دلائل
النبوة للبيهقي محققا بَابُ غَزْوَةِ بَنِي النَّضِيرِ
وَإِخْبَارِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا أَرَادَ بِهِ بَنُو النَّضِيرِ مِنَ الْمَكْرِ
وَكَانَ الزُّهْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّه يَذْهَبُ إِلَى أَنَّهَا كَانَتْ
قَبْلَ أُحُدٍ وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهَا كَانَتْ بَعْدَهُ وَبَعْدَ
بِئْرِ مَعُونَةَ وَقَدْ مَضَتِ الْأَخْبَارُ فِي ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ
[ (1) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ
بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَنِي النَّضِيرِ يَسْتَعِينُهُمْ
فِي ذَيْنِكَ الْقَتِيلَيْنِ [ (2) ] مِنْ بَنِي عَامِرٍ الذين قَتَلَهُمَا
عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ فِيمَا حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ
رُومَانَ، وَكَانَ بَيْنَ بَنِي النَّضِيرِ وَبَنِي عَامِرٍ عَقْدٌ
وَحِلْفٌ فَلَمَّا أَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَسْتَعِينُهُمْ فِي الدِّيَةِ، قَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا
الْقَاسِمِ نُعِينُكَ عَلَى مَا أَحْبَبْتَ [مِمَّا اسْتَعَنْتَ بِنَا
عَلَيْهِ] [ (3) ] ، ثُمَّ خَلَا بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فَقَالُوا: إِنَّكُمْ
لَنْ تَجِدُوا الرَّجُلَ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ هَذِهِ وَرَسُولُ اللَّه
صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ إِلَى جَانِبِ جِدَارٍ مِنْ بُيُوتِهِمْ
قَاعِدٌ، فَقَالُوا: مَنْ رَجُلٌ يَعْلُو عَلَى هَذَا الْبَيْتِ فَيُلْقِيَ
عَلَيْهِ صَخْرَةً فَيَقْتُلَهُ بِهَا فَيُرِيحَنَا مِنْهُ، فَانْتُدِبَ
لِذَلِكَ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ جَحَّاشِ [ (4) ] بْنِ كَعْبٍ فَقَالَ:
أَنَا لِذَلِكَ، فَصَعِدَ لِيُلْقِيَ عَلَيْهِ صَخْرَةً كما
__________
[ (1) ] تقدمت غزوة بني النضير في هذا الجزء، بعد معركة بدر الكبرى، وسبق
أن ذكرنا بعض مصادرها ثمّ.
[ (2) ] في (ص) : «القتلين» زلة من الناسخ.
[ (3) ] الزيادة من ابن هشام.
[ (4) ] الزرقاني (2: 93) .
(3/354)
قَالَ وَرَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ [فِيهِمْ] : أَبُو بَكْرٍ،
وَعُمَرُ، وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ. فَأَتَاهُ الْخَبَرُ مِنَ
السَّمَاءِ بِمَا أَرَادَ الْقَوْمُ فَقَامَ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: لَا
تَبْرَحُوا، فَخَرَجَ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ.
فَلَمَّا اسْتَبْطَأَ [ (5) ] النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَصْحَابُهُ قَامُوا فِي طَلَبِهِ، فَلَقُوا رَجُلًا مُقْبِلًا مِنَ
الْمَدِينَةِ فَسَأَلُوهُ عَنْهُ فَقَالَ رَأَيْتُهُ دَاخِلًا
الْمَدِينَةَ، فَأَقْبَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ بِمَا
أَرَادَتْ يَهُودُ مِنَ الْغَدْرِ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَرْبِهِمْ وَالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ، فَسَارَ
بِالنَّاسِ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فَتَحَصَّنُوا مِنْهُ فِي الْحُصُونِ،
وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ بِقَطْعِ النَّخْلِ
وَالتَّحْرِيقِ فِيهَا، فَنَادَوْهُ: يَا مُحَمَّدُ قَدْ كُنْتَ تَنْهَى
عَنِ الْفَسَادِ وَتَعِيبُهُ عَلَى مَنْ صَنَعَهُ فَمَا بَالُكَ تَقْطَعُ
النَّخْلَ وَتُحَرِّقَهُ [ (6) ] .
وعَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا [ (7) ] عَبْدُ اللَّه بْنُ أَبِي
بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو ابن حَزْمٍ، قَالَ: لَمَّا تَحَصَّنَ
بَنُو النَّضِيرِ مِنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ أَمَرَ
بِقَطْعِ نَخْلِهِمْ وَتَحْرِيقِهِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا
كُنْتَ تَرْضَى الْفَسَادَ، فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ
أَنَّهُ لَيْسَ بِفَسَادٍ قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ
لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ
وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ [ (8) ] وَلَيْسَ بِفَسَادٍ.
وَعَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا [ (9) ] أَبُو سَعْدٍ
شُرَحْبِيلُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: واللَّه رَأَيْتُ بَعْضَ نَخْلِ بَنِي
النَّضِيرِ وَإِنَّ الْحَرِيقَ لَفِيهِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ [عُمَرُ] [ (10) ] بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ
عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ: أخبرنا
__________
[ (5) ] في السيرة: «استلبث» .
[ (6) ] (3: 143) من سيرة ابن هشام.
[ (7) ] (ح) : «حدثني» .
[ (8) ] الآية الكريمة (5) من سورة الحشر.
[ (9) ] (ح) : «حدثني» .
[ (10) ] سقطت من (ح) .
(3/355)
أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْفَضْلِ
بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ الْخُزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابراهيم ابن
هاشم الْبَغَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
أَسْمَاءَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمِّي [ (11) ] جُوَيْرِيَةُ بْنُ
أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ أَحْرَقَ [ (12) ] نَخْلَ بَنِي
النَّضِيرِ، [وَقَطَعَ وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ] [ (13) ] ، وَلَهَا يَقُولُ
حسّان.
وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ ... حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ
مُسْتَطِيرُ [ (14) ]
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ [ (15)
] ، عَنْ حَبَّانَ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ، وَزَادَ فِيهِ:
فَأَجَابَهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ [ (16) ] :
أَدَامَ اللَّه ذَلِكَ مِنْ صَنِيعٍ ... وَحَرَّقَ فِي نَوَاحِيهَا
السَّعِيرُ [ (17) ]
سَتَعْلَمُ أَيُّنَا مِنْهُ بِنُزْهٍ ... وَتَعْلَمُ أَيُّ أَرْضَيْنَا
تضير [ (18) ]
__________
[ (11) ] في (أ) : «حدثنا عمي: ابن جويرية بن أسماء» ، وفي (ص) : «حدثنا
عمي: جرير بن أسماء» وكلاهما تحريف.
[ (12) ] في الصحيح: «حرّق» .
[ (13) ] «ليست في الصحيح» ، وثابتة في الرواية التالية للحديث عَنِ
اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ.
[ (14) ] سراة القوم: سادتهم، بني لؤي: المراد بهم: صناديد قريش، وقال
الكرماني: أي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأقاربه، وفي التوضيح: لأن
قريشا هم الذين حملوا كعب بن أسد القرظي صَاحِبَ عَقْدِ بَنِي قُرَيْظَةَ
على نقض العهد بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حَتَّى خرج معهم إلى الخندق. ومستطير: أي منتشر.
[ (15) ] البخاري عن إسحاق، عَنْ حَبَّانَ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ
نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عمر، في: 64- كتاب المغازي، (14) باب حديث بني النضير،
فتح الباري (7: 329) .
[ (16) ] هو أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ المطلب وهو ابن
عَمَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم، وكان حينئذ لم يسلم وقد أسلم
بعد في الفتح وثبت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم بحنين.
[ (17) ] قوله: «أدام اللَّه» ... كيف قال أدام اللَّه ذلك أي تحريق
المسلمين أرض الكافرين، وهو كان من الكفار؟ إن غرضه: أدام اللَّه تحريق تلك
الأرض بحيث يتصل بنواحيها وهي المدينة وسائر مواضع أهل الإسلام فيكون دعاء
عليهم لا لهم.
[ (18) ] أي أرضينا: أي المدينة التي هي دار الإيمان، ومكة التي بها
الكفار.
(3/356)
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه
الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ يَعْقُوبَ [قَالَ]
: [ (19) ] أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ قَالَ: حَدَّثَنَا [
(20) ] أَبُو الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ
حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ، وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ: فَذَكَرَ
الْبَيْتَ وَالَجوَابَ، وَقَالَ: هَانَ، وَلَمْ يَقُلْ: وَهَانَ.
أخبرنا أبو عبد اللَّه الْحَافِظُ، وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي حَامِدٍ
الْمُقْرِئُ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، وَأَبُو
صَادِقٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَطَّارُ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّه بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ
قَالَ: أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّه بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ، وَهِيَ
الْبُوَيْرَةُ، فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ
لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ
وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ [ (21) ] .
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ [ (22) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ
الْعَلَوِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ الشَّرْقِيِّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الزُّهْرِيُّ، قال: حدثنا الهيثم ابن
جَمِيلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّه، عَنْ
نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ وَلَهَا يقول حسان.
__________
[ (19) ] ليست في (ح) .
[ (20) ] (ح) : «حدثني» .
[ (21) ] الآية (5) من سورة الحشر، وقد جاءت في (ص) : «وليخزي المنافقين»
وهو خطأ من الناسخ.
[ (22) ] عن قتيبة أخرجه البخاري في كتاب التفسير، تفسير سورة الحشر، ومسلم
في: 32- كتاب الجهاد والسير، (10) باب جواز قطع أشجار الكفار وتحريقها،
الحديث (29) ، ص (1365) .
(3/357)
وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ*
حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ
الْهَيْثَمُ: كُنْتُ مَعَ زَائِدَةَ بِأَرْضِ الرُّومِ فَحَدَّثَنِي
بِهَذَا الْحَدِيثِ ثُمَّ أَمَرَنِي بِالْحَرِيقِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْعَلَوِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْأَزْهَرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُرَحْبِيلَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ يَهُودَ بَنِي النَّضِيرِ وَقُرَيْظَةَ حَارَبُوا
رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَجْلَى رَسُولُ
اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي النَّضِيرِ وَأَقَرَّ
قُرَيْظَةَ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ بَعْدَ ذَلِكَ،
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ كَمَا مَضَى.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ [ (23) ] .
أَخْبَرَنَا أبو عبد اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّه بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَعْنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ صَالِحٍ،
قَالَ:
حَدَّثَنَا بُكَيْرُ بْنُ مَعْرُوفٍ، عن مقاتل ابن حَيَّانَ [ (24) ] ،
قَوْلُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ:
يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ [ (25) ]
، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُقَاتِلُهُمْ، فَإِذَا ظَهَرَ عَلَى دَرْبٍ أَوْ دَارٍ، هَدَمَ
حِيطَانَهَا لِيَتَّسِعَ الْمَكَانُ لِلْقِتَالِ، وَكَانَتِ الْيَهُودُ
إِذَا غَلَبُوا عَلَى دَرْبٍ أَوْ دَارٍ نَقَبُوهَا مِنْ أَدْبَارِهَا
ثُمَّ حَصَّنُوهَا وَدَرَّبُوهَا، يَقُولُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ:
فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصارِ.
__________
[ (23) ] الحديث أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي، (14) باب حديث بني
النضير، فتح الباري (7: 329) ، وأخرجه مسلم في: 32- كتاب الجهاد والسير
(20) باب إجلاء اليهود من الحجاز، الحديث (62) ، ص (1387- 1388) .
[ (24) ] هو مقاتل بن حيان، أبو بسطام النبطي البلخي الخراز، كان مفسرا،
ومؤرخا، ومحدثا، عاش في خراسان، وهرب من مواجهة أبي مسلم الخراساني إلى
كابل، وتوفي حوالي سنة (150) وله ترجمة في «التاريخ الكبير» (4: 2: 13) ،
وتهذيب التهذيب (10: 277- 279) .
[ (25) ] [الآية 2- سورة الحشر] .
(3/358)
وَقَوْلُهُ: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ
إِلَى قَوْلِهِ: وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ [ (26) ] يَعْنِي بِاللِّينَةِ
النَّخْلَةَ وَهِيَ أَعْجَبُ إِلَى الْيَهُودِ مِنَ الْوَصِيفِ، يُقَالُ
لِثَمَرِهَا اللَّوْنُ، فَقَالَتِ الْيَهُودُ عِنْدَ قَطْعِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ نَخْلَهُمْ وَعَقْرِ شَجَرِهِمْ: يَا
مُحَمَّدُ زَعَمَتْ أَنَّكَ تُرِيدُ الْإِصْلَاحَ أفيمن الْإِصْلَاحِ
عَقْرُ الشَّجَرِ وَقَطْعُ النَّخْلِ وَالْفَسَادُ؟ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَجَدَ الْمُسْلِمُونَ
مِنْ قَوْلِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ مِنْ قَطْعِهِمُ النَّخْلَ خَشْيَةَ أَنْ
يَكُونَ فَسَادًا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَا تَقْطَعُوا فَإِنَّهُ
مِمَّا أَفَاءَ اللَّه عَلَيْنَا، فَقَالَ الَّذِينَ يَقْطَعُونَهَا
نُغِيظُهُمْ بِقَطْعِهَا، فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: مَا قَطَعْتُمْ
مِنْ لِينَةٍ يَعْنِي النَّخْلَ فَبِإِذْنِ اللَّه وَمَا تَرَكْتُمْ
قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّه، فَطَابَتْ نَفْسِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْفُسُ المؤمنين، وليخزي الفاسقين
يَعْنِي أَهْلَ النَّضِيرِ، فَكَانَ قَطْعُ النَّخْلِ وَعَقْرُ الشَّجَرِ
خِزْيًا لَهُمْ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْعَوْفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا [ (27) ]
أَبِي، عَنْ عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم قَدْ
حَاصَرَهُمْ حَتَّى بَلَغَ مِنْهُمْ كُلَّ مَبْلَغٍ، فَأَعْطَوْهُ مَا
أَرَادَ مِنْهُمْ فَصَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يحقن لهم دماؤهم وأن يخرجهم من
أرضيهم وَأَوْطَانِهِمْ وَأَنْ يُسَيِّرَهُمْ إِلَى أَذْرِعَاتِ الشَّامِ،
وَجَعَلَ لِكُلِّ ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ بَعِيرًا وَسِقَاءً، والجلاء: إخراجهم
من أرضيهم إِلَى أَرْضٍ أُخْرَى.
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
مَنْصُورٍ النَّصْرَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ،
عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ
عَبَّاسٍ: سُورَةُ الْحَشْرِ؟ قَالَ:
أُنْزِلَتْ فِي بَنِي النَّضِيرِ. (سورة الحشر)
__________
[ (26) ] [الآية 5- سورة الحشر] .
[ (27) ] في (ح) : «حدثني» .
(3/359)
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ
مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ هُشَيْمٍ [ (28) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ
إِسْحَاقَ الْبَزَّازُ بِبَغْدَادَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ
عَبْدُ اللَّه بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْفَاكِهِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ
بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ: إِنَّ النبي صلى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ إِلَى بَنِي النَّضِيرِ، وَأَمَرَهُ
أَنْ يُؤَجِّلَهُمْ فِي الْجَلَاءِ ثَلَاثَ ليال [ (29) ] .
__________
[ (28) ] جزء من حديث أخرجه البخاري في: 65- كتاب التفسير، (59) سورة الحشر
(1) باب، / الحديث (4882) : ثم أعاده بعده مختصرا، فتح الباري (8: 628-
629) .
[ (29) ]
الخبر ذكره الواقدي مفصلا (1: 366- 367) ، واختصره الصالحي في السيرة
الشامية (4:
455) وجاء فيه: لمّا جاء محمد بن مسلمة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
قال: اذهب إلى يهود بني النضير فقل لَهُمْ: أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَرْسِلْنِي إليكم أن اخرجوا من بلدي.
فلما جاءهم قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَرْسِلْنِي إليكم برسالة، ولست أذكرها لكم حتى أعرّفكم بشيء تعرفونه في
مجلسكم، فَقَالُوا: مَا هُوَ؟
قَالَ: أنشدكم بالتوراة، التي أَنْزَلَ اللَّه عَلَى مُوسَى: هل تعلمون أني
جئتكم قبل أن يبعث محمد وبينكم التوراة فقلتم لي في مجلسكم هذا: يا بن
مسلمة إن شئت أن نغدّيك غدّيناك، وإن شئت أن نهوّدك هوّدناك، فقلت لكم: بل
غدّوني ولا تهوّدوني، فإني واللَّه لا أتهوّد أبدا، فغدّيتموني في صحفة
لكم، وقلتم لي: ما يمنعك من ديننا إلا أنه دين يهود، كأنك تريد الحنيفية
التي سمعت بها. أما إنّ أبا عامر الراهب ليس بصاحبها، أتاكم صاحبها الضّحوك
القتّال في عينيه حمرة، ويأتي من قبل اليمن، يركب البعير، ويلبس الشّملة،
ويجتزئ بالكسرة، وسيفه على عاتقه، ينطق بالحكمة كأنه وشيجتكم هذه، واللَّه
ليكوننّ في قريتكم هذه سلب، وقتل، ومثل، قالوا: اللهم نعم، قد قلنا ذلك
وليس به. قال: قال فرغت، إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أرسلني إليكم
يقول لكم: إنكم قد نقضتم العهد الذي جعلت لكم، بما هممتم به من الغدر بي.
وأخبرهم بما كنزوا همّوا به وظهور عمرو بن جحّاش على البيت ليطرح الصخرة،
فأسكتوا، فلم يقولوا حرفا. ويقول: اخرجوا من بلدي وقد أجّلتكم عشرا، فمن
رؤي بعد ذلك ضربت عنقه، قالوا: يا محمد، ما كنا نرى أن يأتي بهذا رجل من
الأوس.
قال محمد بن مسلمة: تغيّرت القلوب.
فمكثوا على ذلك أيّاما يتجهّزون، وأرسلوا إلى ظهرهم بذي الجدر يجلب لهم،
وتكاروا من ناس من أشجع [إبلا] وجدّوا في الجهاز.
(3/360)
بَابُ دَعْوَةِ عَمْرِو بْنِ سُعْدَى
الْيَهُودِيِّ إِلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ إِجْلَاءِ بَنِي النَّضِيرِ
وَاعْتِرَافِهِ وَاعْتِرَافِ مَنِ اعْتَرَفَ مِنَ الْيَهُودِ. بِوُجُودِ
صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ
الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، [الْوَاقِدِيُّ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا [
(1) ] إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا خَرَجَتْ
بَنُو النَّضِيرِ مِنَ الْمَدِينَةِ أَقْبَلَ عَمْرُو بْنُ سُعْدَى
فَأَطَافَ بِمَنَازِلِهِمْ، فَرَأَى خَرَابَهَا، وَفَكَرَ ثُمَّ رَجَعَ
إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَوَجَدَهُمْ فِي الْكَنِيسَةِ فَنَفَخَ [ (2) ]
فِي بُوقِهِمْ فَاجْتَمَعُوا فَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَاطَا: يَا أَبَا
سَعِيدٍ! أَيْنَ كُنْتَ مُنْذُ الْيَوْمِ لَمْ نَرَكَ؟
وَكَانَ لَا يُفَارِقُ الْكَنِيسَةَ وَكَانَ يَتَأَلَّهُ فِي
الْيَهُودِيَّةِ، قَالَ: رَأَيْتُ الْيَوْمَ عِبَرًا قَدْ عُبِّرْنَا بِهَا
[ (3) ] ، رَأَيْتُ [مَنَازِلَ] [ (4) ] إِخْوَانِنَا خَالِيَةً بَعْدَ
ذَلِكَ الْعِزِّ وَالْجَلَدِ وَالشَّرَفِ الْفَاضِلِ، وَالْعَقْلِ
الْبَارِعِ: قَدْ تَرَكُوا أَمْوَالَهُمْ، وَمَلَكَهَا غَيْرُهُمْ،
وَخَرَجُوا خُرُوجَ ذُلٍّ، وَلَا وَالتَّوْرَاةِ مَا سُلِّطَ هَذَا عَلَى
قَوْمٍ قَطُّ لِلَّهِ بِهِمْ حَاجَةٌ وَقَدْ أَوْقَعَ قَبْلَ ذَلِكَ
بِابْنِ الْأَشْرَفِ ذِي عِزِّهِمْ ثُمَّ بَيَّتَهُ فِي بَيْتِهِ آمِنًا،
وَأَوْقَعَ بِابْنِ سُنَيْنَةَ سَيِّدِهِمْ، وَأَوْقَعَ. بِبَنِي قينقاع
__________
[ (1) ] في (ح) : «حدثني» .
[ (2) ] في (أ) : «فينفخ» .
[ (3) ] في (أ) : «غيرا قد غيرنا بها» ، «وعبّرنا بها» يعني: اشتدّ علينا
أمرها.
[ (4) ] الزيادة من البداية والنهاية.
(3/361)
فَأَجْلَاهُمْ وَهُمْ [أَهْلُ] جَدِّ
يَهُودَ، كَانُوا أَهْلَ عِدَّةٍ وَسِلَاحٍ وَنَجْدَةٍ، فَحَصَرَهُمْ
فَلَمْ يُخْرِجْ إِنْسَانٌ مِنْهُمْ رَأْسَهُ حَتَّى سَبَاهُمْ فَكُلِّمَ
فِيهِمْ فَتَرَكَهُمْ عَلَى أَنْ أَجْلَاهُمْ مِنْ يَثْرِبَ، يَا قَوْمُ!
قَدْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ فَأَطِيعُونِي، وَتَعَالَوْا نَتَّبِعْ
مُحَمَّدًا فو الله إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ نَبِيُّ وَقَدْ
بَشَّرَنَا بِهِ، وَبِأَمْرِهِمْ: ابْنُ الْهَيِّبَانِ أَبُو عُمَيْرٍ،
وَابْنُ حِرَاشٍ وَهُمَا أَعْلَمُ يَهُودَ جَاءَا مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ
يَتَوَكَّفَانِ قدومه وأمرنا بِاتِّبَاعِهِ، وَأَمَرَانَا أَنْ نُقْرِئَهُ
مِنْهُمَا السَّلَامَ، ثُمَّ مَاتَا عَلَى دينهما ودفنّا هما بِحَرَّتِنَا
هَذِهِ.
فَأُسْكِتَ الْقَوْمُ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ مِنْهُمْ مُتَكَلِّمٌ، فَأَعَادَ
هَذَا الْكَلَامَ وَخَوَّفَهُمْ [ (5) ] بِالْحَرْبِ وَالسِّبَاءِ
وَالْجَلَاءِ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَاطَا: قَدْ وَالتَّوْرَاةِ
قَرَأْتُ صِفَتَهُ فِي كِتَابِ بَاطَا التَّوْرَاةِ الَّتِي أُنْزِلَتْ
عَلَى مُوسَى، لَيْسَ فِي الْمَثَانِي الَّذِي أَحْدَثْنَا، قَالَ:
فَقَالَ لَهُ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ: مَا يَمْنَعُكَ يَا أَبَا عَبْدِ
الرَّحْمَنِ مِنِ اتِّبَاعِهِ، قَالَ: أَنْتَ، قَالَ: كَعْبٌ: وَلِمَ
وَالتَّوْرَاةِ مَا حُلْتُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قَطُّ. قَالَ الزُّبَيْرُ:
أَنْتَ صَاحِبُ عَهْدِنَا وَعَقْدِنَا، فَإِنِ اتَّبَعْتَهُ اتَّبَعْنَاهُ،
وَإِنْ أَبَيْتَ أَبَيْنَا، فَأَقْبَلَ عَمْرُو بْنُ سُعْدَى عَلَى كَعْبٍ
فَذَكَرَ مَا تَقَاوَلَا فِي ذَلِكَ إِلَى أَنْ قَالَ كَعْبٌ: مَا عِنْدِي
فِي أَمْرِهِ إِلَّا مَا قُلْتَ مَا تَطِيبُ نَفْسِي أَنْ أَصِيرَ تابعا [
(6) ] .
__________
[ (5) ] (ص) و (أ) : «تخوّفهم» .
[ (6) ] الواقدي (403- 504) باختلاف يسير، وعن المصنف نقله الحافظ ابن كثير
في «البداية والنهاية» (4: 80- 81) ، وقال: «رواه البيهقي» ، وقد نقله أيضا
الصالحي في السيرة الشامية (4: 463- 465) ، وجاء بعدها ما يلي:
فَأَقْبَلَ عَمْرُو بْنُ سُعْدَى على كعب فقال: أما والتوراة الَّتِي
أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى يوم طور سينا إنه للعزّ والشّرف في الدنيا، وإنه
لعلى منهاج موسى، وينزل معه وأمته غدا في الجنة. قال كعب:
نقيم على عهدنا وعقدنا فلا يخفر لنا محمد ذمّة، وننظر ما يصنع حييّ، فقد
أخرج إخراج ذلّ وصغار، فلا أراه يقرّ حتى يغزو محمدا، فإن ظفر بمحمد فهو ما
أردنا، وأقمنا على ديننا وإن ظفر بحيى فَمَا فِي الْعَيْشِ خَيْرٌ،
وتحوّلنا من جواره.
قال عمرو بن سعدى: ولم نؤخّر الأمر وهو مقبل؟ قال كعب: ما على هذا فوق، متى
أردت
(3/362)
__________
[ () ] هذا من محمد أجابني إليه. قال عمرو، والتوراة، إن عليه لغوثا، إذا
سار إلينا محمد فتخبأنا في حصوننا هذه التي قد خدعتنا، فلا نفارق حصوننا
حتى ننزل على حكمه، فيضرب أعناقنا. قال كعب بن أسد: ما عندي في أمره إلا ما
قلت، ما تطيب نفسي أن أصير تابعا لقول هذا الإسرائيليّ، ولا يعرف فضل
النّبوّة ولا قدر الفعال. قال عمرو بن سعدى: بل لعمري ليعرفنّ ذلك.
فبينما هم على ذلك لم يرعهم إلا بمقدّمة النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم قد
حلّت بساحتهم، فقال: هذا الذي قلت لك. وذلك أنهم نقضوا عهد رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وحاربوه في وقعة الخندق، وأنزل الله سبحانه وتعالى غالب
سورة الحشر في شأنهم.
(3/363)
بَابُ غَزْوَةِ بَنِي لِحْيَانَ وَهِيَ
الْغَزْوَةُ الَّتِي صَلَّى فِيهَا صَلَاةَ الْخَوْفِ بِعُسْفَانَ حِينَ
أَتَاهُ الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ بِمَا هَمَّ بِهِ الْمُشْرِكُونَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ
سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمَّارٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: وَخَرَجَ فِي جُمَادَى الْأُولَى عَلَى
رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ صُلْحِ بَنِي قُرَيْظَةَ إِلَى بَنِي
لِحْيَانَ يَطْلُبُ بِأَصْحَابِ الرَّجِيعِ: خُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ،
وَأَظْهَرَ أَنَّهُ يُرِيدُ الشَّامَ لِيُصِيبَ مِنَ الْقَوْمِ غِرَّةً [
(1) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، [قَالَ] : [ (2) ] حَدَّثَنَا
أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ
بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ
ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (3) ] عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي
بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَغَيْرُهُ، قَالُوا:
لَمَّا أُصِيبَ خُبَيْبٌ وَأَصْحَابُهُ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله
عليه وَسَلَّمَ طَلَبًا بِدِمَائِهِمْ لِيُصِيبَ مِنْ بَنِي لِحْيَانَ
غِرَّةً فسلك طريق الشام وورّا عَلَى النَّاسِ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ بَنِي
لِحْيَانَ [لِيُصِيبَ مِنْهُمْ غِرَّةً حَتَّى نَزَلَ أَرْضَ بَنِي
لِحْيَانَ] [ (4) ] مِنْ هذيل،
__________
[ (1) ] الخبر في سيرة ابن هشام (3: 237) .
[ (2) ] ليست في (ح) .
[ (3) ] في (ح) : «حدثني» .
[ (4) ] الزيادة من (ح) .
(3/364)
فَوَجَدَهُمْ قَدْ حَذِرُوا، فَتَمَنَّعُوا
في رؤوس الْجِبَالِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَوْ أَنَّا هَبَطْنَا عُسْفَانَ لَرَأَتْ قُرَيْشٌ أَنَّهُ قَدْ
جِئْنَا مَكَّةَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي مِائَتَيْ رَاكِبٍ، حَتَّى نَزَلَ عُسْفَانَ، ثُمَّ بَعَثَ فَارِسَيْنِ
حَتَّى جَاءَا كُرَاعَ الْغَمِيمِ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَيْهِ، فَذَكَرَ
أَبُو عَيَّاشٍ الزُّرَقِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ صَلَّى بِعُسْفَانَ صَلَاةَ الْخَوْفِ [ (5) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ الْفَارِسِيُّ، قَالَا:
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ
بْنُ عَلِيٍّ الذُّهْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى،
قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي
عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عليه وسلم بِعُسْفَانَ وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ،
فَصَلَّيْنَا الظُّهْرَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: لَقَدْ كَانُوا عَلَى
حَالٍ لَوْ أَرَدْنَا لَأَصَبْنَا غِرَّةً [ (6) ] ، وَأُنْزِلَتْ آيَةُ
الْقَصْرِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَأَخَذَ النَّاسُ السِّلَاحَ
وَصَفُّوا
__________
[ (5) ] فائدة: ذكر بعض الفقهاء أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم
صلى صلاة الخوف في عشرة مواضع، والذي استقر عند أهل السّير، والمغازي،
أربعة مواضع: ذات الرقاع. وبطن نخل. وعسفان. وذي قرد، فحديث ذات الرقاع
أخرجه البخاري. ومسلم عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ
صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وفي لفظ للبخاري:
عمن صلى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ ذَاتِ
الرِّقَاعِ صَلَاةَ الْخَوْفِ، أَنَّ طَائِفَةً صفت معه الحديث، وحديث بطن
نخلة أخرجه النسائي عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ،
قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم بنخل، والعدو
بيننا، وبين القبلة، الحديث، وحديث عسفان أخرجه أبو داود. والنسائي عَنْ
مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي عياش الزرقي. زيد بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ:
كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم بِعُسْفَانَ، وَعَلَى
الْمُشْرِكِينَ خَالِدُ بن الوليد. الحديث، ورواه البيهقي في «المعرفة»
بلفظ: حدثنا أبو عياش، قال: وفي هذا تصريح بسماع مجاهد من أبي عياش، وحديث
ذي قرد أخرجه النسائي عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم صلى بذي قرد، الحديث
وروى الواقدي في «المغازي» حدثني ربيعة بن عثمان عن وهب بن كيسان عن جابر
بن عبد الله، قال: قال: أول ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة
الخوف، في غزوة ذات الرقاع، ثم صلاها بعد بعسفان بينهما أربع سنين، قال
الواقدي: وهذا عندنا أثبت من غيره، انتهى.
[ (6) ] في سنن أبي داود: «لقد أصبنا غرة، لقد أصبنا غفلة، لو كنا حملنا
عليهم وهم في الصلاة» .
(3/365)
خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفَّيْنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَالْمُشْرِكُونَ
مُسْتَقْبِلُوهُمْ، فَكَبَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَكَبَّرُوا جَمِيعًا، ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعُوا جَمِيعًا، ثُمَّ
رَفَعَ رَأْسَهُ وَرَفَعُوا جَمِيعًا، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ الصَّفُّ
الَّذِي يَلِيهِ، وَقَامَ الْآخَرُونَ يَحْرُسُونَهُمْ، فَلَمَّا فَرَغَ
هَؤُلَاءِ مِنْ سُجُودِهِمْ سَجَدَ هَؤُلَاءِ ثُمَّ نَكَصَ الصَّفُّ
الَّذِي يَلِيهِ وَتَقَدَّمَ الْآخَرُونَ، فَقَامُوا فِي مَقَامِهِمْ،
فَرَكَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكَعُوا مَعَهُ
جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَرَفَعُوا جَمِيعًا، ثُمَّ سَجَدَ
وَسَجَدَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، وَقَامَ الْآخَرُونَ يَحْرُسُونَهُمْ
فَلَمَّا فَرَغَ هَؤُلَاءِ مِنْ سُجُودِهِمْ سَجَدَ هَؤُلَاءِ الْآخَرُونَ
ثُمَّ اسْتَوَوْا مَعَهُ قُعُودًا جَمِيعًا، ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ
جَمِيعًا فَصَلَّاهَا بِعُسْفَانَ، وَصَلَّاهَا يَوْمَ بَنِي سُلَيْمٍ [
(7) ] .
وَهَذِهِ الصِّفَةُ أَخْرَجَهَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فِي الصَّحِيحِ
مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ [
(8) ] ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الْمَوْضِعَ الَّذِي صَلَّاهَا بِهِ،
وَلَا قَوْلَ أَبِي عَيَّاشٍ: وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ خَالِدُ بْنُ
الْوَلِيدِ، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَغَازِي أَنَّ غَزْوَةَ بَنِي
لِحْيَانَ كَانَتْ بَعْدَ قُرَيْظَةَ.
وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ [ (9) ] بِإِسْنَادِهِ عَنْ خَالِدِ بْنِ
الْوَلِيدِ فِي قِصَّةِ إِسْلَامِهِ، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ خَرَجْتُ فِي خَيْلِ
الْمُشْرِكِينَ، فَلَقِيتُ رَسُولَ الله صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ فِي
أَصْحَابِهِ بِعُسْفَانَ، فَقُمْتُ بِإِزَائِهِ وَتَعَرَّضْتُ لَهُ
فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ الظُّهْرَ أَمَامَنَا فَهَمَمْنَا أَنْ نُغِيرَ
عَلَيْهِ، ثُمَّ لَمْ يُعْزَمْ لَنَا فَاطَّلَعَ على ما في أنفسنا من الهمّ
[ (10) ]
__________
[ (7) ] أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، صلاة الخوف، الحديث (1236) ، صفحة
(2: 11) عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ
الْحَمِيدِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ
الزُّرَقِيِّ.
[ (8) ] صفة صلاة الخوف في صحيح مسلم، في: 6- كتاب صلاة المسافرين، (57)
باب صلاة الخوف، الحديث (307) ، ص (574) .
[ (9) ] في المغازي صفحة (746) باختلاف يسير.
[ (10) ] في المغازي: «الهموم» .
(3/366)
بِهِ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ
الْعَصْرِ صَلَاةَ الْخَوْفِ.
وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ-
رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ
الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ
الظُّهْرَ بِنَخْلٍ فَهَمَّ بِهِمُ الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ قَالُوا:
دَعُوهُمْ فَإِنَّ لَهُمْ صَلَاةً بَعْدَهَا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ
أَبْنَائِهِمْ، قَالَ: فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ الْعَصْرَ
وَصَفَّهُمْ صَفَّيْنِ: رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ
أَيْدِيهِمْ وَالْعَدُوُّ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَبَّرُوا جَمِيعًا وَرَكَعُوا جَمِيعًا، ثُمَّ
سَجَدَ الَّذِينَ يَلُونَهُ وَالْآخَرُونَ قيام، فلما رفعوا رؤوسهم سَجَدَ
الْآخَرُونَ ثُمَّ تَقَدَّمَ هَؤُلَاءِ [وَتَأَخَّرَ هَؤُلَاءِ] [ (11) ]
فَكَبَّرُوا جَمِيعًا وَرَكَعُوا جَمِيعًا، ثُمَّ سَجَدَ [ (12) ]
الَّذِينَ يَلُونَهُمْ وَالْآخَرُونَ قيام، فلما رفعوا رؤوسهم سَجَدَ
الْآخَرُونَ.
اسْتَشْهَدَ الْبُخَارِيُّ بِرِوَايَةِ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ [ (13) ]
، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي خَيْثَمَةَ زُهَيْرِ بْنِ
مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ [ (14) ] إِلَّا أَنَّهُ
قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَوْمًا مِنْ
جُهَيْنَةَ، فَقَاتَلُونَا قِتَالًا شَدِيدًا فَلَمَّا صَلَّيْنَا
الظُّهْرَ قَالَ الْمُشْرِكُونَ لَوْ مِلْنَا عَلَيْهِمْ مَيْلَةً
لَاقْتَطَعْنَاهُمْ فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَسُولَ الله
صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، وَذَكَرَ ذَلِكَ لَنَا رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَقَالُوا إِنَّهُ
سَتَأْتِيهِمْ صَلَاةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنَ الْأَوْلَادِ فَذَكَرَ
الْحَدِيثَ [ (15) ] .
__________
[ (11) ] ليست في (ح) .
[ (12) ] في (أ) : «قعد» .
[ (13) ] وأخرجه تعليقا. فتح الباري (7: 436) .
[ (14) ] في: 6- كتاب المساجد (57) باب صلاة الخوف، الحديث (308) ، ص (575)
.
[ (15) ] وتتمة الحديث: «فلمّا حضرت العصر، قال: صفّنا صفّين، والمشركون
بيننا وبين القبلة، قال: فَكَبَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم
وكبّرنا، وركع فركعنا، ثم سجد وسجد معه الصّفّ الأول، فلما قاموا سجد الصف
الثاني، ثم تأخر الصف الأول، وتقدم الصف الثاني فقاموا مقام الأول، فكبّر
(3/367)
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ
الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ فَذَكَرَهُ.
وَقَوْلُ مَنْ قَالَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ بِنَخْلٍ يُوهِمْ
أَنَّهَا وَغَزْوَةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَاحِدَةٌ، وَمِنْهَا خَرَجَ إِلَى
عُسْفَانَ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَاخْتِلَافُ
الرِّوَايَاتِ فِي كَيْفِيَّةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ بِهَا لِاخْتِلَافِ
الْأَحْوَالِ بِهِ فِي صَلَاتِهِ وَاللهُ أَعْلَمُ كَيْفَ كَانَ ذَلِكَ،
وَالْمَقْصُودُ مَعْرِفَةُ كَيْفَيَّةِ صَلَوَاتِهِ وَمَا ظَهَرَتْ
دَلَالَةُ النُّبُوَّةِ بِإِعْلَامِ اللهِ إِيَّاهُ مَا هَمَّ بِهِ
الْمُشْرِكُونَ فِي صَلَاتِهِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ.
وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ بَعْدَ هَذَا غَزْوَةَ ذِي
قَرَدٍ حِينَ أَغَارَتْ بَنُو فَزَارَةَ عَلَى لِقَاحِ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالَّذِي لَا يُشَكُّ فِيهِ أَنَّهَا
كَانَتْ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ وَحَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ
يَنْطِقُ بِذَلِكَ فَأَخَّرْنَا ذِكْرَهَا وبالله التوفيق.
__________
[ () ] رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبّرنا، وركع فركعنا، ثم سجد معه
الصف الأول وقام الثاني، فلما سجد الصف الثاني- ثم جلسوا جميعا- سلّم
عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
(3/368)
|