دلائل
النبوة للبيهقي محققا بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
جُمَّاعُ أَبْوَابِ غَزْوَةِ أُحُدٍ [ (1) ] بَابُ ذِكْرِ التَّارِيخِ
لِوَقْعَةِ أُحُدٍ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ
أَبِي مَنِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ،
قَالَ: ثُمَّ كَانَتْ وَقْعَةُ أُحُدٍ فِي شَوَّالٍ عَلَى رَأْسِ سَنَةٍ
مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ، وَرَئِيسُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ أَبُو
سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ [ (2) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْخَلِيلِ الْبَغْدَادِيُّ بِنَيْسَابُورَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: وَاقَعَ نبي الله صلى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ بَعْدَ بَدْرٍ فِي
شَوَّالٍ يَوْمَ السَّبْتِ لِإِحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ
شَوَّالٍ وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَوْمَئِذٍ سَبْعَمِائَةٍ وَالْمُشْرِكُونَ
أَلْفَيْنِ أَوْ مَا شَاءَ اللهُ مِنْ ذَلِكَ [ (3) ] .
__________
[ (1) ] انظر في غزوة أحد: ابن سعد (2: 36) ، مغازي الواقدي (1: 197) ،
وسيرة ابن هشام (3:
3) ، وصحيح البخاري (5: 93) ، ومسلم بشرح النووي (12: 147) ، وتاريخ الطبري
(2:
499) ، وأنساب الأشراف (1: 148) ، وابن حزم (156) ، والدرر في اختصار
المغازي والسير (145) وعيون الأثر (2: 5) ، وتاريخ ابن كثير (4: 9) ،
والنويري (17: 81) ، والسيرة الحلبية (2: 284) ، والسيرة الشامية (4: 271)
.
[ (2) ] البداية والنهاية (4: 9) .
[ (3) ] قول قتادة في البداية والنهاية (4: 9) .
(3/201)
قُلْتُ: وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ للنصف من
شوال [ (4) ] هـ.
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ
مُحَمَّدُ بْنُ الْمُؤَمَّلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ،
قَالَ: كَانَتْ بَدْرٍ لِسَنَةٍ وَنِصْفٍ مِنْ مَقْدَمِ النبي صلى اللَّه
عليه وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَأُحُدٌ بَعْدَهَا بسنة [ (5) ] هـ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ
عَبْدِ الْأَعْلَى [ (6) ] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مَالِكٌ، قَالَ: كَانَتْ أُحُدٌ عَلَى أَحَدٍ وَثَلَاثِينَ
شَهْرًا فِي شَوَّالٍ، مِنْ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه
وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ مُهَاجِرًا، قَالَ: وَكَانَ الْقِتَالُ يَوْمَ
أُحُدٍ في أول النهار.
__________
[ (4) ] تاريخ ابن كثير (4: 9) عن ابن إسحاق.
[ (5) ] قول مالك نقله ابن كثير في التاريخ (4: 9) .
[ (6) ] رسمت ي (أ) : «الاعلا» .
(3/202)
بَابُ ذِكْرِ مَا أُرِيَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنَامِهِ مِنْ شَأْنِ الْهِجْرَةِ
وَأُحُدٍ وَمَا جَاءَ اللهُ بِهِ مِنَ الْفَتْحِ بَعْدُ
أَخْبَرَنَا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو قَالَا:
حَدَّثَنَا أبو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحَارِثِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أُرِيتُ فِي
الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ،
فَذَهَبَ وَهَلِي [ (7) ] إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، [ (8)
] ، فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ: يَثْرِبُ.
وَرَأَيْتُ فِيَ رُؤْيَايَ هَذِهِ أَنِّي قَدْ هَزَزْتُ سَيْفًا
فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ
أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مِمَّا كَانَ، فَإِذَا
هُوَ مَا جَاءَ اللهُ بِهِ مِنَ الْفَتْحِ وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ،
وَرَأَيْتُ فِيهَا أَيْضًا بَقَرًا [ (9) ] وَاللهُ خير [ (10) ] فإذا
__________
[ (7) ] (وهلي) بتسكين الهاء وفتحها أي: وهمي، واعتقادي.
[ (8) ] (هجر) : مدينة معروفة، وهي قاعدة البحرين.
[ (9) ] (ورأيت فيها بقرا) : قد جاء في غير مسلم زيادة في هذا الحديث:
ورأيت بقرا تنحر، وبهذه الزيادة يتم تأويل الرؤيا بما ذكر، فنحر البقر هو
قتل الصَّحَابَةِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- الذين قتلوا بأحد.
[ (10) ] (والله خير) : قال القاضي عياض: قد ضبطنا هذا الحرف عن جميع
الرواة: والله خير، على المبتدأ والخبر.
(3/203)
هُمُ النَّفَرُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ
أُحُدٍ، وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللهُ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ وَثَوَابِ
الصِّدْقِ الَّذِي آتَانَا بَعْدُ يَوْمَ [ (11) ] بَدْرٍ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ،
عَنْ أَبِي أُسَامَةَ [ (12) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ
وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
قَالَ: تَنَفَّلَ رَسُولُ الله صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ سَيْفَهُ ذَا
الْفَقَارِ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَهُوَ الَّذِي رَأَى
فِيهِ الرُّؤْيَا يَوْمَ أُحُدٍ، وذَلِكَ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا جَاءَهُ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ أُحُدٍ
كَانَ رَأْيُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ أَنْ يُقِيمَ
بِالْمَدِينَةِ يُقَاتِلُهُمْ فِيهَا، فَقَالَ لَهُ نَاسٌ لَمْ يَكُونُوا
شَهِدُوا بَدْرًا: يَخْرُجُ بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ نُقَاتِلُهُمْ بِأُحُدٍ،
__________
[ (11) ] (بعد يوم بدر) : ضبط بضم دال بعد، ونصب يوم، قال: وروي بنصب
الدال، قالوا: ومعناه مَا جَاءَ اللَّه بِهِ بعد بدر الثانية من تثبيت قلوب
المؤمنين، لأن الناس جمعوا لهم وخوّفوهم فزادهم ذلك إِيمَانًا وَقَالُوا:
حَسْبُنَا اللَّه ونعم الوكيل، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّه
وَفَضْلٍ، لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ، وتفرّق العدو عنهم هيبة لهم.
وقال أكثر شراح الحديث: معناه ثواب اللَّه خير، أي صنع اللَّه بالمقتولين
خير لهم من بقائهم في الدنيا.
[ (12) ] الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي: 42- كتاب الرؤيا (4) باب
رُؤْيَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم، الحديث (20) ، ص (1779- 1780)
.
وأخرجه البخاري مقطعا في غير موضع من المغازي، في (26) باب مَنْ قُتِلَ
مِنَ الْمُسْلِمِينَ يوم أحد، الحديث (4081) ، عن ابي كريب محمد بن العلاء،
فتح الباري (7: 374- 375) ، وفي كتاب المناقب، باب علامات النبوة في
الإسلام، وفي كتاب التعبير، (باب) إذا رأى بقرا تنحر، و (باب) إذا رأى انه
أخرج الشيء من كورة فأسكنه موضعا آخر، كلاهما عن أبي كريب.
كما أخرجه ابن ماجة في كتاب تعبير الرؤيا، باب تعبير الرؤيا، عَنْ
مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ، عن ابي اسامة.
(3/204)
وَرَجَوْا أَنْ يُصِيبُوا مِنَ
الْفَضِيلَةِ مَا أَصَابَ أَهْلُ بَدْرٍ، فَمَا زَالُوا بِرَسُولِ اللَّه
صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ حَتَّى لَبِسَ أَدَاتَهُ، ثُمَّ نَدِمُوا
وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه! أَقِمْ فَالرَّأْيُ رَأْيُكَ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ
أَنْ يَضَعَ أَدَاتَهُ بَعْدَ أَنْ لَبِسَهَا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّه
بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدُوِّهِ، قَالُوا: وَكَانَ مِمَّا قَالَ لَهُمْ
رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ أَنْ
يَلْبَسَ الْأَدَاةَ: إِنِّي رَأَيْتُ أَنِّيَ فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ
فَأَوَّلْتُهَا الْمَدِينَةَ،، وَإِنِّي مُرْدِفٌ كَبْشًا فَأَوَّلْتُهُ
كَبْشَ الْكَتِيبَةِ، وَرَأَيْتُ أَنَّ سَيْفِي ذَا الْفَقَارِ فُلَّ
فَأَوَّلْتُهُ فَلًّا فِيكُمْ، وَرَأَيْتُ بَقَرًا تُذْبَحُ فَبَقَرٌ
واللَّه خَيْرٌ، [ (13) ] فَبَقَرٌ واللَّه خَيْرٌ [ (14) ] .
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاجِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ
غِيَاثٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ
زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ، كَأَنِّي مُرْدِفٌ
كَبْشًا، وَكَأَنَّ ظُبَةَ سَيْفِي انْكَسَرَتْ فَأَوَّلْتُ أَنِّي
أَقْتُلُ كَبْشًا لِقَوْمٍ، وَأَوَّلْتُ كَسْرَ ظُبَةِ سَيْفِي: قَتْلَ
رَجُلٍ مِنْ عِتْرَتِي [ (15) ] حَمْزَةَ، وَقُتِلَ طَلْحَةُ بْنُ أَبِي
طَلْحَةَ وَكَانَ صَاحِبَ اللِّوَاءِ [ (16) ] .
__________
[ (13) ] تقدم شرح معناها بالحاشية (10) من هذا الباب.
[ (14) ] أخرجه الإمام أحمد في مسنده (1: 271) ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
[ (15) ] فِي (هـ) «عثرتي» ، وهو تصحيف.
[ (16) ] نقله الصالحي في السيرة الشامية (4: 274) وعزاه للإمام أحمد،
والطبراني، والحاكم، والبيهقي، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (6: 107-
108) ، وقال: رواه الطبراني، واللفظ له، والبزار، واحمد، ولم يكمله، وفيه:
علي بن زيد وهو سيء الحفظ، وبقية رجاله رجال الصحيح.
ووقع في الأصل، ومجمع الزوائد: «وقتل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم،
طَلْحَةَ، وَكَانَ صَاحِبَ اللِّوَاءِ» وفي السيرة الشامية: (4: 275) :
«وَقُتِلَ طَلْحَةُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، وَكَانَ صَاحِبَ اللِّوَاءِ» .
وفي سيرة ابن هشام (3: 67) : «وقال ابن إسحاق: وَقُتِلَ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أحد: من قريش، ثُمَّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ
بْنِ قصي من أصحاب اللواء: طلحة بن أبي طلحة.... قتله علي بن أبي طالب-
رَضِيَ اللَّه عَنْهُ-
(3/205)
بَابَ سِيَاقِ قِصَّةِ خُرُوجِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ إِلَى أُحُدٍ وَكَيْفَ كَانَتِ الْوَقْعَةُ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ ابْنَ عَبْدِ اللَّه بْنِ
عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ
الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ
مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ فِي الْمَغَازِي، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ محمد ابن الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَمِّهِ: مُوسَى
بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: وَرَجَعَتْ قُرَيْشٌ فَاسْتَجْلَبُوا مَنِ
اسْتَطَاعُوا مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَسَارَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ
حَرْبٍ فِي جَمْعِ قُرَيْشٍ وَذَلِكَ فِي شَوَّالٍ مِنَ الْعَامِ
الْمُقْبِلِ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ، حَتَّى طَلَعُوا مِنْ بِئْرِ الحاوين،
ثُمَّ نَزَلُوا بِبَطْنِ الْوَادِي الَّذِي قَبْلَ أُحُدٍ، وَكَانَ رِجَالٌ
مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَشْهَدُوا بَدْرًا نَدِمُوا عَلَى مَا فَاتَهُمْ
مِنْ سَابِقَةِ بَدْرٍ وَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَلِيُبْلُوا مَا
أَبْلَى إِخْوَانُهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَمَّا نَزَلَ أَبُو سُفْيَانَ
وَالْمُشْرِكُونَ بِأَصْلِ أُحُدٍ فَرِحَ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ لَمْ
يَشْهَدُوا بَدْرًا، بِقُدُومِ الْعَدُوِّ عَلَيْهِمْ، وَقَالُوا: قَدْ
سَاقَ اللَّه إِلَيْنَا بِأُمْنِيَّتِنَا، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم أُرِيَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ رُؤْيَا،
فَأَصْبَحَ فَجَاءَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: رَأَيْتُ
(3/206)
الْبَارِحَةَ فِي مَنَامِي بَقَرًا واللَّه
خَيْرٌ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ فُلَيْحٍ بَقَرًا تُذْبَحُ، وَرَأَيْتُ
سَيْفِيَ ذَا الْفَقَارِ انْفَصَمَ مِنْ عِنْدِ ظُبَتِهِ- أَوْ قَالَ: بِهِ
فُلُولٌ فَكَرِهْتُهُ وَهُمَا مُضَبَّبَتَانِ- وَرَأَيْتُ أني في درع حصينة
وَأَنِّي مُرْدِفٌ كَبْشًا، فَلَمَّا أَخْبَرَهُمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرُؤْيَاهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه!
مَاذَا أَوَّلْتَ رُؤْيَاكَ؟ قَالَ: أَوَّلْتُ الْبَقَرَ الَّذِي رَأَيْتُ
نَفَرًا فِينَا وَفِي الْقَوْمِ، وَكَرِهْتُ مَا رَأَيْتُ بِسَيْفِيَ،
وَيَقُولُ رِجَالٌ: وَكَانَ الَّذِي رَأَى بِسَيْفِهِ الَّذِي أَصَابَ
وَجْهَهُ، فَإِنَّ الْعَدُوَّ أَصَابُوا وَجْهَهُ يَوْمَئِذٍ، وَفَصَمُوا
رَبَاعِيَتَهُ، وَخَرَقُوا شَفَتَهُ يَزْعُمُونَ أَنَّ الَّذِي رَمَاهُ
عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَكَانَ الْبَقَرُ مَنْ قُتِلَ يَوْمَئِذٍ
مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ: أَوَّلْتُ الْكَبْشَ أَنَّهُ كَبْشُ
كَتِيبَةِ الْعَدُوِّ فَقَتَلَهُ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ فُلَيْحٍ:
يَقْتُلُهُ اللَّه، وَأَوَّلْتُ الدِّرْعَ الْحَصِينَةَ: الْمَدِينَةَ،
فَامْكُثُوا وَاجْعَلُوا الذَّرَارِيَّ فِي الْآطَامِ، فَإِنْ دَخَلَ
عَلَيْنَا الْقَوْمُ فِي الْأَزِقَّةِ قَاتَلْنَاهُمْ وَرُمُوا مِنْ فَوْقِ
الْبُيوتِ وَكَانُوا قَدْ شَكُّوا أَزِقَّةَ الْمَدِينَةِ بِالْبُنْيَانِ،
حَتَّى كَانَتْ كالْحِصْنِ، فَقَالَ الَّذِينَ لَمْ يَشْهَدُوا بَدْرًا
كُنَّا يَا نَبِيَّ اللَّه نَتَمَنَّى هَذَا الْيَوْمَ وندعوا اللَّه،
فَقَدْ سَاقَهُ اللَّه إِلَيْنَا، وَقَرَّبَ الْمَسِيرَ.
وَقَالَ رِجَالٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: مَتَى نُقَاتِلُهُمْ يَا نَبِيَّ
اللَّه لِمَ نُقَاتِلْهُمْ عِنْدَ شِعْبِنَا؟
وَقَالَ رِجَالٌ مَاذَا نَمْنَعُ إِذَا لَمْ نَمْنَعِ الْحَرْثَ يُزْرَعُ.
وَقَالَ رِجَالٌ قَوْلًا صَدَقُوا بِهِ وَمَضَوْا عَلَيْهِ، مِنْهُمْ:
حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: وَالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ
الْكِتَابَ لَنُجَالِدَنَّهُمْ.
وَقَالَ يَعْمَرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَهُوَ أَحَدُ بَنِي
سَالِمٍ، يَا نَبِيَّ اللَّه! لَا تحرمنا الجنة، فو الذي نَفْسِي بِيَدِهِ
لَأَدْخُلَنَّهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِمَ؟ قَالَ بِأَنِّي أُحِبُّ اللَّه وَرَسُولَهُ وَلَا أَفِرُّ
يَوْمَ الزَّحْفِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: صَدَقْتَ، فَاسْتُشْهِدَ يَوْمَئِذٍ.
وَأَبَى كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا الْخُرُوجَ إِلَى الْعَدُوِّ، وَلَمْ
يَتَنَاهَوْا إِلَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَرَأْيِهِ، وَلَوْ رَضُوا بِالَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ كَانَ
ذَلِكَ، وَلَكِنْ غَلَبَ الْقَضَاءُ
(3/207)
وَالْقَدَرُ، وَعَامَّةُ مَنْ أَشَارَ
عَلَيْهِ بِالْخُرُوجِ رِجَالٌ لَمْ يَشْهَدُوا بَدْرًا، قَدْ عَلِمُوا
الَّذِي سَبَقَ لِأَصْحَابِ بَدْرٍ مِنَ الْفَضِيلَةِ، فَلَمَّا صَلَّى
رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُمُعَةَ وَعَظَ
النَّاسَ وَذَكَّرَهُمْ، وَأَمَرَهُمْ بِالْجَدِّ وَالْجِهَادِ، ثُمَّ
انْصَرَفَ مِنْ خُطْبَتِهِ وَصَلَاتِهِ، فَدَعَا بِاللَّأْمَةِ
فَلَبِسَهَا، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْخُرُوجِ.
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رِجَالٌ مِنْ ذَوِي الرَّأْيِ قَالُوا: أَمَرَنَا
رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ أَنْ نَمْكُثَ
بِالْمَدِينَةِ، فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْنَا الْعَدُوُّ قَاتَلْنَاهُمْ فِي
الْأَزِقَّةِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِاللهِ وَمَا يُرِيدُ وَيَأْتِيهِ
الْوَحْيُ مِنَ السَّمَاءِ، ثُمَّ أَشْخَصْنَاهُ، يَا نَبِيَّ اللَّه
امْكُثْ كَمَا أَمَرْتَنَا،
قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يَنْبَغِي
لِنَبِيٍّ إِذَا أَخَذَ لَأْمَةَ الْحَرْبِ وَآذَنَ بِالْخُرُوجِ إِلَى
الْعَدُوِّ أَنْ يَرْجِعَ حَتَّى يُقَاتِلَ، وَقَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى
هَذَا الْحَدِيثِ فَأَبَيْتُمْ إِلَّا الْخُرُوجَ، فَعَلَيْكُمْ بِتَقْوَى
اللَّه وَالصَّبْرِ عِنْدَ الْبَأْسِ إِذَا لَقِيتُمُ الْعَدُوَّ انْظُرُوا
مَا آمُرُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوهُ،
فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَالْمُسْلِمُونَ فَسَلَكُوا عَلَى الْبَدَائِعِ وَهُمْ أَلْفُ رَجُلٍ
وَالْمُشْرِكُونَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، فَمَضَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَ بِأُحُدٍ، وَرَجَعَ عَنْهُ: عَبْدُ
اللَّه بْنُ أبي بن سَلُولَ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ فَبَقِيَ رَسُولُ اللَّه
صَلَّى اللَّه عليه وسلم في سبع مائة، فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ
الْأَنْصَارِيُّ:
إِنَّا بِهَذَا الْجِذْعِ لَوْ كَانَ أَهْلُهُ ... سِوَانَا لَقَدْ سَارُوا
بِلَيْلٍ فَأَقْشَعُوا [ (1) ]
جِلَادٌ عَلَى رَيْبِ الْحَوَادِثِ لَا تَرَى ... عَلَى هَالِكٍ عَيْنًا
لَنَا الدهر تدمع [ (2) ]
__________
[ (1) ] في سيرة ابن هشام (3: 74) ورد بيت الشعر كما يلي:
وإنّا بأرض الخوف لو كان أهلها* سوانا لقد أجلوا بليل فأقشعوا ومعنى
أقشعوا، فروا، وذلوا.
[ (2) ] جلاد: جمع جليد، وهو الصبور.
(3/208)
ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَنَحْنُ نَصِيَّةٌ ...
ثَلَاثُ مِيِينٍ إِنْ كَثُرْنَا وَأَرْبَعُ [ (3) ]
فَرَاحُوا سِرَاعًا مُوجِفِينَ كَأَنَّهُمْ ... غَمَامٌ هَرَاقَتْ مَاءَهَا
الرِّيحُ تُقْلِعُ [ (4) ]
وَرُحْنَا وَأُخْرَانَا بِطَاءٌ كَأَنَّنَا ... أُسُودٌ عَلَى لَحْمٍ
بِبِيشَةَ ظُلَّعُ [ (5) ]
فَلَمَّا رَجَعَ عَبْدُ اللَّه بْنُ أبي بالثلاث مائة، سُقِطَ فِي أَيْدِي
الطَّائِفَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَهَمَّتَا أَنْ تَقْتَتِلَا،
وَهُمَا: بَنُو حَارِثَةَ، وَبَنُو سَلِمَةَ كَمَا يُقَالُ، وَصَفَّ
رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم المسلمون بِأَصْلِ أُحُدٍ، وَصَفَّ
الْمُشْرِكُونَ بِالسَّبَخَةِ الَّتِي قِبَلَ أُحُدٍ وَتَعَبَّأَ
الْفَرِيقَانِ لِلْقِتَالِ، وَجَعَلَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى خَيْلِهِمْ
خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَمَعَهُمْ مِائَةُ فَرَسٍ
وَلَيْسَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَرَسٌ، وَحَامِلُ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ
مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وَاشْتَكَى صَاحِبُ لِوَائِهِمْ: طَلْحَةُ
بْنُ عُثْمَانَ أَخُو شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ، وَكَانَتْ لَهُمُ
الْحِجَابَةُ وَالنَّدْوَةُ وَاللِّوَاءُ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ
حَرْبٍ: إِنَّ اللِّوَاءَ ضَاعَ يَوْمَ بَدْرٍ حَتَّى قُتِلَ حَوْلَهُ مَنْ
قَدْ عَلِمْتُمْ، وَأَرَى أَنْ أُعَارِضَهُمْ بلواء آخر، فقالت بَنُو
عَبْدِ الدَّارِ وَالْأَحْلَافُ: إِنْ شِئْتُمْ فَارْفَعُوا لِوَاءً آخَرَ،
وَلَكِنْ لَا يَرْفَعُهُ إِلَّا رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ،
فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: بَلْ عَلَيْكُمْ بِلِوَائِكُمْ فَاصْبِرُوا
عِنْدَهُ.
وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ خَمْسِينَ رَجُلًا
مِنَ الرُّمَاةِ فَجَعَلَهُمْ نَحْوَ خَيْلِ الْعَدُوِّ، وَأَمَّرَ
عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّه بْنَ جُبَيْرٍ أَخَا خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ،
وَقَالَ لَهُمْ: أَيُّهَا الرُّمَاةُ إِذَا أَخَذْنَا مَنَازِلَنَا مِنَ
الْقِتَالِ فَإِنْ رَأَيْتُمْ خَيْلَ الْمُشْرِكِينَ تَحَرَّكَتْ
وَانْهَزَمَ أَعْدَاءُ اللَّه فَلَا تَتْرُكُوا مَنَازِلَكُمْ، إِنِّي
أَتَقَدَّمُ إِلَيْكُمْ أَنْ لَا يُفَارِقَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ مَكَانَهُ
وَاكْفُونِي الْخَيْلَ، فَوَعَزَ إِلَيْهِمْ فَأَبْلَغَ، وَمِنْ نَحْوِهِمْ
كَانَ الَّذِي نَزَلَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَوْمَئِذٍ والذي أصابه.
__________
[ (3) ] النصيّة: الخيار من القوم.
[ (4) ] (موجف) : مسرع.
[ (5) ] بيشة: اسم موضع تنسب إليه الأسود، وظلّع: جمع ظالع، وهو من صفة
الأسود، وفي رواية: ضلّع.
(3/209)
فَلَمَّا عَهِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ عَهْدَهُ فِي الْقِتَالِ، وَكَانَ
حَامِلَ لِوَاءِ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه
صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَنَا عَاصِمٌ إِنْ شَاءَ اللَّه
لِمَا مَعِي، فَقَالَ لَهُ طَلْحَةُ- يَعْنِي طَلْحَةَ بْنَ عُثْمَانَ-:
هَلْ لَكَ يَا عَاصِمُ فِي الْمُبَارَزَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ فَبَدَرَهُ
ذَلِكَ الرَّجُلُ فَضَرَبَ بِالسَّيْفِ عَلَى رَأْسِ طَلْحَةَ حَتَّى
وَقَعَ السَّيْفُ فِي لِحْيَتِهِ فَقَتَلَهُ، فَكَانَ قَتْلُ صَاحِبِ
لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ تَصْدِيقًا لَرُؤْيَا رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وسلم إِنِّي مُرْدِفٌ كَبْشًا، فَلَمَّا صُرِعَ صَاحِبُ
اللِّوَاءِ انْتَشَرَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ،
وَصَارُوا كَتَائِبَ مُتَفَرِّقَةً، فَجَاسُوا الْعَدُوَّ ضَرْبًا حَتَّى
أَجْهَضُوهُمْ عَنْ أَثْقَالِهِمْ، وَحَمَلَتْ خَيْلُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى
الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ تُنْضَحُ بِالنَّبْلِ
فَتَرْجِعُ مَغْلُولَةً، وَحَمَلَ الْمُسْلِمُونَ فَنَهَكُوهُمْ قَتْلًا،
فَلَمَّا أَبْصَرَ الرُّمَاةُ الْخَمْسُونُ إن اللَّه عز وجل قَدْ فَتَحَ
لِإِخْوَانِهِمْ، قَالُوا: واللَّه مَا نَجْلِسُ هَاهُنَا لِشَيْءٍ، قَدْ
أَهْلَكَ اللَّه الْعَدُوَّ وَإِخْوَانُنَا فِي عَسْكَرِ الْمُشْرِكِينَ،
وَقَالَ طَوَائِفُ مِنْهُمْ:
عَلَى مَا نَصُفُّ وَقَدْ هَزَمَ اللَّه الْعَدُوَّ، فَتَرَكُوا
مَنَازِلَهُمُ الَّتِي عَهِدَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه
وَسَلَّمَ أَلَّا يَتْرُكُوهَا، وَتَنَازَعُوا وَفَشَلُوا، وَعَصَوَا
الرَّسُولَ، فَأَوْجَفَتِ الْخَيْلُ فِيهِمْ قَتْلًا، وَكَانَ عَامَّتُهُمْ
فِي الْعَسْكَرِ، فَلَمَّا أَبْصَرُوا ذَلِكَ الرِّجَالُ الْمُتَفَرِّقَةُ
أَنَّ الْخَيْلَ قَدْ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتِ: اجْتَمَعُوا وَأَقْبَلُوا
وَصَرَخَ صَارِخٌ أُخْرَاكُمْ أُخْرَاكُمْ قُتِلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسُقِطَ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ فَقُتِلَ
مِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ وَأَكْرَمَهُمُ اللَّه بِأَيْدِي الْمُشْرِكِينَ
وَأَصْعَدَ النَّاسُ فِي الشِّعْبِ لَا يَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ، وَثَبَّتَ
اللَّه- عَزَّ وَجَلَّ- النَّبِيَّ صلى اللَّه عليه وسلم حِينَ انْكَشَفَ
عَنْهُ مَنِ انْكَشَفَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ فِي
أُخْرَاهُمْ حَتَّى جَاءَهُ مَنْ جَاءَهُ مِنْهُمْ إِلَى قَرِيبٍ مِنَ
الْمِهْرَاسِ [ (6) ] فِي الشِّعْبِ، فَلَمَّا فُقِدَ رَسُولُ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: إِنَّ رَسُولَ
اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم قَدْ قُتِلَ فَارْجِعُوا إِلَى قَوْمِكُمْ
فَيُؤَمِّنُونَكُمْ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوكُمْ فَيَقْتُلُوكُمْ فَإِنَّهُمْ
دَاخِلُونَ الْبُيوتَ، وَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ
الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنْ كَانَ
رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم قد قتل أفلا تقاتلون
__________
[ (6) ] المهراس: اسم ماء بأقصى شعب أحد.
(3/210)
عَنْ دِينِكُمْ، وَعَلَى مَا كَانَ
عَلَيْهِ نَبِيُّكُمْ حَتَّى تَلْقَوُا اللهَ شُهَدَاءَ؟ مِنْهُمْ: أَنَسُ
بْنُ النَّضْرِ شَهِدَ لَهُ بِهَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ عِنْدَ رَسُولِ
اللهِ صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُقَالُ أَحَدُ بَنِي قُشَيْرٍ
الَّذِي قَالَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا
هَاهُنَا.
وَمَضَى النبي صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ يَلْتَمِسُ أَصْحَابَهُ فَإِذَا
الْمُشْرِكُونَ نَحْوَ وَجْهِهِ عَلَى طَرِيقِهِ، فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُولُ
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ اسْتَقْبَلُوهُ، قَالَ:
«اللهُمَّ إِنْ تَشَأْ لَا يَغْلِبُكَ أَحَدٌ فِي الْأَرْضِ وَقَالَ
اللهُمَّ إِنْ تَشَأْ لَا تُعْبَدُ» ،
فَانْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَدْعُو أَصْحَابَهُ مُصْعِدًا فِي الشِّعْبِ، مَعَهُ عِصَابَةٌ صَبَرُوا
مَعَهُ، مِنْهُمْ: طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّه، وَالزُّبَيْرُ بْنُ
الْعَوَّامِ، وَبَايَعُوهُ عَلَى الْمَوْتِ، وَجَعَلُوا يَسْتُرُونَهُ
بِأَنْفُسِهِمْ وَيُقَاتِلُونَ مَعَهُ حَتَّى قُتِلُوا إِلَّا سِتَّةَ
نَفَرٍ أَوْ سَبْعَةً وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَمْشُونَ حَوْلَ الْمِهْرَاسِ،
وَيُقَالُ كَانَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَوَّلَ مَنْ عَرَفَ عَيْنَ رسول
اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ فُقِدَ مِنْ وَرَاءِ
الْمِغْفَرِ فَنَادَى بِصَوْتِهِ الْأَعْلَى: اللَّه أَكْبَرُ، هَذَا
رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ-
زَعَمُوا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم- أَنِ اسْكُتْ، وَجُرِحَ
رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ فِي وَجْهِهِ، وَكُسِرَتْ
رَبَاعِيَتُهُ [ (7) ] .
وَكَانَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ قَالَ حِينَ افْتَدَى: واللَّه إِنَّ عِنْدِي
لَفَرَسًا أَعْلِفُهَا كُلَّ يَوْمٍ فَرْقَ ذُرَةٍ وَلَأَقَتُلَنَّ
عَلَيْهَا مُحَمَّدًا. فَبَلَغَتْ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حَلْفَتُهُ فَقَالَ: بَلْ أَنَا أَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّه.
فَأَقْبَلَ أُبَيٌّ مُقَنَّعًا فِي الْحَدِيدِ عَلَى فَرَسِهِ تِلْكَ
يَقُولُ: لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا مُحَمَّدٌ، فَحَمَلَ عَلَى رَسُولِ
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ قَتْلَهُ.
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ:، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ:
فَاعْتَرَضَ لَهُ رِجَالٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَلَّوْا طَرِيقَهُ، وَاسْتَقْبَلَهُ
مُصْعَبُ بْنُ عمير أخو
__________
[ (7) ] الرّباعية: الناب من الإنسان يذكر ما دام له هذا الإسم، وهو الذي
يلي الرباعيات، وقال ابن سينا: «ولا يجتمع في صيوان ناب وقرن معا» .
(3/211)
بَنِي عَبْدِ الدَّارِ يَقِي رَسُولَ
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ
عُمَيْرٍ، وَأَبْصَرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم ترقوة أبي بن
خلف من فرجة بن سَابِغَةِ الْبَيْضَةِ وَالدِّرْعِ، فَطَعَنَهُ بحربته،
فوقع أبي عن فَرَسِهِ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ طَعْنَتِهِ دَمٌ، قَالَ
سَعِيدُ: فَكَسَرَ ضِلْعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ فَفِي ذَلِكَ نَزَلَ وَما
رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [ (8) ] ، فَأَتَاهُ
أَصْحَابُهُ وَهُوَ يَخُورُ خُوَارَ الثَّوْرِ فَقَالُوا: مَا جَزَعُكَ
إِنَّمَا هُوَ خَدْشٌ،
فَذَكَرَ لَهُمْ قَوْلَ رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«بَلْ أَنَا أَقْتُلُ أُبَيًّا» ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ، لَوْ كَانَ هَذَا الَّذِي بِي بِأَهْلِ الْمَجَازِ لَمَاتُوا
أَجْمَعُونَ،
فَمَاتَ أُبَيُّ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ مَكَّةَ، فَلَمَّا لَحِقَ رَسُولُ
اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ وَنَظَرُوا إِلَيْهِ،
وَمَعَهُ: طَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَسَهْلُ ابن حُنَيْفٍ، وَالْحَارِثُ
بْنُ الصِّمَّةِ، أَخُو بَنِي النَّجَّارِ، ظَنَّ أَصْحَابُ رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم أَنَّ النَّفَرَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَوَضَعَ
أَحَدُهُمْ سَهْمًا عَلَى كَبِدِ قَوْسِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَرْمِيَ،
فَلَمَّا تَكَلَّمُوا وَنَادَاهُمْ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه
وَسَلَّمَ عَرَفُوهُ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُمْ بَلَاءٌ فِي
أَنْفُسِهِمْ قَطُّ حِينَ عَرَفُوا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ عَرَضَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ
نَفْسَهُ وَوَسْوَسَتُهُ وَتَحْزِينَهُ حِينَ أَبْصَرُوا عَدُوَّهُمْ قَدَ
انْفَرَجُوا عَنْهُمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ يَذْكُرُونَ قَتْلَاهُمْ
وَإِخْوَانَهُمْ وَيَسْأَلُ بعضهم بعضا عَنْ حَمِيمِهِ، فَيُخْبِرُ
بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِقَتْلَاهُمْ، وَقَالَ: اشْتَدَّ حُزْنُهُمْ، أَدْبَرَ
اللَّه عَلَيْهِمُ الْمُشْرِكِينَ وَغَمَّهُمْ بِهِمْ لِيُذْهِبَ بِذَلِكَ
الْحُزْنَ عَنْهُمْ، فَإِذَا عَدُوُّهُمْ فَوْقَ الْجَبَلِ قَدْ
عَلَوْهُمْ، فَنَسُوا عِنْدَ ذَلِكَ الْحُزْنَ وَالْهُمُومَ عَلَى
إِخْوَانِهِمْ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ
بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ، كَمَا قَالَ
اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ
يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ ... ،
يَقُولُونَ: لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنا هاهُنا،
قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ إِلَى
قَوْلِهِ: عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ [ (9) ] ، وَكَانَا غَمَّيْنِ:
فَهَذَا الْغَمُّ الآخر، والغمّ
__________
[ (8) ] الآية الكريمة (17) من سورة الأنفال.
[ (9) ] الآية الكريمة (154) من سورة آل عمران.
(3/212)
الْأَوَّلُ حِينَ أُصْعِدُوا فِي الشِّعْبِ
مُنْهَزِمِينَ، فَأَنْسَاهُمُ الْهَزِيمَةَ مَا يَخَافُونَ مِنْ طَلَبِ
الْعَدُوِّ وَقِتَالِهِمْ،
وَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ
إِنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَعْلُونَا الْيَوْمَ، ثُمَّ دَعَا رَسُولُ
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم، وَنَدَبَ أَصْحَابَهُ،
فَانْتَدَبَ مِنْهُمْ عِصَابَةً فَأَصْعَدُوا فِي الشِّعْبِ حَتَّى كَانُوا
هُمْ وَالْعَدُوُّ عَلَى السَّوَاءِ فَرَامَوْهُمْ بِالنَّبْلِ،
وَطَاعَنُوهُمْ حَتَّى أَهْبَطُوهُمْ عَنِ الْجَبَلِ، وَانْكَفَى [ (10) ]
الْمُشْرِكُونَ عَنْهُمْ إِلَى قَتْلَى الْمُسْلِمِينَ فَمَثَّلُوا بِهِمْ:
يَقْطَعُونَ الْآذَانَ، وَالْأُنُوفَ، وَالْفُرُوجَ، وَيَبْقُرُونَ
الْبُطُونَ، وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ قَدْ أَصَابُوا النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّه عليه وَسَلَّمَ وَأَشْرَافَ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ قَدِ
اجْتَمَعُوا وَصَفُّوا مُقَاتِلَتَهُمْ،
فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ وَالْحَرْبُ سِجَالٌ،
إِلَّا أَنَّكُمْ سَتَجِدُونَ فِي قَتْلَاكُمْ شَيْئًا مِنْ مُثْلَةٍ،
وَإِنِّي لَمْ آمُرْ بِذَلِكَ، وَلَمْ أَكْرَهْهُ، ثُمَ قَالَ: اعْلُ
هُبَلُ، يَفْخَرُ بِآلِهَتِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: اسْمَعْ يَا رَسُولَ اللَّه
مَا يَقُولُ عَدُوُّ اللَّه، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَادِهِ فَقُلِ: اللَّه أَعْلَى [ (11) ] وَأَجَلُّ،
لَا سواء: قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ، وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ،
قَالُوا: إِنَّ لَنَا الْعُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
اللَّه مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ، ثُمَّ نَادَوْا مُحَمَّدًا
بِاسْمِهِ، فَلَمَّا عَلِمُوا أَنَّهُ حَيٌّ وَنَادَوْا رِجَالًا مِنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم أَشْرَافًا
فَعَلِمُوا أَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ: كَبَتَهُمُ اللَّه فَانْكَفَئُوا إِلَى
أَثْقَالِهِمْ، لَا يَدْرِي الْمُسْلِمُونَ مَا يُرِيدُونَ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ: «إِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ
رَكِبُوا وَجَعَلُوا الْأَثْقَالَ تَتْبَعُ آثَارَ الْخَيْلِ فَهُمْ
يُرِيدُونَ أَنْ يَدْنُوا مِنَ الْبُيوتِ وَالْآطَامِ الَّتِي فِيهَا
الذَّرَارِيُّ وَالنِّسَاءُ، وَأُقْسِمُ بِاللهِ لَئِنْ فَعَلُوا
لَأُوَاقِعَنَّهُمْ فِي جَوْفِهَا، وَإِنْ كَانُوا رَكِبُوا الْأَثْقَالَ
وَجَنَّبُوا الْخَيْلَ فَهُمْ يُرِيدُونَ الْفِرَارَ، فَلَمَّا أَدْبَرُوا
بَعَثَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدَ بْنَ أَبِي
وَقَّاصٍ فِي آثَارِهِمْ فَقَالَ: اعْلَمْ لَنَا أَمْرَهُمْ، فَانْطَلَقَ
سَعْدٌ يَسْعَى حَتَّى عَلِمَ عِلْمَهُمْ،
ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: رَأَيْتُ خَيْلَهُمْ تَضْرِبُ بِأَذْنَابِهَا
مَجْنُوبَةً مُدْبِرَةً، وَرَأَيْتُ الْقَوْمَ قَدْ تَحَمَّلُوا عَلَى
الْأَثْقَالِ سَائِرِينَ، فَطَابَتْ أنفس
__________
[ (10) ] هكذا في (آ) و (ص) و (ح) ، ورسمت في (هـ) : «وانكفأ» .
[ (11) ] هكذا في (ص) ، وفي بقية النسخ رسمت: «أعلا» .
(3/213)
الْقَوْمِ لِذَهَابِ الْعَدُوِّ
وَانْتَشَرُوا يَتْبَعُونَ قَتْلَاهُمْ، فَلَمْ يَجِدُوا قَتِيلًا إِلَّا
قَدْ مَثَّلُوا بِهِ، إِلَّا حَنْظَلَةَ بْنَ أَبِي عَامِرٍ، كَانَ أَبُوهُ
مَعَ الْمُشْرِكِينَ فَتُرِكَ لَهُ وَزَعَمُوا أَنَّ أَبَاهُ وَقَفَ
عَلَيْهِ قَتِيلًا، فَدَفَعَ صَدْرَهُ بِرِجْلِهِ ثُمَّ قَالَ ذَنْبَانِ
أَصَبْتُهُمَا قَدْ تَقَدَّمْتُ إِلَيْكَ فِي مَصْرَعِكَ هَذَا يَا دبيس
ولعمر اللَّه إِنْ كُنْتَ لَوَاصِلًا لِلرَّحِمِ بَرًّا بِالْوَالِدِ.
وَوَجَدُوا حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بُقِرَ بَطْنُهُ، وَحُمِلَتْ كَبِدُهُ
احْتَمَلَهَا وَحْشِيٌّ وَهُوَ قَتَلُهُ يَذْهَبُ بِكَبِدِهِ إِلَى هِنْدِ
بِنْتِ عُتْبَةَ فِي نَذْرٍ نَذَرَتْهُ حِينَ قَتَلَ أَبَاهَا يَوْمَ
بَدْرٍ، وَأَقْبَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى قَتْلَاهُمْ يَدْفِنُونَهُمْ
فَدُفِنَ حَمْزَةُ فِي نَمِرَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ إِذَا رُفِعَتْ إِلَى
رَأْسِهِ بَدَتْ قَدَمَاهُ، وَإِذَا أُنْزِلَتْ إِلَى رِجْلَيْهِ بَدَا
وَجْهُهُ، فَجَعَلُوا أَعْوَادًا مِنْ شَجَرِ وَحِجَارَةٍ فَوَضَعُوهَا
عَلَى قَدَمَيْهِ وَغَطَّوْا وَجْهَهُ.
قَالَ مُوسَى: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِدَفْنِ الشُّهَدَاءَ، قَالَ: زَمِّلُوهُمْ
بِجِرَاحِهِمْ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَلْمٌ يُكْلَمُ فِي اللَّه إِلَّا وَهُوَ
يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدْمَى لَوْنُهُ لَوْنُ الدَّمِ وَرِيحُهُ
رِيحُ الْمِسْكِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «أَنَا الشَّهِيدُ عَلَى هَذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ،» ، ثُمَّ
قَامَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم يُدْفَنُونَ عَلَى
عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ
كَمَا يُصَلِّي عَلَى الْمَوْتَى، وَلَمْ يَدْفِنْهُمْ فِي غَيْرِ
ثِيَابِهِمُ الَّتِي قُتِلُوا فِيهَا.
قَالَ: وَهُمْ يَدْفِنُونَ الرَّهْطَ فِي الْحُفْرَةِ الْوَاحِدَةِ، أَيُّ
هَؤُلَاءِ كَانَ أَكْثَرَ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ؟ فَإِذَا أُشِيرَ إِلَى
الرَّجُلِ مِنْهُمْ قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ قَبْلَ أَصْحَابِهِ حَتَّى
فَرَغَ مِنْ دَفْنِهِمْ.
وَخَرَجَ نِسَاءٌ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ وَالْأَنْصَارِ يَحْمِلْنَ عَلَى
ظُهُورِهِنَّ الْمَاءَ وَالطَّعَامَ وَخَرَجَتْ فِيهِمْ فَاطِمَةُ بِنْتُ
رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَتْ أَبَاهَا
وَالَّذِي بِهِ مِنَ الدِّمَاءِ اعْتَنَقَتْهُ، وَجَعَلَتْ تَمْسَحُ
الدِّمَاءَ عَنْ وَجْهِهِ وَرَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يَقُولُ:
«اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّه عَلَى قَوْمٍ دَمَّوْا وَجْهَ رَسُولِ اللَّه،
واشْتَدَّ غَضَبُ اللَّه عَلَى رَجُلٍ قَتَلَهُ رَسُولُ اللَّه» .
(3/214)
وَقَالَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ:
قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ اغْفِرْ
لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» .
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: رَمَى يَوْمَئِذٍ
رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي
الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ يُقَالُ لَهُ ابْنُ قَمِئَةَ، وَيُقَالُ:
بَلْ رَمَاهُ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: وَسَعَى عَلِيُّ بْنُ
أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ إِلَى الْمِهْرَاسِ وَقَالَ
لِفَاطِمَةَ: أَمْسِكِي هَذَا السَّيْفَ غَيْرَ ذَمِيمَةٍ، فَأَتَى بِمَاءٍ
فِي مِجَنَّةٍ، فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم أَنْ
يَشْرَبَ مِنْهُ فَوَجَدَ لَهُ رِيحًا فَقَالَ هَذَا مَاءٌ آجِنٌ
فَمَضْمَضَ مِنْهُ، وَغَسَلَتْ فَاطِمَةُ عَنْ أَبِيهَا، ولَمَّا رَأَى
رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم سَيْفَ عَلِيٍّ مُخَضَّبًا
دَمًا، قَالَ: إِنْ تَكُنْ أَحْسَنْتَ الْقِتَالَ فَقَدْ أَحْسَنَ عَاصِمُ
بن ثابت بن أبي الْأَقْلَحِ، وَالْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ، وَسَهْلُ بْنُ
حُنَيْفٍ، ثُمَّ قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنِ النَّاسِ مَا فَعَلُوا وَأَيْنَ
ذَهَبُوا؟
قَالُوا: كَفَرَ عَامَّتُهُمْ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمْ
يُصِيبُوا مِنَّا مِثْلَهَا حَتَّى نُبِيحَهُمْ، ثُمَّ أَقْبَلُوا إِلَى
دُورِهِمْ وَقَدْ كَانَ أَبُو سُفْيَانَ نَادَاهُمْ وَالْمُشْرِكُونَ حِينَ
ارْتَحَلُوا أَنَّ مَوْعِدَكُمَ الْمَوْسِمُ مَوْسِمُ بَدْرٍ، وَهِيَ سُوقٌ
كَانَتْ تَقُومُ بِبَدْرٍ كُلَّ عَامٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«قُولُوا لَهُمْ نَعَمْ قَدْ فَعَلْنَا» ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَذَلِكَ
الْمَوْعِدُ.
وزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
عَرَضَ يَوْمَئِذٍ سيفه، فقال: من يأخذها بِحَقِّهِ؟ قَالُوا وَمَا حَقُّهُ
قَالَ يَضْرِبُ بِهِ إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ،
فَقَالَ عُمَرُ- زَعَمُوا-: أَنَا آخُذُهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ
عَرَضَهُ الثَّانِيَةَ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا آخُذُهُ فَأَعْرَضَ
عَنْهُ، فَوَجَدَ عُمَرُ وَالزُّبَيْرُ فِي أَنْفُسِهِمَا مِنْ ذَلِكَ،
ثُمَّ عَرَضَهُ الثَّالِثَةَ بِذَلِكَ الشَّرْطِ فَقَالَ أَبُو دُجَانَةَ
سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ أخو بني ساعدة: أن آخُذُهُ يَا رَسُولَ اللَّه
بِحَقِّهِ، فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ فَصَدَقَ بِهِ حِينَ لَقِيَ الْعَدُوَّ
وَأَعْطَى السَّيْفَ بِحَقِّهِ.
وَزَعَمُوا أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ فِيمَنْ خَرَجَ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ فَلَمَّا رَأَيْتُ مُثَلَ الْمُشْرِكِينَ بِقَتْلَى
الْمُسْلِمِينَ قُمْتُ فَتَجَاوَزْتُ فَإِذَا رَجُلٌ مِنَ المشركين جمع
الأمة تحوية الْمُسْلِمِينَ وَيَقُولُ اسْتَوْسِقُوا كَمَا تَسْتَوْسِقُ
جُرْدُ الْغَنَمِ، قَالَ: وَإِذَا
(3/215)
رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَائِمٌ
يَنْتَظِرُهُ وَعَلَيْهِ لَأْمَتُهُ فَمَضَيْتُ حَتَّى كُنْتُ مِنْ
وَرَائِهِ ثُمَّ قُمْتُ أُقَدِّرُ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ بِبَصَرِي
فَإِذَا الْكَافِرُ أَفْضَلُهُمَا عُدَّةً وَهَيْئَةً، قَالَ: فَلَمْ
أَزَلْ أَنْتَظِرُهُمَا حَتَّى الْتَقَيَا، فَضَرَبَ الْمُسْلِمُ
الْكَافِرَ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ بَلَغَتْ
وَرِكَهُ، وَتَفَرَّقَ فِرْقَتَيْنِ، ثُمَّ كَشَفَ الْمُسْلِمُ عَنْ
وَجْهِهِ فَقَالَ كَيْفَ تَرَى يَا كَعْبُ: أَنَا أَبُو دُجَانَةَ.
فَلَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزِقَّةَ
الْمَدِينَةِ إِذَا النَّوْحُ وَالْبُكَاءُ فِي الدُّورِ فَقَالَ: مَا
هَذَا؟ قَالُوا: هَذِهِ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ يَبْكِينَ قَتْلَاهُمْ،
قَالَ: وَأَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ تَحْمِلُ ابْنَهَا وَزَوْجَهَا عَلَى
بَعِيرٍ قَدْ رَبَطَتْهُمَا بِحَبْلٍ، ثُمَّ رَكِبَتْ بَيْنَهُمَا،
وَحُمِلَ مِنْهُمْ قَتْلَى فَدُفِنُوا فِي مَقَابِرِ الْمَدِينَةِ،
فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ عَنْ حَمْلِهِمْ،
وَقَالَ: وَارُوهُمْ حَيْثُ أُصِيبُوا وَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَمِعَ الْبُكَاءَ لَكِنَّ حَمْزَةَ لَا
بَوَاكِيَ لَهُ.
وَاسْتَغْفَرَ لَهُ فَسَمِعَ ذَلِكَ: سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَسَعْدُ بْنُ
عُبَادَةَ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَعَبْدُ اللَّه بْنُ رَوَاحَةَ،
فَمَشَوْا فِي دُورِهِمْ، فَجَمَعُوا كُلَّ نَائِحَةٍ وَبَاكِيَةٍ كَانَتْ
بِالْمَدِينَةِ، فَقَالُوا: واللَّه لَا تَبْكِينَ قَتْلَى الْأَنْصَارِ
حَتَّى تَبْكِينَ عَمَّ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَإِنَّهُ قَدْ ذَكَرَ أَنْ لَا بَوَاكِيَ لَهُ بِالْمَدِينَةِ، وَزَعَمُوا
أَنَّ الَّذِي جَاءَ بِالنَّوَائِحِ عَبْدُ اللَّه بْنُ رَوَاحَةَ فَلَمَّا
سَمِعَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ الْبُكَاءَ قَالَ مَا
هَذَا؟ فَأُخْبِرَ بِمَا فَعَلَتِ الْأَنْصَارُ بِنِسَائِهِمْ
فَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ خَيْرًا، وَقَالَ: مَا هَذَا أَرَدْتُ
وَمَا أُحِبُّ الْبُكَاءَ، وَنَهَى عَنْهُ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّه عليه وَسَلَّمَ: ثَلَاثٌ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ لَنْ
تَتْرُكَهُنَّ أُمَّتِي: النِّيَاحَةُ عَلَى الْمَوْتَى، وَالطَّعْنُ فِي
النَّسَبِ، وَقِيلُ هَذَا الْمَطَرُ بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا وَلَيْسَ
بِنَوْءٍ إِنَّمَا هُوَ عَطَاءُ اللَّه وَرِزْقُهُ» [ (12) ] .
وَأَخَذَ الْمُنَافِقُونَ عِنْدَ بُكَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَكْرِ
وَالتَّفْرِيقِ عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَتَحْزِينِ الْمُؤْمِنِينَ، وَظَهَرَ غِشُّ الْيَهُودِ، وَفَارَتِ
الْمَدِينَةُ بِالنِّفَاقِ فَوْرَ الْمِرْجَلِ
__________
[ (12) ] الحديث أخرجه الترمذي في: 8- كتاب الجنائز (23) بَابُ مَا جَاءَ
فِي كراهية النوح، الحديث (1001) ص (3: 316) ، وقال ابو عيسى: «هذا حديث
حسن» .
(3/216)
وَأَظْهَرُوا النِّفَاقَ وَالْغِشَّ عِنْدَ
بُكَاءِ الْمُسْلِمِينَ مَا كَانُوا مُسْتَخْفِينَ، وَقَالَتِ الْيَهُودُ:
لَوْ كَانَ نَبِيًّا مَا ظَهَرُوا عَلَيْهِ، وَلَا أُصِيبَ مِنْهُ مَا
أُصِيبَ، وَلَكِنَّهُ طَالِبُ مُلْكٍ تَكُونُ لَهُ الدَّوْلَةُ مَرَّةً
وَعَلَيْهِ مَرَّةً، وَكَذَلِكَ أَهْلُ طَلَبِ الدُّنْيَا بِغَيْرِ
نُبُوَّةٍ، وَقَالَ الْمُنَافِقُونَ نَحْوَ قَوْلِهِمْ، وَقَالُوا
لِلْمُسْلِمِينَ: لَوْ كُنْتُمْ أَطَعْتُمُونَا مَا أَصَابُوا الَّذِي
أَصَابُوا مِنْكُمْ.
وَقَدِمَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَلَى رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ،
فَقَالَ: نَازَلْتُهُمْ فَسَمِعْتُهُمْ يَتَلَاوَمُونَ، يَقُولُ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ: لَمْ تَصْنَعُوا شَيْئًا أَصَبْتُمْ شَوْكَةَ الْقَوْمِ
وَحَدَّهُمْ ثُمَّ تَرَكْتُمُوهُمْ وَلَمْ تَبْرُوهُمْ، فَقَدْ بَقِيَ منهم
رؤوس يَجْمَعُونَ لَكُمْ،
وَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وسلم أَصْحَابَهُ وَبِهِمْ أَشَدُّ
الْقَرْحِ بِطَلَبِ الْعَدُوِّ لِيَسْمَعُوا بِذَلِكَ، وَقَالَ: لَا
يَنْطَلِقَنَّ مَعِي إِلَّا مَنْ شَهِدَ الْقِتَالَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّه
ابن أُبَيٍّ: أَنَا رَاكِبٌ مَعَكَ فَقَالَ: لَا، فَاسْتَجَابُوا لِلَّهِ
وَرَسُولِهِ عَلَى الَّذِي بِهِمْ مِنَ الْبَلَاءِ، فَانْطَلَقُوا
فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ في كِتَابِهِ: الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ
وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا
مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ [ (13) ] .
قَالَ: وَأَقْبَلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّه السُّلَمِيُّ إِلَى رَسُولِ
اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّه! إِنَّ
أَبِي رَجَّعَنِي وَقَدْ خَرَجْتُ مَعَكَ لِأَشْهَدَ الْقِتَالَ، فَقَالَ:
ارْجِعْ وَنَاشَدَنِي أَنْ لَا أَتْرُكَ نِسَاءَنَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ
حِينَ أَوْصَانِي بِالرُّجُوعِ رَجَاءَ الَّذِي كَانَ أَصَابَهُ مِنَ
الْقَتْلِ، فَاسْتَشْهَدَهُ اللَّه، فَأَرَادَ بِيَ الْبَقَاءَ
لِتَرِكَتِهِ وَلَا أُحِبُّ أَنْ تَتَوَجَّهَ وَجْهًا إِلَّا كُنْتُ
مَعَكَ، وَقَدْ كَرِهْتُ أَنْ يُطْلَبَ مَعَكَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ
الْقِتَالَ، فَأْذَنْ لِي، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَطَلَبَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الْعَدُوَّ حَتَّى بَلَغَ
حَمْرَاءَ الْأَسَدِ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ فِي طَاعَةِ مَنْ أَطَاعَ
وَنِفَاقِ مَنْ نَافَقَ وَتَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِينَ وَشَأْنِ
مَوَاطِنِهِمْ كُلِّهَا، وَمَخْرَجِ رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذَا غَدَا فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ
أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ
عَلِيمٌ [ (14) ] ثُمَّ مَا بَعْدَ الْآيَةِ فِي قِصَّةِ أَمْرِهِمْ
__________
[ (13) ] الآية الكريمة (172) من سورة آل عمران.
[ (14) ] الآية الكريمة (121) من سورة آل عمران.
(3/217)
حَتَّى بَلَغَ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا
مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ
بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا، وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ، إِنَّ اللَّهَ
غَفُورٌ حَلِيمٌ [ (15) ] مَعَ سَبْعِ آيَاتٍ بَعْدَهَا، وَالرَّهْطُ
الَّذِينَ تَوَلَّوْا رَجُلَانِ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ: سَعْدُ بْنُ
عُثْمَانَ، وَأَخُوهُ: عُقْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ، وَرَجُلٌ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ: تَوَلَّوْا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى بِئْرِ حَزْمٍ وَفِي
رِوَايَةِ ابْنِ فُلَيْحٍ إِلَى الْجَلْعَبِ ثُمَّ عَفَا اللَّه عَنْهُمْ،
ثُمَّ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ اسْتَكْثَرُوا الَّذِي أَصَابَهُمْ مِنَ
الْبَلَاءِ يَوْمَ أُحُدٍ، وَقَدْ كَانُوا أَصَابُوا يَوْمَ بَدْرٍ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ ضِعْفَ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ
أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ
أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ [ (16) ] وَآيَاتٍ مَعَهَا بَعْدَهَا.
ثُمَّ سَمَّى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ مَنْ قُتِلَ مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَذَكَرَ فِيهِمُ: الْيَمَانَ
أَبَا حُذَيْفَةَ وَاسْمُهُ حُسَيْلُ بْنُ جُبَيْرٍ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ
بَنِي عَبْسٍ أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ زَعَمُوا فِي الْمَعْرَكَةِ لَا
يَدْرُونَ مَنْ أَصَابَهُ، فَتَصَدَّقَ حُذَيْفَةُ بِدَمِهِ عَلَى مَنْ
أَصَابَهُ.
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ عُرْوَةُ بْنُ
الزُّبَيْرِ: أَخْطَأَ [ (17) ] بِهِ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ
فَتَوَشَّقُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ يَحْسَبُونَهُ مِنَ الْعَدُوِّ، وَإِنَّ
حُذَيْفَةَ لَيَقُولُ أَبِي أَبِي فَلَمْ يَفْقَهُوا قَوْلَهُ، حَتَّى
فَرَغُوا مِنْهُ. قَالَ حُذَيْفَةُ يَغْفِرُ اللَّه لَكُمْ يَغْفِرُ اللَّه
لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، قَالَ: وَوَدَاهُ رسول اللَّه صلى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَادَ حُذَيْفَةُ عِنْدَهُ خَيْرًا.
قَالَ: وَجَمِيعُ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوَمَ أُحُدٍ مِنْ
قريش والأنصار [ (18) ]
__________
[ (15) ] الآية الكريمة (155) من سورة آل عمران.
[ (16) ] الآية الكريمة (165) من سورة آل عمران.
[ (17) ] في (ص) رسمت: «أخطاء به» ، وفي (هـ) و (أ) : «أخطأ به» غير مهموز،
وأثبت ما في (ح) .
[ (18) ] بداية المقابلة مع نسخة (د) ذات الرقم (1012) دار الكتب المصرية،
وانظر وصفها في تقدمتنا للكتاب.
(3/218)
تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا، وَقُتِلَ
مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ سِتَّةَ عَشَرَ رَجُلًا.
قَدْ ذَكَرْنَا قِصَّةَ أُحُدٍ عَنْ مَغَازِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ [ (19)
] رَحِمَهُ اللَّه، وَلِمَا ذُكِرَ مِنْهَا شَوَاهِدُ فِي الْأَحَادِيثِ
الْمُتَفَرِّقَةِ [ (20) ] وَفِي بَعْضِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ زِيَادَاتٌ
لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهَا وَنَحْنُ نَأْتِي عَلَيْهَا إِنْ شَاءَ اللَّه
فِي أَبْوَابٍ مُتَرْجَمَةٍ بِمَا تشتمل عليه [ (21) ] .
__________
[ (19) ] قد ذكرها مختصرة ابن عبد البر في «الدرر في مختصر المغازي والسير»
، صفحة (145- 153) ، وبعضها عند ابن سيد الناس في عيون الأثر (2: 5- 35) ،
ونقل بعضها الصالحي في السيرة الشامية (4: 271- 334) .
[ (20) ] ستأتي في الأبواب التالية.
[ (21) ] الى هنا انتهى الجزء الثالث من نسخة (هـ) ، وبتمامه ينتهي الموجود
من نسخة (هـ) ، وبآخره سماعات وانظر تقدمتنا للكتاب في وصف النسخة (هـ) .
(3/219)
بَابُ ذِكْرِ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ
أُحُدٍ وَعَدَدِ الْمُشْرِكِينَ، وَقَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ
غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ
وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ
تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ
الْمُؤْمِنُونَ [ (1) ] وَقَوْلِهِ: فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ
فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا
[ (2) ] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ
بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ جَعْفَرٍ
النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، فِي خُرُوجِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ إِلَى أُحُدٍ، قَالَ: حَتَّى إِذَا كَانَ
رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ بِالشَّوْطِ [ (3) ] مِنَ
الْجَبَّانَةِ انْخَزَلَ عَبْدُ اللَّه بْنُ أُبَيٍّ بِقَرِيبٍ مِنْ ثُلُثِ
الْجَيْشِ، وَمَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه وهم في سبع
مائة، وَتَعَبَّأَتْ قُرَيْشٌ وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، وَمَعَهُمْ
مِائَتَا فَرَسٍ، قَالَ:
جَنَّبُوهَا وَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَةِ الْخَيْلِ: خَالِدَ بْنَ
الْوَلِيدِ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهَا: عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ، هَكَذَا
وَجَدْتُهُ فِي كِتَابِي.
وَأَعَادَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ هَذَهِ الْقِصَّةَ بِهَذَا
الْإِسْنَادِ بِعَيْنِهِ تُخَالِفُ هَذِهِ الْقِصَّةَ فِي بَعْضِ
أَلْفَاظِهَا، وَيَقُولُ فِيهَا: وَالْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ قَرِيبٌ مِنْ
أربع مائة رَجُلٍ، وَالْمُشْرِكُونَ يَوْمَئِذٍ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثَةِ
آلَافٍ، وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِمَا رَوَاهُ موسى بن
__________
[ (1) ] الآيتان (121- 122) من سورة آل عمران.
[ (2) ] الآية الكريمة (88) من سورة النساء.
[ (3) ] بين المدينة وأحد.
(3/220)
عُقْبَةَ وَأَشْهَرُ عِنْدَ أَهْلِ
الْمَغَازِي، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُورُ عن الزهري، أَرْبَعَ مِائَةٍ [ (4)
] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ
مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي،
قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ،
عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم
وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ، وَهُمْ أَلْفُ رَجُلٍ وَالْمُشْرِكُونَ ثَلَاثَةُ
آلَافٍ، فَمَضَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَنَزَلَ أُحُدًا، وَرَجَعَ عَنْهُ عَبْدُ اللَّه بْنُ أُبَيٍّ فِي
ثَلَاثِمِائَةٍ، وَبَقِيَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي سبع مائة، ثُمَّ ذَكَرَ شِعْرَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي عَدَدِ
الْمُسْلِمِينَ، وَكَثْرَةِ الْمُشْرِكِينَ بِأَتَمَّ مِنْ ذِكْرِ مُوسَى
بْنِ عُقْبَةَ [ (5) ] .
قَالَ عُرْوَةُ: فَلَمَّا رَجَعَ عَبْدُ اللَّه بْنُ أبي في الثلاث مائة
سُقِطَ فِي أَيْدِي الطَّائِفَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَهَمَّتَا أَنْ
تَقْتَتِلَا [ (6) ] وَالطَّائِفَتَانِ: بَنُو سَلِمَةَ، وَبَنُو حَارِثَةَ
[ (7) ] .
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُ اللَّه بْنُ يُوسُفَ
الْأَصْبَهَانِيُّ إِمْلَاءً قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ: أَحْمَدُ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زياد النّصري [ (8) ] بِمَكَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عن جابر ابن عَبْدِ اللَّه:
إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا [ (9) ] : بَنُو سَلِمَةَ،
وَبَنُو حَارِثَةَ مَا أُحِبُّ أَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ، لِقَوْلِهِ عَزَّ
وَجَلَّ: وَاللَّهُ وَلِيُّهُما [ (9) ] .
__________
[ (4) ] نقله الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (4: 13) ، عن المصنف.
[ (5) ] البداية والنهاية (4: 13)
[ (6) ] في (ص) و (ح) و (د) : «تفشلا» .
[ (7) ] نقله الصالحي في السيرة الشامية (4: 280) .
[ (8) ] في (ص) و (ح) و (د) «البصري» .
[ (9) ] الآية الكريمة (122) من سورة آل عمران.
(3/221)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ
عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّه وَغَيْرِهِ، عَنْ سُفْيَانَ [ (10) ] .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَغَيْرِهِ عَنْ
سُفْيَانَ [ (11) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ،
وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ (ح) [ (12) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو
النَّضْرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفَقِيهُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْوَلِيدِ
الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ،
قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّه بْنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ
ثَابِتٍ، قَالَ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَى أُحُدٍ رَجَعَ نَاسٌ خَرَجُوا مَعَهُ، قَالَ: فَكَانَ
أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِرْقَتَيْنِ:
فِرْقَةً تقول:
تقاتلهم وَفِرْقَةٌ تَقُولُ: لَا نُقَاتِلُهُمْ، وَفِي رِوَايَةِ
الْقَطَّانِ فِرْقَةٌ يَقُولُونَ نَقْتُلُهُمْ وَفِرْقَةٌ يَقُولُونَ لَا
نَقْتُلُهُمْ، فَنَزَلَتْ فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ
وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا [ (13) ] قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم: إِنَّهَا طَيْبَةُ تَنْفِي الْخَبَثَ
كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الفضة.
__________
[ (10) ] الْبُخَارِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّه المديني في كتاب
التفسير، تفسير سورة آل عمران، (8) باب إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ
ان تفشلا، فتح الباري (8: 225) .
وأخرجه الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يوسف عن ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ
عَمْرٍو، عن جابر في: 64- كتاب المغازي (18) باب إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ
مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا واللَّه وَلِيُّهُمَا ... ، الحديث (4051) فتح
الباري (7: 357) .
[ (11) ] مُسْلِمٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ راهويه فِي: 44- كِتَابِ فَضَائِلِ
الصَّحَابَةِ، الحديث (171) ، ص (1948) ، وعن غير إسحاق بن راهويه في نفس
الباب.
[ (12) ] رمز تحويل الحديث من (ص) و (د) .
[ (13) ] الآية الكريمة (88) من سورة النساء.
(3/222)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ
أَبِي الْوَلِيدِ [ (14) ] .
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ شُعْبَةَ [ (15) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ
الْقَطَّانُ، قَالَ: حدثنا محمد ابن يَزِيدَ السُّلَمِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ،
عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:
مَا كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ
حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [ (16) ] قَالَ: مَيَّزَهُمْ
يَوْمَ أُحُدٍ: الْمُنَافِقَ عَنِ الْمُؤْمِنِ [ (17) ] .
__________
[ (14) ] البخاري عن أبي الوليد، عن شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ،
قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّه بْنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ
ثَابِتٍ- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- أَخْرَجَهُ البخاري في 64- كتاب المغازي
(17) باب غزوة أحد، الحديث (4050) ، فتح الباري (7: 356) وأخرجه البخاري
أيضا في كتاب الحج، (باب) المدينة تنفي الخبث، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ
حَرْبٍ، وفي كتاب التفسير، تفسير سورة النساء، (باب) فَمَا لَكُمْ فِي
الْمُنَافِقِينَ فئتين واللَّه أركسهم، عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، عَنْ
غندر، وابن مهدي.
[ (15) ] أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخر عن شعبة في: 15- كتاب الحج
(88) باب المدينة تنفي شرارها، الحديث (490) ، ص (1006) ، وأخرجه الترمذي
في تفسير سورة النساء، وقال: «حسن صحيح» .
[ (16) ] الآية الكريمة (179) من سورة آل عمران.
[ (17) ] الخبر رواه الطبري في التفسير (7: 424- 425) ط. دار المعارف.
(3/223)
بَابُ كَيْفَ كَانَ الْخُرُوجُ إِلَى
أُحُدٍ وَالْقِتَالُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ والْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ
الزُّهْرِيُّ، وعاصم بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، ومحمد بْنِ يَحْيَى بْنِ
حَبَّانَ، والْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ
بْنِ مُعَاذٍ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا، كُلٌّ [ (1) ] قَدْ حَدَّثَ
بَعْضَ الْحَدِيثِ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ، وَقَدِ اجْتَمَعَ حَدِيثُهُمْ
فِيمَا سُقْتُ، قَالُوا: [ (2) ] .
لَمَّا أُصِيبَتْ قُرَيْشٌ يَوْمَ بَدْرٍ وَرَجَعَ فَلُّهُمْ إِلَى مَكَّةَ
وَرَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ بِعِيرِهِ، مَشَى عَبْدُ اللَّه بْنُ أبي ربيعة،
وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، فِي رِجَالٍ
مِنْ قُرَيْشٍ [ (3) ] فَكَلَّمُوا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَمَنْ
كَانَتْ لَهُ فِي تِلْكَ الْعِيرِ مِنْ قُرَيْشٍ تِجَارَةٌ، فَقَالُوا: يَا
مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ وَتَرَكُمْ وَقَتَلَ خِيَارَكُمْ،
فَأَعِينُونَا بِهَذَا الْمَالِ عَلَى حَرْبِهِ لَعَلَّنَا أَنْ نُدْرِكَ
مِنْهُ ثَأْرًا مِمَّنْ أَصَابَ مِنَّا، ففعلوا،
__________
[ (1) ] في سيرة ابن هشام: «كلهم قد» .
[ (2) ] في سيرة ابن هشام: «قالوا، أو من قاله منهم» .
[ (3) ] في سيرة ابن هشام: «فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ ممن أصيب آباؤهم
وأبناؤهم وإخوانهم يوم بدر، فكلّموا أبا سفيان ... » .
(3/224)
فَفِيهِمْ أَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ
سَبِيلِ اللَّهِ إِلَى قَوْلِهِ: إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [ (4) ] .
فَلَمَّا اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ لِحَرْبِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَحَابِيشِهَا، وَمَنْ أَطَاعَهَا مِنْ بَنِي
كِنَانَةَ وَأَهْلِ تِهَامَةَ، خَرَجُوا مَعَهُمْ بِالظَّعِينِ [ (5) ]
الْتِمَاسَ الْحَفِيظَةَ [ (6) ] وَأَنْ لَا يَفِرُّوا [ (7) ] ،
فَخَرَجُوا حَتَّى نَزَلُوا يَعْنِينَ بِبَطْنِ السَّبَخَةِ عَلَى شَفِيرِ
وَادٍ مِمَّا يَلِي الْمَدِينَةَ [ (8) ] .
فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَالْمُسْلِمُونَ،
قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسْلِمِينَ:
إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ بَقَرًا [تُذْبَحُ] [ (9) ] وَأَوَّلْتُهَا خَيْرًا،
وَرَأَيْتُ في ذؤابة [ (10) ]
__________
[ (4) ] الآية الكريمة (36) من سورة الأنفال.
[ (5) ] (الظعن) جمع ظعينة، وهي المرأة في الهودج
[ (6) ] (الحفيظة) : الأنفة، والغضب.
[ (7) ] في سيرة ابن هشام جاء بعده، فخرج أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وهو
قائد الناس، (معه) بهند ابنة عتبة، وخرج عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ بأم
حكيم بنت الحرث بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وخرج الحارث بْنَ هِشَامِ
بْنِ الْمُغِيرَةِ بفاطمة بنت الوليد بن المغيرة، وخرج صفوان بن امية ببرزة
بنت مسعود بن عمرو بن عمير الثقفية، وَهِيَ أُمُّ عَبْدِ اللَّه بن صفوان
(بن أمية) .
قال ابن هشام: ويقال رقية.
قال ابن إسحاق: وخرج عمرو بن العاص برقطة بنت منبه بن الحجاج، وَهِيَ أُمُّ
عَبْدِ اللَّه بن عمرو، وخرج طلحة بن أبي طلحة (وأبو طلحة عبد اللَّه بن
عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ) بسلافة بنت سعد بن
شهيد الأنصارية، وهي أم بني طلحة: مسافع، والجلاس: وكلاب، قتلوا يومئذ هم
وأبوهم وخرجت خناس بنت مالك بن المضرب، إحدى نساء بني مالك بن حسل مع ابنها
أبي عزيز بن عمير، وهي أم مصعب بن عمير، وخرجت عمرة بنت علقمة إحدى نساء
بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة.
وكانت هند بنت عتبة كلما مرت بوحشى او مر بها قالت: وبها أبا دسمة اشف
واشتف، وكان وحشى يكنى بأبي دسمة.
[ (8) ] في سيرة ابن هشام: «على شفير الوادي مقابل المدينة» .
[ (9) ] الزيادة من سيرة ابن هشام.
[ (10) ] ابن هشام «ذباب سيفي» .
(3/225)
سَيْفِي ثَلْمًا، وَرَأَيْتُ أَنِّيَ
أَدْخَلْتُ يَدِي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ فَأَوَّلْتُهَا الْمَدِينَةَ [ (11)
] .
فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُقِيمُوا بِالْمَدِينَةِ وَتَدَعُوهُمْ حَيْثُ
نَزَلُوا فَإِنْ أَقَامُوا أَقَامُوا بِشَرِّ مُقَامٍ، وَإِنْ هُمْ
دَخَلُوا عَلَيْنَا قَاتَلْتُمُوهُمْ فِيهَا [ (12) ] .
قَالَ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ أَكْرَمَهُمُ اللَّه
بِالشَّهَادَةِ يَوْمَ أُحُدٍ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ كَانَ فَاتَهُ يَوْمُ
بَدْرٍ مِمَّنْ حَضَرَهُ: يَا رَسُولَ اللَّه، اخْرُجْ بِنَا إِلَى
أَعْدَائِنَا لَا يَرَوْنَ أَنَّا جَبُنَّا عَنْهُمْ، فَقَالَ عَبْدُ
اللَّه بْنُ أُبَيٍّ: أَقِمْ بِالْمَدِينَةِ وَلَا تَخْرُجْ إِلَيْهِمْ
فَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الَّذِينَ كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ حُبُّ لِقَاءِ الْقَوْمِ، حَتَّى دَخَلَ
رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَبِسَ لَأْمَتَهُ [
(13) ] ، وَذَلِكَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ حِينَ فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ،
وَقَدْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ:
مَالِكُ بْنُ عَمْرٍو أَحَدُ بَنِي النَّجَّارِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْهِمْ،
وَقَدْ نَدِمَ النَّاسُ، فَقَالُوا: اسْتَكْرَهْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّه،
وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَنَا، فَإِنْ شِئْتَ فَاقْعُدْ صَلَّى اللَّه
عَلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا
يَنْبَغِي لِلنَّبِيِّ إِذَا لَبِسَ لَأْمَتَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَتَّى
يُقَاتِلَ،
فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَلْفِ
رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشَّوْطِ بَيْنَ
الْمَدِينَةِ وَأُحُدٍ، انْخَزَلَ عَنْهُ عَبْدُ اللَّه بْنُ أُبَيٍّ
الْمُنَافِقُ بِثُلُثِ النَّاسِ، وَقَالَ: أَطَاعَهُمْ وَعَصَانِي، قَالَ:
وَمَضَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم فَذَكَرَ كَيْفِيَّةَ
مَسِيرِهِ
قَالَ: فَصَفَّهُمْ وَلِوَاؤُهُ يَوْمَئِذٍ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- حِينَ غَدَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَعَ مَنْ لِوَاءُ الْقَوْمِ؟ قَالُوا:
مَعَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَخِي بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، فَقَالَ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ مِنْهُمْ،
فَدَعَا مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ أَخَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، فَأَعْطَاهُ
اللِّوَاءَ،
__________
[ (11) ] جاء بعدها
في سيرة ابن هشام: «وحدّثني بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ رَسُولَ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: رَأَيْتُ بقرا تذبح، قال: فأما
البقر فهي ناس من أصحابي يقتلون، واما الثّلم الذي رأيت في ذباب سيفي فهو
رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يقتل» .
[ (12) ] في سيرة ابن هشام: «وإن هم دخلوها علينا قاتلناهم فيها» .
[ (13) ] (للأمة) : الدرع، وقد يسمى السلاح كله لأمة.
(3/226)
ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ
خَرَجَ يَوْمَ أُحُدٍ فَدَعَا إِلَى الْبِرَازِ، فَأَحْجَمَ النَّاسُ
عَنْهُ حَتَّى دَعَا ثَلَاثًا وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ، فَقَامَ إِلَيْهِ
الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، فَوَثَبَ عَلَيْهِ وَهُوَ عَلَى بَعِيرِهِ
فَاسْتَوَى مَعَهُ عَلَى رَحْلِهِ، ثُمَّ عَانَقَهُ فَأَقْبَلَا فَوْقَ
الْبَعِيرِ جَمِيعًا،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الَّذِي يَلِي
حَضِيضَ الْأَرْضِ مَقْتُولٌ، فَوَقَعَ الْمُشْرِكُ وَوَقَعَ الزُّبَيْرُ
عَلَيْهِ فَذَبَحَهُ بِسَيْفِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
ادْنُ يا بن صَفِيَّةَ، فَلَقَدْ قُمْتَ وَإِنِّي لَأَهُمُّ بِالْقِيَامِ
إِلَيْهِ وَذَلِكَ لِمَا رَأَى مِنْ إِحْجَامِ الْقَوْمِ عَنْهُ، ثُمَّ
قَرَّبَ رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْرَ
فَأَجْلَسَهُ عَلَى فَخِذِهِ، وَقَالَ: إِنَّ لكلّ نبيّ حواريّ
وَالزُّبَيْرُ حَوَارِيَّ.
قَالَ: وَأَمَّرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم عَلَى الرُّمَاةِ
عَبْدَ اللَّه بْنَ جُبَيْرٍ أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ،
وَالرُّمَاةُ خَمْسُونَ رَجُلًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وسلم: «انْضَحْ عَنَّا الْخَيْلَ [ (14) ] بِالنَّبْلِ لَا
يَأْتُونَنَا مِنْ خَلْفِنَا إِنْ كَانَتْ لَنَا أَوْ عَلَيْنَا فَاثْبُتْ
مَكَانَكَ لَا تؤتينّ مِنْ قِبَلِكَ» ، وَظَاهَرَ رَسُولُ اللَّه صلى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ بَيْنَ دِرْعَيْنِ [ (15) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَالْتَقَوْا يَوْمَ السَّبْتِ لِلنِّصْفِ مِنْ
شَوَّالٍ، وَاقْتَتَلَ النَّاسُ حَتَّى حَمِيَتِ الْحَرْبُ، وَقَاتَلَ
أَبُو دُجَانَةَ حَتَّى أَمْعَنَ فِي النَّاسِ، وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي رِجَالٍ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ وَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ نَصْرَهُ وَصَدَقَهُمْ
وَعْدَهُ فَحَسُّوهُمْ بِالسُّيوفِ حَتَّى كَشَفُوهُمْ عَنِ الْعَسْكَرِ،
وَكَانَتِ الْهَزِيمَةُ لَا شَكَّ فِيهَا [ (16) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ
__________
[ (14) ] (انضح الخيل عنا) «ادفعها عنا» .
[ (15) ] (ظاهر بين درعين) لبس درعا فوق درع.
[ (16) ] من أول الرواية عن ابي إسحاق حتى ههنا مقتطفات من سيرة ابن هشام
(3: 3- 10) .
(3/227)
إِسْحَاقَ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي يَحْيَى
بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَدِّهِ:
أَنَّ الزبير بن العوام، قال: واللَّه لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَنْظُرُ إِلَى
خَدَمِ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ وَصَوَاحِبَاتِهَا مُشَمِّرَاتٍ هَوَارِبَ
مَا دُونَ أَخْذِهِنَّ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ إِذْ مَالَتِ الرُّمَاةُ
إِلَى الْعَسْكَرِ، حَتَّى كَشَفَنَا الْقَوْمُ عَنْهُ يُرِيدُونَ
النَّهْبَ، وَخَلَّوْا ظُهُورَنَا لِلْخَيْلِ، فَأُتِينَا مِنْ
أَدْبَارِنَا، وَصَرَخَ صَارِخٌ أَلَا إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ،
فَانْكَفَأْنَا وَانْكَفَأَ عَلَيْنَا الْقَوْمُ بَعْدَ أَنْ أَصَبْنَا
أَصْحَابَ اللِّوَاءِ حَتَّى مَا يَدْنُو مِنْهُ أَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ [
(17) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمْ يَزَلْ لِوَاءُ الْمُشْرِكِينَ صَرِيعًا
حَتَّى أَخَذَتْهُ عَمْرَةُ بِنْتُ عَلْقَمَةَ الْحَارِثِيَّةُ، فرفعته
لقريش فلا ثوابها [ (18) ] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي
إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ
مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ
تَحُسُّونَهُمْ يَعْنِي تَقْتُلُونَهُمْ بِإِذْنِهِ، حَتَّى إِذا
فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ، يَعْنِي
بِالْمَعْصِيَةِ: إِقْبَالَ مَنْ أَقْبَلَ مِنْهُمْ عَلَى الْمَغْنَمِ،
وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا
تُحِبُّونَ» [ (19) ] يَعْنِي نَصْرَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى رَكِبَ
نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ كُلَّ صَعْبٍ وَذَلُولٍ، ثُمَّ أُدِيلَ
لِلْمُشْرِكِينَ عَلَيْهِمْ بِمَعْصِيَتِهِمُ الرَّسُولَ حَتَّى حَصَبَهُمُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُعَاوِيَةَ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ وَارَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عَبْدِ
خَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّه، قَالَ: مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ أَحَدًا مِنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ الدنيا
حتى نزلت
__________
[ (17) ] سيرة ابن هشام (3: 21) .
[ (18) ] سيرة ابن هشام (3: 21) .
[ (19) ] الآية الكريمة (152) من سورة آل عمران.
(3/228)
فينا ما نزل يَوْمَ أُحُدٍ، مِنْكُمْ مَنْ
يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ [ (20) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر
بن داسة، قال: حدثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ
مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، قال حدثنا زهير (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ: قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْحَسَنِ: أَحْمَدُ بْنُ محمد ابن عَبْدُوسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ
بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ
مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ
بْنِ خديج بْنِ الرُّحَيْلِ الْجُعْفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يُحَدِّثُ، قَالَ: جَعَلَ رَسُولُ
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم على الرُّمَاةَ يَوْمَ أُحُدٍ-
وَكَانُوا خَمْسِينَ رَجُلًا- عَبْدَ اللَّه بْنَ جُبَيْرٍ، وَقَالَ إِذَا
رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فَلَا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ هَذَا
حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا الْقَوْمَ
وَأَوْطَأْنَاهُمْ فَلَا تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ، قَالَ:
فَهَزَمُوهُمْ، قَالَ فَأَنَا واللَّه رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ
عَلَى الْخَيْلِ، قَدْ بَدَتْ خَلَاخِيلُهُنَّ وَأَسْوُقُهُنَّ رَافِعَاتٍ
ثِيَابَهُنَّ فَقَالَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّه بْنِ جُبَيْرٍ: الْغَنِيمَةَ
أَيْ قَوْمِ الْغَنِيمَةَ، ظَهَرَ أَصْحَابُكُمْ فَمَا تَنْظُرُونَ، قَالَ
عَبْدُ اللَّه بْنُ جُبَيْرٍ: أَنَسِيتُمْ مَا قَالَ لَكُمْ رَسُولُ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالُوا:
لَنَأْتِيَنَّ النَّاسَ فَلَنُصِيبَنَّ مِنَ الْغَنِيمَةِ، فَأَتَوْهُمْ
فَصُرِفَتْ وجُوهُهُمْ، فَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ فَذَلِكَ إِذْ
يَدْعُوهُمُ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ، فَلَمْ يَبْقَ مَعَ رَسُولِ
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا
فَأَصَابُوا مِنَّا سَبْعِينَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ أَصَابُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ- قَالَ
النُّفَيْلِيُّ: أَظُنُّهُ قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ- أَرْبَعِينَ وَمِائَةً:
سَبْعِينَ أَسِيرًا وَسَبْعِينَ قَتِيلًا، قَالَ:
فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ أَفِي الْقَوْمِ
مُحَمَّدٌ؟ أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّه صلى
اللَّه عليه وَسَلَّمَ أَنْ يُجِيبُوهُ، ثُمَّ قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ
ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ أَفِي
الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ ثُمَّ قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ
الْخَطَّابِ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ:
أَمَّا هَؤُلَاءِ فَقَدْ قُتِلُوا فَمَا مَلَكَ عُمَرُ نفسه أن
__________
[ (20) ] [آل عمران- 152] .
(3/229)
قَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّه، إِنَّ
الَّذِينَ عَدَدْتَ لَأَحْيَاءٌ كُلُّهُمْ، وَقَدْ بَقِيَ لَكَ مَا
يَسُوءُكَ، وَقَالَ يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ وَالْحَرْبُ سجال سَتَجِدُونَ
لَكُمْ مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا [ (21) ] وَلَمْ تَسُؤْنِي
ثُمَّ أَخَذَ يَرْتَجِزُ [اعْلُ هُبَلُ] [ (22) ] اعْلُ هُبَلُ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا تُجِيبُوهُ؟
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه مَا نَقُولُ؟ قَالَ: قُولُوا اللَّه أَعْلَى
[ (23) ] وَأَجَلُّ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ لَنَا الْعُزَّى وَلَا عُزَّى
لَكُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا
تُجِيبُوهُ؟
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه مَا نَقُولُ؟ قَالَ: قُولُوا اللَّه
مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، عَنْ
زُهَيْرٍ [ (24) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْبِسْطَامِيُّ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي
أَبُو يَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ
الْفَارَيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ جَمِيعًا، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ
أُحُدٍ هَزِيمَةً بَيِّنَةً [ (25) ] تُعْرَفُ فِيهِمْ، فَصَرَخَ
إِبْلِيسُ: أَيْ عِبَادَ اللَّه أُخْرَاكُمْ، فَرَجَعَتْ أُولَاهُمْ
وَاجْتَلَدُوا [ (26) ] هُمْ وَأُخْرَاهُمْ، فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ بْنُ
الْيَمَانِ فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ فَقَالَ: أَبِي، أَبِي، فو اللَّه مَا
انْحَجَزُوا عَنْهُ حَتَّى قَتَلُوهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: غَفَرَ اللَّه
لَكُمْ، قَالَ عُرْوَةُ: فو اللَّه مَا زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ
__________
[ (21) ] في (ص) و (ح) و (د) : «لم آثر بها» .
[ (22) ] في (ص) و (ح) رسمت: «أعلى» .
[ (23) ] الزيادة من (ص) و (ح) و (د) وليست في (آ) .
[ (24) ] الْبُخَارِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ في: 64- كتاب المغازي،
الحديث (3986) ، فتح الباري (7:
307) ، ومختصرا في تفسير سورة آل عمران (10) باب «وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ
فِي أُخْرَاكُمْ» ، الحديث (4561) ، فتح الباري (8: 227) ، وأخرجه ابو داود
في كتاب الجهاد باب في الكمناء، الحديث (2662) ، ص (3: 51- 52) عَنْ عَبْدِ
اللَّه بْنِ محمد النفيلي.
[ (25) ] زيادة ليست في صحيح البخاري.
[ (26) ] في الصحيح «واجتلدت» .
(3/230)
[مِنْهَا] بَقِيَّةُ خَيْرٍ حَتَّى لَقِيَ
اللهَ عَزَّ وَجَلَّ.
لَفْظُ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (27) ] ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ
سَعِيدٍ، عن أبي أُسَامَةَ، وَعَنْ فَرْوَةَ، عَنْ علي بن مسهر.
__________
[ (27) ] أخرجه البخاري في: 83- كتاب الأيمان والنذور (15) باب إذا حنث
ناسيا في الأيمان، الحديث (6668) ، فتح الباري (11: 549) .
(3/231)
بَابُ تَحْرِيضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ عَلَى الْقِتَالِ يَوْمَ أُحُدٍ وَثُبُوتِ
مَنْ عَصَمَهُ اللَّه- عَزَّ وَجَلَّ-
مِنْهُمْ مَعَهُ أَوْ رُجُوعِهِ إِلَيْهِ حِينَ عَلِمَ مَكَانَهُ، وَقَوْلِ
اللَّه عَزَّ وَجَلَّ:
رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّه عَلَيْهِ، وَمَا رُوِيَ فِي
انْقِلَابِ الْعَسِيبِ الَّذِي أَعْطَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه
وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّه بْنَ جَحْشٍ، فِي يَدِهِ سَيْفًا
أخبرنا أبو محمد عبد اللَّه بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ- رَحِمَهُ
اللَّه- قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَفَّانُ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو
الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحسن ابْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ
رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم أَخَذَ سَيْفًا يَوْمَ أُحُدٍ،
فَقَالَ مَنْ يَأْخُذُ مِنِّي هَذَا السَّيْفَ بِحَقِّهِ؟ فَبَسَطُوا
أَيْدِيَهُمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ يَقُولُ: أَنَا أَنَا، فَقَالَ:
مَنْ يَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ؟ فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ فَقَالَ لَهُ سِمَاكٌ
أَبُو دُجَانَةَ: أَنَا آخُذُهُ بِحَقِّهِ. قَالَ: فَأَخَذَهُ فَفَلَقَ
بِهِ هَامَ الْمُشْرِكِينَ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ [
(1) ] .
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
بَكْرِ أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
قِلَابَةَ الرَّقَاشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ
الْكِلَابِيُّ، قَالَ:
__________
[ (1) ] فِي: 44- كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ (25) باب من فضائل ابي
دجانة. الحديث (128) ، ص (1917) .
(3/232)
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّه بْنُ
الْوَازِعِ بْنِ ثَوْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ
أَبِيهِ،، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، قَالَ: عَرَضَ رَسُولُ
اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيْفًا يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ: مَنْ
يَأْخُذُ هَذَا السَّيْفَ بِحَقِّهِ؟ فَقُمْتُ فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ
اللَّه. فَأَعْرَضَ عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَأْخُذُ هَذَا السَّيْفَ
بِحَقِّهِ؟ فَقُمْتُ فَقُلْتُ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّه فَأَعْرَضَ عَنِّي،
ثُمَّ قَالَ:
مَنْ يَأْخُذُ هَذَا السَّيْفَ بِحَقِّهِ فَقَامَ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ
بْنُ خَرَشَةَ فَقَالَ: أَنَا آخُذُهُ يَا رَسُولَ اللَّه بِحَقِّهِ فَمَا
حَقُّهُ؟ قَالَ: أَلَّا تَقْتُلَ بِهِ مُسْلِمًا وَلَا تَفِرَّ بِهِ عَنْ
كَافِرٍ، قَالَ:
فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ،
وَكَانَ إِذَا أَرَادَ الْقِتَالَ أَعْلَمَ بِعِصَابَةٍ، قَالَ: قُلْتُ
لَأَنْظُرَنَّ إِلَيْهِ الْيَوْمَ كَيْفَ يَصْنَعُ قَالَ: فَجَعَلَ لَا
يَرْتَفِعُ لَهُ شَيْءٌ إِلَّا هَتَكَهُ وَأَفْرَاهُ، حَتَّى انْتَهَى
إِلَى نِسْوَةٍ فِي سَفْحِ جَبَلٍ مَعَهُنَّ دُفُوفٌ لَهُنَّ، فِيهِنَّ
امْرَأَةٌ وَهِيَ تقول:
نَحْنُ بَنَاتُ طَارِقْ. نَمْشِي عَلَى النَّمَارِقْ.
إِنْ تُقْبِلُوا نُعَانِقْ. وَنَبْسُطُ النَّمَارِقْ.
إِنْ تُدْبِرُوا نُفَارِقْ. فِرَاقَ غَيْرِ وَامِقْ.
قَالَ: فَأَهْوَى بِالسَّيْفِ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَضْرِبَهَا، ثُمَّ كَفَّ
عَنْهَا، فَلَمَّا انْكَشَفَ الْقِتَالُ قُلْتُ لَهُ: كُلُّ عَمَلِكَ قَدْ
رَأَيْتُ مَا خَلَا رَفْعَكَ السَّيْفَ عَلَى الْمَرْأَةِ. ثُمَّ لَمْ
تَضْرِبْهَا، قَالَ: إِي واللَّه أَكْرَمْتُ سَيْفَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وسلم أَنْ أَقْتُلَ بِهِ امْرَأَةً.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ،
عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَلَمَّا أَخَذَ أَبُو دُجَانَةَ السَّيْفَ،
مِنْ يَدِ رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرَجَ
عِصَابَتَهُ الْحَمْرَاءَ فَعَصَبَهَا بِرَأْسِهِ فَجَعَلَ يَتَبَخْتَرُ
بَيْنَ الصَّفَّيْنِ [ (2) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ
أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ مَعْبَدِ
بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ
__________
[ (2) ] الخبر رواه ابن هشام في السيرة (3: 12) .
(3/233)
رَأَى أَبَا دُجَانَةَ يَتَبَخْتَرُ:
إِنَّهَا لَمِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا اللَّه إِلَّا فِي مِثْلِ هَذَا
الْمَوْطِنِ [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ،
قَالَ: فَحَدَّثَنِي الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مَحْمُودِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ غَشِيَهُ الْقَوْمُ:
مَنْ رَجُلٌ يَشْرِي لَنَا بِنَفْسِهِ، فَقَامَ زِيَادُ بْنُ السَّكَنِ فِي
خَمْسَةِ نَفَرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ: إِنَّمَا
هُوَ عُمَارَةُ بْنُ زِيَادِ بْنِ السَّكَنِ، فقاتلوا رسول اللَّه صلى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ ثُمَّ رَجُلٌ يُقْتَلُونَ دُونَهُ،
حَتَّى كَانَ آخِرُهُمْ زِيَادًا، أَوْ عُمَارَةَ بْنَ زِيَادٍ، فَقَاتَلَ
حَتَّى أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ ثُمَّ فَاءَتِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
فَيْئَةٌ فَأَجْهَضُوهُمْ عَنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَدْنُوهُ مِنِّي فَأَدْنَوْهُ مِنْهُ، فَوَسَّدَهُ
قَدَمَهُ فَمَاتَ وَخَدُّهُ عَلَى قَدَمِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَرَّسَ دُونَ رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عليه
وَسَلَّمَ أَبُو دُجَانَةَ بِنَفْسِهِ يَقَعُ النَّبْلُ فِي ظَهْرِهِ وهو
منحني علي رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَثُرَتْ
فِيهِ النَّبْلُ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ سِخْتَوَيْهِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ أَيُّوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ وهُدْبَةُ بْنُ
خَالِدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ
زَيْدٍ، وثَابِتٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُفْرِدَ يَوْمَ أُحُدٍ فِي سَبْعَةٍ مِنَ
الْأَنْصَارِ وَرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمَّا رَهِقُوهُ [ (4) ] ،
قَالَ: مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ أَوْ هُوَ رَفِيقِي فِي
الْجَنَّةِ، فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ
[ثُمَّ رَهِقُوهُ أَيْضًا، فَقَالَ: مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ
الْجَنَّةُ، أَوْ هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ، فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ
الْأَنْصَارِ فَقَاتَلَ حَتَّى قتل] [ (5) ]
__________
[ (3) ] الخبر في سيرة ابن هشام (3: 10) .
[ (4) ] (فلما رهقوه) اي: غشوه، وقربوا منه، وأدركوه، قال القاضي عياض في
مشارف الأنوار «قيل لا يستعمل ذلك إلا في المكروه» .
[ (5) ] الزيادة من صحيح مسلم.
(3/234)
فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قُتِلَ
السَّبْعَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ
لِصَاحِبَيْهِ [ (6) ] : مَا أَنْصَفْنَا أَصْحَابَنَا [ (7) ] .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ [ (8) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ
الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: لَمْ يَبْقَ مَعَ رَسُولِ
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْأَيَّامِ
الَّتِي قَاتَلَ فِيهِنَّ رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
غَيْرُ: طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّه، وسعد، عَنْ حَدِيثِهِمَا [ (9) ] .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ [ (10)
] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُعْتَمِرٍ [
(11) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ
بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ،
قَالَ:
__________
[ (6) ] (لصاحبيه) : هما ذانك القرشيان.
[ (7) ] (ما انصفنا أصحابنا) : معناه ما أنصفت قريش الأنصار لكون القرشيين،
لم يخرجا للقتال، بل خرجت الأنصار واحدا بعد واحد، وذكر القاضي عياض وغيره
ان بعضهم رواه: «ما انصفنا بفتح الفاء، والمراد على هذا: الذين فروا من
القتال، فإنهم لم ينصفوا لفرارهم.
[ (8) ] الحديث في صحيح مسلم، في: 32- كتاب الجهاد والسير (37) باب غزوة
أحد، الحديث (100) ، ص (1415) ، عَنْ هَدَّابِ بْنِ خَالِدٍ الأزدي.
[ (9) ] عن حديثهما يعني: هما حدثاني بذلك.
[ (10) ] مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي: 44- كِتَابِ
فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ (6) باب من فضائل طلحة وَالزُّبَيْرَ رَضِيَ اللَّه
عَنْهُمَا- الحديث (47) ، ص (1879) .
[ (11) ] الْبُخَارِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ في: 64- كتاب
المغازي، (18) باب إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا
واللَّه وَلِيُّهُمَا:..، الحديث (4060) ، فتح الباري (7: 359) ، وأخرجه
البخاري (أَيْضًا) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بكر المقدمي فِي: 62- كِتَابِ
فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ (14) باب ذكر طلحة ابن عبيد اللَّه، الحديث (3722)
، فتح الباري (7: 82) .
(3/235)
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ،
عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: رَأَيْتُ يَدَ طَلْحَةَ شَلَّاءَ وَقَى بِهَا
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْنِي- يَوْمَ أُحُدٍ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ أَبِي
شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ [ (12) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ:
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ الطَّرَائِفِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ
أَيُّوبَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عزيّة، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ مَوْلَى حكيم
بن حرام، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه، أَنَّهُ قَالَ: انْهَزَمَ
النَّاسُ عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ
أُحُدٍ بَقِيَ مَعَهُ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ [فِيهِمْ]
طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّه وَهُوَ يَصْعَدُ فِي الْجَبَلِ فَلَحِقَهُمُ
الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ: [أَلَا أَحَدٌ لِهَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ:
أَنَا يَا رَسُولَ اللَّه] [ (13) ] ، فَقَالَ: كَمَا أَنْتَ يَا طَلْحَةُ
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: فَأَنَا يَا رَسُولَ اللَّه فَقَاتَلَ
عَنْهُ، وَصَعِدَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وَمَنْ بَقِيَ
مَعَهُ، ثُمَّ قُتِلَ الْأَنْصَارِيُّ، فَلَحِقُوهُ، فَقَالَ: أَلَا أَحَدٌ
لِهَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ مِثْلَ قَوْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ قَوْلِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ
الْأَنْصَارِ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّه فَأَذِنَ لَهُ، فَقَاتَلَ مِثْلَ
قِتَالِهِ وَقِتَالِ صَاحِبِهِ، وَرَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه
وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ يَصْعَدُونَ، ثُمَّ قُتِلَ فَلَحِقُوهُ، فَلَمْ
يَزَلْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مِثْلَ
قَوْلِهِ الْأَوَّلِ، وَيَقُولُ طَلْحَةُ أَنَا: يَا رَسُولَ اللَّه
فَيَحْبِسُهُ، فَيَسْتَأْذِنُهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ لِلْقِتَالِ،
فَيَأْذَنُ لَهُ، فَقَاتَلَ مِثْلَ قِتَالِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ، حَتَّى
لَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا طَلْحَةُ فَغَشَوْهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه
صَلَّى اللَّه عليه وسلم: مَنْ لِهَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ: أَنَا،
فَقَاتَلَ مِثْلَ قِتَالَ جميع من
__________
[ (12) ] الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، فِي: 64-
كتاب المغازي- (18) باب إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا
واللَّه وَلِيُّهُمَا، وَعَلَى اللَّه فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ.
الحديث (4063) ، فتح الباري (7: 359) ، ورواه البخاري أيضا عن مسدد فِي:
62- كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، (14) باب ذكر طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ
اللَّه، الحديث (3724) ، فتح الباري (7: 83) .
[ (13) ] ما بين الحاصرتين ليس في (ص) ولا في (د) ، وفي سنن النسائي:
«فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ:
من للقوم، فقال طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّه: أنا» .
(3/236)
كَانَ قَبْلَهُ وَأُصِيبَتْ أَنَامِلُهُ
فَقَالَ حَسِّ [ (14) ] . فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: لَوْ قُلْتَ بِسْمِ اللَّه، أَوْ ذَكَرْتَ اسْمَ اللَّه
لَرَفَعَتْكَ الْمَلَائِكَةُ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ حَتَّى
تَلِجَ بِكَ فِي جَوِّ السَّمَاءِ، ثُمَّ صَعِدَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ [ (15)
] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ،
قَالَ:
وَذَكَرَ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ عَرَفَ رَسُولَ اللَّه
صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ، وَقَوْلِ النَّاسِ:
قُتِلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَعْبُ بْنُ
مَالِكٍ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، قَالَ: قَدْ عَرَفْتُ عَيْنَيْهِ
[الشَّرِيفَتَيْنِ] [ (16) ] تُزْهِرَانِ مِنْ تَحْتِ الْمِغْفَرِ
فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى [ (17) ] صَوْتِي: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ
أَبْشِرُوا هَذَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَأَشَارَ إِلَيَّ: [أَنْ] أَنْصِتْ، فَلَمَّا عَرَفَ الْمُسْلِمُونَ
رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَضُوا، وَنَهَضَ
مَعَهُمْ نَحْوَ الشِّعْبِ مَعَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبُو
بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَطَلْحَةُ، والزبير،
والحارث ابن الصِّمَّةِ فِي نَفَرٍ [ (18) ] مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
فَلَمَّا أَسْنَدَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ فِي الشِّعْبِ
أَدْرَكَهُ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ وَهُوَ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ: لَا
نَجَوْتُ إِنْ نَجَوْتَ، فَقَالَ الْقَوْمُ يَا رَسُولَ اللَّه أَيَعْطِفُ
عَلَيْكَ رَجُلٌ مِنَّا؟
فَقَالَ: دَعُوهُ،
فَلَمَّا دَنَا [ (19) ] تَنَاوَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْحَرْبَةَ مِنَ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ فَقَالَ بَعْضُ
الْقَوْمِ- كَمَا ذُكِرَ لِي- فَلَمَّا أَخَذَهَا رَسُولُ اللَّه صلى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ انْتَفَضَ بها انتفاضة
__________
[ (14) ] فقال حسّ: هي بكسر السين المشددة كلمة يقولها الإنسان إذا أصابه
ما مضه وأحرقه كالجمرة، والضربة، ونحوهما.
[ (15) ] أخرجه النسائي في كتاب الجهاد باختلاف يسير، في باب ما يقول من
يطعنه العدو (6: 29- 30) عَنْ عَمْرِو بْنِ سَوَّادٍ.
[ (16) ] الزيادة من سيرة بن هشام.
[ (17) ] رسمت في (أ) : «بأعلا» .
[ (18) ] في سيرة ابن هشام: «ورهط من المسلمين» .
[ (19) ] رسمت في (ص) و (د) : «دنى» .
(3/237)
تَطَايَرْنَا عَنْهُ تَطَايُرَ
الشَّعْرَاءِ [ (20) ] عَنْ ظَهْرِ الْبَعِيرِ إِذَا انْتَفَضَ، ثُمَّ
اسْتَقْبَلَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ فَطَعَنَهُ فِي
عُنُقِهِ طَعْنَةً تَدَأْدَأَ [ (21) ] مِنْهَا عَنْ فَرَسِهِ مِرَارًا [
(22) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي الشِّعْبِ مَعَهُ أُولَئِكَ النَّفَرُ مِنْ أَصْحَابِهِ
إِذَا عَلَتْ عَالِيَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ الْجَبَلَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ
أَنْ يَعْلُونَا» .
فَقَاتَلَهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَرَهْطٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
حَتَّى أَهْبَطُوهُمْ عَنِ الْجَبَلِ، وَنَهَضَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه
عليه وَسَلَّمَ إِلَى صَخْرَةٍ مِنَ الْجَبَلِ لِيَعْلُوَهَا.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ عَنْ عَبْدِ
اللَّه بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الزُّبَيْرِ،
قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم قَدْ ظَاهَرَ
بَيْنَ دِرْعَيْنِ يَوْمَئِذٍ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَنْهَضَ إِلَيْهَا
فَجَلَسَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّه تَحْتَهُ، فَنَهَضَ رَسُولُ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اسْتَوَى عَلَيْهَا، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم: أَوْجَبَ طَلْحَةُ [ (23) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَاتَلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ دُونَ رَسُولِ
اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم وَمَعَهُ لِوَاؤُهُ حَتَّى قُتِلَ وَكَانَ
الَّذِي قَتَلَهُ ابْنُ قَمِئَةَ اللَّيْثِيُّ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ
رَسُولُ اللَّه، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَجَعَ إِلَى
قُرَيْشٍ فَقَالَ: قَتَلْتُ مُحَمَّدًا.
فَلَمَّا قُتِلَ مُصْعَبٌ أَعْطَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ اللِّوَاءَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ [ (24) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ قَتَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ طَلْحَةَ
بْنَ أَبِي طَلْحَةَ، وَهُوَ يَحْمِلُ لِوَاءَ قُرَيْشٍ، وَالْحَكَمَ بْنَ
الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ، وَعَبْدَ اللَّه بْنَ حُمَيْدِ بْنِ زُهَيْرٍ،
وَأَبَا أُمَيَّةَ بْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنَ أَبِي الْمُغِيرَةِ،
وَأَخَذَ اللِّوَاءَ بَعْدَ طَلْحَةَ: أبو
__________
[ (20) ] الشّعراء: ذباب له لدغ.
[ (21) ] (تدأدأ) تقلّب عن فرسه، وتدحرج.
[ (22) ] الخبر في سيرة ابن هشام (3: 26- 28) .
[ (23) ] أي وجبت له الجنة، والخبر في سيرة ابن هشام (3: 29- 30) .
[ (24) ] الخبر في سيرة ابن هشام (3: 16) .
(3/238)
سَعْدِ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، فَقَالَ
سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: رَمَيْتُهُ فَأَصَبْتُ حَنْجَرَتَهُ،
فَانْدَلَعَ لِسَانُهُ انْدِلَاعَ لِسَانِ الْكَلْبِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ بَعْضِ
آلِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: أَنَّهُ رَمَى يَوْمَ أُحُدٍ
دُونَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم، قَالَ سَعْدٌ: فَلَقَدْ
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينَاوِلُنِي
النَّبْلَ وَيَقُولُ: ارْمِ فِدًا لَكَ [ (25) ] أَبِي وَأُمِّي، حَتَّى
إِنَّهُ لَيُنَاوِلُنِي السَّهْمَ مَا لَهُ مِنْ نَصْلٍ فَأَرْمِي بِهِ [
(26) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ وَأَبُو عَبْدِ اللَّه
الْحُسَيْنُ بْنُ عَمْرِو بْنِ بُرْهَانَ الْبَغْدَادِيُّ بِهَا فِي
آخَرِينَ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ،
قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ، عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمٍ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ
سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ
يَقُولُ: نَثَلَ لِي رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ يَعْنِي نَفْضَ كِنَانَتَهُ [ (27) ] يَوْمَ
أُحُدٍ وَقَالَ: ارْمِ فِدَاكَ، أَبِي وَأُمِّي.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ مُحَمَّدٍ
عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ [ (28) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْبِسْطَامِيُّ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي
أَبُو يَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ هُوَ ابْنُ مِهْرَانَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ عَنْ رَسُولِ
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ يَدَيْ
رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم
__________
[ (25) ] في سيرة ابن هشام «ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي» .
[ (26) ] عند ابن هشام: «حَتَّى إِنَّهُ لَيُنَاوِلُنِي السَّهْمَ ماله نصل
فيقول: «إرم به» والخبر في سيرة ابن هشام (3: 25) .
[ (27) ] (الكنانة) : «جعبة السهام» .
[ (28) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي (18) باب إِذْ هَمَّتْ
طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما، الحديث (4055) ،
فتح الباري (7: 358) .
(3/239)
مُجَوِّبٌ عَلَيْهِ بِحَجَفَةٍ [ (29) ]
مَعَهُ وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلًا رَامِيًا شَدِيدَ النَّزْعِ كَسَرَ
يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ
بِالْجَعْبَةِ [ (30) ] فِيهَا النَّبْلُ فَيَقُولُ: انْثُرْهَا لِأَبِي
طَلْحَةَ، وَيُشْرِفُ نَبِيُّ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ فَيَنْظُرُ
إِلَى الْقَوْمِ فَيَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ [ (31) ] : يَا نَبِيَّ اللَّه
بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي لَا تُشْرِفْ [ (32) ] لَا يُصِبْكَ سَهْمٌ مِنْ
سِهَامِ الْقَوْمِ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ [ (33) ] وَلَقَدْ رَأَيْتُ
عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَإِنَّهُمَا
مُشَمِّرَتَانِ أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا [ (34) ] ، يَنْقُلَانِ الْقِرَبَ
عَلَى مُتُونِهِمَا [ (35) ] ثُمَّ يُفْرغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ
وَتَرْجِعَانِ فَتَمْلَآنِهَا، ثُمَّ تَجِيئَانِ فَتُفْرِغَانِهِ فِي
أَفْوَاهِ الْقَوْمِ، وَلَقَدْ وَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدِ أَبِي طَلْحَةَ
مِنَ النُّعَاسِ [ (36) ] إِمَّا مرّتين وإمّا ثلاثا.
__________
[ (29) ] (مجوب عليه بحجفة) أي: مترس عنه ليقيه سلاح الكفار، وأصل التجويب:
الاتقاء بالجوب، كثوب، وهو الترس.
[ (30) ] (الجعبة) الكنانة التي تجعل فيها السهام.
[ (31) ] هو زيد بن سهل بن الأسود بن حرام الخزرجي البخاري، أبو طلحة
الأنصاري، صَاحِبِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَمَنْ بني أخواله، وأحد اعيان البدريين، واحد النقباء الاثنى عشر ليلة
العقبة،
قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم: «صوت ابي طلحة في
الجيش خير من فئة»
مسند أحمد (3: 203) ، والمستدرك (3: 352) .
حارب في بدر، وأحد، وشهد المشاهد كلها،
وفي حنين قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم: «من قتل قتيلا
فَلَهُ سَلَبُهُ» ،
فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ عِشْرِينَ رَجُلًا، وأخذ أسلابهم» .
أبو داود (3: 71) ، والمستدرك (3: 353) .
قال له بنوه: قد غزوت عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وسلم، وأبي بكر، وعمر، فنحن نغزو عنك، فأبى، فغزا في البحر، فمات، فلم
يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها الا بعد سبعة أيام، فلم يتغير.
وكان جلدا، صيّتا، مربوعا، روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم نيفا وعشرين
حديثا.
[ (32) ] (لا تشرف) : أي لا تتطلع من أعلى.
[ (33) ] جملة دعائية معناها: جعل اللَّه نحري أقرب الى السهام من نحرك،
لأصاب بها دونك.
[ (34) ] (خدم سوقهما) الواحدة خدمة، وهي الخلخال.
[ (35) ] (على متونهما) اي على ظهورهما.
[ (36) ] هو النعاس الذي منّ اللَّه به على أهل الصدق واليقين من المؤمنين
يوم أحد، فإنه تعالى لما علم ما في قلوبهم من الغم، وخوف كرّة الأعداء،
صرفهم عن ذلك بإنزال النعاس عليهم لئلا يوهنهم
(3/240)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ،
عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ [ (37) ] .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي
مَعْمَرٍ [ (38) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ ابن إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ،
قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
مُعَاوِيَةَ الْكَاغَذِيُّ بِالرِّيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي الثَّلْجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُجَيْنُ بْنُ
الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ
الْمَاجِشُونُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْفَضْلِ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ
الضَّمْرِيِّ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ
الْخِيَارِ إِلَى الشَّامِ، فَلَمَّا قَدِمْنَا حِمْصَ قَالَ لِي عُبَيْدُ
اللهِ: هَلْ لَكَ فِي وَحْشِيٍّ نَسْأَلُهُ عَنْ قَتْلِ حَمْزَةَ؟
قُلْتُ: نَعَمْ، وَكَانَ وَحْشِيٌّ يَسْكُنُ حِمْصَ، قَالَ: فَسَأَلْنَا
عَنْهُ فَقِيلَ لَنَا: هُوَ ذَاكَ فِي ظِلِّ قَصْرِهِ كَأَنَّهُ حَيْثُ
كَذَا، قَالَ الرَّازِيُّ: وَإِنَّمَا هُوَ عِنْدِي كَأَنَّهُ حَمِيتٌ
قَالَ فَجِئْنَا حَتَّى وَقَفْنَا عَلَيْهِ يَسِيرًا فَسَلَّمْنَا فَرَدَّ
عَلَيْنَا السَّلَامَ قَالَ: وَكَانَ عُبَيْدُ اللهِ مُعْتَجِرًا
بِعِمَامَتِهِ مَا يَرَى وَحْشِيٌّ إِلَّا عَيْنَيْهِ وَرِجْلَيْهِ،
فَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ يَا وَحْشِيُّ تَعْرِفُنِي فَنَظَرَ إِلَيْهِ
فَقَالَ لَا وَاللهِ إِلَّا أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ عَدِيَّ بْنَ الْخِيَارِ
تَزَوَّجَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ قِتَالِ بِنْتُ أَبِي الْعِيصِ
فَوَلَدَتْ غُلَامًا بِمَكَّةَ فَاسْتَرْضَعَتْهُ فَحَمَلْتُ ذَلِكَ
الْغُلَامَ مَعَ أُمِّهِ فَنَاوَلْتُهَا إِيَّاهُ لَكَأَنِّي نَظَرْتُ
إِلَى قَدَمَيْكَ، قَالَ: فَكَشَفَ عُبَيْدُ اللهِ عن وجهه، ثم
__________
[ () ] الغم والخوف، ويضعف عزائمهم، قال تعالى: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ
مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ.
[ (37) ] البخاري عن أبي معمر في فضل ابي طلحة في: 63- كتاب مناقب الأنصار،
(18) باب مناقب ابي طلحة- رضي الله عنه- الحديث (3811) ، فتح الباري (7:
128) ،
[ (38) ] مسلم في: 32- كتاب الجهاد والسير (47) باب غزوة النساء مع الرجال،
الحديث (136) ، ص (1443) .
(3/241)
قَالَ: أَلَا تُخْبِرُنَا بِقَتْلِ
حَمْزَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِنَّ حَمْزَةَ قَتَلَ طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيِّ
بْنِ الْخِيَارِ بِبَدْرٍ، فَقَالَ لِي مَوْلَايَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ:
إِنْ قَتَلْتَ حَمْزَةَ بِعَمِّي فَأَنْتَ حُرٌّ.
قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ النَّاسُ عَنْ عَيْنَيْنِ، قَالَ: وَعَيْنَيْنِ
جَبَلٌ تَحْتَ أُحُدٍ بَيْنَهُ وبينه وادي، قَالَ: فَخَرَجْتُ مَعَ
النَّاسِ إِلَى الْقِتَالِ، فَلَمَّا أَنَ اصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ خَرَجَ
سِبَاعٌ، فَقَالَ: هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ؟ فَخَرَجَ إِلَيْهِ حَمْزَةُ
فَقَالَ: يَا سباع يا بن مُقَطِّعَةِ الْبُظُورِ تُحَادُّ اللهَ
وَرَسُولَهُ، ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ فَكَانَ كَأَمْسِ الذَّاهِبِ.
قَالَ: فَكَمَنْتُ لِحَمْزَةَ تَحْتَ صَخْرَةٍ حَتَّى مَرَّ عَلَيَّ،
فَلَمَّا دَنَا مِنِّي رَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي فَوَقَعَتْ ثُنَّتُهُ،
حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ وَرِكِهِ، قَالَ: فَكَانَ ذَاكَ الْعَهْدَ بِهِ،
فَلَمَّا رَجَعَ النَّاسُ رَجَعْتُ مَعَهُمْ فَأَقَمْتُ بِمَكَّةَ، حَتَّى
فَشَا فِيهَا الْإِسْلَامُ، ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى الطَّائِفِ، قَالَ:
وَأَرْسَلُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رُسُلًا وَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ لَا يَهِيجُ الرُّسُلَ [ (39) ] ،
قَالَ: فَخَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَآنِي قَالَ أَنْتَ وَحْشِيٌّ؟
قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: الَّذِي قَتَلْتَ حَمْزَةَ؟ قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ
الْأَمْرُ الَّذِي بَلَغَكَ قَالَ: مَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُغَيِّبَ عَنِّي
وَجْهَكَ قَالَ: فَرَجَعْتُ
فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم وَخَرَجَ
مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ قُلْتُ لَأَخْرُجَنَّ إِلَى مُسَيْلِمَةَ
لَعَلِّي أَقْتُلُهُ فَأُكَافِئَ بِهِ حَمْزَةَ قَالَ: فَخَرَجْتُ مَعَ
النَّاسِ وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا كَانَ فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي
ثُلْمَةِ جِدَارٍ كَأَنَّهُ جَمَلٌ أَوْرَقُ ثَائِرٌ رَأْسُهُ قَالَ:
فَأَرْمِيهِ بِحَرْبَتِي فَأَضَعُهَا بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حَتَّى خَرَجَتْ
مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ قَالَ وَوَثَبَ أَوْ قَالَ وَدَفَّ إِلَيْهِ رَجُلٌ
مِنَ الْأَنْصَارِ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى هَامَتِهِ. قَالَ عَبْدُ
اللَّه بْنُ الْفَضْلِ وَأَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّهُ
سَمِعَ عَبْدَ اللَّه بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: فَقَالَتْ جَارِيَةٌ عَلَى
ظَهْرِ بيت: وأمير الْمُؤْمِنِينَ قَتَلَهُ الْعَبْدُ الْأَسْوَدُ.
قَالَ حُجَيْنٌ: فَلَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنِّي قَدْ سَمِعْتُ عَبْدَ
الْعَزِيزِ يَقُولُ: وَكَانَ سعيد
__________
[ (39) ] عند ابن هشام: «إنه ما يقتل أحدا من الناس دخل في دينه» .
(3/242)
يَقُولُ: فَكُنْتُ أَعْجَبُ لِقَاتِلِ
حَمْزَةَ كَيْفَ يَنْجُو، حَتَّى بَلَغَنِي أَنَّهُ مَاتَ غَرِيقًا فِي
الْبَحْرِ [ (40) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (41) ] عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه دُونَ قَوْلِ حُجَيْنٍ فِي آخِرِهِ.
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ
بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ،
عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ:
كَانَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يُقَاتِلُ يَوْمَ أُحُدٍ بَيْنَ
يَدَيْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم بِسَيْفَيْنِ،
وَيَقُولُ: أَنَا أَسَدُ اللَّه.
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ
هُوَ الْأَصَمُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ،
قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ
إِسْحَاقَ، قَالَ: كَانَ حَمْزَةُ يُقَاتِلُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَيْفَيْنِ، يَقُولُ: أَنَا أَسَدُ
اللَّه، وَيُقْبِلُ وَيُدْبِرُ، فَعَثَرَ، فَصُرِعَ مستلقيا وانكشفت
الدِّرْعُ عَنْ بَطْنِهِ فَزَرَقَهُ المعبد الْحَبَشِيُّ بِرُمْحٍ، أَوْ
قَالَ بِحَرْبَةٍ فَبَقَرَهُ بِهَا يَوْمَ أُحُدٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
شَيْبَانَ الرَّمْلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ
عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّه يَقُولُ:
قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ:
يَا رَسُولَ اللَّه إِنْ قُتِلْتُ فَأَيْنَ أَنَا؟ قَالَ: فِي الْجَنَّةِ
فَأَلْقَى ثَمَرَاتٍ كُنَّ فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ.
__________
[ (40) ] كذا في الأصل وفي الإصابة (3: 631) : «سكن حمص ومات بها» .
[ (41) ] البخاري عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه فِي:
64- كِتَابِ المغازي (23) باب قتل حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ-
رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- الحديث (4072) ، فتح الباري (7: 367- 368) .
(3/243)
قَالَ غَيْرُ عَمْرٍو: تَخَلَّى مِنْ
طَعَامِ الدُّنْيَا. كَذَا فِي كِتَابِي فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ،
وَالصَّوَابُ: بَجَلِي، يَعْنِي: قَالَ الرَّجُلُ: بَجَلِي، أَيْ حَسْبِي
هَذَا مِنْ طَعَامِ الدُّنْيَا [ (42) ] .
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ [ (43)
] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ بَكْرٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: غَابَ أَنَسُ بْنُ
النَّضْرِ عَمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ، فَلَمَّا
قَدِمَ، قَالَ: غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلَهُ رَسُولُ اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم الْمُشْرِكِينَ، لَئِنْ أَشْهَدَنِي اللَّه قِتَالًا
لَيَرَيَنَّ اللَّه مَا أَصْنَعُ.
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ، فَقَالَ: اللهُمَّ
إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلَاءِ- يَعْنِي
الْمُشْرِكِينَ- وَأَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ يَعْنِي
الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ مَشَى بِسَيْفِهِ، فَلَقِيَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ
فَقَالَ: أَيْ سَعْدُ! وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ
الْجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ، وَاهًا لِرِيحِ الْجَنَّةِ، قَالَ سَعْدٌ: فَمَا
اسْتَطَعْتُ يَا رَسُولَ اللَّه مَا صَنَعَ.
__________
[ (42) ] ومنه قول الشاعر يوم الجمل.
نحن بني ضبة أصحاب الجمل ... ردوا علينا شيخنا ثم بجل
اي: ثم حسب. النهاية (1: 98) .
[ (43) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي، (17) باب غزوة أحد، الحديث
(4046) ، فتح الباري (7: 354) .
وأخرجه مسلم في: 33- كتاب الإمارة (41) باب ثبوت الجنة للشهيد، الحديث
(143) ص (1509) .
وأخرجه النسائي في كتاب الجهاد، باب ثواب من قتل في سبيل اللَّه، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ منصور.
(3/244)
قَالَ أَنَسٌ: فَوَجَدْنَاهُ بَيْنَ
الْقَتْلَى بِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ جِرَاحَةً: مِنْ ضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ،
وَطَعْنَةٍ بِرُمْحٍ، وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ، قَدْ مَثَّلُوا بِهِ، قَالَ:
فَمَا عَرَفْنَاهُ حَتَّى عَرَفَتْهُ أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ.
قَالَ أَنَسٌ: فَكُنَّا نَقُولُ: أُنْزِلَ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ: مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [ (44) ] .
إِنَّهَا فِيهِ وَفِي أَصْحَابِهِ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ حُمَيْدٍ [
(45) ] .
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ [ (46) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
رَافِعٍ أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، قَالَ، انْتَهَى أَنَسُ
بْنُ النَّضْرِ عَمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ،
وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّه فِي رِجَالٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنْصَارِ، قَدْ أَلْقَوْا بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ: مَا يُجْلِسُكُمْ؟
فَقَالُوا: قُتِلَ رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
مَا تَصْنَعُونَ بِالْحَيَاةِ بَعْدَهُ فَقُومُوا فَمُوتُوا عَلَى مَا
مَاتَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ
اسْتَقْبَلَ الْقَوْمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَبِهِ سُمِّيَ أَنَسُ بن
مالك [ (47) ] .
__________
[ (44) ] الآية الكريمة (23) من سورة الأحزاب.
[ (45) ] البخاري عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أنس في: 56- كتاب الجهاد،
(12) باب قول اللَّه تعالى: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا
عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ
يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا، الحديث (2805) ، فتح الباري (6: 21)
.
[ (46) ] مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ فِي: 33- كتاب
الإمارة (41) باب ثبوت الجنة للشهيد، الحديث (148) ، صن (3: 1512) .
[ (47) ] سيرة ابن هشام (3: 26) .
(3/245)
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي
وَالِدِي إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ،
قَالُوا: كَانَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ أَعْرَجَ شَدِيدَ الْعَرَجِ،
وَكَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ بَنُونَ شَبَابٌ يَغْزُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَزَا، فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى أُحُدٍ، قَالَ
لَهُ بَنُوهُ: إِنَّ اللَّه- عز وجل- جَعَلَ لَكَ رُخْصَةً فَلَوْ قَعَدْتَ
فَنَحْنُ نَكْفِيكَ فَقَدْ وَضَعَ اللَّه عَنْكَ الْجِهَادَ، فَأَتَى
عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّه! إِنَّ بَنِيَّ هَؤُلَاءِ يَمْنَعُونَنِي
أَنْ أخرج معك، وو اللَّه إِنِّي لَأَرْجُو أَنَ أُسْتَشْهَدَ مَعَكَ
فَأَطَأُ بِعَرْجَتِي هَذِهِ فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ وَضَعَ اللَّه عَنْكَ الْجِهَادَ» ، وَقَالَ
لِبَنِيهِ: «وَمَا عَلَيْكُمْ أَنْ تَدَعُوهُ لَعَلَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ
يَرْزُقُهُ الشَّهَادَةَ» ، فَخَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا [ (48) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ
الْتَقَى هُوَ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، فَلَمَّا اسْتَعْلَاهُ
حَنْظَلَةُ رَآهُ شَدَّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ
شَعُوبَ قَدْ عَلَا أَبَا سُفْيَانَ فَضَرَبَهُ شَدَّادٌ فَقَتَلَهُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ
صَاحِبَكُمْ لَتُغَسِّلُهُ الْمَلَائِكَةُ يَعْنِي حَنْظَلَةَ، فَسَلُوا
أَهْلَهُ: مَا شَأْنُهُ؟
فَسُئِلَتْ صَاحِبَتُهُ، فَقَالَتْ: خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ حِينَ سَمِعَ
الْهَائِعَةَ [ (49) ] فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: لِذَلِكَ غَسَّلَتْهُ الملائكة [ (50) ] .
__________
[ (48) ] الخبر في سيرة ابن هشام (3: 34) .
[ (49) ] (الهائعة) مأخوذ من الهياع، وهو الصياح، وجاء في الحديث: «خير
الناس رجل ممسك بعنان فرسه كلما سمع هيعة طار إليها.
وقال الطرماح بن حكيم الطائي:
«أنا ابن حماة المجد من آل مالك ... إذا جعلت خور الرّجال تهيع»
والهيعة: الصيحة التي فيها الفزع.
[ (50) ] الخبر رواه ابن هشام في السيرة (3: 17- 18) .
(3/246)
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي
الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ [عَمْرِو بْنِ] [ (51) ] سَعْدِ
بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: أَخْبِرُونِي [ (52) ] عَنْ
رَجُلٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ لَمْ يُصَلِّ قَطُّ، فَإِذَا لَمْ يَعْرِفْهُ
النَّاسُ سَأَلُوهُ، فَقَالَ: أُصَيْرِمٌ (مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ:
عَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ) فَقَالَ لِيَ الْحُصَيْنُ: فَقُلْتُ
لِمَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ وَكَيْفَ كَانَ شَأْنُ أُصَيْرِمٍ؟ قَالَ: كَانَ
يَأْبَى الْإِسْلَامَ، فَلَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُحُدٍ بَدَا لَهُ الْإِسْلَامُ، فَأَسْلَمَ ثُمَّ
أَخَذَ سَيْفَهُ فَغَدَا عَلَى النَّاسِ [ (53) ] فَقَاتَلَ حَتَّى
أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ، فَخَرَجَ رِجَالُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ
يَتَفَقَّدُونَ رِجَالَهُمْ، فَوَجَدُوهُ فِي الْقَتْلَى فِي آخِرِ رَمَقٍ،
فَقَالُوا: واللَّه لَقَدْ عَهِدْنَاكَ وَإِنَّكَ لَتُنْكِرُ هَذَا
الْحَدِيثَ فَمَا جَاءَ بِكَ؟ أَرَغْبَةٌ فِي الْإِسْلَامِ أَمْ حَدَبٌ
عَلَى قَوْمِكَ؟ فَقَالَ لَهُمْ جِئْتُ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ
فَأَصَابَنِي مَا تَرَوْنَ، فَلَمْ يَبْرَحُوا حَتَّى مَاتَ. فَسَأَلُوا
رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عَنْهُ، فَقَالَ: هُوَ مِنْ أَهْلِ
الْجَنَّةِ.
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مَوْصُولًا بِتَمَامِهِ [ (54) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
حَمَّادٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ أُقَيْشٍ كَانَ لَهُ
رِبًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَكَرِهَ أَنْ يُسْلِمَ حَتَّى يَأْخُذَهُ
فَجَاءَ يَوْمُ أُحُدٍ، فَقَالَ: أَيْنَ بَنُو عَمِّي؟ قَالُوا: بِأُحُدٍ،
قَالَ: أَيْنَ فُلَانٌ؟ قَالُوا: بِأُحُدٍ، قَالَ: أَيْنَ فُلَانٌ؟
قَالُوا: بِأُحُدٍ، فَلَبِسَ لَأْمَتَهُ، وَرَكِبَ فَرَسَهُ، ثُمَّ
تَوَجَّهَ قِبَلَهُمْ فَلَمَّا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ، قَالُوا: إِلَيْكَ
عَنَّا يَا عَمْرُو، قَالَ: إِنِّي قَدْ آمَنْتُ، فَقَاتَلَ
__________
[ (51) ] الزيادة من سيرة ابن هشام.
[ (52) ] في سيرة ابن هشام: «حدثوني» .
[ (53) ] في السيرة: «حتى دخل في عرض الناس» .
[ (54) ] رواه ابن هشام في السيرة (3: 33- 34) .
(3/247)
حَتَّى جُرِحَ، فَحُمِلَ إِلَى أَهْلِهِ
جَرِيحًا، فَجَاءَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ لِأُخْتِهِ: سَلِيهِ
حَمِيَّةً لِقَوْمِكَ، أَوْ غَضَبًا لَهُمْ، أَمْ غَضَبًا لِلَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ، قَالَ: بَلْ غَضَبًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولِهِ، فَمَاتَ
فَدَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَا صَلَّى لِلَّهِ صَلَاةً [ (55) ] .
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ مُوسَى الْبَصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّه الطَّوِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ
عِيسَى، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ،
عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَعَثَنِي
رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ لِطَلَبِ
سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَقَالَ لِي: إِنْ رَأَيْتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي
السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: فَجَعَلْتُ أَطُوفُ بَيْنَ
الْقَتْلَى فَأَصَبْتُهُ وَهُوَ فِي آخِرِ رَمَقٍ وَبِهِ سَبْعُونَ
ضَرْبَةً مَا بَيْنَ طَعْنَةٍ بِرُمْحٍ، وَضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ، وَرَمْيَةٍ
بِسَهْمٍ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَعْدُ! إِنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ لَكَ:
أَخْبِرْنِي كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: عَلَى رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْكَ السَّلَامُ، قُلْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّه
أَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ، وَقُلْ لِقَوْمِيَ الْأَنْصَارِ لَا عُذْرَ
لَكُمْ عِنْدَ اللَّه إِنْ خُلِصَ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه
وَسَلَّمَ وَفِيكُمْ شُفْرٌ [ (56) ] يَطْرِفُ، قَالَ:
وَفَاضَتْ نَفْسُهُ- رَحِمَهُ اللَّه-[ (57) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ
بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ
رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُوَ
يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا فُلَانُ! أَشَعَرْتَ أَنَّ
__________
[ (55) ] أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد، (باب) فيمن يسلم ويقتل مكانه فِي
سَبِيلِ اللَّه- عَزَّ وجل-، الحديث (2537) ، ص (3: 20) .
[ (56) ] كذا بالأصول، وفي سيرة ابن هشام «عين» .
[ (57) ] الخبر في سيرة ابن هشام (3: 38- 39) ، ونقله ابن كثير في التاريخ
(4: 39) .
(3/248)
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَدْ قُتِلَ؟ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ
قَدْ قُتِلَ فَقَدْ بَلَّغَ، فَقَاتِلُوا عَنْ دِينِكُمْ فَنَزَلَ: وَما
مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ الْآيَةَ [
(58) ] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بُطَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ
الْجَهْمِ بْنِ مَصْقَلَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ،
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ عَنْ شُيُوخِهِ،
قَالُوا: وَقَالَ عبد اللَّه ابن عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ: رَأَيْتُ فِيَ
النَّوْمِ قَبْلَ أُحُدٍ وَكَأَنِّي رَأَيْتُ حَبَشَ [ (59) ] بْنَ عَبْدِ
الْمُنْذِرِ، يَقُولُ لِي: أَنْتَ قَادِمٌ عَلَيْنَا فِي أَيَّامٍ
فَقُلْتُ: وَأَيْنَ أَنْتَ؟ قَالَ: فِي الْجَنَّةِ نَسْرَحُ فِيهَا كَيْفَ
نَشَاءُ، قُلْتُ لَهُ: أَلَمْ تُقْتَلْ يَوْمَ بَدْرٍ؟ قَالَ: بَلَى، ثُمَّ
أُحْيِيتُ.
فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالَ: هَذِهِ الشَّهَادَةُ يَا أَبَا جَابِرُ [ (60) ] .
وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ فِي قِصَّةِ خَيْثَمَةَ أَبِي سَعْدِ بْنِ
خَيْثَمَةَ، فِيمَا قَالَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي الْخُرُوجِ إِلَى أُحُدٍ: عَسَى اللَّه أَنْ يُظْفِرَنَا
بِهِمْ فَتِلْكَ عَادَةُ اللَّه عِنْدَنَا، أَوْ تَكُونُ الْأُخْرَى فَهِيَ
الشَّهَادَةُ،
لَقَدْ أَخْطَأَتْنِي وَقْعَةُ بَدْرٍ، وَكُنْتُ واللَّه عَلَيْهَا
حَرِيصًا، حَتَّى سَاهَمْتُ ابْنِي فِي الْخُرُوجِ فَخَرَجَ سَهْمُهُ
فَرُزِقَ الشَّهَادَةَ، وَقَدْ رَأَيْتُ ابْنِي الْبَارِحَةَ فِي النَّوْمِ
فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ يَسْرَحُ فِي ثِمَارِ الْجَنَّةِ وَأَنْهَارِهَا،
وَيَقُولُ: الْحَقْ بِنَا تُرَافِقْنَا فِي الْجَنَّةِ فَقَدْ وَجَدْتُ مَا
وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا، وَقَدْ واللَّه يَا رَسُولَ اللَّه أَصْبَحْتُ
مُشْتَاقًا إِلَى مُرَافَقَتِهِ فِي الْجَنَّةِ، وَقَدْ كَبِرَتْ سِنِّي،
وَرَقَّ عَظْمِي، وَأَحْبَبْتُ لِقَاءَ رَبِّي، فَادْعُ اللَّه يَا رَسُولَ
اللَّه أَنْ يَرْزُقَنِي الشَّهَادَةَ وَمُرَافَقَةَ سَعْدٍ فِي
الْجَنَّةِ، فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِذَلِكَ، فَقُتِلَ بِأُحُدٍ شَهِيدًا [ (61) ] .
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنِي
أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ داود
__________
[ (58) ] الآية الكريمة (144) من سورة آل عمران.
[ (59) ] في مغازي الواقدي: «مبشر بن عبد المنذر» .
[ (60) ] الخبر في المغازي للواقدي (1: 266) .
[ (61) ] الخبر رواه الواقدي في المغازي (1: 212- 213) .
(3/249)
الزَّاهِدُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ
بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْجُنَيْدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّه بْنُ
جَحْشٍ: اللهُمَّ إِنِّي أُقْسِمُ عَلَيْكَ أَنْ أَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا
فَيَقْتُلُونِي، ثُمَّ يَبْقُرُوا بَطْنِي، وَيَجْدَعُوا أَنْفِي
وَأُذُنِي، ثُمَّ تَسْأَلُنِي بِمَا ذَاكَ فَأَقُولُ فِيكَ. قَالَ سَعِيدُ
بْنُ الْمُسَيِّبِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَبَرَّ اللَّه آخِرَ قَسَمِهِ
كَمَا أَبَرَّ أَوَّلَهُ [ (62) ] .
وَقَدْ رَوَيْنَا قِصَّةَ عَبْدِ اللَّه بْنِ جَحْشٍ فِي كِتَابِ السُّنَنِ
مِنْ حَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ
مَوْصُولًا [ (63) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَحْشِيِّ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَشْيَاخُنَا أَنَّ عَبْدَ اللَّه ابن جَحْشٍ جَاءَ
إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ وَقَدْ
ذَهَبَ سَيْفُهُ، فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَسِيبًا مِنْ نَخْلٍ، فَرَجَعَ فِي يَدِ عَبْدِ اللَّه سَيْفًا [ (64) ] .
__________
[ (62) ] الخبر رواه محمد بن عمر الأسلمي عن شيوخه، وابن وهب عَنْ سَعْدِ
بْنِ أَبِي وقاص، ونقله الصالحي، في السيرة الشامية (4: 322) .
[ (63) ] في السنن الكبرى (6: 307- 308) .
[ (64) ] نقله الحافظ ابن كثير في التاريخ (4: 42) عن الزبير بن بكار.
(3/250)
بَابُ مَا ذُكِرَ فِي الْمَغَازِي مِنْ
وُقُوعِ عَيْنِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ عَلَى وَجْنَتِهِ وَرَدِّ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وسلم عَيْنَهُ إِلَى مَكَانِهَا
وَعَوْدِهَا إِلَى حَالِهَا
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى يَوْمَ أُحُدٍ عَنْ قَوْسِهِ
حَتَّى انْدَقَّتْ سِيَتُهَا [ (1) ] ، فَأَخَذَهَا قَتَادَةُ بْنُ
النُّعْمَانِ فَكَانَتْ عِنْدَهُ، وَأُصِيبَتْ يومئذ عَنْ قَتَادَةَ بْنِ
النُّعْمَانِ حَتَّى وَقَعَتْ عَلَى وَجْنَتِهِ فَرَدَّهَا رَسُولُ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَتْ أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ
وَأَحَدَّهُمَا [ (2) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ
الْقَاضِي الْبَسْتِيُّ قَدِمَ عَلَيْنَا قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بن المظفر الكبري، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي
خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ الْغَسِيلِ، قَالَ:
حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ
جَدِّهِ قَتَادَةَ: أَنَّهُ أُصِيبَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ بَدْرٍ، فَسَالَتْ
حَدَقَتُهُ عَلَى وَجْنَتِهِ فَأَرَادَ الْقَوْمُ أَنْ يَقْطَعُوهَا،
فَقَالَ: أَنَأْتِي رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
نَسْتَشِيرُهُ فِي ذَلِكَ، فَجِئْنَاهُ فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ،
فَأَدْنَاهُ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
__________
[ (1) ] (سيتها) : طرف القوس.
[ (2) ] الخبر في سيرة ابن هشام (3: 26) ، ونقله الحافظ ابن كثير في
التاريخ (4: 33- 34) .
(3/251)
مِنْهُ، فَرَفَعَ حَدَقَتَهُ حَتَّى
وَضَعَهَا مَوْضِعَهَا، ثُمَّ غَمَزَهَا بِرَاحَتِهِ، وَقَالَ: اللهُمَّ
اكْسُهِ جَمَالًا، فَمَاتَ وَمَا يَدْرِي مَنْ لَقِيَهُ أَيُّ عَيْنَيْهِ
أُصِيبَتْ [ (3) ] .
وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
غَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْغَسِيلِ، عَنْ
عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ بْنِ
النُّعْمَانِ: أَنَّهُ أُصِيبَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ بَدْرٍ فَسَالَتْ
حَدَقَتُهُ عَلَى وَجْنَتِهِ، فَأَرَادُوا أَنْ يَقْطَعُوهَا، فَسَأَلُوا
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: لَا فَدَعَا بِهِ
فَغَمَزَ حَدَقَتَهُ بِرَاحَتِهِ، فَكَانَ لَا يَدْرِي أَيُّ عَيْنَيْهِ
أُصِيبَتْ.
وَفِي الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ الْغَسِيلِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ
يَوْمَ بَدْرٍ واللَّه أَعْلَمُ.
وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو عَبْدِ اللَّه الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
رُسْتَةَ [ (4) ] الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ
دَاوُدَ الشَّاذَكُونِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ هُوَ
الْوَاقِدِيُّ: قَالَ: قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ كَانَ مِنَ الرُّمَاةِ
الْمَذْكُورِينَ، شَهِدُوا بَدْرًا، وَأُحُدًا، وَرُمِيَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ
أُحُدٍ فَسَالَتْ حَدَقَتُهُ عَلَى وَجْنَتِهِ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّه صلى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه إِنَّ عِنْدِيَ
امْرَأَةً [ (5) ]
__________
[ (3) ] رواه البيهقي أيضا في غزوة بدر، وقد تقدم، وزاد ابن كثير:
«ولهذا لما وفد ولد قتادة على عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ- رَضِيَ
اللَّه عَنْهُ- قَالَ له: من أنت؟ فقال له مرتجلا:
أنا ابن الذي سالت على الخدّ عينه ... فردّت بكفّ المصطفى أحسن الردّ
فعادت كما كانت لأول أمرها ... فيا حسنها عينا ويا حسن ما خدّ
فقال عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ:
تِلْكَ الْمَكَارِمُ لَا قَعْبَانِ مِنْ لَبَنٍ ... شِيبَا بِمَاءٍ فعادا
بعد ابوالا
[ (4) ] في (أ) : «رثة» .
[ (5) ] في المغازي: «إنّ تحتي امرأة شابة جميلة أحبها وتحبني ... » .
(3/252)
أُحِبُّهَا وَإِنْ هِيَ رَأَتْ عَيْنِي
خَشِيتُ أَنْ تَقْذَرَنِي فَرَدَّهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَوَتْ وَرَجَعَتْ وَكَانَتْ أَقْوَى عَيْنَيْهِ
وَأَصَحَّهُمَا بَعْدَ أَنْ كَبِرَ [ (6) ] .
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ إِبْرَاهِيمُ
بْنُ عَبْدِ اللَّه، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ شَابُورَ، قَالَ: سَمِعْتُ
إِسْحَاقَ بْنَ عَبْدِ اللَّه بْنِ أَبِي فَرْوَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عِيَاضِ
بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ عن قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، وَكَانَ أَخَاهُ لِأُمِّهِ
أَنَّ عَيْنَهُ ذَهَبَتْ يَوْمَ أُحُدٍ فَجَاءَ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّهَا فاستقامت [ (7) ] .
__________
[ (6) ] الخبر رواه الواقدي في المغازي (1: 242) .
[ (7) ] أخرجه الدارقطني في السنن، ونقله الحافظ ابن كثير في التاريخ (4:
34) .
(3/253)
باب الملكين الذين كَانَا يُقَاتِلَانِ
عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ
وَيَدْفَعَانِ عَنْهُ وَعِصْمَةِ اللَّه تَعَالَى إِيَّاهُ عَنِ الْقَتْلِ
كَمَا وَعَدَهُ بِقَوْلِهِ: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [ (1) ]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ
اللَّه- قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ جَعْفَرٍ
الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ
بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ
يَوْمَ أُحُدٍ عَنْ يَمِينِ النبي صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ وَعَنْ
يَسَارِهِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ يُقَاتِلَانِ عَنْ رَسُولِ
اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم أَشَدَّ الْقِتَالِ مَا رَأَيْتُهُمَا
قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَا بَعْدَهُ [ (2) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عَبْدِ اللَّه بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ شِيرَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ
بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ
الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سَعْدٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ،
فَذَكَرَهُ بِمِثْلِهِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عبد
اللَّه، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
__________
[ (1) ] الآية (67) من سورة المائدة.
[ (2) ] الحديث أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي (18) باب: «إِذْ
هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا ... » . الحديث (4054) ، فتح
الباري (7: 358) ، وأخرجه مسلم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ (10) بَابُ
في قتال جبريل وميكائيل عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَوْمَ أُحُدٍ، الحديث (47) ، ص (1802) .
(3/254)
سَعْدٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ إِسْحَاقَ
بْنِ مَنْصُورٍ [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ
عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ
بْنُ مِهْرَانَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّه بْنُ
مُوسَى، قَالَا: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرٍو
الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
أُسَامَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عَنْ يَمِينِ
رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ شِمَالِهِ يَوْمَ
أُحُدٍ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا ثِيَابُ بَيَاضٍ مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ
وَلَا بَعْدُ، يَعْنِي جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي
الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أبي شيبة [ (4) ] ، وَرَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيِّ [ (5) ]
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ.
وَأَمَّا الَّذِي أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَ:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ:
لَمْ تُقَاتِلْ مَعَهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَوْمَئِذٍ ولا قبله
__________
[ (3) ] انظر الحاشية السابقة.
[ (4) ] صحيح مسلم، 43- كتاب الفضائل (10) باب في قتال جبريل ... الحديث
(46) ، ص (1802) عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أبي شيبة.
[ (5) ] الْبُخَارِيُّ عَنْ: إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الحنظلي في: 77-
كتاب اللباس (24) باب الثياب البيض، الحديث (5826) ، فتح الباري (10: 282)
.
(3/255)
وَلَا بَعْدَهُ إِلَّا يَوْمَ بَدْرٍ،
فَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُمْ لَمْ يُقَاتِلُوا يَوْمَ أُحُدٍ عَنِ
الْقَوْمِ حِينَ عَصَوَا الرَّسُولَ وَلَمْ يَصْبِرُوا عَلَى مَا
أَمَرَهُمْ بِهِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه
الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ
عَنْ شُيُوخِهِ فِي قَوْلِهِ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ
يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ
الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ
مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ
الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ [ (6) ] قَالَ: فَلَمْ يَصْبِرُوا
وَانْكَشَفُوا فَلَمْ يُمَدُّوا [ (7) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ،
قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ:
وَكَانَ اللَّه- عَزَّ وَجَلَّ- وَعَدَهُمْ عَلَى الصَّبْرِ وَالتَّقْوَى
أَنْ يُمِدَّهُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ،
وَكَانَ قَدْ فَعَلَ فَلَمَّا عَصَوْا أَمْرَ الرَّسُولِ وَتَرَكُوا
مَصَافَّهُمْ، وَتَرَكَتِ الرُّمَاةُ عَهْدَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عليه
وسلم إليهم أَلَّا [ (8) ] يَبْرَحُوا مَنَازِلَهُمْ وَأَرَادُوا
الدُّنْيَا، رُفِعَ عَنْهُمْ مَدَدُ الْمَلَائِكَةِ وَأَنْزَلَ اللَّه
عَزَّ وَجَلَّ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ
بِإِذْنِهِ [ (9) ] فَصَدَقَ اللَّه وَعْدَهُ وَأَرَاهُمُ الْفَتْحَ،
فَلَمَّا عَصَوْا أَعْقَبَهُمُ الْبَلَاءَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بكير، عَنْ عَبْدِ
اللَّه بْنِ
__________
[ (6) ] الآية (124) آل عمران.
[ (7) ] الخبر في مغازي الواقدي (1: 319- 320) .
[ (8) ] هكذا في (ح) و (ص) ، و (د) وفي (أ) رسمت: «أن لا» .
[ (9) ] الآية (152) من سورة آل عمران.
(3/256)
عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ
قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْكَشَفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَعْدٌ يَرْمِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَفَتًى
يَنْبُلُ لَهُ كُلَّمَا ذَهَبَتْ نَبْلَةٌ أَتَاهُ بِهَا، قَالَ: ارْمِ
أَبَا إِسْحَاقَ، فَلَمَّا فَرَغُوا نَظَرُوا مَنِ الشَّابُّ فَلَمْ يروه
ولم يعرف [ (10) ] .
__________
[ (10) ] نقله الصالحي في السيرة الشامية (4: 304) وعزاه لابن إسحاق،
والبيهقي وابن عساكر.
(3/257)
بَابُ شِدَّةِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وسلم فِي الْبَأْسِ، وَتَصْدِيقِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ
قَوْلَهُ فِي أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ، وَمَا أَصَابَهُ يَوْمَ أُحُدٍ مِنَ
الْجِرَاحِ فِي سَبِيلِ اللَّه- عَزَّ وَجَلَّ-
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو
بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عَلِيٍّ
رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: كُنَّا إِذَا حَمِيَ الْبَأْسُ وَلَقِيَ
الْقَوْمُ الْقَوْمَ، اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه
وَسَلَّمَ، فَمَا يَكُونُ مِنَّا أَحَدٌ أَدْنَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْهُ [
(1) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ
عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: كَانَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ أَخُو بَنِي
جُمَحَ قَدْ حَلَفَ وَهُوَ بِمَكَّةَ لَيَقْتُلَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا بَلَغَتْ رَسُولَ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلْفَتُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَنَا أَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّه، فَأَقْبَلَ
أُبَيٌّ مُتَقَنِّعًا فِي الْحَدِيدِ وَهُوَ يَقُولُ إِنْ نَجَوْتُ لَا
نَجَا مُحَمَّدٌ، فَحَمَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُرِيدُ قَتْلَهُ، فَاسْتَقْبَلَهُ
__________
[ (1) ] الحديث أخرجه النسائي في السير في السنن الكبرى عن عَلِيُّ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ علي، عن خلف بن تميم، عن العباس بن محمد، عَنْ يُونُسَ بْنِ
مُحَمَّدٍ، كلاهما عن أبي خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ... ، على ما
في تحفة الأشراف (7: 357) .
(3/258)
مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ
الدَّارِ يَقِي رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ،
فَقُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَأَبْصَرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عليه وسلم ترقوة أبي بْنِ خَلَفٍ مِنْ فُرْجَةٍ بَيْنَ سَابِغَةِ الدِّرْعِ
وَالْبَيْضَةِ، فطعنه بحربته، فوقع أبي عَنْ فَرَسِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ
طَعْنَتِهِ دَمٌ، فَأَتَاهُ أَصْحَابُهُ فَاحْتَمَلُوهُ وَهُوَ يَخُورُ
خُوَارَ الثَّوْرِ، فَقَالُوا: مَا أَجْزَعَكَ؟ إِنَّمَا هُوَ خَدْشٌ،
فَذَكَرَ لَهُمْ قَوْلَ رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ: أَنَا
أَقْتُلُ أُبَيًّا، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ
هَذَا الَّذِي بِي بِأَهْلِ ذِي الْمَجَازِ لَمَاتُوا أَجْمَعُونَ، فَمَاتَ
إِلَى النَّارِ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ [ (2) ] .
وَقَدْ رُوِّينَاهُ فِيمَا مَضَى عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ، عَنْ سيعد ابن الْمُسَيِّبِ [ (3) ] .
وَرَوَاهُ أَيْضًا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ [ (4) ] .
وَذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ
عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ
أَبِيهِ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: مَاتَ
أُبَيُّ ابن خَلَفٍ بِبَطْنِ رَابِغَ [ (5) ] ، فَإِنِّي لَأَسِيرُ
بِبَطْنِ رَابِغَ بَعْدَ هَوِيٍّ [ (6) ] مِنَ اللَّيْلِ إِذَا نَارٌ
تَأَجَّجُ لِي فَهِبْتُهَا، وَإِذَا رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْهَا فِي
سِلْسِلَةٍ يَجْتَذِبُهَا يَصِيحُ: الْعَطَشَ، وَإِذَا رَجُلٌ يَقُولُ لَا
تَسْقِهِ فَإِنَّ هَذَا قَتِيلُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، هَذَا أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ [ (7) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ:
__________
[ (2) ] نقله الحافظ ابن كثير في التاريخ (4: 32) .
[ (3) ] في بَابَ سِيَاقِ قِصَّةِ خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه
وَسَلَّمَ إِلَى أُحُدٍ، وَكَيْفَ كانت الوقعة.
[ (4) ] سيرة ابن هشام (3: 37) ، ومغازي الواقدي (1: 250) .
[ (5) ] أي في منصرفهم الى مكة.
[ (6) ] (هوي من الليل) : ساعة.
[ (7) ] الخبر في مغازي الواقدي (1: 252) .
(3/259)
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ العزيز
ابن أَبِي حَازِمٍ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ:
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
السَّرِيِّ مُوسَى بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ جُرْحِ رَسُولِ اللَّه
صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ، قَالَ: جُرِحَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ وَهُشِّمَتِ
الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ، فَكَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّه
صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ تَغْسِلُ الدَّمَ، وَكَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ
اللَّه عَنْهُ يَسْكُبُ عَلَيْهِ الْمَاءَ بِالْمِجَنِّ، فَلَمَّا رَأَتْ
فَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَنَّ الْمَاءَ لَا يَزِيدُ الدَّمَ
إِلَّا كَثْرَةً، أَخَذَتْ قِطْعَةَ حَصِيرٍ فَأَحْرَقَتْهُ حَتَّى إِذَا
صَارَ رَمَادًا أَلْصَقَتْهُ بِالْجُرْحِ فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ [ (8) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ [ (9) ] .
ورَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى [ (10) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ:
__________
[ (8) ] لأنها تعمل عمل المواد القابضة، فإنها عند ما تستعمل على الجرح
فإنها ترسّب البروتين السطحي فيكوّن طبقة على التهتكات والجروح، فتحمي
الجرح من المخترقات الجرثومية، وغيرها، وتوقف النزيف بترسيب العنصر
البروتيني في الدم. ومن جهة اخرى فإنّ لها خاصية ترسيب بروتين البكتريا
فتموت، فيكون فعلها في حماية الجرح والقضاء على اي جرثوم قريب منه.. وانظر
الطب النبوي صفحة 163 وما بعدها من تحقيقنا.
[ (9) ] أخرجه البخاري في: 56- كتاب الجهاد (85) باب لبس البيضة، فتح
الباري (6: 97) ، وفي:
64- كتاب المغازي (24) بَابُ: مَا أَصَابَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وسلم من الجراح يوم أحد، فتح الباري (7:
372) .
[ (10) ] مسلم في: 32- كتاب الجهاد والسير (37) باب غزوة أحد، الحديث (101)
، ص (1416) .
وأخرجه ابن ماجة في: 31- كتاب الطب (15) باب دواء الجراحة، الحديث (3464) ،
ص (2: 1147) .
وأخرجه الإمام أحمد في: «مسنده» (5: 330- 534) .
(3/260)
أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ السَّرْحِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي
هِلَالٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ قَالَ:
رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم يوم أُحُدٍ أُصِيبَ
وَجْهُهُ وَأُصِيبَتْ رَبَاعِيَتُهُ [ (11) ] وَهُشِّمَتْ بَيْضَتُهُ [
(12) ] ، قَالَ: فَأَتَاهُ عَلِيٌّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِمَاءٍ فِي
مِجَنٍّ، وَأَتَتْ فَاطِمَةُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- عنه تَغْسِلُ عَنْهُ
الدَّمَ، وَتَحْرِقُ قِطْعَةَ حَصِيرٍ فَتَجْعَلُهَا عَلَى جُرْحِهِ [ (13)
] .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَوَّادٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ
الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ
الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ
هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هَذَا مَا أَخْبَرَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ،
قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ الله صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ: اشْتَدَّ غَضَبُ
اللهِ عَلَى قَوْمٍ فَعَلُوا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ
وَهُوَ حِينَئِذٍ يُشِيرُ إِلَى رَبَاعِيَتِهِ، وَقَالَ [رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ] [ (14) ] اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى
رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رَسُولُ الله صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبِيلِ
اللهِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (15) ] فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ
نَصْرٍ.
__________
[ (11) ] (رباعيته) هي بتخفيف الياء، وهي السن التي تلي الثنية من كل جانب،
وللإنسان اربع رباعيات.
[ (12) ] (وهشمت بيضته) أي كسر ما ما يلبسه تحت المغفر في الرأس، والهشم:
كسر الشيء اليابس والأجوف.
[ (13) ] مُسْلِمٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ سواد العامري، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ
وهب في: 32- كتاب الجهاد والسير، (37) باب غزوة احد، الحديث (103) ، ص
(1416) .
[ (14) ] الزيادة من صحيح مسلم.
[ (15) ] الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ في: 64-
كتاب المغازي (24) بَابُ مَا أَصَابَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وسلم من الجراح يوم احد، الحديث (4073) ، فتح الباري (7: 372) .
(3/261)
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ [ (16) ] عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
سِنَانٍ الْقَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ
جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ
عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى مَنْ
قَتَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبِيلِ
اللهِ بِيَدِهِ، واشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى قَوْمٍ دَمَّوْا وَجْهَ
رَسُولِ الله صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ
أَبِي عَاصِمٍ [ (17) ] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي
أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْقَعْنَبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ،
عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وسلم كُسِرَتْ
رَبَاعِيَتُهُ، وَشُجَّ، فَجَعَلَ يَسْلُتُ [ (18) ] الدَّمُ عَنْ
وَجْهِهِ، وَيَقُولُ: كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ،
وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ.
قَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- «لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ
شَيْءٌ» [ (19) ] [آل عمران، الْآيَةَ- 128] .
وَأَخْبَرَنَا طَلْحَةُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الصَّقْرِ الْبَغْدَادِيُّ
بِهَا، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ
الشَّافِعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ
__________
[ (16) ] مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رافع في: 32- كتاب الجهاد والسير
(38) باب اشتداد غَضَبُ اللهِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّه عليه وسلم، الحديث (106) ، ص (1417) .
[ (17) ] الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ، عن أبي
عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عباس، في: 64- كتاب المغازي، (24) بَابُ مَا
أَصَابَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم من الجراح يوم أحد، الحديث
(4076) ، فتح الباري (7: 372) .
[ (18) ] (يسلت) اي يمسح.
[ (19) ] الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي: 32- كتاب الجهاد والسير،
(37) باب غزوة أحد، الحديث (104) ، ص (1417) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مسلمة
بن قعنب القعنبي.
(3/262)
ابن مَسْلَمَةَ هُوَ الْقَعْنَبِيُّ
فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (20)
] عَنِ الْقَعْنَبِيِّ.
وَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ فِي آخَرِينَ إِلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وسلم كَانَ يَدْعُو عَلَى قَوْمٍ فِي قُنُوتِهِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
وَاللهُ أَعْلَمُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ
اللهُ-، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ
الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِسْحَاقَ
بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي
عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
كَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا ذَكَرَ يَوْمَ أُحُدٍ بَكَى، ثُمَّ قَالَ: كَانَ
ذَاكَ يَوْمًا كَانَ كُلُّهُ يَوْمَ طَلْحَةَ، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُ
قَالَتْ: قَالَ كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَاءَ يَوْمَ أُحُدٍ [إِلَى رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وسلم] فَرَأَيْتُ رَجُلًا يُقَاتِلُ مَعَ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَهُ، وَأُرَاهُ قَالَ:
يَحْمِيهِ، قَالَ: فَقُلْتُ كُنْ طَلْحَةَ حَيْثُ فَاتَنِي مَا فَاتَنِي،
فَقُلْتُ: يَكُونُ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي أَحَبُّ إِلَيَّ، وَبَيْنِي
وَبَيْنَ الْمَشْرِقِ رَجُلٌ لَا أَعْرِفُهُ وَأَنَا أَقْرَبُ إِلَى
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ، وَهُوَ يَخْطَفُ
الْمَشْيَ خَطْفًا، لَا أَخْطَفُهُ. فَإِذَا هُوَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ
الْجَرَّاحِ،
فَانْتَهَيْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ
كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، وَشُجَّ فِي وَجْهِهِ، وَقَدْ دَخَلَ فِي
وَجْنَتَيْهِ حَلْقَتَانِ مِنِْ حَلَقِ الْمِغْفَرِ، قَالَ رَسُولُ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَيْكُمَا صَاحِبَكُمَا، يُرِيدُ
طَلْحَةَ،
وَقَدْ نَزَفَ، فَلَمْ نَلْتَفِتْ إِلَى قَوْلِهِ، قَالَ: وَذَهَبْتُ
لِأَنْزِعَ ذَلِكَ مِنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَقْسَمْتُ
عَلَيْكَ بِحَقِّي لَمَا تَرَكْتَنِي، فَتَرَكْتُهُ، فَكَرِهَ أَنْ
يَتَنَاوَلَهُمَا بِيَدِهِ فَيُؤْذِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عليه
وَسَلَّمَ، فَأَزَمَ [ (21) ] عَلَيْهِمَا بِفِيهِ، فَاسْتَخْرَجَ إِحْدَى
الْحَلْقَتَيْنِ، وَوَقَعَتْ ثَنِيَّتُهُ مَعَ الْحَلْقَةِ، وَذَهَبْتُ
لِأَصْنَعَ مَا صَنَعَ، فَقَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ بِحَقِّي لَمَا
تَرَكْتَنِي، قَالَ: فَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى
فَوَقَعَتْ ثَنِيَّتُهُ الْأُخْرَى مَعَ الْحَلْقَةِ، فَكَانَ أَبُو عبيدة
من أحسن
__________
[ (20) ] راجع الحاشية السابقة.
[ (21) ] أزم على الشيء ازما من باب ضرب: عضّ عليه.
(3/263)
النَّاسِ هَتْمًا [ (22) ] فَأَصْلَحْنَا
مِنْ شَأْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَتَيْنَا
طَلْحَةَ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْجِفَارِ، فَإِذَا بِهِ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ
أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ، بَيْنَ طَعْنَةٍ، وَرَمْيَةٍ، وَضَرْبَةٍ،
وَإِذَا قَدْ قُطِعَتْ إِصْبَعُهُ فَأَصْلَحْنَا مِنْ شَأْنِهِ [ (23) ] .
وَفِي كِتَابِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه الْحَافِظِ: أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بُطَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ
الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى
بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ، عَنْ عَمَّتِهِ، عَنْ أُمِّهَا، عَنِ
الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو، فَذَكَرَ حَدِيثًا فِي يَوْمِ أُحُدٍ، وَقَالَ:
فَأَوْجَعُوا واللَّه فِينَا قَتْلًا ذَرِيعًا، وَنَالُوا مِنْ رَسُولِ
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا نَالُوا، لَا وَالَّذِي
بَعَثَهُ بِالْحَقِّ إِنْ زَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم
شِبْرًا وَاحِدًا، إِنَّهُ لَفِي وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَتَثُوبُ إِلَيْهِ
طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مَرَّةً، وَتَفَرَّقُ عَنْهُ مَرَّةً،
فَرُبَّمَا رَأَيْتُهُ قَائِمًا يَرْمِي عَلَى قَوْسَيْهِ، وَيَرْمِي
بِالْحَجَرِ، حَتَّى تَحَاجَزُوا، وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم كَمَا هُوَ فِي عِصَابَةٍ صَبَرُوا مَعَهُ [ (24) ] .
وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ
عَبْدِ اللَّه بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ، عَنْ
نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ،
يَقُولُ: شَهِدْتُ أُحُدًا، فَنَظَرْتُ إِلَى النَّبْلِ يَأْتِي مِنْ كُلِّ
نَاحِيَةٍ، وَرَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وَسْطَهَا، كُلُّ ذَلِكَ
يُصْرَفُ عَنْهُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّه بْنَ شِهَابٍ
الزُّهْرِيَّ يَقُولُ يَوْمَئِذٍ: دُلُّونِي عَلَى مُحَمَّدٍ فَلَا
نَجَوْتُ إِنْ نَجَا وَرَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِلَى جَنْبِهِ مَا مَعَهُ أَحَدٌ، ثُمَّ جَاوَزَهُ فَعَاتَبَهُ فِي ذَلِكَ
صَفْوَانُ [ (25) ] فَقَالَ واللَّه مَا رَأَيْتُهُ أَحْلِفُ بِاللهِ
إِنَّهُ مِنَّا مَمْنُوعٌ، خَرَجْنَا أَرْبَعَةً فَتَعَاهَدْنَا
وَتَعَاقَدْنَا عَلَى قَتْلِهِ فَلَمْ نَخْلُصْ إِلَى ذلك [ (26) ] .
__________
[ (22) ] الهتم: كسر الثنايا من أصلها.
[ (23) ] الحديث في صحيح ابن حبان عن عائشة، ونقله الحافظ ابن كثير في
التاريخ (4: 29- 30) عن مسند الطيالسي، والصالحي في السيرة الشامية (4:
295) عن ابن حبان وعن الطيالسي.
[ (24) ] الخبر رواه الواقدي في المغازي (1: 239- 240) .
[ (25) ] في المغازي: «ولقي عَبْدَ اللَّه بْنَ شِهَابٍ صَفْوَانَ بْنِ
أُمَيَّةَ، فَقَالَ صفوان: ترحت، ألم يمكنك أن تضرب محمدا، فتقطع هذه
الشأفة، فقد أمكنك اللَّه منه؟ قال: وهل رأيته؟ قال: نعم، أنت إلى جنبه،
قال: واللَّه ما رأيته ... » .
[ (26) ] الخبر في مغازي الواقدي (1: 237- 238) .
(3/264)
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَالثَّبْتُ
عِنْدَنَا أَنَّ الَّذِي رَمَى فِي وَجْنَتَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنُ قَمِيئَةَ، وَالَّذِي رَمَى شَفَتَيْهِ وَأَصَابَ
رَبَاعِيَتَهُ: عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ [ (27) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ
بن بكير، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: أُصِيبَتْ رَبَاعِيَتُهُ، وَشُجَّ
فِي وَجْنَتِهِ، وَكُلِمَتْ [ (28) ] شَفَتُهُ، وَكَانَ الَّذِي أَصَابَهُ:
عُتْبَةَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ [ (29) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَمَّنْ
حَدَّثَهُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ، قَالَ: مَا حَرَصْتُ
عَلَى قَتْلِ أَحَدٍ قَطُّ مَا حَرَصْتُ عَلَى قَتْلِ عُتْبَةَ ابْنِ أَبِي
وَقَّاصٍ، وَإِنْ كَانَ مَا عَلِمْتُهُ لَسَيِّئَ الْخُلُقِ مُبْغَضًا فِي
قَوْمِهِ، وَلَقَدْ عَفَانِي مِنْهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّه عَلَى مَنْ دَمَّى وَجْهَ
رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (30) ] .
أَخْبَرَنَا أبو عبد اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَلِيٍّ الصَّنْعَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
الدَّبَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرازق، قَالَ: أَخْبَرَنَا
مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَعَنْ عُثْمَانَ الْجَزَرِيِّ، عَنْ
مِقْسَمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَلَى
عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ كَسَرَ رَبَاعِيَتَهُ،
وَدَمَّى وَجْهَهُ. فَقَالَ: اللهُمَّ لَا تُحِلْ عَلَيْهِ الْحَوْلَ
حَتَّى يَمُوتَ كَافِرًا، فَمَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ حَتَّى مَاتَ
كافرا الى النار [ (31) ] .
__________
[ (27) ] ذكره الواقدي في مغازيه (1: 244) .
[ (28) ] (كلمت) جرحت.
[ (29) ] رواه ابن هشام في السيرة (3: 22) .
[ (30) ] تقدم تخريج الحديث في الحاشية (17) من هذا الباب.
[ (31) ] الخبر رواه عبد الرزاق في تفسيره عن مقسم، ورواه أبو نعيم من وجه
آخر عن ابن عباس، وعنهما نقله الصالحي في السيرة الشامية (4: 294) ، وعن
عبد الرزاق نقله ابن كثير في التاريخ (4: 30) .
(3/265)
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ
مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي
عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ السَّائِبِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ
بَلَغَهُ أَنَّ مَالِكًا أَبَا أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،، لَمَّا جُرِحَ
النبي صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ مَصَّ جُرْحَهُ، حَتَّى
أَنْقَاهُ، وَلَاحَ أَبْيَضَ، فَقِيلَ لَهُ: مُجَّهُ، فَقَالَ: لَا واللَّه
لَا أَمُجُّهُ أَبَدًا، ثُمَّ أَدْبَرَ يُقَاتِلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّه عليه وسلم: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ
أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا، فَاسْتُشْهِدَ [ (32) ] .
__________
[ (32) ] أخرجه البغوي وابن ابي عاصم من طريق مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
علي الأنصاري، وابن السكن من وجه آخر من رواية مصعب بن الأسقع، عن ربيح بن
عبد الرحمن، عن أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ بنحوه، وأخرجه سعيد بن منصور
عن ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عمرو بن السائب.
(3/266)
بَابُ قَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ
وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ،
حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ [ (1) ] الْآيَةَ
وَقَوْلِ اللَّه- عَزَّ وَجَلَّ- إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى
أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا
بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى مَا فاتَكُمْ وَلا مَا أَصابَكُمْ
وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ، ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ
بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ
قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ
ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ [ (2) ] الْآيَةَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ رَجَاءٍ،
قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ:
لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَلَقِينَا الْمُشْرِكِينَ أَجْلَسَ رَسُولُ
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم نَاسًا مِنَ الرُّمَاةِ، وَأَمَّرَ
عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّه بْنَ جُبَيْرٍ، وَقَالَ لَهُمْ: لَا تَبْرَحُوا
مِنْ مَكَانِكُمْ، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ قَدْ ظَهَرُوا عَلَيْنَا فَلَا
تُعِينُونَا عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا الْتَقَى الْقَوْمُ وَهَزَمَهُمُ
الْمُسْلِمُونَ حَتَّى نَظَرْنَا إِلَى النِّسَاءِ يَشْتَدِدْنَ [ (3) ]
فِي الْجَبَلِ، قَدْ رَفَعْنَ عَنْ سُوقِهِنَّ بَادِيَةً خَلَاخِيلُهُنَّ
فَجَعَلُوا يَقُولُونَ:
الْغَنِيمَةَ، الْغَنِيمَةَ [ (4) ] ، فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّه:
أَمْهِلُوا أَمَا عَهِدَ إِلَيْكُمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنْ [ (5) ] لَا تبرحوا، فانطلوا فَلَمَّا أَتَوْهُمْ صَرَفَ
اللَّه وُجُوهَهُمْ [ (6) ] وَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
__________
[ (1) ] الآية الكريمة (152) من سورة آل عمران.
[ (2) ] الآيتان الكريمتان (153- 154) من سورة آل عمران.
[ (3) ] (يشتددن) يسرعن المشي.
[ (4) ] أي خذوا الغنيمة.
[ (5) ] في (ص) و (ح) رسمت: «ألا» .
[ (6) ] أي تحيروا فلم يدروا أين يذهبون.
(3/267)
سَبْعُونَ رَجُلًا [ (7) ] ، ثُمَّ إِنَّ
أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَشْرَفَ [ (8) ] عَلَيْنَا وَهُوَ فِي نَشَزٍ
قَالَ:
أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: لَا تُجِيبُوهُ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ:
أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ ثَلَاثًا، فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تُجِيبُوهُ ثُمَّ قَالَ: أَفِي
الْقَوْمِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ؟ ثَلَاثًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تُجِيبُوهُ، ثُمَّ الْتَفَتَ لِأَصْحَابِهِ
فَقَالَ:
أَمَّا هَؤُلَاءِ فَقَدْ قُتِلُوا، فَلَمْ يَمْلِكُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّه
عَنْهُ نَفْسَهُ أَنْ قَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّه، قَدْ أَبْقَى
اللَّه لَكَ مَنْ يُخْزِيكَ [ (9) ] اللَّه بِهِ، فَقَالَ: اعْلُ هُبَلُ
مَرَّتَيْنِ [ (10) ] ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم:
أَجِيبُوهُ، فَقَالُوا مَا نَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّه؟ قَالَ: قُولُوا
اللَّه أَعْلَى [ (11) ] وَأَجَلُّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَنَا عُزَّى [
(12) ] وَلَا عُزَّى لَكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَجِيبُوهُ، قَالُوا: وَمَا نَقُولُ؟ قَالَ: قُولُوا:
اللَّه مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَوْمٌ
بِيَوْمِ بَدْرٍ وَالْحَرْبُ سِجَالٌ [ (13) ] أَمَا إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ
فِي الْقَوْمِ مُثْلَةً [ (14) ] لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تسؤني.
__________
[ (7) ] ولم يكن في عهده صلى اللَّه عليه وسلم، ملحمة هي أشد ولا أكثر قتلى
من أحد.
[ (8) ] (أشرف أبو سفيان) أي: طلع، وهو رئيس المشركين يومئذ.
[ (9) ] في الصحيح: «ما يحزنك» .
[ (10) ] (هبل) اسم صنم، والمعنى: ظهر دينك، وقال السهيلي: معناه زد علوا،
وفي التوضيح: ليرتفع أمرك
[ (11) ] في (أ) رسمت أعلى» .
[ (12) ] العزى: اسم صنم لقريش! كانت غطفان يعبدونها، وبنوا عليها بيتا،
وأقاموا لها سدنة، فبعث إليها- بعد ذلك- رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ خَالِدَ بن الوليد، فهدم البيت، وخرب الصنم، وهو يقول:
يا عزى كفرانك لا سبحانك ... إني رأيت اللَّه قد أهانك
[ (13) ] أي هذا يوم بمقابلة يوم بدر، لأن في بدر قتل منهم سبعون، وفي أحد
قتلوا سبعين مِنَ الصَّحَابَةِ- رَضِيَ اللَّه عنهم- والحرب سجال، يعني
متداولة يوم لنا ويوم علينا.
[ (14) ] مثلما فعلوا بحمزة رضي اللَّه عنه- وخرجت هند والنسوة معها يمثلن
بالقتلى: يجذعن الآذان والأنوف حتى اتخذت هند من ذلك قلائد.
(3/268)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ
عُبَيْدِ اللَّه بْنِ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ [ (15) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ
النُّفَيْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ ابن عَازِبٍ،
يَقُولُ: جَعَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم عَلَى الرُّمَاةِ
يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدَ اللَّه بْنَ جُبَيْرٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى
أَنْ قَالَ: وَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ فَذَاكَ
إِذْ يَدْعُوهُمُ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ وَلَمْ يَبْقَ مَعَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم غَيْرُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، عَنْ زُهَيْرٍ [ (16) ]
.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
النَّضْرِ الْفَقِيهُ قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ
الدَّارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ عَلِيِّ
بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عَلِيٍّ حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّفَّا الْهَرَوِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْهَاشِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ
عَبْدِ اللَّه بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَا نُصِرَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوْطِنٍ كَمَا نُصِرَ
يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ: فَأَنْكَرْنَا ذَلِكَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
بَيْنِي وَبَيْنَ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ كِتَابُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ
اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي يَوْمِ أُحُدٍ: وَلَقَدْ
صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ
__________
[ (15) ] الحديث أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي (17) باب غزوة أحد،
الحديث (4043) ، فتح الباري (7: 349- 350) .
[ (16) ] الْبُخَارِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ في: 64- كتاب المغازي،
باب (10) ، الحديث (3986) ، فتح الباري (7: 307) ، واعاده في التفسير،
تفسير سورة آل عمران، باب (3) عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، وأخرجه ابو داود
في الجهاد، (116) باب في الكمناء، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ محمد النفيلي،
الحديث (2662) ، ص (3: 51) .
(3/269)
[ (17) ] يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ:
وَالْحَسُّ الْقَتْلُ (حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي
الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَراكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ
مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ، ثُمَّ
صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ
ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) وَإِنَّمَا عَنَى بِهَذَا الرُّمَاةَ
وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَهُمْ
فِي مَوْضِعٍ، ثُمَّ قَالَ: احْمُوا ظُهُورَنَا فَإِنْ رَأَيْتُمُونَا
نُقْتَلُ فَلَا تَنْصُرُونَا وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا قَدْ غَنِمْنَا فَلَا
تَشْرَكُونَا، فَلَمَّا غَنِمَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه
وَسَلَّمَ وَأَبَاحُوا عَسْكَرَ الْمُشْرِكِينَ انْكَفَأَتِ الرُّمَاةُ
جَمِيعًا فَدَخَلُوا فِي الْعَسْكَرِ يَنْتَهِبُونَ وَلَقَدِ الْتَقَتْ
صُفُوفُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم فَهُمْ هَكَذَا
وَشَبَّكَ أَصَابِعَ يَدَيْهِ الْتَبَسُوا فَلَمَّا دَخَلَ الرُّمَاةُ
تِلْكَ الْحِلَّةَ الَّتِي كَانُوا فِيهَا دَخَلَ الْخَيْلُ مِنْ ذَلِكَ
الْمَوْضِعِ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَضَرَبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَالْتَبَسُوا وَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
نَاسٌ كَثِيرٌ وَقَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ أَوَّلُ النَّهَارِ حَتَّى قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ
لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ سَبْعَةٌ أَوْ تِسْعَةٌ وَجَالَ الْمُسْلِمُونَ
جَوْلَةً نَحْوَ الْجَبَلِ وَلَمْ يَبْلُغُوا حَيْثُ يَقُولُ النَّاسُ
الْغَارَ إِنَّمَا كَانُوا تَحْتَ الْمِهْرَاسِ وَصَاحَ الشَّيْطَانُ
قُتِلَ مُحَمَّدٌ فَلَمْ نَشُكَّ فِيهِ أَنَّهُ حَقٌّ فَمَا زِلْنَا
كَذَلِكَ مَا نَشُكُّ أَنَّهُ قَدْ قُتِلَ حَتَّى طَلَعَ رَسُولُ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ السَّعْدَيْنِ نَعْرِفُهُ
بِتَكَفُّئِهِ إِذَا مَشَى، قَالَ: فَفَرِحْنَا كَأَنَّهُ لَمْ يُصِبْنَا
مَا أَصَابَنَا.
قَالَ: فَرَقِيَ نَحْوَنَا وَهُوَ يَقُولُ اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّه عَلَى
قَوْمٍ دَمَّوْا وَجْهَ رَسُولِهِ قَالَ: وَيَقُولُ مَرَّةً أُخْرَى
اللهُمَّ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَعْلُونَا، حَتَّى انْتَهَى
إِلَيْنَا قَالَ:
فَمَكَثَ سَاعَةً فَإِذَا أَبُو سُفْيَانَ يَصِيحُ فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ
اعْلُ هُبَلُ اعْلُ هُبَلُ يَعْنِي آلِهَتَهُ أَيْنَ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ؟
أَيْنَ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ أَيْنَ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ عُمَرُ
رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللَّه أَلَا أُجِيبُهُ قَالَ: بَلَى،
فَلَمَّا قَالَ: اعْلُ هُبَلُ قَالَ عُمَرُ اللَّه أَعْلَى وَأَجَلُّ
فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَا بن الْخَطَّابِ إِنَّهُ يَوْمُ الصَّمْتِ
فَعَادَ فَقَالَ:
أَيْنَ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ؟ أَيْنَ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ أَيْنَ ابْنُ
الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ عُمَرُ هَذَا
__________
[ (17) ] [آل عمران- 152] .
(3/270)
رسول الله صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهَذَا أَبُو بَكْرٍ وَهَا أَنَا ذَا عُمَرُ. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ
يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، الْأَيَّامُ دُوَلٌ وَإِنَّ الْحَرْبَ سِجَالٌ،
فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: لَا سَوَاءً قَتْلَانَا فِي
الْجَنَّةِ وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّارِ قَالَ: إِنَّكُمْ لَتَزْعُمُونَ
ذَلِكَ لَقَدْ خِبْنَا إِذًا وَخَسِرْنَا ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ
أَمَا إِنَّكُمْ سَوْفَ تَجِدُونَ فِي قَتْلَاكُمْ مُثَلًا وَلَمْ يَكُنْ
ذَاكَ عَنْ رَأْيِ سَرَاتِنَا ثُمَّ أَدْرَكَتْهُ حَمِيَّةُ
الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ إِذْ كَانَ لَمْ نَكْرَهْهُ.
لَفْظُ حَدِيثِ الدَّارِمِيِّ [ (18) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ،
عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: فَلَمَّا لَحِقَ رَسُولُ
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ وَنَظَرُوا إِلَيْهِ
وَمَعَهُ:
طَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ
الصِّمَّةِ، أَخُو بَنِي النَّجَّارِ ظَنَّ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّه صلى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ مِنَ الْعَدُوِّ، فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ
سَهْمًا عَلَى كَبِدِ قَوْسِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَرْمِيَ، فَلَمَّا
تَكَلَّمُوا وَنَادَاهُمْ رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يُصِبْهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ ضَرَرٌ حِينَ أَبْصَرُوا
رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وَعَلِمُوا أَنَّهُ حَيٌّ،
فَبَيْنَاهُمْ كَذَلِكَ عَرَضَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ بِفِتْنَتِهِ
وَبِوَسْوَسَتِهِ وَتَحْزِينِهِ حِينَ أَبْصَرُوا عَدُوَّهُمْ قَدِ
انْفَرَجُوا عَنْهُمْ يَذْكُرُونَ قَتْلَاهُمْ وَإِخْوَانَهُمْ، وَيَسْأَلُ
بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَنْ قَتْلَاهُمْ، وَاشْتَدَّ حُزْنُهُمْ، فَرَدَّ
اللَّه الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهِمْ وَغَمَّهُمْ بِهِ لِيُذْهِبَ الْحُزْنَ
عَنْهُمْ فَإِذَا عَدُوُّهُمْ فَوْقَ الْجَبَلِ قَدْ عَلَوْا، فَنَسُوا
عِنْدَ ذَلِكَ الْحُزْنَ وَالْهُمُومَ عَلَى إِخْوَانِهِمْ ثُمَّ أَنْزَلَ
عَلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشَى
طَائِفَةً مِنْهُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ إِلَى
قَوْلِهِ: وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ [ (19) ]
فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ
إِنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَيْنَا» ،
ثُمَّ دَعَا وَنَدَبَ أَصْحَابَهُ فَانْتَدَبَ مَعَهُ عِصَابَةٌ
فَأَصْعَدُوا فِي الشِّعْبِ حَتَّى كَانُوا هُمْ وَالْعَدُوُّ عَلَى
السَّوَاءِ، ثُمَّ رَمَوْا وطاعنوا حتى أهبطوهم
__________
[ (18) ] وروى طرفا منه الطبري في تاريخه (2: 508) ، وفي تفسيره (7: 282) .
[ (19) ] [آل عمران- 154] .
(3/271)
فَانْكَفَأَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى قَتْلَى
الْمُسْلِمِينَ فَمَثَّلُوا بِهِمْ يَقْطَعُونَ الْآذَانَ وَالْأُنُوفَ
وَالْفُرُوجَ، وَيَبْقُرُونَ الْبُطُونَ، وَيَحَسَبُونَ أَنَّهُمْ قَدْ
أَصَابُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَشْرَافَ
أَصْحَابِهِ، ثُمَّ إِنَّهُمُ اجْتَمَعُوا وَصَافُّوا مُقَابِلَهُمْ
وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ [ (20) ] ، وَذَكَرَ مَا
رُوِّينَا فِي الْأَخْبَارِ الْمَوْصُولَةِ ثُمَّ ذَكَرَ انْكِفَاءَهُمْ
إِلَى أَثْقَالِهِمْ وَخُرُوجَهُمْ بِمَعْنَى مَا مَضَى مِنْ رِوَايَةِ
مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّه بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَعْبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
أَيُّوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يَزِيدُ ابن زُرَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ
أَنَسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، قَالَ:
كُنْتُ مِمَّنْ يَغْشَاهُ النُّعَاسُ يَوْمَ أُحُدٍ حَتَّى سَقَطَ سَيْفِي
مِنْ يَدِي، مِرَارًا يَسْقُطُ وَآخُذُهُ، وَيَسْقُطُ وَآخُذُهُ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ خَيَّاطٍ [ (21)
] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ
بن حمشاد الْعَدْلُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ
الْعَزِيزِ، قَالَ: حدثنا حجاج ابن مِنْهَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ
بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ
الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ رَفَعْتُ رأس يَوْمَ أُحُدٍ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ
وَمَا مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا وهو يميد تحت جحفته مِنَ النُّعَاسِ فَذَلِكَ
قَوْلُهُ عز وجل:
__________
[ (20) ] سيرة ابن هشام (3: 37) ، وابن جرير، وابن ابي حاتم، ونقل بعضه
الصالحي في السيرة الشامية (4: 311) .
[ (21) ] البخاري عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ خَيَّاطٍ ... في: 64- كتاب المغازي،
(21) باب ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً
نُعَاسًا يغشى طائفة منكم ... » ، الحديث (4068) ، فتح الباري (7: 365) ،
واعاده البخاري في التفسير، تفسير سورة آل عمران (11) باب قوله: «أمنة
نعاسا» عن إسحاق ابن إبراهيم بن عبد الرحمن، عن حُسَيْنُ بْنِ مُحَمَّدٍ،
عَنْ شَيْبَانَ، فتح الباري (8: 228) وأخرجه الامام أحمد في «مسنده» (4:
29) وذكره في يوم بدر.
(3/272)
ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ
الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ [ (22) ] الْآيَةَ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ
الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ
بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، أَنَّهُ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ وَتَلَا هَذِهِ
الْآيَةَ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً
[ (23) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ
بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ
عَبْدِ اللَّه ابن الزُّبَيْرِ، عَنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ قَالَ: واللَّه
لَكَأَنِّي أَسْمَعُ قَوْلَ مُعَتِّبِ بْنِ قُشَيْرٍ، وَإِنَّ النُّعَاسَ
لَيَغْشَانِي مَا أَسْمَعُهَا مِنْهُ إِلَّا كَالْحِكَمِ، وَهُوَ يَقُولُ:
لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا [ (24) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْحُسَيْنِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه
بْنِ الْمُبَارَكِ الْمُخَرِّمِيُّ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ
مَالِكٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَالَ: غَشِيَنَا النعاس
__________
[ (22) ] أخرجه الترمذي في تفسير سورة آل عمران عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ،
عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، عن حماد ابن سلمة، عن ثابت، وقال: «حسن صحيح»
، جامع الترمذي (5: 229) .
[ (23) ] الحديث في جامع الترمذي عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ رَوْحِ
بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ الزُّبَيْرِ، جامع الترمذي (5: 229) ، وقال ابو عيسى:
«هذا حديث حسن صحيح» .
[ (24) ] الآية الكريمة (154) من سورة آل عمران، والخبر رواه الإمام إسحاق
بن راهويه من حديث الزبير بن العوام، ونقله الصالحي في السيرة الشامية (4:
302- 303) ، وقال ابن إسحاق:
«انزل اللَّه تعالى النعاس امنة منه لأهل اليقين، فهم نيام لا يخافون،
والذين أهمّتهم أنفسهم أهل النفاق في غاية الخوف والذعر» .
(3/273)
وَنَحْنُ فِي مَصَافِّنَا يَوْمَ أُحُدٍ
قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: فَكُنْتُ فِيمَنْ غَشِيَهُ النُّعَاسُ يَوْمَئِذٍ،
فَجَعَلَ سَيْفِي يَسْقُطُ مِنْ يَدِي وَآخُذُهُ، وَيَسْقُطُ وَآخُذُهُ،
قَالَ: وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى الْمُنَافِقُونَ لَيْسَ لَهُمْ هَمٌّ
إِلَّا أَنْفُسَهُمْ أَجْبَنُ قَوْمٍ وَأَرْعَبُهُ وَأَخْذَلُهُ لِلْحَقِّ
يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ كَذِبُهُمْ
إِيمَانُهُمْ أَهْلُ شَكٍّ وَرِيبَةٍ فِي اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ شَيْبَانَ
[ (25) ] .
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ التَّمَّارُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فِي قَوْلِهِ:
إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ [ (26) ] قَالَ: أُلْقِيَ
عَلَيْنَا النَّوْمُ يَوْمَ أُحُدٍ [ (27) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بن شهاب الزهري، وعاصم بْنِ
عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، ومحمد بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، والْحُصَيْنُ
بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، قَالُوا: كَانَ يَوْمُ
أُحُدٍ يَوْمَ بَلَاءٍ وَتَمْحِيصٍ اخْتَبَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِهِ
الْمُؤْمِنِينَ، وَمَحَقَ بِهِ الْمُنَافِقِينَ مِمَّنْ كَانَ يُظْهِرُ
الْإِسْلَامَ بِلِسَانِهِ وَهُوَ مُسْتَخْفٍ بِالْكُفْرِ وَيَوْمَ أَكْرَمَ
اللَّه فِيهِ مَنْ أَرَادَ كَرَامَتَهُ بِالشَّهَادَةِ مِنْ أَهْلِ
وِلَايَتِهِ، فَكَانَ مِمَّا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي يَوْمِ أُحُدٍ
سِتُّونَ آيَةً مِنْ آلِ عِمْرَانَ فِيهَا صِفَةُ مَا كَانَ فِي يَوْمِهِ
ذَلِكَ وَمُعَاتَبَةُ مَنْ عَاتَبَ مِنْهُمْ،
__________
[ (25) ] تقدم تخريجه في الحاشية (21) من هذا الباب.
[ (26) ] من الآية (154) من سورة آل عمران.
[ (27) ] أخرجه الطبراني في الأوسط عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عوف،
وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (6:
117) ، وقال: فيه ضرار بن صرد وهو ضعيف» .
(3/274)
يَقُولُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ
تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [
(28) ] ، ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ [ (29) ] عَدَدَ مَنْ قُتِلَ من
المسلمين يوم أحد.
__________
[ (28) ] [121- آل عمران] .
[ (29) ] الخبر في سيرة ابن هشام (3: 48) ، وبعده أفرد ابن هشام فصلا ذكر
فيه مَا أَنْزَلَ اللَّه- عَزَّ وجل- في أحد من القرآن، وبعده ذكر من
استشهد بأحد من المهاجرين والأنصار.
(3/275)
بَابُ عَدَدِ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أحد وَعَدَدِ مَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
يَوْمَئِذٍ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ الْمَوْصِلِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ
بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ نُفَيْلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ
الْجُعْفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ سَمِعْتُ
الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يُحَدِّثُ، قَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وسلم عَلَى الرُّمَاةِ يَوْمَ أُحُدٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ
إِلَى أَنْ قَالَ: فَأَصَابُوا مِنْهَا سَبْعِينَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ قَدْ أَصَابَ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ، أُرَاهُ قَالَ: يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً:
سَبْعِينَ أَسِيرًا، وَسَبْعِينَ قَتِيلًا [ (1) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَمْرِو [ (2) ] بْنِ خَالِدٍ،
عَنْ زُهَيْرٍ [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي
أَبُو أَحْمَدَ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَرُوبَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ
__________
[ (1) ] وتكملته من البخاري: «قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ
بَدْرٍ، وَالْحَرْبُ سِجَالٌ» .
[ (2) ] في الأصول: «عروة» وهو تصحيف، وأثبت الصحيح من البخاري.
[ (3) ] الْبُخَارِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ في: 64- كتاب المغازي،
فتح الباري (7: 307) ، وقد تقدم الحديث.
(3/276)
هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ
قَتَادَةَ، قَالَ: مَا نَعْلَمُ حَيًّا مِنَ الْأَحْيَاءِ أَكْثَرَ
شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْأَنْصَارِ.
قَالَ قَتَادَةُ: وَحَدَّثَنَا أَنَسٌ أَنَّهُ قُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَ
أُحُدٍ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ
الْيَمَامَةِ سَبْعُونَ.
قَالَ قَتَادَةُ: يَوْمُ بِئْرِ مَعُونَةَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَوْمُ الْيَمَامَةِ إِذْ قَاتَلُوا
مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ
مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أنس، عن ثابت قَالَ: يَا رَبَّ
[ (5) ] السَّبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ: سَبْعِينَ يَوْمَ أُحُدٍ،
وَسَبْعِينَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ، وَسَبْعِينَ يَوْمَ مُؤْتَةَ،
وَسَبْعِينَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو
الْحَسَنِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَيْهَقِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا
جَدِّي: الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
الْمُنْذِرِ الْخُزَامِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَرْمَلَةَ، عَنْ سَعِيدِ ابن
الْمُسَيِّبِ، قَالَ: قُتِلَ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي ثَلَاثِ مَوَاطِنَ
سَبْعُونَ: سَبْعُونَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَيَوْمَ الْيَمَامَةِ سَبْعُونَ،
وَيَوْمَ جِسْرِ أَبِي عُبَيْدٍ سَبْعُونَ.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ وَحَدِيثُ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ فِي
هَذَا خَطَأٌ وَهَذَا المعروف.
__________
[ (4) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي، (26) باب مَنْ قُتِلَ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ يوم أحد، الحديث (4078) ، فتح الباري (7: 374) .
[ (5) ] في (أ) : «بارز» .
(3/277)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَحَدَّثَنَا مَعْنُ
بْنُ عِيسَى، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مِثْلَهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ
أَبِي مَنِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَالَ
يَعْقُوبُ: وَحَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: ثُمَّ كَانَتْ
وَقْعَةُ أُحُدٍ فِي شَوَّالٍ عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْعَةِ
بَنِي النَّضِيرِ، وَذَلِكَ عَلَى رَأْسِ سَنَةٍ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ،
وَرَئِيسُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَخَرَجَ
رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ مَعَهُ
حَتَّى إِذَا الْتَقَوْا هُمْ وَالْمُشْرِكُونَ بِأُحُدٍ فَاقْتَتَلُوا،
فَأُصِيبَ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وسلم مِثْلُ نِصْفِ عِدَّةِ مَنْ أُصِيبَ بِبَدْرٍ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْقَتْلَى وَالْأَسْرَى، وَكَانَ فِيمَنْ قُتِلَ مِنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ
عَمُّ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَمْزَةُ بْنُ
عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ
الدَّارِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ جَمَّعَ الْجُمُعَةَ لِلْمُسْلِمِينَ
بِالْمَدِينَةِ، قَبْلَ أن يقدمها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم،
وَرَهْطٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قُرَيْشٍ مَعَهُمَا، وَقُتِلَ مِنَ
الْأَنْصَارِ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وسلم قريبا مِنْ سَبْعِينَ رَجُلًا، مِنْهُمْ: حَنْظَلَةُ بْنُ
أَبِي عَامِرٍ وَهُوَ الَّذِي غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدُ
اللَّه هُوَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ
عَطَاءٍ يَعْنِي ابْنَ وَرَّادٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ،
فِي قَوْلِهِ: قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها [ (6) ] . قَالَ: قَتَلَ
الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ سَبْعِينَ، وَأَسَرُوا
سَبْعِينَ مِنْهُمْ، وَقَتَلَ
__________
[ (6) ] [165- آل عمران] .
(3/278)
الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ
أُحُدٍ سَبْعِينَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها [ (7) ]
.
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ جَابِرٌ: أَصَبْنَاهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ
وَأَصَابُونَا يَوْمَ أُحُدٍ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّه بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ
سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ يَعْقُوبُ وَذَكَرَ ذَلِكَ أَيْضًا حَسَّانُ بْنُ
عَبْدِ اللَّه، وعُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي
الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَمَّارُ بْنُ حَسَنٍ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، قَالَ: قُتِلَ مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَذَكَرَ أَسْمَاءَهُمْ.
قَالَ مُوسَى: فَجَمْعُ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ
قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا، وَقَالَ عُرْوَةُ
أَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: خَمْسَةٌ وَسِتُّونَ رَجُلًا [ (8) ] .
قُلْتُ: وَقَوْلُ مَنْ يُوَافِقُ فِي هَذَا الْحَدِيثَ الْمَوْصُولَ عَنِ
الْبَرَاءِ، وَأَنَسٍ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ واللَّه أَعْلَمُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بكير، عن
__________
[ (7) ] تفسير الطبري (7: 373- 374) ط. دار المعارف.
[ (8) ] سيرة ابن هشام (3: 67) ، وقد عد ابن سيد الناس ما يزيد على المائة
نقلا من كتب السيرة والطبقات، وعقّب على ذلك بأنه ذكر ان قتلى أحد سبعون،
وإنما نشأت هذه الزيادة من الخلاف في الرواية والأسماء.
(3/279)
ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: جَمِيعُ مَنِ
اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَحِمَهُمُ اللَّه مَعَ رَسُولِ اللَّه
صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ يَوْمَ
أُحُدٍ خَمْسَةٌ وَسِتُّونَ رجلا، وجميع مَنْ قَتَلَ اللَّه مِنَ
الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ رَجُلًا [ (9) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ
عُرْوَةَ، قَالَ: جَمِيعُ مَنْ قُتِلَ مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أحد من قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ:
أَرْبَعَةٌ، أَوْ قَالَ: سَبْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا، وَكَانَ مَنْ
قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ وَأُسِرَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثَمَانِيَةٌ
وَثَمَانِينَ رَجُلًا، وَجَمِيعُ مَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ
أُحُدٍ تِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا.
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّه
بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابن إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ
مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فِي تَسْمِيَةِ مَنْ قُتِلَ مَعَ رَسُولِ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ مِنْ قُرَيْشٍ
وَالْأَنْصَارِ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا قَالَ: وَقُتِلَ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ سِتَّةَ عَشَرَ رَجُلًا [ (10) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ
بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ- رَحِمَهُ اللَّه-
قَالَ: وَكَانَ مِنَ الْمَمْنُونِ عَلَيْهِمْ بِلَا فِدْيَةٍ يَوْمَ
بَدْرٍ: أَبُو عَزَّةَ الْجُمَحِيُّ، تَرَكَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَنَاتِهِ، وَأَخَذَ عَلَيْهِ عَهْدًا أَنْ
لَا يُقَاتِلَهُ، فَأَحْفَزَهُ وَقَاتَلَهُ يَوْمَ أُحُدٍ، فَدَعَا رَسُولُ
اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم أَنْ لَا يُفْلِتَ، فَمَا أُسِرَ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ رَجُلٌ غَيْرُهُ، فَقَالَ: يَا
__________
[ (9) ] سيرة ابن هشام (3: 67) و (3: 69) .
[ (10) ] عند ابن عبد البر في الدرر «جميعهم سبعون رجلا» ص (156) .
(3/280)
مُحَمَّدُ امْنُنْ عَلَيَّ، وَدَعْنِي
لِبَنَاتِي، وَأُعْطِيكَ عَهْدًا أَلَّا أَعُودَ لِقِتَالِكَ، فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم: لَا تَمْسَحْ عَلَيَّ عَارِضَيْكَ
بِمَكَّةَ تَقُولُ قَدْ خَدَعْتُ مُحَمَّدًا مَرَّتَيْنِ، فَأَمَرَ بِهِ
فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ [ (11) ] .
__________
[ (11) ] البداية والنهاية (4: 46) .
(3/281)
بَابُ مَا جَرَى بَعْدَ انْقِضَاءِ
الْحَرْبِ وَذَهَابِ الْمُشْرِكِينَ فِي أَمْرِ الْقَتْلَى وَالْجَرْحَى
وَمَنْ أَجَادَ الْحَرْبَ وَمَا ظَهَرَ مِنَ الْآثَارِ فِي حَالِ
الشُّهَدَاءِ عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِصَارِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي،
قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ
بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: وَنَادَاهُمْ أَبُو سُفْيَانَ حِينَ ارْتَحَلُوا:
إِنَّ مَوْعِدَكُمْ مَوْسِمُ بَدْرٍ، وَكَانَ يَقُومُ فِي بَدْرٍ كُلَّ
عَامٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُولُوا
نَعَمْ، فَقَالُوا نَعَمْ قَدْ فَعَلْنَا، وَنَادَوْا أَبَا سُفْيَانَ
بذلك، قال عروة: وانكفؤا- يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ- إِلَى أَثْقَالِهِمْ
ولَا يَدْرِي الْمُسْلِمُونَ مَا يُرِيدُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه
صَلَّى اللَّه عليه وسلم:
إِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ رَكِبُوا وَجَعَلُوا الْأَثْقَالَ تَتْبَعُ آثَارَ
الْخَيْلِ فَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَدْنُوا مِنَ الْبُيوتِ وَالْآطَامِ
الَّتِي فيها الدراري وَالنِّسَاءُ، وَأُقْسِمُ لَئِنْ فَعَلُوا
لَأُوَاقِعَنَّهُمْ فِي جَوْفِهَا،
فَلَمَّا أَدْبَرُوا بَعَثَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ [ (1) ] فِي
آثَارِهِمْ، وَقَالَ: اعْلَمْ لَنَا أَمْرَهُمْ، فَانْطَلَقَ سَعْدٌ
يَسْعَى، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: رَأَيْتُ خَيْلَهُمْ تَضْرِبُ
بِأَذْنَابِهَا مَجْنُونَةً مُدْبِرَةً، وَرَأَيْتُ الْقَوْمَ قَدْ
تَحَمَّلُوا عَلَى الْأَثْقَالِ سَائِرِينَ، فَطَابَتْ أَنْفُسُهُمْ
لِذَهَابِ الْعَدُوِّ، وَانْتَشَرُوا يَبْتَغُونَ قَتْلَاهُمْ، فَلَمْ
يَجِدُوا قَتِيلًا إِلَّا قَدْ مَثَّلُوا بِهِ، غَيْرَ حَنْظَلَةَ بْنِ
أَبِي عَامِرٍ كَانَ أَبُوهُ مَعَ الْمُشْرِكِينَ فَتُرِكَ لَهُ،
وَوَجَدُوا حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّ رَسُولِ اللَّه صَلَّى
اللَّه عليه وسلم قَدْ بُقِرَ بَطْنُهُ، وَاحْتُمِلَتْ كَبِدُهُ حَمَلَهَا
وَحْشِيٌّ، وَهُوَ
__________
[ (1) ] عند ابن إسحاق: «فبعث عليا» .
(3/282)
قَتَلَهُ وَشَقَّ بَطْنَهُ، فَذَهَبَ
بِكَبِدِهِ إِلَى هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ فِي نَذْرٍ نَذَرَتْهُ حِينَ
قَتَلَ أَبَاهَا يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَقْبَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى
قَتْلَاهُمْ يَدْفِنُونَهُمْ- رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ.
قَالَ: وَخَرَجَ نِسَاءٌ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ وَالْأَنْصَارِ فَحَمَلْنَ
الْمَاءَ وَالطَّعَامَ عَلَى ظُهُورِهِنَّ، وَخَرَجَتْ فِيهِنَّ فَاطِمَةُ
بِنْتُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا
أَبْصَرَتْ أَبَاهَا وَالَّذِي بِهِ مِنَ الدِّمَاءِ اعْتَنَقَتْهُ،
وَجَعَلَتْ تَمْسَحُ الدِّمَاءَ عَنْ وَجْهِهِ، وَرَسُولُ اللَّه صلى
اللَّه عليه وَسَلَّمَ، يَقُولُ: اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّه عَلَى قَوْمٍ
دَمَّوْا وجه رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اشْتَدَّ غَضَبُ
اللَّه عَلَى رَجُلٍ قَتَلَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ [ (2) ] ، وَسَعَى علي بن أبي طالب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ إِلَى
الْمِهْرَاسِ وَقَالَ لِفَاطِمَةَ: أَمْسِكِي هَذَا السَّيْفَ غَيْرَ
ذَمِيمٍ، فَأَتَى بِمَاءٍ فِي مِجَنَّةٍ، فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى
اللَّه عليه وسلم أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ فَوَجَدَ لَهُ رِيحًا فَقَالَ هَذَا
مَاءٌ آجِنٌ فَتَمَضْمَضَ مِنْهُ وَغَسَلَتْ فَاطِمَةُ عَنْ أَبِيهَا
الدِّمَاءَ، فَلَمَّا أَبْصَرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم
سَيْفَ عَلِيٍّ مُخَضَّبًا دَمًا، قَالَ: إِنْ كُنْتَ أَحْسَنْتَ
الْقِتَالَ فَقَدْ أَحْسَنَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ
الصِّمَّةِ، وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: أَخْبِرُونِي عَنِ النَّاسِ مَا فَعَلُوا أَوْ أَيْنَ ذَهَبُوا،
قَالَ: كَفَرَ عَامَّتُهُمْ، قَالَ: أَمَا إِنَّ الْمُشْرِكِينَ لَنْ
يُصِيبُوا مِنَّا مِثْلَهَا أَبَدًا، نُبَيْحَهُمْ، ثُمَّ أَقْبَلُوا إِلَى
دُورِهِمْ [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عَبْدِ اللَّه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الصَّفَّارُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ
بِالْكُوفَةِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: وَزَعَمَ سُفْيَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِسَيْفٍ يَوْمَ
أُحُدٍ، قد انحنا، فَقَالَ لِفَاطِمَةَ- رَضِيَ اللَّه عنها- رضي اللَّه
عنه هَاكِ السَّيْفَ حَمِيدًا، فَإِنَّهَا قَدْ شَفَتْنِي، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ: «لَإِنْ كُنْتَ أَجَدْتَ الضَّرْبَ
بِسَيْفِكَ لَقَدْ أَجَادَهُ
__________
[ (2) ] تقدمت هذه الأحاديث وسبق تخريجها، وانظر فهرس الأحاديث في نهاية
الكتاب.
[ (3) ] تقدمت هذه الآثار أو الأحاديث في الروايات السابقة، ونقل خبر عروة
هذا الصالحي في السيرة الشامية (4: 325) .
(3/283)
سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَأَبُو دُجَانَةَ،
وَعَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْحُسَيْنِ عُبَيْدُ اللَّه بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَطِيعِيُّ بِبَغْدَادَ
مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ: مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ
اللَّه الْأُوَيْسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سليمان ابن بِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ
الْأَعْلَى [ (5) ] بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، عَنْ قَطَنِ
بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ
رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ انْصَرَفَ مِنْ
أُحُدٍ مَرَّ عَلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَهُوَ مَقْتُولٌ عَلَى
طَرِيقِهِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ، وَدَعَا لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ
الْآيَةَ: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ
عَلَيْهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما
بَدَّلُوا تَبْدِيلًا [ (6) ] ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وسلم: «أَشْهَدُ أَنَّ هَؤُلَاءِ شُهَدَاءُ عِنْدَ اللَّه يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، فَأْتُوهُمْ وَزُورُوهُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا
يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا رَدُّوا
عَلَيْهِ. كَذَا وَجَدْتُهُ فِي كِتَابِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [ (7) ] .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّه بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
حَمْدَوَيْهِ إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ
هَانِئٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْحَرْبِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى [ (8) ]
بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، عَنْ قَطَنِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ
عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: لَمَّا فَرَغَ رَسُولُ
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم يَوْمَ أُحُدٍ مَرَّ عَلَى مصعب بن
__________
[ (4) ] أخرجه الحاكم في «المستدرك» (3: 24) ، وقال: «صحيح على شرط البخاري
ولم يخرجاه» .
[ (5) ] في (أ) رسمت: «الأعلا» .
[ (6) ] [23- الأحزاب] .
[ (7) ] رواه الحاكم في «المستدرك» (3: 200) ، وقال: «هذا حديث صحيح
الاسناد، ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي: ... والحديث عند الحاكم عن أبي ذر،
ورواه ابن مردويه عن حباب ابن الأرت.
[ (8) ] رسمت في (أ) : «الأعلا» .
(3/284)
عُمَيْرٍ مَقْتُولًا عَلَى طَرِيقِهِ
فَقَرَأَ: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ
عَلَيْهِ [ (9) ] الْآيَةَ. وَرَوَاهُ قُتَيْبَةُ عَنْ حَاتِمٍ مُرْسَلًا.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الْمَازِنِيُّ أَحَدُ بَنِي النَّجَّارِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّه
صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ رَجُلٌ يَنْظُرُ مَا فَعَلَ
سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ؟» فَنَظَرَ رَجُلٌ فَوَجَدَهُ جَرِيحًا فِي
الْقَتْلَى وَبِهِ رَمَقٌ،
فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ فِي الْأَحْيَاءِ أَنْتَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ؟
فَقَالَ: أَنَا فِي الْأَمْوَاتِ، فَأَبْلِغْ رسول اللَّه صلى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِّي السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: إِنَّ سَعْدَ بْنَ
الرَّبِيعِ يَقُولُ: جَزَاكَ اللَّه عَنِّي خَيْرَ مَا يَجْزِي نَبِيًّا
عَنْ أُمَّتِهِ، وَأَبْلِغْ قَوْمَكَ عَنِّي السَّلَامَ وَقُلْ لَهُمْ:
إِنَّ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ يَقُولُ لَا عُذْرَ لَكُمْ [ (10) ] عِنْدَ
اللَّه إِنْ خُلِصَ إِلَى نَبِيِّكُمْ وَفِيكُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ، ثُمَّ
لَمْ أَبْرَحْ حَتَّى مَاتَ، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَخْبَرْتُهُ خَبَرَهُ [ (11) ] .
وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ يَلْتَمِسُ حَمْزَةَ
رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي الْقَتْلَى، فَوَجَدَهُ بِبَطْنِ الْوَادِي قَدْ
بُقِرَ عَنْ بَطْنِهِ وَعَنْ كَبِدِهِ وَمُثِّلَ بِهِ: فَجُدِّعَ أَنْفُهُ
وَأُذُنَاهُ.
وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
جَعْفَرٍ بن الزبير،
__________
[ (9) ] تراجع الحاشية (7) .
[ (10) ] اعتبارا من هذه الكلمة حدث اضطراب في ترتيب نسخة (أ) حيث وقعت هذه
الجملة عند اللوحة [114/ أ] ، وجاءت بقيتها، وبقية الخبر في اللوحة [121/
أ] ، فاعتمدنا على النسختين (ص) و (ح) في نسخ الأخبار، ثم مقابلتها على (أ)
في المواطن التي جاءت بها، وقد استمر هذا الاضطراب حتى نهاية هذا الباب.
[ (11) ] أخرجه الحاكم في المستدرك (3: 201) في مناقب سَعْدِ بْنِ
الرَّبِيعِ، وَقَالَ: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي،
ونقله الصالحي في السيرة الشامية (4: 326) وعزاه للحاكم والبيهقي، ومن طريق
ابن إسحاق في سيرة ابن هشام (3: 38- 39) ، ونقله الحافظ ابن كثير في
البداية والنهاية (4: 39) .
(3/285)
وَحَدَّثَنِيهِ بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: لَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بِحَمْزَةَ مِنَ الْمُثَلِ جُدِعَ أَنْفُهُ
وَلُعِبَ بِهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لَوْلَا أَنْ تَجْزَعَ صَفِيَّةُ وَتَكُونَ سُنَّةً [مِنْ بَعْدِي] [ (12)
] مَا غُيِّبَ حَتَّى يَكُونَ فِي بُطُونِ السِّبَاعِ وَحَوَاصِلِ
الطَّيْرِ [ (13) ] .
وَعَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي [ (14) ] بُرَيْدَةُ بْنُ
سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: لَمَّا رَأَى
رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمْزَةَ بِالْحَالِ
الَّتِي هُوَ بِهَا حِينَ مُثِّلَ بِهِ، قَالَ: لَئِنْ ظَفِرْتُ بِقُرَيْشٍ
لَأُمَثِّلَنَّ بِثَلَاثِينَ مِنْهُمْ، فَلَمَّا رَأَى أَصْحَابُ رَسُولِ
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بِهِ مِنَ الْجَزَعِ،
قَالُوا: لَئِنْ ظَفِرْنَا بِهِمْ لَنُمَثِّلَنَّ بِهِمْ مُثْلَةً لَمْ
يُمَثِّلْهَا أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ بِأَحَدٍ، فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ
وَجَلَّ:
وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ [ (15) ] إِلَى
آخِرِ السُّورَةِ فَعَفَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[ (16) ] .
وعَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ شُيُوخِهِ الَّذِينَ رَوَى عَنْهُمْ قِصَّةَ
أُحُدٍ، قَالُوا: فَأَقْبَلَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
لِتَنْظُرَ إِلَى حَمْزَةَ بِأُحُدٍ، وَكَانَ أَخَاهَا لِأُمِّهَا
وَأَبِيهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ
لِابْنِهَا الزُّبَيْرِ: الْقَهَا فَأَرْجِعْهَا لَا تَرَى مَا بِأَخِيهَا،
فَلَقِيَهَا الزُّبَيْرُ، فَقَالَ: أَيْ أُمَّهْ! إِنَّ رَسُولَ اللَّه صلى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكِ أَنْ تَرْجِعِي، فَقَالَتْ: وَلِمَ
فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ قَدْ مُثِّلَ بِأَخِي وَذَاكَ فِي اللَّه لَمَّا
أَرْضَانَا بِمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ، فَلَأَحْتَسِبَنَّ وَلَأَصْبِرَنَّ
إِنْ شَاءَ اللَّه، فَلَمَّا جَاءَ الزُّبَيْرُ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ
قَوْلَ صَفِيَّةَ قَالَ: خَلِّ سَبِيلَهَا، فَأَتَتْهُ فَنَظَرَتْ إِلَيْهِ
وَاسْتَرْجَعَتْ وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدُفِنَ [ (17) ] .
__________
[ (12) ] ليست في (ص) .
[ (13) ] الخبر في سيرة ابن هشام (3: 39) ، ونقله ابن كثير في التاريخ (4:
39) .
[ (14) ] في (أ) : «حدثنا» .
[ (15) ] الآية الكريمة (126) من سورة النحل.
[ (16) ] سيرة ابن هشام (3: 39- 40) ، ونقله الحافظ ابن كثير في «التاريخ»
، (4: 39- 40) .
[ (17) ] الخبر في سيرة ابن هشام (4: 40) ، ونقله ابن كثير في التاريخ (4:
41- 42) .
(3/286)
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ
عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ
أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ
حَمْزَةُ يَوْمَ أُحُدٍ أَقْبَلَتْ صَفِيَّةُ تَطْلُبُهُ لَا تَدْرِي مَا
صَنَعَ. قَالَ: فَلَقِيَتْ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ فَقَالَ عَلِيٌّ
لِلزُّبَيْرِ: اذْكُرْ لِأُمِّكَ، وَقَالَ الزُّبَيْرُ: لَا بَلِ اذْكُرْ
أَنْتَ لِعَمَّتِكَ، قَالَتْ: مَا فَعَلَ حَمْزَةُ؟ فَأَرَيَاهَا
أَنَّهُمَا لَا يَدْرِيَانِ، قَالَ: فَجَاءَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ عَلَى عَقْلِهَا، قَالَ:
فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهَا وَدَعَا لَهَا فَاسْتَرْجَعَتْ وَبَكَتْ،
قَالَ ثُمَّ جَاءَ فَقَامَ عَلَيْهِ وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ فَقَالَ: لَوْلَا
جَزَعُ النِّسَاءِ لَتَرَكْتُهُ حَتَّى يُحْشَرَ مِنْ حَوَاصِلِ الطَّيْرِ
وَبُطُونِ السِّبَاعِ
[ (18) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عَلِيٍّ الرَّفَّاءُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ
قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ
مِثْلَهُ زَادَ فِيهِ قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ بِالْقَتْلَى فَجَعَلَ يُصَلِّي
عَلَيْهِمْ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَيُرْفَعُونَ وَيُتْرَكُ حَمْزَةُ، ثُمَّ
يُجَاءُ بِتِسْعَةٍ فَيُكَبِّرُ عَلَيْهِمْ سَبْعًا حَتَّى فَرَغَ مِنْهُمْ
[ (19) ] .
كَذَا رَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ [ (20) ] ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ
لَمْ يصلّ عليهم إسناده
__________
[ (18) ] ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (6: 118) ، وعزاه للطبراني
والبزار، ونقله عنهما الصالحي في السيرة الشامية (4: 329) .
[ (19) ] قال الهيثمي في الزوائد (6: 118) : «روى مسلم في مقدمة كتابه،
وابن ماجة قصة الصلاة عليهم وفي إسناد البزار والطبراني: يَزِيدُ بْنُ
أَبِي زِيَادٍ، وهو ضعيف» . وانظر الحاشية التالية.
[ (20) ] هو يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ القرشي الهاشمي أبو عبد اللَّه
مولاهم الكوفي رأى أنسا وروى عَنْ مِقْسَمٍ مَوْلَى ابْنِ عباس وغيره، وروى
عنه: زائدة، وشعبة، وهشيم، وأبو عوانة، وسفيان الثوري، وابن عيينة، وكان من
أئمة الشيعة الكبار، قال العجلي في الثقات: «جائز الحديث» ، وأخذ عليه
الاختلاط بآخرة، وضعفه ابن معين، وابن حبان، بسبب انه ساء حفظه لما كبر
وتغير، وكان يلقن، إلا ان يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: «يزيد وإن كانوا
يتكلمون فيه لتغيره فهو على العدالة والثقة» ، وقال ابن سعد: «كان ثقة في
نفسه إلا أنه اختلط بآخرة فجاد بالعجائب» . تهذيب التهذيب (11: 329- 331) .
(3/287)
أَصَحُّ، وَذَلِكَ يَرِدُ إِنْ شَاءَ
اللَّه [ (21) ] .
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ السَّرَّاجُ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُطَيَّنٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ
قَالَ:
حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ
مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ قُتِلَ حَمْزَةُ وَمُثِّلَ بِهِ- لَئِنْ
ظَفِرْتُ بِقُرَيْشٍ لَأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ، قَالَ:
فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ
مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ [ (22) ] الْآيَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وسلم بَلْ نَصْبِرُ يَا رَبِّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
السَّرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحٌ الْمُرِّيُّ [ (23) ] عَنْ
سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ وَقَفَ
عَلَى حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حِينَ اسْتُشْهِدَ وَقَدْ مُثِّلَ
بِهِ، فَنَظَرَ إِلَى شَيْءٍ لَمْ نَنْظُرْ إِلَى شَيْءٍ قَطُّ كَانَ
أَوَجَعَ لِقَلْبِهِ، فَقَالَ: رَحْمَةُ اللَّه عَلَيْكَ، فَقَدْ كُنْتَ
وَصُولًا لِلرَّحِمِ، فَعُولًا لِلْخَيْرَاتِ، وَلَوْلَا حُزْنٌ مِنْ
بَعْدِكَ عَلَيْكَ لَسَرَّنِي أَنْ أَدَعَكَ حَتَّى تُحْشَرَ مِنْ
أَفْوَاجٍ شَتَّى، ثُمَّ حَلَفَ بِاللهِ مَعَ ذَلِكَ لَأُمَثِّلَنَّ
بِسَبْعِينَ مِنْهُمْ مَكَانَكَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم وَاقِفٌ بَعْدُ بِخَوَاتِيمِ
سُورَةِ النَّحْلِ وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ
بِهِ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، فَصَبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه
وَسَلَّمَ، وَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ، وأمسك عما أراد [ (24) ] .
__________
[ (21) ] وانظر الحاشية رقم () من هذا الباب.
[ (22) ] (النحل- 126) .
[ (23) ] هو صَالِحُ بْنُ بَشِيرٍ الْمُرِّيُّ الزاهد الواعظ البصري: ضعفه
ابن معين، وقال احمد: صاحب قصص، ليس هو صاحب حديث، وقال البخاري: «منكر
الحديث» وقال النسائي:
«متروك» . ميزان الاعتدال (2: 289) .
[ (24) ] ذكره الهيثمي في الزوائد (6: 119) ، وقال: «رواه البزار
والطبراني، وفيه صَالِحُ بْنُ بَشِيرٍ الْمُرِّيُّ وهو ضعيف» .
(3/288)
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ
بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ
الْمِنْهَالِ قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحٌ الْمُرِّيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ
التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ عَلَى حَمْزَةَ حَيْثُ
اسْتُشْهِدَ، فَنَظَرَ إِلَى مَنْظَرٍ لَمْ يَنْظُرْ إِلَى شَيْءٍ قَطُّ
أَوَجَعَ لِقَلْبِهِ مِنْهُ، وَذَكَرَ بَاقِي الْحَدِيثِ مِثْلَ حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ.
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَاذَانَ
الْبَغْدَادِيُّ بِهَا، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ جَعْفَرٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّه بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ عُبَيْدٍ
الْكِنْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي
أَبُو الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّهُ أُصِيبَ مِنَ
الْأَنْصَارِ يَوْمَ أُحُدٍ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ، وَأُصِيبَ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ سِتَّةٌ فِيهِمْ حَمْزَةُ، فَمَثَّلُوا بِقَتْلَاهُمْ
فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ لَئِنْ أَصَبْنَا مِنْهُمْ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ
لَنُرْبِيَنَّ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ نَادَى
رَجُلٌ لَا يُعْرَفُ: لَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ، مَرَّتَيْنِ،
فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ
وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [ (25) ] الْآيَةَ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُفُّوا عَنِ
الْقَوْمِ [ (26) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يُونُسُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَتْ
صَفِيَّةُ يَوْمَ أُحُدٍ وَمَعَهَا ثَوْبَانِ لِحَمْزَةَ فَلَمَّا رَآهَا
رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ، كَرِهَ أَنْ تَرَى حمزة
__________
[ () ] وأضاف البزار (2: 327) من كشف الأستار: «لا نعلمه يروى عن أبي هريرة
إلا من هذا الوجه، تفرد به عن سليمان: صالح، وقد تقدم ذكرنا لصالح، يعني
تقدم ضعفه ولا نعلم رواه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم إلا أبو
هريرة.
[ (25) ] (النحل: 126) .
[ (26) ] أخرجه الترمذي في تفسير سورة النحل، الحديث (3129) ، ص (5: 299) ،
وقال: «هذا حديث حسن غريب من حديث أبي بن كعب» ، ورواه الإمام أحمد في
مسنده (5: 135) .
(3/289)
عَلَى حَالِهِ، وَقَدْ كَانَ
الْمُشْرِكُونَ مَثَّلُوا بِهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الزُّبَيْرَ لِيَحْبِسَهَا، فَلَمَّا أَتَاهَا،
قَالَ: قِفِي يَا أُمَّهْ فَقَالَتْ: خَلِّ عَنِّي لَا أَرْضَ لَكَ،
فَلَمَّا رَآهَا تَأْبَى عَلَيْهِ قَالَ لَهَا: إِنَّ رسول اللَّه صلى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ بَعَثَنِي إِلَيْكِ، فَلَمَّا قَالَ لَهَا
رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَتْ وَأَخَذَتْ
ثَوْبَيْنِ، وَكَانَ إِلَى جَنْبِ حَمْزَةَ قَتِيلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ،
فَكَرِهُوا أَنْ يَتَخَيَّرُوا لِحَمْزَةَ أَوْ لِلْأَنْصَارِيِّ قَالَ:
أَسْهِمُوا سَهْمًا فَأَيُّهُمَا طَاوَلَهُ أَجْوَدُ الثَّوْبَيْنِ فَهُوَ
لَهُ، فَأَسْهَمُوا بَيْنَهُمَا فَكُفِّنَ حَمْزَةُ فِي ثَوْبٍ
وَالْأَنْصَارِيُّ فِي ثَوْبٍ. [ (27) ]
وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ: وحَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ
صُعَيْرٍ- وَكَانَ وُلِدَ عَامَ الْفَتْحِ- فَأُتِيَ بِهِ رَسُولَ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ عَلَى وَجْهِهِ وَبَرَّكَ
عَلَيْهِ، قَالَ: فَلَمَّا أَشْرَفَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه
وسلم عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ قَالَ: أَنَا الشَّهِيدُ عَلَى هَؤُلَاءِ مَا
مِنْ جَرِيحٍ يُجْرَحُ فِي اللَّه، إِلَّا اللَّه- عَزَّ وَجَلَّ-
يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا، اللَّوْنُ
لَوْنُ الدَّمِ، وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ، انْظُرُوا أَكْثَرَهُمْ
جَمْعًا لِلْقُرْآنِ فَاجْعَلُوهُ أَمَامَ صَاحِبِهِ فِي الْقَبْرِ،
فَكَانُوا يَدْفِنُونَ الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فِي الْقَبْرِ [ (28) ]
.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدِ
احْتَمَلُوا قَتْلَاهُمْ إِلَى الْمَدِينَةِ فَدَفَنُوهُمْ بِهَا، فَنَهَى
رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ:
ادفنوهم حيث صرعوا [ (29) ] .
__________
[ (27) ] الحديث ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (6: 118) وقال: «رواه احمد
وأبو يعلى، والبزار، وفيه عبد الرحمن بن أبي الزناد وهو ضعيف، وقد وثّق»
والحديث في كشف الأستار عن زوائد البزار (2: 328) ، وفي مسند أحمد (1: 165)
، ونقله الصالحي في السيرة الشامية (4: 329) .
[ (28) ] الخبر في سيرة ابن هشام (3: 42) ، ونقله ابن كثير في التاريخ (4:
42) ، وقال: «هذا الحديث ثابت في الصحيحين من غير هذا الوجه) .
[ (29) ] سيرة ابن هشام (3: 41) ، وروى الإمام أحمد في مسنده (3: 297)
والأربعة في «سننهم» من حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه- رضي اللَّه
عنه-: أن قتلى احد حملوا من أماكنهم فنادى منادي
(3/290)
وعَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي
وَالِدِي: إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ أَنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ حِينَ أُصِيبَ
عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ يَوْمَ
أُحُدٍ اجْمَعُوا بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُمَا كَانَا مُتَصَافِيَيْنِ فِي
الدُّنْيَا [ (30) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: قَالَ أَبِي فَحَدَّثَنِي أَشْيَاخٌ مِنَ
الْأَنْصَارِ قَالُوا: لَمَّا ضَرَبَ مُعَاوِيَةُ عَيْنَهُ الَّتِي مَرَّتْ
عَلَى قُبُورِ الشُّهَدَاءِ اسْتَصْرَخَنَا عَلَيْهِمْ، وَقَدِ انْفَجَرَتِ
الْعَيْنُ عَلَيْهِمَا فِي قُبُورِهِمَا، فَجِئْنَا فَأَخْرَجْنَاهُمَا
وَعَلَيْهِمَا بُرْدَتَانِ قَدْ غُطِّيَ بِهِمَا وُجُوهُهُمَا، وَعَلَى
أَقْدَامِهِمَا شَيْءٌ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ فَأَخْرَجْنَاهُمَا يثنّيان
تَثَنِّيًا كَأَنَّمَا دُفِنَا بِالْأَمْسِ [ (31) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ الزَّاهِدُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ
أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: اسْتُصْرِخْنَا
إِلَى قَتْلَانَا يَوْمَ أُحُدٍ، وَذَلِكَ حِينَ أَجْرَى مُعَاوِيَةُ
الْعَيْنَ فَأَتَيْنَاهُمْ فَأَخْرَجْنَاهُمْ تَثَنَّى أَطْرَافُهُمْ،
قَالَ:
وَقَالَ حَمَّادٌ: وَزَادَنِي صَاحِبٌ لِي فِي الْحَدِيثِ، فَأَصَابَ
قَدَمَ حَمْزَةَ فَانْثَعَبَ [ (32) ] دَمًا [ (33) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَتُّونِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ،
إِلَّا أَنَّهُ قَالَ:
فَأَخْرَجْنَاهُمْ رِطَابًا يَتَثَنَّوْنَ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ
سَنَةً.
__________
[ () ] رسول الله صلى الله عليه وسلم، ان ردّوا القتلى الى مضاجعهم، وسيأتي
الخبر، وانظر الحاشية (35) من هذا الباب.
[ (30) ] الخبر في سيرة ابن هشام (3: 41) ، ونقله الصالحي في السيرة
الشامية (4: 331) ، وابن كثير في التاريخ (4: 42) .
[ (31) ] نقله ابن كثير في «البداية والنهاية» (4: 43) عن المصنف.
[ (32) ] في البداية والنهاية «فانبعث» .
[ (33) ] البداية والنهاية: (4: 43) .
(3/291)
قَالَ: وَزَعَمَ جَرِيرٌ عَنْ أَيُّوبَ
فَذَكَرَ مَعْنَى تِلْكَ الزِّيَادَةِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ
بْنُ بِلَالٍ الْبَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الرَّبِيعِ
الْمَكِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ
نُبَيْحٍ [ (34) ] الْعَنَزِيِّ عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللهُ عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُرَدُّوا إِلَى
مَصَارِعِهِمْ [ (35) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ
الْقَاضِي قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ
الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ، عَنْ نُبَيْحٍ [ (36) ] الْعَنَزِيِّ، عَنْ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ:
خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى
الْمُشْرِكِينَ لِيُقَاتِلَهُمْ، قَالَ: فَقَالَ لِي أَبِي عَبْدُ اللهِ:
يَا جَابِرُ! مَا عَلَيْكَ أَنْ تَكُونَ فِي نُظَّارِي الْمَدِينَةِ حَتَّى
تَعْلَمَ إِلَى مَا يَصِيرُ أَمْرُنَا، فَإِنِّي وَاللهِ لَوْلَا أَنِّي
أَتْرُكُ بَنَاتٍ لِي بَعْدِي لَأَحْبَبْتُ أَنْ تُقْتَلَ بَيْنَ يَدَيَّ،
قَالَ: فَبَيْنَمَا أَنَا فِي النَّظَّارِينَ إِذْ جَاءَتْ عَمَّتِي
بِأَبِي وَخَالِي عَادَلَتْهُمَا عَلَى نَاضِحٍ، فَدَخَلَتْ بِهِمَا
الْمَدِينَةَ لِتَدْفِنَهُمَا فِي مَقَابِرِنَا، وَجَاءَ رَجُلٌ يُنَادِي:
أَلَا إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكُمْ
أَنْ تَرْجِعُوا بِالْقَتْلَى فَتَدْفِنُوهَا فِي مَصَارِعِهَا حَيْثُ
قُتِلَتْ، قَالَ: فرجعنا
__________
[ (34) ] (أ) : «فليح» .
[ (35) ] الحديث أخرجه ابو داود في الجنائز، باب في الميت يحمل من أرض إلى
ارض وكراهية ذَلِكَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ، عن سفيان الثوري،
والترمذي في كتاب الجهاد، بَابُ مَا جَاءَ فِي دفن القتيل في مقتله، عَنْ
مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ شعبة (4: 215) ،
وأخرجه النسائي في الجنائز، باب أين يدفن الشهيد؟ عن محمد بن منصور، عَنْ
سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وعن محمد بن عبد الله بن المبارك، عن وكيع، عن
الثوري (4: 79) ، وأخرجه ابن ماجة في الجنائز، (بَابُ) مَا جَاءَ فِي
الصلاة على الشهداء ودفنهم، عن هشام بن عمار، وسهل بن أبي سهل، كلاهما عَنْ
سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، ثلاثتهم عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، وقال
الترمذي: «حسن صحيح» ، وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (3: 297) .
[ (36) ] في (أ) و (ح) : «فليح» ، وفي هامش (ح) : «نبيح» .
(3/292)
بِهِمَا فَدَفَنَّاهُمَا فِي الْقَتْلَى
حَيْثُ قُتِلَا، قَالَ: فَبَيْنَمَا أَنَا فِيَ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ بْنِ
أَبِي سُفْيَانَ إِذْ جَاءَنِي رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا جَابِرُ، وَاللهِ،
لَقَدْ أَثَارَ أَبَاكَ عُمَّالُ [ (37) ] مُعَاوِيَةَ فَبَدَا فَخَرَجَ
طَائِفَةٌ مِنْهُ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَوَجَدْتُهُ عَلَى النَّحْوِ
الَّذِي تَرَكْتُهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْهُ شَيْءٌ، إِلَّا مَا لَمْ
يَدَعِ الْقَتِيلَ، قَالَ: فَوَارَيْتُهُ [ (38) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بُطَّةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ بْنِ مَصْقَلَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ، عَنْ شُيُوخِهِ فِي
قِصَّةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، قَالُوا: فَقَالَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ: ادْفِنُوا عَبْدَ
اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، وَعَمْرَو بْنَ الْجَمُوحِ فِي قَبْرٍ
وَاحِدٍ، وَيُقَالُ: إِنَّمَا أَمَرَ بِذَلِكَ لِمَا كَانَ بَيْنَهُمَا
مِنَ الصَّفَاءِ، فَقَالَ: ادْفِنُوا هَذَيْنِ الْمُتَحَابَّيْنِ فِي
الدُّنْيَا، فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ،
وَيُقَالُ إِنَّهُمَا وُجِدَا وَقَدْ مُثِّلَ بِهِمَا كُلُّ الْمُثَلِ،
فَلَمْ تُعْرَفْ أَبْدَانُهُمَا، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو
رَجُلًا أَحْمَرَ أَصْلَعَ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ، وَكَانَ عَمْرُو بْنُ
الْجَمُوحِ رَجُلًا طويلا، فعرفا ودخل السَّيْلُ عَلَيْهِمَا، وَكَانَ
قَبْرُهُمَا مِمَّا يَلِي السَّيْلَ فَحُفِرَ عَنْهُمَا وَعَلَيْهِمَا
نَمِرَتَانِ [ (39) ] ، وَعَبْدُ اللهِ قَدْ أَصَابَهُ جُرْحٌ فِي يَدِهِ،
فَيَدُهُ عَلَى جُرْحِهِ، فَأُمِيطَتْ يَدُهُ عَنْ جُرْحِهِ فَانْثَعَبَ
الدَّمُ فَرُدَّتْ إِلَى مَكَانِهَا فَسَكَنَ الدَّمُ، قَالَ جَابِرٌ:
فَرَأَيْتُ أَبِي فِي حُفْرَتِهِ، فَكَأَنَّهُ نَائِمٌ، فَقِيلَ لَهُ:
أَفَرَأَيْتَ أَكْفِنَتَهُ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا دُفِنَ فِي نَمِرَةٍ خُمِّرَ
بِهَا وَجْهُهُ، وَعَلَى رِجْلَيْهِ الْحَرْمَلُ، فَوَجَدْنَا النَّمِرَةَ
كَمَا هِيَ وَالْحَرْمَلُ عَلَى رِجْلَيْهِ عَلَى هَيْئَتِهِ، وَبَيْنَ
ذَلِكَ سِتٌّ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً، فَشَاوَرَهُمْ جَابِرٌ فِي أَنْ
يُطَيَّبَ بِمِسْكٍ، فَأَبَى ذَلِكَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وسلم.
__________
[ (37) ] سقطت من (أ) .
[ (38) ] هو مطول الحديث السابق، ونقله ابن كثير في البداية والنهاية (4:
43) بطوله، وقال: «رواه أبو داود، والنسائي من حديث الثوري، والترمذي من
حديث شعبة، والنسائي أيضا وابن ماجة مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عيينة،
كلهم عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ نُبَيْحٍ، عن جابر.
[ (39) ] في (أ) : «أنمرتان» والنمرة: شملة. فيها خطوط بيض وسود.
(3/293)
وَيُقَالُ إِنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا
أَرَادَ أَنْ يُجْرِيَ الْكُظَّامَةَ [ (40) ] نَادَى مُنَادِيهِ
بِالْمَدِينَةِ: مَنْ كَانَ لَهُ قَتِيلٌ بِأُحُدٍ فَلْيشْهَدْ، فَخَرَجَ
النَّاسُ إِلَى قَتْلَاهُمْ فَوَجَدُوهُمْ رِطَابًا يَتَثَنَّوْنَ، فأصابت
المساحة رِجْلَ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَانْثَعَبَ دَمًا، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ
الْخُدْرِيُّ: لَا يُنْكِرُ بَعْدَ هَذَا مُنْكِرٌ، وَوُجِدَ عَبْدُ اللهِ
بْنُ عَمْرٍو، وَعَمْرَو بْنَ الْجَمُوحِ فِي قبر وَاحِدٍ، فَحُوِّلَا.
وَذَلِكَ أَنَّ الْقَنَاةَ كَانَتْ تَمُرُّ عَلَى قَبْرِهِمَا، وَوُجِدَ
خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ وَسَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ فِي
قَبْرٍ وَاحِدٍ فَتُرِكَا.
وَلَقَدْ كَانُوا يَحِفرُونَ التُّرَابَ فَحَفَرُوا نَثْرَةً مِنْ تُرَابٍ،
فَفَاحَ عَلَيْهِمْ رِيحُ الْمِسْكِ [ (41) ] .
قُلْتُ: كَذَا فِي رِوَايَةِ أَهْلِ الْمَغَازِي أَنَّهُ كَانَ مَعَ
عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ إِلَى الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ
فِيهَا، وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرٍو الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ:
حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
لَمَّا حَضَرَ أُحُدٌ دَعَانِي أَبِي مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: مَا
أُرَانِي إِلَّا مَقْتُولًا فِي أَوَّلِ مَنْ يُقْتَلُ مِنْ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنِّي لَا أَتْرُكُ
بَعْدِي أَعَزَّ عَلَيَّ مِنْكَ غَيْرَ نَفْسِ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَإِنَّ عَلَيَّ دَيْنًا فَاقْضِ وَاسْتَوْصِ بِأَخَوَاتِكَ
خَيْرًا، فَأَصْبَحْنَا فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ، فَدَفَنْتُ مَعَهُ آخَرَ
فِي قَبْرٍ ثُمَّ لَمْ تَطِبْ نَفْسِي أَنْ أَتْرُكَهُ مَعَ آخَرَ،
فَاسْتَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِذَا هُوَ كَيَوْمِ
وَضَعْتُهُ هُنَيَّةً غَيْرَ أذنه.
__________
[ (40) ] الكظامة: كالقناة وجمعها كظائم، وهي آبار تحضر في الأرض متناسقة،
ويخرق بعضها الى بعض تحت الأرض، فتجمع مياهها جارية، ثم تخرج عند منتهاها
فتسيح على وجه الأرض.
[ (41) ] الخبر بطوله في مغازي الواقدي (1: 266- 268) .
(3/294)
أَخْرَجَهُ فِي الصَّحِيحِ [ (42) ]
هَكَذَا.
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ: فَلَمْ
تَطِبْ نَفْسِي حَتَّى أَخْرَجْتُهُ، فَدَفَنْتُهُ عَلَى حِدَةٍ.
قَدْ أَخْرَجْنَاهُ فِي كِتَابِ السُّنَنِ [ (43) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ،
قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عن جابر، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ
بُكَيْرٍ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ
قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أَيُّهُمَا أَخْذًا
لِلْقُرْآنٍ، فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا، قَدَّمَهُ فِي
اللَّحْدِ، وَقَالَ: أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ وَلَمْ
يُغَسَّلُوا. لَفْظُهُمَا سَوَاءٌ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (44) ] عن قتيبة.
__________
[ (42) ] الحديث أخرجه البخاري في: 23- كتاب الجنائز (77) باب هل يخرج
الميّت من القبر واللّحد لعلة؟، الحديث (1351) ، فتح الباري (3: 214) عن
مسدّد، عن بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ حسين المعلم ... واعاده بعده
مختصرا، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الله المديني، عن سعيد بن عامر، عن شعبة،
عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ.
[ (43) ] في السنن الكبرى (4: 57- 58) .
[ (44) ] البخاري في الصحيح عن قتيبة في: 64- كتاب المغازي (26) باب مَنْ
قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يوم أحد، فتح الباري (7: 374) .
كما أخرجه البخاري في: 23- كتاب الجنائز (72) باب الصلاة على الشهيد، فتح
الباري (3: 309) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنِ اللَّيْثِ، عن
الزهري والحديث أخرجه أيضا اصحاب
(3/295)
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ
الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ حَلِيمِ، بْنِ مُحَمَّدِ
ابن حَلِيمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْمُونٍ الصَّائِغُ بِمَرْوَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْمُوَجِّهِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا
لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ:
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ بِمِثْلِهِ
إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدَانَ [ (45) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا
الْقَعْنَبِيُّ، أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ الْمُغِيرَةِ حَدَّثَهُمْ عَنْ
حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: جَاءَتِ
الْأَنْصَارُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ
أُحُدٍ، فَقَالُوا:
أَصَابَنَا قَرْحٌ وَجَهْدٌ فَكَيْفَ تَأْمُرُ؟ قَالَ: احْفِرُوا
وَأَوْسِعُوا وَاجْعَلُوا الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فِي الْقَبْرِ،
قِيلَ: فَأَيُّهُمْ نُقَدِّمُ؟ قَالَ: أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا قَالَ:
أُصِيبَ أَبِي يَوْمَئِذٍ- عامر يَعْنِي- فَقُدِّمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ، أَوْ
قَالَ وَاحِدٍ
[ (46) ] .
قَالَ أَبُو دَاوُدَ، وَحَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ
حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ، زاد فيه:
وأعمقوا [ (47) ] .
__________
[ () ] السنن الأربعة، فرواه ابو داود في الجنائز. باب في الشهيد هل يغسل،
عن قتيبة، ويزيد بن خالد، ثم بعده عن سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ
الْمَهْرِيُّ، عن ابن وهب ثلاثتهم عن الليث، ورواه الترمذي في كتاب
الجنائز، (بَابُ) مَا جَاءَ فِي ترك الصلاة على الشهيد، عن قتيبة، ورواه
النسائي في الجنائز، باب ترك الصلاة عليهم، عن قتيبة، كما رواه ابن ماجة في
الجنائز، بَابُ مَا جَاءَ فِي الصلاة على الشهداء ودفنهم، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ رُمْحٍ، عن الليث.
[ (45) ] البخاري عن عبدان في الجنائز، (78) باب اللحد والشق في القبر، فتح
الباري (3: 217) .
[ (46) ] الحديث أخرجه ابو داود في كتاب الجنائز، باب في تعميق الحفر،
الحديث (3215) ، ص (3: 214) عن القعنبي.
[ (47) ] سنن أبي داود (3: 214) ، الحديث (3216) ، عن أبي صالح محبوب بن
موسى الأنطاكي.
(3/296)
قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ
إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، قَالَ: حدثنا حميد ابن هِلَالٍ
عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ بِهَذَا [ (48) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
مُلَاعِبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
حَمَّادُ ابن زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ
سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم الْقَرْحَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَأَنَّ
الْحَفْرَ شَدِيدٌ عَلَيْنَا، فَقَالَ احْفِرُوا وَأَعْمِقُوا وَقَدِّمُوا
أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا، قَالَ: فَقُدِّمَ أَبِي بَيْنَ يَدَيْ رَجُلَيْنِ [
(49) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ
الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو خَلِيفَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
لَمَّا قُتِلَ أَبِي يَوْمَ أُحُدٍ جَعَلْتُ أَبْكِي، وَأَكْشِفُ الثَّوْبَ
عَنْ وَجْهِهِ، وَجَعَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وسلم
يَنْهَوْنَنِي، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا
يَنْهَانِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا
تَبْكِهِ أَوْ مَا تَبْكِيهِ فَمَا زَالَتِ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ
بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعُوهُ
[ (50) ] .
وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ
قَالَ: فَبَكَتْ عَمَّتِي، فَقَالَ: لَا تَبْكِهِ
__________
[ (48) ] سنن أبي داود (3: 214) ، الحديث (3217) .
[ (49) ] أخرجه الترمذي في كتاب الجهاد (59) باب في دفن الشهيد، الحديث
(1713) ، ص (4:
213) عن أزهر بن مروان البصري، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٌ، عَنْ
أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بن هلال، وقال: «حسن صحيح» .
[ (50) ] سيأتي الحديث في الفقرة التالية، وسيأتي تخريجه في الحاشيتين (51)
و (52) مِنْ هَذَا الْبَابِ.
(3/297)
أَوْ لِمَ تَبْكِيهِ فَإِنَّ
الْمَلَائِكَةَ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعُوهُ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ [ (51) ] .
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ شُعْبَةَ [ (52) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ
الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا فَيْضُ بْنُ وَثِيقٍ بَصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
عُبَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ،
عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَابِرٍ: يَا جَابِرُ! أَلَا أُبَشِّرُكَ؟ قَالَ:
بَلَى بَشَّرَكَ اللهُ بِالْخَيْرِ، قَالَ: شَعَرْتُ أَنَّ اللهَ أَحْيَا
أَبَاكَ فَقَالَ تَمَنَّ عَلَيَّ عَبْدِي مَا شِئْتَ أُعْطِكَهُ، قَالَ يَا
رَبِّ مَا عَبَدْتُكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ، أَتَمَنَّى عَلَيْكَ أَنْ
تَرُدَّنِي إِلَى الدُّنْيَا فَأُقْتَلَ مَعَ نَبِيِّكَ، وَأُقْتَلَ فِيكَ
مَرَّةً أُخْرَى، قَالَ:
إِنَّهُ قَدْ سَلَفَ مِنِّي أَنَّهُ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُ [ (53) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْمَعْرُوفِ
الاسفرائني. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ بِشْرُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ
بْنِ بَشِيرِ بْنِ الْفَاكِهِ الْأَنْصَارِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ
بْنَ خِرَاشِ بْنِ الصِّمَّةِ [ (54) ] . الْأَنْصَارِيَّ، ثُمَّ
السُّلَمِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ قَالَ: نَظَرَ
إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا لِي
أَرَاكَ مُهْتَمًّا؟ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ الله قُتِلَ أَبِي وَتَرَكَ
دَيْنًا وَعِيَالًا، فَقَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ ما
__________
[ (51) ] البخاري عن أبي الوليد، في كتاب المغازي (26) باب مَنْ قُتِلَ
مِنَ الْمُسْلِمِينَ يوم أحد، الحديث (4080) ، فتح الباري (7: 374) .
[ (52) ] مسلم عن شعبة فِي: 44- كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ (26) باب
من فضائل عبد الله بن عمرو بن حرام، والد جابر، الحديث (130) ، ص (1918) .
[ (53) ] نقله الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (4: 44) عن المصنف.
[ (54) ] في (ص) : «القيمة» .
(3/298)
كَلَّمَ اللهُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا مِنْ
وَرَاءِ حِجَابٍ، وَإِنَّهُ كَلَّمَ أَبَاكَ كِفَاحًا، فَقَالَ: يَا
عَبْدِي سَلْنِي أُعْطِكَ، فَقَالَ: أَسْأَلُكَ أَنْ تَرُدَّنِي إِلَى
الدُّنْيَا فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيًا، فَقَالَ إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي
أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يَرْجِعُونَ، قَالَ: يَا رَبِّ فَأَبْلِغْ مَنْ
وَرَائِي. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلا تَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً [ (55) ] ، حَتَّى
أَنْفَذَ فِيهِ الْآيَةَ [ (56) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ زِيَادِ ابْنُ
ابْنَةِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو مَرْوَانَ الْعُثْمَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ [ (57) ] ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:
أُتِيَ ابْنُ عَوْفٍ بِطَعَامٍ فَقَالَ: قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ،
وَكَانَ خَيْرًا مِنِّي فَلَمْ تُوجَدْ لَهُ إِلَّا بُرْدَةٌ يُكَفَّنُ
فِيهَا، وَقُتِلَ حَمْزَةُ- أَوْ رَجُلٌ آخَرُ- شَكَّ إِبْرَاهِيمُ-
وَكَانَ خَيْرًا مِنِّي فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ إِلَّا بُرْدَةٌ يُكَفَّنُ
فِيهَا، مَا أَظُنُّنَا إِلَّا قَدْ عُجِّلَتْ لَنَا فِي حَيَاتِنَا
الدُّنْيَا.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ
الْمَكِّيِّ [ (58) ] ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ علي الْمُقْرِئُ
الْإِسْفَرَائِنِيُّ بِهَا قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ
الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ خَبَّابٍ، قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ
__________
[ (55) ] الآية الكريمة (169) من سورة آل عمران.
[ (56) ] نقله عن المصنف ابن كثير (4: 44) من البداية والنهاية.
[ (57) ] هو إبراهيم بن سعد بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرحمن بن عوف.
[ (58) ] الْبُخَارِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ المكي في كتاب
الجنائز (25) باب الكفن من جميع المال، الحديث (1274) ، فتح الباري (3:
140- 141) ، واعاده بعده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ، فتح الباري (3:
142) .
(3/299)
نَبْتَغِي وَجْهَ اللهِ، فَوَجَبَ
أَجْرُنَا عَلَى اللهِ، فَمِنَّا مَنْ ذَهَبَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ،
كَانَ مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَلَمْ
يَكُنْ لَهُ إِلَّا نَمِرَةٌ كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ
رِجْلَاهُ، وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسَهُ، فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غَطُّوا بِهَا رَأْسَهُ
وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الْإِذْخِرِ، وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ
له ثمرته فهو يهد بِهَا [ (59) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ [ (60)
] .
وَأَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ عَنِ الْأَعْمَشِ [ (61) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ،
قَالَ:
حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: لَمَّا
دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزِقَّةَ
الْمَدِينَةِ إِذَا النَّوْحُ وَالْبُكَاءُ فِي الدُّورِ، فَقَالَ: مَا
هَذَا؟ قَالُوا: هَذِهِ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ يَبْكِينَ قَتْلَاهُمْ،
فَلَمَّا سَمِعَ الْبُكَاءَ ذَكَّرَهُ عَمَّهُ حَمْزَةَ- رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ- فَاسْتَغْفَرَ لَهُ، وَقَالَ: لَكِنَّ حَمْزَةَ لَا بَوَاكِيَ لَهُ
الْيَوْمَ بِالْمَدِينَةِ، فَسَمِعَ قَوْلَهُ: سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ،
وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ
رَوَاحَةَ، فَمَشَوْا فِي دُورِهِمْ حَتَّى جُمِعَتْ كُلُّ بَاكِيَةٍ
وَنَائِحَةٍ كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ، وَقَالُوا: وَاللهِ لَا تَبْكِينَ
اليوم قتيلا
__________
[ (59) ] (يهد بها) أي: يجتنيها، وهذا استعارة لما فتح عليهم من الدنيا.
[ (60) ] الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ في: 81- كتاب الرقائق،
(7) باب ما يحذر من زهرة الحياة الدنيا، فتح الباري (11: 245) .
[ (61) ] البخاري في: 23- كتاب الجنائز، (27) باب إذا لم يجد كفنا إلا ما
يواري رأسه او قدمه غطى رأسه، الحديث (1276) ، فتح الباري (3: 142) ، عَنْ
عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ ... ،
وفي: 81- كتاب الرقائق، (16) باب فضل الفقر، فتح الباري (11:
273) عَنِ الْحُمَيْدِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ، عن الأعمش وأخرجه مسلم في: 11-
كتاب الجنائز، (13) باب في كفن الميت، والحديث (44) ، ص (649) عَنْ يَحْيَى
بْنِ يَحْيَى التميمي، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شيبة وَمُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللهِ بن نمير، وأبي كريب، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عن
خباب.
(3/300)
لِلْأَنْصَارِ حَتَّى تَبْكِينَ حَمْزَةَ
عَمَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ قَدْ
ذَكَرَ أَنَّهُ لَا بَوَاكِيَ لَهُ، وَكَانُوا يُحِبُّونَ رضى رسول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَزَعَمُوا أَنَّ الَّذِي انْطَلَقَ
بِالنَّوَائِحِ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبُكَاءَ قَالَ مَا هَذَا،
فَأُخْبِرَ بِمَا فَعَلَتِ الْأَنْصَارُ بِنِسَائِهِمْ فَاسْتَغْفَرَ
لَهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ مَعْرُوفًا، وَرَضِيَ عَمَّنْ أَمَرَ بِرِضَا
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: مَا هَذَا
أَرَدْتُ، وَمَا أُحِبُّ الْبُكَاءَ، وَنَهَى عَنْهُ [ (62) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ
بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ شُيُوخِهِ الَّذِينَ رَوَى
عَنْهُمْ قِصَّةَ أُحُدٍ، قَالُوا: وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ مِنْ أُحُدٍ
فَلَقِيَتْهُ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ، فَنَعَى لَهَا النَّاسُ أَخَاهَا
عَبْدَ اللَّه ابن جَحْشٍ فَاسْتَرْجَعَتْ وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ، ثُمَّ
نُعِيَ لَهَا خَالُهَا حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَاسْتَرْجَعَتْ
وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ، ثُمَّ نُعِيَ لَهَا زَوْجُهَا مُصْعَبُ بْنُ
عُمَيْرٍ فَصَاحَتْ وَوَلْوَلَتْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عليه وسلم إِنَّ زَوْجَ الْمَرْأَةِ مِنْهَا لَبِمَكَانٍ، لِمَا رَأَى مِنْ
صَبْرِهَا عِنْدَ أَخِيهَا وَخَالِهَا وَصِيَاحِهَا عَلَى زَوْجِهَا [ (63)
] .
ثُمَّ مَرَّ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى دُورٍ
من دون الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَظَفَرٍ، فَسَمِعَ
الْبُكَاءَ وَالنَّوَائِحَ عَلَى قَتْلَاهُمْ، فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ،
فَبَكَى، ثُمَّ قَالَ:
لَكِنَّ حَمْزَةَ لَا بَوَاكِيَ لَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ سَعْدُ بْنُ
مُعَاذٍ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ إِلَى دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ،
أَمَرَا نِسَاءَهُمْ أَنْ يذْهَبْنَ فَيَبْكِينَ عَلَى عَمِّ رَسُولِ
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُكَاءَهُنَّ عَلَى حَمْزَةَ، خَرَجَ
إِلَيْهِنَّ وَهُنَّ عَلَى بَابِ مَسْجِدِهِ
__________
[ (62) ] البداية والنهاية (4: 48) عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ.
[ (63) ] أخرجه ابن هشام في السيرة (3: 41- 42) ، والبداية والنهاية (4:
46، 47) ،
وفي سنن ابن ماجة حديث (1590) : عن حمنة بنت جحش، أنّه قيل لها: قتل أخوك،
فقالت: رحمه اللَّه، وإنا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، فقالوا:
قتل زوجك، فقالت: وا حزناه! فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه
وسلم: أن للزوج من المرأة لشفقة ما هي لشيء.
(3/301)
يَبْكِينَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُنَّ
رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارْجِعْنَ يَرْحَمْكُنَّ
اللَّه، فَقَدْ آسَيْتُنَّ بِأَنْفُسِكُنَّ [ (64) ] .
وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ
الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَوْفٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ
مِنْ بَنِي ذُبْيَانَ فَقَدْ أُصِيبَ زَوْجُهَا وَأَخُوهَا يَوْمَ أُحُدٍ،
فَلَمَّا نُعُوا لَهَا، قَالَتْ: مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالُوا: خَيْرًا يَا أُمَّ فُلَانٍ، فَقَالَتْ:
أَرُونِيهِ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَأَشَارُوا لَهَا إِلَيْهِ حَتَّى
إِذَا رَأَتْهُ قَالَتْ: كُلُّ مُصِيبَةٍ بَعْدَكَ جَلَلٌ [ (65) ] .
__________
[ (64) ] سيرة ابن هشام (3: 42) ، ونقله الحافظ ابن كثير في «البداية
والنهاية» (4: 47) .
[ (65) ] رواه ابن هشام في السيرة (3: 42- 43) ، ونقله ابن كثير في التاريخ
(4: 47) .
(3/302)
بَابُ قَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: وَلا
تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ
أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ
مِنْ فَضْلِهِ [ (1) ] الْآيَةَ، وَمَا وَرَدَ فِي فَضْلِ شُهَدَاءِ
أُحُدٍ، وَزِيَارَةِ قُبُورِهِمْ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِصَارِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَ:
أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ الْأَبِيوَرْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ مُرَّةَ، عَنْ
مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَأَلْنَا عَبْدَ اللَّه بْنَ مَسْعُودٍ عَنْ هَذِهِ
الْآيَةِ وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، قَالَ: أَمَا
إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَرْوَاحُهُمْ كَطَيْرٍ
خُضَيْرٍ [ (2) ] تَسْرَحُ فِي أَيِّهَا شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى
قَنَادِيلَ مُعَلَّقَةٍ بِالْعَرْشِ، قَالَ:
فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذِ اطَّلَعَ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ اطِّلَاعَةً،
فَقَالَ: سَلُونِي مَا شِئْتُمْ، فَقَالُوا: يَا رَبَّنَا وَمَا نَسْأَلُكَ
وَنَحْنُ نَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ فِي أَيِّهَا شِئْنَا، فَلَمَّا رَأَوْا
أَنْ لَا [ (3) ] يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يَسْأَلُوا، قَالُوا: نَسْأَلُكَ
أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا إِلَى أَجْسَادِنَا فِي الدُّنْيَا نُقْتَلُ فِي
سَبِيلِكَ، قَالَ: فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَا يَسْأَلُونَ إِلَّا
هَذَا [ (4) ] تُرِكُوا [ (5) ] .
__________
[ (1) ] [169- آل عمران] .
[ (2) ] في صحيح مسلم: «أَرْوَاحَهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خضر» .
[ (3) ] كذا في (أ) ، وفي (ص) و (ح) : «ألّا» ،
[ (4) ] في صحيح مسلم: «فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا» .
[ (5) ] الحديث موقوف: أخرجه مسلم في: 33- كتاب الإمارة، (33) باب بيان ان
أرواح الشهداء في الجنة، وانهم أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ،
الحديث (121) . ص (1502) .
(3/303)
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ
يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ
بْنُ عِيسَى الْحِيرِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ قَطَنٍ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْفَارِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ
أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عن إسماعيل ابن أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِي
الزُّبَيْرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ: لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ
بِأُحُدٍ جَعَلَ اللَّه أَرْوَاحَهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ
أَنْهَارَ الْجَنَّةِ، وَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَتَأْوِي إِلَى
قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ، فَلَمَّا
وَجَدُوا طِيبَ مَأْكَلِهِمْ وَمَشْرَبِهِمْ وَمَقِيلِهِمْ، قَالُوا: مَنْ
يُبَلِّغُ إِخْوَانَنَا عَنَّا أَنَّا أَحْيَاءٌ فِي الْجَنَّةِ نُرْزَقُ
لِئَلَّا يَنْكِلُوا عِنْدَ الْحَرْبِ وَلَا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَادِ،
قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنَا أُبَلِّغُهُمْ عَنْكُمْ فَأَنْزَلَ
اللَّه تَعَالَى فِي الْكِتَابِ: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي
سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [
(6) ] .
لَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ اللَّه (فِي الْكِتَابِ) وَقَالَ:
فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ
بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمِ بْنِ
عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّه، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا ذَكَرَ أَصْحَابَ أُحُدٍ: أَمَا واللَّه
لَوَدِدْتُ أَنِّي؟ غُودِرْتُ مَعَ أَصْحَابِهِ بِحُضْنِ [ (7) ]
الْجَبَلِ، يَقُولُ: قُتِلْتُ معهم،
فكان
__________
[ () ] وأخرجه الترمذي في تفسير سورة آل عمران، وابن ماجة في الجهاد، وقال
الترمذي: «حسن صحيح» .
[ (6) ] أخرجه ابو داود في الجهاد، باب في فضل الشهادة، الحديث (2520) ، ص
(3: 15) .
[ (7) ] في (أ) و (ح) و (ص) و (د) : «نحض» ، وكذا في مسند الإمام أحمد (3:
375) وفي البداية «بحضن الجبل» يعني سفح الجبل، وجاءت الكلمة في نسخة (ب) :
«بحض» .
(3/304)
عَاصِمٌ يَقُولُ: لَكِنِّي واللَّه مَا
يَسُرُّنِي أَنَّهُ كَانَ غُودِرَ مَعَهُمْ [ (8) ] .
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ [ (9) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ صَالِحٍ الشِّيرَازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْنٍ الْغِفَارِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ دِينَارٍ [ (10) ] ، قَالَ:
مَرَرْتُ يَوْمًا عَلَى رَبِيعَةَ [ (11) ] مَعَ رَجُلٍ مِنَ بَنِي تَمِيمٍ
يُقَالُ لَهُ: يُوسُفُ، أَوْ أَبُو يُوسُفَ فَقَالَ لِرَبِيعَةَ: إِنَّا
نَسْمَعُ مِنْكَ مِنَ الْحَدِيثِ مَا لَا نَجِدُهُ عِنْدَ غَيْرِكَ!
فَقَالَ لَهُ رَبِيعَةُ: أَمَا واللَّه إِنَّ عِنْدِي لَحَدِيثًا كَثِيرًا،
وَلَكِنِّي قَدْ سَمِعْتُ ابْنَ الْهُدَيْرِ [ (12) ] ، وَكَانَ يَصْحَبُ
طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّه، قَالَ: مَا سَمِعْتُ طَلْحَةَ بْنَ
عُبَيْدِ اللَّه يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وسلم إلا حَدِيثًا وَاحِدًا، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: خَرَجْنَا
مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ [ (13) ]
قُبُورَ الشُّهَدَاءِ، حَتَّى إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى حَرَّةِ وَاقِمٍ [
(14) ] بِالْبَيْدَاءِ فَإِذَا قُبُورٌ بِمَحْنِيَّةٍ [ (15) ] ، قُلْنَا:
يَا رَسُولَ اللَّه! هَذِهِ قُبُورُ إِخْوَانِنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه
صَلَّى اللَّه عليه وسلم:
__________
[ (8) ] تفرد به الإمام الأحمد، وأخرجه في المسند (3: 375) ، ونقله عن
الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (4: 44) .
[ (9) ] في (ب) : «أحمد الصفار» .
[ (10) ] هو دَاوُدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ دينار المدني، ذكره العجلي، وابن
حبان في الثقات، وقال ابن المديني:
لا يحفظ عنه إلا هذا الحديث الواحد عن ربيعة ... وكل أحاديثه إفرادات،
وأرجو أنه لا بأس به.
[ (11) ] هو رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرحمن فروخ التيمي المعروف
بربيعة الرأي، كان صاحب الفتوى بالمدينة.
[ (12) ] هُوَ رَبِيعَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْهُدَيْرِ، ولد عَلَى
عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ ثقة، قليل
الحديث، قال العجلي في تاريخ الثقات: «تابعي، مدني، ثقة، من كبار التابعين»
، وقال الدارقطني:
«تابعي كبير قليل المسند» ، وذكره ابن حبان في الثقات، وذكره ابن عبد البر
في الصحابة.
[ (13) ] في (ب) : «نريد» .
[ (14) ] (الحرة) الأرض ذات الحجارة، وواقم: أُطُمٍ مِنْ آطَامِ
الْمَدِينَةِ وإليه تنسب الحرة.
[ (15) ] (محنية) أي بحيث ينعطف الوادي، وهو منحناه أيضا.
(3/305)
هَذِهِ قُبُورُ أَصْحَابِنَا، فَلَمَّا
جِئْنَا قُبُورَ الشُّهَدَاءِ، قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذِهِ قُبُورُ إِخْوَانِنَا
[ (16) ] .
رَبِيعَةُ هُوَ ابْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَابْنُ الْهُدَيْرِ هُوَ
رَبِيعَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْهُدَيْرِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادِ الْقَطَّانُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عيسى ابن الصباع، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عِمْرَانَ، عَنْ
مُوسَى بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي الشُّهَدَاءَ فَإِذَا أَتَى فُرْضَةَ
الشِّعْبِ، يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ
عُقْبَى الدَّارِ،
ثُمَّ كَانَ أَبُو بَكْرٍ [رَضِيَ اللَّه عَنْهُ] [ (17) ] بَعْدَ النبي
صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ، وَكَانَ عُمَرُ [رَضِيَ اللَّه
عَنْهُ] [ (18) ] بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ يَفْعَلُهُ، وَكَانَ
عُثْمَانُ-[رَضِيَ اللَّه عَنْهُ] [ (19) ] بَعْدَ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ
[ (20) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو
النَّصْرِ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُسَيِّبُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ
نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ
أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ
__________
[ (16) ] الحديث أخرجه ابو داود في آخر كتاب المناسك (باب) : زيارة القبور،
الحديث (2043) ، صفحة (2: 218) عن حامد بن يحيى، عن محمد بن معن المدني، عن
داود بن خالد، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ ربيعة
بن الهدير.
[ (17) ] ليست في (ب) .
[ (18) ] ليست في (ب) .
[ (19) ] ليست في (ب) .
[ (20) ] عن المصنف نقله ابن كثير في التاريخ (4: 45) .
(3/306)
عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ
صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَلَى [ (21) ] الْمِنْبَرِ
فَقَالَ إِنِّي فَرَطُكُمْ وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، وَإِنِّي واللَّه
أَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الْآنَ، وَإِنِّي قَدْ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ
خَزَائِنِ الْأَرْضِ [أَوْ مَفَاتِيحَ الْأَرْضِ] [ (22) ] ، وَإِنِّي
واللَّه مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنْ أَخَافُ
عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ [ (23) ]
خَالِدٍ، عَنِ اللَّيْثِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
بَكْرٍ: إِسْمَاعِيلُ بْنُ محمد ابن إِسْمَاعِيلَ الْفَقِيهُ بِالرِّيِّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ السُّكَّرِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلْقَمَةَ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْعَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا [
(24) ] عَبْدِ الْأَعْلَى [ (25) ] بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ أَبِي
فَرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم
زَارَ قُبُورَ الشُّهَدَاءِ بِأُحُدٍ، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنَّ عَبْدَكَ
وَنَبِيَّكَ يَشْهَدُ أَنَّ هَؤُلَاءِ شُهَدَاءُ، وَأَنَّهُ مَنْ زَارَهُمْ
أَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ رَدُّوا عَلَيْهِ.
قَالَ الْعَطَّافُ: وَحَدَّثَتْنِي خَالَتِي: أَنَّهَا زَارَتْ قُبُورَ
الشُّهَدَاءِ، قَالَتْ: وَلَيْسَ مَعِي إِلَّا غُلَامَانِ يَحْفَظَانِ
عَلَيَّ الدَّابَّةَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِمْ، فَسَمِعْتُ رَدَّ
السَّلَامِ، وَقَالُوا: واللَّه إِنَّا نَعْرِفُكُمْ كَمَا يَعْرِفُ
بَعْضُنَا بَعْضًا، قَالَتْ: فَاقْشَعْرَرْتُ [ (26) ] وَقُلْتُ: يَا
غُلَامُ! أَدْنِنِي بَغْلَتِي [ (27) ] ، فَرَكِبْتُ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ
__________
[ (21) ] هكذا في صحيح البخاري، وفي المخطوطات: «إلى» .
[ (22) ] ليست في (ب) .
[ (23) ] الْبُخَارِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ عن الليث في: 81- كتاب
الرقاق، (53) باب في الحوض، الحديث (6590) ، فتح الباري (11: 465) .
[ (24) ] في (ب) : «حدثني» .
[ (25) ] رسمت في (أ) و (ب) «الأعلا» .
[ (26) ] في «البداية والنهاية» : «فَاقْشَعَرَّتْ كُلُّ شَعْرَةٍ مِنِّي»
.
[ (27) ] في (ب) : «بغلي» .
(3/307)
الْبَرْدَعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّه بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (28) ]
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (29) ] الْحَكَمُ بْنُ
نَافِعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي
خَالَتِي، قَالَتْ: رَكِبْتُ يَوْمًا إِلَى قُبُورِ الشُّهَدَاءِ وَكَانَتْ
لَا تَزَالُ تَأْتِيهِمْ، قَالَتْ: فَنَزَلْتُ عِنْدَ قَبْرِ حَمْزَةَ
فَصَلَّيْتُ مَا شَاءَ اللَّه أَنْ أُصَلِّيَ وَمَا فِي الْوَادِي دَاعٍ
وَلَا مُجِيبٌ، إِلَّا غُلَامٌ قَائِمٌ آخِذٌ بِرَأْسِ دَابَّتِي، فَلَمَّا
فَرَغْتُ مِنْ صَلَاتِي، قُلْتُ هَكَذَا بِيَدِي: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ،
فَسَمِعْتُ رَدَّ السَّلَامِ عَلَيَّ يَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ الْأَرْضِ،
أَعْرِفُهُ كَمَا أَعْرِفُ أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَنِي، وَكَمَا
أَعْرِفُ اللَّيْلَ مِنَ النَّهَارِ، فَاقْشَعَرَّتْ كُلُّ شَعْرَةٍ مِنِّي
[ (30) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عَبْدِ اللَّه: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ ابن بُطَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ،
قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزُورُهُمْ فِي كُلِّ حَوْلٍ، وَإِذَا
تَفَوَّهَ الشِّعْبَ [ (31) ] رَفَعَ صَوْتَهُ، فَيَقُولُ: سَلَامٌ
عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ، ثُمَّ أَبُو
بَكْرٍ كُلَّ حَوْلٍ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ، ثُمَّ عُثْمَانُ، وَكَانَتْ فَاطِمَةُ بنت رسول اللَّه صلى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأْتِيهِمْ فَتَكُنُّ عِنْدَهُمْ وَتَدْعُو
وَكَانَ سعد ابن أَبِي وَقَّاصٍ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يُقْبِلُ
عَلَى أَصْحَابِهِ، فَيَقُولُ: أَلَا تُسَلِّمُونَ عَلَى قَوْمٍ يَرُدُّونَ
عَلَيْكُمُ السَّلَامَ [ (32) ] .
وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يَزُورُ تِلْكَ الْقُبُورَ، وَذُكِرَ
ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَعَبْدُ اللَّه بْنُ عمر، وأبي هريرة
[ (33) ] .
__________
[ (28) ] في (ب) : حدثني.
[ (29) ] في (ب) : حدثني.
[ (30) ] الخبر نقله الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» . (4: 45) .
[ (31) ] (تفوّه الشعب) دخل في أول الشعب.
[ (32) ] مغازي الواقدي (1: 313) .
[ (33) ] الخبر في المغازي للواقدي (1: 313- 314) .
(3/308)
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَكَانَتْ فَاطِمَةُ
الْخُزَاعِيَّةُ تَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي وقد غابت الشمس بقبول
الشُّهَدَاءِ وَمَعِي أُخْتٌ لِي، فَقُلْتُ لَهَا: تَعَالَيْ نُسَلِّمْ
عَلَى قَبْرِ حَمْزَةَ، فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَوَقَفْنَا عَلَى قَبْرِهِ
فَقُلْنَا [ (34) ] : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا عَمَّ رَسُولِ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعْنَا كَلَامًا رَدَّ عَلَيْنَا:
وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّه، قَالَتْ: وَمَا قُرْبَنَا
أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ [ (35) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الحافظ، وأبو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو،
قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه
الصَّفَّارُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ
قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَعْفَرِ
بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَزُورُ قَبْرَ عَمِّهَا حَمْزَةَ فِي
الْأَيَّامِ فَتُصَلِّي، وَتَبْكِي عِنْدَهُ [ (36) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا
يَعْلَى: حَمْزَةَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْعَلَوِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ هَاشِمَ
بْنَ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيَّ مِنْ وَلَدِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ يَقُولُ:
أَخَذَنِي أَبِي بِالْمَدِينَةِ إِلَى زِيَارَةِ قُبُورِ الشُّهَدَاءِ فِي
يَوْمِ جُمُعَةٍ بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالشَّمْسِ وَكُنْتُ أَمْشِي
خَلْفَهُ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الْمَقَابِرِ رَفَعَ صَوْتَهُ، فَقَالَ:
سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ، قَالَ:
فَأُجِيبَ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّه، قَالَ:
فَالْتَفَتَ أَبِي إِلَيَّ، فَقَالَ: أَنْتَ الْمُجِيبُ يَا بُنَيَّ؟
فَقُلْتُ: لَا، قَالَ:
فَأَخَذَ بِيَدِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ أَعَادَ السَّلَامَ
عَلَيْهِمْ، ثُمَّ جَعَلَ كُلَّمَا سَلَّمَ عَلَيْهِمْ يُرَدُّ عَلَيْهِ،
حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَ: فَخَرَّ أَبِي سَاجِدًا
شُكْرًا للَّه عَزَّ وَجَلَّ.
__________
[ (34) ] فِي الأصول: «فقلت» وما أثبتناه من مغازي الواقدي.
[ (35) ] الخبر في مغازي الواقدي (1: 314) .
[ (36) ] نقل بعضه ابن كثير في التاريخ (4: 45) .
(3/309)
بَابُ قَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ
الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا
اسْتَزَلَّهُمُ، الشَّيْطانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ
عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ [ (1) ] .
أخبرنا أبو عبد اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه
الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ
الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، عَنْ شُيُوخِهِ، قَالُوا:
لَمَّا [ (2) ] صَاحَ إِبْلِيسُ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ تَفَرَّقَ
النَّاسُ، فَمِنْهُمْ مَنْ وَرَدَ الْمَدِينَةَ حَتَّى دَخَلُوا عَلَى
نِسَائِهِمْ، وَجَعَلَ النِّسَاءُ يَقُلْنَ عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفِرُّونَ؟ قَالَ: وَكَانَ مِمَّنْ وَلَّى
فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ [ (3) ] ، وَالْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ، وَسَوَّادُ
بْنُ غَزِيَّةَ، وَسَعْدُ بْنُ عُثْمَانَ، وَعُقْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ،
وَخَارِجَةُ بْنُ عَامِرٍ بَلَغَ مَلَلَ [ (4) ] ، وَأَوْسُ بْنُ قَيْظِيٍّ
فِي نَفَرٍ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ بَلَغُوا الشّقرة [ (5) ] ،
__________
[ (1) ] الآية (155) من سورة آل عمران.
[ (2) ] في (ب) : «ولما» .
[ (3) ] ذكر البلاذري عن الواقدي: «عثمان» . انساب الأشراف. (1: 326) .
[ (4) ] (ملل) : موضع في طريق مكة بين الحرمين، وقال ابن السكيت: «هو منزل
على طريق المدينة إلى مكة عن ثمانية وعشرين ميلا من المدينة» وجاء في (أ) و
(ب) : «مالك» .
[ (5) ] الشقرة: موضع بطريق فيد بين جبال حمر، على نحو ثمانية عشر ميلا من
النخيل،، ويومين من المدينة.
(3/310)
فَلَقِيَتْهُمْ أُمُّ أَيْمَنَ تَحْثِي فِي
وُجُوهِهِمُ التُّرَابَ، وَتَقُولُ لِبَعْضِهِمْ: هَاكَ الْمِغْزَلُ
فَاغْزِلْ [ (6) ] بِهِ، وَهَلُمَّ سَيْفَكَ [ (7) ] .
أَخْبَرَنَا عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْكَعْبِيُّ، وَأَبُو الْحَسَنِ
الطَّرَائِفِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا بُكَيْرُ بْنُ
مَعْرُوفٍ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ فِي يَوْمِ أُحُدٍ وَتَوَلِّي
مَنْ تَوَلَّى مُدْبِرًا، قَالَ: فَلَمَّا أَنْ أَتَاهُمُ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ جَعَلَنَا
اللهُ فِدَاكَ، أَتَانَا الْخَبَرُ: أَنَّكَ قُتِلْتَ، فَرُعِبَتْ
قُلُوبُنَا، فَوَلَّيْنَا مُدْبِرِينَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ ابن أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ
قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ
الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، وَشَيْبَانُ، عَنْ
عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ
قَالَ لِرَجُلٍ: أَمَّا قَوْلُكَ الَّذِي سَأَلْتَنِي عَنْهُ: أَشَهِدَ
عُثْمَانُ بَدْرًا؟
فَإِنَّهُ شُغِلَ بِابْنَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِسَهْمِهِ، وَأَمَّا بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ، وَلَوْ كَانَ
أَحَدٌ أَوْثَقَ فِي نَفْسِهِ مِنْ عُثْمَانَ لَبَعَثَهُ، وَكَانَتِ
الْبَيْعَةُ وَعُثْمَانُ غَائِبٌ،
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَدِي هَذِهِ
لِعُثْمَانَ، فَضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى،
وَأَمَّا تَوَلِّيهِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَأَشْهَدُ أَنَّ اللهَ
عز وجل قَدْ عَفَا عَنْهُ: اذْهَبْ بِهَذَا مَعَكَ [ (8) ] .
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ،
عَنْ أَبِي عوانة [ (9) ] .
__________
[ (6) ] في الأصول المخطوطة «اغزل» واثبت ما في مغازي الواقدي.
[ (7) ] الخبر في مغازي الواقدي (1: 277- 278) .
[ (8) ] في الصحيح: «اذهب بها الآن مَعَكَ» .
[ (9) ] أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي: 62- كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ
(7) باب مناقب عثمان بن عفان، الحديث (3698) ، فتح الباري (7: 54) . وأخرجه
مفرقا في: 57- كتاب فرض الخمس (14) باب إذا بعث الإمام رسولا في حاجة، فتح
الباري (6: 235) ، وفي المغازي عن عبدان، وأخرجه الترمذي في المناقب عن
صَالِحُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الترمذي، عن ابي عوانة، وقال: «حسن صحيح» .
(3/311)
|