دلائل
النبوة للبيهقي محققا بَابُ غَزْوَةِ قُرَيْشٍ وَبَنِي سُلَيْمٍ
بِبَحْرَانَ [ (4) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ
قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا
يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمَّارٌ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا سَلَمَةُ أَبُو الْفَضْلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ،
قَالَ: «ثُمَّ غَزَا يُرِيدُ قُرَيْشًا وَبَنِي سُلَيْمٍ حَتَّى بَلَغَ
بَحْرَانَ [ (5) ] مَعْدِنًا بِالْحِجَازِ مِنْ نَاحِيَةِ الْفُرْعِ
فَأَقَامَ بِهَا شَهْرَ رَبِيعٍ الْآخَرِ وَجُمَادَى الْأُولَى. ثُمَّ
رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا وَكَانَ فِيمَا بَيْنَ
ذَلِكَ مِنْ غَزَوَاتِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَمْرُ بَنِي قَيْنُقَاعَ [ (6) ] .
قُلْتُ: وَفِيمَا ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ غَيْبَتَهُ فِي هَذِهِ
الْغَزْوَةِ يُرِيدُ بَحْرَانَ كَانَتْ عَشْرَ لَيَالٍ وَأَنَّهُ
اسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمِّ مكتوم [ (7) ] .
__________
[ (4) ] انظر في هذه الغزوة: سيرة ابن هشام (2: 425) ، ومغازي الواقدي (1:
196) ، وابن سعد (2: 35) ، وتاريخ الطبري (2: 487) ، وابن حزم (153) ،
وعيون الأثر (1: 363) ، وتاريخ ابن كثير (4: 3) ، والنويري (17: 79) ،
والسيرة الحلبية (2: 280) .
[ (5) ] بحران: موضع بين الفرع والمدينة.
[ (6) ] الخبر رواه ابن هشام في السيرة (2: 425- 426) .
[ (7) ] الخبر في مغازي الواقدي (1: 197) .
(3/172)
بَابُ غَزْوَةِ بَنِي قَيْنُقَاعَ [ (1) ]
قَدْ ذَكَرْنَا عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [ (2) ] أَنَّهَا كَانَتْ بَيْنَ مَا
ذَكَرْنَا مِنَ الْغَزَوَاتِ، وَزَعَمَ الْوَاقِدِيُّ [ (3) ] أَنَّهَا
كَانَتْ يَوْمَ السَّبْتِ لِلنِّصْفِ مِنْ شَوَّالٍ عَلَى رَأْسِ عِشْرِينَ
شَهْرًا مِنَ الْهِجْرَةِ. حَاصَرَهُمْ إِلَى هِلَالِ ذِي الْقَعْدَةِ
واللَّه أَعْلَمُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى
زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَوْ عِكْرِمَةَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «لَمَّا أَصَابَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى
اللَّه عليه وَسَلَّمَ قُرَيْشًا يَوْمَ بَدْرٍ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ
جَمَعَ يَهُودَ فِي سُوقِ قَيْنُقَاعَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ
أَسْلِمُوا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَكُمْ بِمِثْلِ مَا أَصَابَ قُرَيْشًا.
فَقَالُوا يَا مُحَمَّدُ لَا يَغُرَّنَّكَ مِنْ نَفْسِكَ أَنَّكَ قَتَلْتَ
نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ
كَانُوا أَغْمَارًا لَا يَعْرِفُونَ الْقِتَالَ إِنَّكَ لَوْ قَاتَلْتَنَا
لَعَرَفْتَ أَنَّا نَحْنُ النَّاسُ وَأَنَّكَ
__________
[ (1) ] في غزوة بني قينقاع انظر: ابن هشام (2: 426) ، وابن سعد (2: 28) ،
والطبري (2:
479) ، ومغازي الواقدي (1: 176) ، وابن حزم (154) ، وعيون الأثر (2: 352) ،
وتاريخ ابن كثير (4: 5) ، والنويري (17: 67) ، والسيرة الحلبية (2: 272) ،
والسيرة الشامية (4:
265) .
[ (2) ] في سيرة ابن هشام (2: 426) .
[ (3) ] في مغازي الواقدي (1: 176) .
(3/173)
لَنْ تَلْقَ مِثْلَنَا فَأَنْزَلَ اللَّه
عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا
سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ. قَدْ كانَ
لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا، فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَدْرٍ
وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ إِلَى
قَوْلِهِ: لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ [ (4) ] .
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ
بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ «أَنَّ بَنِيَ قَيْنُقَاعَ كَانُوا أَوَّلَ
يَهُودَ نَقَضُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم وَحَارَبُوا مِنْهَا بَيْنَ بَدْرٍ وَأُحُدٍ. فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ
فَقَامَ عَبْدُ اللَّه بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ إِلَى رَسُولِ اللَّه
صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَمْكَنَهُ اللَّه تَعَالَى مِنْهُمْ
فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَحْسِنْ فِي مَوَالِيَّ- وَكَانُوا حُلَفَاءَ
الْخَزْرَجِ- فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَحْسِنْ فِي مَوَالِيَّ فَأَعْرَضَ
عَنْهُ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَيْبِ دِرْعِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظِلَالٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَرْسِلْنِي وغضب حتى رؤي لِوَجْهِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظِلَالٌ فَقَالَ لَهُ وَيْحَكَ أَرْسِلْنِي. فَقَالَ
واللَّه لَا أُرْسِلُكَ حَتَّى تُحْسِنَ فِي مَوَالِيَّ أَرْبَعُمِائَةِ
حَاسِرٍ وَثَلَاثُمِائَةِ دَارِعٍ مَنْ مَنَعُونِي مِنَ الْأَحْمَرِ
وَالْأَسْوَدِ تَحْصُدُهُمْ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ إِي واللَّه إِنِّي
لَامْرُؤٌ أَخْشَى الدَّوَائِرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمْ لَكَ» [ (5) ] .
وَعَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ
عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ:
«لَمَّا حَارَبَتْ بَنُو قَيْنُقَاعَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشَبَّثَ بِأَمْرِهِمْ [ (6) ] عَبْدُ اللَّه بْنُ
أُبَيٍّ وَقَامَ دُونَهُمْ فَمَشَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ إِلَى
رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ أَحَدَ بَنِي عَوْفِ
بْنِ الْخَزْرَجِ لَهُمْ مِنْ حِلْفِهِمْ مِثْلُ الَّذِي لَهُمْ مِنْ
حِلْفِ عَبْدِ اللَّه بن أبي، فخلعهم إلى
__________
[ (4) ] الآيتان الكريمتان (12- 13) من سورة آل عمران، ووقع في (ص) : لأولي
الألباب، وهو من الناسخ، الخبر رواه ابن هشام في السيرة (2: 426) .
[ (5) ] الخبر في سيرة ابن هشام (2: 427- 428) .
[ (6) ] تشبث بأمرهم: تمسك به.
(3/174)
رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَتَبَرَّأَ إِلَى اللَّه وَإِلَى رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم مِنْ حِلْفِهِمْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه أَتَبَرَّأُ إِلَى
اللَّه وَإِلَى رَسُولِهِ مِنْ حِلْفِهِمْ، وَأَتَوَلَّى اللَّه
وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَأَبْرَأُ مِنْ حِلْفِ الْكُفَّارِ
وَوِلَايَتِهِمْ، فَفِيهِ وَفِي عَبْدِ اللَّه بْنِ أُبَيٍّ نَزَلَتِ
الْآيَاتُ فِي الْمَائِدَةِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ
بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ- إِلَى قَوْلِهِ-
فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يعني عبد اللَّه ابن أُبَيٍّ
لِقَوْلِهِ إِنِّي أَخْشَى الدَّوَائِرَ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ
نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ- حَتَّى بَلَغَ قَوْلَهُ- إِنَّما
وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا لِقَوْلِ عُبَادَةَ
أَتَوَلَّى اللَّه وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَتَبَرِّيهِ مِنْ
بَنِي قَيْنُقَاعَ وَحِلْفِهِمْ وَوِلَايَتِهِمْ إِلَى قَوْلِهِ:
وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ
اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ [ (7) ] .
__________
[ (7) ] الآيات من (51- 56) من سورة المائدة، والخبر رواه ابن هشام في
السيرة (2: 428- 429) .
(3/175)
بَابُ غَزْوَةِ بَنِي النَّضِيرِ [ (1) ]
وَمَا ظَهَرَ فِيهَا مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ
ذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهَا كَانَتْ عَلَى
رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ قَبْلَ أُحُدٍ.
وَحَكَاهُ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ
اللَّه فِي التَّرْجَمَةِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ
قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ:
حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: «ثُمَّ كَانَتْ وَقْعَةُ
بَنِي النَّضِيرِ وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ
أَشْهُرٍ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ وَكَانَ مَنْزِلُهُمْ بِنَاحِيَةِ
الْمَدِينَةِ، فحاصرهم
__________
[ (1) ] انظر في غزوة بني النضير ابن هشام (3: 142) ، والواقدي (1: 353) ،
وابن سعد (2: 57) ، وتاريخ الطبري (2: 550) ، وصحيح البخاري (5: 88) ، وفتح
الباري (7: 320) ، وانساب الأشراف (1: 163) ، وابن حزم (181) ، وعيون الأثر
(2: 61) ، والدر لابن عبد البر (164) ، والبداية والنهاية (4: 74) ،
والنويري (17: 137) والسيرة الحلبية (2: 344) ، والسيرة الشامية (4: 451) ،
وقد أورد البخاري، وتبعه البيهقي خبر بني النضير قبل وقعة أحد، وقال ابن
كثير (4: 9) ، والصواب إيرادها بعدها كما ذكر ذلك ابن إسحاق، وغيره من أئمة
المغازي، وبرهانه أن الخمر حرمت ليالي حصار بني النضير، وفي الصحيح أنه
اصطبح الخمر جماعة ممن قتل يوم أحد شهيدا، فدل على ان الخمر إذا ذاك لم
تحرم، وإنما حرمت بعد ذلك، وقد أعاده المصنف بعد أحد كما سيأتي في نهاية
هذا الجزء.
(3/176)
رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، حَتَّى نَزَلُوا عَلَى الْجَلَاءِ وَأَنَّ لَهُمْ ما أقلت الإبل
من الْأَمْوَالِ وَالْأَمْتِعَةِ، إِلَّا الْحَلْقَةُ وَهِيَ السِّلَاحُ،
وَأَجْلَاهُمْ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ قِبَلَ الشَّامِ،
وَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ:
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ- إِلَى قَوْلِهِ-
وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ [ (2) ] .
وَاللِّينَةُ: النَّخْلَةُ، وَاللِّينُ النَّخْلُ كُلُّهَا إِلَّا
الْعَجْوَةَ.
وَتَخْرِيبُهُمْ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَنْزِعُونَ
مَا أَعْجَبَهُمْ مِنْ سَقْفٍ فَيَحْمِلُونَهُ عَلَى الْإِبِلِ لَمَّا
كَانَ لَهُمْ مَا أَقَلَّتِ الْإِبِلُ.
وَالْحَشْرُ سَوْقُهُمْ فِي الدُّنْيَا قِبَلَ الشَّامِ قَبْلَ الْحَشْرِ
الْآخِرَةِ.
وَالْجَلَاءُ أَنَّهُ كَانَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ فِي آيٍ مِنَ التَّوْرَاةِ
وَكَانُوا مِنْ سِبْطٍ لَمْ يُصِبْهُمُ الْجَلَاءُ قَبْلَ مَا سُلِّطَ
عَلَيْهِمْ بِهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ.
وَالْعَذَابُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ لَوْلَا الْجَلَاءُ
لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا والقتل وَالسَّبْيُ.
ثُمَّ كَانَتْ وَقْعَةُ أُحُدٍ عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ
وَقْعَةِ بَنِي النَّضِيرِ وَذَلِكَ عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ
وَقْعَةِ بَدْرٍ» [ (3) ] .
هَكَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ مِنْ قَوْلِهِ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُؤَمَّلِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عِيسَى، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي حَدِيثِهِ عَنْ عُرْوَةَ
قَالَ: «ثُمَّ كَانَتْ وَقْعَةُ أُحُدٍ فِي شَوَّالٍ عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ
أشهر من
__________
[ (2) ] الآيات (1- 5) من سورة الحشر.
[ (3) ] فتح الباري (7: 329) .
(3/177)
وَقْعَةِ بَنِي النَّضِيرِ» .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ
اللَّه بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الصَّنْعَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا
زَيْدُ بْنُ الْمُبَارَكِ الصَّنْعَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَتْ غَزْوَةُ بَنِي النَّضِيرِ- وَهُمْ طَائِفَةٌ
مِنَ الْيَهُودِ- عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ،
وَكَانَتْ مَنْزِلُهُمْ وَنَخْلُهُمْ بِنَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ،
فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى
نَزَلُوا عَلَى الْجَلَاءِ وَعَلَى أَنَّ لَهُمْ مَا أَقَلَّتِ الْإِبِلُ
مِنَ الْأَمْتِعَةِ وَالْأَمْوَالِ إِلَّا الْحَلْقَةَ يَعْنِي السِّلَاحَ
فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ: سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي
السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ- إِلَى قَوْلِهِ- لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا
ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا [ (4) ] فَقَاتَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَالَحَهُمْ عَلَى الْجَلَاءِ
فَأَجْلَاهُمْ إِلَى الشَّامِ وَكَانُوا مِنْ سِبْطٍ لَمْ يُصِبْهُمْ
جَلَاءٌ. وَكَانَ اللَّه قَدْ كَتَبَ عَلَيْهِمْ وَلَوْلَا ذَلِكَ
لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ» .
وَأَمَّا قوله: لأول الحشر فَكَانَ جَلَاؤُهُمْ ذَلِكَ أَوَّلَ حَشْرٍ [
(5) ] فِي الدُّنْيَا إِلَى الشَّامِ. كَذَا قَالَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. وَذِكْرُ عَائِشَةَ فِيهِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ
واللَّه أَعْلَمُ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
دَاوُدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ سُفْيَانَ،
قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن كعب ابن مَالِكٍ، عَنْ رَجُلٍ
مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّ
كُفَّارَ قُرَيْشٍ كَتَبُوا إِلَى ابْنِ أُبَيٍّ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ
مَعَهُ الْأَوْثَانَ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ وَرَسُولُ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ وَقْعَةِ
بَدْرٍ: إِنَّكُمْ آوَيْتُمْ صَاحِبَنَا وَإِنَّا نُقْسِمُ بِاللهِ
لَتُقَاتِلُنَّهُ أَوْ لَتُخْرِجُنَّهُ أَوْ لَنَسِيرَنَّ إِلَيْكُمْ
بِأَجْمَعِنَا حَتَّى نُقَاتِلَ مُقَاتِلَتَكُمْ وَنَسْتَبِيحَ نِسَاءَكُمْ
فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ اللَّه بْنَ
__________
[ (4) ] (1- 2) من سورة الحشر.
[ (5) ] في (ح) : «الحشر» .
(3/178)
أُبَيٍّ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ عَبَدَةِ
الْأَوْثَانِ اجْتَمَعُوا لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَقِيَهُمْ فَقَالَ لَقَدْ بَلَغَ وَعِيدُ قُرَيْشٍ مِنْكُمُ
الْمَبَالِغَ مَا كَانَتْ تَكِيدُكُمْ بِأَكْثَرَ مِمَّا تُرِيدُونَ أَنْ
تَكِيدُوا بِهِ أَنْفُسَكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا أَبْنَاءَكُمْ
وَإِخْوَانَكُمْ فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفَرَّقُوا فَبَلَغَ ذَلِكَ كُفَّارَ قُرَيْشٍ.
فَكَتَبَتْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ إِلَى الْيَهُودِ:
إِنَّكُمْ أَهْلُ الْحَلْقَةِ [ (6) ] وَالْحُصُونِ وَإِنَّكُمْ
لَتُقَاتِلُنَّ صَاحِبَنَا أَوْ لَنَفْعَلَنَّ كَذَا وَكَذَا وَلَا يَحُولُ
بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَدَمِ [ (7) ] نِسَائِكُمْ شَيْءٌ- وَهِيَ
الْخَلَاخِيلُ- فَلَمَّا بَلَغَ كِتَابُهُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عليه
وسلم اجْتَمَعَتْ بَنُو النَّضِيرِ بِالْغَدْرِ وَأَرْسَلُوا إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم اخْرُجْ إِلَيْنَا فِي ثَلَاثِينَ
رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِكَ وَلْيَخْرُجْ مِنَّا ثَلَاثُونَ حَبْرًا حَتَّى
نَلْتَقِيَ بِمَكَانِ الْمَنْصَفِ فَيَسْمَعُوا مِنْكَ. فَإِنْ صَدَّقُوا
وَآمَنُوا بِكَ آمنّا بك فقض خَبَرَهُمْ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ غَدَا
عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم بِالْكَتَائِبِ
فَحَصَرَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّكُمْ واللَّه لَا تَأْمَنُونَ عندي إلا
بعهد تعاهدوني عَلَيْهِ فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُ عَهْدًا فَقَاتَلَهُمْ
يَوْمَهُمْ ذَلِكَ،
ثُمَّ غَدَا عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ بِالْكَتَائِبِ وَتَرَكَ بَنِي
النَّضِيرِ، وَدَعَاهُمْ إِلَى أَنْ يُعَاهِدُوهُ فَعَاهَدُوهُ فَانْصَرَفَ
عَنْهُمْ وَغَدَا إِلَى بَنِي النَّضِيرِ بِالْكَتَائِبِ فَقَاتَلَهُمْ
حَتَّى نَزَلُوا عَلَى الْجَلَاءِ فَجَلَتْ بَنُو النَّضِيرِ وَاحْتَمَلُوا
مَا أَقَلَّتِ الْإِبِلُ مِنْ أَمْتِعَتِهِمْ وَأَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ
وَخَشَبِهَا فَكَانَ نَخْلُ بَنِي النَّضِيرِ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى
اللَّه عليه وسلم خَاصَّةً أَعْطَاهُ اللَّه إِيَّاهَا وَخَصَّهُ بِهَا
فَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما
أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ [ (8) ] يَقُولُ بِغَيْرِ
قِتَالٍ فَأَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ أَكْثَرَهَا
الْمُهَاجِرِينَ وَقَسَمَهَا بَيْنَهُمْ وَقَسَمَ مِنْهَا لِرَجُلَيْنِ
مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَا ذَوَيْ حَاجَةٍ، لَمْ يَقْسِمْ لِأَحَدٍ مِنَ
الْأَنْصَارِ غَيْرَهُمَا وَبَقِيَ مِنْهَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وسلم الَّتِي فِي أَيْدِي بَنِي فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّه
عَنْهَا» [ (9) ] .
__________
[ (6) ] (الحلقة) : الدروع والسلاح.
[ (7) ] (خدم) : الخلاخيل.
[ (8) ] الآية الكريمة (6) من سورة الحشر.
[ (9) ] أخرجه ابو داود في كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في خبر
النضير، الحديث (3004) ، صفحة (3: 156) .
(3/179)
وَذَهَبَ مُوسَى [ (10) ] بْنُ عُقْبَةَ،
وَمُحَمَّدُ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ
الْمَغَازِي إِلَى أَنَّ غَزْوَةَ بَنِي النَّضِيرِ كَانَتْ بَعْدَ أُحُدٍ،
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ
بْنِ الزُّبَيْرِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ رَحِمَهُ اللَّه قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه الْبَغْدَادِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ:
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي، قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بكر محمد ابْنَ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَتَّابٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْمُغِيرَةِ
قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى ابن
عُقْبَةَ [ (11) ] ، قَالَ: «هَذَا حَدِيثُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ إِلَى بَنِي النَّضِيرِ يَسْتَعِينُهُمْ
فِي عَقْلِ الْكِلَابِيَّيْنِ وَكَانُوا زَعَمُوا قَدْ دَسُّوا إِلَى
قُرَيْشٍ حِينَ نَزَلُوا بِأُحُدٍ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَضُّوهُمْ عَلَى الْقِتَالِ وَدَلُّوهُمْ عَلَى
الْعَوْرَةِ فَلَمَّا كَلَّمَهُمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه
وَسَلَّمَ فِي عَقْلِ الْكِلَابِيَّيْنِ قَالُوا: اجْلِسْ يَا أَبَا
الْقَاسِمِ حَتَّى تُطْعَمَ وَتَرْجِعَ بِحَاجَتِكَ وَنَقُومَ
فَنَتَشَاوَرَ وَنُصْلِحَ أَمْرَنَا فِيمَا جِئْتَنَا لَهُ، فَجَلَسَ
رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ
أَصْحَابِهِ فِي ظِلِّ جِدَارٍ يَنْتَظِرُونَ أَنْ يُصْلِحُوا أَمْرَهُمْ
فَلَمَّا خَلَوْا- وَالشَّيْطَانُ مَعَهُمُ- ائْتَمَرُوا بِقَتْلِ رَسُولِ
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا لَنْ تَجِدُوهُ
أَقْرَبَ مِنْهُ الْآنَ فَاسْتَرِيحُوا مِنْهُ تَأْمَنُوا فِي دِيَارِكُمْ
وَيُرْفَعُ عَنْكُمُ الْبَلَاءُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: إِنْ شِئْتُمْ
ظَهَرْتُ فَوْقَ الْبَيْتِ الَّذِي هُوَ تَحْتَهُ فَدَلَّيْتُ عَلَيْهِ
حَجَرًا فَقَتَلْتُهُ، وَأَوْحَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ
فَأَخْبَرَهُ بِمَا ائْتَمَرُوا بِهِ مِنْ شَأْنِهِمْ فَعَصَمَهُ اللَّه
عَزَّ وَجَلَّ، وَقَامَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ
كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَقْضِيَ حَاجَةً، وَتَرَكَ أَصْحَابَهُ فِي
مَجْلِسِهِمْ، وَانْتَظَرَهُ أَعْدَاءُ اللَّه فَرَاثَ عَلَيْهِمْ،
فَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمَدِينَةِ فَسَأَلُوهُ عَنْهُ، فَقَالَ:
لَقِيتُهُ قَدْ دَخَلَ أَزِقَّةَ الْمَدِينَةِ، فَقَالُوا
__________
[ (10) ] في (ح) : «ابن موسى» .
[ (11) ] اختصره ابن عبد البر في الدرر (164- 166) ،
(3/180)
لِأَصْحَابِهِ: عَجِلَ أَبُو الْقَاسِمِ
أَنْ يُقِيمَ أَمْرَنَا فِي حَاجَتِهِ الَّتِي جَاءَ لَهَا، ثُمَّ قَامَ
أَصْحَابُ رَسُولِ الله صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ فَرَجَعُوا وَنَزَلَ
الْقُرْآنُ وَاللهُ أَعْلَمُ بِالَّذِي أَرَادَ أَعْدَاءُ اللهِ، فَقَالَ
عَزَّ وَجَلَّ:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ- إِلَى
قَوْلِهِ- وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [ (12) ] .
فَلَمَّا أَظْهَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ رَسُولَهُ صلى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى مَا أَرَادُوا بِهِ وَعَلَى خِيَانَتِهِمْ أَمَرَ اللهُ
عَزَّ وَجَلَّ رسوله صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ بِإِجْلِائِهِمْ
وَإِخْرَاجِهِمْ مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسِيرُوا حَيْثُ
شَاءُوا وَقَدْ كَانَ النِّفَاقُ قَدْ كَثُرَ فِي الْمَدِينَةِ فَقَالُوا
أَيْنَ تُخْرِجُنَا؟ قَالَ أُخْرِجُكُمْ إِلَى الْحَبْسِ
[ (13) ] ، فَلَمَّا سَمِعَ الْمُنَافِقُونَ مَا يُرَادُ بِإِخْوَانِهِمْ
وَأَوْلِيَائِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَرْسَلُوا إِلَيْهِمْ فَقَالُوا
لَهُمْ إِنَّا مَعَكُمْ مَحْيَانَا وَمَمَاتَنَا إِنْ قُوتِلْتُمْ فَلَكُمْ
عَلَيْنَا النَّصْرُ وَإِنْ أُخْرِجْتُمْ لَمْ نَتَخَلَّفْ عَنْكُمْ
وَسَيِّدُ الْيَهُودِ أَبُو صَفِيَّةَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ- فَلَمَّا
وَثِقُوا بِأَمَانِيِّ الْمُنَافِقِينَ عَظُمَتْ غِرَّتُهُمْ وَمَنَّاهُمُ
الشَّيْطَانُ الظُّهُورَ فَنَادَوَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ إِنَّا واللَّه لَا نَخْرُجُ وَلَئِنْ
قَاتَلْتَنَا لَنُقَاتِلَنَّكَ.
فَمَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم لِأَمْرِ اللَّه تَعَالَى
فِيهِمْ فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَخَذُوا السِّلَاحَ ثُمَّ مَضَى
إِلَيْهِمْ وَتَحَصَّنَتِ الْيَهُودُ فِي دُورِهِمْ وَحُصُونِهِمْ فَلَمَّا
انْتَهَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم إِلَى أَزِقَّتِهِمْ
وَحُصُونِهِمْ، كَرِهَ أَنْ يُمَكِّنَهُمْ مِنَ الْقِتَالِ فِي دُورِهِمْ
وَحُصُونِهِمْ وَحَفِظَ اللَّه عز وجل له أَمْرَهُ وَعَزَمَ عَلَى رُشْدِهِ
فَأَمَرَ بِالْأَدْنَى فَالْأَدْنَى مِنْ دُورِهِمْ أَنْ تُهَدَّمَ
وَبِالنَّخْلِ أَنْ تُحْرَقَ وَتُقْطَعَ وَكَفَّ اللَّه تَعَالَى
أَيْدِيَهُمْ وَأَيْدِيَ الْمُنَافِقِينَ فَلَمْ يَنْصُرُوهُمْ وَأَلْقَى
اللَّه عز وجل فِي قُلُوبِ الْفَرِيقَيْنِ كِلَاهُمَا الرُّعْبَ، ثُمَّ
جَعَلَتِ الْيَهُودُ كُلَّمَا خَلَصَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه
وسلم مِنْ هَدْمِ مَا يَلِي مَدِينَتَهُ أَلْقَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ في
قلوبهم
__________
[ (12) ] الآية الكريمة (11) من سورة المائدة.
[ (13) ] في (ح) : «الحبش» .
(3/181)
الرُّعْبَ فَهَدَمُوا الدُّورَ الَّتِي
هُمْ فِيهَا مِنْ أَدْبَارِهَا وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَخْرُجُوا عَلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، يَهْدِمُونَ
مَا أَتَوْا عَلَيْهِ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ فَلَمَّا كَادَتِ الْيَهُودُ
أَنْ تَبْلُغَ آخِرَ دُورِهَا وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ الْمُنَافِقِينَ وَمَا
كَانُوا مَنَّوْهُمْ، فَلَمَّا يَئِسُوا مِمَّا عِنْدَهُمْ سَأَلُوا
رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَانَ عَرَضَ
عَلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَاضَاهُمْ رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ يُجْلِيَهُمْ وَلَهُمْ أَنْ يَتَحَمَّلُوا بِمَا
اسْتَقَلَّتْ بِهِ الْإِبِلُ مِنَ الَّذِي كَانَ لَهُمْ إِلَّا مَا كَانَ
مِنْ حَلْقَةٍ أَوْ سِلَاحٍ فَطَارُوا كُلَّ مَطِيرٍ وَذَهَبُوا كُلَّ
مَذْهَبٍ وَلَحِقَ بَنُو أَبِي الْحُقَيْقِ طَيَّرَ مَعَهُمْ آنِيَةً
كَثِيرَةً مِنْ فِضَّةٍ قَدْ رَآهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وَالْمُسْلِمُونَ حِينَ خَرَجُوا بِهَا، وَعَمَدَ
حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ عَلَى قُرَيْشٍ
فَاسْتَغْوَاهُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم
وَاسْتَنْصَرَهُمْ. وَبَيَّنَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِرَسُولِهِ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَ أَهْلِ النِّفَاقِ وَمَا بَيْنَهُمْ
وَبَيْنَ الْيَهُودِ، وَكَانُوا قَدْ عَيَّرُوا الْمُسْلِمِينَ حِينَ
يَهْدِمُونَ الدُّورَ وَيَقْطَعُونَ النَّخْلَ فَقَالُوا مَا ذَنْبُ
شَجَرَةٍ وَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ مُصْلِحُونَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه
عَزَّ وَجَلَّ سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ
وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا
مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ- إِلَى قَوْلِهِ- وَلِيُخْزِيَ
الْفاسِقِينَ. [ (14) ] .
ثُمَّ جَعَلَهَا نَفَلًا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ
وَلَمْ يَجْعَلْ فِيهَا سَهْمًا لِأَحَدٍ غَيْرَهُ فَقَالَ:
وَمَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ
مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ- إِلَى قَوْلِهِ- وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ [ (15) ] .
فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ
أَرَاهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ
وَأَعْطَى مِنْهَا الْأَنْصَارَ رَجُلَيْنِ سِمَاكَ بْنَ أَوْسِ بْنِ
خَرَشَةَ وهو أبو دجاجة وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَأَعْطَى- زَعَمُوا-
سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ سيف بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَكَانَ إِجْلَاءُ بَنِي
النَّضِيرِ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَقَامَتْ قُرَيْظَةُ فِي
الْمَدِينَةِ فِي مَسَاكِنِهِمْ لَمْ يُؤْمَرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ بِقِتَالٍ وَلَا إِخْرَاجٍ حَتَّى فَضَحَهُمُ
اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بحييّ بن أخطب.
__________
[ (14) ] [الحشر (1- 5) ] .
[ (15) ] [6- الحشر] .
(3/182)
وَبِجُمُوعِ الْأَحْزَابِ» .
هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَحَدِيثُ ابْنِ لَهِيعَةَ
بِمَعْنَاهُ إلى إعطاء سعد ابن مُعَاذٍ سَيْفَ ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ قَالَ:
أَخْبَرَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ
صَالِحٍ الْجَرْمِيُّ عَنْ رَجُلٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عمرو بْنِ
قَتَادَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ حَاصَرَ
بَنِي قَيْنُقَاعَ وَكَانُوا أَوَّلَ يَهُودَ حَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، فَنَزَلُوا عَلَى
حُكْمِهِ فَقَامَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّه بْنُ أُبَيٍّ. فَذَكَرَ
الْقِصَّةَ كَمَا مَضَى فِي رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، ثُمَّ قَالَ:
وَكَانَتْ قَبْلَ أُحُدٍ فَلَمَّا انْقَضَى شَأْنُ أُحُدٍ بَعَثَ رَسُولُ
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أُحُدٍ بِأَرْبَعَةِ
أَشْهُرٍ أَصْحَابَ بِئْرِ مَعُونَةَ فَأُصِيبُوا ثُمَّ أَجْلَى رَسُولُ
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي النَّضِيرِ» وَكَذَلِكَ
قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ سَلَمَةَ بْنِ الْفَضْلِ
عَنْهُ [ (16) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ
الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ
الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ، قَالَ: أخبرنا محمد
ابن شُرَحْبِيلَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ
عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ يَهُودَ بَنِي
النَّضِيرِ وَقُرَيْظَةَ حَارَبُوا رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَأَجْلَى رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ بَنِي
النَّضِيرِ، وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ، وَمَنَّ عَلَيْهِمْ حَتَّى حَارَبَتْ
قُرَيْظَةُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَتَلَ رِجَالَهُمْ، وَقَسَمَ نِسَاءَهُمْ
وَأَوْلَادَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، إِلَّا بَعْضَهُمْ
لَحِقُوا بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ، فَأَمَّنَهُمْ
وَأَسْلَمُوا وَأَجْلَى رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودَ
الْمَدِينَةِ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَهُمْ قَوْمُ عبد اللَّه يعني ابن سَلَامٍ
وَيَهُودَ بَنِي حَارِثَةَ وَكُلَّ يَهُودِيٍّ بِالْمَدِينَةِ» .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْبِسْطَامِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا
__________
[ (16) ] سيرة ابن هشام (3: 144) .
(3/183)
الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا قَالَ:
أَخْبَرَنَا فَيَّاضُ بْنُ زُهَيْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ إِلَّا
أَنَّهُ قَالَ: «فَقَتَلَ رِجَالَهُمْ وَسَبَى نِسَاءَهُمْ
وَأَوْلَادَهُمْ، وَقَسَمَ أَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ [ (17) ]
.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ
مَنْصُورٍ كُلُّهُمْ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَلَى لَفْظِ حَدِيثِ
الْفَقِيهِ [ (18) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ رَحِمَهُ اللَّه، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّيَّارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّه بْنُ عَلِيٍّ الْغَزَّالُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ
الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ
عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ قَطَعَ نَخْلَ
بَنِي النَّضِيرِ وَحَرَّقَ وَلَهَا [ (19) ] يَقُولُ حسان بن ثابت:
وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ ... حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ
مُسْتَطِيرُ
[ (20) ] وَفِي ذَلِكَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مَا قَطَعْتُمْ مِنْ
لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ
وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ [ (21) ] .
__________
[ (17) ] الْبُخَارِيُّ: عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ، عَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ
نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، في: 64- كتاب المغازي، (14) باب حديث بني
النضير، الحديث (4028) ، فتح الباري (7: 329) .
[ (18) ] مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رافع في كتاب الجهاد والسيرة، (20)
باب اجلاء اليهود من الحجاز، الحديث (62) ، ص (1387) .
[ (19) ] (ولها) أي: لهذه الحادثة.
[ (20) ] اي جاء هيّنا لأشراف القوم ورؤساهم، ومستطيرا: منتشرا.
[ (21) ] الآية الكريمة (5) من سورة الحشر.
(3/184)
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ
حَدِيثِ ابْنِ الْمُبَارَكِ [ (22) ] .
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ
نَافِعٍ [ (23) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ
بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا آدَمُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: مَا
قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ يَعْنِي مِنْ نَخْلَةٍ قَالَ نَهَى بَعْضُ
الْمُهَاجِرِينَ بَعْضًا عَنْ قَطْعِ النَّخْلِ وَقَالُوا إِنَّمَا هِيَ
مِنْ مَغَانِمِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ الَّذِينَ قَطَعُوا: بَلْ هُوَ
غَيْظٌ لِلْعَدُوِّ. فَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِتَصْدِيقِ مَنْ نَهَى عَنْ
قَطْعِهِ، وَتَحْلِيلِ مَنْ قَطَعَهُ مِنَ الْإِثْمِ، فَقَالَ: إِنَّمَا
قَطْعُهُ وَتَرْكُهُ بِإِذْنِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.
أخبرنا أبو عبد اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَيْبَانَ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، عَنْ عُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ
كَانَتْ مِمَّا أَفَاءَ اللَّه عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفِ
الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَكَانَتْ لِرَسُولِ
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِصَةً يُنْفِقُ مِنْهَا عَلَى
أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ وما
__________
[ (22) ] مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ منصور، وهناد بن السري، كلاهما عَنْ
عَبْدِ اللَّه بْنِ المبارك في: 32- كتاب الجهاد والسير، (10) باب جواز قطع
أشجار الكفار وتحريقها، الحديث (30) ، ص (1365- 1366) .
[ (23) ] أخرجه البخاري في: 56- كتاب الجهاد، (154) باب حرق الدور والنخيل،
الحديث (3021) ، فتح الباري (6: 154) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ، عن
سُفْيَانُ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عمر،
وأعاده في تفسير سورة الحشر (باب) مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ، الحديث
(4884) ، فتح الباري (8: 629) ، عن قتيبة، عن ليث، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ
ابْنِ عمر.
(3/185)
بَقِيَ جَعَلَهُ فِي الْكُرَاعِ [ (24) ]
وَالسِّلَاحِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّه» .
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ [ (25)
] .
__________
[ (24) ] الكراع: الدواب بالصالحة للحرب عدة للحوادث.
[ (25) ] أخرجه البخاري في تفسير سورة الحشر، (3) باب قوله تعالى: ما
أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ، الحديث (4885) عن علي بن عبد اللَّه
المديني، عن سفيان، عن عمرو، عن الزهري، عن مالك بن أوس بن الحدثان، عن
عمر- رضي اللَّه عنه- فتح الباري: (8: 629- 630) .
وأخرجه مسلم في: 32- كتاب المغازي (15) باب حكم الفيء، الحديث (48) ، ص
(1376- 1377) عن قتيبة بن سعيد، ومحمد بن عباد، وأبو بكر بن ابي شيبة،
وإسحاق بن ابراهيم، عن عمرو، عن الزهري، عن مالك، عن عمر بن الخطاب.
وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن سعيد بن عبد الرحمن، وأبو داود في
الإمارة عن عثمان ابن أبي شيبة، والترمذي في الجهاد عن ابن أبي عمر، وقال:
حسن صحيح.
(3/186)
بَابُ مَا جَاءَ فِي قَتْلِ كَعْبِ بْنِ
الأشرف [ (1) ] وَكِفَايَةِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ رَسُولَهُ صلى اللَّه
عليه وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ شَرَّهُ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّه بْنُ أبي بكير [ (2) ] بْنِ
حَزْمٍ، وَصَالِحُ بْنُ أبي أمامة ابن سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، قَالَا:
«بَعَثَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ فَرَغَ
مِنْ بَدْرٍ بَشِيرَيْنِ إِلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَبَعَثَ زَيْدَ بْنَ
حَارِثَةَ إِلَى أَهْلِ السَّافِلَةِ، وَبَعَثَ عَبْدَ اللَّه بْنَ
رَوَاحَةَ إِلَى أَهْلِ الْعَالِيَةِ، يُبَشِّرُونَهُمْ بِفَتْحِ اللَّه عز
وجل عَلَى نَبِيِّهِ، فَوَافَقَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ابْنَهُ أُسَامَةَ
بْنَ زَيْدٍ حِينَ سُوِّيَ عَلَى رُقَيَّةَ بنت رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم، فَقِيلَ لَهُ: ذَاكَ أَبُوكَ قَدْ قَدِمَ، قَالَ أُسَامَةُ:
فَجِئْتُهُ وَهُوَ وَاقِفٌ لِلنَّاسِ يَقُولُ: قُتِلَ عُتْبَةُ بْنُ
رَبِيعَةَ، وشيبة بن ربيعة وأبو جهل بن هشام، وَنُبَيْهٌ وَمُنَبِّهٌ،
وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، فَهُوَ يَنْعِي جِلَّةَ قُرَيْشٍ فَقُلْتُ: يَا
أَبَهْ أَحَقٌّ هَذَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ واللَّه يَا بُنَيَّ، وَنَعَاهُمْ
عبد اللَّه
__________
[ (1) ] وانظر فِي قَتْلِ كَعْبِ بْنِ الأشرف: مغازي الواقدي (1: 184) ،
وابن سعد (2: 31) ط.
بيروت، والمحبر لابن حبيب ص (282) ، وتاريخ الطبري (2: 487) ، وسيرة ابن
هشام (2:
430 وابن عبد البر في الدرر اختصار المغازي والسير (142) ، وابن حزم (154)
، وعيون الأثر (1: 356) ، والبداية والنهاية (4: 5) ، والنويري (17: 72) .
[ (2) ] هكذا في (ح) ، وفي (ص) و (هـ) : «بكر» .
(3/187)
ابن رَوَاحَةَ لِأَهْلِ الْعَالِيَةِ،
فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ، قَالَ: وَيْلَكُمْ
أَحَقٌّ هَذَا؟ هَؤُلَاءِ مُلُوكُ الْعَرَبِ وَسَادَاتُ النَّاسِ [ (3) ]
مَا أَصَابَ مَلِكٌ مِثْلَ هَؤُلَاءِ قَطٌّ.
ثُمَّ خَرَجَ كَعْبٌ إِلَى مَكَّةَ، فَنَزَلَ عَلَى عَاتِكَةَ بِنْتِ
أُسَيْدِ بْنِ أَبِي الْعِيصِ، وَكَانَتْ عِنْدَ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي
وَدَاعَةَ، فَجَعَلَ يَبْكِي عَلَى قَتْلَى قُرَيْشٍ وَيُحَرِّضُ عَلَى
رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
طَحَنَتْ رَحَا بَدْرٍ لِمَهْلِكِ أَهْلِهَا [ (4) ] ... وَلِمِثْلِ بَدْرٍ
تَسْتَهِلُّ وَتَدْمَعُ [ (5) ]
قُتِلَتْ سَرَاةُ النَّاسِ حَوْلَ حِيَاضِهِمْ ... لَا تَبْعَدُوا إِنَّ
الْمُلُوكَ تُصَرَّعُ [ (6) ]
كَمْ قَدْ أُصِيبَ بِهَا [ (7) ] مِنَ ابْيَضَ مَاجِدٍ ... ذِي بَهْجَةٍ
تَأْوِي إِلَيْهِ الضُّيَّعُ [ (8) ]
طَلْقُ الْيَدَيْنِ إِذَا الْكَوَاكِبُ أَخْلَفَتْ ... حَمَّالُ أَثْقَالٍ
يَسُوَدُ وَيَرْبَعُ [ (9) ]
وَيَقُولُ أَقْوَامٌ أَذَلَّ [ (10) ] بِسُخْطِهِمْ ... إِنَّ ابْنَ
الْأَشْرَفِ ظَلَّ كعبا يجزع [ (11) ]
__________
[ (3) ] هكذا في (هـ) وفي (ح) ، و (آ) و (ص) : «سادة الناس» وفي سيرة ابن
هشام: «وملوك الناس»
[ (4) ] في ابن هشام: «أهله» .
[ (5) ] (رحى الحرب) مجتمع القتال، وتستهل: تسيل بالدمع.
[ (6) ] سراة الناس: خيارهم.
[ (7) ] في السيرة: «به» .
[ (8) ] الماجد: الشريف، والضّيع: جمع ضائع، وهو الفقير.
[ (9) ] طلق اليدين: كثير المعروف كريم، أخلفت: لم يكن معها مطر، ويربع:
يأخذ الربع من أموالهم، وكان رئيس القوم في الجاهلية يأخذ الربع مما كانوا
يغنمون، وجاءت في (ح) :
«ويرجع» وهو تصحيف.
[ (10) ] في السيرة: «أسرّ» .
[ (11) ] أراد: إن ابن الأشرف كعبا ظل يَجْزَعُ.
(3/188)
صَدَقُوا فَلَيْتَ الْأَرْضَ سَاعَةَ
قُتِّلُوا ... ظَلَّتْ تَسُوخُ بِأَهْلِهَا وَتَصَدَّعُ [ (12) ]
صَارَ الَّذِي أَثَرَ الْحَدِيثَ بِطَعْنَةٍ ... أَوْ عَاشَ أَعْمَى
مُرْعَشًا لَا يَسْمَعُ [ (13) ]
نُبِّئْتُ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامِهِمْ ... فِي النَّاسِ يَبْنِي
الصَّالِحَاتِ وَيَجْمَعُ [ (14) ]
لِيَزُورَ يَثْرِبَ بِالْجُمُوعِ وَإِنَّمَا ... يَحْمِي عَلَى الْحَسَبِ
الْكَرِيمُ الْأَرْوَعُ [ (15) ]
نُبِّئْتُ أَنَّ بَنِي كِنَانَةَ كُلَّهُمْ ... خَشَعُوا لَقَتْلِ أَبِي
الْوَلِيدِ وَجُدِّعُوا [ (16) ]
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ سَمِعْتُ
قَوْلَ ابْنِ الْأَشْرَفِ.
بَكَتْ عَيْنُ مَنْ تَبْكِي لَبَدْرٍ وَأَهْلِهِ ... وَعُلَّتْ
بِمِثْلَيْهَا لُؤَيُّ بْنُ غَالِبِ
وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
بَكَتْ عَيْنُ كَعْبٍ [ (17) ] ثُمَّ عُلَّ بِعَبْرَةٍ ... مِنْهُ وَعَاشَ
مجدّعا لا يسمع [ (18) ]
__________
[ (12) ] تسوخ: تفور، وتصدع: «تتشقق» .
[ (13) ] أثر الحديث: حدث به، ونقله، وأشاعه في الناس.
[ (14) ] جاء في هذا البيت:
نبئت أن بني المغيرة كُلَّهُمْ ... خَشَعُوا لَقَتْلِ أَبِي الحكم وجدّعوا
وابنا ربيعة عنده ومنبّه ... ما نال مثل المهلكين وتبّع
[ (15) ] الأروع: الذي يروع بحسنه وجماله.
[ (16) ] جدّعوا: قطعت آنافهم، والمراد به كناية عن ذهاب عزهم.
[ (17) ] في السيرة: «أبكاه كَعْبٍ ثُمَّ عُلَّ بِعَبْرَةٍ» .
[ (18) ] علّ بعبرة: «كررت عليه» ، ومجدعا: ذاهب العز.
(3/189)
وَلَقَدْ رَأَيْتُ بِبَطْنِ بَدْرٍ
مِنْهُمُ ... قَتْلَى تَسُحُّ لَهَا الْعُيونُ وَتَدْمَعُ [ (19) ]
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ ثُمَّ رَجَعَ كَعْبٌ [ (20) ] إِلَى الْمَدِينَةِ
فَشَبَّبَ بِأُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ فَقَالَ:
أَرَاحِلٌ أَنْتَ لَمْ تَحْلُلْ بِمَنْقَبَةٍ ... وَتَارِكٌ أَنْتَ أُمَّ
الْفَضْلِ بِالْحَرَمِ
فِي كَلَامٍ لَهُ: شبّب بنساء المسليمن حَتَّى آذَاهُمْ [ (21) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا
الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ:
«وَكَانَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ الْيَهُودِيُّ وَهُوَ أَحَدُ بَنِي
النَّضِيرِ وَقَيِّمُهُمْ، قَدْ آذَى رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهِجَاءِ، وَرَكِبَ إِلَى قُرَيْشٍ، فَقَدِمَ
عَلَيْهِمْ فَاسْتَغْوَاهُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ: أُنَاشِدُكَ اللَّه أَدِينُنَا
أَحَبُّ إِلَى اللَّه أَمْ دين محمد
__________
[ (19) ] تسحّ: نصب الدمع، وجاء بعده في سيرة ابن هشام:
فأبكي فقد أبكيت عبدا راضعا ... شبه الكليب الى الكليبة يتبع
ولقد شفى الرحمن منا سيدا ... وأهان قوما قاتلوه وصرّعوا
ونجا وأفلت منهم من قلبه ... شعف يظل لخوفه يتصدّع
[ (20) ] سقطت كلمة كعب من (ص) و (آ) و (ح) .
[ (21) ] الخبر كله في سيرة ابن هشام (2: 430- 436) ، وعنه، وعن المصنف
نقله ابن كثير في التاريخ (4: 6) .
(3/190)
وَأَصْحَابِهِ؟ وَأَيُّنَا أَهْدَى فِي
رَأْيِكَ وَأَقْرَبُ إِلَى الْحَقِّ؟ فَإِنَّا نُطْعِمُ الْجَزُورَ
الْكَوْمَاءَ، وَنَسْقِي اللَّبَنَ عَلَى الْمَاءِ وَنُطْعِمُ مَا هَبَّتِ
الشَّمَالُ.
فَقَالَ ابْنُ الْأَشْرَفِ: أَنْتُمْ أَهْدَى مِنْهُمْ سَبِيلًا.
ثُمَّ خَرَجَ مُقْبِلًا قَدْ أَجْمَعَ رَأْيَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى قِتَالِ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْلِنًا بِعَدَاوَةِ
رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِجَائِهِ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَنَا مِنِ ابْنِ
الْأَشْرَفِ قَدِ اسْتَعْلَنَ بِعَدَاوَتِنَا وَهِجَائِنَا، وَخَرَجَ إِلَى
قُرَيْشٍ فَأَجْمَعَهُمْ عَلَى قِتَالِنَا قَدْ أَخْبَرَنِي اللَّه عَزَّ
وَجَلَّ بِذَلِكَ.
ثُمَّ قَدِمَ عَلَى أَخْبَثِ مَا كَانَ يَنْتَظِرُ قُرَيْشًا أَنْ يَقْدَمَ
فَيُقَاتِلَنَا مَعَهُمْ ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه
وسلم على الْمُسْلِمِينَ مَا أَنْزَلَ اللَّه فِيهِ: أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ
وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ
الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا [ (22) ] وَآيَاتٍ فِي قُرَيْشٍ مَعَهَا.
وَذُكِرَ لَنَا واللَّه أَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اللهُمَّ اكْفِنِي ابْنَ الْأَشْرَفِ بِمَا
شِئْتَ، فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّه
أَقْتُلُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
نَعَمْ.
فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مُنْقَلِبًا إِلَى أَهْلِهِ، فَلَقِيَ
سِلْكَانَ بْنَ سَلَامَةَ فِي الْمَقْبَرَةِ عَامِدًا إِلَى رَسُولِ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ
مَسْلَمَةَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ قَدْ
أَمَرَنِي بِقَتْلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ، وَأَنْتَ نَدِيمُهُ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَمْ يَأْمَنْ غَيْرَكَ فَأَخْرِجْهُ إِلَيَّ
أَقْتُلْهُ، فَقَالَ لَهُ سِلْكَانُ: إِنْ أَمَرَنِي فَعَلْتُ.
فَرَجَعَ مَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ سِلْكَانُ يَا رَسُولَ اللَّه أَمَرْتَ
بِقَتْلِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ سِلْكَانُ: يَا
رَسُولَ اللَّه فَحِلِّلْنِي
__________
[ (22) ] الآية الكريمة (51) من سورة النساء.
(3/191)
فِيمَا قُلْتُ لِابْنِ الْأَشْرَفِ، قَالَ:
أَنْتَ فِي حِلٍّ مِمَّا قُلْتَ.
فَخَرَجَ سِلْكَانُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرِ
بْنِ وَقْشٍ، وَسَلَمَةُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ، وَأَبُو عَبْسِ بْنُ
جَبْرٍ، حَتَّى أَتَوْهُ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ فَتَوَارَوْا فِي ظِلَالِ
جُذُوعِ النَّخْلِ وَخَرَجَ سِلْكَانُ فَصَرَخَ يَا كَعْبُ فَقَالَ لَهُ
كَعْبٌ مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ لَهُ سِلْكَانُ هَذَا أَبُو لَيْلَى يَا أَبَا
نَائِلَةَ. وَكَانَ كَعْبٌ يُكَنَّى: أَبُو نَائِلَةَ، فَقَالَتِ
امْرَأَتُهُ:
لَا تَنْزِلْ يَا أَبَا نَائِلَةَ إِنَّهُ قَاتِلُكَ، فَقَالَ: مَا كَانَ
أَخِي لِيَأْتِيَنِي إِلَّا بِخَيْرٍ، لَوْ يُدْعَى الْفَتَى لِطَعْنَةٍ
أَجَابَ.
فَخَرَجَ كَعْبٌ، فَلَمَّا فَتَحَ بَابَ الرَّبَضِ، قَالَ: مَنْ أَنْتَ؟
قَالَ أَخُوكَ فَطَأْطِئْ لِي رَأْسَكَ فَطَأْطَأَهُ فَعَرَفَهُ فَنَزَلَ
إِلَيْهِ، فَمَشَى بِهِ سِلْكَانُ نَحْوَ الْقَوْمِ وَقَالَ لَهُ
سِلْكَانُ: جِئْنَا وَأَصَابَتْنَا شِدَّةٌ مَعَ صَاحِبِنَا هَذَا،
فَجِئْتُكَ لِأَتَحَدَّثَ مَعَكَ وَلِأُرْهِنَكَ دِرْعِي فِي شَعِيرٍ،
فَقَالَ لَهُ كَعْبٌ: قَدْ حَدَّثْتُكَ أَنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ ذَلِكَ،
وَلَكِنْ نَحْنُ عِنْدَنَا تَمْرٌ وَشَعِيرٌ وَعَبِيرٌ، فَأْتُونَا، قَالَ:
لَعَلَّنَا أَنْ نَفْعَلَ ثُمَّ أَدْخَلَ سِلْكَانُ يَدَهُ فِي رَأْسِ
كَعْبٍ ثُمَّ شَمَّهَا، فَقَالَ: مَا أَطْيَبَ عَبِيرَكُمْ هَذَا، صَنَعَ
ذَلِكَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ حَتَّى أَمِنَهُ، ثُمَّ أَخَذَ سِلْكَانُ
بِرَأْسِهِ أَخْذَةً نَصَّلَهُ مِنْهَا، فَجَأَرَ عَدُوُّ اللَّه جَأْرَةً
رَفِيعَةً، وَصَاحَتِ امْرَأَتُهُ وَقَالَتْ: يَا صَاحِبَاهُ، فَعَانَقَهُ
سِلْكَانُ، وَقَالَ: اقْتُلُونِي وَعَدُوَّ اللَّه، فَلَمْ يَزَالُوا
يَتَخَلَّصُونَ بِأَسْيَافِهِمْ حَتَّى طَعَنَهُ أَحَدُهُمْ فِي بَطْنِهِ
طَعْنَةً بِالسَّيْفِ خَرَجَ مِنْهَا مُصْرَانُهُ، وَخَلَصُوا إِلَيْهِ
فَضَرَبُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ، وَكَانُوا فِي بَعْضِ مَا يَتَخَلَّصُونَ
إِلَيْهِ وَسِلْكَانُ مُعَانِقُهُ أَصَابُوا عَبَّادَ بْنَ بِشْرٍ فِي
وَجْهِهِ أَوْ فِي رِجْلِهِ وَلَا يَشْعُرُونَ.
ثُمَّ خَرَجُوا يَشْتَدُّونَ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِجُرْفِ
بُعَاثٍ فَقَدُوا صَاحِبَهُمْ وَنَزَفَهُ الدَّمُ، فَرَجَعُوا
أَدْرَاجَهُمْ فَوَجَدُوهُ مِنْ وَرَاءِ الْجُرْفِ فَاحْتَمَلُوهُ حَتَّى
أَتَوْا بِهِ أَهْلَهُمْ مِنْ لَيْلَتِهِمْ، فَقَتَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ
ابْنَ الْأَشْرَفِ بِعَدَاوَتِهِ اللَّه وَرَسُولَهُ وَهِجَائِهِ إِيَّاهُ
وَتَأْلِيبِهِ
(3/192)
قُرَيْشًا وَإِعْلَائِهِ عَلَيْهِ
قُرَيْشًا بِذَلِكَ» [ (23) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ
الْحَسَنِ، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ
يَعْقُوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ
سَعِيدٍ أَخِي سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
عَبَايَةَ يَعْنِي ابْنَ رِفَاعَةَ، قَالَ: «ذُكِرَ قَتْلُ كَعْبِ بْنِ
الْأَشْرَفِ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ ابْنُ يَامِينَ: كَانَ قَتْلُهُ
غَدْرًا، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ:
يَا مُعَاوِيَةُ أَيُغَدَّرُ عِنْدَكَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
ثُمَّ لَا تُنْكِرُ، واللَّه لَا يُظِلُّنِي وَإِيَّاكَ سَقْفُ بَيْتٍ
أَبَدًا، وَلَا يَخْلُو لِي دَمُ هَذَا إِلَّا قَتَلْتُهُ» .
قَالَ أَحْمَدُ: مَا ذَكَرْنَا وَمَا نَذْكُرُهُ مِنْ غَدْرِ كَعْبِ بْنِ
الْأَشْرَفِ وَنَقْضِهِ عَهْدَهُ وَهِجَائِهِ رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه
عليه وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ وَعَدَاوَتِهِ إِيَّاهُمْ وَتَحْرِيضِهِ
عَلَيْهِمْ يُكَذِّبُ هَذَا الْقَائِلَ، وَيَدُلُّ عَلَى سُوءِ رَأْيِهِ
وَقُبْحِ قَوْلِهِ، وَإِنَّ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ كَانَ مُسْتَحِقًّا
لِقَتْلِهِ لِمَا ظَهَرَ مِنْ غَدْرِهِ وَنَقْضِهِ الْعَهْدَ مَعَ كُفْرِهِ
وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَزَّازُ أَبُو جَعْفَرٍ، قَالَ
سُفْيَانُ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ، يَعْنِي الْجَمَّالَ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو يَعْنِي ابْنَ
دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «قَدِمَ حُيَيُّ
بْنُ أَخْطَبَ، وَكَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ مَكَّةَ عَلَى قُرَيْشٍ،
فَحَالَفَوهُمْ عَلَى قِتَالِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم
فَقَالُوا لَهُمْ: أَنْتُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ الْقَدِيمِ وَأَهْلُ
الْكِتَابِ فَأَخْبِرُونَا عَنَّا وَعَنْ مُحَمَّدٍ، قَالُوا: مَا أَنْتُمْ
وَمَا مُحَمَّدٌ؟ قَالُوا: نَحْنُ نَنْحَرُ الْكَوْمَاءَ، وَنَسْقِي
اللَّبَنَ عَلَى الْمَاءِ، وَنَفُكُّ الْعُنَاةَ، وَنَسْقِي الْحَجِيجَ،
وَنَصِلُ الْأَرْحَامَ. قَالُوا: فَمَا مُحَمَّدٌ؟ قَالُوا صُنْبُورٌ
قَطَعَ أَرْحَامَنَا، وَاتَّبَعَهُ سُرَّاقُ
__________
[ (23) ] مقتطفات من هذا الخبر عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ في الدرر لابن
عبد البر (143) ، وعيون الأثر (1:
356) .
(3/193)
الْحَجِيجِ بَنُو غِفَارٍ. قَالُوا: لَا،
بَلْ أَنْتُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَأَهْدَى سَبِيلًا، فَأَنْزَلَ اللَّه
تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ
يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ.
قَالَ سُفْيَانُ: وَكَانَتْ غِفَارٌ أَهْلَ سَلَّةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ،
يَعْنِي سَرِقَةً.
وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ
قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ الضُّبَعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ
بن علي ابن زِيَادٍ السُّرِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ،
قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرِ ابن مَحْمُودِ بْنِ
مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه، قَالَ:
«لَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وسلم مَا كَانَ
اعْتَزَلَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَلَحِقَ بِمَكَّةَ وَكَانَ بِهَا،
وَقَالَ: لَا أُعِينُ عَلَيْهِ وَلَا أُقَاتِلُهُ.
فَقِيلَ لَهُ بِمَكَّةَ: يَا كَعْبُ أَدِينُنَا خَيْرٌ أَمْ دِينُ
مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ؟ قَالَ دِينُكُمْ خَيْرٌ وَأَقْدَمُ، دِينُ
مُحَمَّدٍ حَدِيثٌ فَنَزَلَتْ فِيهِ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا
نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ [ (24) ] ،
ثُمَّ قَدِمَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ الْمَدِينَةَ مُعْلِنًا بِمُعَادَاةِ
النبي صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ وَبِهِجَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ أَوَّلُ مَا خَرَجَ مِنْهُ قوله:
أَذَاهِبٌ أَنْتَ لَمْ تَحْلُلْ بِمَنْقَبَةٍ ... وَتَارِكٌ أَنْتَ أُمَّ
الْفَضْلِ بِالْحَرَمِ
صَفْرَاءَ رَادِعَةً لَوْ تُعْصَرُ اعْتَصَرَتْ ... مِنْ ذِي الْقَوَارِيرِ
وَالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ
إِحْدَى بَنِي عَامِرٍ هَامَ الْفُؤَادُ بِهَا ... وَلَوْ تَشَاءُ شَفَتْ
كَعْبًا مِنَ السَّقَمِ
لَمْ أَرَ شَمْسًا قَبْلَهَا طَلَعَتْ* حَتَّى تَبَدَّتْ لَنَا فِي
لَيْلَةِ الظُّلَمِ وَقَالَ أيضا:
طَحَنَتْ رَحَا بَدْرٍ لِمَهْلِكِ أَهْلِهِ ... وَلِمِثْلِ بَدْرٍ
يُسْتَهَلُّ ويقلع
__________
[ (24) ] [51- النساء] .
(3/194)
فَذَكَرَ الْأَبْيَاتِ الَّتِي
ذَكَرْنَاهَا يُبَدِّلُ حَرْفًا بِآخَرَ وَيُنْقِصُ الْبَيْتَ السَّابِعَ
وَقَالَ:
لِهِلْكِ بَنِي الْحَكِيمِ وَجُرِّعُوا
فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فِي
جَمَاعَةٍ: مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ؟ فَقَدْ آذَانَا بِالشِّعْرِ
وَقَوَّى الْمُشْرِكِينَ عَلَيْنَا. فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ:
أَنَا يَا رَسُولَ اللَّه قَالَ: فَأَنْتَ قَالَ: فَقَامَ مُحَمَّدٌ
فَمَشَى قَلِيلًا، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: إِنِّي قَائِلٌ [ (25) ] فَقَالَ
قُلْ فَأَنْتَ فِي حِلٍّ. فَخَرَجَ مُحَمَّدٌ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ
يَوْمَيْنِ حَتَّى أَتَى كَعْبًا وَهُوَ فِي حَائِطٍ فَقَالَ يَا كَعْبُ
جِئْتُ لِحَاجَةٍ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي قَتْلِهِ [ (26) ] .
وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِيمَا
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الحسن أحمد ابن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ، قَالَ أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ
بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، قَالَ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: سَمِعْتُ
جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّه، يَقُولُ: «قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى
اللَّه وَرَسُولَهُ. فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: يَا
رَسُولَ أَعْجَبُ إِلَيْكَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ [ (27) ] قَالَ: نَعَمْ. قَالَ
فَأْذَنْ لِي أَنْ أَقُولَ شَيْئًا. قَالَ: قُلْ.
فَأَتَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ
سَأَلَنَا صَدَقَةً، وَإِنَّهُ قَدْ عَنَّانَا [ (28) ] وَإِنِّي قَدْ
أَتَيْتُكَ أَسْتَسْلِفُكَ، قَالَ: وَأَيْضًا لَتَمَلُّنَّهُ [ (29) ] ،
قَالَ: إِنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاهُ، فَنَكْرَهُ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى
نَنْظُرَ أَيُّ شَيْءٍ يَصِيرُ شَأْنُهُ وَقَدْ أَرَدْنَا أَنْ تُسْلِفَنَا
قَالَ ارْهَنُونِي نِسَاءَكُمْ قَالَ كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا
وَأَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ. قَالَ فَارْهَنُونِي أَبْنَاءَكُمْ قَالَ
كَيْفَ نَرْهَنُكَ أَبْنَاءَنَا فَيُقَالُ رُهِنَ بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَيْنِ
[ (30) ] قَالَ: فَأَيُّ
__________
[ (25) ] اي أنه سيقول في الرسول صلى اللَّه عليه وسلم ما لا يعتقد: خدعة،
على سبيل جواز ذلك مع الأعداء في الحرب.
[ (26) ] انظر الحاشية (31) من هذا الباب.
[ (27) ] في الصحيحين: «أتحب أن أقتله» .
[ (28) ] (عنّانا) أي اوقعنا في العناء، وهو التعب والمشقة، وكلفنا ما يشق
علينا.
[ (29) ] (لتملّنه) : أي لتضجرن منه أكثر من هذا الضجر.
[ (30) ] (وسقين) : حملين.
(3/195)
شَيْءٍ؟ قَالُوا نَرْهَنُكَ اللَّأْمَةَ
قَالَ سُفْيَانُ يَعْنِي السِّلَاحَ قَالَ فَوَاعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ
فَجَاءَهُ لَيْلًا وَمَعَهُ أَبُو نَائِلَةَ وَهُوَ أَخُو كَعْبٍ مِنَ
الرَّضَاعَةِ فَدَعَاهُ مِنَ الْحِصْنِ فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ فَقَالَتِ
امْرَأَتُهُ أَيْنَ تَخْرُجُ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ قَالَ إِنَّمَا هُوَ
مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَأَخِي أَبُو نَائِلَةَ قَالَ إِذَا مَا جَاءَ
فَإِنِّي قَائِلٌ بِشَعْرِهِ فَأَشَمُّهُ ثُمَّ أَشَمُّكُمْ، فَإِذَا
رَأَيْتُمُونِي أَثْبَتُّ يَدِي فَدُونَكُمْ.
قَالَ: فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ مُتَوَشِّحًا وهو ينفخ مِنْهُ رِيحُ الطِّيبِ
فَقَالَ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ رِيحًا أَيْ أَطْيَبَ أَتَأْذَنُ لِي
أَنْ أَشَمَّ رَأْسَكَ قَالَ نَعَمْ فَشَمَّهُ ثُمَّ شَمَّ أَصْحَابُهُ
ثُمَّ قَالَ أَتَأْذَنُ لِي؟ قَالَ نَعَمْ فَلَمَّا اسْتَمْكَنَ مِنْهُ
قَالَ دُونَكُمْ فَضَرَبُوهُ فَقَتَلُوهُ فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ [
(31) ] ، وَزَادَ: قَالَ: إِنَّمَا هُوَ أَخِي مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ،
وَرَضِيعِي أَبُو نَائِلَةَ إِنَّ الْكَرِيمَ لَوْ دُعِيَ إِلَى طَعْنَةٍ
بِلَيْلٍ لَأَجَابَ. وَهُوَ فِي الْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ: لَوْ أَنَّ
الْفَتَى دُعِيَ لعنة أَجَابَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ
زِيَادٍ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ
الْهَيْثَمِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ عَنِ
الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ
__________
[ (31) ] الحديث أخرجه الْبُخَارِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ في:
64- كتاب المغازي (15) باب قتل كعب ابن الأشرف، الحديث (4037) ، فتح الباري
(7: 336- 337) .
وأخرجه مسلم في: 32- كتاب الجهاد والسير، (42) باب قتل كعب بن الأشرف طاغوت
اليهود، الحديث (119) ، ص (1425- 1426) عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ
الحنظلي، وعبد اللَّه ابن محمد بن عبد الرحمن بن المسور الزّهري، كلاهما
عَنْ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عمرو، عن جابر.
كما أخرجه أبو داود في الجهاد عن أحمد بن صالح، في باب العدو يؤتى على غرة،
الحديث (2768) ، ص (3: 87- 88) .
(3/196)
ابْنَ عَبْدِ اللَّه بْنِ كَعْبِ بْنِ
مَالِكٍ وَكَانَ مِنْ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ
يُرِيدُ كَعْبَ ابن مَالِكٍ «أَنَّ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ الْيَهُودِيَّ
كَانَ شَاعِرًا، وَكَانَ يَهْجُو رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
وَيُحَرِّضُ عَلَيْهِ كُفَّارَ قُرَيْشٍ فِي شِعْرِهِ، وَكَانَ رَسُولُ
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَأَهْلُهَا
أخلاطا مِنْهُمُ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ تَجْمَعُهُمْ دَعْوَةُ رَسُولِ
اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهُمُ الْمُشْرِكُونَ
الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ، وَمِنْهُمُ الْيَهُودُ وَهُمْ أَهْلُ
الْحَلْقَةِ وَالْحُصُونِ، وَهُمْ حُلَفَاءُ لِلْحَيَّيْنِ: الْأَوْسِ،
وَالْخَزْرَجِ، فَأَرَادَ رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ
قَدِمَ الْمَدِينَةَ اسْتِصْلَاحَهُمْ كُلَّهُمْ، وَكَانَ الرَّجُلُ
يَكُونُ مُسْلِمًا وَأَبُوهُ مُشْرِكٌ، وَالرَّجُلُ يَكُونُ مُسْلِمًا
وَأَخُوهُ مُشْرِكٌ.
وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حِينَ
قَدِمَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّه
صَلَّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه أَشَدَّ الْأَذَى فَأَمَرَ اللَّه
تَعَالَى رَسُولَهُ وَالْمُسْلِمِينَ بِالصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ وَالْعَفْوِ
عَنْهُمْ فَفِيهِمْ أَنْزَلَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا
أَذىً كَثِيراً [ (32) ] الْآيَةَ.
وَفِيهِمْ أَنْزَلَ اللَّه وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ
يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ
أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا
وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ [ (33) ] .
فَلَمَّا أَبَى كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ أَنْ يَنْزِعَ عَنْ أَذَى رَسُولِ
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَذَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ
رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ أَنْ
يَبْعَثَ رَهْطًا لِيَقْتُلُوهُ، فَبَعَثَ إليه سعد ابن مُعَاذٍ،
وَمُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيَّ ثُمَّ الْحَارِثِيَّ، وَأَبَا
عَبْسٍ الْأَنْصَارِيَّ، وَالْحَارِثَ ابْنَ أَخِي سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي
خَمْسَةِ رَهْطٍ أَتَوْهُ عَشِيَّةً، وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِمْ
بِالْعَوَالِي، فَلَمَّا رَآهُمْ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ أَنْكَرَ
شَأْنَهُمْ وَكَانَ يُذْعَرُ مِنْهُمْ. فَقَالَ
__________
[ (32) ] الآية الكريمة (186) من سورة آل عمران.
[ (33) ] الآية الكريمة (109) من سورة البقرة.
(3/197)
لَهُمْ: مَا جَاءَ بِكُمْ؟ فَقَالُوا:
جَاءَتْ بِنَا إِلَيْكَ حَاجَةٌ. قَالَ: فَلْيَدْنُ إِلَيَّ بَعْضُكُمْ
فَلْيُحَدِّثْنِي بِهَا فَدَنَا إِلَيْهِ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: جِئْنَاكَ
لِنَبِيعَكَ أَدْرَاعًا لَنَا لِنَسْتَنْفِقَ أَثْمَانَهَا فَقَالَ واللَّه
لَئِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ لَقَدْ جُهِدْتُمْ قَدْ نَزَلَ بِكُمْ هَذَا
الرَّجُلُ، فَوَاعَدَهُمْ أَنْ يَأْتُوهُ عِشَاءً حِينَ يَهْدِي عَنْهُمُ
النَّاسُ، فَجَاءُوا فَنَادَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَامَ لِيَخْرُجَ
فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ مَا طَرَقُوكَ سَاعَتَهُمْ هَذِهِ لِشَيْءٍ مِمَّا
تُحِبُّ. فَقَالَ: بَلَى إِنَّهُمْ قَدْ حَدَّثُونِي حَدِيثَهُمْ،
فَاعْتَنَقَهُ أَبُو عَبْسٍ، وَضَرَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ
بِالسَّيْفِ، وَطَعَنَهُ بَعْضُهُمْ بِالسَّيْفِ فِي خَاصِرَتِهِ، فَلَمَّا
قَتَلُوهُ فَزِعَتِ الْيَهُودُ وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ،
فَغَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ
أَصْبَحُوا فَقَالُوا: إِنَّهُ طُرِقَ صَاحِبُنَا اللَّيْلَةَ وَهُوَ
سَيِّدٌ مِنْ سَادَاتِنَا فَقُتِلَ، فَذَكَّرَهُمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَانَ يَقُولُ فِي أَشْعَارِهِ
وَيَنْهَاهُمْ بِهِ، وَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ
إِلَى أَنْ يَكْتُبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ
كِتَابًا يَنْتَهُوا إِلَى مَا فِيهِ، فَكَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ
عَامَّةً صَحِيفَةً كَتَبَهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم
تَحْتَ الْعَذْقِ الَّذِي كَانَ فِي دَارِ ابْنَةِ الْحَارِثِ، وَكَانَتْ
تِلْكَ الصَّحِيفَةُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ» [ (34)
] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ أَنَّ الْحَكَمَ بْنَ نَافِعٍ
حَدَّثَهُمْ قَالَ:
أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
عَبْدِ اللَّه بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَكَانَ مِنْ
أَحَدَ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ، قَالَ: كَانَ كَعْبُ بْنُ
الْأَشْرَفِ يَهْجُو فَذَكَرَهُ، وَحَدِيثُ عبد الكريم أتم.
__________
[ (34) ] هو الحديث رقم (3000) في سنن أبي داود مختصرا، ص (3: 154) في كتاب
الخراج والإمارة والفيء عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، أَنَّ
الْحَكَمَ بْنَ نَافِعٍ حَدَّثَهُمْ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ كَعْبِ
بْنِ مَالِكٍ! عَنْ أَبِيهِ ... ورواه مالك عن الزهري، عن كعب بن مالك
مرسلا بعضه، وفيه اختلاف كثير عند مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ في
الزهريات، ونقله عنه ابن عبد البر في «التمهيد» .
(3/198)
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه
الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ
يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي
عَبْدُ اللَّه بْنُ الْمُغِيثِ [ (35) ] «أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ لِي لِابْنِ الْأَشْرَفِ؟ فَذَكَرَ
الْحَدِيثَ بِطُولِهِ
وَسَمَّى الَّذِينَ اجْتَمَعُوا فِي قَتْلِهِ: مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ،
وَسِلْكَانُ بن سلامة بن وقش، وَهُوَ أَبُو نَائِلَةَ أَحَدُ بَنِي عَبْدِ
الْأَشْهَلِ، وَكَانَ أَخَا كَعْبٍ مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَعَبَّادُ بْنُ
بِشْرِ بْنِ وَقْشٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَالْحَارِثُ بْنُ
أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ أحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَأَبُو عَبْسِ بْنُ
جَبْرٍ أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ، وَذَكَرَ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ أَوْسٍ
أَصَابَهُ بَعْضُ أَسْيَافِهِمْ فَجُرِحَ فِي رَأْسَهِ وَرِجْلِهِ قَالُوا
فَاحْتَمَلْنَاهُ فَجِئْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ آخِرَ اللَّيْلِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ
فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم إلينا فأخبرناه بتفل
عَدُوِّ اللَّه فَتَفَلَ عَلَى جُرْحِ صَاحِبِنَا فَرَجَعْنَا إِلَى
أَهْلِينَا» [ (36) ] .
وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ بِأَسَانِيدِهِ [ (37) ] فِي قِصَّةِ
قَتْلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ قَالَ فَتَفَلَ عَلَى جُرْحِهِ فَلَمْ يؤْذِهِ.
أخبرنا أبو عبد اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه
بْنُ بُطَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ بِأَسَانِيدَ لَهُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ.
وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَنَّ عَبَّادَ بْنَ بِشْرٍ هُوَ الَّذِي
أُصِيبَ فِي وَجْهِهِ أَوْ رِجْلِهِ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الرِّوَايَةِ
الْأُولَى، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ
__________
[ (35) ] في سيرة ابن هشام: «حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّه بْنُ المغيث بْنِ
أَبِي بُرْدَةَ الظَّفَرِيُّ، وَعَبْدُ اللَّه بْنُ أَبِي بكر ابن محمد بن
حزم، وعاصم بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَصَالِحُ بْنُ أَبِي أُمَامَةَ بن
سهل، كلّ قد حدثني بعض حديثه، قالوا ... » .
[ (36) ] سيرة ابن هشام (2: 431) .
[ (37) ] مغازي الواقدي (1: 184) .
(3/199)
قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ الدِّيلِيُّ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «مَشَى مَعَهُمْ رسول اللَّه صلى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ ثُمَّ وَجَّهَهُمْ
وَقَالَ انْطَلِقُوا عَلَى اسْمِ اللَّه، اللهُمَّ أَعِنْهُمْ» [ (38) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ
قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَوْلًى
لِزَيْدِ بْنِ ثابت، قال:
حدثني ابْنَةُ مُحَيِّصَةَ، عَنْ أَبِيهَا مُحَيِّصَةَ «أَنَّ رَسُولَ
اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ ظَفَرْتُمْ بِهِ مِنْ
رِجَالِ يَهُودَ فَاقْتُلُوهُ، فَوَثَبَ مُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ عَلَى
ابْنِ سُنَيْنَةَ رَجُلٍ مِنْ تُجَّارِ يَهُودَ كَانَ يُلَابِسُهُمْ
يبايعهم، فَقَتَلَهُ،
وَكَانَ حُوَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ إِذْ ذَاكَ لَمْ يُسْلِمْ، وَكَانَ
أَسَنَّ مِنْ مُحَيِّصَةَ، فَلَمَّا قَتَلَهُ جَعَلَ حُوَيِّصَةُ
يَضْرِبُهُ وَيَقُولُ: أَيْ عَدُوَّ اللَّه قَتَلْتَهُ، أَمَا واللَّه
لَرُبَّ شَحْمٍ فِي بَطْنِكَ مِنْ مَالِهِ، فَقَالَ مُحَيِّصَةُ: فَقُلْتُ
لَهُ: واللَّه لَقَدْ أَمَرَنِي بِقَتْلِهِ مَنْ لَوْ أَمَرَنِي بِقَتْلِكَ
ضَرَبْتُ عنقك- فو اللَّه إِنْ كَانَ لَأَوَّلُ إِسْلَامِ حُوَيِّصَةَ،
قَالَ: واللَّه لَوْ أَمَرَكَ مُحَمَّدٌ بِقَتْلِي لَقَتَلْتَنِي؟ قَالَ
مُحَيِّصَةُ: نَعَمْ واللَّه.
قَالَ حُوَيِّصَةُ واللَّه إِنَّ دِينًا بَلَغَ بِكَ هَذَا الْعَجَبُ [
(39) ] .
زَادَ فِيهِ الْوَاقِدِيُّ [ (40) ] : فَأَسْلَمَ حُوَيِّصَةُ يَوْمَئِذٍ
وَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا
أَصْبَحَ مِنَ اللَّيْلَةِ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا ابن الأشراف أَمَرَ
بِهَذَا» [واللَّه أَعْلَمُ] [ (41) ] .
__________
[ (38) ] سيرة ابن هشام (2: 438) .
[ (39) ] الخبر في سيرة ابن هشام (2: 441) ، وتاريخ ابن كثير (4: 8- 9) .
[ (40) ] مغازي الواقدي (1: 191- 192) ، والزيادة هذه موجودة أيضا في سيرة
ابن هشام.
[ (41) ] الزيادة من (هـ) فقط، وليست في باقي النسخ.
(3/200)
|