَهَانِيُّ- رَحِمَهُ اللَّه- فِي
كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ «أَنَّ عَلِيًّا تَزَوَّجَ فَاطِمَةَ بِالْمَدِينَةِ
بَعْدَ سَنَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَابْتَنَى بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِنَحْوٍ
مِنْ سَنَةٍ وَوَلَدَتْ لِعَلِيٍّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَمُحَسَّنًا
وَأُمَّ كُلْثُومٍ الْكُبْرَى وَزَيْنَبَ الكبرى» [ (8) ] .
__________
[ (8) ] نقله ابن كثير في التاريخ (3: 347) .
(3/162)
بَابُ خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْجِعَهُ مِنْ بَدْرٍ بِسَبْعِ لَيَالٍ يُرِيدُ بَنِي
سُلَيْمٍ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، قَالَ: «ولَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ مَرْجِعَهُ مِنْ بَدْرٍ وَكَانَ فَرَاغُهُ مِنْهَا
فِي عَقِبِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَفِي أَوَّلِ شَوَّالٍ فَلَمْ يَقُمْ
بِالْمَدِينَةِ إِلَّا سَبْعَ لَيَالٍ، حَتَّى غَزَا بِنَفْسِهِ يُرِيدُ
بَنِي سُلَيْمٍ، حَتَّى بَلَغَ مَاءً مِنْ مِيَاهِهِمْ يُقَالُ لَهُ:
الْكُدْرُ [ (9) ] ، فَأَقَامَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، ثُمَّ رَجَعَ
إِلَى الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا، فَأَقَامَ بِهَا بَقِيَّةَ
شَوَّالٍ، وَذَا الْقَعْدَةِ، وَفَادَى فِي إِقَامَتِهِ تِلْكَ. جُلَّ
أُسَارَى بَدْرٍ مِنْ قريش» [ (10) ] .
__________
[ (9) ] الكدر- بضم الكاف وسكون الدال المهملة- قال ياقوت: «وقال الواقدي:
بناحية المعدن قريب من الأرحضية بينها وبين المدينة ثمانية برد فقال غيره:
ماء لبني سليم، وَكَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
خَرَجَ إليها بجمع من سليم، فلما أتاه وجد الحي خلوفا، فاستاق النعم، ولم
يلق كيدا، وقال عرام: في حزم بني عوال مياه آبار منها بئر الكدر، وغزا
النبي صلى اللَّه عليه وسلم بني سهم بالكدر في حادي عشر المحرم سنة ثلاث من
الهجرة، وقال كثير:
سقى الكدر فاللّعباء فالبرق فالحمى ... فلوذ الحصى من تغلمين فأظلما
اهـ كلام ياقوت بحروفه.
[ (10) ] الخبر رواه ابن هشام في السيرة (2: 421- 422) .
(3/163)
|