دلائل النبوة للبيهقي محققا

بَابُ غَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ [ (1) ] حِينَ أَغَارَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ أَوِ ابْنُهُ فِي خَيْلٍ مِنْ غَطَفَانَ عَلَى لِقَاحِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْغَابَةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر
__________
[ (1) ] راجع في هذه الغزوة:
- طبقات ابن سعد (2: 80) ويسميها: الغابة.
- سيرة ابن هشام (3: 239) .
- صحيح البخاري (5: 130) .
- مسلم بشرح النووي (12: 173) .
- مغازي الواقدي (2: 537) .
- أنساب الأشراف (1: 167) .
- تاريخ الطبري (2: 596) .
- ابن حزم (201) .
- البداية والنهاية (4: 105) .
- نهاية الأرب (17: 201) .
- شرح المواهب (2: 148) .
- عيون الأثر (2: 113) .
- السيرة الحلبية (3: 4) .
- السيرة الشامية (5: 149) .
وذو قرد بفتح القاف وقيل بضمها: ماء، على نحو بريد من المدينة مما يلي بلاد غطفان، وقيل:
على مسافة يوم منها.

(4/178)


__________
[ () ] يسردها المصنف هنا بعد الحديبية، وقبل خيبر، وأكثر الكتب على أنها قبل الحديبية، وقال البخاري في صحيحه في غزوة ذي قرد: كانت قبل خيبر بثلاث، وذكرها بعد الحديبية، قبل خيبر، وعلى هذا ساقها البيهقي قبل خيبر، ويعد الحديبية، متتبعا أثر البخاري في ذلك.
ورجح هذا ابن حجر، فقال:
ويؤيد ذلك ما رواه الإمام أحمد ومسلم من حديث إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه فذكر قصة الحديبية، ثم قصة ذي قرد، وقال في آخرها: فرجعنا- أي من الغزوة- إلى المدينة، فو الله ما لبثنا بالمدينة إلّا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر.
وأما ابن إسحاق، ومحمد بن عمر وابن سعد فقالوا: كانت غزوة ذي قرد في سنة ستّ قبل الحديبية.
قال محمد بن عمر وابن سعد في ربيع الأوّل.
وقيل في جمادى الأولى.
وقال ابن إسحاق في شعبان فيها، فإنه قال: كانت غزوة بني لحيان في شعبان سنة ست، فلمّا رجع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلى المدينة لم يقم إلّا ليالي حتى أغار عيينة بن حصن على لقاحه- صلى الله عليه وسلّم- قال ابن كثير: وما ذكره البخاريّ أشبه بما ذكره ابن إسحاق.
وقال أبو العباس القرطبي- وهو شيخ صاحب التذكرة والتفسير- تبعا لأبي عمر- رحمهم الله: لا يختلف أهل السّير أنّ غزوة ذي قرد كانت قبل الحديبية، يكون ما وقع في حديث سلمة وهم من بعض الرّواة.
قال: ويحتمل أن يجمع بأن يقال يحتمل أن يكون- صلى الله عليه وسلّم- أغزى سريّة فيهم سلمة بن الأكوع إلى خيبر قبل فتحها، فأخبر سلمة عن نفسه وعمّن خرج معه، يعني حيث قال: خرجنا إلى خيبر قال: ويؤيده أن ابن إسحاق ذكر أنّ رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أغزى إليها عبد الله بن رواحة قبل فتحها مرّتين. انتهى.
قال الحافظ- رحمه الله- تعالى: وسياق الحديث يأبى هذا الجمع، فإن فيه بعد قوله: خرجنا إلى خيبر مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فجعل عمّي يرتجز بالقوم، وفيه
قول النبي- صلى الله عليه وسلّم- من السّائق
وفيه مبارزة عمه لمرحب وقتل عامر، وغير ذلك ممّا وقع في غزوة خيبر حيث خرج إليها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فعلى هذا ما في الصحيح أصحّ مما ذكره أهل السّير.
قال الحافظ: ويحتمل في طريق الجمع أن تكون إغارة عيينة بن حصن على اللّقاح وقعت مرّتين، الأولى التي ذكرها ابن إسحاق وهي قبل الحديبية، والثانية بعد الحديبية قبل الخروج إلى خيبر.

(4/179)


الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ يَقُولُ: خَرَجْتُ قَبْلَ أَنْ يؤَذَّنَ بِالْأُولَى [ (2) ] وَكَانَتْ لِقَاحُ [ (3) ] رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَرْعَى بِذِي قَرَدٍ، فَلَقِيَنِي غُلَامٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَقَالَ: أُخِذَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: مَنْ أَخَذَهَا؟
قَالَ: غَطَفَانُ، فَصَرَخْتُ ثَلَاثَ صَرَخَاتٍ: يَا صَبَاحَاهُ، قَالَ: فَأَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لَابَتَيِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ انْدَفَعْتُ عَلَى وَجْهِي حَتَّى أَدْرَكْتُهُمْ، وَقَدْ أَخَذُوا يَسْتَقُونَ مِنَ الْمَاءِ، فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ بِنَبْلِي وكنت راميا وأقول:
أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ ... وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ [ (4) ]
وَأَرْتَجِزُ حَتَّى اسْتَنْقَذْتُ اللِّقَاحَ مِنْهُمْ، وَاسْتَلَبْتُ [منهم] [ (5) ] ثلاثين بردة [ (6) ] .
__________
[ () ] وكان رأس الذين أغاروا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُيَيْنَةَ كما في سياق سلمة عند مسلم، ويؤيّده أنّ الحاكم ذكر في الإكليل أنّ الخروج إلى ذي قرد تكرّر، ففي الأولى خرج إليها زيد بن حارثة قبل أحد، وفي الثانية خرج إِلَيْهَا النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ سنة خمس، والثّالثة هذه المختلف فيها- انتهى.
[ (2) ] يعني صلاة الصبح، ويدل عليه قوله في رواية مسلم أنه تبعهم من الغلس إلى غروب الشمس.
[ (3) ] (اللقاح) ذوات الدر من الإبل، (واللقوح) : الحلوب، وذكر ابن سعد أنها كانت عشرين لقحة.
[ (4) ] أي يوم هلال اللئام.
[ (5) ] الزيادة من البخاري.
[ (6) ] اسْتَنْقَذْتُ اللِّقَاحَ مِنْهُمْ وَاسْتَلَبْتُ منهم ثلاثين بردة، في رواية مسلم «فما زلت كذلك حَتَّى مَا خَلَقَ اللهُ من ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم من بعير إِلَّا خَلَّفْتُهُ وَرَاءَ ظَهْرِي، ثم اتبعتهم أَرْمِيهِمْ حَتَّى أَلْقَوْا أَكْثَرَ من ثلاثين بردة وثلاثين رمحا يتخففون بها، قال فأتوا مضيقا فأتاهم رجل فجلسوا يتغدون فجلست على رأس قرن، فقال لهم: من هذا؟ فقالوا لقينا من هذا البرج، قال فليقم إليهم منكم أربعة، فتوجهوا إليه فتهددهم فرجعوا، قال: فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلّم أولهم الأخرم الأسدي، فقلت له احذوهم، فالتقى هو وعبد الرحمن بن عيينة فقتله عبد الرحمن وتحول

(4/180)


قَالَ: وَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّاسُ [ (7) ] فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ! قَدْ حَمَيْتُ [ (8) ] الْقَوْمَ [الْمَاءَ] وَهُمْ عِطَاشٌ، فَابْعَثْ إِلَيْهِمُ السَّاعَةَ، فَقَالَ: يَا ابْنَ الْأَكْوَعِ مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ [ (9) ] ، قَالَ: ثُمَّ رَجَعْنَا فَيُرْدِفُنِي رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَاقَتِهِ، حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ [ (10) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْلِمٍ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: خَرَجْتُ أُرِيدُ الْغَابَةَ، فَسَمِعْتُ غُلَامًا لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، يَقُولُ: أُخِذَتْ لِقَاحُ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قُلْتُ مَنْ أَخَذَهَا؟ قَالَ: غَطَفَانُ وَفَزَارَةُ، قَالَ: فَصَعِدْتُ الثَّنِيَّةَ، فَنَادَيْتُ يَا صَبَاحَاهُ، يَا
__________
[ () ] على فرسه، فلحقه أبو قتادة فقتل عبد الرحمن وتحول على الفرس، قال واتبعتهم على رجلي حتى ما أرى أحدا، فعدلوا قبل غروب الشَّمْسِ إِلَى شِعْبٍ فِيهِ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ ذي قرد فشربوا منه وهم عطاش، قال فجلاهم عنه حتى طردهم، وتركوا فرسين على ثنية فَجِئْتُ بِهِمَا أَسُوقُهُمَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» وَذَكَرَ ابن إسحاق نحو هذه القصة وقال «أن الأخرم لقب، واسمه محرز بن نضلة» لكن وقع عنده «حبيب بن عيينة بن حصن، بدل عبد الرحمن، فيحتمل أن يكون كان له اسمان.
[ (7) ] قوله (وَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم والناس) في رواية مسلم «وأتاني عمي عامر بن الأكوع بسطيحة فيها ماء وسطيحة فيها لبن، فتوضأت وشربت» ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الماء الذي أجليتهم عنه، فإذا هو قد أخذ كل شيء استنقذته منهم، ونحر له بلال ناقته.
[ (8) ] أي منعتهم من الشرب.
[ (9) ] أي سهل، (والسجامة) : السهولة.
[ (10) ] أخرجه البخاري في، 64- كتاب المغازي، (37) باب غزوة ذات القرد، الحديث (4194) ، فتح الباري (7: 460) .
وأخرجه مسلم في: 32- كتاب الجهاد والسير، (45) باب غزوة ذي قرد، الحديث (131) ، ص (1432) .

(4/181)


صَبَاحَاهُ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ أَسْعَى فِي آثَارِهِمْ، حَتَّى اسْتَنْقَذْتُهَا مِنْهُمْ، وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ الْقَوْمَ عِطَاشٌ أَعْجَلْنَاهُمْ أَنْ يَسْقُوا لِشَفَتِهِمْ قَالَ يَا ابْنَ الْأَكْوَعِ مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ، إِنَّ الْقَوْمَ فِي غَطَفَانَ يُقْرَوْنَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (11) ] فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي.
(ح) قَالَ: وأَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرِو بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجْتُ أَنَا وَرَبَاحٌ غُلَامٌ يَعْنِي بِفَرَسٍ لِطَلْحَةَ أُنَدِّيهِ [ (12) ] مَعَ الْإِبِلِ، فَلَمَّا كَانَ بِغَلَسٍ أَغَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَلَى إِبِلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَقَتَلَ رَاعِيًا فَخَرَجَ فَطَرَدَهَا وَأُنَاسٌ مَعَهُ فِي خَيْلٍ، فَقُلْتُ: يَا رَبَاحُ! اقْعُدْ عَلَى هَذَا الْفَرَسِ فَأَلْحِقْهُ بِطَلْحَةَ وَأَخْبِرْ رَسُولَ اللهِ أَنْ قَدْ أُغِيرَ عَلَى سَرْحِهِ، وَقُمْتُ عَلَى تَلٍّ، فَجَعَلْتُ وَجْهِي مِنْ قِبَلِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ نَادَيْتُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَا صَبَاحَاهُ! ثُمَّ، اتَّبَعْتُ الْقَوْمَ مَعِي سَيْفِي وَنَبْلِي فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ وَأَعْقِرُ بِهِمْ، وَذَلِكَ حِينَ يَكْثُرُ الشَّجَرُ فَإِذَا رَجَعَ إِلَيَّ فَارِسٌ، جَلَسْتُ لَهُ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَمَيْتُ فَلَا يُقْبِلُ عَلَيَّ فَارِسٌ إِلَّا عَقَرْتُ بِهِ، فجعلت أرميهم وأقول:
__________
[ (11) ] أخرجه البخاري في كتاب الجهاد، (166) باب من رأى العدو فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا صباحاه حتى يسمع الناس، فتح الباري (6: 164) .
[ (12) ] (أنديه) أن يورد الماشية الماء فتسقى قليلا ثم ترسل في المرعى، ثم ترد الماء فترد قليلا ثم ترد إلى المرعى.

(4/182)


أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ ... وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ
فَأَلْحَقُ بِرَجُلٍ فَأَرْمِيهِ، وَهُوَ عَلَى رَحْلِهِ فَيَقَعُ سَهْمِي فِي الرَّجُلِ، حَتَّى انْتَظَمْتُ كَتِفَهُ، قُلْتُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ، وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ، فَإِذَا كنت بالشجرة أحرقتهم بالنبل، وَإِذَا تَضَايَقَتِ الثَّنَايَا عَلَوْتُ الْجَبَلَ فَرَدَدْتُهُمْ بِالْحِجَارَةِ، فَمَا زَالَ ذَا شَأْنِي وَشَأْنُهُمْ أَتْبَعُهُمْ وَأَرْتَجِزُ، حَتَّى مَا خَلَقَ اللهُ شَيْئًا مِنْ ظَهْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (13) ] إِلَّا خَلَّفْتُهُ وراء ظهري [ (14) ] واستنفذته مِنْ أَيْدِيهِمْ.
قَالَ: ثُمَّ لَمْ أَزَلْ [ (15) ] أَرْمِيهِمْ حَتَّى أَلْقَوْا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ رُمْحًا وَأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ بُرْدَةً، يَسْتَخِفُّونَ [ (16) ] مِنْهَا وَلَا يُلْقُونَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إِلَّا جَعَلْتُ عَلَيْهِ الْحِجَارَةَ [ (17) ] وَجَمَعْتُهُ عَلَى طَرِيقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا امْتَدَّ الضحى أتاهم
__________
[ (13) ] (حَتَّى مَا خَلَقَ اللهُ من بعير من ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم) من، هنا، زائدة. أتى بها لتأكيد العموم.
وإنما سميت زائدة لأن الكلام يستقيم بدونها فيصح أن يقال: ما خلق الله بعيرا. ومن، في قوله: من ظهر، بيانية. والمعنى أنه ما زال بهم إلى أن استخلص منهم كل بعير أخذوه مِنْ إِبِلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم.
[ (14) ] (إِلَّا خَلَّفْتُهُ وَرَاءَ ظَهْرِي) خلفته أي تركته، يريد أنه جعله في حوزته وحال بينهم وبينه.
[ (15) ] (ثم اتبعتهم) هكذا هو في أكثر النسخ: اتبعتهم. وفي نسخة: أتبعتهم، بهمزة القطع. وهي أشبه بالكلام وأجود موقعا فيه. وذلك أن تبع المجرد واتّبع بمعنى مشى خلفه على الإطلاق.
وأما اتبع الرباعيّ فمعناه لحق به بعد أن سبقه. ومنه قوله تعالى: فأتبعهم فرعون بجنوده، أي لحقهم مع جنوده بعد أن سبقوه. وتعبيره هنا بثم المفيدة للتراخي يشعر أَنَّه بعد أن استخلص منهم جميع الإبل توقف على اتباعهم ولعل ذلك ريثما جمع الإبل وأقامها على طريق يأمن عليها فيه. والمعنى على هذا الوجه: وبعد أن توقفت عن اتباعهم حتى سبقوني، تبعتهم حتى لحقت بهم.
[ (16) ] (يستخفون) أي يطلبون بإلقائها الخفة ليكونوا أقدر على الفرار.
[ (17) ] (آراما من الحجارة) الآرام هي الأعلام. وهي حجارة تجمع وتنصب في المفازة ليهتدي بها.
واحدها إرم كعنب وأعناب.

(4/183)


عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ مَدًّا لَهُمْ وَهُمْ فِي ثَنِيَّةٍ ضَيِّقَةٍ [ (18) ] ، ثُمَّ عَلَوْتُ الْجَبَلَ فَأَنَا فَوْقَهُمْ.
قَالَ عُيَيْنَةُ مَا هَذَا الَّذِي أَرَى قَالُوا لَقِينَا مِنْ هَذَا الْبَرْحِ [ (19) ] مَا فَرَّقَنَا بِسَحَرَ حَتَّى الْآنَ وَأَخَذَ كُلَّ شَيْءٍ فِي أَيْدِينَا وَجَعَلَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَقَالَ عُيَيْنَةُ لَوْلَا أَنَّ هَذَا يَرَى أَنَّ وَرَاءَهُ طَلَبًا لَقَدْ تَرَكَكُمْ وَقَالَ لِيَقُمْ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْكُمْ فَقَامَ إِلَيَّ نَفَرٌ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ فَصَعِدُوا فِي الْجَبَلِ فَلَمَّا أَسْمَعَهُمُ الصَّوْتُ قُلْتُ لَهُمْ أَتَعْرِفُونِي قَالُوا وَمَنْ أَنْتَ؟
قُلْتُ: أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ وَالَّذِي كَرَّمَ اللهُ وَجْهَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَطْلُبُنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ فَيُدْرِكَنِي وَلَا أَطْلُبُهُ فَيَفُوتَنِي فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ إِنِّي أَظُنُّ يَعْنِي فَرَجَعُوا فَقَالَ فَمَا بَرِحْتُ مَقْعَدِي ذَلِكَ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى فَوَارِسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَلَّلُونَ [ (20) ] الشَّجَرَ فَإِذَا أَوَّلُهُمُ الْأَخْرَمُ الْأَسَدِيُّ وَعَلَى أَثَرِهِ أَبُو قَتَادَةَ فَارِسُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم وَعَلَى أَثَرِ أَبِي قَتَادَةَ المقداد الكندي قال فولوا الْمُشْرِكُونَ مُدْبِرِينَ وَأَنْزِلُ مِنَ الْجَبَلِ فَأَعْرِضُ لِلْأَخْرَمِ فَآخُذُ عِنَانَ فَرَسِهِ قُلْتُ يَا أَخْرَمُ انْذَرِ الْقَوْمَ يَعْنِي احْذَرْهُمْ فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَقْتَطِعُوكَ فَاتَّئِدْ حَتَّى تَلْحَقَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، قَالَ: يَا سَلَمَةُ إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتَعْلَمُ أَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَالنَّارَ حَقٌّ، فَلَا تَحُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ، قَالَ فَخَلَّيْتُ عِنَانَ فَرَسِهِ، فَيَلْحَقُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَيَعْطِفُ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَتَلَهُ، وَتَحَوَّلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى فَرَسِ الْأَخْرَمِ، فَيَلْحَقُ أَبُو قَتَادَةَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَاخْتَلَفَا طَعْنَتَيْنِ فَعَقَرَ بِأَبِي قَتَادَةَ وَقَتَلَهُ أَبُو قَتَادَةَ، وَتَحَوَّلَ أَبُو قَتَادَةَ إِلَى فَرَسِ الْأَخْرَمِ، ثُمَّ إِنِّي خَرَجْتُ أَعْدُو فِي أَثَرِ الْقَوْمِ، حَتَّى مَا أَرَى مِنْ غُبَارِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا وَيعْرِضُونَ قَبْلَ غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ إِلَى شعب فيه
__________
[ (18) ] (حتى أتوا متضايقا من ثنية) الثنية العقبة والطريق في الجبل. أي حتى أتوا طريقا في الجبل ضيقة.
[ (19) ] (البرح) أي الشدة.
[ (20) ] (يتخللون الشجر) أي يدخلون من خلالها، أي بينها.

(4/184)


مَاءٌ يُقَالُ لَهُ: ذُو قَرَدٍ، فَأَرَادُوا أَنْ يَشْرَبُوا مِنْهُ فَأَبْصَرُونِي أَعْدُو وَرَاءَهُمْ، فَعَطَفُوا عَنْهُ واسندوا فِي الثَّنِيَّةِ ثَنِيَّةِ ذِي شر وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَأَلْحَقُ رَجُلًا فَأَرْمِيهِ، قُلْتُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ، وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ، قَالَ يَا ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ [ (21) ] أَكْوَعُهُ بُكْرَةً [ (22) ] ، قُلْتُ: نَعَمْ أَيْ عَدُوَّ نَفْسِهِ، وَكَانَ الَّذِي رَمَيْتُهُ بُكْرَةً فَاتَّبَعْتُهُ بِسَهْمٍ آخَرَ فَعَلِقَ بِهِ سَهْمَانِ وَيُخَلِّفُونَ فَرَسَيْنِ، فَجِئْتُ بِهِمَا أَسُوقُهُمَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الماء الذي حلّيتهم عَنْهُ ذُو قَرَدٍ، فَإِذَا نَبِيُّ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَمْسِمِائَةٍ، وَإِذَا بِلَالٌ قَدْ نَحَرَ جَزُورًا مِمَّا خَلَّفْتُ، فَهُوَ يَشْوِي لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم من كَبِدِهَا وَسَنَامِهَا،
فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ خَلِّنِي فَأَنْتَخِبَ مِنْ أَصْحَابِكَ مِائَةَ رَجُلٍ، فَآخُذَ عَلَى الْكُفَّارِ بِالْعَشْوَةِ فَلَا يَبْقَى مِنْهُمْ مُخَمِّرٌ إِلَّا قَتَلْتُهُمْ فَقَالَ: «أَكُنْتَ فَاعِلًا ذَاكَ يَا سَلَمَةُ» قُلْتُ نَعَمْ وَالَّذِي أَكْرَمَ وَجْهَكَ فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ فِي ضَوْءِ النَّهَارِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُمْ يُقْرَوْنَ [ (23) ] الْآنَ بِأَرْضِ غَطَفَانَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ غَطَفَانَ فَقَالَ مَرُّوا عَلَى فُلَانٍ الْغَطَفَانِيِّ فَنَحَرَ لَهُمْ جَزُورًا فَلَمَّا أَخَذُوا يَكْشِطُونَ جِلْدَهَا رَأَوْا غَبَرَةً فَتَرَكُوهَا وَخَرَجُوا هُرَّابًا، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ أَبُو قَتَادَةَ وَخَيْرُ رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ فَأَعْطَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ سَهْمَ الرَّاجِلِ وَالْفَارِسِ جَمِيعًا ثُمَّ أَرْدَفَنِي وَرَاءَهُ عَلَى الْعَضْبَاءِ، رَاجِعِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمَّا كَانَ بَيْنَنَا وبينها قريب من ضمرة وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ لَا يُسْبَقُ فَجَعَلَ يُنَادِي هَلْ مِنْ مُسَابِقٍ أَلَا رَجُلٌ يُسَابِقُ الْمَدِينَةَ فَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا وَأَنَا وَرَاءَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُرْدِفِي قُلْتُ لَهُ أَمَا تُكْرِمُ كَرِيمًا وَلَا تَهَابُ شَرِيفًا، قَالَ: لَا، إِلَّا رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي خَلِّنِي فَلْأُسَابِقِ الرَّجُلَ، قَالَ: إِنْ شِئْتَ.
قُلْتُ أَذْهَبُ إِلَيْهِ فَطَفَرَ عَنْ راحلته وثنيت رجلي
__________
[ (21) ] في (أ) و (ص) : «يا ثكلتي» .
[ (22) ] أي أنت الأكوع الذي كنت بكرة هذا النهار؟ ولهذا قال: نعم، وبكرة منصوب غير منون.
[ (23) ] (يقرون) : يضافون.

(4/185)


فَطَفَرْتُ عَنِ النَّاقَةِ، ثُمَّ رَبَطْتُ عَلَيْهِ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ يَعْنِي اسْتَبْقَيْتُ نَفْسِي، ثُمَّ عَدَوْتُ حَتَّى أَلْحَقَهُ فَأَصُكَّ بَيْنَ كَتِفَيْهِ بِيَدِي فَقُلْتُ سَبَقْتُكَ وَاللهِ، قَالَ: فَضَحِكَ وَقَالَ إِنْ أَظُنُّ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةِ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ [ (24) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَ بِمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ: فَسَبَقْتُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ قَالَ فَلَمْ نَلْبَثْ إِلَّا ثَلَاثًا حَتَّى خَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ [ (25) ] عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ.
وَزَعَمَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ هَذِهِ الْغَزْوَةَ كَانَتْ عَقِيبَ غَزْوَةِ بَنِي لِحْيَانَ، وَأَنَّهُمْ فَاتُوا بِبَعْضِ النَّعَمِ حَتَّى انْفَلَتَتِ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَسَرُوهَا عَلَى نَاقَةٍ مِنْ إِبِلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَرَكِبَتْهَا، وَجَاءَتْ بِهَا، وَذَلِكَ فِيمَا
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، فِي الْمَغَازِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بن قَتَادَةَ، وعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، وَغَيْرُهُمَا، قَالُوا: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مِنْ بَنِي لِحْيَانَ لَمْ يَقُمْ بَعْدَ قُدُومِهِ إِلَّا لَيَالِيَ [قَلَائِلَ] حَتَّى أَغَارَتْ بَنُو فَزَارَةَ: عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ فِي نَفَرٍ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ، عَلَى لِقَاحِ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ بِالْغَابَةِ، وَفِيهَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي
__________
[ (24) ] الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي: 32- كتاب الجهاد والسير، (45) بَابُ غَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ، الحديث (132) ، ص (1435) ، وسبق أن ذكر المصنف جزأه الأول في بَابُ إِرْسَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانَ بن عفان حين نزل الحديبية، وللحديث تتمة عن غزوة خيبر، وستأتي في سياق قصة غزوة خيبر.
[ (25) ] مسلم في الموضع السابق، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شيبة.

(4/186)


غِفَارٍ وَامْرَأَتُهُ، فَقَتَلُوا الْغِفَارِيَّ، وَاحْتَمَلُوا امْرَأَتَهُ، وَسَاقُوا لِقَاحَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ نَذَرَ بِهِمْ سَلَمَةُ بْنُ عمرو بن الأكوع الْأَسْلَمِيُّ عَدَا وَمَعَهُ قَوْسُهُ وَهُوَ يُرِيدُ الْغَابَةَ فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ نَظَرَ إِلَى الْخَيْلِ تَجُوسُ فِي الْإِبِلِ فَعَلَا فِي سَلْعٍ ثُمَّ صَرَخَ: وَاصَبَاحَاهُ! الْفَزَعَ، الْفَزَعَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَرَخَ فِي الْمَدِينَةِ: يَا خَيْلَ اللهِ ارْكَبُوا، فَكَانَ أَوَّلَ فَارِسٍ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو الْبَهْرَانِيُّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ ثُمَّ تَرَامَتْ إِلَيْهِ الْخُيُولُ حَتَّى كَانُوا ثَمَانِيَةً فِيهِمْ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَأَمَّرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عَلَى الْخَيْلِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ امْضِ فِي طَلَبِ الْقَوْمِ فَإِنِّي بِالْأَثَرِ،
فَمَضَتِ الْخَيْلُ حَتَّى لَحِقُوا بِالْقَوْمِ، فَقَتَلَ أَبُو قَتَادَةَ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ حَبِيبَ بْنَ قُتَيْبَةَ، وَأَدْرَكَ عُكَّاشَةُ بْنُ محصن بن عمرو او بار وَأَبَاهُ وَهُمَا مُتَرَادِفَانِ عَلَى بَعِيرٍ فَانْتَظَمَهُمَا جَمِيعًا بِالرُّمْحِ فَقَتَلَهُمَا، وَقَدْ كَانَ سَبَقَ الْخَيْلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، يُقَالُ لَهُ: الْأَخْرَمُ حَتَّى أَتَى الْقَوْمَ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ، وَكَانَ عَلَى فَرَسٍ جَامٍّ، فَقَالَ: قِفُوا يَا بَنِي اللَّكِيعَةِ حَتَّى يَلْحَقَ بِكُمْ أَرْبَابُكُمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَتَلَهُ فَلَمْ يُقْتَلْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُهُ [ (26) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى فَرَسٍ لِمَحْمُودِ بْنِ مَسْلَمَةَ يُقَالُ لَهُ: ذُو اللِّمَّةِ، فَلَمَّا قُتِلَ الرَّجُلُ جَالَ الْفَرَسُ فَلَمْ تقدر عَلَيْهِ حَتَّى أَتَى أَرِيَّةً [ (27) ] فِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، قَالَ: وَقَدْ كَانَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ قَدْ عَارَضَهُمْ بِرَمْيِهِمْ بِنَبْلِهِ وَهُوَ يَشْتَدُّ عَلَى قَدَمَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ، الْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ، فَإِذَا أُحْمِلَتْ عَلَيْهِ الْخَيْلُ فَرَّ مِنْهَا، وَكَانَ مِثْلَ السَّبْعِ وَنَضَحَهَا عَنْهُ بِالنَّبْلِ، ثُمَّ يُعَارِضُهُمْ حَتَّى تَلَاحَقَ النَّاسُ، وَقَدْ فَاتُوا بِبَعْضِ النَّعَمِ، وَتَلَاحَقَ النَّاسُ،
وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ بِالْجَبَلِ مِنْ ذِي قَرَدٍ، فَقَالَ لَهُ سَلَمَةُ بن
__________
[ (26) ] الخبر رواه ابن هشام في السيرة (3: 239- 241) .
[ (27) ] (الآرية) : الحبل الذي تشد به الدابة، وقد يسمى الموضع الذي تقف فيه الدابة (أريا) أيضا.

(4/187)


الْأَكْوَعِ: يَا رَسُولَ اللهِ خَلِّ سَبِيلِي فِي مِائَةِ رَجُلٍ آخُذُ بِأَعْنَاقِهِمْ، فَقَالَ: إِنَّهُمْ يُغْبَقُونَ الْآنَ فِي غَطَفَانَ،
فَأَقَامَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ وَقَسَمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ لِكُلِّ مِائَةٍ جَزُورٌ فَأَكَلُوهَا ذَلِكَ الْيَوْمَ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ رَاجِعًا [ (28) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: مَا كَانَ الْأَخْرَمُ إِلَّا عَلَى فَرَسٍ لِعُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ، يُقَالُ لَهُ: الجناح فقيل وَاسْتُلِبَهُ يَوْمَئِذٍ، وَأَقْبَلَتِ امْرَأَةُ الْغِفَارِيِّ عَلَى نَاقَةٍ مِنْ إِبِلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ، وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي قَدْ نَذَرْتُ لِلَّهِ نَذْرًا أَنْ أَنْحَرَهَا إِنْ نَجَّانِي اللهُ عَلَيْهَا، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: بِئْسَمَا جَزَيْتِهَا أَنْ حَمَلَكِ اللهُ عَلَيْهَا وَنَجَّاكِ بِهَا، إِنَّهُ لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، وَلَا فِيمَا تَمْلِكِينَ، إِنَّمَا هِيَ نَاقَةٌ مِنْ إِبِلِي، ارْجِعِي إِلَى أَهْلِكِ [ (29) ] .
قُلْتُ: وَزَعَمَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ أَنَّهَا كَانَتِ الْعَضْبَاءَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، وَعَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ.
(ح) قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْحِيرِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: كَانَتِ الْعَضْبَاءُ [ (30) ] لِرَجُلٍ من بني
__________
[ (28) ] رواه ابن هشام في السيرة (3: 242) .
[ (29) ] الخبر في سيرة ابن هشام (3: 242- 243) .
[ (30) ] (وأصابوا معه العضباء) أي أخذوها. وهي ناقة نجيبة كانت لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي عَقِيلٍ. ثم انتقلت إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم.

(4/188)


عَقِيلٍ، وَكَانَتْ مِنْ سَوَابِقِ الْحَاجِّ، فَأُسِرَ الرَّجُلُ وَأُخِذَتِ الْعَضْبَاءُ. قَالَ: فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي وَثَاقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ عَلَى مَا تَأْخُذُونَنِي وَتَأْخُذُونَ سَابِقَةَ الْحَاجِّ [ (31) ] ، فَقَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَأْخُذُكَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ ثَقِيفٍ، قَالَ: وَكَانَتْ ثَقِيفٌ قَدْ أَسَرُوا رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَلَمَّا تَشَهَّدَ، قَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ [ (32) ] أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ. وَمَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي جَائِعٌ فَأَطْعِمْنِي. وَإِنِّي ظَمْآنُ فَاسْقِنِي، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذِهِ حَاجَتُكَ، ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ فُدِيَ بِالرَّجُلَيْنِ، وَحَبَسَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ الْعَضْبَاءَ لِرَحْلِهِ، ثُمَّ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ أَغَارُوا عَلَى مَسْرَحِ الْمَدِينَةِ، فَذَهَبُوا بِهِ، وَكَانَتِ الْعَضْبَاءُ فِي ذَلِكَ السَّرْحِ، وَأَسَرُوا امْرَأَةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانُوا إِذَا كَانَ اللَّيْلُ أَرَاحُوا إِبِلَهُمْ بِأَفْنِيَتِهِمْ، قَالَ: فَقَامَتِ الْمَرْأَةُ ذَاتَ لَيْلَةٍ بَعْدَ مَا نَوَّمُوا، وَكَانَتْ كُلَّمَا وَضَعَتْ عَلَى بَعِيرٍ رَغَا، حَتَّى أَتَتْ عَلَى الْعَضْبَاءِ، فَأَتَتْ عَلَى نَاقَةٍ ذَلُولٍ مُجَرَّسَةٍ فَرَكِبَتْهَا، ثُمَّ وَجَّهَتْهَا قِبَلَ الْمَدِينَةِ، وَنَذَرَتْ إِنِ اللهُ أَنْجَاهَا عليها لتنحرها، فَلَمَّا قَدِمَتْ عُرِفَتِ النَّاقَةُ، فَقِيلَ نَاقَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَذْرِهَا. وَأَتَتْهُ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بِئْسَمَا جَزَيْتِهَا، أَوْ بِئْسَمَا. جَزَتْهَا. إِنِ اللهُ تَعَالَى أَنْجَاهَا عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الزهراني [ (33) ] .
__________
[ (31) ] (سابقة الحاج) أراد بها العضباء. فإنها كانت لا تسبق، أو لا تكاد تسبق. معروفة بذلك.
[ (32) ] (لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أمرك) معناه لو قلت كلمة الإسلام قبل الأسر، حين كنت مالك أَمْرَكَ، أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ. لأنه لا يجوز أسرك لو أسلمت قبل الأسر، فكنت فزت بالإسلام وبالسلامة من الأسر ومن اغتنام مالك. وأما إذا أسلمت بعد الأسر فيسقط الخيار في قتلك، ويبقى الخيار بين الاسترقاق والمنّ والفداء.
[ (33) ] أخرجه مسلم في: 26- كتاب النذور (3) باب لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي معصية، الحديث (8) ، ص (3: 1262- 1263) .

(4/189)


وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، أَنَّ عُيَيْنَةَ بْنَ بَدْرٍ الْفَزَارِيَّ، أَغَارَ عَلَى سَرْحِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ بِالْغَابَاتِ، أَوْ قَرِيبٌ مِنْهَا، وَيُقَالُ إِنَّ مَسْعَدَةَ الْفَزَارِيَّ كَانَ رَئِيسَ الْقَوْمِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ يَطْلُبُونَهُمْ، وَأَسْرَعَ نَفَرٌ مِنْهُمْ ثَمَانِيَةٌ، أَمِيرُهُمْ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَأَدْرَكُوا الْقَوْمَ، فَاعْتَنَقَ أَبُو قَتَادَةَ مَسْعَدَةَ فَقَتَلَهُ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- بِيَدِ أَبِي قَتَادَةَ، وَأَخَذَ أَبُو قَتَادَةَ بُرْدَةً لَهُ حَمْرَاءَ، كَانَتْ عَلَيْهِ فَسَجَّاهَا عَلَى مَسْعَدَةَ. حِينَ قَتَلَهُ، ثُمَّ نَفَذُوا فِي أَثَرِ السَّرْحِ، وَمَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى قَتِيلِ أَبِي قَتَادَةَ. فَلَمَّا رَأَوْا رِدَاءَ أَبِي قَتَادَةَ عَلَى الْقَتِيلِ، ظَنُّوا أَنَّهُ أَبُو قَتَادَةَ فَاسْتَرْجَعَ أَحَدُهُمْ وَقَالَ: هَذَا أَبُو قَتَادَةَ قَتِيلًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ هُوَ قَتِيلُ أَبِي قَتَادَةَ، جَعَلَ عَلَيْهِ رِدَاءَهُ لِتَعْرِفُوهُ، فَخَلُّوا عَنْ قَتِيلِهِ، وَسَلَبِهِ.
ثُمَّ إِنَّ فَوَارِسَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْرَكُوا الْعَدُوَّ وَالسَّرْحَ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَاسْتَنْقَذُوا السَّرْحَ، وَهَزَمَ اللهُ الْعَدُوَّ، وَيُقَالُ: قَتَلَ أَبُو قَتَادَةَ قِرْفَةَ امْرَأَةَ مَسْعَدَةَ، وَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْأَجْدَعُ: مُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ [ (34) ] ، قَتَلَهُ أَوْبَارٌ، فَشَدَّ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، فَقَتَلَ أَوْبَارًا وَابْنَهُ عَمْرًا، وَيُقَالُ: كَانَا رَدِيفَيْنِ.
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، فَذَكَرَهُ، وَمَعْنَاهُ ذَكَرَهُ أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، فِي شَأْنِ أَبِي قَتَادَةَ وَقَتْلِهِ مَسْعَدَةَ، وَقَتْلِ الْأَخْرَمِ أَوْبَارٌ: مُحْرِزِ بْنِ نَضْلَةَ الْأَجْدَعِ، وَقَتْلِ عُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنَ أَوْبَارًا وَابْنَهُ.
__________
[ (34) ] في الأصول: «الأجدع بن محرز بن نضلة» ، وليس بصحيح، فالأجدع صفة له، واسمه:
محرز بن نضلة بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَسَدِيُّ، مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خزيمة، شهد بدرا، وحكى البغوي عن ابن إسحاق: «محرز بن عون بن نضلة» وبعضهم يقول: ابن ناضلة.

(4/190)


أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ. فَذَكَرَهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ وَلَمْ يَذْكُرْ سَعْدَ بْنِ زَيْدٍ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَبِيبٍ الْأَزْرَقِيُّ بِمَرْوَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ قَيْسِ بْنِ رَيْحَانَ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ قَتَادَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ اشْتَرَى فَرَسَهُ مِنْ دَوَابَّ دَخَلَتِ الْمَدِينَةَ، فَلَقِيَهُ مَسْعَدَةُ الْفَزَارِيُّ، فَقَالَ:
يَا أَبَا قَتَادَةَ! مَا هَذَا الْفَرَسُ. فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: فَرَسٌ أَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا أَهْوَنَ قَتْلَكُمْ وَأَشَدَّ جُرْأَتَكُمْ، قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: أَمَا إِنِّي أَسْأَلُ اللهَ- عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ أَلْقَيَنَّكَ وَأَنَا عَلَيْهَا، قَالَ: آمِينَ.
فَبَيْنَا أَبُو قَتَادَةَ ذَاتَ يَوْمٍ يَعْلِفُ فَرَسَهُ تَمْرًا فِي طَرَفِ بُرْدَتِهِ، إِذْ رَفَعَتْ رَأْسَهَا، وَصَرَّتْ أُذُنَهَا، فَقَالَ: أَحْلِفُ بِاللهِ لَقَدْ حَسَّتْ بِرِيحِ خَيْلٍ، فَقَالَتْ لَهُ [أُمُّهُ] : [ (35) ] وَاللهِ يَا بُنَيَّ مَا كُنَّا نُرَامُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَكَيْفَ حِينَ جَاءَ اللهُ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَفَعَتِ الْفَرَسُ أَيْضًا رَأْسَهَا، وَصَرَّتْ أُذُنَيهَا، فَقَالَ أَحْلِفُ بِاللهِ لَقَدْ حَسَّتْ بِرِيحِ خَيْلٍ. فَوَضَعَ عَلَيْهَا سَرْجَهَا، فَأَسْرَجَهَا وَأَخَذَ سِلَاحَهُ، ثُمَّ نَهَضَ، حَتَّى أَتَى مَكَانًا يُقَالُ لَهُ الزَّوْرَاءُ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا قَتَادَةَ تُسَوِّطُ دَابَّتَكَ وَقَدْ أُخِذَتِ اللِّقَاحُ! وَقَدْ ذَهَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي طَلَبِهَا وَأَصْحَابُهُ.،
فَقَالَ: أَيْنَ فَأَشَارَ لَهُ نَحْوَ الثَّنِيَّةِ، فَإِذَا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ جُلُوسًا عِنْدَ دِبَابٍ، فَقَمَعَ دَابَّتَهُ ثُمَّ خَلَّاهَا،
فَمَرَّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فَقَالَ لَهُ: امْضِ يَا أَبَا قَتَادَةَ صَحِبَكَ اللهُ.
__________
[ (35) ] الزيادة من (ح) .

(4/191)


قَالَ أَبُو قَتَادَةَ فَخَرَجْتُ، فَإِذَا بِإِنْسَانٍ يُحَاكُّنِي، فَلَمْ أَنْشِبْ أَنْ هَجَمْنَا عَلَى الْعَسْكَرِ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا قَتَادَةَ! مَا تَقُولُ، أَمَّا الْقَوْمُ فَلَا طَاقَةَ لَنَا بِهِمْ، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: تَقُولُ إِنِّي وَاقِفٌ حَتَّى يَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ أَنْ تَشُدَّ فِي نَاحِيَةٍ وَأَشُدَّ فِي نَاحِيَةٍ، فَوَثَبَ أَبُو قَتَادَةَ، فَشَقَّ الْقَوْمَ وَرُمِيَ بِسَهْمٍ، فَوَقَعَ فِي جَبْهَتِهِ قَالَ أَبُو قَتَادَةَ فترعت فِدْحَهُ، وَأَنَا أَظُنُّ أَنِّي قَدْ نَزَعْتُ الْحَدِيدَةَ [ (36) ] . وَمَضَيْتُ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَنْشِبْ أَنْ طَلَعَ عَلَيَّ فَارِسٌ عَلَى فَرَسٍ فَارِهٍ، وَأَدَاةٍ كَلِيلَةٍ عَلَى وَجْهِهِ مِغْفَرٌ لَهُ، فأَثْبَتَنِي وَلَمْ أُثْبِتْهُ، قَالَ: لَقَدْ لَقَّانِيكَ اللهُ يَا أَبَا قَتَادَةَ وَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، فَإِذَا مَسْعَدَةُ الْفَزَارِيُّ، فَقَالَ: أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ مُجَالَدَةٌ، أَوْ مُطَاعَنَةٌ أَوْ مُصَارَعَةٌ، قَالَ:
فَقُلْتُ ذَاكَ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَيْكَ، قَالَ: فَقَالَ صِرَاعٌ، فَأَحَالَ رِجْلَهُ عَنْ دَابَّتِهِ وَأَحَلْتُ رِجْلِي عَنْ دَابَّتِي، ثُمَّ عَلَّقْتُ دَابَّتِي وَسِلَاحِي إِلَى شَيْءٍ، وَعَلَّقَ دَابَّتَهُ وَسِلَاحَهُ إِلَى شَيْءٍ، ثُمَّ تَوَاثَبْنَا فَلَمْ أَنْشِبْ أَنْ رَزَقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الظَّفَرَ عَلَيْهِ، فَإِذَا أنا على صدره فو الله إِنِّي لَمِنْ أَهَمِّ النَّاسِ مِنْ رَجُلٍ مُتَأَبِّطٍ قَدْ عَالَجْتُ مِنْهُ مَا عَالَجْتُ أَنْ أَقُومَ فَآخُذَ سَيْفِي أَنْ يَقُومَ فَيَأْخُذَ سَيْفَهُ وَأَنَا بَيْنَ عَسْكَرَيْنِ لَا آمَنُ أَنْ يَهْجُمَ عَلَيَّ أَحَدُهُمَا إِذَا شَيْءٌ يَمَسُّ رَأْسِي، فَإِذَا نَحْنُ قَدْ تَعَالَجْنَا، حَتَّى بَلَغْنَا سِلَاحَ مَسْعَدَةَ، فَضَرَبْتُ بِيَدِي إِلَى سَيْفِهِ فَلَمَّا رَأَى أَنَّ السَّيْفَ قَدْ وَقَعَ بِيَدِي، قَالَ: يَا أَبَا قَتَادَةَ اسْتَحْيِنِي، قَالَ: قُلْتُ لَا وَاللهِ، أَوَ تَرِدَ أُمُّكَ الْهَاوِيَةَ، قَالَ: يَا أَبَا قَتَادَةَ فَمَنْ لِلصِّبْيَةِ؟ قَالَ: قُلْتُ النَّارُ، قَالَ ثُمَّ قَتَلْتُهُ، ثُمَّ أَدْرَجْتُهُ فِي بُرْدِي، ثُمَّ أَخَذْتُ ثِيَابَهُ فَلَبِسْتُهَا، وَأَخَذْتُ سِلَاحَهُ ثُمَّ اسْتَوَيْتُ عَلَى فَرَسِهِ وَكَانَتْ فَرَسِي نَفَذَتْ حِينَ تَعَالَجْنَا، فرجعت راجعة إِلَى الْعَسْكَرِ، قَالَ فَعَرْقَبُوهَا ثُمَّ مَضَيْتُ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَنْشِبْ أَنَا حَتَّى أَشْرَفْتُ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ وَهُوَ فِي سَبْعَةَ عَشَرَ فَارِسًا قَالَ فَأَلَحْتُ لَهُمْ فَوَقَفُوا فَلَمَّا أَنْ دَنَوْتُ مِنْهُمْ حَمَلْتُ عَلَيْهِمْ حَمْلَةً فَطَعَنْتُ ابْنَ أَخِيهِ طَعْنَةً دَقَّقَتْ صُلْبَهُ، قَالَ: وَأَكْشَفَ مَنْ مَعَهُ، قَالَ: وَخَشِيتُ اللقاح برمحي.
__________
[ (36) ] في (أ) : المديدة.

(4/192)


قَالَ: وَأَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم ومن مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمُ الْعَسْكَرُ فَرُّوا، قَالَ: فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى مَوْضِعِ الْعَسْكَرِ إِذَا بِفَرَسِ أَبِي قَتَادَةَ قَدْ عُرْقِبَتْ، قَالَ: فقال الرجل مِنَ الصَّحَابَةِ يَا رَسُولَ اللهِ عُرْقِبَتْ فَرَسُ أَبِي قَتَادَةَ! قَالَ: فَوَقَفَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: وَيْحُ أُمِّكَ رُبَّ عَدُوٍّ لَكَ فِي الْحَرْبِ مَرَّتَيْنِ، قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى إِذَا انْتَهَوْا إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي تَعَالَجْنَا فِيهِ إِذَا هُمْ بِأَبِي قَتَادَةَ فِيمَا يَرَوْنَ سُجِّيَ فِي ثِيَابِهِ، قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ: يَا رَسُولَ اللهِ! اسْتُشْهِدَ أَبُو قَتَادَةَ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَحِمَ اللهُ أَبَا قَتَادَةَ عَلَى آثَارِ الْقَوْمِ يَرْتَجِزُ فَدَخَلَهُمُ الشَّيْطَانُ أَنَّهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى فَرَسٍ قَدْ عُرْقِبَتْ وَيَنْظُرُونَ إِلَيَّ مُسَجًّى عَلَى ثِيَابِي، قَالَ فَخَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَوْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ يَسْعَى حَتَّى كَشَفَ الثَّوْبَ فَإِذَا هُوَ مَسْعَدَةُ، فَقَالَ: اللهُ أَكْبَرُ، صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ: مَسْعَدَةُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَكَبَّرَ النَّاسُ وَلَمْ يَنْشِبْ أن طلع عليكم أَبُو قَتَادَةَ يَحُوشُ اللِّقَاحَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْلَحَ وَجْهُكَ أَبَا قَتَادَةَ، أَبُو قَتَادَةَ سَيِّدُ الْفُرْسَانِ، بَارَكَ اللهُ فِيكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ، وَفِي وَلَدِكَ، وَفِي وَلَدِ وَلَدِكَ، وَأَحْسَبُ عِكْرِمَةَ قَالَ:
وَفِي وَلَدِ وَلَدِ وَلَدِكَ، مَا هَذَا بِوَجْهِكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ، قَالَ قُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي سَهْمٌ أَصَابَنِي وَالَّذِي أَكْرَمَكَ بِمَا أَكْرَمَكَ، لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنِّي نَزَعْتُهُ، قَالَ: ادْنُ مِنِّي يَا أَبَا قَتَادَةَ، قَالَ: فَدَنَوْتُ مِنْهُ قَالَ فَنَزَعَ النَّصْلَ نَزْعًا رَفِيقًا، ثُمَّ بَزَقَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَضَعَ راحته عليه، فو الذي أَكْرَمَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنُّبُوَّةِ مَا ضَرَبَ عَلَيَّ سَاعَةً قَطُّ وَلَا قَرَحَ عَلَيَّ
.

(4/193)