دلائل
النبوة للبيهقي محققا بَابُ غَزْوَةِ بَدْرٍ الْآخِرَةِ [ (1) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ
[قَالَ] : [ (2) ] أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ
بْنِ عَتَّابٍ [الْعَبْدِيُّ قَالَ] : [ (3) ] حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ
عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ
أَبِي أُوَيْسٍ [قَالَ:] حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الشَّعْرَانِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا جَدِّي [قَالَ] : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ
[قَالَ] [ (4) ] : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ
عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ
عَمِّهِ مُوسَى، قَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ اسْتَنْفَرَ الْمُسْلِمِينَ لِمَوْعِدِ أَبِي سُفْيَانَ بَدْرًا،
وَكَانَ أَهْلًا لِلصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ صلى اللَّه عليه وسلم،
فَاحْتَمَلَ الشَّيْطَانُ أَوْلِيَاءَهُ مِنَ
__________
[ (1) ] من مصادر هذه الغزوة انظر: طبقات ابن سعد (2: 59) ، وسيرة ابن هشام
(3: 163) ، وأنساب الأشراف (1: 163) ، وتاريخ الطبري (2: 559) ، وابن حزم
صفحة (184) ، وعيون الأثر (2: 74) ، البداية والنهاية (4- 87) ، السيرة
الحلبية (2: 360) ، السيرة الشامية (4: 478) .
[ (2) ] ليست في (ح) .
[ (3) ] ما بين الحاصرتين ليست في (ح) .
[ (4) ] الزيادة من (ص) و (أ) . وكذا في باقي الخبر.
(3/384)
النَّاسِ، فَمَشَوْا فِي النَّاسِ
يُخَوِّفُونَهُمْ وَقَالُوا قَدْ أُخْبِرْنَا وَأَنْتُمْ أَنْ قَدْ
جَمَعُوا لَكُمْ مِثْلَ اللَّيْلِ مِنَ النَّاسِ يَرْجُونَ أَنْ
يُوَافِقُوكُمْ فَيَنْتَهِبُوكُمْ فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ لَا تَغْدُوا،
فَعَصَمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُسْلِمِينَ مِنْ تَخْوِيفِ الشَّيْطَانِ،
فَاسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَخَرَجُوا بِبَضَائِعَ لَهُمْ،
وَقَالُوا: إِنْ لَقِينَا أَبَا سُفْيَانَ فَهُوَ الَّذِي خَرَجْنَا لَهُ،
وَإِنْ لَمْ نَلْقَهُ ابْتَعْنَا ببصائعنا، وَكَانَ بَدْرٌ مَتْجَرًا
يُوَافَى فِي كُلِّ عَامٍ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى أَتَوْا مَوْسِمَ بَدْرٍ،
فَقَضَوْا مِنْهُ حَاجَتَهُمْ، وَأَخْلَفَ أَبُو سُفْيَانَ الْمَوْعِدَ،
فَلَمْ يَخْرُجْ هُوَ وَلَا أَصْحَابُهُ، وَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي
ضَمْرَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ حِلْفٌ، فَقَالَ: وَاللهِ إِنْ
كُنَّا لَقَدْ أُخْبِرْنَا أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْكُمْ أَحَدٌ فَمَا
أَعْمَلَكُمْ إِلَى أَهْلِ هَذَا الْمَوْسِمِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ
عَدُوَّهُ مِنْ قُرَيْشٍ: أَعْمَلَنَا إِلَيْهِ مَوْعِدُ أَبِي سُفْيَانَ
وَأَصْحَابِهِ وَقِتَالُهُمْ، وَإِنْ شِئْتَ مَعَ ذَلِكَ نَبَذْنَا
إِلَيْكَ وَإِلَى قَوْمِكَ حِلْفَكُمْ ثُمَّ جَالَدْنَاكُمْ قَبْلَ أنْ
نَبْرَحَ مَنَزِلَنَا هَذَا. فَقَالَ الضَّمْرِيُّ: مَعَاذَ اللهِ بَلْ
نَكُفُّ أَيْدِيَنَا عَنْكُمْ وَنُمْسِكُ بِحِلْفِكُمْ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ
مَرَّ عَلَيْهِمُ ابْنُ حُمَامٍ فَقَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟
قَالُوا رَسُولُ اللهِ وَأَصْحَابُهُ يَنْتَظِرُونَ أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ
مَعَهُ مِنْ قُرَيْشٍ، فَخَرَجَ يَرْتَجِزُ:
تَهْوَى عَلَى دِينِ أَبِيهَا الْأَتْلَدِ ... إِذْ نَفَرَتْ مِنْ
رُفْقَتَيْ مُحَمَّدِ [ (5) ]
وَعَجْوَةٍ مَوْضُوعَةٍ كَالْجَلْمَدِ ... إِذْ جَعَلَتْ مَاءَ قُدَيْدٍ
مَوْعِدِ [ (6) ]
وَصَبَّحَتْ مِيَاهُهَا ضُحَى الْغَدِ [ (7) ]
فَذَكَرُوا أَنَّ ابْنَ الْحُمَامِ قَدِمَ عَلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ: هَذَا
مُحَمَّدٌ وأصحابه
__________
[ (5) ] تهوى: تسرع، والأتلد: القديم.
[ (6) ] قديد: اسم موضع.
[ (7) ] جاء الرجز في سيرة ابن هشام هكذا:
قد نَفَرَتْ مِنْ رُفْقَتَيْ مُحَمَّدِ ... وَعَجْوَةٍ مِنْ يَثْرِبَ
كَالْعُنْجُدِ
تَهْوَى عَلَى دِينِ أَبِيهَا الْأَتْلَدِ ... قَدْ جَعَلَتْ مَاءَ
قُدَيْدٍ مَوْعِدِي
وَمَاءُ ضَجْنَانَ لها ضحى الغد
(3/385)
يَنْتَظِرُونَكُمْ لِمَوْعِدِكُمْ، فَقَالَ
أَبُو سُفْيَانَ: قَدْ وَاللهِ صَدَقَ فَنَفَرُوا وَجَمَعُوا الْأَمْوَالَ،
فَمَنْ نَشِطَ مِنْهُمْ قَوَّوْهُ، وَلَمْ يَقْبَلْ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ
دُونَ أُوقِيَّةٍ، ثُمَّ سَارَ حَتَّى أَقَامَ بِمِجَنَّةٍ مِنْ عُسْفَانَ
مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يُقِيمَ، ثُمَّ ائْتَمَرَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ،
فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا يُصْلِحُكُمْ إِلَّا عَامُ خِصْبٍ تَرْعَوْنَ
فِيهِ السُّمُرَ وَتَشْرَبُونَ مِنَ اللَّبَنِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ
وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى
الْمَدِينَةِ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضَلٍ، فَكَانَتْ تِلْكَ
الْغَزْوَةُ تُدْعَى غَزْوَةَ جَيْشِ السَّوِيقِ، وَكَانَتْ فِي شَعْبَانَ
سَنَةَ ثَلَاثٍ [ (8) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ [قَالَ] : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو
بْنِ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ
[قَالَ] : حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: ثُمَّ
إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم اسْتَنْفَرَ
الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَوْعِدِ أَبِي سُفْيَانَ بِبَدْرٍ فَاحْتَمَلَ
الشَّيْطَانُ أَوْلِيَاءَهُ مِنَ النَّاسِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى
حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ [ (9) ] إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَسَمِعَ
بِذَلِكَ مَعْبَدُ بْنُ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيُّ وَكَانَ رَجُلًا
شَاعِرًا فَعَمَدَ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ فِي ذَلِكَ السَّفَرِ شِعْرًا،
فَذَكَرَ مَعْنَى تِلْكَ الْأَبْيَاتِ، قَالَ: وَيَزْعُمُ نَاسٌ أَنَّ
قَائِلَهَا حُمَامٌ.
فَلَمَّا قَدِمَ الْخُزَاعِيُّ مَكَّةَ اسْتَخْبَرُوهُ عَنْ مَوْسِمِ
بَدْرٍ فَأَخْبَرَهُمْ وَحَدَّثَهُمْ شَأْنَ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ
وَحُضُورِهِمْ مَوْسِمَ بَدْرٍ وَمُجَادَلَتِهِمُ الضَّمْرِيَّ،
فَأَفْزَعَهُمْ ذَلِكَ وَأَخَذُوا فِي الْجَمْعِ وَالنَّفَقَةِ وَذَكَرَ
الْحَدِيثَ وَلَمْ يَذْكُرِ التَّارِيخَ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ [قَالَ] [ (10) ] أَقَامَ
بَقِيَّةَ جمادي
__________
[ (8) ] مختصر هذا الخبر في «الدرر في اختصار المغازي والسير» ص (168) ،
وفي «البداية والنهاية» (4: 89) ، وقال: «قول موسى بن عقبة أنت في شوال سنة
ثلاثة وهم، فإن هذه تواعدوا إليها من أحد، وكانت أحد في شوال سنة ثلاث» .
[ (9) ] نقل ابن كثير طرفا منه في البداية والنهاية (4: 89) .
[ (10) ] ليست في (ح) .
(3/386)
الْأُولَى وَجُمَادَى الْآخِرَةَ وَرَجَبًا
ثُمَّ خَرَجَ فِي شَعْبَانَ إِلَى بَدْرٍ لِمِيعَادِ أَبِي سُفْيَانَ،
حَتَّى نَزَلَهُ، وَأَقَامَ عَلَيْهِ ثَمَانِ لَيَالٍ يَنْتَظِرُ أَبَا
سُفْيَانَ، وَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ فِي أَهْلِ مَكَّةَ حَتَّى نَزَلَ
بِنَاحِيَةِ الظَّهْرَانِ، وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ: قَدْ بَلَغَ
عُسْفَانَ ثُمَّ بَدَا لَهُ الرُّجُوعُ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ
إِنَّهُ لَا يُصْلِحُكُمْ إِلَّا عَامُ خِصْبٍ تَرْعَوْنَ فِيهِ الشَّجَرَ
وَتَشْرَبُونَ فِيهِ اللَّبَنَ، وَإِنَّ عَامَكُمْ هَذَا عَامُ جَدْبٍ،
وَإِنِّي رَاجِعٌ فَارْجِعُوا، فَرَجَعَ النَّاسُ فَسَمَّاهُمْ أَهْلُ
مَكَّةَ جَيْشُ السَّوِيقِ يَقُولُونَ إِنَّمَا خَرَجْتُمْ تَشْرَبُونَ
السَّوِيقَ،
قَالَ: وَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُ
أَبَا سُفْيَانَ لِمِيعَادِهِ فَأَتَاهُ مَخْشِيُّ بْنُ عَمْرٍو
الضَّمْرِيُّ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ وَادَعَهُ عَلَى بَنِي ضَمْرَةَ فِي
غَزْوَةِ وَدَّانَ، فَقَالَ:
يَا مُحَمَّدُ! جِئْتَ لِلِقَاءِ قُرَيْشٍ عَلَى هَذَا الْمَاءِ؟ فَقَالَ:
نَعَمْ يَا أَخَا بَنِي ضَمْرَةَ، فَإِنْ شِئْتَ مَعَ ذَلِكَ رَدَدْنَا
إِلَيْكَ مَا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ، فَقَالَ: لَا، والله يا محمد
مالنا بِذَلِكَ مِنْكَ حَاجَةٌ،
وَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُ أَبَا
سُفْيَانَ، فَمَرَّ بِهِ مَعْبَدُ بْنُ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيُّ
فَقَالَ- وَقَدْ كَانَ رَأَى مَكَانَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَنَاقَتَهُ تهوى به-:
قَدْ تَفَرَتْ مِنْ رُفْقَتَيْ مُحَمَّدِ ... وَعَجْوَةٍ مِنْ يَثْرِبَ
كَالْعُنْجُدِ
تَهْوَى عَلَى دِينِ أَبِيهِ الْأَتْلَدِ ... قَدْ جَعَلَتْ مَاءَ قُدَيْدٍ
مَوْعِدِي
وَمَاءُ ضَجْنَانَ لَهَا ضُحَى الْغَدِ
ثُمَّ ذَكَرَ أَبْيَاتًا لِابْنِ رَوَاحَةَ وَلِحَسَّانَ فِي خُلْفِ أَبِي
سُفْيَانَ مِيعَادَهُ [ (11) ] ، قَالَ:
__________
[ (11) ] منها قَوْلَ عَبْدِ اللهِ بْنِ رواحة:
وعدنا أبا سفيان بدرا فلم نجد ... لميعاده صدقا وما كان وافيا
فأقسم لو وافيتنا فلقيتنا ... لأبت ذميما وافتقدت المواليا
تركنا به أوصال عتبة وابنه ... وعمرا أبا جهل تركناه ثاويا
عصيتم رسول الله أفّ لدينكم ... وأمركم السّيء الّذي كان غاويا
فإنّي، وإن عنّفتموني، لقائل ... فدى لرسول الله أهلي وماليا
أطعناه لم نعد له فينا بغيره ... شهابا لنا في ظلمة اللّيل هاديا
(3/387)
ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وسلم قَافِلًا إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَقَامَ بِهَا
أَشْهُرًا حَتَّى مَضَى ذُو الْحِجَّةِ وَوَلِيَ تِلْكَ الْحَجَّةَ
الْمُشْرِكُونَ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنْ مَقْدَمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وسلم الْمَدِينَةَ [ (12) ] .
وَزَعَمَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهُ انْتَهَى فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ إِلَى
بَدْرٍ هِلَالَ ذِي الْقَعْدَةِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ
شَهْرًا، وَخَرَجَ فِي ألف وخمس مائة مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقَوْلُ مُوسَى
بْنِ عُقْبَةَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي شَعْبَانَ أَصَحُّ [ (13) ] وَاللهُ
أعلم.
__________
[ () ] وقول حسان بن ثابت:
دعوا فلجات الشّام قد حال دونها ... جلاد كأفواه المخاض الأوارك
بأيدي رجال هاجروا نحو ربّهم ... وأنصاره حقّا وأيدي الملائك
إذا سلكت للغور من بطن عالج ... فقولا لها ليس الطّريق هنالك
أقمنا على الرّسّ النّزوع ثمانيا ... بأرعن جرّار عريض المبارك
بكلّ كميت جوزه نصف خلقه ... وقبّ طوال مشرفات الحوارك
ترى العرفج العاميّ تذري أصوله ... مناسم أخفاف المطي الرّواتك
فإن نلق في تطوافنا والتماسنا ... فرات بن حيّان يكن وهن هالك
وإن نلق قيس بن امرئ القيس بعده ... يزد في سواد لونه لون حالك
فأبلغ أبا سفيان عنّى رسالة ... فإنّك من شرّ الرّجال الصّعالك
[ (12) ] الخبر في سيرة ابن هشام (3: 163- 168) ، ونقل بعضه ابن كثير في
التاريخ (4: 87- 88) .
[ (13) ] قال ابن كثير: «الصحيح قول ابن إسحاق أن ذلك في شعبان من السنة
الرابعة، ووافق قول موسى بن عقبة، أنها في شعبان، لكن قال: في سنة ثلاث
وهذا وهم ... » وراجع الحاشية (8) من هذا الباب.
(3/388)
بَابُ غَزْوَةِ دُومَةِ الْجَنْدَلِ
الْأُولَى [ (1) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، [قَالَ] [ (2) ] حَدَّثَنَا
أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ
بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ
__________
[ (1) ] راجع في غزوة دومة الجندل:
- طبقات ابن سعد (2: 62) .
- سيرة ابن هشام (3: 168) .
- أنساب الأشراف (1: 164) .
- تاريخ الطبري (2: 564) .
- مغازي الواقدي (1: 402) .
- ابن حزم ص 184.
- عيون الأثر (2: 75) .
- البداية والنهاية (4: 92) .
- النويري (17: 162) .
- السيرة الحلبية (2: 362) .
- السيرة الشامية (4: 484) .
وتقع دومة الجندل في شمال نجد وهي طرف من أفواه الشام بينها وبين دمشق خمس
ليال وبينها وبين المدينة خمس عشرة ليلة.
[ (2) ] ليست في (ح) وكذا في سائر الخبر.
(3/389)
إِسْحَاقَ، قَالَ: ثُمَّ غَزَا رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُومَةَ الْجَنْدَلِ، ثُمَّ رَجَعَ
قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا، فَأَقَامَ
بِالْمَدِينَةِ بَقِيَّةَ سَنَتِهِ [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ
بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (4)
] ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي لَبِيدٍ، عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنَا [
(5) ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ
أَبِي بَكْرٍ [فَكِلَاهُمَا قَدْ حَدَّثَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ] [ (6) ] ،
يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَغَيْرُهُمَا قَدْ حَدَّثَنِي
أَيْضًا، قَالُوا: أَرَادَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنْ يَدْنُوَ إِلَى أَدْنَى الشَّامِ، وَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا طَرَفٌ مِنْ
أَفْوَاهِ الشَّامِ، فَلَوْ دَنَوْتَ مِنْهَا كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُفْزِعُ
قَيْصَرَ، وَذُكِرَ لَهُ أَنَّ بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ جَمْعًا كَثِيرًا،
وَأَنَّهُمْ يَظْلِمُونَ مَنْ مَرَّ بِهِمْ [مِنَ الضَّافِطَةِ] [ (7) ] ،
وَكَانَ بِهَا سُوقٌ عَظِيمٌ، وَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَدْنُوا مِنَ
الْمَدِينَةِ، فَنَدَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
النَّاسَ، فَخَرَجَ فِي أَلْفٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ يَسِيرُ
اللَّيْلَ وَيَكْمُنُ النَّهَارَ وَمَعَهُ دَلِيلٌ لَهُ مِنْ بَنِي
عُذْرَةَ، يُقَالُ لَهُ: مَذْكُورٌ، هَادٍ خِرِّيتٌ، [فَخَرَجَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُغِذًّا السَّيْرَ، ونكب عَنْ
طَرِيقِهِمْ] [ (8) ] فَلَمَّا دَنَا مِنْ دُومَةِ الْجَنْدَلِ، أَخْبَرَهُ
دَلِيلُهُ بِسَوَائِمِ [ (9) ] تَمِيمٍ، فَسَارَ حَتَّى هَجَمَ عَلَى
مَاشِيَتِهِمْ ورعائهم
__________
[ (3) ] سيرة ابن هشام (3: 168) .
[ (4) ] في (ح) : «حدثني» .
[ (5) ] ح: «وحدثني» .
[ (6) ] الزيادة من مغازي الواقدي.
[ (7) ] (الضافطة) جمع ضافط، وهو الذي يجلب الميرة والمتاع إلى المدن.
[ (8) ] الزيادة من مغازي الواقدي.
[ (9) ]
في المغازي: «قال له الدليل: يا رسول الله! إن سوائمهم ترعى، فأقم حتى أطلع
لك، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ، فخرج
العذري صليعة حتى وجد آثار النّعم والشّاء، وهم مغرّبون، ثُمَّ رَجَعَ
إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم، فأخبره، وقد عرف مواصفهم» .
(3/390)
فَأَصَابَ مَنْ أَصَابَ، وَهَرَبَ مَنْ
هَرَبَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَجَاءَ الْخَبَرُ أَهْلَ دُومَةِ [الْجَنْدَلِ]
فَتَفَرَّقُوا وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
سَاحَتِهِمْ، فَلَمْ يَجِدْ بِهَا أَحَدًا، فَأَقَامَ بِهَا أَيَّامًا،
وَبَثَّ السَّرَايَا، ثُمَّ رَجَعُوا وَأَخَذَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ
رَجُلًا مِنْهُمْ، فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: هَرَبُوا أَمْسُ،
فَعَرَضَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْإِسْلَامَ، فَأَسْلَمَ، وَرَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ [ (10) ] .
__________
[ (10) ] الخبر في مغازي الواقدي (1: 403- 404) ، ونقل الحافظ ابن كثير
طرفا منه في البداية والنهاية (4: 92) .
(3/391)
|