دلائل
النبوة للبيهقي محققا بَابُ سَرِيَّةِ [ (1) ] أَبِي سَلَمَةَ [
(2) ] ابن عَبْدِ الْأَسَدِ إِلَى قَطَنٍ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو
عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ:
__________
[ (1) ] بعد ان خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِلَى حمراء الأسد غداة يوم أحد يطارد العدوّ ويطلبه، وظل يوقد النار طيلة
الليل ثلاثة ايام متتابعة، ليدلّ قريشا على أنه على عزمه وأنه منتظر
رجعتهم، وزعزع هذا همة ابي سفيان وقريش، فآثروا ان يعودا ادراجهم ميممين
مكة، ورجع محمد صلّى اللَّه عليه وسلم الى المدينة، وقد استردّ كثيرا من
مكانة تزعزعت على أثر أحد.
واستمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم على هذه السياسة، فلما بلغه- بعد شهرين
من أحد- أن طليحة وسلمة ابني خويلد، وكانا على رأس بني اسد، يحرّضان قومهما
ومن أطاعهما يريدان مهاجمة المدينة، والسير الى محمد صلّى اللَّه عليه وسلم
في عقر دار ليصيبوا من أطرافه، وليغنموا من نعم المسلمين التي ترعى الزروع
المحيطة بمدينتهم، وإنما شجعهم على ذلك اعتقادهم ان محمدا وأصحابه لا
يزالون مضعضعين من اثر احد، فما لبث النبي حين اتصل به الخبر ان دعا اليه
أبا سلمة بن عبد الأسد، وعقد له لواء سرية تبلغ عدتها مائة وخمسين منهم:
أبو عبيدة بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وأسيد بن حضير، وأمرهم بالسير ليلا
والاستخفاء نهارا، وسلوك طريق غير مطروق، حتى لا يطّلع احد على خبرهم،
فيفجئوا العدو بالإغارة عليه على غرة منه، ونفذ أبو سلمة ما أمر به، وأحاط
بهم في عماية الصبح، فلم يستطع المشركون ان يثبتوا لهم، وانتصر المسلمون
وغنموا كما وجه الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم بعد ذلك سرية عبد الله بن
أنيس، يستطلع جلية خبر خالد بن سفيان الهذلي الذي جمع الناس وسار بهم الى
المسلمين، وقد انتهى امر خالد بأن قتله أنيس، ومن ثم هدأت بنو لحيان بعد
موت زعيمها.
[ (2) ] هو أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال، السيد الكبير أخو رسول
الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة،
(3/319)
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ،
قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: حَدَّثَنَا
الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدٍ الْيَرْبُوعِيُّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ
اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، مِنْ وَلَدِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ
عَبْدِ الأسد، وَغَيْرِهِ. أَيْضًا، قَالَ: حَدَّثَنِي مِنْ حَدِيثِ هَذِهِ
السَّرِيَّةِ، قَالُوا: شَهِدَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ
أُحُدًا، وَكَانَ نَازِلًا فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ بِالْعَالِيَةِ
حِينَ تَحَوَّلَ مِنْ قُبَاءٍ، وَمَعَهُ زَوْجَتُهُ أُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ
أَبِي أُمَيَّةَ، فَجُرِحَ بِأُحُدٍ جُرْحًا عَلَى عَضُدِهِ [فَرَجَعَ
إِلَى مَنْزِلِهِ] [ (3) ] فَقَامَ شَهْرًا يُدَاوَى [حَتَّى رَأَى أَنْ
قَدْ بَرَأَ] ، فَلَمَّا كَانَ هِلَالُ الْمُحَرَّمِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ
وَثَلَاثِينَ شَهْرًا مِنَ الْهِجْرَةِ، دَعَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله
عليه وَسَلَّمَ فَقَالَ: اخْرُجْ فِي هَذِهِ السَّرِيَّةِ فَقَدِ
اسْتَعْمَلْتُكَ عَلَيْهَا، وَعَقَدَ لَهُ لِوَاءً وَقَالَ: سِرْ حَتَّى
تَرِدَ أَرْضَ بَنِي أَسَدٍ، فَأَغِرْ عَلَيْهِمْ [قَبْلَ أَنْ تَلَاقَى،
عَلَيْكَ جُمُوعُهُمْ] ، وَأَوْصَاهُ بِتَقْوَى اللهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، وَخَرَجَ مَعَهُ فِي تِلْكَ السَّرِيَّةِ
خَمْسُونَ وَمِائَةٌ [ (4) ] .
وَالَّذِي هَاجَهُ أَنَّ رجلا من طيّء قَدِمَ الْمَدِينَةَ [يُرِيدُ
امْرَأَةً ذَاتَ رَحِمٍ بِهِ مِنْ طيء مُتَزَوِّجَةً رَجُلًا مِنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَ عَلَى
صِهْرِهِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وسلم] [ (5) ] فأخبر أَنَّ طُلَيْحَةَ وَسَلَمَةَ ابْنَيْ خُوَيْلِدٍ قَدْ
سَارَا فِي
__________
[ () ] وابن عمته برة بنت عبد المطلب، واحد السابقين الأولين، هاجر الى
الحبشة ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وشهد بدرا وله أولاد صحابة:
كعمر، وزينب، وغيرهما، ولما انقضت عدة زوجته ام سلمة تزوّج بِهَا
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم، وكانت تقول: من خير من أبي سلمة، وما
ظنت ان الله سيخلفها في مصابها، فلما فتح عليها بسيد البشر اغتبطت أيما
اغتباط.
[ (3) ] الزيادة من مغازي الواقدي.
[ (4) ] في المغازي الزيادة التالية: منهم: أبو سبرة بن ابي رهم وهو أخو
أبي سلمة لأمه- امه برة بنت عبد المطلب- وعبد الله بْنُ سُهَيْلِ بْنِ
عَمْرٍو، وعبد الله بن مخرمة العامري. ومن بني مخزوم:
معتب بن الفضل بن حمراء الخزاعي حليف فيهم. وأرقم بن أبي الأرقم من أنفسهم.
ومن بني فهر: أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وسهيل بن بيضاء. ومن
الأنصار: أسد بن الحضير، وعباد بن بشر، وأبو نائلة، وأبو عبس، وقتادة بن
النعمان، ونضر بن الحارث الظفري، وأبو قتادة، وأبو عياش الزرقي، وَعَبْدِ
اللهِ بْنِ زَيْدٍ، وخبيب بن يساف، ومن لم يسم لنا.
[ (5) ] الزيادة من المغازي (1: 342) .
(3/320)
قَوْمِهِمَا فِيمَنْ أَطَاعَهُمَا
بِدَعْوَتِهِمَا إِلَى حَرْبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم [ (6) ] ،
فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا سَلَمَةَ
فَخَرَجَ فِي أَصْحَابِهِ وخرج معهم الطائيّ ذليلا [ (7) ] ، وَسَبَقُوا
الْأَخْبَارَ وَانْتَهَوْا إِلَى أَدْنَى [ (8) ] قَطَنٍ: مَاءٍ مِنْ
مِيَاهِ بَنِي أسد فيجدوا سَرْحًا، فَأَغَارُوا عَلَى سَرْحِهِمْ
[فَضَمُّوهُ] وَأَخَذُوا مَمَالِيكَ ثَلَاثَةً وَأَفْلَتَ سَائِرُهُمْ،
فَجَاءَ جَمْعُهُمْ فَخَبَّرُوهُمُ [ (9) ] الْخَبَرَ، وَحَذَّرُوهُمْ
جَمْعَ أَبِي سَلَمَةَ، فَتَفَرَّقَ الْجَمْعُ فِي كُلِّ وَجْهٍ، وَوَرَدَ
أَبُو سَلَمَةَ الْمَاءَ فَيَجِدُ الْجَمْعَ قَدْ تَفَرَّقَ، فَعَسْكَرَ
وَفَرَّقَ أَصْحَابَهُ فِي طَلَبِ النَّعَمِ وَالشَّاءِ [ (10) ] ،
فَأَصَابُوا نَعَمًا وَشَاءً وَلَمْ يَلْقَوْا أَحَدًا، فَانْحَدَرَ أَبُو
سَلَمَةَ بِذَلِكَ
__________
[ (6) ] جاء بعده في المغازي: يريدون ان يدنوا للمدينة، وقالوا: نسير الى
محمد في عقر داره، ونصيب من أطرافه، فإن لهم سرحا يرعى جوانب المدينة،
ونخرج على متون الخيل، فقد أربعنا خيلنا، ونخرج على النجائب المخبورة، فإن
أصبنا نهبا لم ندرك، وإن لاقينا جمعهم كنا قد أخذنا للحرب عدتها، معنا خيل
ولا خيل معهم، ومعنا نجائب أمثال الخيل، والقوم منكوبون قد أوقعت بهم قريش
حديثا، فهم لا يستبلون دهرا، ولا يثوب لهم جمع. فقام فيهم رَجُلٌ مِنْهُمْ
يُقَالُ لَهُ قيس ابن الحارث بن عمير، فَقَالَ: يَا قَوْمِ، وَاللهِ ما هذا
برأي! ما لنا قبلهم وتر وما هم نهبة لمنتهب، إن دارنا لبعيدة من يثرب وما
لنا جمع كجمع قريش. مكثت قريش دهرا تسير في العرب تستنصرها ولهم وتر
يطلبونه، ثم ساروا وقد امتطوا الإبل وقادوا الخيل وحملوا السلاح مع العدد
الكثير- ثلاثة آلاف مقاتل سوى أتباعهم- وإنما جهدكم ان تخرجوا في ثلاثمائة
رجل إن كملوا، فتغررون بأنفسكم وتخرجون من بلدكم، ولا آمن أن تكون الدائرة
عليكم. فكاد ذلك أن يشككهم في المسير، وهم على ما هم عليه بعد. فخرج به
الرجل الذي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم فأخبره ما أخبر الرجل.
[ (7) ] في المغازي: فأغذوا السير، ونكبّ بهم عن سنن الطريق، وعارض الطريق
وسار بهم ليلا ونهارا.
[ (8) ] : في (ب) رسمت: «أدنا» .
[ (9) ] في (ب) فأخبروهم.
[ (10) ] في المغازي: «فجعلهم ثلاث فرق- فرقة أقامت معه، وفرقتان أغارتا في
ناحيتين شتى، وأوعز إليهما ألا يمعنوا في طلب، وألّا يبيتوا إلا عنده إن
سلموا، وأمرهم الا يفترقوا، واستعمل على كل فرقة عاملا منهم، فآبوا إليه
جميعا سالمين.
(3/321)
كُلِّهِ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ،
وَرَجَعَ مَعَهُ الطَّائِيُّ، فَلَمَّا سَارُوا لَيْلَةً قَالَ أَبُو
سَلَمَةَ:
اقْسِمُوا غَنَائِمَكُمْ، فَأَعْطَى أَبُو سَلَمَةَ الطَّائِيُّ الدَّلِيلَ
رِضَاهُ مِنَ الْغَنَمِ، ثُمَّ أَخْرَجَ صَفِيًّا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عليه وسلم عَبْدًا، ثُمَّ أَخْرَجَ الْخُمُسَ، ثُمَّ قَسَمَ مَا
بَقِيَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ أَقْبَلُوا حَتَّى دَخَلُوا
الْمَدِينَةَ.
قَالَ عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ
عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ، عَنْ
عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: كَانَ الَّذِي جَرَحَ أَبِي أَبَا
سَلَمَةَ:
أَبُو أُسَامَةَ الْجُشَمِيُّ، فَمَكَثَ شَهْرًا يُدَاوِيهِ فَبَرَأَ
فِيمَا نُرَى [ (11) ] ، وَبَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي الْمُحَرَّمِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا
إِلَى قَطَنٍ فَغَابَ بِضْعَ عَشْرَةَ، فَلَمَّا دَخَلَ الْمَدِينَةَ
انْتَقَضَ بِهِ جُرْحُهُ، فَمَاتَ لِثَلَاثِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى
الْآخِرَةِ.
قَالَ عُمَرُ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ: وَاعْتَدَّتْ أُمِّي حَتَّى حَلَّتْ
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وسلم وَدَخَلَ بِهَا فِي لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ شَوَّالٍ،
فَكَانَتْ أُمِّي تَقُولُ: مَا بَأْسٌ بِالنِّكَاحِ فِي شَوَّالٍ
وَالدُّخُولِ فِيهِ، قَدْ تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَوَّالٍ وَأَعْرَسَ بِي فِي شَوَّالٍ قَالَ:
وَمَاتَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ.
قُلْتُ وَقَدْ قِيلَ مَاتَتْ بَعْدَ ذَلِكَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ
وَاللهُ أَعْلَمُ [ (12) ] .
__________
[ (11) ] في (ب) رسمت: «نرا» .
[ (12) ] الخبر بطوله في مغازي الواقدي (1: 340- 344) ، ونقله عن الواقدي
أيضا الحافظ ابن كثير في التاريخ (4: 61- 62) مختصرا.
(3/322)
بَابُ غَزْوَةِ الرَّجِيعِ [ (1) ] وَمَا
ظَهَرَ فِي قِصَّةِ عَاصِمِ بن ثابت ابن أبي الأقلح، وخبيب بن عَدِيٍّ مِنَ
الْآثَارِ وَالْأَعْلَامِ
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ
الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ،
قَالَ: وَغَزْوَةُ الرَّجِيعِ كَانَتْ فِي صَفَرٍ عَلَى رَأْسِ سِتَّةٍ
وَثَلَاثِينَ شَهْرًا.
وَالرَّجِيعُ عَلَى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ مِنْ عُسْفَانَ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَحَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِي
الْأَسْوَدِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَصْحَابَ الرَّجِيعِ عُيُونًا إِلَى مَكَّةَ لِيُخْبِرُوهُ [خَبَرَ
قُرَيْشٍ، فَسَلَكُوا عَلَى النَّجْدِيَّةِ، حَتَّى كَانُوا بِالرَّجِيعِ
فَاعْتَرَضَتْ لَهُمْ بَنُو لِحْيَانَ] [ (2) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أبو بكر أحمد ابن إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ:
أَخْبَرَنِي الْهَيْثَمُ الدُّورِيُّ وَحَدَّثَنَا الْمَنِيعِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ
بْنُ سَعْدٍ (ح) .
__________
[ (1) ] لقد ذكرها المصنف بعد بدر وأعادها هنا، وفي هذا البحث انظر المصادر
التالية: سيرة ابن هشام (3: 120) ، والواقدي (1: 354) ، وطبقات ابن سعد (2:
55) وصحيح البخاري (4:
67) ، وتاريخ الطبري (2: 538) ، وابن حزم (176) ، وعيون الأثر (2: 56) ،
والبداية والنهاية (4: 62) ، والنويري (17- 133) .
[ (2) ] الزيادة من مغازي الواقدي (1: 354) .
(3/323)
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ
الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بن محمد بن الفضل ابن
مُحَمَّدٍ الْبَيْهَقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو ثَابِتٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ الْمَدِينِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ أُسَيْدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيُّ- حَلِيفٌ
لِبَنِي زُهْرَةَ- وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ أَبَا
هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَشَرَةَ [رَهْطٍ] [ (3) ] عَيْنًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ
ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ جَدَّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ،
فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْهَدَّةِ بَيْنَ عُسْفَانَ
وَمَكَّةَ، ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لِحْيَانَ
فَنَفَرُوا لَهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مِائَةِ رَجُلٍ رَامٍ، فَاقْتَصُّوا
آثَارَهُمْ حَتَّى وَجَدُوا مَأْكَلَهُمُ التَّمْرَ فِي مَنْزِلٍ
نَزَلُوهُ، فَقَالُوا: نَوَى يَثْرِبَ فَاتَّبَعُوا آثَارَهُمْ، فَلَمَّا
أَحَسَّ بِهِمْ عاصم وأصحابه لجؤوا إِلَى مَوْضِعٍ، فَأَحَاطَ بِهِمُ
الْقَوْمُ، فَقَالُوا لَهُمُ: انْزِلُوا فَأَعْطُوا بِأَيْدِيكُمْ،
وَلَكُمُ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ أَنْ لَا نَقْتُلَ مِنْكُمْ أَحَدًا،
فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ، وَهُوَ أَمِيرُ القوم: أمّا أنا فو الله لَا
أَنْزِلُ فِي ذِمَّةِ مُشْرِكٍ [ (4) ] ، اللهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا
نَبِيَّكَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ
فَقَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَنَزَلَ إِلَيْهِمْ
ثَلَاثَةٌ عَلَى الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ مِنْهُمْ خُبَيْبٌ وَزَيْدُ بْنُ
الدِّثِنَّةِ، وَرَجُلٌ آخَرُ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ أَطْلَقُوا
أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَرَبَطُوهُمْ بِهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ:
هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ وَاللهِ لَا أَصْحَبُكُمْ إِنَّ لِي بِهَؤُلَاءِ
أُسْوَةً يُرِيدُ الْقَتْلَى، فَجَرُّوهُ وَعَالَجُوهُ فَأَبَى أَنْ
يَصْحَبَهُمْ، فَقَتَلُوهُ.
وَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ وَزَيْدِ بْنِ الدِّثِنَّةِ حتى باغوهما
بِمَكَّةَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَابْتَاعَ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ
عَامِرِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: خُبَيْبًا، وَكَانَ خُبَيْبٌ
هُوَ قَتَلَ الْحَارِثَ بْنَ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ يَوْمَ بَدْرٍ،
فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا، حَتَّى أَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِهِ،
فَاسْتَعَارَ مِنْ بَعْضِ بَنَاتِ الْحَارِثِ مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا
لِلْقَتْلِ فَأَعَارَتْهُ،
__________
[ (3) ] ليست في الصحيح.
[ (4) ] في الصحيح: «كافر» .
(3/324)
فَدَرَجَ بُنِيٌّ لَهَا وَهِيَ غَافِلَةٌ
حَتَّى أَتَاهُ، فَوَجَدَتْهُ مُجْلِسَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَالْمُوسَى
بِيَدِهِ، فَفَزِعَتْ فَزْعَةً عَرَفَهَا خُبَيْبٌ فَقَالَ: أَتَخْشَيْنَ
أَنْ أَقْتُلَهُ؟ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: وَاللهِ مَا
رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، وَاللهِ لَقَدْ وَجَدْتُهُ
يَأْكُلُ قِطْفًا مِنْ عِنَبٍ وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ بِالْحَدِيدِ، وَمَا
بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرَةٍ، فَكَانَتْ تَقُولُ: إِنَّهُ لَرِزْقٌ رَزَقَهُ
اللهُ خُبَيْبًا، فَلَمَّا خَرَجُوا بِهِ مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فِي
الْحَدِّ قَالَ لَهُمْ خُبَيْبٌ: دَعُونِي أَرْكَعُ [ (5) ] رَكْعَتَيْنِ،
فَتَرَكُوهُ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ لَوْلَا أَنْ
تَحْسَبُوا أَنَّ مَا بِي جَزَعًا مِنَ الْقَتْلِ لَزِدْتُ، اللهُمَّ
أَحْصِهِمْ عَدَدًا، وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا، وَلَا تُبْقِ منهم أحدا.
فَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ جَنْبٍ كَانَ
وَاللهِ مَصْرَعِي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يشاء ... يُبَارِكْ فِي أَوْصَالِ
شِلْوٍ مُمَزَّعِ
ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ أَبُو سِرْوَعَةَ: عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ،
فَقَتَلَهُ، وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ سَنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ قُتِلَ صَبْرًا:
الصَّلَاةَ، وَاسْتَجَابَ اللهُ لِعَاصِمٍ يَوْمَ أُصِيبَ، فَأُخْبِرَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُصِيبُوا
خَبَرَهُمْ، وَبَعَثَ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى عَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ
حِينَ حُدِّثُوا أَنَّهُ قُتِلَ لِيُؤْتَوْا مِنْهُ بِشَيْءٍ يُعْرَفُ،
وَكَانَ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَبَعَثَ اللهُ-
عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى عَاصِمٍ مِثْلَ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ فَحَمَتْهُ
مِنْ رُسُلِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَنْ يَقْطَعُوا مِنْهُ شَيْئًا.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ،
عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ [ (6) ] .
__________
[ (5) ] في الصحيح: «أصلي» .
[ (6) ] الْبُخَارِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ في: 64- كتاب المغازي
باب (10) ، الحديث (3989) ، فتح الباري (7: 308- 310) بطوله، كما أخرجه
البخاري أيضا في كتاب الجهاد، باب: هل يستأسر الرجل؟ ومن لم يستأسر، ومن
ركع ركعتين عند القتل، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، وفي التوحيد
(باب) ما يذكر في الذات والنعوت وأسامي الله، عن أبي اليمان ... واعاده
البخاري
(3/325)
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ
الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي
قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ،
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُوسَى
بْنِ عُقْبَةَ قَالَا: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم
عَاصِمَ بْنَ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ
عَوْفٍ، وَمَرْثَدَ بْنَ أَبِي مَرْثَدٍ فِي أَصْحَابٍ لَهُمَا، مِنْهُمْ:
خُبَيْبُ بْنُ عَدِيٍّ أَخُو بَنِي جَحْجَبَا وَزَيْدُ بْنُ الدَّثِنَةِ
أَخُو بَيَاضَةَ عَيْنًا إِلَى مَكَّةَ يَتَخَبَّرُونَ خَبَرَ قُرَيْشٍ،
فَسَلَكُوا النَّجْدِيَّةَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالرَّجِيعِ، فَذَكَرَ
قِصَّةَ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ وَمَنْ أُسِرَ ثُمَّ قِيلَ بِنَحْو مِمَّا
رُوِّينَا فِيهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَزِيدَانِ وَيُنْقِصَانِ، فَمَا
زَادَ عُرْوَةُ قَوْلُ خُبَيْبٍ اللهُمَّ إِنِّي لَا أَنْظُرُ إِلَّا فِي
وَجْهِ عَدُوٍّ، اللهُمَّ إِنِّي لَا أَجِدُ رَسُولًا إِلَى رَسُولِكَ
صَلَّى اللَّه عليه وسلم فَبَلِّغْهُ عَنِّي السَّلَامَ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأَخْبَرَهُ ذَلِكَ [ (7) ] .
وَفِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ: وزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي ذَلِكَ
الْيَوْمِ الَّذِي قُتِلَا فِيهِ: وَعَلَيْكُمَا أَوْ عَلَيْكَ السَّلَامُ
خُبَيْبٌ قَتَلَتْهُ قُرَيْشٌ وَلَا أَدْرِي أَذَكَرَ زَيْدَ بْنَ
الدَّثِنَةِ مَعَهُ أَمْ لَا، قَالَ: وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ رَمَوَا ابْنَ
الدَّثِنَةِ بِالنَّبْلِ وَأَرَادُوا فِتْنَتَهُ، فَلَمْ يَزْدَدْ إِلَّا
إِيمَانًا وَتَثْبِيتًا.
وَزَادَ عُرْوَةُ وَمُوسَى جَمِيعًا أَنَّهُمْ لَمَّا رَفَعُوا خُبَيْبًا
عَلَى الْخَشَبَةِ نَادَوْهُ يُنَاشِدُوهُ أَتُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا
مَكَانَكَ؟ قَالَ: لَا وَاللهِ الْعَظِيمِ مَا أُحِبُّ أَنْ يَفْدِيَنِي
بشوكة
__________
[ () ] ايضا في المغازي عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى، وأخرجه ابو داود في
الجهاد، باب في الرجل يستأسر.
عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عن الزهري،
وعن أبي اليمان بإسناده.
[ (7) ] الخبر في سيرة ابن هشام (3: 120) ، ونقله ابن كثير في التاريخ (4:
62- 63) .
(3/326)
يُشَاكُهَا فِي قَدَمَيْهِ فَضَحِكُوا
مِنْهُ وَزَادَ أَبْيَاتًا قَالَهَا وَنَحْنُ نَذْكُرُهَا فِي رِوَايَةِ
ابْنِ إِسْحَاقَ إِنْ شَاءَ اللهُ [ (8) ] .
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: وَيُقَالُ كَانَ أَصْحَابُ الرَّجِيعِ سِتَّةَ
نَفَرٍ، مِنْهُمْ:
عَاصِمُ بن ثابت بن أبي الأقلح، وخبيب بن عدي، وزيد بن الدثنة
الْبَيَاضِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ طَارِقٍ حَلِيفٌ لِبَنِي ظَفَرٍ،
وَخَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ اللَّيْثِيُّ، ومرثد بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ
الْغَنَوِيُّ حَلِيفُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكَانَ مِنْ
شَأْنِهِمْ أَنَّ نَفَرًا مِنْ عَضَلٍ وَالْقَارَةِ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا إِنَّ فِينَا مُسْلِمِينَ
فَابْعَثْ مَعَنَا نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِكَ يُفَقِّهُونَنَا، فَبَعَثَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ حَتَّى نَزَلُوا
بِالرَّجِيعِ اسْتَصْرَخُوا عَلَيْهِمْ هُذَيْلًا فَلَمْ يَرُعِ الْقَوْمُ
إِلَّا وَالْقَوْمُ مُصَلِّتُونَ عَلَيْهِمْ بِالسُّيوفِ وَهُمْ فِي
رِحَالِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُمْ أَخَذُوا سُيُوفَهُمْ، فَقَالَتْ
هُذَيْلٌ: إِنَّا لَا نُرِيدُ قِتَالَكُمْ، فَأَعْطَوْهُمْ عَهْدًا
وَمِيثَاقًا لَا يُرِيبُونَهُمْ، فَاسْتَسْلَمَ لَهُمْ خُبَيْبُ بْنُ
عَدِيٍّ، وزيد بن الدثنة وَعَبْدُ اللهِ بْنُ طَارِقٍ، وَلَمْ يَسْتَسْلِمْ
عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ، وَلَا خَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ، وَلَا مَرْثَدُ
بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ، وَلَكِنْ قَاتَلُوهُمْ حَتَّى قُتِلُوا، وَخَرَجَتْ
هُذَيْلٌ بالثلاثة الذين استلموا لَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانُوا [بمرّ] [ (9)
] بالظهران [ (10) ] نَزَعَ عَبْدُ اللهِ بْنُ طَارِقٍ يَدَهُ مِنْ
قِرَانِهِ [ (11) ] ثُمَّ أَخَذَ سَيْفًا فَرَمَوْهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى
قَتَلُوهُ، وَقَدِمُوا بِخُبَيْبِ بْنِ عَدِيٍّ، وَزَيْدِ بْنِ الدَّثِنَةِ
مَكَّةَ، فَأَمَّا خُبَيْبٌ فَابْتَاعَهُ آلُ حُجَيْرِ بْنِ أَبِي إِهَابٍ
فَقَتَلُوهُ بِالْحَارِثِ بْنِ عَامِرٍ وَابْتَاعَ صَفْوَانُ بْنُ
أُمَيَّةَ: زَيْدَ بْنَ الدَّثِنَةِ فَقَتَلَهُ بِأَبِيهِ، قَتَلَهُ
نِسْطَاسٌ مَوْلَاهُ قَالَ: وَزَعَمُوا أَنَّ عَمْرَو بْنَ أميّة دفن خبيبا
[ (12) ] .
__________
[ (8) ] ستأتي بعد الخبر التالي.
[ (9) ] الزيادة من الدّرر في اختصار المغازي والسّير لابن عبد البر! وهي
مختصرة مِنْ مَغَازِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ التي ينقل عنها المصنف.
[ (10) ] (مر الظهران) واد قرب مكة.
[ (11) ] (القرآن) القيد.
[ (12) ] الخبر في الدّرر لابن عبد البر مختصرا صفحة (159- 161) .
(3/327)
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ
بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ
عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنَّ نَفَرًا مِنْ عَضَلٍ وَالْقَارَةِ، قَدِمُوا
عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ بَعْدَ
أُحُدٍ، فَقَالُوا: إِنَّ فِينَا إِسْلَامًا فَابْعَثْ مَعَنَا نَفَرًا
مِنْ أَصْحَابِكَ يُفَقِّهُونَنَا فِي الدِّينِ، وَيُقْرِؤُنَنَا
الْقُرْآنَ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَعَهُمْ خُبَيْبَ بْنَ عَدِيٍّ، فَذَكَرَهُمْ، وَذَكَرَ قِصَّتَهُمْ
بِمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ آخِرًا، وَزَادَ، قَالَ:
وَقَدْ كَانَتْ هُذَيْلٌ حِينَ قُتِلَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ أَرَادُوا
رَأْسَهُ لِيَبِيعُوهُ مِنْ سُلَافَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ الشَّهِيدِ،
وَقَدْ كَانَتْ نَذَرَتْ حِينَ أُصِيبَ ابْنَاهَا بِأُحُدٍ: لَئِنْ
قَدَرَتْ عَلَى رَأْسِهِ لَتَشْرَبَنَّ فِي قَحْفِهِ الْخَمْرَ
فَمَنَعَتْهُمُ الدَّبْرُ [ (13) ] فَلَمَّا حَالَتْ بَيْنَهُمْ
وَبَيْنَهُ، قَالُوا: دَعُوهُ حَتَّى يُمْسِ فَتَذْهَبَ عَنْهُ
فَنَأْخُذَهُ، فَبَعَثَ اللهُ الْوَادِيَ فَاحْتَمَلَ عَاصِمًا، فَذَهَبَ
بِهِ وَقَدْ كَانَ عَاصِمٌ أَعْطَى اللهَ عَهْدًا لَا يَمَسُّ مُشْرِكًا
وَلَا يَمَسُّهُ مُشْرِكٌ أَبَدًا فِي حَيَاتِهِ، فَمَنَعَهُ اللهُ بَعْدَ
وَفَاتِهِ مِمَّا امْتَنَعَ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ:
فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: يَحْفَظُ
اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُؤْمِنَ فَمَنَعَهُ اللهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ مِمَّا
امْتَنَعَ منهم فِي حَيَاتِهِ [ (14) ] .
وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: وَقَالَ خُبَيْبٌ عِنْدَ
صَلْبِ الْمُشْرِكِينَ إياه:
لَقَدْ جَمَّعَ الْأَحْزَابُ حَوْلِي وَأَلَّبُوا ... قَبَائِلَهُمْ
وَاسْتَجْمَعُوا كُلَّ مَجْمَعِ [ (15) ]
وَكُلُّهُمُ مُبْدِي الْعَدَاوَةِ جَاهِدٌ ... عَلَيَّ لِأَنِّي فِي
وَثَاقٍ مضيّع [ (16) ]
__________
[ (13) ] (الدّبر) : النحل.
[ (14) ] الخبر أورده ابن هشام في السيرة مطولا (3: 120- 127) .
[ (15) ] ألبوا- بتشديد اللام- معناه جمعوا، تقول: ألبت القوم على فلان إذا
جمعتهم عليه وحضضتهم وحرشتهم به، فتألبوا، أي اجتمعوا، ومجمع- أي في آخر
البيت- مكان الاجتماع، وانتصب كل على الظرفية.
[ (16) ] مبدى العداوة: مظهرها، وجاهد: مجتهد في إيذائه، والوثائق ما يربط
به الأسير.
(3/328)
وَقَدْ جَمَعُوا أَبْنَاءَهُمْ
وَنِسَاءَهُمْ ... وَقُرِّبْتُ مِنْ جِذْعٍ طَوِيلٍ مُمَنَّعِ
إِلَى اللهِ أَشْكُو غُرْبَتِي ثُمَّ كُرْبَتِي ... وَمَا أَرْصَدَ
الْأَحْزَابُ لِي عِنْدَ مَصْرَعِي [ (17) ]
فَذَا الْعَرْشِ صَبِّرْنِي عَلَى مَا يُرَادُ بِي ... فَقَدْ بَضَعُوا
لَحْمِي وَقَدْ يَاسَ مَطْمَعِي [ (18) ]
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ
شِلْو مُمَزَّعِ [ (19) ]
وَقَدْ خَيَّرُونِي الْكُفْرَ وَالْمَوْتُ دُونَهُ ... وَقَدْ هَمَلَتْ
عَيْنَايَ مِنْ غَيْرِ مَجْزَعِ [ (20) ]
وَمَا بِي حِذَارُ الْمَوْتِ إِنِّي لَمَيِّتٌ ... وَلَكِنْ حِذَارِي جحم
نار ملفّع [ (21) ]
فو الله مَا أَرْجُو إِذَا مِتُّ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ جَنْبٍ كَانَ
فِي اللهِ مَصْرَعِي [ (22) ]
فَلَسْتُ بِمُبْدٍ لِلْعَدُوِّ تَخَشُّعًا ... وَلَا جَزَعًا إِنِّي إِلَى
اللهِ مَرْجِعِي [ (23) ]
قَالَ: وَجَعَلَ عَاصِمٌ يَحْمِلُ عَلَيْهِمْ وَيُزَمْجِرُ، وهو يقول [
(24) ] :
مَا عِلَّتِي وَأَنَا جَلْدٌ نَابِلُ ... وَالْقَوْسُ فِيهَا وَتَرٌ عنابل
[ (25) ]
__________
[ (17) ] أرصد: اعد وهيأ، والأحزاب: الجماعات، واحدهم حزب، ومصرعي: المكان
اصرع فيه:
اي اقتل.
[ (18) ] بضعوا: قطعوا، والبضعة من اللحم: القطعة منه، وقوله «ياس» معناه
يئس
[ (19) ] الأوصال: المفاصل او مجتمع العظام، والشلو- بكسر الشين وسكون
اللام- البقية، والممزع:
المقطع.
[ (20) ] هملت عيناي: سال دمعها، والمجزع: مصدر ميمي بمعنى الجزع، وهو
الخوف.
[ (21) ] الجحم: الملتهب المتقد، ومنه سميت النار جحيما، والملفع: المشتمل
ومنه قولهم: تلفع بثوبه، إذا اشتمل به.
[ (22) ] يروي في مكان صدر هذا البيت قوله «ولست أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ
مُسْلِمًا» وأرجو في هذا الموضع بمعنى أخاف، وقد حمل كثير من المفسرين على
ذلك قول الله تعالى: ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً اي: لا
تخافون.
[ (23) ] تخشعا: تذللا، ومنه قول شاعر الحماسة.
فلا تحسبي أني تخشعت بعدكم ... لشيء ولا أني من القيد أفرق
ومرجعي: مصدر ميمي بمعنى الرجوع.
[ (24) ] والخبر والأبيات في سيرة ابن هشام (3: 121) .
[ (25) ] [النابل: صاحب النبل، ويروي في مكانه «بازل» ومعناه قوي شديد،
وعنابل: غليظ شديد.
(3/329)
تَزِلُّ عَنْ صَفْحَتِهَا الْمَعَابِلُ ...
الْمَوْتُ حَقٌّ وَالْحَيَاةُ بَاطِلُ [ (26) ]
وَكُلُّ مَا حَمَّ الْإِلَهُ نَازِلُ ... بِالْمَرْءِ وَالْمَرْءُ إِلَيْهِ
آئِلُ [ (27) ]
إِنْ لَمْ أُقَاتِلْكُمْ فَأُمِّي هَابِلُ [ (28) ]
وَزَادَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ:
تَرْأَسُ الْقَوْمَ وَلَا يُقَاتِلُ.
ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَبْيَاتًا قَالَهَا
حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي حَدِيثِهِمْ وفيها كثرة [ (29) ] .
__________
[ (26) ] المعابل: جمع معبلة، وهو نصل عريض طويل.
[ (27) ] حم الإله: قدره، وهو ههنا مبنى للمعلوم كما هو في قول الشاعر:
وليس لأمر حمه الله راجع
وآئل: اسم فاعل من آل الشيء يؤول، بمعنى رجع يرجع.
[ (28) ] هابل، فاقد وثاكل، تقول: هبلته امه اي ثكلته وفقدته، يدعو على
نفسه بالموت ان لم يقاتلهم] .
[ (29) ] منها قول حسّان:
ما بال عينيك لا ترقا مدامعها ... سحّا على الصّدر مثل اللّؤلؤ القلق
على خبيب فتى الفتيان قد علموا ... لا فشل حين تلقاه ولا نزق
فاذهب خبيب جزاك الله طيّبة ... وجنّة الخلد عند الحور في الرّفق
ماذا تقولون إن قال النّبيّ لكم ... حين الملائكة الأبرار في الأفق
فيم قتلتم شهيد الله في رجل ... طاغ قد اوعث في البلدان والرّفق
قال ابن هشام: ويروي «الطرق» وتركنا ما بقي منها لأنه اقذع فيها.
قصيدة اخرى لحسان يرثي فيها خبيبا:
قال ابن إسحاق: وقال حسان (بن ثابت) أيضا يبكي خبيبا:
يا عين جودي بدمع منك منسكب ... وابكي خبيبا مع الفتيان لم يؤب
صقرا توسّط في الأنصار منصبه ... سمح السّجيّة محضا غير مؤتثب
قد هاج عيني على علّات عبرتها ... إذ قيل نصّ إلى جذع من الخشب
يا أيّها الرّاكب الغادي لطيّته ... أبلغ لديك وعيدا ليس بالكذب
بني كهينة إنّ الحرب قد لقحت ... محلوبها الصّاب إذ تمرى لمحتلب
(3/330)
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ
مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ:
حدثنا أحمد ابن عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ
اللهِ الزُّهْرِيَّ أَخْبَرَهُ، عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ سُفْيَانَ
الْأَسْلَمِيَّ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ
عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ إِلَى بَنِي لِحْيَانَ بِالرَّجِيعِ، فَذَكَرَ
قِصَّتَهُمْ وَذَكَرَ فِيهَا فَأَرَادُوا لِيَحْتَزُّوا رَأْسَهُ
لِيَذْهَبُوا بِهِ إِلَيْهَا، فَبَعَثَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ رَجُلًا مِنْ
دَبْرٍ فَحَمَتْهُ، فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَحْتَزُّوا رَأْسَهُ.
وَذَكَرَ فِي شَأْنِ خُبَيْبِ بْنِ عَدِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: اللهُمَّ إِنِّي
لَا أَجِدُ مَنْ يُبَلِّغُ رَسُولَكَ [ (30) ] عَنِّي السَّلَامَ،
فَبَلِّغْ رَسُولَكَ مِنِّي السَّلَامَ، فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَئِذٍ:
وَعَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ أَصْحَابُهُ: يَا نَبِيَّ اللهِ! مَنْ؟
قَالَ: أَخُوكُمْ خُبَيْبُ بْنُ عَدِيٍّ يُقْتَلُ، فَلَمَّا رُفِعَ عَلَى
الْخَشَبَةِ اسْتَقْبَلَ الدُّعَاءَ،
قَالَ رَجُلٌ: فَلَمَّا رَأَيْتُهُ يَدْعُوا أَلْبَدْتُ بِالْأَرْضِ،
فَلَمْ يَحُلِ الْحَوْلُ وَمِنْهُمْ أَحَدٌ غَيْرَ ذَلِكَ الرَّجُلِ
الَّذِي أَلْبَدَ بِالْأَرْضِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مَاوِيَّةَ
مَوْلَاةِ جُحَيْرِ بْنِ أَبِي إِهَابٍ قَالَتْ: حُبِسَ خُبَيْبٌ بِمَكَّةَ
فِي بَيْتِي فَلَقَدِ اطَّلَعْتُ عَلَيْهِ يَوْمًا وَإِنَّ فِي يَدِهِ
لَقِطْفًا مِنْ عِنَبٍ أَعْظَمَ مِنْ رَأْسِهِ يَأْكُلُ مِنْهُ، وَمَا فِي
الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ حَبَّةُ عِنَبٍ [ (31) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو
بْنِ
__________
[ (30) ] في هامش (أ) : «النبي» .
[ (31) ] والخبر في سيرة ابن هشام (3: 124) . والبداية والنهاية (4: 65) .
(3/331)
أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ: أَنَّ أَبَاهُ
حَدَّثَهُ عَنْ جَدِّهِ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بَعَثَهُ عَيْنًا وَحْدَهُ، وَقَالَ: جِئْتُ إِلَى خَشَبَةِ
خُبَيْبٍ فَرَقِيتُ فِيهَا وَأَنَا أَتَخَوَّفُ الْعُيُونَ،
فَأَطْلَقْتُهُ، فَوَقَعَ بِالْأَرْضِ، ثُمَّ اقْتَحَمْتُ فَانْتَبَذْتُ
قَلِيلًا، ثُمَّ الْتَفَتُّ فَكَأَنَّمَا ابْتَلَعَتْهُ الْأَرْضُ [ (32) ]
.
وأَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنَا
عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، فَذَكَرَهُ
بِمَعْنَاهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَانْتَبَذْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ فَلَمْ
أَرَ خُبَيْبًا فَكَأَنَّمَا ابْتَلَعَتْهُ الْأَرْضُ، فَلَمْ يُذْكَرْ
لِخُبَيْبٍ رِمَّةٌ حتى السّاعة [ (33) ] .
__________
[ (32) ] البداية والنهاية (4: 67) .
[ (33) ] ونقله الحافظ ابن كثير عن المصنف، في «البداية والنهاية» (4: 67)
.
(3/332)
بَابُ سَرِيَّةِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ
الضَّمْرِيِّ إِلَى أَبِي سفيان ابن حَرْبٍ حِينَ عَرَفَ مَا كَانَ هَمَّ
بِهِ مِنِ اغْتِيَالِهِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بُطَّةَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ،
قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي
عُبَيْدَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ،
قَالَ: وحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ
بْنِ أَبِي عَوْنٍ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ قَالَ: كَانَ أَبُو
سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ قَدْ قَالَ لِنَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ: مَا
أَحَدٌ يَغْتَالُ مُحَمَّدًا فَإِنَّهُ يَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ
فَنُدْرِكُ ثَأْرَنَا، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ
مَنْزِلَهُ، وَقَالَ لَهُ: إِنْ أَنْتَ قَوَّيْتَنِي [ (1) ] خَرَجْتُ
إِلَيْهِ حَتَّى أَغْتَالَهُ فَإِنِّي هَادٍ بِالطَّرِيقِ خِرِّيتٌ،
وَمَعِي خِنْجَرٌ مِثْلُ خَافِيَةِ النَّسْرِ، قَالَ: أَنْتَ صَاحِبُنَا
فَأَعْطَاهُ بَعِيرًا وَنَفَقَةً، وَقَالَ: اطْوِ أَمْرَكَ فَإِنِّي لَا
آمَنُ أَنْ يَسْمَعَ هَذَا أَحَدٌ فَيُنِمَّهُ إِلَى مُحَمَّدٍ، قَالَ
الْعَرَبِيُّ: لَا يَعْلَمُ بِهِ أَحَدٌ.
فَخَرَجَ لَيْلًا عَلَى رَاحِلَتِهِ فَسَارَ خَمْسًا وَصَبَّحَ ظَهْرَ
الحرّة، صبح [ (2) ] سادسة،
__________
[ (1) ] في البداية والنهاية: «ان وفيتني» .
[ (2) ] في البداية والنهاية «يوم سَادِسَةٍ» .
(3/333)
ثُمَّ أَقْبَلَ يَسْأَلُ عَنْ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الْمُصَلَّى، فَقَالَ
لَهُ قَائِلٌ: قَدْ تَوَجَّهَ إِلَى بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَخَرَجَ
يَقُودُ رَاحِلَتَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ،
فَعَقَلَ رَاحِلَتَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ يَؤُمُّ رَسُولَ اللهِ صلى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَهُ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يُحَدِّثُ
فِي مَسْجِدِهِمْ، فَدَخَلَ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِأَصْحَابِهِ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ يُرِيدُ
غَدْرًا، وَاللهُ حَائِلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يُرِيدُ.
فَوَقَفَ، فَقَالَ: أَيُّكُمُ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَقَالَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ،
فَذَهَبَ يَنْحَنِي [ (3) ] عَلَى رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
كَأَنَّهُ يُسَارُّهُ، فَجَبَذَهُ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ، وَقَالَ
لَهُ: تَنَحَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَجَبَذَ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ، فَإِذَا الْخِنْجَرُ، فَقَالَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا غَادِرٌ، وَسُقِطَ فِي
يَدَيِ الْعَرَبِيِّ، وَقَالَ:
دَمِي دَمِي يَا مُحَمَّدُ، وَأَخَذَ أُسَيْدٌ يُلَبِّبُ، فَقَالَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اصْدُقْنِي: مَا أَنْتَ؟ وَمَا
أَقْدَمَكَ؟ فَإِنْ صَدَقْتَنِي نَفَعَكَ الصِّدْقُ وَإِنْ كَذَبْتَنِي
فَقَدْ أُطْلِعْتُ عَلَى مَا هَمَمْتَ بِهِ، قَالَ الْعَرَبِيُّ: فَأَنَا
آمِنٌ؟ قَالَ فَأَنْتَ آمِنٌ، فَأَخْبَرَهُ بِخَبَرِ أَبِي سُفْيَانَ وَمَا
جَعَلَ لَهُ، فَأَمَرَ بِهِ فَحُبِسَ عِنْدَ أُسَيْدٍ، ثُمَّ دَعَا بِهِ
مِنَ الْغَدِ فَقَالَ قَدْ أَمَّنْتُكَ فَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ، أَوْ
خَيْرٌ لَكَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: أَنْ تَشْهَدَ أَنْ
لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ. قَالَ: فَإِنِّي
أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ الله، وَاللهِ
يَا مُحَمَّدُ مَا كُنْتُ أَفْرَقُ الرِّجَالَ فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ
رَأَيْتُكَ فَذَهَبَ عَقْلِي، وَضَعُفَتْ نَفْسِي، ثُمَّ اطَّلَعْتَ عَلَى
مَا هَمَمْتُ بِهِ مِمَّا سَبَقْتُ بِهِ الرُّكْبَانَ، وَلَمْ يَعْلَمْهُ
أَحَدٌ، فَعَرَفْتُ أَنَّكَ مَمْنُوعٌ، وَأَنَّكَ عَلَى حَقٍّ، وَأَنَّ
حِزْبَ أَبِي سُفْيَانَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَبَسَّمُ، وَأَقَامَ أَيَّامًا ثُمَّ
اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ مِنْ
عِنْدِهِ فَلَمْ يُسْمَعْ لَهُ بِذِكْرٍ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ
أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ وَلِسَلَمَةَ بْنِ أَسْلَمَ بْنِ حَرِيشٍ:
__________
[ (3) ] في (أ) «يجثأ» ، وفي (ص) و (ح) : «يجنأ» .
(3/334)
اخْرُجَا حَتَّى تَأْتِيَا أَبَا سُفْيَانَ
بْنَ حَرْبٍ، فَإِنْ أَصَبْتُمَا مِنْهُ غِرَّةً فَاقْتُلَاهُ،
قَالَ عَمْرٌو:
فَخَرَجْتُ أَنَا وَصَاحِبَيَّ حَتَّى أَتَيْنَا بَطْنَ [يَأْجِجَ] [ (4) ]
فَقَيَّدْنَا بَعِيرَنَا، فَقَالَ لِي صَاحِبِي: يَا عَمْرُو هَلْ لَكَ فِي
أَنْ نَأْتِيَ مَكَّةَ وَنَطُوفَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَنُصَلِّيَ
رَكْعَتَيْنِ؟ فَقُلْتُ: إِنِّي أَعْرَفُ بِمَكَّةَ مِنَ الْفَرَسِ
الْأَبْلَقِ، وَإِنَّهُمْ إِنْ رَأَوْنِي عَرَفُونِي، وَأَنَا أَعْرِفُ
أَهْلَ مَكَّةَ إِنَّهُمْ إِذَا أَمْسَوْا انْفَجَعُوا بِأَفْنِيَتِهِمْ،
فَأَبَى أَنْ يُطِيعَنِي، فَأَتَيْنَا مَكَّةَ فَطُفْنَا سَبْعًا [ (5) ]
وَصَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا خَرَجْتُ لَقِيَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ
أَبِي سُفْيَانَ فَعَرَفَنِي وَقَالَ: عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ [وا حزناه] [
(6) ] فَأَخْبَرَ أَبَاهُ فَنِيدَ بِنَا أَهْلُ مَكَّةَ، فَقَالُوا: مَا
جَاءَ عَمْرٌو فِي خَيْرٍ- وَكَانَ عَمْرٌو رَجُلًا فَاتِكًا فِي
الْجَاهِلِيَّةِ- فَحَشَدَ أَهْلُ مَكَّةَ وَتَجَمَّعُوا، وَهَرَبَ
عَمْرٌو، وَسَلَمَةُ، وَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِمَا، وَاشْتَدُّوا فِي
الْجَبَلِ قَالَ عَمْرٌو: فَدَخَلْتُ غَارًا [ (7) ] فَتَغَيَّبْتُ
عَنْهُمْ، حَتَّى أَصْبَحْتُ وَبَاتُوا يَطْلُبُونَ فِي الْجَبَلِ،
وَعَمَّى [ (8) ] الله عَلَيْهِمْ طَرِيقَ الْمَدِينَةِ أَنْ يَهْتَدُوا
لِرَاحِلَتِنَا [ (9) ] فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ ضَحْوَةً [ (10) ] أَقْبَلَ
عُثْمَانُ [ (11) ] بْنُ مَالِكِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ التَّيْمِيُّ
يَخْتَلِي لِفَرَسِهِ حَشِيشًا، فَقُلْتُ لِسَلَمَةَ بْنِ أَسْلَمَ: إِنْ
أَبْصَرَنَا أَشْعَرَ بِنَا أَهْلَ مَكَّةَ، وَقَدْ أَقْصَرُوا عَنَّا
فَلَمْ يَزَلْ يَدْنُو مِنْ بَابِ الْغَارِ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَيْنَا
وَخَرَجْتُ فَطَعَنْتُهُ طَعْنَةً تَحْتَ الثَّدْيِ بِخِنْجَرِي فَسَقَطَ
وَصَاحَ، وَأَسْمَعَ أَهْلَ مَكَّةَ، فَأَقْبَلُوا بَعْدَ تَفَرُّقِهِمْ،
وَدَخَلْتُ الْغَارَ فَقُلْتُ لِصَاحِبِي: لَا تَحَرَّكْ، وَأَقْبَلُوا
حَتَّى أَتَوْا عُثْمَانَ
__________
[ (4) ] الزيادة من البداية والنهاية.
[ (5) ] في الأصول: «أسبوعا» .
[ (6) ] الزيادة من البداية والنهاية.
[ (7) ] في تاريخ ابن كثير «فدخلت في غار» .
[ (8) ] في (أ) : «وعم» .
[ (9) ] في «البداية والنهاية» : «أن يهتدوا له» .
[ (10) ] تاريخ ابن كثير: «ضحوة الغد» .
[ (11) ] في (أ) : «عبيد الله بن مالك» .
(3/335)
ابن مَالِكٍ، فَقَالُوا: مَنْ قَتَلَكَ؟
قَالَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: قَدْ عَلِمْنَا
أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِعَمْرٍو خَيْرٌ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ
يُخْبِرَهُمْ بِمَكَانِنَا كَانَ بِآخِرِ رَمَقٍ وَمَاتَ، وَشُغِلُوا عَنْ
طَلَبِنَا بِصَاحِبِهِمْ يَحْمِلُونَهُ، فَمَكَثْنَا لَيْلَتَيْنِ فِي
مَكَانِنَا، ثُمَّ خَرَجْنَا، فَقَالَ صَاحِبِي: يَا عَمْرُو بْنَ
أُمَيَّةَ هَلْ لَكَ فِي خُبَيْبِ بْنِ عَدِيٍّ نُنْزِلُهُ؟ فَقُلْتُ لَهُ:
أَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: هُوَ ذَاكَ مَصْلُوبٌ حَوْلَهُ الْحَرَسُ، فَقُلْتُ:
أَمْهِلْنِي وَتَنَحَّ عَنِّي فَإِنْ خَشِيتَ شَيْئًا فَانْجُ إِلَى
بَعِيرِكَ فَاقْعُدْ عَلَيْهِ وَأْتِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم
فَأَخْبِرْهُ الْخَبَرَ، وَدَعْنِي فَإِنِّي عَالِمٌ بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ
اشْتَدَدْتُ [ (12) ] عَلَيْهِ حَتَّى حَلَلْتُهُ فَحَمَلْتُهُ عَلَى
ظَهْرِي فَمَا مَشَيْتُ بِهِ إِلَّا عِشْرِينَ ذِرَاعًا حَتَّى
اسْتَيْقَظُوا فَخَرَجُوا فِي طَلَبِ أَثَرِي، فَطَرَحْتُ الْخَشَبَةَ،
فَمَا أَنْسَى وَقْعَهَا دَبَّ، يَعْنِي صَوْتَهَا ثُمَّ أَهَلْتُ عَلَيْهِ
مِنَ التُّرَابِ بِرِجْلِي فَأَخَذْتُ بِهِمْ طَرِيقَ الصَّفْرَاءِ [ (13)
] فَأَعْيَوْا فَرَجَعُوا وَكُنْتُ لَا أُدْرَكُ مَعَ بَقَاءِ نَفَسٍ،
فَانْطَلَقَ صَاحِبِي إِلَى الْبَعِيرِ فَرَكِبَهُ، وَأَتَى النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّه عليه وسلم فأخبره، وَأَقْبَلْتُ حَتَّى أَشْرَفْتُ عَلَى
الْغَلِيلِ: غَلِيلِ ضَجْنَانَ [ (14) ] فَدَخَلْتُ فِي غَارٍ فِيهِ مَعِي
قَوْسٌ وَأَسْهُمٌ وَخِنْجَرٌ، فَبَيْنَا أَنَا فِيهِ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ
مِنْ بَنِي بَكْرٍ مِنْ بَنِي الدِّئْلِ أَعْوَرُ طَوِيلٌ يَسُوقُ غَنَمًا
وَمَعِزَى، فَدَخَلَ عَلَيَّ الْغَارَ، فَقَالَ: مَنِ الرَّجُلُ؟ فَقُلْتُ:
مِنْ بَنِي بَكْرٍ، فَقَالَ: وَأَنَا مِنْ بَكْرٍ، ثُمَّ اتَّكَأَ [ (15) ]
فَرَفَعَ عَقِيرَتَهُ يَتَغَنَّى يَقُولُ: -
فَلَسْتُ بِمُسْلِمٍ مَا دُمْتُ حَيًّا ... وَلَسْتُ أَدِينَ دِينَ
الْمُسْلِمِينَا
فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: وَاللهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَقْتُلَكَ، فَلَمَّا
نَامَ قُمْتُ إِلَيْهِ، فَقَتَلْتُهُ شَرَّ قِتْلَةٍ قتلتها أحد قَطُّ،
ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى هَبَطْتُ، فَلَمَّا أَسْهَلْتُ فِي الطَّرِيقِ إِذَا
رَجُلَانِ بَعَثَتْهُمَا قُرَيْشٌ يَتَجَسَّسَانِ الْأَخْبَارَ، فَقُلْتُ:
اسْتَأْسِرَا فَأَبَى أَحَدُهُمَا فَرَمَيْتُهُ
__________
[ (12) ] في البداية والنهاية «فاستدرت» .
[ (13) ] (أ) : «الصفيراء» ، (ص) : الصفير» (ح) الصفيرا.
[ (14) ] الغليل: منابت الطلح، وضجنان: موضع بعينه.
[ (15) ] في (أ) رسمت «اتكى» .
(3/336)
فَقَتَلْتُهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ
الْآخَرُ اسْتَأْسَرَ فَشَدَدْتُهُ وَثَاقًا، ثُمَّ أَقْبَلْتُ بِهِ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَدِمْتُ
الْمَدِينَةَ رَآنِي صِبْيَانٌ وَهُمْ يَلْعَبُونَ وَسَمِعُوا
أَشْيَاخَهُمْ يَقُولُونَ: هَذَا عَمْرٌو، فَاشْتَدَّ الصِّبْيَانُ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ، وَأَتَيْتُهُ
بِالرَّجُلِ قَدْ رَبَطْتُ إِبْهَامَيْهِ بِوَتَرِ قَوْسِي، فَلَقَدْ
رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم يَضْحَكُ، ثُمَّ دَعَا لِي
بِخَيْرٍ، وَكَانَ قُدُومُ سَلَمَةَ قَبْلَ قُدُومِ عَمْرٍو بِثَلَاثَةِ
أَيَّامٍ [ (16) ] .
__________
[ (16) ] سرد الخبر الطبري في تاريخه (2: 542- 545) ، ونقله الحافظ ابن
كثير في «البداية والنهاية» (4: 69- 71) ، وعقب بقوله: «رواه البيهقي، وقد
تقدم ان عمرا لما اهبط خبيبا لم ير له رمة ولا جسدا، فلعله دفن مكان سقوطه
والله أعلم، وهذه السرية إنما استدركها ابن هشام على بن إسحاق بنحو من سياق
الواقدي لها، لكن عنده ان رفيق عمرو بن أمية في هذه السرية: جبار بن صخر.
فالله اعلم ولله الحمد» .
(3/337)
بَابُ غَزْوَةِ بِئْرِ مَعُونَةَ [ (1) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ رَحِمَهُ اللهُ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ
بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وسلم بَقِيَّةَ شَوَّالٍ، وَذَا الْقَعْدَةِ، وَذَا
الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمَ، ثُمَّ بَعَثَ أَصْحَابَ بِئْرِ مَعُونَةَ فِي
صَفَرٍ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ أُحُدٍ [ (2) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا وَالِدِي إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنِ
الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ،
وعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ،
وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا: قَدِمَ أَبُو الْبَرَاءِ:
عَامِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ مُلَاعِبُ الْأَسِنَّةِ [ (3) ] عَلَى
رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، فَعَرَضَ عليه
الإسلام ودعاه
__________
[ (1) ] انظر في غزوة بئر معونة: طبقات ابن سعد (2: 51- 54) ، وسيرة ابن
هشام (3: 137- 143) ، ومغازي الواقدي (1: 337- 338) ، وتاريخ الطبري (2:
545-: 550) ، وابن حزم، ص (178) ، وعيون الأثر (2: 61) ، والبداية والنهاية
(4: 71- 74) ، والنويري (17: 130) .
[ (2) ] سيرة ابن هشام (3: 136) .
[ (3) ] هو عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب بن رَبِيعَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ
صَعْصَعَةَ، وانما سمى ملاعب الاسنة في يوم سوبان، ويوم سوبان هذا كان يوما
من ايام جبلة وهي ايام كانت بين قيس وتميم، وجبلة:
اسم لهضبة عالية، وكان سبب تسمية عامر ملاعب الأسنة في يوم سوبان ان أخاه
طفيل بن مالك
(3/338)
إِلَيْهِ، فَلَمْ يُسْلِمْ وَلَمْ يَبْعُدْ
مِنَ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ لَوْ بَعَثْتَ رِجَالًا مِنْ
أَصْحَابِكَ إِلَى أَهْلِ نَجْدٍ يَدْعُونَهُمْ [ (4) ] إِلَى أَمْرِكَ
رَجَوْتُ أَنْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي أَخْشَى عَلَيْهِمْ أَهْلَ نَجْدٍ، فَقَالَ
أَبُو الْبَرَاءِ: أَنَا لَهُمْ جَارٌ فَابْعَثْهُمْ فَلْيَدْعُوا النَّاسَ
إِلَى أَمْرِكَ.
فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُنْذِرَ بْنَ
عَمْرٍو الْمُعْنِقُ [ (5) ] . لِيَمُوتَ فِي أَرْبَعِينَ رَجُلًا مِنْ
أَصْحَابِهِ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ فِيهِمْ: الْحَارِثُ بْنُ
الصِّمَّةِ، وَحَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ
النَّجَّارِ، وَعُرْوَةُ بْنُ أَسْمَاءَ بْنِ الصَّلْتِ السُّلَمِيُّ،
وَنَافِعُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ
مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، فِي رِجَالٍ مُسْلِمِينَ مِنْ خِيَارِ
الْمُسْلِمِينَ.
فَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا بِئْرَ مَعُونَةَ، وَهِيَ مِنْ أَرْضِ بَنِي
عَامِرٍ وحرّة بني سليم، كلى الْبَلَدَيْنِ مِنْهَا قَرِيبٌ، وَهِيَ إِلَى
حَرَّةِ بَنِي سُلَيْمٍ أَقْرَبُ، فَلَمَّا نَزَلُوهَا بَعَثُوا حَرَامَ
بْنَ مِلْحَانَ بِكِتَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى
عَدُوِّ اللهِ: عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ، فَلَمَّا أَتَاهُ لَمْ يَنْظُرْ
فِي كِتَابِهِ، حَتَّى عَدَا عَلَى الرَّجُلِ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ
اسْتَصْرَخَ عَلَيْهِمْ بَنِي عَامِرٍ، فَأَبَوْا أَنْ يُجِيبُوا إِلَى مَا
دَعَاهُمْ، وَقَالَ: لَنْ يُخْفِرَ [ (6) ] أَبَا بَرَاءٍ، وَقَدْ عقد لهم
عقدا
__________
[ () ] (وهو الذي يلقب فارس قرزل) كان قد أسلمه في هذا اليوم وفر، فقال في
ذلك بعض الشعراء:
فررت وأسلمت ابن أمّك عامرا ... يلاعب أطراف الوشيج المزعزع
فسمى ملاعب الرماح وملاعب الأسنة، وكان له اخوة اربعة: أحدهم طفيل فارس
قرزل، والآخر ربيعة والدلبيد بن ربيعة وكان يلقب ربيعة المعترين، والثالث
عبيدة الوضاح، والرابع معاوية معود الحكماء.
[ (4) ] سيرة ابن هشام: «فدعوهم» .
[ (5) ] في (أ) : «المنذر المعنق» ، وأثبتّ ما في (ص) و (ح) ، وفي سيرة ابن
هشام «الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، أَخُو بَنِي ساعدة المعنق» . والمعنق:
المسرع، وإنما لقب المنذر بذلك لأنه اسرع الى الشهادة.
[ (6) ] لن نخفر: لن ننقض عهده.
(3/339)
وجورا، فَاسْتَصْرَخَ عَلَيْهِمْ قَبَائِلَ
مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ [مِنْ] عُصَيَّةَ وَرِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَالْقَارَةِ،
فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ، فَخَرَجُوا حَتَّى غَشَوَا الْقَوْمَ،
فَأَحَاطُوا بِهِمْ فِي رِحَالِهِمْ فَلَمَّا رَأَوْهُمْ أَخَذُوا
أَسْيَافَهُمْ ثُمَّ قَاتَلُوا الْقَوْمَ حَتَّى قُتِلُوا عَنْ آخِرِهِمْ،
إِلَّا كَعْبَ بْنَ زَيْدٍ أَخَا بَنِي دِينَارِ بْنِ النَّجَّارِ،
فَإِنَّهُمْ تَرَكُوهُ وَبِهِ رَمَقٌ فَارْتُثَّ [ (7) ] مِنْ بَيْنِ
الْقَتْلَى، فَعَاشَ حَتَّى قُتِلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ.
وَكَانَ فِي سَرْحِ الْقَوْمِ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ،
وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَلَمْ
يُنْبِئْهُمَا بِمُصَابِ الْقَوْمِ إِلَّا الطَّيْرُ تَحُومُ عَلَى
الْمُعَسْكَرِ، فَقَالَا: وَاللهِ إِنَّ لِهَذِهِ الطَّيْرِ لَشَأْنًا،
فَأَقْبَلَا لِيَنْظُرَا فَإِذَا الْقَوْمُ فِي دِمَائِهِمْ وَإِذَا
الْخَيْلُ الَّتِي أَصَابَتْهُمْ وَاقِفَةٌ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ
لِعَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ: مَاذَا تَرَى؟ فَقَالَ: أَرَى أَنْ نَلْحَقَ
بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُخْبِرَهُ الْخَبَرَ،
فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: لَكِنِّي لَمْ أَكُنْ لِأَرْغَبَ بِنَفْسِي عَنْ
مَوْطِنٍ قُتِلَ فِيهِ الْمُنْذِرُ بن عمرو، ما كُنْتُ لِأُخْبِرَ [ (8) ]
عَنْهُ الرِّجَالَ، فَقَاتَلَ الْقَوْمَ حَتَّى قُتِلَ، وَأُخِذَ عَمْرٌو
أَسِيرًا، فَلَمَّا أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ مِنْ مُضَرَ أَطْلَقَهُ عَامِرُ
بْنُ الطُّفَيْلِ، وَجَزَّ نَاصِيَتَهُ، وَأَعْتَقَهُ عَنْ رَقَبَةٍ
كَانَتْ عَلَى أُمِّهِ فِيمَا زَعَمَ، وَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ
حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْقَرْقَرَةِ مِنْ صَدْرِ قناة، أقبل رَجُلَانِ مِنْ
بَنِي عَامِرٍ حَتَّى نَزَلَا فِي ظِلٍّ هُوَ فِيهِ، وَكَانَ مَعَ
الْعَامِرِيَّيْنِ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ
وَجِوَارٌ، لَمْ يَعْلَمْ بِهِ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ، وَقَدْ سَأَلَهُمَا
حِينَ نَزَلَا: مَنْ أَنْتُمَا؟ فَقَالَا: مِنْ بَنِي عَامِرٍ
فَأَمْهَلَهُمَا حَتَّى إِذَا نَامَا عَدَا عَلَيْهِمَا فَقَتَلَهُمَا،
وَهُوَ يُرَى أَنَّهُ قَدْ أَصَابَ بِهِمَا ثُؤْرَةً [ (9) ] مِنْ بَنِي
عَامِرٍ بِمَا أَصَابُوا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وسلم،
فلما قدم عمرو ابن أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ
__________
[ (7) ] (ارتث) بالبناء للمجهول: رفع وبه جراح، ونقول: ارتث الرجل من معركة
الحرب: إذا أخذ منها ولا تزال فيه بقية حياة.
[ (8) ] في سيرة ابن هشام: «وما كنت لتخبرني عنه الرجال» .
[ (9) ] في (أ) رسمت «ثأرة» ، وثؤرة: اسم في الثأر.
(3/340)
قَتَلْتَ قَتِيلَيْنِ لَأَدِيَنَّهُمَا» ،
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا عَمَلُ
أَبِي بَرَاءٍ، قَدْ كُنْتُ لِهَذَا كَارِهًا مُتَخَوِّفًا» ، فَبَلَغَ
ذَلِكَ أَبَا بَرَاءٍ فَشَقَّ عَلَيْهِ إِخْفَارُ عَامِرٍ إِيَّاهُ، وَمَا
أَصَابَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِسَبَبِهِ وَجِوَارِهِ، وَكَانَ فِيمَنْ أُصِيبَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ
[ (10) ] .
وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَبْيَاتًا [ (11) ] فِي إِخْفَارِ عَامِرٍ
أَبَا بَرَاءٍ فَحَمَلَ رَبِيعَةُ بْنُ عامر ابن مَالِكٍ عَلَى عَامِرِ
بْنِ الطُّفَيْلِ فَطَعَنَهُ فِي فَخِذِهِ فَأَشْوَاهُ [ (12) ] فَوَقَعَ
مِنْ فَرَسِهِ وَقَالَ هَذَا عَمَلُ أَبِي بَرَاءٍ إِنْ أَمُتْ فَدَمِي
لِعَمِّي فَلَا يُتْبَعَنْ بِهِ، وَإِنْ أَعِشْ فَسَأَرَى رَأْيِي [ (13) ]
.
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ:
وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم
__________
[ (10) ] تابع ابن إسحاق فقال:
[ (11) ] سردها ابن هشام في السيرة، وهي:
بني أمّ البنين ألم يرعكم ... وأنتم من ذوائب أهل نجد
تهكّم عامر بأبي براء ... ليخفره وما خطأ كعمد
ألا أبلغ ربيعة ذا المساعي ... فما أحدثت في الحدثان بعدي
أبوك أبو الحروب أبو براء ... وخالك ماجد حكم بن سعد
[ (12) ] أشواه: اخطأ مقتله،
وفي بعض الروايات: فلما اتى ربيعة شعر حسان أتى النبي صلى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
يَا رسول الله، هل يغسل عن أبي هذه الغدرة ضربة اضربها عامرا او اطعنه؟
فقال له «نعم» فذهب فضرب عامرا ضربة فأشواه، فوثب عليه قومه فأخذوه وقالوا
لعامر: اقتص فأخرجه من الحي، ثم حفر بئرا وقال: اشهدوا اني قد جعلت ديته في
هذه البئر. ثم رد فيها ترابها،
وعامر ابن الطفيل العامري هو ابن أخي أبي براء ملاعب الأسنة، كما نقله
الزرقاني (ج 2 ص 87) وقال ابن حجر في الاصابة: «لم أجد من ذكر ربيعة بن أبي
براء في الصحابة الا ما تفيده هذه القصة، ورأيت له رواية عن أبي الدرداء»
فكأنه عمر في الإسلام» اهـ.
[ (13) ] الخبر في سيرة ابن هشام (3: 139- 140) ونقله ابن عبد البر في
الدرر ص (162- 164) .
(3/341)
سَرِيَّةً قِبَلَ أَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ
وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِئْرُ مَعُونَةَ قَالَ أَمِيرُهُمْ يَوْمَئِذٍ:
الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو أَخُو بَنِي سَاعِدَةَ، وَيُقَالُ: أَمِيرُهُمْ
مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ،
حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ بَعَثُوا حَرَامَ بْنَ مِلْحَانَ
إِلَيْهِمْ بِكِتَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِيَقْرَأَهُ عَلَيْهِمْ، فَلَقِيَهُ عَامِرُ بْنُ مَالِكٍ أَخُو بَنِي
عَامِرٍ، فَأَجَارَهُ حَتَّى يَقْرَأَ عَلَيْهِمْ كِتَابَ رسول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَتَاهُ انْتَحَى لَهُ عَامِرُ بْنُ
الطُّفَيْلِ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ مَا أَقْتُلُ هَذَا
وَحْدَهُ، فَاتَّبَعُوا أَثَرَهُ حَتَّى وَجَدُوا الْقَوْمَ مُقْبِلِينَ
هُمْ وَالْمُنْذِرُ، فَقَالُوا: إِنْ شِئْتَ آمَنَّاكَ فَقَالَ: لَنْ
أُعْطِيَكُمْ بِيَدِي، وَلَكِنْ أَقْتُلَ أُمَّهَاتِكُمْ إِلَّا أَنْ
تُؤَمِّنُونِي حَتَّى آتِيَ مَقْتَلَ حَرَامِ بْنِ مِلْحَانَ، ثُمَّ
أَبْرَأَ مِنْ جِوَارِكُمْ، فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ، فَقَالَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: أعتق لِيَمُوتَ، فَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ
الزُّبَيْرِ لَمْ يُوجَدْ جَسَدُ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ يَرَوْنَ أَنَّ
الْمَلَائِكَةَ هِيَ وَارَتْهُ.
قَالَ مُوسَى: وَعُرْوَةُ بْنُ الصَّلْتِ عَرَضَ عَلَيْهِ الْأَمَانَ
فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ فَقَتَلُوهُ.
وَارْتُثَّ فِي الْقَتْلَى كَعْبُ بْنُ زَيْدٍ فَقُتِلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ
وَكَانَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ فِي سَرْحِ الْقَوْمِ،
فَأَخَذَهُ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ فَأَعْتَقَهُ وَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ
إِلَى صَاحِبِكَ فَحَدِّثْهُ، فَرَجَعَ عَمْرٌو إِلَى رَسُولِ الله
فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ.
وَكَانَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِنْ سَرِيَّةِ الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرٍو
تَخَلَّفُوا عَلَى ضَالَّةٍ يَبْتَغُونَهَا فَإِذَا الطَّيْرُ تَرْمِيهِمْ
بِالْعَلَقِ [ (14) ] فَقَالُوا: قُتِلَ وَاللهِ أَصْحَابُنَا إِنَّا
لَنَعْلَمُ مَا كَانُوا لِيَقْتُلُوا عَامِرًا وَبَنِي سُلَيْمٍ وَلَكِنَّ
إِخْوَانَنَا هُمُ الَّذِي قُتِلُوا، فَمَاذَا تَأْمُرُونَ؟ قَالَ
أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَرْغَبُ بِنَفْسِي عَنْهُمْ، فَانْطَلَقَ
نَحْوَهُمْ فَقُتِلَ، وَأَمَّا الْآخَرَانِ فَأَقْبَلَا إِلَى رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا كَانَا بِبَعْضِ
الطَّرِيقِ لَقِيَا رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي كِلَابٍ كَافِرَيْنِ قَدْ كَانَا
وَصَلَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَهْدٍ،
فَنَزَلُوا مَنْزِلًا وَاحِدًا، فَلَمَّا نَامَ الْكِلَابِيَّانِ
قَتَلَاهُمَا وَلَمْ يَعْلَمَا أَنَّ لَهُمَا عَهْدًا مِنْ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم.
__________
[ (14) ] (علق الدم) : قطعه المتجمدة.
(3/342)
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: وَكَانَ ابْنُ
شِهَابٍ يَقُولُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ السُّلَمِيُّ، وَرِجَالٌ مِنْ
أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ عَامِرَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ الَّذِي
يُدْعَى مُلَاعِبَ الْأَسِنَّةِ، قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُشْرِكٌ فَعَرَضَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامَ فَأَبَى أَنْ يُسْلِمَ
وَأَهْدَى لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ هَدِيَّةً،
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَا
أَقْبَلُ هديّة مشرك، وقَالَ عَامِرُ بْنُ مَالِكٍ: يَا رَسُولَ اللهِ
ابْعَثْ مَعِي مَنْ شِئْتَ مِنْ رُسُلِكَ فَأَنَا لَهُمْ جَارٌ، فَبَعَثَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَهْطًا فِيهِمُ
الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو السَّاعِدِيُّ، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ أعتق
لِيَمُوتَ عَيْنًا لَهُ فِي أَهْلِ نَجْدٍ، فَسَمِعَ بِهِمْ عامر بن
الطفيل، فاستقر بَنِي عَامِرٍ فَأَبَوْا أَنْ يطيعوه، وأبو أَنْ يُخْفِرُوا
عَامِرَ بْنَ مَالِكٍ، فَاسْتَنْفَرَ لَهُمْ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ
بَنِي سُلَيْمٍ فَنَفَرُوا مَعَهُ، فَقَتَلُوهُمْ بِبِئْرِ مَعُونَةَ،
غَيْرَ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ أَخَذَهُ عَامِرُ بْنُ
الطُّفَيْلِ فَأَرْسَلَهُ، فَلَمَّا قَدِمَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ عَلَى
رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آمِنْ بَيْنَهُمْ» ، فَلَمَّا قَالَ
حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي تَخْفِيرِ عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ مَا قَالَ
مِنَ الشِّعْرِ طَعَنَهُ- زَعَمُوا- رَبِيعَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ مَالِكٍ:
عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ فِي تَخْفِيرِهِ عَامِرَ بْنَ مَالِكٍ فِي
فَخِذِهِ طَعْنَةً [ (15) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ سِخْتَوَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ
بْنِ بُطَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ
نَاسًا جَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم فَقَالُوا:
ابْعَثْ [ (16) ] مَعَنَا رِجَالًا يُعَلِّمُونَنَا الْقُرْآنَ
وَالسُّنَّةَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ
يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ، وفيهم خالي حرام يقرؤون القرآن ويتدارسون
__________
[ (15) ] ذكره ابن عبد البر عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ مختصرا في «الدرر في
اختصار المغازي والسير» ص 161، وقال: «سياق ابن إسحاق لخبرهم احسن وأبين» ،
ثم ساق الخبر عن ابن إسحاق كما مرّ آنفا.
[ (16) ] في صحيح مسلم: «ان ابعث معناه» .
(3/343)
بِاللَّيْلِ، وَيَتَعَلَّمُونَ. وَكَانُوا
بِالنَّهَارِ يَجِيئُونَ بِالْمَاءِ فَيَضَعُونَهُ بِالْمَسْجِدِ، ويحتطبون
فيبيعونه ويسترون بِهِ الطَّعَامَ لِأَهْلِ الصُّفَّةِ [ (17) ] ،
فَبَعَثَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ
فَتَعَرَّضُوا لَهُمْ فَقَتَلُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا الْمَكَانَ،
قَالُوا: اللهُمَّ بَلِّغْ عَنَّا نَبِيَّنَا أن قَدْ لَقِينَاكَ
فَرَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا.
قَالَ: وَأَتَى رَجُلٌ خَالِي حَرَامًا خَلْفَهُ فَطَعَنَهُ بِالرُّمْحِ
حَتَّى أَنْفَذَهُ، فَقَالَ حَرَامٌ: فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: «إِنَّ
إِخْوَانَكُمْ قَدْ قُتِلُوا» ، وقَالُوا: اللهُمَّ بَلِّغْ عَنَّا
نَبِيَّنَا أَنَّا قَدْ لَقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا» .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ
عَفَّانَ [ (18) ] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنِي
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنَزِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ
سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ،
قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: قَالَ
عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إِيَّاكُمْ وَهَذِهِ الشَّهَادَاتِ أَنْ
يَقُولَ الرَّجُلُ قُتِلَ فُلَانٌ شَهِيدًا فَإِنَّ الرَّجُلَ يُقَاتِلُ
حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ فِي طَلَبِ الدنيا، ويقاتل وهو جريء الصَّدْرِ،
وَلَكِنْ سَأُحَدِّثُكُمْ عَلَى مَا تَشْهَدُونَ:
إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً ذَاتَ
يَوْمٍ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى قَامَ فَحَمِدَ اللهَ
وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:
إِنَّ إِخْوَانَكُمْ قَدْ لَقُوا الْمُشْرِكِينَ وَاقْتَطَعُوهُمْ، فَلَمْ
يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَإِنَّهُمْ قَالُوا:
رَبَّنَا بَلِّغْ قَوْمَنَا أَنَّا قَدْ رَضِينَا وَرَضِيَ عَنَّا
رَبُّنَا، فَأَنَا رَسُولُهُمْ إِلَيْكُمْ: إِنَّهُمْ قَدْ رَضُوا ورضي
عنهم
[ (19) ] .
__________
[ (17) ] صحيح مسلم: «لأهل الصفة وللفقراء» .
[ (18) ] مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حاتم، عن عفّان في: 33- كتاب
الإمارة (41) باب ثبوت الجنة.
للشهيد، الحديث (147) ، ص (1511) .
[ (19) ] ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (6: 130) مختصرا، وقال: «رواه
الطبراني وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط» .
(3/344)
بَابُ مَا وَجَدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنِ قُتِلَ بِبِئْرِ مَعُونَةَ
وَدُعَائِهِ عَلَى قَتَلَتِهِمْ وَمَا أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي
شَأْنِهِمْ، وَمَا ظَهَرَ مِنَ الْآثَارِ فِي عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ رَجَاءٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
هَمَّامٌ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ [بْنِ أَبِي
طَلْحَةَ] [ (1) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ خَالَهُ [ (2) ] ، وَكَانَ
اسْمُهُ حَرَامًا [ (3) ] أَخًا لِأُمِّ سُلَيْمٍ [ (4) ] فِي سَبْعِينَ
__________
[ (1) ] الزيادة من صحيح البخاري.
[ (2) ] اي بعث خال أنس، الضمير لأنس.
[ (3) ] حرام بن ملحان الأنصاري، شهد بدرا. مع أخيه سليم بن ملحان، وشهد
أحدا.
[ (4) ] ويروى «أخ لأم سليم» اي هو أخ لأم سليم، فيكون ارتفاعه على انه خبر
مبتدأ محذوف، اما هنا فقد جاءت الرواية بالنصب «أخا لأم سليم» على انه بدل
من قوله: «خاله» الذي هو مفعول بعث، وأم سلم بضم السين بنت ملحان كانت تحت
مالك بن النضر أبو أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فِي الجاهلية، فولدت له انس بن
مالك، فلما جاء الإسلام أسلمت مع قومها، وعرضت الإسلام على زوجها فغضب
عليها وخرج إلى الشام، فهلك هناك، ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا: أَبُو طلحة
الأنصاري
(3/345)
رَجُلًا [ (5) ] فَقُتِلُوا يَوْمَ بِئْرِ
مَعُونَةَ، وَكَانَ رَئِيسَ الْمُشْرِكِينَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ،
وَكَانَ أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فَقَالَ: أُخَيِّرُكَ بَيْنَ
ثَلَاثِ خِصَالٍ: أَنْ يَكُونَ لك أهل السهل [ (6) ] وَلِي أَهْلُ
الْمَدَرِ [ (7) ] أَوْ أَكُونَ خَلِيفَتَكَ مِنْ بَعْدِكَ، أو أغزوك
بغطفان بألف أَشْقَرَ وَأَلْفِ شَقْرَاءَ، قَالَ: فَطُعِنَ [ (8) ] فِي
بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي فُلَانٍ، فَقَالَ:
غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبَكْرِ [ (9) ] فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي
فُلَانٍ [ (10) ] ، ائْتُونِي بِفَرَسِي، فَرَكِبَهُ فَمَاتَ عَلَى ظَهْرِ
فَرَسِهِ، قَالَ: فَانْطَلَقَ حَرَامٌ أَخُو أُمِّ سُلَيْمٍ وَرَجُلَانِ
مَعَهُ: رَجُلٌ أَعْرَجُ [ (11) ] ، وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي فُلَانٍ [ (12) ]
قَالَ: كُونَا قَرِيبًا مِنِّي حَتَّى آتِيَهُمْ فإن أمنوني
__________
[ (،) ] وقال ابن عبد البر: «اختلف في اسم ام سليم، فقيل: سهلة، وقيل:
رميلة، وقيل:
مليكة.
[ (5) ] في الصحيح: «راكبا» .
[ (6) ] اهل السهل: أي البوادي.
[ (7) ] أهل المدر: اهل البلاد.
[ (8) ] أي أصابه الطاعون.
[ (9) ] من المعروف ان الطاعون على انواع أهمها:
1- الطاعون الدّبلي: ويتميز بارتفاع درجة الحرارة،، وتضخم العقد الليمفية
في منطقة الإرب، وما تحت الإبط، وكذا تضخم الطحال.
2- الطاعون الرئوي القاتل.
3- الطاعون الدموي: ويتميز بالطفح على سطح الجلد، وراجع الطب النبوي ص 147
من تحقيقنا للطبعة الخامسة.
وفي أثر عن عائشة أخرجه الإمام احمد في «مسنده» (6: 145) أنها قالت
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم: «الطَّعْنُ قَدْ عَرَفْنَاهُ
فَمَا الطاعون؟ قال: غدّة كغدة البعير يخرج في المراقّ والإبط» .
قوله: كغدة البكر ... البكر بفتح الباء الموحدة، وسكون الكاف: الفتى من
الإبل بمنزلة الغلام من الناس، والأنثى: بكرة.
[ (10) ] وقيل: امرأة من آل سلول، وفي حديث آخر:
ان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم دعا عليه اي على عامر، فقال:
اللهم اكفني عامرا، فجاء إلى بيت امرأة من آل سلول.
[ (11) ] اسم الأعرج: كعب بن زيد من بني دينار بن النجار، قال الذهبي: بدري
قتل مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، يوم الخندق.
[ (12) ] اسم الرجل الذي من بني فلان: المنذر بن محمد بن عقبة بن احيحة بن
الجلاح الخزرجي.
(3/346)
كُنْتُمْ كَذَا وَإِنْ قَتَلُونِي
أَتَيْتُمْ أَصْحَابَكُمْ، فَأَتَاهُمْ حَرَامٌ فَقَالَ أَتُؤَمِّنُونِي
أُبَلِّغْكُمْ رِسَالَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
قَالُوا: نَعَمْ، فجعل يحدثهم وأومأوا إِلَى رَجُلٍ فَأَتَاهُ مِنْ
خَلْفِهِ، فَطَعَنَهُ، قَالَ هَمَّامٌ وَأَحْسَبَهُ قَالَ: فَأَنْفَذَهُ
بِالرُّمْحِ فَقَالَ اللهُ أَكْبَرُ فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، قَالَ:
فَلُحِقَ الرَّجُلُ فَقُتِلُوا كُلُّهُمْ إِلَّا الْأَعْرَجَ كَانَ فِي
رَأْسِ الْجَبَلِ، قَالَ إِسْحَاقُ: فَحَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ
قَالَ: أُنْزِلَ عَلَيْنَا [ (13) ] ، ثُمَّ كَانَ مِنَ الْمَنْسُوخِ
«أَنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا» فَدَعَا
رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم سَبْعِينَ صَبَاحًا عَلَى رِعْلٍ
وَذَكْوَانَ وَبَنِي لِحْيَانَ وَعُصَيَّةَ عصى اللهَ وَرَسُولَهُ.
لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَجَاءٍ
ثَلَاثِينَ صَبَاحًا.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ [
(14) ] ، وَقَالَ: ثَلَاثِينَ صَبَاحًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
فَقَدْ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا الْأَسْفَاطِيُّ يَعْنِي عَبَّاسَ بْنَ الْفَضْلِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَالِكٍ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَشَّاطُ، قَالَا:
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ
بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ
عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي
طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوا أَصْحَابَ بِئْرِ
مَعُونَةَ ثَلَاثِينَ صَبَاحًا يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَلِحْيَانَ
وَعُصَيَّةَ عَصَتِ اللهَ ورسوله قال أنس:
__________
[ (13) ] المنزّل هو الله تعالى.
[ (14) ] الْبُخَارِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ في: 64- كتاب
المغازي (28) باب غزوة الرجيع، الحديث (4091) ، فتح الباري (7: 385- 386) ،
كما رواه البخاري أيضا عن حفص بن عمر، عن همام ... في: 56- كتاب الجهاد،
(9) باب من ينكب في سبيل الله، الحديث (2801) ، فتح الباري (6: 18- 19) .
(3/347)
أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي
الَّذِينَ قُتِلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قُرْآنًا قَرَأْنَاهُ حَتَّى نُسِخَ
بَعْدُ أَنْ بَلِّغُوا قَوْمَنَا أَنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ
عَنَّا وَرَضِينَا عَنْهُ.
لَفْظُ حَدِيثِ يَحْيَى وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ ثَلَاثِينَ غَدَاةٍ
عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لِحْيَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَتِ اللهَ
وَرَسُولَهُ فَنَزَلَ فِيهِمُ الْقُرْآنُ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي
أُوَيْسٍ [ (15) ] .
ورَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى [ (16) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبِسْطَامِيُّ
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي
أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ نَصْرٍ الْحَذَّاءُ الْعَسْكَرِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ
قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مالك: أَنَّ
رِعْلًا وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لِحْيَانَ اسْتَمَدُّوا رَسُولَ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَدُوٍّ، فَأَمَدَّهُمْ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعِينَ مِنَ
الْأَنْصَارِ كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ فِي زَمَانِهِمْ، كَانُوا
يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ حَتَّى إِذَا كَانُوا
بِبِئْرِ مَعُونَةَ قَتَلُوهُمْ وَغَدَرُوا بِهِمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ
نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو
فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ عَلَى
رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لِحْيَانَ.
قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: فَقَرَأْنَا بِهِمْ قُرْآنًا ثُمَّ إِنَّ
ذَلِكَ رُفِعَ: «بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا
فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا» .
__________
[ (15) ] البخاري، عن إسماعيل في: 56- كتاب الجهاد (19) باب فضل قول الله
تعالى وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً
بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ... إلى آخر الآية، الحديث
(2814) ، فتح الباري (6: 31) .
وأخرجه البخاري ايضا في: 68- كتاب المغازي، باب غزوة الرجيع، عَنْ يَحْيَى
بْنِ بُكَيْرٍ.
[ (16) ] مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يحيى في: 5- كتاب المساجد ومواضع
الصلاة (54) باب استحباب القنوت في جميع الصلوات إذا نزلت بالمسلمين نازلة،
الحديث (297) ، ص (468) .
(3/348)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ
عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ حَمَّادٍ [ (17) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: كَتَبَ أَنَسٌ فِي
أَهْلِهِ كِتَابًا فَقَالَ: اشْهَدُوا مَعَاشِرَ الْقُرَّاءِ قَالَ:
وَكَأَنِّي كَرِهْتُ ذَلِكَ فَقُلْتُ: لَوْ سَمَّيْتَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ
وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ فَقَالَ: وَمَا بَأْسٌ أَنْ أَقُولَ لَكُمْ
مَعَاشِرَ الْقُرَّاءِ أَفَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنْ إِخْوَانِكُمُ الَّذِينَ
كُنَّا نَدْعُوهُمْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وسلم: الْقُرَّاءَ، قَالَ: فَذَكَرَ أَنَسٌ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنَ
الْأَنْصَارِ كَانُوا إِذَا أَجَنَّهُمُ اللَّيْلُ أَوَوْا إِلَى مُعَلِّمٍ
بِالْمَدِينَةِ، فَيَبِيتُونَ يَدْرُسُونَ، فَإِذَا أَصْبَحُوا فَمَنْ
كَانَ عِنْدَهُ قُوَّةٌ أَصَابَ مِنَ الْحَطَبِ، وَاسْتَعْذَبَ مِنَ
الْعَذْبِ، وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ سَعَةٌ أَصَابُوا الشَّاةَ
فَأَصْلَحُوهَا، فَكَانَ مُعَلَّقًا بِحُجَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُصِيبَ خُبَيْبٌ بَعَثَهُمْ [ (18) ]
رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فَكَانَ فِيهِمْ خَالِي حَرَامٌ،
فَأَتَوْا عَلَى حَيٍّ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، قَالَ: فَقَالَ حَرَامٌ
لِأَمِيرِهِمْ: دَعْنِي فَلْأُخْبِرَ هَؤُلَاءِ أَنَّا لَيْسَ إِيَّاهُمْ
نُرِيدُ فَيُخَلُّونَ وُجُوهَنَا، قَالَ: فَأَتَاهُمْ فَقَالَ ذَلِكَ
لَهُمْ [ (19) ] فَاسْتَقْبَلَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ بِرُمْحٍ فَأَنْفَذَهُ
بِهِ، فَقَالَ: فَلَمَّا وَجَدَ حَرَامٌ مَسَّ الرُّمْحِ فِي جَوْفِهِ
قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، قَالَ: فَانْطَوَوْا
عَلَيْهِمْ فَمَا بَقِيَ مِنْهُمْ مُخْبِرٌ، قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ عَلَى شَيْءٍ وَجْدَهُ
عَلَيْهِمْ، قَالَ:
فَقَالَ أَنَسٌ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم
كُلَّمَا صَلَّى الْغَدَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ يَدْعُو عَلَيْهِمْ، قَالَ:
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَبُو طَلْحَةَ يَقُولُ: هَلْ لَكَ فِي
قَاتِلِ حَرَامٍ؟ قُلْتُ:
مَا لَهُ فَعَلَ اللهُ بِهِ وَفَعَلَ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ لَا
تَفْعَلْ فَقَدْ أَسْلَمَ.
__________
[ (17) ] البخاري، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ حَمَّادٍ.... في: 64- كتاب
المغازي (28) باب غزوة الرجيع، الحديث (4090) ، فتح الباري (7: 385) .
[ (18) ] في (أ) : «نعتهم» .
[ (19) ] في (ص) و (ح) : «لهم ذلك» .
(3/349)
وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ
عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ: أَنَّهُ
سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: كَانَ شَبَابٌ مِنَ الْأَنْصَارِ
يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ ثُمَّ يَتَنَحَّوْنَ فِي نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ
يَحْسَبُ أَهْلُوهُمْ أَنَّهُمْ فِي الْمَسْجِدِ، وَيَحْسَبُ أَهْلُ
الْمَسْجِدِ أَنَّهُمْ فِي أَهْلِيهِمْ فَيُصَلُّونَ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى
إِذَا تَقَارَبَ الصُّبْحُ احْتَطَبَ بَعْضُهُمْ وَاسْتَقَى بَعْضُهُمْ
مِنَ الْمَاءِ الْعَذْبِ ثُمَّ يُقْبِلُوا حَتَّى يَضَعُوا حُزَمَهُمْ
وَقِرَبَهُمْ عَلَى أَبْوَابِ حُجَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَبَعَثَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم إِلَى بِئْرِ
مَعُونَةَ فَاسْتُشْهِدُوا كُلُّهُمْ، فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنِ قَتَلَهُمْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً.
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ قَالَ: حَدَّثَنَا
سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ
الْعَنْبَرِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ الدَّقِيقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ فِي الْفَجْرِ
شَهْرًا يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ، وَقَالَ: عُصَيَّةُ عَصَتِ
اللهَ وَرَسُولَهُ.
وَفِي رِوَايَةِ مُعَاذٍ: قَنَتَ [ (20) ] رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا بَعْدَ الركوع يدعو على
__________
[ (20) ] القنوت: لفظ مشترك بين الطاعة، والقيام، والخشوع، والسكوت، وغير
ذلك.
قال الله تعالى:
إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ.
أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ.
وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ.
يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ.
وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ.
(3/350)
رِعْلٍ وَذَكْوَانَ: حَيَّيْنِ مِنْ بَنِي
سُلَيْمٍ.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ [ (21)
] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْبِسْطَامِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
__________
[ () ] كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ.
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفْضَلَ الصلاة
طول القنوت: «أخرجه مسلم في صلاة الليل» .
وقد أخرج ابو داود في كتاب الوتر والإمام احمد في «مسنده» (1: 301) عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم قنت شهرا
متتابعا في: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء.
وروى مسلم في باب استحباب القنوت في جميع الصلوات، وأبو داود في باب القنوت
في الصلوات، والنسائي، في باب القنوت في صلاة المغرب، والترمذي في باب ما
جاء في القنوت في الفجر، والإمام احمد في «مسنده» (4: 285) من حديث البراء
بن عازب- رضي الله عنه- «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي صلاة
مكتوبة إلا قنت فيها» .
وقد اتفق اهل العلم على ترك القنوت من غير سبب في أربع صلوات، وهي: الظهر،
والعصر، والمغرب، والعشاء.
وذهب بعضهم إلى ان حديث ابن عباس في قنوت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم شهرا
متتابعا كان له سبب، وقد نسخ، يدل عليه حديث البراء بن عازب.
وروى عبد الرزاق في «مصنفه» ، والإمام أحمد في «مسنده» (3: 162) ،
والدارقطني في «سننه» (2: 136) ، وإسحاق بن راهويه في «مسنده» ، والحاكم في
«المستدرك» عن أنس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قنت شهرا يدعو عليهم، ثم
تركه، وأما في صلاة الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا.
[ (21) ] الحديث أخرجه البخاري في: 14- كتاب الوتر (7) باب القنوت قبل
الركوع وبعده، الحديث (1003) ، فتح الباري (2: 490) عن أحمد بن يونس، عن
زائدة، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز، عن أنس، كما أخرجه البخاري في: 64-
كتاب المغازي، باب غزوة الرجيع، عن محمد بن مقاتل، عن ابن المبارك، عن
سليمان التيمي.
وأخرجه مسلم في: 5- كتاب المساجد ومواضع الصلاة، (54) باب استحباب القنوت
في جميع الصلاة، إذا نزلت بالمسلمين نازلة، الحديث (299) ، صفحة (468) ، عن
عبيد الله ابن معاذ العنبري، وأبو كريب، وإسحاق بن إبراهيم، ومحمد بن عبد
الأعلى عن المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أبي مجلز، عن أنس.
(3/351)
عَبْدِ اللهِ الصُّوفِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا خَلَفٌ هُوَ ابْنُ سَالِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ
(ح) قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَأَخْبَرَنَا ابْنُ نَاجِيَةَ قَالَا:
حَدَّثَنَا ابْنُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هشام عن عُرْوَةَ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتِ: اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ حِينَ
اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْأَذَى، فَقَالَ لَهُ:
أَقِمْ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ أَتَطْمَعُ أَنْ يُؤْذَنَ لَكَ؟ قَالَ:
إِنِّي لَأَرْجُو ذَلِكَ، قَالَ: فَانْتَظَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، قَالَتْ
فَأَتَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَاتِ يَوْمٍ
ظُهْرًا فَنَادَاهُ فَقَالَ: أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكِ، فَقَالَ أَبُو
بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمَا ابْنَتَايَ، قَالَ: أَشَعَرْتَ أَنَّهُ قَدْ أُذِنَ
لِي فِي الْخُرُوجِ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ الصُّحْبَةُ، قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الصُّحْبَةُ، قَالَ يَا
رَسُولَ اللَّه عِنْدِي نَاقَتَانِ قَدْ كُنْتُ أَعْدَدْتُهُمَا
لِلْخُرُوجِ، قَالَ: فَأَعْطَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ
إِحْدَاهُمَا وَهِيَ الْجَدْعَاءُ، فَرَكِبَا حَتَّى أَتَيَا الْغَارَ،
وَهُوَ بِثَوْرٍ فَتَوَارَيَا فِيهِ، وَكَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ
غُلَامًا لِعَبْدِ اللَّه بْنِ الطُّفَيْلِ بْنِ سَخْبَرَةَ أَخِي
عَائِشَةَ لِأُمِّهَا، وَكَانَتْ لِأَبِي بَكْرٍ مَنِيحَةٌ فَكَانَ يَرُوحُ
بِهَا وَيَغْدُو وَيُصْبِحُ فَيَدَّلِجُ إِلَيْهِمَا، ثُمَّ يَسْرَحُ فَلَا
يَفْطُنْ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الرِّعَاءِ، فَلَمَّا خَرَجَ مَعَهُمَا
يُعْقِبَانِهِ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ، انْتَهَى حَدِيثُ ابْنُ
نَاجِيَةَ [ (22) ] .
زَادَ الْآخَرُ قَالَ: فَقُتِلَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ يَوْمَ بِئْرِ
مَعُونَةَ وَأُسِرَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ، فَقَالَ لَهُ
عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ: مَنْ هَذَا؟ وَأَشَارَ إِلَى الْقَتِيلِ فَقَالَ
لَهُ عَمْرُو ابن أُمَيَّةَ: هَذَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ فَقَالَ:
لَقَدْ رَأَيْتُهُ بعد ما قُتِلَ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى إِنِّي
لَأَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ،
قَالَ: فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم خبرهم،
فَنَعَاهُمْ، وَقَالَ: إِنَّ أَصْحَابَكُمْ أُصِيبُوا وَإِنَّهُمْ قَدْ
سَأَلُوا رَبَّهُمْ فَقَالُوا رَبَّنَا أَخْبِرْ عَنَّا إِخْوَانَنَا بِمَا
رَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا، قَالَ: فَأَخْبَرَهُمْ عَنْهُمْ،
قَالَ: وَأُصِيبَ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ عُرْوَةُ بْنُ أَسْمَاءَ بْنِ
الصَّلْتِ سُمِّيَ بِهِ عُرْوَةُ، وَمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو سُمِّيَ بِهِ
مُنْذِرٌ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (23) ] عَنْ عُبَيْدِ
بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أبي أسامة
__________
[ (22) ] تقدم في باب الهجرة، وانظر فهرس الأحاديث في نهاية الكتاب.
[ (23) ] تقدم ضمن الروايات السابقة.
(3/352)
إِلَى قَوْلِهِ: فَقُتِلَ عَامِرُ بْنُ
فُهَيْرَةَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ ثُمَّ قَالَ: وَعَنْ أَبِي أُسَامَةَ،
قَالَ:
قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ فَأَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: لَمَّا قُتِلَ
الَّذِينَ بِبِئْرِ مَعُونَةَ وَأُسِرَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ
الضَّمْرِيُّ قَالَ لَهُ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ: فَذَكَرَهُ بِنَحْوٍ
مِمَّا ذَكَرْنَا وَزَادَ فِيهِ: ثُمَّ وُضِعَ، قُلْتُ هَكَذَا رِوَايَةُ
هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ فِي شَأْنِ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ
أَنَّهُ رُفِعَ ثُمَّ وُضِعَ.
وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو عَبْدِ اللَّه الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ
الْفَرَجِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ قَالَ: فَحَدَّثَنِي مُصْعَبُ
بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: خَرَجَ
الْمُنْذِرُ ابن عَمْرٍو فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَقَالَ فِيهَا قَالَ عَامِرُ
بْنُ الطُّفَيْلِ لِعَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ: هَلْ تَعْرِفُ أَصْحَابَكَ؟
قَالَ: نَعَمْ فَطَافَ فِيهِمْ يَعْنِي فِي الْقَتْلَى وَجَعَلَ يَسْأَلُهُ
عَنْ أَنْسَابِهِمْ، قَالَ: هَلْ تَفْقِدُ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَ:
أَفْقِدُ مَوْلًى لِأَبِي بَكْرٍ يُقَالُ لَهُ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ،
قَالَ: كَيْفَ كَانَ فِيكُمْ؟ قُلْتُ كَانَ مِنْ أَفْضَلِنَا قَالَ أَلَا
أُخْبِرُكَ خَبَرَهُ، وَأَشَارَ لَهُ إِلَى رَجُلٍ فَقَالَ هَذَا طَعَنَهُ
بِرُمْحِهِ ثُمَّ انْتَزَعَ رُمْحَهُ فَذَهَبَ الرَّجُلُ عُلُوًّا فِي
السَّمَاءِ حَتَّى واللَّه مَا أَرَاهُ، قَالَ عَمْرٌو: فَقُلْتُ: ذَاكَ
عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَكَانَ الَّذِي قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ كِلَابٍ
يُقَالُ لَهُ: جَبَّارُ بْنُ سَلْمَى ذَكَرَ أَنَّهُ لَمَّا طَعَنَهُ
سَمِعْتُهُ يَقُولُ فُزْتُ واللَّه فَقُلْتُ فِي نَفْسِي مَا قَوْلُهُ
فُزْتُ، فَأَتَيْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ سُفْيَانَ الْكِلَابِيَّ
فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا كَانَ، وَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ: فُزْتُ واللَّه،
قَالَ: الْجَنَّةُ، وَعَرَضَ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ فأسلمته وَدَعَانِي
إِلَى الْإِسْلَامِ مَا رَأَيْتُ مِنْ مَقْتَلِ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ،
وَمِنْ رَفْعِهِ إِلَى السَّمَاءِ عُلُوًّا قَالَ: وَكَتَبَ الضَّحَّاكُ
إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ
الْمَلَائِكَةَ وَارَتْ جُثَّتَهُ وَأُنْزِلَ عِلِّيِّينَ [ (24) ] .
قُلْتُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ رُفِعَ ثُمَّ وُضِعَ ثُمَّ فُقِدَ بَعْدَ ذَلِكَ
بِأَنْ وَارَتِ الْمَلَائِكَةُ جُثَّتَهُ فَقَدْ رُوِّينَا فِي مَغَازِي
مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، قَالَ: فَقَالَ عُرْوَةُ
بْنُ الزُّبَيْرِ: لَمْ يُوجَدْ جَسَدُ عَامِرٍ يَرَوْنَ أَنَّ
الْمَلَائِكَةَ وَارَتْهُ [ (25) ] .
__________
[ (24) ] «البداية والنهاية» (4: 72) عن المصنف.
[ (25) ] نقله ابن كثير في التاريخ (4: 72) .
(3/353)
|